الاربعون حديثاً 322

في آداب الحضور ، ولا يرى لنفسه اعتبارا . فإذا أنعم عليه في اللحظات التي فيها يحتقر نفسه ، بنعمة استعظمها ، ويجد نفسه غير مؤهل لتلك النعمة .
الثاني : أن يشاهده مشاهدة الصديق لصديقه ، وفي هذه الحال يستغرق في جمال محبوبه ، وكل ما يرى منه يكون محبوبا لديه ومستمتعا منه ، حتى إذا كان شاقا ومجهدا .
الثالث : يشاهده مشاهدة التفريد ومن دون تعيّنات الاسماء ، بل يشاهد نفس الذات ، فيغفل عن نفسه وعن غيره ، ولا يكون مشهودا له إلا ذات الحق من دون أن يرى أو يشاهد شدّة .
فعلم أن أوائل المقامات في كل من مقامات السالكين هي من السبل العامة ، وفي نهاية المقامات يتخصّص الأمر للخُلّص بل للكملين .

تكملة
في فضيلة الشكر على ضوء الاخبار الماثورة

ونختم هذا المقام بذكربعض أحاديث الشكر .
في الكافي : بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الطاعم الشاكر له من الأجر كأجر الصائم المحتسب . والمعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر . والمعطى الشاكر له من الاجر كأجر المحروم القانع» (1) .
وبإسناده عن عُبَيد الله بن الوليد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «ثلاث لا يضُر معهن شيء : الدعاء عند الكرب ، والاستغفار على الذنوب ، والشكر عند النعمة» (2) .
وبإسناده عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «إن الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء فيوجب الله له بها الجنة . ثم قال : إنه ليأخذ الإناء فيضعه على فيه فيُسمى ثم يشرب فينحِّيه وهو يشتهيه فيحمد الله ثم يعود فيشرب ثم ينحِّيه فيحمد الله ثم يعود فيشرب ثم ينحيه فيحمد الله فيوجب الله عز وجل بها له الجنة»
(3) .
وحمد الله يساوي الشكر . كما ورد في الروايات الكثيرة أن من قال (الحمد لله) فقد شكر الله . كما في كتاب الكافي الشريف بسنده إلى عمر بن يزيد : قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : شكر كل نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عز وجل عليها» (4).

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الشكر ، ح 1.
(2) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الشكر ، ح 7 .
(3) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الشكر ، ح 16 .
(4) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الشكر ، ح 11 .
الاربعون حديثاً 323

وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «شكر النعمة اجتناب المحارم ، وتمام الشكر قول الرجل : الحمد لله رب العالمين» (1) .
وبإسناده عن حماد بن عثمان قال : «خرج أبو عبد الله عليه السلام من المسجد وقدضاعت دابته فقال : لئن ردّها الله علي لأشكرن الله حق شكره . قال : فما لبث أن اُتي بها ، فقال : الحمد لله . فقال له قائل : جُعلت فداك أليس قلت : لأشكرن الله حق شكره ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : ألم تسمعني قلت : الحمد لله»
(2) .
ويفهم من هذا الحديث ، أن حمد الله سبحانه من أفضل مصاديق الشكر باللسان .
إن من آثار الشكر ، زيادة النعمة ووفورها ، كما صرّح بذلك الكتاب الكريم «لئن شكرتم لأزيدنكم» . وفي كتاب الكافي الشريف عن الامام الصادق عليه السلام :
قال : «من اُعطي الشكر اُعطي الزيادة ، يقول الله عز وجل : «لئن شكرتم لأزيدنّكم» (3) .

تتميم

إعلم أن عائشة قد حَسِبت بأن سر العبادات ، ينحصر في الخوف من العذاب أو في محو السيئات ، وتصورت بأن عبادة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، مثل عبادة كافة الناس ، ولهذا بادرت الى الاعتراض عليه قائلة : لماذا تجهد نفسك ؟ وقد نشأ هذا الظن من جراء جهلها لمقام العبادة والعبودية ولمقام النبوة والرسالة ، حيث لم تعرف بأن عبادة العبيد والاجراء بعيدة عن ساحة قدسه ، وأن عظمة الرب ، وشكر نعمه اللامتناهية قد سلبت الراحة والقرار من حضرته ـ صلوات الله عليه ـ ، بل إن عبادة الاولياء الخُلَّص ، انتقاش للتجليات اللامتناهية للمحبوب ، كما أشير اليه في الصلاة المعراجية .
إن الأولياء عليهم السلام رغم إنهم ينصهرون في الجمال والجلال ، ويفنون في الصفات والذات ، لا يغفلون عن كل مرحلة من مراحل العبودية . وإن حركات أبدانهم تتبع حركاتهم العشقية الروحانية ، وهي تتبع كيفية ظهور جمال المحبوب ، ولكن لا يمكن التحدث مع عائشة بجواب مفحم ، بل اقتصر عليه الصلاة والسلام على جواب مقنع ، حيث بيّن مرتبة من المراتب النازلة للعبادة حتى تعرف هذا المقدار بأن عبادات حضرته ليست لهذه الأمور الدنية الحقيرة . والحمد لله .

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الشكر ، ح 10 .
(2) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الشكر ، ح 18 .
(3) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الشكر ، ح 8 .
الاربعون حديثاً 324

فصل

روى علي بن ابراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبدالله عليه السلام قالا : «كان رسول الله إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورّمت (1)، فأنزل الله تبارك وتعالى : «طه» ـ بِلُغة طَيّ : يا محمد ـ ما أنزلنا ـ الآية»(2) .
وعن الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن سفيان الثوري عن الصادق عليه السلام في حديث طويل قال فيه : «وأما «طه» فاسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعناه : يا طالب الحق الهادي اليه»
.
وروي عن ابن عباس وآخرين أن (طه) بمعنى أيها الرجل . ونقل عن بعض العامة أن (ط) اشارة الى طهارة قلب الرسول الاكرم من غير الله و (الهاء) تلويح الى ان قلبه اهتدى الى الله .وقيل إن (ط) طرب أهل الجنة و (الهاء) هوان أهل جهنم . وقال الطبرسي رحمه الله (روي عن الحسن أنه قرأ طه بفتح الطاء وسكون الهاء . فإن صح ذلك فأصله طَأ ، فأبدل من الهمزة هاء ومعناه طَإ الارض بقدميك جميعا . انتهى) .
ومجمل الكلام أنه يوجد اختلاف شديد في الحروف المقطعة الواقعة في أوائل بعض السور . وما يوافق الاعتبار أكثر من غيره هو أنها إشارات ورموز تستعمل بين المحب والحبيب ولا يستطيع أحد أن يعرف شيئا عنها . وما ذكره بعض المفسرين حول تلك الحروف حسب حرصهم وحدسهم فهو حدس موهون لا مستند له غالبا . وفي حديث أبي سفيان الثوري أيضا إشارة إلى أنها رموز . ولا يستبعد أن تكون أمورا فوق القدرة الاستيعابية للإنسان ، وقد خص الله سبحانه فهمها بالمخاطبين المخصوصين من أوليائه .
والشقاء والشقاوة ضد السعادة ، ومعناها النصب والتعاسة . قال الجوهري (الشقاء والشقاوة ـ بالفتح ـ نقيض السعادة) .
روى الطبرسي في الاحتجاج عن موسى بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين على أطراف

(1) إن قيامه صلى الله عليه وآله وسلم على أصابع رجليه كما في هذه الأحاديث . وقيامه على رجل واحدة كما في بعض روايات أخرى لعله من الأحكام الخاصة به صلى الله عليه وآله وسلم أو كان مشتركا بينه وبين غيره ولكنه نسخ . والله العالم (منه عفى عنه) .
(2) تفسير علي بن ابراهيم ، المجلد الثاني ، ص 58 .
(3) معاني الاخبار ص 22 .
الاربعون حديثاً 325

أصابعه حتى تورّمت قدماه واصفر وجهه ، يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك ، فقال الله عز وجل : «طه * ما أنزلنا عليـك القرآن لتشقـى»بل لتسعـد به» (1) .
وروي عن الامام الصادق عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرفع إحدى رجليه في العبادة ، كي يزيد تعبه وجهده ، فأنزل الله عليه هذه الآية المباركة) . وقال بعض المفسرين هو جواب للمشركين حين قالوا إنه شقي فقال سبحانه يا رجل « ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» .
وقال شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما دعا الناس الى رسالته ولم يجد الإصغاء المطلوب والدخول في دين الله حسب المستوى المرغوب فيه ، أبدى احتمالا في نفسه وهو النقص في دعوته ـ الداعي ـ فانصرف الى ترويض نفسه طيلة عشرة أعوام حتى ورمت قدماه ، فنزلت هذه الآية المباركة مخاطبه إياه« ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» ، إنك طاهر وهاد ، ولا يوجد عيب ونقص فيك ، بل النقيصة في الناس «إنك لا تهدي من أحببت» (2) .
وعلى أي حال يستفاد من هذه الآية المباركة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في ترويض وتعب وجهد . ويستفاد من مجموع أحاديث المفسرين هذا المعنى أيضا ، رغم اختلافهم في كيفية الترويض والتعب .
ويجب أن تكون هذه الآية المباركة ، قدوة للناس جميعا وخاصة للعلماء الذين يريدون القيام بالدعوة الى الله تعالى ، حيث أن رسول الله مع طهارة قلبه وكماله التجأ الى الترويض وأتعب نفسه حتى نزلت الآية الشريفة من الحق المتعالي ونحن رغم ثقل الخطايا والذنوب ، لم نفكر البتة في مَعادنا ومآلنا وكأننا نحمل صك الخلاص والبراءة من جهنم والأمان من العذاب . وهذا لا يكون إلا نتيجة أن حب الدنيا قد أصم آذاننا فلا نسمع كلمات الاولياء والانبياء .

(1) احتجاج الطبرسي ، المجلد الاول ، ص 326 .
(2) سورة القصص ، آية : 56 .
الاربعون حديثاً 326




الاربعون حديثاً 327

الحديث الثاني والعشرون

الانسان وكراهته للموت


الاربعون حديثاً 328

بالسند المتصل الى ركن الاسلام وثقته محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن واصل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «جاء رجل إلى أبي ذر فقال : يا أبا ذر ما لنا نكره الموت ؟ فقال : لأنكم عمّرتم الدنيا وأخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تُنقَلوا من عمران إلى خراب ، فقال له : فكيف ترى قدومنا على الله ؟ فقال : أما المحسن منكم فكالغائب يَقدم على أهله ؛ وأما المسيء منكم فكالآبق يُرد على مولاه . قال : فكيف ترى حالنا عند الله ؟ قال : إعرضوا أعمالكم على الكتاب ، إنّ الله يقول :« إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم» قال : فقال الرجل : فأين رحمة الله ؟ قال : رحمة الله قريب من المحسنين» .
قال أبو عبدالله عليه السلام : «وكتب رجل الى أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ : يا أبا ذر : أطرفني بشيء من العلم . فكتب اليه : إن العلم كثير ولكن إن قدرت أن لا تُسيء إلى من تحبه فافعل . فقال له الرجل : وهل رأيت أحدا يسيء إلى من يحبه ؟ فقال له : نعم ، نفسك أحب الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها» (1) .

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب محاسبة العمل ، ح 20 .
الاربعون حديثاً 329

الشرح :


ان الناس يختلفون كثيرا في كراهية الموت والخوف منه ، كما أنهم يختلفون في مناشئ هذه الكراهية . وما ذكره أبو ذر رضوان الله تعالى عليه في الرواية المذكورة فهو مرتبط بالمتوسطين من الناس . ونحن نذكر إجمالا موقف الناقصين والكاملين من الناس ، تجاه الموت .
فلا بد أن نعرف بأن كراهتنا للموت ، وخوفنا منه نحن الناقصين ، لأجل أمر أشرنا اليه لدى شرح بعض الأحاديث المتقدمة ، وهو أن الانسان حسب فطرته التي فطرها الله سبحانه ، وجبلّته الأصلية ، يحب البقاء والحياة ، ويتنفر من الفناء والممات ، وهذا يرتبط بالبقاء المطلق والحياة الدائمية السرمدية ، أي البقاء الذي لا فناء فيه والحياة التي لا زوال فيها . إن بعض الكبار قد أثبتوا المعاد يوم القيامة مع هذه الفطرة التي تحب الحياة والبقاء ، حسب بيان يوجب ذكره هنا الخروج عن المقصود . وحيث أن في فطرة الانسان هذا الحب وذاك التنفر ، فإنه يحب ويعشق ما يرى فيه البقاء ، ويحب ويعشق العالم الذي يرى فيه الحياة الخالدة ، ويهرب من العالم الذي يقابله . وحيث إننا لا نؤمن بعالم الآخرة ، ولا تطمئن قلوبنا نحو الحياة الأزلية ، والبقاء السرمدي لذلك العالم ، نحب هذا العالم ، ونهرب من الموت حسب تلك الفطرة والجبلة .
وقد ذكرنا سابقا أن الإدراك والإذعان العقلي يختلف عن الإيمان والاطمئنان القلبي . نحن ندرك عقلا أو نصدق أحاديث الانبياء تعبدا بأن الموت ـ الذي هو انتقال من النشأة النازلة المظلمة المُلكية إلى عالم آخر ، عالم حياة دائمية نورانية ، ونشأة باقية عالية ملكوتية ـ حق ، ولكن قلوبنا لا تحظى بشيء من هذه المعرفة ، ولا علم لها عن ذلك . بل إن قلوبنا قد أخلدت إلى أرض الطبيعة ، والنشأة المُلكية ، ونعتبر الحياة هي هذه الحياة النازلة الحيوانية المُلكية ، ولا نرى بقاء وحياة للعالم الثاني ، عالم الآخرة ، وعالم الحَيَوان . ولهذا نركن ونعتمد على هذا العالم ـ المادي ـ ونخاف ونهرب ونتنفر من ذلك العالم ـ عالم الآخرة ـ . إن كل شقائنا هذا من

الاربعون حديثاً 330

وراء النقص في الإيمان بيوم القيامة ومن عدم الاطمئنان بعالم الآخرة . لو أننا آمنا بعالم الآخرة والحياة الأبدية ، عُشر اطمئناننا بالحياة الدنيوية وعيشها ، وعُشر إيماننا بحياة هذا العالم وبقائه ، لتعلقت قلوبنا بذلك العالم أكثر ولعشقناه ، ولسعينا قليلاً في إصلاح الطريق وترميمه . ولكن المؤسف أن إيماننا بالآخرة قد نضب في القلب ، وأن يقيننا متزلزل ، فنضطر إلى أن نخاف من الموت والفناء والزوال . وعليه ينحصر العلاج الحاسم في ادخال الإيمان إلى القلب عبر التفكير والذكر النافع والعلم والعمل الصالح .
وأما خوف وكراهة المتوسطين ، للموت ، أي الذين لا يؤمنون بعالم الآخرة ، فلأن قلوبهم انشدّت إلى تعمير الدنيا ، وغفلت عن تعمير الآخرة ، ولهذا لا يرغبون في الانتقال من مكان فيه العمران والازدهار إلى مكان فيه الدمار والخراب . كما ذكر ذلك أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه ، وهذا أيضاً ناتج من نقص في الإيمان والاطمئنان . وأما إذا كان الإيمان كاملاً ، فلا يسمح الإنسان لنفسه أن يشتغل بأمور الدنيوية المنحطة ويغفل عن بناء الآخرة .
وملخص الكلام أن كل هذه الوحشة والكراهية والخوف ، تكون نتيجة بطلان أعمالنا ، واعوجاج سلوكنا ومخالفتنا لمولانا ، في حين أنه إذا كان نهجنا صحيحاً وكنا نقوم بمحاسبة أنفسنا لما إستوحشنا من الحساب يوم القيامة ، لان المحاسبة هناك عادلة ، والمُحاسب يكون عادلاً ، فخوفنا من الحساب لأجل سوء أعمالنا وتزويرنا واحتيالنا ، وليس من أجل المحاسبة .
ففي الكافي الشريف نسبة ـ إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قال : «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسناً استزاد الله وإن عمل سيّئاً استغفر الله منه وتاب إليه» (1) .
فلو تحملنا محاسبة أنفسنا ، لما واجهنا صعوبة في موقفنا يوم الحساب ، ولما دخل علينا الخوف والفزع . وهكذا كل المهالك والمواقف في ذلك العالم نتيجة أعمالنا في هذا العالم .
مثلاً : إذا انتهجت في هذا العالم صراط النبوة ، والطريق المستقيم للولاية ، ولم تنحرف عن محجة ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولم تنزلق أقدامك ، لما كان عليك بأس حين اجتيازك على الصراط يوم القيامة . لأن حقيقة الصراط هي الصورة الباطنية للولاية . كما ورد في الأحاديث الشريفة أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الصراط . وفي حديث آخر : نحن الصراط المستقيم(3) وفي الزيارة المباركة الجامعة الكبيرة «أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم»(4) . فمن كان على هذا الصراط مستقيماً في حركته في الحياة الدنيا ، ولم يضطرب قلبه لما اضطربت أيضاً أقدامه على الصراط في الحياة الآخرة ، وإنما يجتازه كالبرق الخاطف . وهكذا إذا كانت

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب محاسبة العمل ، ح 2 .
(2) و(3) تفسير البرهان ج 1 ، ح 3 و ح 25 ، ص 46 و ص 51 .
(4) زيارة الجامعة الكبيرة .
الاربعون حديثاً 331

أخلاقه طيبة ، وملكاته عادلة ونورانية ، لكان في مأمن من ظلمة القبر ووحشته ، وعالم البرزخ ومخاوفه ، وعالم القيامة وأهوالها ، ولم يكن عليه خوف من تلك النشآت . فعليه يكون الداء منا والدواء أيضاً منا . كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في الابيات المنسوبة إليه :
دواؤكَ فيكَ وما تشعُر وداؤكَ منكَ وما تُبصِر

وفي الكافي الشريف بسنده إلى الامام الصادق عليه السلام أنّه قال لرجل : «إنّك قد جُعِلتَ طبيب نفسك ، وبُيِّن لك الداء ، وعُرِّفتَ آية الصحّة ، ودُلِلتَ على الدواء ، فانظر كيف قيامك على نفسك» (1)
أيها الإنسان فيك أعمال وأخلاق وعقائد فاسدة ، وتكون رسالات الأنبياء وأنوار الفطرة والعقل ، أدوية ناجعةً ، ويتم إصلاح النفوس بالسعي في تزكيتها وتصفيتها .
هذا تمام الكلام في حال المتوسطين .
وأما الكُمّلون ، والمؤمنون المطمئنون ، فإنهم لا يكرهون الموت ولكنهم يستوحشونه ويخافونه ، لأنهم يخشون عظمة الحق المتعالي ، وجلال ذاته المقدسة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «فأين هولُ المُطَّلَع؟» وكما كان أمير المؤمنين عليه السلام ليلة التاسع عشر من شهر رمضان مندهشاً دهشة عظيمة وفزعاً ، رغم أنه كان يقول : «والله لابنُ أبي طالبٍ آنس بالموت من الطفل بثَدي أمِّه» (2) . وملخص الحديث أن خوف هؤلاء يكون من أمور أخرى ، ولا يكون من نوع خوفنا نحن المصفدين بالآمال والأماني ، والمحبين للدنيا الفانية . وإن قلوب أولياء الله من جرّاء الخوف في منتهى الاختلاف فيما بينها حتى لا يمكن عدّ المراتب المختلفة وإحصائها . ونحن نشير إلى بعضها بصورة مجملة فنقول :
إن قلوب الأولياء تختلف فيما بينها في قبول تجليات الأسماء : فبعضها قلوب عشقية وشوقية وأن الحق المتعالي يتجلّى في تلك القلوب من خلال أسمائه الجمالية ، وذاك التجلي ، يبعث على الشوق والخوف ، فإن الخوف يكون من مضاعفات تجلّى عظمة سبحانه . وإن قلب الواله العاشق يكون مضطرباً حين اللقاء مع حبيبه ، وفي نفس الوقت يكون مستوحشاً وخائفاً . ولكن هذا الخوف والاستيحاش يختلفان عن المخاوف العادية .
وبعضها قلوب خوفية وحزينة ، وأن الحق المتعالي يتجلى في تلك القلوب بواسطة

(1) أصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الإيمان والكفر ، باب محاسبة العمل ، ح 6 .
(2) نهج البلاغة الخطبة 5 (الشيخ صبحي الصالح) .
الاربعون حديثاً 332

الأسماء الجلالية والعظمة ، فيحصل الوَجد والحب الشديد المشوب بالخوف ، والحيرة المشوبة بالحزن . وفي الحديث أن النبي يحيى عليه السلام رأى يوماً النبي عيسى عليه السلام يضحك ، فعاتبه قائلاً : أتأمن مكر الله وعذابه ، فأجاب عيسى عليه السلام أأنت آيس من رحمة الله وفضله ؟ فأوحى الله سبحانه إليهما من كان منكما يحسن الظن بي أكثر فهو محبوب عندي أكثر .
فلمّا تجلّى الحق المتعالي في قلب يحيى عليه السلام من خلال الأسماء الجلالية كان يحيى خائفاً ، ومؤنباً للنبي عيسى عليه السلام بتلك الشدة . ولكن الحق قد تجلّى بأسمائه الجمالية في قلب عيسى عليه السلام فأجاب عيسى يحيى حسب تجلّيات الرحمة .

فصل

إعلم أن الظاهر من هذا الحديث ـ الثاني والعشرين ـ عندما يقول : «عمرتُم الدنيا وأخربتم الآخرة» أن دار الآخرة والجنة مشيدة وقائمة ، وتتهدم بأعمالنا . ومن الواضح أن المقصود ـ من قوله عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة ـ هو التشابه به في التعبير ، فإنه لما عبّر عن الدنيا بالتعمير عبر عن دار الآخرة بالتخريب . وإن عالم الجنة والنار وإن كانا مخلوقين ، ولكن تعمير دار الجنة ومواد بناء جهنم تابعة لأعمال أهلها . ففي الرواية أن أرض الجنة جرداء وموادّ بنائها أعمال بني الإنسان . وهذا يتطابق مع البرهان وكشف أهل المكاشفة . كما يقول بعض العرفاء المحققين : (إعلم ـ عصمنا الله وإياك ـ أن جهنم من أعظم المخلوقات ، وهي سجن الله في الآخرة . وإنما سميت بجهنم لبعد قعرها حيث يقال لبئر بعيد الغور والعمق بئر جهنام . وهي تحتوي على حرارة وزمهرير ـ البرودة ـ وتكون برودتها في أقصى درجات البرودة ، وحرارتها في أقصى درجات الحرارة ، وتعتبر المسافة بين أعلاها وأسفلها مسيرة سبعمائة وخمسين عاماً . والناس اختلفوا في أن جهنم مخلوقة أم غير مخلوقة ، وكان الخلاف في ذلك مشهوراً . كما أنهم اختلفوا في أن الجنة مخلوقة أم غير مخلوقة . أما عندنا وعند أصحابنا من أهل المكاشفة والمعرفة فأن الجنة وجهنم مخلوقتان وغير مخلوقتين أما أنهما مخلوقتان فإن مثلهما ، مثل رجل بنى بيتاً وأقام الجدار الخارجي حيث يقال له بيت ، ولكننا عندما ندخل لا نجد شيئاً إلا سوره وحائطه الذي يصون البيت من الخارج ، ولكن بعد ذلك يُشيّد البيت حسب طلب الساكنين من بناء الغرف والمرافق والملاجئ وحسب هدف صاحب البيت وما ينبغي أن يكون فيه . انتهى) .
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما أسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما أمسكوا ، فقلت لهم : ما بالكم قد أمسكتم . فقالوا : تجيئنا النفقة . فقلت : وما نفقتكم ؟ قالوا قول المؤمن

الاربعون حديثاً 333

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا قـال بنينـا وإذا سكـت أمسكنـا) (1) .
وخلاصة الحديث أن صورة الجنة وجهنم الجسمانيتين الماديتين هي صور الأعمال والأفعال الحسنة والسيئة لبني آدم حيث تعود إليهم يوم الآخرة كما أن الآيات الشريقة قد أشارت إلى ذلك مثل قوله تعالى : «ووجـدوا مـا عمِلـوا حاضـراً» (2) وقوله :«إنّما هي أعمالكم تُرَدُّ إليكم»(3) ومن الممكن أن يكون عالم الجنة وعالم جهنم نشأتين ودارين مستقلين يتحرك إليهما بالحركة الجوهرية ، والدوافع الملكوتية والحركات الإرادية العملية والخُلقية . وإن كانت حظوظ كل من الناس من صور أعمال أنفسهم .
وعلى أي حال فإن عالم الملكوت الأعلى عالم الجنة الذي هو عالم مستقل وتساق النفوس السعيدة إليه . وعالم جهنم هو الملكوت السفلي الذي تساق إليه النفوس الشقية . وما يعود إلى الإنسان في كل من النشأتين من الصور البهية الحسنة أو الصور المؤلمة المدهشة فهي أعمال نفس الإنسان .
وبهذا البيان نجمع بين ظواهر الكتاب والأخبار المختلفين بحسب الظاهر . كما أن هذا البيان يوافق البرهان ومسلك ذوي العرفان أيضاً .

فصل

لا يخفى أن حديث أبي ذر رضوان الله تعالى عليه في هذا المقام ، حديث جامع ، وكلام متين ، لا بد من المحافظة عليه . فإنه ـ أبو ذر ـ لما قال : اعرضوا أعمالكم على الكتاب الكريم حيث يقول : «إنّ الأبرار لفي نعيم وإنّ الفجّار لفي جحيم» تمسك الرجل بالرحمة قائلاً : فأين رحمة الله ؟ قال أبو ذر لا تكون رحمة الحق من دون قيد ولا شرط بل هي قريبة من المحسنين .
إعلم أن الشيطان الملعون ، والنفس الأمارة بالسوء الخبيثة ، يغرران بالإنسان عبر طرق كثيرة ، ويقودانه إلى الهلاك الأبدي الدائمي ، وآخر وسيلة يلتجآن إليها ، هي تغرير الإنسان في بدء الأمر برحمة الحق سبحانه ، ومنعه بذلك عن المضي في العمل الصالح ، وهذا الاتكال على الرحمة من مكائد الشيطان وأساليب تضليله . والدليل على ذلك أننا في قضايانا الدنيوية ، لا نعتمد على رحمة الحق سبحانه ، بل نرى العوامل الطبيعية والظاهرية ، مستقلة ومؤثرة بدرجة كأنه لا أثر في الوجود إلا للأسباب الظاهرية . ولكننا في الأمور الأخروية نتكل غالباً حسب زعمنا على وجود الحق سبحانه ، ونغفل عن توجيهه لنا وتوجيه رسوله صلى الله عليه وآله

(1) بحار الأنوار ، المجلد 18 ، ص 292 .
(2) سورة الكهف ، آية : 49 .
(3) علم اليقين ، المجلد 2 ، ص 884 .
الاربعون حديثاً 334

وسلم ، فكأنّ الله لم يزودنا بالقدرة على العمل ، ولم يعلّمنا سبيل الصواب ، والاعوجاج .
وخلاصة الكلام نكون في شؤوننا الدنيوية من المفوضة ، وفي شؤوننا الأخروية من الجبريين ، غافلين عن أن هذين المسلكين باطلان وفاسدان ومخالفان لإرشاد الأنبياء صلى الله عليهم ، ومنهج أئمة الهدى ، والأولياء المقربين . مع أنهم كانوا جميعاً يؤمنون برحمة الحق وكان إيمانهم أكثر من الآخرين . رغم ذلك كله ، لم يغفلوا لحظة واحدة عن أداء واجبهم ، ولم يتوقفوا عن السعي وبذل الجهد دقيقة واحدة .
أخي ادرس صحائف أعمالهم : أدعية ومناجاة سيد الساجدين وزين العابدين عليه السلام وتدبّر أنه ماذا كان يفعل في مقام العبودية ؟ وكيف كان ينهض بدور العبودية ؟ ومع ذلك عندما يلقي ـ السيد السجاد ـ نظرة على صحيفة مولى المتقين ، أمير المؤمنين عليه السلام ، يبدى أسفه ، ويظهر عجزه !
فنحن إما أن نكذبهم ـ نعوذ بالله ـ ونقول بأنهم لم يطمئنوا ولم يؤمنوا برحمة الحق سبحانه ، مثلما أننا لم نؤمن ولم نطمئن برحمته عز وجل . أو نكذّب أنفسنا ، ونفهم بأن هذه الأقوال التي نتفوّه بها من مكائد الشيطان وإغراءات النفس ، حيث يريدان ان تضليلنا عن الصراط المستقيم . نعوذ بالله من شرهما .
فيا أيها العزيز ، كما قال أبو ذر للرجل : إن العلم كثير ، ولكن العلم النافع لأمثالنا أن لا نسيئ إلى أنفسنا ونعرف بأن أوامر الأنبياء والأولياء عليهم السلام تكشف عن حقائق نحن محجوبون عنها . إنهم يعلمون بأن للأخلاق الذميمة والأعمال السيئة ، صوراً بشعة وثمارا فاسدة ، وان للأعمال الحسنة والأخلاق الكريمة صوراً جميلة ملكوتية . إنهم حدثونا عن كل شيء عن الدواء والعلاج وعن الداء والسقم . فإذا كنت عطوفاً على نفسك ، فلا بد وأن لا تتجاوز هذه الإرشادات لتداوي ألمك ، وتعالج مرضك . الله يعلم أنه إذا انتقلنا مع ما نحن عليه الآن إلى ذلك العالم ، فبأي مصائب وآلام ومعاناة سوف نبتلي ؟ والحمد لله أوّلاً وآخراً .

الاربعون حديثاً 335

الحديث الثالث والعشرون

المراء والجدل


الاربعون حديثاً 336

بالسند المتصل إلى حجة الفرقة وثقتها محمد بن يعقوب الكليني ـ رضي الله عنه ـ عن علي بن إبراهيم ، رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : «طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للإستطالة والختل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل . فصاحب الجهل والمراء موذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم ، قد تسربل بالخشوع وتخلى من الورع ، فدق الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه وصاحب الإستطالة والختل ذو خِب وملق ، يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للإغنياء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم ، فأعمى الله على هذا خبره وقطع من آثار العلماء أثره . وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر ، قد تحنك في برنسه وقام الليل في حندسه ، يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه ، فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه» .
قال الكليني ـ رحمه الله ـ : وحدثني به محمد أبو عبد الله القزويني عن عدة من أصحابنا ، منهم جعفر بن محمد الصيقل بقزوين ، عن أحمد بن عيسى العلوي ، عن عبّاد بن صهيب البصري ، عن أبي عبد الله عليه السلام (1) .


(1) أصول الكافي ، المجلد 1 ، كتاب فضل العلم ، باب النوادر ، ح 5 .
الاربعون حديثاً 337

الشرح :


«بأعيانهم» تأكيد لضمير(عرفهم) ، فالمعنى أعرفهم بأنفسهم حتى يتحددوا ويتشخّصوا ولا يلتبسوا عليك ، مثل أن تقول رأيته بعينه . وقوله «كل شيء فيه حلالا وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» . إن المحقق المحدث المجلسي رحمه الله قد أبدى احتمالات عديدة ، وقال في هذا المقام إن الاحتمال المتعين والواضح لا يكون شيئا من ذلك ، وإن تلك الاحتمالات أيضا في منتهى البعد . وقال : بأعيانهم أي بخواصّهم وأفعالهم المخصوصة بهم أو بالشاهد والحاضر من أفعالهم ، ثم قال بعد ذلك وقيل بأعيانهم أي أقسامهم ومفهومات أصنافهم ، وقيل : المراد بأعيانهم مناظرهم من هيئتهم وأوضاعهم كالتسربل بالخشوع . وغير ذلك من الاحتمالات البعيدة .
قوله : «وصفاتهم» ان المقصود من الأوصاف ، الحالات التي تتبع الملكات والأغراض لهذه الصفات الثلاثة مثل مؤذ ، مراء ، متعرض ... فبهذه الأوصاف يتم تعريف أحوالهم ويتشخصون بأعيانهم .
والجهل : خلاف العلم ، ولعل المقصود منه هنا ، إخفاء الحق أو التجاهل ورفض قبول الحق . ونحن سنشرح هذا الموضوع أكثر مما ذكرناه هنا . وقال المجلسي : الجهل : السفاهة وترك الحلم ، وقيل : ضد العقل .
والمراء : الجدال في الرأي والحديث ، ومنه مادة جَدَل التي هي من الصناعات الخمس المذكورة في المنطق . يُقال : مارَيت الرجل أماريه مراء ؛ إذا جادلته . كما ورد في صحاح الجوهري . وهذا الكلام وإن كان مطلقا ـ يعم الجدل المنطقي وغيره ـ ولكن الظاهر هو ما ذكرناه . وفي المقام احتمال آخرسنأتي على ذكره في أحد الفصول القادمة .
و «الإستطالة» : طلب الرفعة . والخَتل بفتح الخاء المعجمة وسكون التاء بمعنى الخدعة

السابق السابق الفهرس التالي التالي