الاربعون حديثاً 33

فصل
في بيان لجم الانبياء لطبيعة الانسان

اعلم ان الوهم والغضب والشهوة من الممكن ان تكون من الجنود الرحمانية ، وتؤدي الى سعادة الانسان وتوفيقه اذا سلمتها للعقل السليم وللانبياء العظام ، ومن الممكن ان تكون من الجنود الشيطانية اذا تركتها وشانها ، واطلقت العنان للوهم ليتحكم في القوتين الاخريين : الغضب والشهوة .
وايضا لم يعد خافيا ان ايا من الانبياء العظام (عليهم السلام) لم يكبتوا الشهوة والغضب والوهم بصورة مطلقة ، ولم يقل اي داع الى الله حتى الآن ، بان الشهوة يمكن ان تُقتل بصورة عامة ، وان يُخمد اوار الغضب بصورة كاملة ، وان يترك تدبير الوهم ، بل قالوا : [يجب السيطرة عليها حتى تؤدي واجبها في ظل ميزان العقل والدستور الالهي] لان هذه القوى كل واحدة منها تريد ان تنجز عملها وتنال غايتها ولو استلزم ذلك الفساد والفوضى . فمثلا النفس البهيمية المنغمسة في الشهوة الجامحة التي مزقت عنانها ، ـ هذه النفس ـ تريد ان تحقق هدفها ومقصودها ولو كان ذلك يتم بواسطة الزنا بالمحصنات وفي الكعبة (والعياذ بالله) . والنفس الغضوب ، تريد ان تنجز ما تريده حتى ولو استلزم ذلك قتل الانبياء والاولياء . والنفس ذات الوهم الشيطاني تريد ان تؤدي عملها حتى ولو استلزم ذلك الفساد في الارض ، وقلب العالم بعضه على بعض .
لقد جاء الانبياء (عليهم السلام) ، واتوا بقوانين ، وانزلت عليهم الكتب السماوية ، من اجل الحيلولة دون الاطلاق والافراط في الطبائع ، ومن اجل اخضاع النفس الانسانية لقانون العقل والشرع وترويضها وتاديبها حتى لا يخرج تعاملها عن حدود العقل والشرع .
اذا ؛ فكل نفس كيفت ملكاتها وفق القوانين الالهية والمعايير العقلية ، فهي سعيدة ومن اهل النجاة ، والا فليستعذ الانسان بالله من ذلك الشقاء وسوء التوفيق وتلك الظلمات والشدائد المقبلة ، ومنها تلك الصور المرعبة والمذهلة التي تصاحبه في البرزخ والقبر والقيامة وجهنم ، والتي نتجت عن الملكات والاخلاق الفاسدة التي لازمته .

فصل
في بيان السيطرة على الخيال

اعلم ان اول شرط للمجاهد في هذا المقام والمقامات الاخرى ، والذي يمكن ان يكون اساس الغلبة على الشيطان وجنوده ، هو حفظ طائر الخيال ، لان هذا الخيال طائر محلق يحط في كل آن على غصن ، يجلب الكثير من الشقاء . وانه من احدى وسائل الشيطان التي جعل

الاربعون حديثاً 34

الانسان بواسطتها مسكينا عاجزا ودفعت به نحو الشقاء .
وعلى الانسان المجاهد الذي نهض لاصلاح نفسه ، واراد ان يصفّي باطنه ، ويفرغه من جنود ابليس ، عليه ان يمسك بزمامه خياله وان لا يسمح له بان يطير حيثما شاء ، وعليه ان يمنع من اعتراضه للخيالات الفاسدة والباطلة ، كخيالات المعاصي والشيطنة ، وان يوجه خياله دائما نحو الامور الشريفة ، وهذا الامر ولو انه قد يبدو في البداية صعبا بعض الشيء ، ويصوره الشيطان وجنوده لنا وكانه امر عظيم ، ولكنه يصبح يسيرا ، بعد شيء من المراقبة والحذر .
ان من الممكن لك ـ من باب التجربة ـ ان تسيطر على جزء من خيالك ، وتنتبه به جيدا . فمتى ما اراد ان يتوجه الى امر وضيع ، فاصرفه نحو امور اخرى كالمباحات او الامور الراجحة الشريفة . فاذا رايت انك حصلت على نتيجة فاشكر الله تعالى على هذا التوفيق ، وتابع سعيك ، لعل ربك يفتح لك برحمته الطريق امامك للملكوت وتهتدي الى صراط الانسانية المستقيم ، ويسهل عليك مهمة السلوك اليه سبحانه وتعالى .
وانتبه الى ان الخيالات الفاسدة القبيحة والتصورات الباطلة هي من القاءات الشيطان ، الذي يريد ان يوطن جنوده في مملكة باطنك . فعليك ايها المجاهد ضد الشيطان وجنوده ، وانت تريد ان تجعل من صفحة نفسك مملكة إلهية رحمانية ، عليك ان تحذر كيد هذا اللعين ، وان تبعد عنك هذه الاوهام المخالفة لرضا الله تعالى ، حتى تنتزع ـ ان شاء الله ـ هذا الخندق المهم جدا من يد الشيطان وجنوده في هذه المعركة الداخلية . فهذا الخندق بمنزلة الحد الفاصل ، فاذا تغلبت هنا فتامل خيرا .
ايها العزيز ... استعن بالله تبارك وتعالى في كل آن ولحظة ، واستغث بحضرة معبودك ، واطلب منه بعجز والحاح ...
اللهم ... ان الشيطان عدو عظيم ، كان له ولا يزال طمع بانبيائك واوليائك العظام .
اللهم ... فاعني واناعبدك الضعيف المبتلي بالاوهام الباطلة والخيالات والخرافات العاطلة ، كي استطيع ان اجابه هذا العدو القوي .
اللهم ... وساعدني في ساحة المعركة مع هذا العدو القوي الذي يهدد سعادتي وانسانيتي ، لكي استطيع ان اطرد جنوده من المملكة العائدة لك ، واقطع يد هذا الغاصب من البيت المختص بك .

فصل
في الموازنة

ومن الامور التي تعين الانسان في هذا السلوك ، والتي يجب عليه الانتباه بها ، هي «الموازنة» فالموازنة هي ان يقارن الانسان العاقل بين منافع ومضار كل واحدة من الاخلاق

الاربعون حديثاً 35

الفاسدة والملكات الرذيلة التي تنشا عن الشهوة والغضب والوهم ـ عندما تكون حرة وتحت تصرف الشيطان ـ وبين منافع ومضار كل واحدة من الاخلاق الحسنة والفضائل النفسية ، والملكات الفاضلة والتي هي وليدة ـ تلك القوى الثلاث ـ عندما تكون تحت تصرف العقل والشرع ، ليرى على اي واحدة منها يصح الاقدام ويحسن العمل ؟! .
فمثلا ، ان النفس ذات الشهوة المطلقة العنان التي ترسخت فيها ـ اي في النفس ـ واصبحت ملكة ثابتة لها ، وتولدت منها ملكات كثيرة في ازمنة متطاولة ، هذه النفس لا تتورع عن اي فجور تصل يدها اليه ، ولا تعرض عن اي مال ياتيها ، ومن اي طريق كان ، وترتكب كل ما يوافق رغبتها وهواها ـ مهما كان ـ ولو استلزم ذلك اي امر فاسد .
ومنافع الغضب الذي اصبح ملكة للنفس ، وتولدت منه ملكات ورذائل اخرى ، منافعه هي انه يظلم بالقهر والغلبة كل من تصل اليه يده ، ويفعل ما يقدر عليه ضد كل شخص يبدي ادنى مقاومة ، ويثير الحرب باقل معارضة له ، ويبعد المضرات وما لا يلائمه ، باية وسيلة مهما كانت ، ولو ادى ذلك الى وقوع الفساد في العالم . وعلى هذا النحو تكون منافع النفس لصاحب الواهمة الشيطانية الذي ترسخت فيه هذه الملكة . فهو ينفذ عمل الغضب و الشهوة باية شيطنة وخدعة كانت ، ويسيطر على عباد الله باية خطة باطلة كانت ، سواء بتحطيم عائلة ما ، او بإبادة مدينة او بلاد ما .
هذه هي منافع تلك القوى عندما تكون تحت تصرف الشيطان ، ولكن عندما تفكرون بصورة صحيحة ، وتلاحظون احوال هؤلاء الاشخاص ، تجدون ان اي شخص ـ مهما كان قويا ، ومهما حقق من آماله وامانيه ـ فانه ـ رغم ذلك ـ لا يحصل على واحد من الالف من آماله ، بل ان تحقق الآمال ووصول اي شخص الى امانيه ، امر مستحيل في هذا العالم ، فان هذا العالم هو «دار التزاحم» وان مواده تتمرد على الارادة . كما ان ميولنا وامنياتنا ايضا لا يحدها حد ، فمثلا ان القوة الشهوية في الانسان ، هي بالصورة التي لو كانت بيده نساء مدينة كاملة ـ بفرض المحال ـ لتوجه الى نساء مدينة اخرى ايضا ، واذا اصبحت بلاد باكملها من نصيبه لتوجه الى بلاد اخرى ، وعلى الدوام تجده يطلب ما لا يملك ، رغم ان ذلك من فرض المحال انه مجرد خيال ، ومع هذا يبقى مرجل الشهوة مشتعلا ، وان الانسان لم يصل بعد الى امنيته . وهكذا بالنسبة الى القوة الغضبية فانها قد خلقت في الانسان بالصورة التي لو انه اصبح يملك الرقاب بشكل مطلق في مملكة ما ، لذهب الى مملكة اخرى لم يسيطر عليها بعد ، بل ان كل ما يحصل عليه يزيد من هذه القوة فيه . وعلى كل منكر ـ لهذه الحقيقة ـ ان يراجع حاله وحال اهل هذا العالم ، كالسلاطين ، والمتمولين ، واصحاب القوة والجاه ، وحينذاك سيصدق كلامنا هذا .

الاربعون حديثاً 36

اذا ، فالانسان هو ـ على الدوام ـ عاشق لما لا يملك ولما ليس في يده ، وهذه فطرة اثبتها المشايخ العظام وحكماء الاسلام الكبار خصوصا استاذنا وشيخنا في المعارف الالهية سماحة العارف الكامل «ميرزا محمد علي شاه آبادي» روحي له الفداء ، واثبتوا بها الكثير من المعارف الالهية وهي لا ترتبط بموضوعنا .
وعلى اي حال ؛ فلو وصل الانسان الى اهدافه ، فكم يدوم تمتعه واستفادته منها ؟ والى متى تبقى قوى شبابه ؟
عندما ينقضي ربيع العمر ، ويحل خريفه ، تذهب القوة من الاعضاء ، وتتعطل الحاسة الذائقة ، وتتعطل العين والاذن وحاسة اللمس وباقي الحواس ، وتصبح اللذات ـ عموما ـ ناقصة او تفنى اصلا ، وتهجم الامراض المختلفة ، فلا تستطيع اجهزة الهضم والجذب والدفع والتنفس ان تؤدي عملها بشكل صحيح . ولا يبقى للانسان ، شيئ سوى انّات التاوّه الباردة والقلب المملوء بالالم والحسرة والندم .
اذا ؛ فمدة استفادة الانسان من تلك القوى الجسمانية لا تتجاوز الثلاثين او الاربعين عاما بالنسبة الى اقوياء البنية والاصحاء السالمين ، ـ وهي فترة ما بعد فهم الانسان وتمييزه الحسن من القبيح الى زمن تعطيل القوى او نقصانها ـ ، وهذا يصح اذا لم يصطدم بالامراض والمشاكل الاخرى التي نراها يوميا ونحن غافلون عنها .
وافترض لكم بصورة عاجلة ، فرضية خيالية (وهذا ايضا ليس له واقع) افترض لكم عمرا هو مائة وخمسون عاما ، مع توافر جميع اسباب الشهوة والغضب والشيطنة ، وافترض بانه لا يعترضكم اي شيء غير مرغوب فيه ، ولا يحدث اي شيء يخالف هدفكم ، ـ ومع هذه الفرضية ، ماذا ستكون عاقبتكم بعد انقضاء هذه المدة القصيرة ـ والتي تمر مر الرياح ؟! فماذا ادخرتم من تلك اللذات لاجل حياتكم الدائمية ؟! لاجل يوم عجزكم ويوم فقركم ووحدتكم ؟! لاجل برزخكم وقيامتكم ، لاجل لقاءكم بملائكة الله واوليائه وانبيائه ؟! ـ هل ادخرتم سوى الاعمال القبيحة المنكرة ، والتي ستقدم لكم صورها في البرزخ والقيامة ، وهي الصور التي لا يعلم حقيقتها الا الله تبارك وتعالى ؟
ان جميع نيران جهنم ، وعذاب القبر والقيامة وغيرها مما سمعت هي جهنم اعمالك التي تراها هناك كما يقول تعالى : «... ووجـدوا ما عمـلـوا حاضـرا ...» (1) .
لقد اكلت مال اليتيم وتلذذت بذلك ولكن الله وحده يعلم ما هي صورة هذا العمل في ذلك العالم والتي ستراها في جهنم ، وما هي اللذة التي ستكون نصيبك هناك ؟ الله يعلم اي

(1) سورة الكهف : 49 .
الاربعون حديثاً 37

عذاب شديد ينتظرك بسبب تعاملك السيئ مع الناس وظلمك لهم في ذلك العالم ؟ ستفهم اي عذاب قد اعددت لنفسك بنفسك ، عندما اغتبت ؟ فان الصورة الملكوتية لهذا العمل قد اعدت لك وسترد عليك وتحشر معها ، وستذوق عذابها ، وهذه هي جهنم الاعمال وهي يسيرة وسهلة وباردة وملائمة للعاصين ، واما الذين زرعوا في نفوسهم الملكة الفاسدة والرذيلة السيئة الباطلة ، كالطمع والحرص والجدال والشره وحب المال والجاه والدنيا وباقي الملكات ، فلهم جهنم لا يمكن تصورها ، لان تصورها لتلك الملكات لا يمكن ان تخطر على قلبي وقلبك ، بل تظهر النار من باطن النفس ذاتها ، واهل جهنم انفسهم يفرون رعبا من عذاب اولئك . وفي بعض الروايات الموثقة ان هناك في جهنم واديا للمتكبرين يقال له «سقر» ، وقد شكا الوادي الى الله تعالى من شدة الحرارة وطلب منه سبحانه ان ياذن له بالتنفس ، وبعد ان اذن له تنفس ، فاحرق سقر ، جهنم (1) .
واحيانا تصبح هذه الملكات سببا في ان يخلد الانسان في جهنم لانها تسلبه الايمان ، كالحسد الذي ورد في رواياتنا الصحيحة عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ان الحسد ياكل الايمان كما تاكل النار الحطب (2) . وكحب الدنيا والجاه والمال الذي ورد في الروايات الصحيحة انها اكثر اهلاكا لدين المؤمن من ذئبين اطلقا على قطيع بلا راع ، فوقف احدهما في اول القطيع والثاني في آخره ... عن ابي عبد الله عليه السلام ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها احدهما في اولها والآخر في آخرها فافسد فيها من حب المال والشّرف في دين المسلم (3) .
نسال الله ان لا تؤول عاقبة المعاصي الى الملكات والاخلاق الظلمانية القبيحة ، والتي تؤول الى فقدان الايمان وموت الانسان كافرا ، لان جهنم الكافر وجهنم العقائد الباطلة اشد بدرجات واكثر احراقا وظلمة من ذينيك الجهنمين اللذين مر ذكرهما (جهنم الاعمال ، وجهنم الملكات الفاسدة) .
ايها العزيز ... لقد ثبت في العلوم العالية ان درجات الشدة غير محدودة ، فمهما تتصور انت ومهما تتصور العقول باسرها شدة العذاب ، فوجود عذاب اشد امر ممكن ايضا ، واذا لم تر برهان الحكماء ، ولم تصدق كشف اهل الرياضات ، فانت بحمد الله مؤمن تصدق الانبياء صلوات الله عليهم ، وتقر بصحة الاخبار الواردة في الكتب المعتبرة التي يقبلها جميع علماء الامامية ، وتقر صحة الادعية والمناجاة الواردة عن الائمة المعصومين سلام الله عليهم . انت

(1) عن ابي عبد الله عليه السلام ان في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر ، شكا الى الله عز وجل شدة حره وساله ان ياذن له ان يتنفس فتنفس فاحرق جهنم . اصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ باب الكبر ـ ح 10 .
(2) اصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب الحسد ـ ح 2 .
(3) اصول الكافي ـ الملجد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب حب الدنيا والحرص عليها ـ ح 2 .
الاربعون حديثاً 38

الذي رايت مناجاة مولى المتقين امير المؤمنين سلام الله عليه ، ورايت مناجاة سيد الساجدين عليه السلام في دعاء ابي حمزة الثمالي ... فتامل قليلا في مضمونها ، وفكر قليلا في محتواها ، وتمعن قليلا في فقراتها ، فليس ضروريا ان تقرا دعاء طويلا دفعة واحدة وبسرعة دون تفكر في معانيه . انا وانت ليس لدينا حال سيد الساجدين عليه السلام كي نقرا تلك الادعية المفصلة بشوق واقبال ، اقرا في الليلة ربع ذلك او ثلثه وفكر في فقراته ، لعلك تصبح صاحب شوق واقبال وتوجه ، وفوق ذلك كله فكر قليلا في القرآن ، وانظر اي عذاب وَعَد به بحيث ان اهل جهنم يطلبون من الملك الموكل بجهنم ان ينتزع منهم ارواحهم ، ولكن هيهات فلا مجال للموت .. انظر الى قوله تعالى«... يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ، وان كنت لمن الساخرين». (1)
فاية حسرة هذه التي يذكرها الله تعالى بتلك العظمة وبهذا التعبير ؟ تدبر في هذه الآية القرآنية الشريفة ولا تمر عليها دون تامل . وتدبر ايضا آية يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد». (2)
حقا فكر يا عزيزي ! القرآن ـ استغفر الله ـ ليس بكتاب قصة ، ولا بممازح لاحد ، انظر ما يقول ... اي عذاب هذا الذي يصفه الله تبارك وتعالى وهو العظيم الذي لا حد ولا حصر لعظمته ولا انتهاء لعزته وسلطانه ، يصفه بانه شديد وعظيم ... فماذا وكيف سيكون ؟! الله يعلم ، لان عقلي وعقلك وعقول جميع البشر عاجزة عن تصوره . ولو راجعت اخبار اهل بيت العصمة والطهارة وآثارهم ، وتاملت فيها ، لفهمت ان قضية عذاب ذلك العالم ، هي غير انواع العذاب التي فكرت فيها ، وقياس عذاب ذلك العالم بعذاب هذا العالم ، قياس باطل وخاطئ .
وهنا انقل لك حديثا شريفا عن الشيخ الجليل صدوق الطائفة ، لكي تعرف ماهية الامر وعظمة المصيبة مع ان هذا الحديث يتعلق بجهنم الاعمال وهي ابرد من جميع النيران ، وعليك ان تعلم اولا ان الشيخ الصدوق الذي يُنقل عنه الحديث ، هو الشخص الذي يتصاغر امامه جميع العلماء الاعلام ، اذ يعرفونه بجلالة القدر . وهذا الرجل العظيم هو المولود بدعاء امام العصر عليه السلام ، وهو الذي حظي بالطاف الامام المهدي عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف واني اروي الحديث بطرق متعددة عن كبار علماء الامامية ـ رضوان الله عليهم ـ باسناد متصلة بالشيخ الصدوق ، والمشايخ ما بيننا وبين الصدوق (ره) ، جميعهم من

الاربعون حديثاً 39

كبار الاصحاب وثقاتهم . اذا فعليك الاهتمام بهذا الحديث ان كنت من اهل الايمان .
روي الصدوق ، باسناده عن مولانا الصادق عليه السلام ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم قاعدا اذ اتاه جبرئيل وهو كئيب حزين متغير اللون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل ما لي اراك كئيبا حزينا ؟ فقال : يا محمد فكيف لا اكون كذلك وانما وُضعت منافيخ جهنم اليوم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما منافيخ جهنم يا جبرئيل ؟ فقال : ان الله تعالى امر بالنار فاوقد عليها الف عام حتى احمرت ، ثم امر بها فاوقد عليها الف عام حتى ابيضت ثم امر بها فاوقد عليها الف عام حتى اسودت وهي سوداء مظلمة . فلو ان حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وُضعت على الدنيا ، لذابت الدنيا من حرها ولو ان قطرة من الزقوم والضريع قطرت في شراب اهل الدنيا لماتوا من نتنها . قال : فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبكى جبرئيل فبعث الله اليهما ملكا ، فقال : ان ربكما يقراكما السلام ويقول : اني امنتكما من ان تذنبا ذنبا اعذبكما عليه (1) .
ايها العزيز ... ان امثال هذا الحديث الشريف كثيرة ، ووجود جهنم والعذاب الاليم من ضروريات جميع الاديان ومن البراهين الواضحة ، وقد راى نماذج لها في هذا العالم اصحاب المكاشفة وارباب القلوب . ففكر وتدبر بدقة في مضمون هذا الحديث القاصم للظهر ، فاذا احتملت صحته ، الا ينبغي لك ان تهيم في الصحاري ، كمن اصابه المس ؟! . ماذا حدث لنا لكي نبقى الى هذا الحد في نوم الغفلة والجهالة ؟! أنزلت علينا ـ كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبرئيل ـ ملائكة اعطتنا الامان من عذاب الله في حين ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واولياء الله لم يقر لهم قرار الى آخر اعمارهم من خوف الله ، وما كان لهم نوم ولا طعام ؟ علي بن الحسين وهو امام معصوم ، يقطع القلوب بنحيبه وتضرعه ومناجاته وعجزه وبكائه ، فماذا دهانا وصرنا لا نستحي ابدا ، فنهتك في محضر الربوبية كل هذه المحرمات والنواميس الالهية ؟ فويل لنا من غفلتنا ، وويل لنا من شدة سكرات الموت ، وويل لحالنا في البرزخ وشدائده ، وفي القيامة وظلماتها ويا ويل لحالنا في جهنم وعذابها وعقابها .

فصل
في معالجة المفاسد الاخلاقية

ايها العزيز ؛ انهض من نومك ، وتنبه من غفلتك ، واشدد حيازيم الهمة ، واغتنم الفرصة ما دام هناك مجال ، وما دام في العمر بقية ، وما دامت قواك تحت تصرفك ، وشبابك موجودا ، ولم تتغلب عليك ـ بعد ـ الاخلاق الفاسدة ، ولم تتاصل فيك الملكات الرذيلة ، فابحث عن

(1) علم اليقين ـ فيض الكاشاني ـ المقصد ـ 4 ـ الباب ـ 15 ـ فصل ـ 6 ـ ص 1032 .
الاربعون حديثاً 40

العلاج ، واعثر على الدواء لازالة تلك الاخلاق الفاسدة والقبيحة ، وتلمس سبيلا لالطفاء نائرة الشهوة والغضب ...
وافضل علاج لدفع هذه المفاسد الاخلاقية ، هو ما ذكره علماء الاخلاق واهل السلوك ، وهو ان تاخذ كل واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك ، وتنهض بعزم على مخالفة النفس الى امد ، وتعمل عكس ما ترجوه وتتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة .
وعلى اي حال ؛ اطلب التوفيق من الله تعالى لاعانتك في هذا الجهاد ، ولا شك في ان هذا الخلق القبيح ، سيزول بعد فترة وجيزة ، ويفر الشيطان وجنوده من هذا الخندق ، وتحل محلهم الجنود الرحمانية .
فمثلا من الاخلاق الذميمة التي تسبب هلاك الانسان ، وتوجب ضغطة القبر ، وتعذب الانسان في كلا الدارين ، سوء الخلق مع اهل الدار والجيران او الزملاء في العمل او اهل السوق والمحلة ، وهو وليد الغضب والشهوة . فاذا كان الانسان المجاهد يفكر في السمو والترفع ، عليه ـ عندما يعترضه امر غير مرغوب فيه حيث تتوهج فيه نار الغضب لتحرق الباطن ، وتدعوه الى الفحش والسيئ من القول ـ عليه ان يعمل بخلاف النفس ، وان يتذكر سوء عاقبة هذا الخلق ونتيجته القبيحة ، ويبدي بالمقابل مرونة ويلعن الشيطان في الباطن ويستعيذ بالله منه .
اني اتعهد لك بانك لو قمت بذلك السلوك ، وكررته عدة مرات ، فان الخلق السيئ سيتغير كليا ، وسيحل الخلق الحسن في عالمك الباطن ، ولكنك اذا عملت وفق هوى النفس ، فمن الممكن ان يبيدك في هذا العالم نفسه ، واعوذ بالله تعالى من الغضب الذي يهلك الانسان في آن واحد في كلا الدارين فقد يؤدي ذلك الغضب ـ لا سمح الله ـ الى قتل النفس . ومن الممكن ان يتجرا الانسان في حالة الغضب على النواميس الالهية ، كما راينا ان بعض الناس قد اصبحوا من جراء الغضب مرتدين . وقد قال الحكماء : «ان السفينة تتعرض لامواج البحر العاتية وهي بدون قبطان ، لهي اقرب الى النجاة من الانسان وهو في حالة الغضب» .
او اذا كنت ـ لا سمح الله ـ من اهل الجدل والمراء في المناقشات العلمية كبعضنا نحن الطلبة ، المبتلين بهذه السريرة القبيحة ، فاعمل فترة بخلاف النفس ، فاذا دخلت في نقاش مع احد الاشخاص في مجلس ما ، ورايت انه يقول الحق فاعترف بخطاك وصدق قول المقابل ، والمامول ان تزول هذه الرذيلة في زمن قصير .
ولا سمح الله ان ينطبق علينا قول بعض اهل العلم ومدعي المكاشفة ، حيث يقول : «لقد كشف لي خلال احدى المكاشفات انّ تخاصم اهل النار الذي يخبر عنه الله تعالى ، هو الجدل

الاربعون حديثاً 41

بين اهل العلم والحديث» .
والانسان اذا احتمل صحة هذا الامر فعليه ان يسعى كثيرا من اجل ازالة هذه الخصلة .
روي عن عدة من الاصحاب انهم قالوا : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما ونحن نتمارى في شيء من امر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ، ثم قال : انما هلك من كان قبلكم بهذا . ذروا المراء فان المؤمن لا يمارى ، ذروا المراء فان المماري قد تمت خسارته ، ذروا المراء فان المماري لا اشفع له يوم القيامة ، ذروا المراء فاني زعيم بثلاث ابيات في الجنة في رياضها واوسطها واعلاها لمن ترك المراء وهو صادق ، ذروا المراء فان اول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الاوثان المراء (1) .
وعنه ايضا : لا يستكمل عبـد حقيقة الايمان حتى يـدع المراء وان كان محقا (2) .
والاحاديث في هذا الباب كثيرة . فما اقبح ان يحرم الانسان شفاعة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة مغالبة جزئية ليس فيها اي ثمر ولا اثر ، وما اقبح ان تتحول مذاكرة العلم ـ وهي افضل العبادات والطاعات اذا كانت بنيّة صحيحة ـ الى اعظم المعاصي بفعل المراء وتتلو مرتبة عبادة الاوثان .
وعلى اي حال ينبغي للانسان ان ياخذ بنظر الاعتبار الاخلاق القبيحة الفاسدة باعتبارها واحدة ، ويخرجها من مملكة روحه بمخالفة النفس . وعندما يخرج الغاصب ، ياتي صاحب الدار نفسه ، فلا يحتاج ـ حينذاك ـ الى مشقة اخرى او الى وعود .
وعندما يكتمل جهاد النفس في هذا المقام ، ويتوفق الانسان الى اخراج جنود ابليس من هذه المملكة ، وتصبح مملكته مسكنا لملائكة الله ومعبدا لعباده الصالحين ، فحينذاك يصبح السلوك الى الله يسيرا ، ويتضح طريق الانسانية المستقيم ، وتفتح امام الانسان ابواب البركات والجنات ، وتغلق امامه ابواب جهنم والدركات ، وينظر الله تبارك وتعالى اليه بعين اللطف والرحمة ، وينخرط في سلك اهل الايمان ، ويصبح من اهل السعادة واصحاب اليمين ، ويفتح له طريقا الى باب المعارف الالهية ـ وهي غاية خلق الجن والانس ـ وياخذ الله تعالى بيده في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر .
وقد كنا نريد ان نشير الى المقام الثالث للنفس وكيفية المجاهدة فيه ونذكر ايضا بمكائد الشيطان في هذا المقام ، ولكننا لم نر المقام مناسبا لذلك ، فصرفنا النظر ، واسال الله تعالى التوفيق والتاييد لكتابة رسالة خاصة في هذا الباب .

(1) و (2) بحار الانوار ـ المجلد الثاني ص 138 ـ 139 .
الاربعون حديثاً 42
الاربعون حديثاً 43

الحديث الثاني

الرياء


الاربعون حديثاً 44

بالسند المتصل الى محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن ابي المغرا ، عن يزيد بن خليفة قال : قال ابو عبد الله عليه السلام : كل رياء شرك . انه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله ، كان ثوابه على الله» (1) .

(1) اصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب الرياء ـ ح 3 .
الاربعون حديثاً 45

الشرح :


اعلم ان الرياء هو عبارة عن اظهار وابراز شيء من الاعمال الصالحة او الصفات الحميدة او العقائد الحقة الصحيحة ، للناس لاجل الحصول على منزلة في قلوبهم والاشتهار بينهم بالصلاح والاستقامة والأمانة والتدين ، بدون نية الهية صحيحة . وهذا الامر يتحقق في عدة مقامات .
المقام الاول : وله درجتان :
الاولى : وهي ان يظهر العقائد الحقة والمعارف الالهية ، من اجل ان يشتهر بين الناس بالديانة ، ومن اجل الحصول على منزلة في القلوب ، كأن يقول : «اني لا اعتبر ان هناك مؤثرا في الوجود الا الله» ، او ان يقول : «اني لا اتوكل على احد سوى الله» او ان يثني على نفسه كناية او اشارة بامتلاك العقائد الحقة ، وهذا الاسلوب هو الاكثر رواجا . فمثلا عندما يجري حديث عن التوكل او الرضا بقضاء الله ، يجعل الشخص المرائي نفسه في سلك اولئك الجمع بواسطة تاوّهه او هز راسه .
الثانية : وهي ان يبعد عن نفسه العقائد الباطلة وينزه نفسه عنها ، لاجل الحصول على الجاه والمنزلة في القلوب ، سواء اكان ذلك بصراحة القول ام بالاشارة والكناية .
المقام الثاني : وفيه ايضا مرتبتان :
احداهما : ان يظهر الخصال الحميدة والملكات الفاضلة ، والاخرى : ان يتبرا مما يقابلها ، وان يزكي نفسه للغاية نفسها التي اصبحت معلومة .
المقام الثالث :
وهو الرياء المعروف عند الفقهاء الماضين ـ رضوان الله عليهم ـ وله ايضا نفس تلكما

الاربعون حديثاً 46

الدرجتين ، احداهما : ان ياتي بالاعمال والعبادات الشرعية ، او ان ياتي بالامور الراجحة عقلا ، بهدف مراءاة الناس وجلب القلوب ، سواء ان ياتي بالعمل نفسه بقصد الرياء ، او بكيفيته ، او شرطه او جزئه بقصد الرياء على الشكل المذكور في الكتب الفقهية . ثانيهما : ان يترك عملا محرما او مكروها بنفس الهدف المذكور .
ونحن نشرح في هذه الاوراق ، بعضا من مفاسد كل واحد من هذه المقامات الثلاثة ونشير الى ما يبدو علاجا لها على نحو الاختصار .

المقام الاول ( الرياء )
وفيه عدة فصول

فصل

اعلم ان الرياء في اصول العقائد والمعارف الالهية اشد من جميع انواع الرياء عذابا واسوأها عاقبة ، وظلمته اعظم واشد من ظلمات جميع انواع الرياء . وصاحب هذا العمل اذا كان في واقعه لا يعتقد بالامر الذي يظهره ، فهو من المنافقين ، اي انه مخلد في النار ، وان هلاكه ابدي ، وعذابه اشد العذاب .
واما اذا كان معتقدا بما يظهر ، لكنه يظهره من اجل الحصول على المنزلة والرتبة في قلوب الناس ، فهذا الشخص وان لم يكن منافقا الا ان رياءه يؤدي الى اضمحلال نور الايمان في قلبه ، ودخول ظلمة الكفر الى قلبه ، فان هذا الشخص يكون مشركا ، ولكن في الخفاء ، لان المعارف الالهية والعقائد الحقة ، التي يجب ان تكون خالصة لله ، ولصاحب تلك الذات المقدسة ، قد حولها ـ المرائي ـ الى الناس ، واشرك فيها غيره ، وجعل الشيطان متصرفا فيه ، فهذا القلب ليس لله .
ونحن سنذكر في احد الفصول ؛ ان الايمان من الأعمال القلبية ، وليس هو مجرد علم ، وقد جاء في الحديث الشريف : «كل رياء شرك» .
ولكن هذه الفجيعة الموبقة ، وهذه السريرة المظلمة ، وهذه الملكة الخبيثة ، تؤدي بالانسان في النهاية ، الى ان تصبح دار قلبه مختصة بغير الله ، وتؤدي ظلمة هذه الرذيلة بالانسان تدريجيا الى الخروج من هذه الدنيا بدون ايمان .
وهذا الايمان الخيالي الذي يمتلكه هو صورة بلا معنى ، وجسد بلا روح ، وقشر بلا لب ، ولا يكون مقبولا عند الله تعالى ، كما اشير اليه في حديث مذكور في كتاب الكافي ، عن علي بن

الاربعون حديثاً 47

سالم ، قال : «سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : قال الله عز وجل : انا خير شريك من اشرك معي غيري في عمل عمله لم اقبله الا ما كان لي خالصا» (1) .
وبديهي ان الاعمال القلبية في حال عدم خلوصها لا تصبح موردا لتوجه الحق تعالى ولا يتقبلها بل يوكلها الى الشريك الآخر ، الذي كان يعمل له ذلك الشخص مراءاة . اذا فالاعمال القلبية تصبح مختصة بذلك الشخص ، وتخرج من حد الشرك ، وتدخل الى الكفر المحض . بل ويمكن القول ان هذا الشخص هو من جملة المنافقين . وكما ان شركه خفي فنفاقه خفي ايضا ، فهذا المسكين يتصور انه مؤمن ولكنه مشرك منذ البداية ، وفي النتيجة هو منافق . وعليه ان يذوق عذاب المنافقين ، وويل للذي ينتهي عمله الى النفاق .

فصل
في بيان ان العلم يغاير الايمان

اعلم ان الايمان غير العلم بالله ووحدانيته وسائر الصفات الكمالية الثبوتية والجلالية السلبية ، والعلم بالملائكة والرسل والكتب ويوم القيامة . وما اكثر من يكون له هذا العلم ولكنه ليس بمؤمن . فالشيطان عالم بجميع هذه المراتب بقدر علمنا وعلمكم ، ولكنه كافر ، بل ان الايمان عمل قلبي ، وما لم يكن ذلك فليس هناك ايمان ، فعلى الشخص الذي علم بشيء عن طريق الدليل العقلي او ضروريات الاديان ، ان يسلم لذلك قلبه ايضا ، وان يؤدي العمل القلبي الذي هو نحو من التسليم والخضوع ، ونوع من التقبل والاستسلام ـ عليه ان يؤدي ذلك ـ لكي يصبح مؤمنا .
وكمال الايمان هو الاطمئنان ، فاذا قوي نور الايمان تبعه حصول الاطمئنان في القلب ، وجميع هذه الامور هي غير العلم . فمن الممكن ان يدرك العقل بالدليل شيئا لكن القلب لم يسلم بعد ، فيكون العلم بلا فائدة . مثلا انتم ادركتم بعقولكم ان الميت لا يستطيع ان يضر احدا ، وان جيمع الاموات في العالم ليس لهم حس ولا حركة بقدر ذبابة ، وان جميع القوى الجسمانية والنفسانية قد فارقته ، ولكن ولان القلب لم يتقبل هذا الامر ولم يسلم امره للعقل ، فانكم لا تقدرون على ان تبيتوا ليلة مظلمة واحدة مع ميت !!
واما اذا سلّم القلب امره للعقل ، وتقبل هذا الحكم منه ، فلن يكون في هذا العمل ـ اي المبيت مع الميت ـ اي اشكال بالنسبة اليكم ، كما انه وبعد عدة مرات من الاقدام ، يصبح

(1) اصول الكافي ـ الملجد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب الرياء ـ ح 9 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي