الاربعون حديثاً 294

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «المستمع أحد المغتابَين» (1) وعن علي عليه السلام : «السامع احد المغتابَين» (2) .
بل يظهر من الروايات الكثيرة وجوب رد الغيبة .
عن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام في حديث مناهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الغيبة والاستماع اليها الى ان قال : الا ومن تطوّل على أخيه في غيبةٍ سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة فإن هو [ لم يردها وهو ] قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة» (3) .
وعن الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن آبائه في وصية النبي لعلي عليهما السلام : «يا علي ! من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله الله في الدنيا والآخرة» (4) .
وعن عقاب الاعمال بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة فإن لم يرد عنه وأعجبه كان عليه كوِزر من اغتاب»
(5) .
يقول علامة علماء المتأخرين المحقق الجليل الجامع لفضيلتي العلم والعمل الشيخ الانصاري ـ رضوان الله تعالى عليه ـ :
«والظاهر أن الرد غير النهي عن الغيبة ، والمراد به الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة فإن كان عيبا دنيويا انتصر له بأن العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبأ الله به وإن كان عيبا دينيا وجّهه بمحامل تخرجه عن المعصية فإن لم يقبل التوجيه انتصر له بأن المؤمن قد يبتلى بالمعصية فينبغي ان تستغفر له وتهتم له لا ان تعيره ، وأن تعييرك اياه لعله اعظم عند الله من معصيته»(6) انتهى كلامه رفع مقامه .
ويلاحظ أحيانا أن المستمع فضلا عن أنه لم يمنع الغيبة ، يعمد الى تحريض الشخص المستغيب ، او يشجعه عليها من خلال مشاركته معه في الاستغابة ، او تحسينه إياه على غيبته .

(1) المحجة البيضاء ، المجلد الخامس ، ص 260 .
(2) غرر الحكم ، المجلد الثاني ، ص 12 .
(3) وسائل الشيعة ، المجلد الثامن ، الباب 151 ، من أبواب احكام العشرة ، ح 13 .
(4) وسائل الشيعة ، المجلد الثامن ، الباب 156 ، من أبواب احكام العشرة ، ح 1 .
(5) وسائل الشيعة ، المجلد الثامن ، الباب 156 ، من أبواب احكام العشرة ، ح 5 .
(6) المكاسب ، شرح السيد الكلانتر ـ المجلد الرابع ، ص 69 .
الاربعون حديثاً 295

واذا كان المستمع من اهل الصلاح ، رغّب المستغيب في الاستغابة نتيجة مواقفه ذات الطابع الديني حين استماع الغيبة ، من الاشتغال بذكر الله او الاستغفار او أمور أخرى التي تعد من الوسائل الشيطانية للإتجاه الى المعصية الكبيرة ، بذكر الله تعالى .
ومن الممكن ان يكون الحديث الشريف الذي يضاعف وزر المستمع للغيبة اكثر من وزر المغتاب سبعين مرة اشارة لهؤلاء الاشخاص ـ يستمعون الغيبة ويشجعون المستغيب من خلال مواقفهم الدينية ظاهرا على المضي فيها ـ نعوذ بالله منه .

تتميم
كلام الشهيد الثاني ـ رحمه الله ـ

للشيخ الجليل والمحقق العظيم الشهيد السعيد الشهيد الثاني ـ رضوان الله عليه ـ كلام نختم هذا المقام به ، قال:
«ومن أضر انواع الغيبة ، غيبة المتّسمين بالفهم والعلم المرائين فإنهم يفهمون المقصود على صفة اهل الصلاح والتقوى ليظهروا من انفسهم التعفف عن الغيبة ويفهمون المقصود ولا يدرون بجهلهم انهم جمعوا بين فاحشتين الرياء والغيبة ، وذلك مثل أن يذكر عنده انسان فيقول الحمد لله الذي لم يبتلينا بحب الرياسة او حب الدنيا او بالتكيف بالكيفية الفلانية ، او يقول نعوذ بالله من قلة الحياء او من سوء التوفيق او نسأل الله ان يعصمنا من كذا بل مجرد الحمد على شيء اذا علم منه اتصاف المحدّث عنه بما ينافيه ونحو ذلك فإنه يغتابه بلفظ الدعاء وسَمتِ أهل الصلاح . وإنما قصده ان يذكر عيبه بضرب من الكلام المشتمل على الغيبة والرياء ، ودعوى الخلاص من الرذائل ، وهو عنوان الوقوع فيها ، بل في أفحشها ومن ذلك أنه قد يُقدم مدح من يريد غيبته فيقول ما أحسن أحوال فلان ما كان يقصّر في العبادات ، ولكن قد اعتراه فتور وابتلى بما يبتلي به كلّنا وهو قلّة الصبر فيذكر نفسه بالذم ، ومقصوده أن يذم غيره ، وأن يمدح نفسه بالتشبّه بالصالحين في ذم انفسهم فيكون مغتابا مرائيا ، مزكيا نفسه ، فيجمع بين ثلاث فواحش ، وهو يظن بجهله انه من الصالحين المتعففين عن الغيبة ، هكذا يلعب الشيطان بأهل الجهل اذا اشتغلوا بالعلم والعمل من غير ان يتقنوا الطريق فيتبعهم ويحبط بمكائده عملهم ويضحك عليهم ويسخر منهم .
ومن ذلك ان يذكر ذاكر عيب انسان فلا ينتبه له بعض الحاضرين فيقول سبحان الله ما اعجب هذا حتى يُصغي الغافل الى المغتاب ويعلم ما يقوله ، فيذكر الله سبحانه ، ويستعمل اسمه آلة في تحقيق خبثه وباطله وهو يمنّ على الله بذكره جهلا وغرورا ومن ذلك ان يقول جرى

الاربعون حديثاً 296

من فلان كذا وابتلى بكذا ، بل يقول جرى لصاحبنا او صديقنا كذا ، تاب الله عليه وعلينا ، يظهر الدعاء له والتألم والصداقة والصحبة والله مطلع على خبث سريرته وفساد ضميره ، وهو بجهله لا يدري انه قد تعرّض لمقت اعظم مما يتعرض له الجهّال اذا جاهروا بالغيبة .
ومن أقسامها الخفيّة الاصغاء الى الغيبة على سبيل التعجب فإنه انما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة ، فيزيد فيها ، فكأنه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق فيقول عجبت مما ذكرته ما كنت أعلم بذلك إلى الآن ما كنت اعرف من فلان ذلك ، يريد بذلك تصديق المغتاب ، واستدعاء الزيادة منه باللطف والتصديق لها غيبة ، بل الاصغاء اليها ، بـل السكـوت عند سماعهـا» . انتهـى كلامـه رفـع مقامـه (1) .
وأحيانا تضاف عناوين أخرى على عنوان الغيبة ايضا فيبعث على ازدياد الفساد والقبح والعقاب . مثل ان يثني المستغيب امامه ويعرب له عن حبه له . ويكون هذا من مراتب النفاق ويعد من ذوي اللسانين والوجهين . والروايات تذم مثل هذا الانسان .
ففي الكافي الشريف بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من لقي المسلمين بوجهين ولسانَين جاء يوم القيامة وله لسانان من نار» (2) .
هذه هي صورة هذا العمل القبيح ونتيجة هذا النفاق في عالم الآخرة . أعوذ بالله من شر لساني ونفسي الأمارة . والحمد لله أولا وآخرا .

(1) كشف الريبة ، عن أحكام الغيبة ، ص 197 ـ 198 ، طباعة دار الحوراء ، بيروت .
(2) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب ذي اللسانين ، ح 1 .
الاربعون حديثاً 297

الحديث العشرون

النية


الاربعون حديثاً 298

بالسند المتصل الى الشيخ الثقة الجليل محمد بن يعقوب الكليني ـ قدس سره ـ عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المِنقري ، عن سفيان بن عيَينة ، عن ابي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى : «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» . قال : ليس يعني أكثركم عملا ولكن أصوبكم عملا . وإنما الاصابة خشية الله والنية الصادقة والخشية . ثم قال : الإبقاء على العمل حتى يَخلُص أشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد ان يحمدك عليه أحد إلا الله تعالى أفضل من العمل . ألا وان النية هي العمل ثم تلا قوله عز وجل «قل كل يعمل على شاكلته» يعني على نيّته» (1) .

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الاخلاص ، ح 4 .
الاربعون حديثاً 299

الشرح :


البلاء بمعنى الأختبار والتمحيص . كما في الصحاح : «بَلَوته بلوى : جرّبته واختبرته ، وبلاء الله بلاء وأبلاه إبلاء حسنا وابتلاه أي اختبره» .
و«أيّكم» مفعول ثان لِـ «ليبلوكم» بعد تضمين يبلو معنى العلم حسب كلام المجلسي . وهو ليس بصحيح . لأن أي الاستفهامية تعلّق الفعل عن العمل ـ فلا تعمل يبلو ولا تتعدى الى مفعولين ـ . والصواب أن «أيكم احسن عملا» جملة مبتدأ وخبر ، وفي المعنى مفعول لفعل «يبلوكم» ـ المعلق عن العمل ـ . ولو جعلنا «أيّ» موصولة لكان لكلام المرحوم المجلسي وجها ، ولكنها في الاستفهامية أظهر .
و «الصواب» نقيض الخطأ كما يقول الجوهري . و «الخشية» الثانية غير موجودة في بعض النسخ كما يقول المجلسي . ولو كانت موجودة لأمكن فيها احتمالات ، أظهرها أن الـ «و» بمعنى «مع» . ونقل عن (أسرار الصلاة) للشهيد الثاني رحمه الله «النية الصادقة الحسنة» بدلا عن «النية الصادقة والخشية» . و «الإبقاء على العمل» مراعاته والمحافظة عليه كما قال الجوهري : «ابقيت على فلان إذا ارعيت عليه وحميته» . و «الشاكلة» بمعنى الطريقة والشكل والناحية . كما في القاموس والصحاح فعن القاموس «الشاكلة : الشكل والناحية والنية والطريقة» .
ونحن سنوضح ما يحتاج الى الشرح من الحديث الشريف ضمن فصول عديدة ان شاء الله .

فصل
في الاشارة الى توجيه نسبةالابتلاء الى الحق تعالى

ان «ليبلوكم» ـ في الحديث الشريف ـ اشارة الى قوله تعالى «تبارك الذي بيده الملك وهو

الاربعون حديثاً 300

على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم احسن عملا»
(1) .
قال المحقق المجلسي ـ قدس الله سره ـ تدل هذه الآية الشريفة على ان الموت امر وجودي . والمراد منه إما الموت الطارئ على الحياة ، او العدم الاصلي . انتهى .
إن دلالة الآية الشريفة ـ على ان الموت أمر وجودي ـ تتوقف على تعلق الخلق والتكوين بالموت ، بالذات ، وأما إذا كان التعلق بالعرض فلا تصح تلك الدلالة ، كما يصرّح بذلك المحققون . وعلى فرض دلالتها ، فلا وجه لجعل الموت ـ في الآية الشريفة ـ عدما أصليا لأن اعتبار العدمي الاصلي ، وجوديا من الجمع بين النقيضين . مع أنه في نفسه لا يصح تفسير الموت بالعدم الاصلي .
وملخص القول : انّ مقتضى التحقيق هو أن الموت عبارة عن الانتقال عن النشأة الظاهرية المُلكية ـ الدنيا ـ إلى النشأة الباطنية الملكوتية . أو أن الموت عبارة عن الحياة الثانية الملكوتية بعد الحياة الاولى المُلكية الدنيوية . وعلى كل تقدير يكون الموت امرا وجوديا بل هوأتم من الوجود المُلكي ، لأن الحياة المُلكية الدنيوية مشوبة بالمواد الطبيعية الميتة التي تكون حياتها عرضية وزائلة . في حين أن الحياة الذاتية الملكوتية التي تحصل هناك تبعث على استقلالية للنفوس ، وتكون تلك الدار ، دار حياة ومن لوازم الحياة . وأن الأبدان المثالية البرزخية قائمة بالنفوس قياما صدوريا ـ مثل قيام المعلول بالعلة ـ كما هو مقرر في محله المناسب .
وبالجملة ان الحياة الملكوتية ـ التي يُعبّر عنها بالموت حتى لا يكون ثقيلا على السمع ـ متعلق للجعل والتكوين وتحت قدرة الذات المقدس .
وقد تقدم منا معنى الاختبار والامتحان وكيفية نسبته الى الحق المتعال جُل جلاله عند شرح بعض الاحاديث ، على نحو لا يستلزم الجهل على الذات المقدس ، ومن دون حاجة الى تكلّف وتأويل . ولا بد من الاشارة اليه بصورة مجملة ، هي :
ان نفس الانسان في بدء فطرتها وخلقتها تتمتع بالاستعداد المحض والقابلية الصرفة ، وهي خالية عن كل فعلية من ناحية السعادة والشقاء ، وبعد حصول الحركات الطبيعية الجوهرية ، والافعال الاختيارية تتحول الاستعدادات الى الفعلية وتنجم التشخصات والتميزات .
فانفراد السعيد عن الشقي والغث عن السمين ، يحصل في هذه الحياة المُلكية . والهدف من تكوّن الحياة المُلكية هو تمحيص النفوس والتفرقة بين السعيد منها والشقي . وعليه تتّضح الغاية المنشودة من وراء اختبار الناس .

(1) سورة تبارك آيات : 1 و 2 .
الاربعون حديثاً 301

وأما خلق الموت فهو أيضا دخيل في هذا الفرز والتفريق بين السعيد والشقي ، بل هو الجزء الاخير من العلة ، لان المقياس في الفعليات هي الصور ـ الملكوتية ـ الاخيرة التي ينتقل بها الانسان من هذا العالم .
وخلاصة الكلام ان المقياس في التفرقة هو الصور الاخروية الملكوتية ، وهي لا تحصل إلا بواسطة الحركات الجوهرية والأفعال الاختيارية الدنيوية المُلكية . فاتّضحت الغاية المنشودة من الامتحان والاختبار المترتب على خلق الموت والحياة من دون بقاء جهل في ذلك .
نعم تفصيل ذلك لأجل دحض كل الملاحظات ، يرتبط ببيان العلم الذاتي لله قبل الايجاد ، وعلمه الفعلي لدى الايجاد ، وهو أكبر من نطاق هذا الكتاب . وقوله سبحانه«أيكم احسن عملا»الذي ربط نتيجة الامتحان بأحسن الاعمال ، يعود ايضا الى هذا المعنى المذكور . وعليه يفسّر الحديث الشريف ، لأنه فسر الأحسن بالأصوب ، والأصوب بخشية الله والنية الصادقة ، وهي الصور الباطنية للنفس ، والباعثة على التفرّق الحقيقي للأرواح ، او انها من المظاهر للاختلافات الجوهرية الغيبية للنفس . بل بناءا على تأثر القلب والباطن من الاعمال الظاهرية كما ذكرناه سابقا ، يحصل التفرق عبر الاعمال ايضا ، فامتحان الاعمال ، اختبار للذاتيات ايضا .
وإذا فسّرنا الآية المباركة حسب ظاهرها ، وقطعنا النظر عن تفسير الامام عليه السلام ، كان الاختبار ايضا بهذا المعنى المذكور ، لإن نفس الحضور في هذه النشأة الدنيوية وخلق الموت والحياة ، باعثان على فرز الاعمال الحسنة عن الاعمال السيئة . اما سببية خلق الحياة في ذلك فمعلوم ، لإنها سبب النهوض والحركة والعمل . وأما خلق الموت ، فمع العلم بعدم استقرار الحياة الدنيوية ، ,تيقن حصول الارتحال من هذه النشأة الفانية ، تختلف الاعمال من انسان لآخر ، ويتم الفرز بين صالحها وطالحها .

فصل
في بيان ان الخشية و النية الصادقة تبعثان على صواب الاعمال

إعلم ان هذا الحديث الشريف أناط صواب وحسن العمل بأمرين شريفين وجعل المقياس في كمال وتمامية الاعمال ، هذين الاصلين : أحدهما الخوف والخشية من الحق المتعالي . وثانيها النية الصادقة والإرادة الخالصة . وعلينا أن نشرح الصلة القائمة بين هذين الامرين مع كمال العمل وصوابه .
فنقول : ـ الأمر الأول ـ أن الخوف والفزع من الحق المتعالي يوجب خشية النفس وتقواها ، وهي بدورها تبعث على قبول آثار الأعمال أكثر .
وتفصيل هذا الاجمال هو اننا ذكرنا سابقا لدى شرح بعض الاحاديث المتقدمة أن لكل

الاربعون حديثاً 302

الاعمال الحسنة أو السيئة تأثيرا في النفس . فإذا كانت تلك الاعمال من سنخ العبادات والمناسك كان التأثير هو خضوع القوى الطبيعية للقوى العقلية ، وقاهرية ملكوتية النفس على المُلك ، وانقياد الناحية الطبيعية للإنسان لناحيته الروحانية حتى يبلغ الامر الى الجذبة الروحية والوصول الى المقصود الاصلي . وكل عمل يبعث على مثل هذا التأثير أكثر ، وينجّز هذه الخدمة أحسن ، لكان أصوب ، ولترتب عليه المقصود الاصلي بشكل افضل . وكل شيء له دور في هذا التأثير ، فهو متكفل لصواب العمل . وغالبا ما يكون هذا هو المقياس لإفضلية الاعمال . ويمكن ان يكون الحديث المعروف «افضل الاعمال أحمزها»(1)مندرجا تحت هذا المقياس ايضا .
وبعد تبيّن هذه المقدمة ، لا بد ان نعرف بأن التقوى تزكّي النفس وتطهّرها من الدنس والقذارات . وطبعا إذا كانت صفحة النفس ناصعة ، وطاهرة من حجب المعاصي وكدرها ، كانت الاعمال الحسنة مؤثرة أكثر ، وإصابتها للهدف المبتغى أدق ، وتَحقُّق السر الكبير للعبادات الذي هو ترويض الجانب المادي للانسان ، وقهر ملكوته على مُلكه ونفوذ الارادة الفاعلة للنفس بصورة افضل .
فالخشية من الحق سبحانه ، التي لها التأثير التام في تقوى النفوس هي من العوامل الكبيرة لإصلاح النفس ، وذات دور في إصابة الاعمال وحسنها وكمالها . لإن التقوى مضافا الى أنها من العوامل الكبيرة في إصلاح النفس ، تكون ذات قدرة فعّالة في تاثير الاعمال القلبية والقالبية ـ الظاهرية ـ للإنسان ، وتكون سببا لقبولها ايضا . كما يقول الله تعالى :«إنما يتقبّل الله من المتقين» (2) .
والعامل الثاني المهم في إصابة الاعمال ـ لإهدافها ـ وكمالها ، والذي يكون بمثابة القوة الفاعلة (كما أن الخشية ، والتقوى الحاصلة منها بمثابة شرط التأثير ، وفي الواقع فهما يبعثان على تطهير للقابل ، ورفع للمانع) هي النية الصادقة والارادة الخالصة حيث يكون كمال العبادات ونقصها وصحّتها وفسادها كليا تابعا لها . وكلـما كانت العبادات أصفـى مـن الشرك وشـوب النية ، كلما كانـت أكمل . وليس في العبادات شيء ذو أهمية مثل النية وخلوصها ، لأن نسبة النيات الى العمال كنسبة الارواح الى الابدان والنفوس الى الاجساد . كما أن أجسام ـ صور ـ العبادات ، توجد من خلال مقام المُلك للنفس وجسدها ، وتحصل النية وروح العبادة من باطن النفس ـ أعماقها ـ ومقام القلب . ولا تقبل عبادة البتة عند الحق المتعالي من دون نية

(1) نهاية ابن الأثير ، المجلد 1 ص 440 .
(2) سورة المائدة ، آية : 27 .
الاربعون حديثاً 303

خالصة . إلا أنها إذا لم تكن خالصة من الرياء والشرك الظاهري المُلكي ـ وهو الرياء المذكور لدى الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم ـ كانت باطلة وغير مجزية ظاهرا ـ في منطق الفقه ـ . وإن لم تكن خالصة من الشرك الباطني ، فهي وان كانت صحيحة ومجزية حسب ظاهر الشرع والحكم الفقهي ، ولكنها ليست بصحيحة حسب باطن الشرع والواقع وفلسفة العبادة ، وغير مقبولة لدى الذات المقدس . فلا ملازمة بين صحّة العبادة وقبولها ، كما أشير الى ذلك كثيرا في الاخبار المأثورة عن اهل البيت عليهم السلام . والتعريف الجامع للشرك في العبادة ، الشامل لكل مراته هو : إدخال رضى غير الحق في العبادة . سواء كان ـ رضا غير الحق ـ رضى نفسه أو غيره . إلا انه اذا كان ادخالا لرضا غير نفسه من الناس في العبادة ، لكان شركا ظاهريا ورياءا فقهيا . وإن كان رضا نفسه كان شركا خفيا وباطنيا ، والعبادة باطلة ، ولا تعد بشيء لدى اهل المعرفة ، ولا تكون مقبولة لدى الحق سبحانه .
مثلا من يؤدي لسعة رزقه صلاة الليل ، او ان يتصدق لدفع البليّة ، أو يقدّم الزكاة لتنمية أمواله ويأتي بهذه العبادات من أجل الحق تعالى ، ولكنه يسأل ربه أن يهب له تلك الامور ببركة تلك العبادات ، هذه العبادات وإن كانت صحيحة ومجزية ، وتترتب عليها تلك الآثار ايضا إذا اشتملت هذه العبادات على أجزائها وشرائطها . ولكنها لا تكون عبادة للحق المتعالي وغير محتوية للنية الصادقة والإرادة الخالصة . بل إنها عبادة لتعمير الدنيا ولنيل الرغبات النفسية الدنيوية ، فلا يكون عمله مصابا . كما أن العبادات إذا كانت نتيجة الخوف من نار جهنم ، والشوق الى الجنة ، لما كانت خالصة للحق سبحانه ، ولما ضمنت النية الصادقة ، بل نستطيع ان نقول إن مثل هذه العبادات خالصة للشيطان والنفس ، لأن الانسان الذي يقوم بمثل هذه العبادات ـ لأهداف دنيوية او الفزع من جهنم ـ لم يُدخل رضى الحق سبحانه في عبادته البتة ، حتى يتحقق الشرك ، وإنما عَبَدَ الصنم الكبير فقط (إن أم الاصنام هي صنم النفس) .
ان الله سبحانه يقبل أمثال هذه العبادات نتيجة عجزنا ونتيجة رحمته الواسعة ، بدرجة واحدة ، بمعنى أن هناك آثار تترتب على هذه العبادات ، ومكافآت في مقابلها ، فلو أن الانسان عمل بتلك الشرائط الظاهرية ، ومع توجه القلب وحضوره ومع شرائط قبول الاعمال ، ترتبت الآثار كافة عليها وأنجزت تلك المكافآت الموعودة .
هذا هو حال عبادة العبيد والاُجراء . وأما عبادة الاحرار الذين يعبدون الله لحبهم الحق ألمتعالي ولبحثهم عن الذات المقدسة ، ولا يعبدونه من أجل الخوف من نار جهنم أو الشوق الى الجنة ، فهذه العبادة أول مقام الاولياء والاحرار . ولهم مقامات ومعارج أخرى لا يمكن ذكرها . فما دامت النفس تلتفت الى العبادة والعابد والمعبود ، لم يتحقق الخلوص . يجب ان يخلو القلب من الغير ولا ينفذ فيه أحد غير الحق حتى يكون خالصا . كما ورد في الحديث

الاربعون حديثاً 304

الشريف المنقول عن الكافي بسنده الى سفيان بن عيينة (راوي الحديث العشرين) قال :
«سألته عن قول الله عز وجل : « إلا من أتى الله بقلب سليم ». قال : القلب السليم الذي يَلقى ربه وليس فيه احد سواه قال : وكل قلب فيه شرك او شك فهو ساقط وانما اراد بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة» (1) .
ومن المعلوم ان القلوب التي استقبلت غير الحق وتعرّضت لهزّات الشك والشرك سواء كان الشرك جليا أم خفيا فهي ساقطة في محضر القدس الربوبي . وإن من الشرك الخفي الاعتماد على الأسباب والركون الى غير الحق .
وقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام أن الشرك أخفى من دبيب النمل وقال : منه تحويل الخاتم لَيذكر الحاجة وشبه هذا (2) . ودخول غير الحق المتعالي الى القلب يعدّ من الشرك الخفي . واخلاص النية هو اخراج غير الحق سبحانه من مقام الذات المقدس ـ القلب ـ .
وكما أن للشرك مراتب ، يكون للشك مراتب ايضا ، وأن منها الشك الجلي ، ومنها الشك الخفي . وتحصل هذه المراتب نتيجة ضعف في اليقين ونقصان في الايمان . إن مطلق الاعتماد على غير الحق سبحانه والالتفات الى المخلوق يكون من جراء ضعف اليقين والايمان ، كما أن التزلزل في الامور نتيجة لذلك ايضا . ومرتبة اخفاء الشك ، حالة من التلون في القلب وعدم التمكين في التوحيد . فالتوحيد الحقيقي ، هو اسقاط الاضافات والتعيّنات والكثرات ، حتى كثرات الاسماء والصفات ، والتمكين فيه يكون بالخلاص من الشك . وإن القلب السليم ، هو القلب الفارغ من مطلق الشرك والشك . وفي هذا الحديث الشريف القائل «وإنما أراد بالزهد ...» إشارة الى ان الغاية من الزهد في الدنيا هو انصراف القلب شيئا فشيئا عن الدنيا وتنفره عنها ، وتوجهه الى المقصود الاصلي والمطلوب الواقعي ـ الحق المتعالي ـ .
ويبدو من صدر الحديث ـ المروي عن سفيان بن عيينة ـ ان المقصود من الآخرة النهاية القصوى لدائرة الوجود ، ونهاية الرجوع . وهي الآخرة بالقول المطلق . فعليه تكون الدنيا كل دائرة الظهور ، والزهد فيها يستلزم خلوص القلب من غير الحق تعالى . فكل من في قلبه غير الحق عز وجل ، ينتبه الى غيره سبحانه ـ من دون فرق بين أن يكون هذا الغير من الامور المُلكية المادية أو الامور المعنوية ومن دون فرق بين أن تكون الصورة اخروية او من الكمالات

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الاخلاص ، ح 5 .
(2) وسائل الشيعة ، المجلد 3 ، ابواب احكام الملابس ، باب 61 ، ص 409 وقد أفتى صاحب الوسائل بعدم الجواز إلا في عدد الركعات . لكن سوق الرواية يشهد على الكراهية (منه عفى الله عنه) .
الاربعون حديثاً 305

او المدارج الشامخة ، وملخص القول التوجه الى غير الحق المتعالي ـ يعد من عمل اهل الدنيا ولا يكون زاهدا فيها ويكون محروما من الآخرة الحقيقية ، وجنة اللقاء التي هي اعلى مراتب الجنة ، وان كانت لهم مراتب أخرى من الكمالات المعنوية والجنان الرفيعة . كما أن اهل الدنيا ذو مقامات مختلفة بالنسبة الى الاحوال الدنيوية ، ولكن تلك المقامات بعيدة كثيرا عن أهل الله .

فصل
في تعريف الاخلاص

اعلم انهم ذكروا تعاريف مختلفة للاخلاص ونحن نذكر بعضها وهو المتداول لدى أهل السلوك والعرفان ، بصورة مختصرة .
قال العارف الحكيم السالك خواجة عبد الله الانصاري قدس سره : «الاخلاص تصفية العمل من كل شوب» وهذا أعم من أن يشوب العمل برضى نفسه ، او رضى غيره من المخلوقات الاخرى .
ونقل عن الشيخ البهائي ان أرباب القلوب ـ العرفاء ـ ذكروا تعاريف عديدة للاخلاص :
«قيل : هو تنزيه العمل ان يكون لغير الله فيه نصيب» وهذا ايضا قريب الى التعريف المذكور .
«وقيل : هو أن لا يريد عامله عليه عوضا في الدارين» . ونقل عن صاحب غرائب البيان : أن المخلصين هم الذين يعبدون الله ، ولا يرون انفسهم ولا العالم ولا أهله في العبودية ، ولا يتجاوزون حدود العبودية في مشاهدة الربوبية .
وعندما تتساقط من العبد حظوظه بدءا من التراب وانتهاءا بالعرش فقد سلك الدين ، وهو طريق العبودية الخالصة من رؤية الحوادث ـ غير الله ـ نتيجة شهود الروح لجمال الرب المتعالي . وهذا هو الدين الذي اصطفاه الحق المتعالي لنفسه ، وأخلصه من غير الحق قائلا «ألا لله الدين الخالص» (1) والدين الخالص هو نور القِدَم ، بعد اضمحلال الحدوث في فيّاض نور عظمته ووحدانيته . فكأن الله قد دعا عباده على سبيل التنبيه والاشارة نحو تخليص سرّه في الغير لدى توجههم اليه .
ونقل عن الشيخ المحقق محي الدين العربي انه قال :
«ألا لله الدين الخالص عن شوب الغيرية والأنانية ، لانك لفنائك فيه بالكلية فلا ذات لك ولا

(1) سورة الزمر ، آية : 3 .
الاربعون حديثاً 306

صفة ولا فعل ولا دين وإلا لما خلُص الدين بالحقيقة فلا يكون لله» . فما دامت العبودية والغيرية والأنانية باقية والعابد والمعبود والعبادة والاخلاص والدين حاضرا ، يكون ـ العمل ـ مشوبا بالغيرية والأنانية وهذا شرك لدى أرباب القلوب .
أن عبادة ارباب الاخلاص هي رسم تجليات المحبوب ، ولا يوجد في قلوبهم سوى الحق المتعالي الواحد . ومع أن أفق الإمكان قد اتصل بالوجوب ، وإن التدلّي الذاتي ، والدنو المطلق الحقيقي قد حصل لهم ، وإن رسم الغيرية قد ارتفع بالكلية عنهم ، فهم يقومون بكافة وظائف العبودية . ولا تكون عبادتهم بالروية والتفكر ، بل تكون عبادتهم بالتجلّي . كما أشير الى هذا المعنى في صلاة ليلة معراج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فصل
في بيان الاخلاص بعد العمل

اعلم ان ما ورد في الحديث الشريف«الابقاء على العمل حتى يخلُص ، أشد من العمل»حث على لزوم المحافظة والمواظبة على الاعمال ، التي تصدر من الانسان ، حين انجازها وبعد تحققها ، اذ قد يأتي الانسان بالعمل من دون عيب ونقص وخال من الرياء والعُجب وغيره ، ولكنه بعد العمل وبواسطة ذكره للآخرين يعاب بالرياء . كما ورد في الحديث الشريف المنقول عن الكافي :
«عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : الابقاء على العمل اشد من العمل . قال : وما الابقاء على العمل ؟ قال : يصل الرجل بصلة ويُنفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتب له سرا ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثم يذكرها فتكتب له رياء» (1) .
ان الانسان حتى نهاية حياته لا يأمن أبدا من شر الشيطان والنفس ، وعليه أن لا يظن بأنه عندما أتى بعمل لوجه الله ، من دون ملاحظة رضى المخلوق ، أصبح في مأمن من شر النفس الخبيثة . وإنه اذا لم يراقب العمل ولم يواظب عليه ، فمن الممكن أن تجبره نفسه على إظهاره أمام الآخرين . وقد يتم الاظهار بالايماء والتلويح ، فمثلا إذا أراد ان يكشف عن صلاة الليل التي أتى بها للناس ، التجأ الى اساليب اللف والدوران ، فيتحدث عن حسن جو السحر أو ردائته وعن مناجاة الناس او اذانهم في السحر ، وضيّع عمله من جرّاء المكائد الخفية للنفس ، وألغاه من الاعتبار .
يجب ان يكون الانسان مثل الطبيب الرحيم ، والمرافق الرؤوف يراقب نفسه ، ولا يسمح لفلتان زمامها مِن يده ، لأنها في لحظة من الغفلة تنفلت من يده وتقوده الى الذل والهلاك .

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الرياء ، ح 16 .
الاربعون حديثاً 307

وعلى أي حال نستعيذ بالله من شرالشيطان والنفس الامارة . «أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي» (1) .
ولا بد من معرفة ان تخليص النية من جميع مراتب الشك والرياء وغيرها ومراقبتها والمحافظة عليها من الامور الصعبة والمهمة جدا ، بل إن بعض مراتبها لا يتيسر إلا للخلّص من أولياء الله تعالى . لأن النية عبارة عن الارادة الباعثة نحو العمل ، وهي تتبع الغايات الاخيرة الدافعة نحو العمل ، كما أن هذه الغايات تتبع الملكات النفسانية التي تشكل باطن ذات الانسان وشاكلته . فمن له حب الجاه والرياسة ، وغدا هذا الحب ملكة نفسانية وشاكلة روحه ، كان منتهى أمله البلوغ إلى سدّة الزعامة ، وكانت افعاله الصادرة منه تابعة لتلك الغاية ، وكان دافعه ومحرّكه هو مبتغاه النفسي المذكور ، وصدرت عنه اعماله للوصول الى ذلك المطلوب . فما دام هذا الحب في قلبه ، لا يمكن ان يصير عمله خالصا . ومن صار حب النفس والأنانية ملكة له ، وشاكلة نفسه ، كانت غاية مقصده ونهاية مطلوبه الوصول الى ما يلائم نفسه وكان الدافع والمحرك له في هذه الاعمال ، نفس هذه الغاية ، سواء كانت الاعمال للوصول الى مطلوب دنيوي او اخروي من قبيل الحور والقصور والجنات ونِعَم ذلك العالم . بل ما دامت الأنانية ، والذاتية موجودة ، كان إقدامه أو سلوكه لتحصيل المعارف ـ الربوبية ـ والكمالات الروحية ، لنفسه ونفسانياته من حب للنفس لا من حب لله . ومن المعلوم انهما لا يجتمعان ، بل إذا أحب الله كان ، من أجل نفسه وليس من أجل الله وكانت غاية المقصود ونهاية المطلوب نفسه ونفسانياته .
فاتضح ان تخليص النية من مطلق الشرك ، عمل صعب جدا ، ولا يقدر عليه كل أحد . وان كمال الأعمال ونقصها تابع لكمال النية ونقصها ، لأن النية هي الصورة الفعلية ، والناحية الملكوتية للعمل . كما أشرنا إليه سابقا .
وفي الحديث الشريف تلميح الى هذا الموضوع ، عندما يقول «والنية أفضل من العمل ألا وإن النية هي العمل» واحتمل بعض أن هذا المعنى مبالغة ، ولكنه ليس بشيء من المبالغة ، بل مبني على الحقيقة ، لأن النية هي الصورة الكاملة للعمل ، والفصل المحصِّل له ، وصحة العمل وفساده وكماله ونقصه ، مرتبطة بالنية .
كما أن عمل شخص واحد لإختلاف نيته قد يكون تعظيما للغير ، وقد يكون توهينا له ، وقد يصير تامّا بها ، وقد يصير ناقصا لفقدانها ، وقد يكون من سنخ الملكوت الاعلى وله صورة بهية جميلة ، وقد يكون من سنخ الملكوت السفلى وله صورة موحشة مخيفة .

(1) سورة يوسف ، آية : 53 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي