الاربعون حديثاً 424

في الإيمان تجاه أخبار أهل بيت العصمة عليهم السلام ؟
نحن لا نعرف الصور الغيبية لأعمالنا ، ولا ندرك الارتباطات الغيبية بين المُلك والملكوت ، ولهذا نبتعد عن مثل هذه الأخبار ، ونحمل أمثالها على المبالغة . ولكن هذا المنهج باطل وناتج من الجهل والضعف في الإيمان . فلو فرضنا بأننا حملنا هذا الحديث الشريف على المبالغة ، أليست المبالغة ذات شروط ووضع خاص ؟ هل نستطيع أن نقول عن كل شيء أنه أسوأ من الخمر ، أو لا بد وأن يكون الشيء ذا شر عظيم حتى نتمكن من المبالغة ونقول إنه أعظم من الشر ؟
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الكذب هو خراب الإيمان» (1) .
في الحقيقة أن مثل هذه الأخبار ، تهز أعماق الإنسان ، وتقصم ظهره فإننا نتصور بأن الكذب من الأعمال الفاسدة ، التي فقد الاحساس بقبحها نهائيا من جرّاء شيوعها بين الناس ، ولكن سيأتي وقت ننتبه ونشعر بأن الإيمان الذي هو رأس مال حياة عالم الآخرة ، قد زال من أيدينا من جراء الاستهانة بالكذب ولم نشعر بذلك أبدا .
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم ، قيل ويكون بخيلا ؟ قال : نعم ، قيل : ويكون كذّابا ؟ قال : لا (2) .
ونقل عن صدوق الطائفة محمد بن علي بن الحسين أنه قال : من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أربى الربا الكذب» (3) مع أن التشديد في حرمة الربا وبشاعته مما يذهل الإنسان :
ومن الأمور التي لا بد للإنسان أن يلتفت إليها ، هو أن الأخبار قد استنكرت الكذب حتى هزله ومزحه ، وشددت في ذلك . وأفتى العلماء بحرمته أيضا . كما ذكر صاحب الوسائل في عنوان الباب الذي هو تعبير عن فتاواه : باب تحريم الكذب في الصغير والكبير والجد والهزل هنا ما استثنى (4) .
وعن الكافي الشريف عن أبي جعفر عليه السلام قال كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما يقول لولده اتقوا الكذب ، الصغير منه والكبير في كل جد وهزل فإن الرجل إذا كذب في الصغير

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكذب ، ح 4 .
(2) و (3) وسائل الشيعة ، المجلد الثامن ، الباب 138 ، باب تحريم الكذب ، أبواب أحكام العشرة ، ح 11 و 12 .
(4) وسائل الشيعة ، المجلد الثامن ، الباب 140 ، باب تحريم الكذب في الصغير والكبير والجد والهزل عدا ما استثنى .
الاربعون حديثاً 425

اجترئ على الكبير أما علمتم أن الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما يزال العبد يصدُق حتى يكتبـه الله صدّيقـا وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذّابـا (1) .
وفي الكافي عن الأصبغ بن نباته قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده» (2) .
وفي وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر : «يا أبا ذر ، ويل للذي يُحدّث فيكذب ليُضحك به القوم ، ويل له ، ويل له» (3) .
وبعد عرض هذه الأخبار الشديدة والمنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام ، لا بد من الجرأة الكبيرة والشقاء المضاعف ، حتى يقدم الإنسان على هذا الأمر الخطير ، والمعصية الكبيرة .
وكما أن الكذب قد عُد من المفاسد الخطيرة جدا ، اعتبر صدق اللهجة والاستقامة في الحديث ، مهما جدا ، واُثني عليه في أخبار أهل البيت ثناءا بليغا . ونحن نكتفي بذكر بعضها :
محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع» (4) .
وقال الصدوق رحمه الله بسنده إلى رسول الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن أقربكم مني غدا وأوجبكم عليّ شفاعة ، أصدقكم لسانا ، وأدّاكم للأمانة وأحسنكم خُلقا وأقربكم من الناس (5) .

فصل
في حقيقة الورع ومراتبه

يتحدث هذا الفصل عن الورع ، وأنه قد عُد من منازل السالكين والسائرين إلى الله سبحانه ، وعُرِّف حسب ما نقل العارف المعروف خواجة عبد الله الأنصاري «هو توقّ مستقصى على حذر أو تحرُّج على تعظيم» . وهذا التعريف يشمل كافة مراتبه ، لأن للورع مراتب كثيرة : فورع العوام ، الاجتناب عن الكبائر ، وورع الخواص الابتعاد عن الشبهات خشية الوقوع في

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكذب ، ح 2 .
(2) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكذب ، ح 11 .
(3) وسائل الشيعة ، المجلد الثامن ، الباب 140 من أبواب أحكام العشرة ح 4 ص 577 .
(4) أصول الكافي ، المجلد الثامن ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصدق وأداء الآثار ، ح 10 .
(5) أمالي الشيخ الصدوق ـ المجلس 76 ـ ص 411 طباعة الأعلى .
الاربعون حديثاً 426

المحرمات كما أشير إليه في حديث التثليث الشريف (1) . وورع أهل الزهد الاجتناب عن المباحات للابتعاد عن وزرها . وورع أهل السلوك ترك النظر إلى الدنيا لأجل الوصول إلى المقامات . وورع المجذوبين ، ترك المقامات لأجل الوصول إلى باب الله ، ومشاهدة جمال الله . وورع الأولياء ، الاجتناب عن التوجه إلى الغايات .
ولكل واحدة من هذه المراتب شرح لا يجدينا الإسهاب فيه . وما يجب أن نعرفه هنا هو :
أن الورع عن المحرمات الإلهية يكون أساس جميع الكمالات المعنوية ، والمقامات الأخروية . ولا يحصل لأحد مقام إلا عند الورع عن محرمات الله . وإن القلب الذي لا يتحلّى بالورع ، ليصدأ ، وليبلغ به الأمر إلى مستوى لا يُرجى له النجاة . إن الورع يوجب صفاء النفوس وجلائها ، وأنه يكون من أهم المنازل لدى العوام ، ويعتبر من أفضل زاد المسافر نحو الآخرة . وقد ورد في فضله حسب أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام أكثر مما يسعه هذا الكتاب . ونحن نكتفي بذكر بعض هذه الأحاديث . يرجع الباحث لأكثر من ذلك ، إلى كتب الأخبار .
الكافي : بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد ، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه» (2) .
وبهذا المضمون رواية أخرى أيضا . وهذا شاهد على أن العبادات تتساقط عن الاعتبار ، إذا كانت خالية من الورع . ومن المعلوم أن الغاية المنشودة من العبادات التي هي ترويض النفس ، ولجمها ، وقهر الملكوت للمُلك والطبيعة ، لا تحصل إلا بواسطة الورع الشديد ، والتقوى الكاملة .
ثم إن النفوس المدنسة بالمعصية ، لا تقبل صورة ولا رسما إلا بعد تنظيفها من الكدر وتطهيرها من القذارة ، حتى يتمكن الرسّام من الرسم فيها . فالعبادات التي هي الصور الكمالية للنفس ، لا تنفع من دون صقلها من غبار المعصية ، وإنما تكون صورة من دون لب وظاهرا من دون روح .
وبإسناده عن يزيد بن خليفة قال : «وعظنا أبو عبد الله عليه السلام فأمر وزهّد ثم قال : عليكم بالورع فإنه لا يُنال ما عند الله إلا بالورع (3) .

(1) وسائل الشيعة ، المجلد 18 ، الباب 12 من أبواب صفات القاضي ، ح 9 عن أبي عبد الله في حديث قال : وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع ، وأمر بين غيّه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى ا لله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات .
(2) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الورع ، ح 11 .
(3) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الورع ، ح 3 .
الاربعون حديثاً 427

فبموجب هذا الحديث الشريف ، أن الإنسان الذي لا ورع له ، يكون محروما من الكرامات التي وعدها الله لعباده . وهذا الحرمان من أعظم الخذلان والشقاء . وفي الوسائل مسندا إلى الإمام الباقر عليه السلام في حديث «لا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع» (1) .
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق ثم (... قال يا عيسى بن عبد الله ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه) (2) .
ولا بد من معرفة أن المقياس في كمال الورع على ضوء الروايات الشريفة ، هو الاجتناب عن محرمات الله ، وأن كل من يبتعد عن المحرمات الإلهية أكثر ، يُعد من أورع الناس طرا . فينبغي أن لا يستغل الشيطان هذا الموضوع ـ ليس منا وفي مصر مائة ألف يوجد أحد أورع منه ـ ويعظمه ، ويلقي اليأس في القلب ، لأن من طبيعة هذا الملعون دفع الإنسان إلى الشقاء الأبدي من خلال اليأس ، بأن يقول له في المقام مثلا : كيف يمكن أن يكون أورع إنسان في بلد يحتضن مائة ألف أو يزيدون من الناس ؟ فإن هذا من أساليب كيد هذا اللعين ، ووساوس النفس الأمارة . وجوابه هو أن من ابتعد عن المحرمات الإلهية يندرج في هذه الروايات ، حسب ما يستفاد من الأحاديث المباركة ، ويعتبر من أورع الناس .
ثم إن الابتعاد عن المحرمات الإلهية ، لا يستدعي جهدا جبارا ، بل الإنسان مع قليل من الترويض النفسي والعمل ، يستطيع أن يترك جميع المحرمات ، شريطة إرادته على أن يكون من أهل السعادة والنجاة ، ومن أهل الولاية للأئمة الأطهار وكرامة الحق المتعالي . وإذا لم يكن له صبر على المعصية ، بهذا المقدار ، لما تحقق له البعد عن المعصية . أنه يجب أن يتمتع بقدر من الجلادة والإصرار والترويض النفسي .


تتميم
في بيان مفاسد الخيانة وحقيقة الامانة

توجد في المقام نكتة لا بد من الإشارة إليها ، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أوصى بالورع فرّع عليه قائلا (ولا تجترئ على خيانة أبدا) مع أن الورع يكون عن كل المحرمات ، أو يكون أعم من الخيانة ، وعليه لا بد من تفسير الخيانة بمعنى أعم من المتفاهم العرفي لها ، حتى تتطابق مع الورع ، بأن نقول إن مطلق المعصية أو اقتراف مطلق ما يمنع السير إلى الله خيانة ، لأن التكاليف الإلهية أمانات للحق سبحانه كما ورد في الآية الكريمة«إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ...»(3) الخ . حيث فسر بعض المفسرين الأمانة

(1) و (2) وسائل الشيعة ، المجلد 11 ، باب 21 من أبواب جهاد النفس ح 17 و 11 .
(3) سورة الأحزاب ، آية : 72 .
الاربعون حديثاً 428

بالتكاليف الإلهية ، بل إن جميع الأعضاء ، والجوارح والقوى ، أمانات للحق المتعالي واستعمالها على خلاف رضا الحق سبحانه ، خيانة ، كما أن توجيه القلب إلى غير الحق يعدّ من الخيانة . بيت شعر :
هذه الروح التي أعارها لي الصديق الحميم
سأرجعها إليه في اليوم الذي أرى وجهه .
أو أن المقصود من الخيانة نفس المعنى المتعارف ، ويكون وجه التخصيص بذكرها لأجل شدة الاهتمام بالخيانة ، فكأن الورع كل الورع هو الابتعاد عن خيانة الأمانة .
ومن يرجع إلى أخبار المعصومين عليهم السلام المأثورة في ردّ الأمانة والابتعاد عن الخيانة ، لأدرك حجم اهتمام الشارع المقدس بهذا الموضوع . ويضاف إلى ذلك هو أن قبحها الذاتي لا يخفى على أحد . وأنه يجب إخراج الإنسان الخائن من المجتمع البشري ، وإلحاقه بأرذل الشياطين . ومن المعلوم أن الإنسان الذي يشتهر بين الناس بالخيانة ، تضيق عليه الحياة وتصعب ، حتى في هذا العالم أيضا .
إن البشر بصورة عامة يعيشون مع بعضهم البعض في ظل التعاون والتعاضد حياة سعيدة ، ولا يمكن لأحد ، الحياة بصورة منفردة ، إلا إذا غادر المجتمع البشري وإلتحق بالحيوانات الوحشية . ثم إن العجلة الكبيرة التي تدور لتحريك الحياة الأجتماعية ، هي اعتماد الناس بعضهم على بعض ، فإذا زال الاعتماد وتلاشت الثقة ، لما تمكّن الإنسان أن يعيش هنيئا رغيدا . إن الركيزة الأساسية للاعتماد المتبادل بين الناس قائمة على الأمانة وترك الخيانة ، فلا يحظى الخائن ، بالاطمئنان لدى الناس ويعد مارقا على المدنية وخارجا عن العضوية للمجتمع البشري وتكون عضويته مرفوضة لدى أصحاب المدينة الفاضلة . ومن الواضح أن مثل هذا الإنسان يعيش حياة ضنك وفي صعوبة بالغة .
ونحن لأجل تتميم الفائدة ، نذكر في هذا الباب بعض الأحاديث المنقولة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ، إذ تكتفي بها القلوب الواعية ، والأعين الباصرة .
محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإن ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، ولكن أنظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته» (1) .
وبإسناده عن أبي كَهمَس قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : «عبد الله بن أبي يعفور يُقرئك السلام . قال : عليك وعليه السلام ، إذا أتيت عبدالله فأقرئه السلام وقل له : إن جعفر بن محمد يقول

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصدق وأداء الأمانة ، ح 12 .
الاربعون حديثاً 429

لك ، انظر ما بلغ به علي عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالزمه ، فإن عليـا عليه السلام إنمـا بلغ به عنـد رسول الله بصـدق الحديث وأداء الأمانة»
(1) .
فيا عزيزي : تدبر في هذا الحديث الشريف ، وانظر إلى أن مقام صدق الحديث وأداء الأمانة دفعا بعلي بن أبي طالب عليه السلام إلى بلوغ ذلك المقام الرفيع .
ويفهم من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب هاتين الخصلتين أكثر من غيرهما ، لأن هاتين الصفتين من الصفات الكمالية لمولانا علي بن أبي طالب عليه السلام قد بلغتا به ذلك المقام الرفيع . وإن الإمام الصادق عليه السلام قد أبدى اهتماما بهاتين الصفتين أكثر من كل الأفعال والأوصاف ، وذكّر عليه السلام ابن أبي يعفور الذي هو من المخلصين والمقربين له عليه السلام بهما خاصة .
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : «حافّتا الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة ، فإذا مر الوَصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنة ، وإذا مر الخائن للأمانة القطوع للرحم لـم ينفعه معهمـا عمل وتكفـأ به الصراط في النار» (2) .
فعلم بأن صورتي الرحم والأمانة في ذلك العالم تقفان على طرفي الطريق ، وتعينان من يصل رحمه ويؤدي أمانته ، ومع تركهما لا يفيدنا أي عمل آخر وإنما بتركها يهوي الإنسان في النار .
وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أدوا الأمانة ولو إلى قاتل ولد الأنبياء» .
وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في وصيته له : «اعلم أن ضارب علي عليه السلام بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأدّيت إليه الأمانة» (2) .
ومحمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لشيعته : «عليكم بأداء الأمانة فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق نبيا لو أن قاتل أبي الحسين بن علي عليهما السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه» (3) .
وبإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصدق وأداء الأمانة ، ح 5 .
(2) كتاب فروع الكافي ، المجلد الخامس ، باب أداء الأمانة ح 3 و 4 .
(3) وسائل الشيعة ، المجلد 13 ، باب وجوب أداء الأمانة ، من كتاب أحكام الوديعة ح 13 .
الاربعون حديثاً 430

حديث المناهى أنه نهى عن الخيانة وقال : «مَن خان أمانة في الدنيا ولم يرُدّها إلى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملتي ويلقى الله وهو عليه غضبان ومن اشترى خيانة وهو يعلم فهو كالذي خانها»
(1) .
وتوجد بهذا المضمون أحاديث أخرى مذكورة في كتب الأخبار . ويعرف الجميع مضاعفات سخط الذات المقدس الحق وغضبه على العبد . كما أنه من المعلوم أن الشفعاء ، لا يشفعون لمن هو مغضوب عليه لدى الحق سبحانه . وخاصة أن الخائن يكون خارجا أيضا عن أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ففي حديث آخر (ليس منا من خان مؤمنا) (1) وفي حديث ثالث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «من خان أمانة في الدنيا ولم يردها على أهلها مات على غير دين الإسلام ولقي الله وهو عليه غضبان فيؤمر به إلى النار فيهوى به في شفير جهنم أبد الآبدين» (2) أعوذ بالله من هذه الخطيئة .
ومن المعلوم أن خيانة المؤمنين تعمّ الخيانة المالية والخيانات الأخرى التي هي أكبر من الخيانة المالية فيجب على الإنسان في هذه الدنيا أن يراقب النفس الأمارة كثيرا ، إذ ربما تقوم بعملية التعتيم للحقائق على الإنسان وتذليل الصعوبات وتسهيلها ، مع أنها توجب الشقاء الدائم والخذلان الأبدي .
هذه هي حال الخيانة لعباد الله ، ويتبين من هنا أيضا وضع الخائن لأمانة الحق المتعالي .

في الاشارة الى بعض امانات الحق

ولا بد من معرفة أن الحق تبارك وتعالى ، قد وهبنا كافة القوى والأعضاء الظاهرية والباطنية ، وبسط لنا بساط الرحمة والنعمة في مملكتنا الظاهرية والباطنية ، ووضعها كلها تحت قدرتنا لتسخيرها ، وائتمننا عليها بلطفه ورحمته ، وهي ـ هذه العطايا ـ طاهرة ونظيفة من كل القذارات الصورية والمعنوية وكذلك ما أنزل علينا من عالم الغيب كان بعيدا عن الشوائب والعناصر الغريبة ، فإذا أرجعنا هذه الأمانات لدى لقائنا بالذات المقدس ، من دون أن تصير ممزوجة مع عالم المادة ، وقذارات المُلك والدنيا ، كُنا أمناء على الأمانة التي أودعت عندنا ، وإن لم نحافظ على طهارة هذه الأمانات ، غدونا من الخائنين والخارجين عن الإسلام الحقيقي ، وملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

(1) وسائل الشيعة ، المجلد 13 ، الباب 3 ، من أبواب أحكام الوديعة ، ح 2 .
(2) وسائل الشيعة ، المجلد 13 ، الباب 3 ، من أبواب أحكام الوديعة ، ح 5 .
الاربعون حديثاً 431

وفي الحديث المشهور إن (قلب المؤمن عرش الرحمن) وفي الحديث القدسي المعروف «لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن»(1) . فإن قلب المؤمن عرش الحق المتعالي ، وسرير سلطنته وسكنى ذاته المقدس ، وإنه سبحانه صاحب هذا البيت ، فالإلتفات إلى غير الحق خيانة للحق ، والحب لغير ذاته الأقدس ولغير أوليائه الذين يعتبر حبهم حبه سبحانه ، خيانة لدى العرفاء .
وإن ولاية أهل بيت العصمة والطهارة ، ومودّتهم ، ومعرفة مرتبتهم المقدسة ، أمانة من الحق سبحانه . كما ورد في الأحاديث الكثيرة الشريفة في تفسير الأمانة في الآية « إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض»(2) بولاية أمير المؤمنين عليه السلام . كما أن غصب خلافته وولايته ، خيانة لتلك الأمانة وأن رفض المتابعة للإمام علي عليه السلام مرتبة من مراتب الخيانة . وفي الأحاديث الشريفة .
إن الشيعي هو الذي يتّبع أمير المؤمنين عليه السلام اتباعا كاملا وإلا فإن مجرد دعوى التشيع من دون الاتباع لا يكون تشيعا .
إن كثيرا من الأوهام ، تعتبر من قبيل الشهوات الكاذبة يشتهي الطعام وهو شبعان ، فإذا لمسنا في قلوبنا مودة علي عليه السلام وأولاده الطاهرين اغتررنا بها ، وحسبنا أن هذه المودة لوحدها ستبقى وتستمر من دون حاجة إلى تبعية كاملة لهم . ولكن ما هو الضمان على بقاء هذه المودة إن لم نحافظ عليها وتخلّينا عن آثار الصداقة والمودة التي هي المشايعة والتبعية ؟ إذ من الممكن أن الإنسان ينسى علي بن أبي طالب عليه السلام من جراء الذهول والوحشة الحاصلتين من الضغوط الواقعة على غير المخلصين والمؤمنين . ففي حديث (إن طائفة من أهل المعصية يتعذبون في جهنم وهم ناسون اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعد انتهاء فترة العذاب وحصول الطهارة والنظافة من قذارات المعاصي يتذكّرون اسم النبي المبارك أو يلقى الإسم في قلوبهم ، فيصرخون ويستغيثون قائلين وا محمداه صلى الله عليه وآله وسلم فتشملهم بعد ذلك الرحمة) .
إننا نظن أن حادثة الموت وسكراته ، تضاهي حوادث هذا العالم . عزيزي إنك عندما تعاني من مرض بسيط ، تنسى كل علومك وثقافاتك ، فكيف بك عندما تواجه الصعاب والضغوط والمصائب والأهوال التي ترافق الموت وسكراته ؟ إذا تصادق الإنسان مع الحق سبحانه ، وعمل حسب متطلبات الصداقة ، وتذكّر الحبيب وتبعه ، لكانت تلك الصداقة مع

(1) إتحاف السادة المتقين ، المجلد 7 ، ص 234 .
(2) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض .
الاربعون حديثاً 432

الولي المطلق ، والحبيب المطلق الذي هو الحق المتعالي محبوبة لديه سبحانه ، وملحوظة عنده تعالى . ولكنه إذا ادعى المودة ولم يعمل حسب مقتضاها بل خالفه ، فمن الممكن أن الإنسان يتخلى عن تلك الصداقة مع الولي المطلق قبل رحيله من هذه الدنيا نتيجة التغييرات والتبدلات والأحداث المتقلبة في هذا العالم . بل والعياذ بالله قد يصير عدوا له سبحانه وتعالى . كما أننا شاهدنا أشخاصا كانوا يدعون المودة والصداقة وبعد العِشرة اللامسؤولة ، والأعمال البشعة تحوّلوا إلى أعداء وخصماء لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام . وإذا فرضنا أن هؤلاء رحلوا من هذا العالم على حسب محمد وآله ، فهم حسب الروايات الشريفة والآيات المباركة من أهل النجاة يوم القيامة ومصيرهم السعادة ، ولكنهم يكونون في معاناة لدى البرزخ وأهوال الموت وعند الحشر . ففي الحديث (إننا شفعاؤكم يوم القيامة ولكن تزوّدوا لبرزخكم) (1) .
أعوذ بالله من عذاب القبر وضغطه وشدة البرزخ وعذابه ، حيث لا يشابهه شيء في هذا العالم . إن الكوّة التي تفتح من جهنم على القبر ، لو انفتحت على هذا العالم لهلكت كافة الموجودات . نعوذ بالله منه .


فصل
في بيان الخوف من الحق المتعالي

إعلم أن الخوف من الحق جل وعلا من المنازل التي ، قلّما نستطيع أن نجد للعوام من الناس منزلة ، في مستوى منزلة الخوف من الحق سبحانه . وهذا الخوف مضافا إلى أنه يكون من الكمالات المعنوية ، يعتبر منشأ لكثير من الفضائل النفسية ، وعاملا هاما لإصلاح النفس ، بل مصدر جميع الإصلاحات للنفس ، ومبدأ لعلاج جميع الأمراض الروحية . ويجب على الإنسان المؤمن بالله ، السالك والمهاجر إلى الله ، أن يهتم كثيرا بهذه المنزلة ، وأن يُقبل بوجهه أكثر فأكثر على ما يبعث الخشية من الله في القلب ، ويعمّق جذوره فيه ، مثل التفكر في العذاب والعقاب وشدة أهوال الموت وبعد الموت من عالم البرزخ والقيامة ، والصراط والميزان والحساب ، وألوان عذاب جهنم ، ومثل التذكر لعظمة الحق المتعالي وجلاله وقهره وسلطانه ومكره وسوء العاقبة وأمثال ذلك .
وحيث أننا عرضنا شرحا مختصرا لكل هذه المراحل في هذا الكتاب ، اقتصرنا هنا على ذكر بعض الأحاديث في فضيلة الخوف من الله تعالى .
محمد بن يعقوب بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «يا إسحاق ،

(1) وسائل الشيعة ـ المجلد الرابع ـ ص 688 .
الاربعون حديثاً 433

خف الله كأنك تراه ، وإن كنت لا تراه فإنه يراك ، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك»
(1) .
واعلم أنه إذا عرف شخص كيفية تجلي الحق في المُلك والملكوت ، وظهور الذات المقدس في السماوات والأرضين ، بواسطة المشاهدة الحضورية ، أو المكاشفة القلبية ، أو الإيمان الحقيقي وإذا أدرك كيفية ارتباط الحق بالخلق ، والخلق بالحق على ما هي عليها ، وكيفية ظهور المشيئة الإلهية في الكائنات الموجودة ، وفناء هذه الموجودات في تلك الإرادة على ما هي عليها ، لعرف بأن الحق المتعالي حاضر في كل مكان وحيّز ولشاهده بالعلم الحضوري في جميع الموجودات ، كما يقول الإمام الصادق المصدّق عليه السلام «ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله معه أو فيه» وتنكشف عليه حقيقة «كنت سمعه وبصره ويده» المتوخاة من التقريب بالنوافل . فيرى الحق حاضرا في جميع مراتب الوجود ، حسب مرتبته ومقامه إما علما أو إيمانا أو عينا وشهودا . ومن المعلوم ، أن السالك في أي مقام كان ، يراعي حضور الحق ، ويمتنع عن مخالفة ذاته المقدس ، لأن مراعاة الحضور والمحضر من الأمور الفطرية التي جبل عليها الإنسان ، فإنه مهما كان مستهترا ومن دون حياء ، لفرّق بين حضور الطرف الآخر وغيابه ، خاصة إذا كان حضورا للمنعم العظيم الكامل ، لأن فطرة الإنسان تراعي حضور كل شيء بصورة مستقلة .

في بيان اختلاف الناس في مراعاة حضور الحق

ولا بد من معرفة أن كل واحد من أهل الإيمان والسلوك والعرفان والولاية ، يراعون حضور الحق سبحانه وحضرته حسب مرتبتهم التي تخصّهم ، فإن المؤمنين والمتقين يراعون حضوره جل وعلا بامتثال الأوامر وترك النواهي . والمجذوبين بعدم الالتفات إلى الغير ، والانقطاع التام الكامل عن غيره . والأولياء الكمّلين بنفي الغير وارهاب الأنانية . وملخص الكلام أن من المقامات الشامخة لأهل المعرفة وأصحاب القلوب ، مشاهدة حضور الحق المتعالي ومراعاة حضرته . كما أنه لدى مشاهدتهم كيفية العلم الفعلي للحق سبحانه ، وفناء الأشياء فيه تعالى ، وحضور الموجودات لدى ساحة قدسه ، ومعرفتهم بأن هذا العالم في محضر الرب المتعالي ، يراعون محضره ، كل حسب مقامه الذي يحظى فيه . وهذا أيضا من الأمور الفطرية .
وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المقام الأول ـ مشاهدة حضور الحق سبحانه ـ في وصيته لأمير المؤمنين عليه السلام ، هذه الوصية التي نحن بصدد شرحها . كما

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الخوف والرجاء ، ح 2 .
الاربعون حديثاً 434

أشير إليه في الحديث الشريف لأسحاق بن عمار بقوله عليه السلام «والثالثة : الخوف من الله عز ذكره كأنك تراه» .
وأشار الإمام الصادق عليه السلام إلى المقام الثاني ـ مشاهدة كيفية العلم الفعلي سبحانه وتعالى ـ بقوله «وإن كنت لا تراه فإنه يراك» . وإلى فطرية رعاية محضره سبحانه ، بقوله «وإن كنت تعلم أنه يراك» .
إن للخوف مراتب حسب اختلاف مراتب أهل الإيمان والسلوك وذوي الترويض للنفس وأرباب العرفان ، ويعتبر من المراتب العظيمة للخوف ، الخشية من عظمة الحق وتجليّاته القهرية والجلالية . ومن الممكن أن لا نجعل هذا المقام من مراتب الخوف ، كما يقول العارف المعروف في كتاب (منازل السائرين) «وليس في مقام أهل الخصوص وحشة الخوف إلا هيبة الإجلال» .

في فضل البكاء

إن للبكاء من خشية الله سبحانه فضلا كبيرا ، كما ورد في هذا الحديث (يُبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة) .
روى الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين رضوان الله عليه بسنده المتصل إلى الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المناهي قال ومن ذرُفت عيناه من خشية الله ، كان له بكل قطرة من دموعه قصر في الجنة مكلل بالدر والجوهر ، فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر (1) .
وعن «ثواب الأعمال» بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس شيء إلا وله شيء يَعدله إلا الله فإنه لا يعدله شيء ، ولا إله إلا الله لا يعدله شيء ، ودمعة من خوف الله فإنه ليس لها مثقال ، فإن سالت على وجهه لم يرهقه قتر ولا ذلة بعدها أبدا» (2) .
وفي عيون الأخبار عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه عليهم السلام قال : قال الصادق عليه السلام أن الرجل ليكون بينه وبين الجنة أكثر مما بين الثرى والعرض لكثرة ذنوبه فما هو إلا أن يبكي من خشية الله عز وجل ندما عليها حتى يصير بينه وبينها أقرب من جفنه إلى مُقلته» (3) .
وفي الكافي وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : (ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع

(1) وسائل الشيعة ، المجلد 11 ، الباب 15 ، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 1 ، ص 175 .
(2) وسائل الشيعة ، المجلد 4 ، ص 688 .
(3) وسائل الشيعة ، المجلد 11 ، الباب 15 ، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 10 ، ص 178 .
الاربعون حديثاً 435

فإن القطرة تطفي بحارا من نار ولو أن باكيا بكى في أمة لرُحموا) (1) .
وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون مأثورة عن المعصومين عليهم السلام .

في بيان وتوجيه المكافأة العظيمة على الاعمال البسيطة

يجب أن نشير إلى أن بعض أصحاب النفوس الضعيفة ، غير المطمئنة تعترض على ما ورد في الأحاديث الشريفة من المكافأة العظيمة يوم القيامة ، على أمور جزئية بسيطة . في حين أننا غافلون عن أن شيئا إذا كان عندنا تافها وبسيطا لما كان دليلا على أن صورته الغيبية الملكوتية أيضا بسيطة وتافهة ؛ إذ من الممكن أن يكون كائنا صغيرا ولكن باطنه وملكوته في منتهى الجلال والعظمة . فإن الهيكل المقدس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والشكل الخارجي لجسم الرسول الأكرم المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، من الكائنات الصغيرة في هذا العالم ، ولكن روحه المقدسة كانت تحيط بالمُلك والملكوت ، وكان صلى الله عليه وآله واسطة لإيجاد السماوات والأرضين ، فالحكم على صغر الصورة الباطنية الملكوتية لشيء ، يتفرغ على العلم بعالم الملكوت ، وبواطن الأشياء ، ولا يحق لأمثالنا إصدار مثل هذا الحكم . ولا بد لنا من الانتباه لكلمات علماء عالم الآخرة أي الأنبياء والأولياء عليهم السلام والإذعان لما يقولون .
ثم إن ذلك العالم قائم على التفضّل وبسط رحمة الحق اللامتناهية ، ومن المعلوم أنه لا حدود لتفضّل الحق المتعالي ، وأنه لمن منتهى الجهل إستبعاد تفضّل ذي الجود المطلق ، وذي الرحمة اللامحدودة .
إن النعم التي منحها سبحانه لعباده والتي تحير وتعجز العقول عن إحصاء مفرداتها بل هي عاجزة عن إحصاء كلياتها ، هذه النعم كانت من دون طلب واستحقاق ، فما هو المانع ، أن يتلطف الحق سبحانه على عباده ، انطلاقا من تفضّله البحت ومن دون أي سبب ، أضعافا مضاعفة من الأجر والمثوبة ؟ وهل نستطيع أن نستبعد المكافأة العالية والكثيرة في عالَم قد قيل فيه «فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين» (2) موضوع تحت تصرف إرادة الإنسان رغم عدم وجود حد محدود لمشتهيات الإنسان ؟ إن الله سبحانه قد خلق عالم الآخرة وخلق إرادة الإنسان بصورة لو أراد الإنسان شيئا لتحقق ذلك الشيء بنفس إرادته . فلا استبعاد لمكافأة كثيرة وكبيرة في ذلك العالم على أعمال بسيطة وجزئية .

(1) وسائل الشيعة ، المجلد 11 ، الباب 15 ، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 11 ، ص 178 .
(2) سورة الزخرف ، آية : 71 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي