الاربعون حديثاً 19

الحديث الاول

جهاد النفس


الاربعون حديثاً 20

عن ابي عبد الله (الامام جعفر الصادق عليه السلام) ان النبي
صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية ، فلما رجعوا ، قال : مرحبا بقوم
قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر ، فقيل : يا رسول الله
وما الجهاد الاكبر ؟ قال : «جهاد النفس» .


الاربعون حديثاً 21

اخبرني اجازة مكاتبة ومشافهة عدة من المشايخ العظام ، والثقاة الكرام منهم :
الشيخ العلامة المتكلم ، الفقيه الاصولي الاديب المتبحر الشيخ محمد رضا آل العلامة الوفي الشيخ محمد تقي الاصفهاني ادام الله توفيقه حين تشرفه بقم المشرفة .
والشيخ العالم الجليل المتعبد الثقة الثبت الحاج الشيخ عباس القمي دام توفيقه . وكلاهما عن المولى العالم الزاهد العابد الفقيه المحدث الميرزا حسين النوري نور الله مرقده الشريف عن العلامة الشيخ مرتضى الانصاري قدس الله سره .
ومنهم السيد السند الفقيه المتكلم الثقة الثبت العلامة السيد محسن الامين العاملي ادام الله تاييداته ، عن الفقيه العلامة صاحب المصنفات العديدة السيد محمد بن هاشم الموسوي الرضوي الهندي المجاور في النجف الاشرف حيا وميتا قدس الله سره ، عن العلامة الانصاري . ومنهم العالم الثقة الثبت السيد ابو القاسم الدهكردي الاصفهاني ، عن السيد السند الامجد الميرزا محمد هاشم الاصفهاني قدس سره ، عن العلامة الانصاري . ولنا طريق اخرى غير منتهية الى الشيخ تركناها ، عن المولى الافضل احمد النراقي ، عن السيد مهدي الملقب بـ «بحر العلوم» صاحب الكرامات ـ رضوان الله عليه ـ عن استاذ الكل الاقا محمد باقر البهبهاني ، عن والده الاكمل محمد اكمل ، عن المولى محمد باقر المجلسي ، عن والده المحقق المولى محمد تقي المجلسي ، عن الشيخ المحقق البهائي ، عن والده الشيخ حسين ، عن الشيخ زين الدين الشهير بالشهيد الثاني ، عن الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ، عن الشيخ شمس الدين محمد ابن المؤذن الجزيني ، عن الشيخ ضياء الدين علي ، عن والده الحائز للمرتبتين الشيخ شمس الدين محمد بن مكي ، عن الشيخ ابي طالب محمد فخر المحققين ، عن والده آية الله الحسن بن مطهر العلامة الحلي ، عن الشيخ ابي القاسم جعفر بن

(1) جون كلمه «مير» در «ميرزا» مخفف «امير» است ، لذا در هنكام دخول الف ولام ، «الاميرزا» كفته شده ، و «الميرزا» لغت عاميانه است . (رجوع كنيد به المنجد : كلمه امير) .
الاربعون حديثاً 22

الحسن بن سعيد الحلي المحقق على الاطلاق ، عن السيد ابي علي فخار بن معد الموسوي ، عن الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي ، عن الشيخ محمد بن ابي القاسم الطبري ، عن الشيخ أبي علي الحسن ، عن والده شيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، ـ رحمه الله ـ جامع «التهذيب والاستبصار» عن امام الفقهاء والمتكلمين ، الشيخ ابي عبد الله محمد بن النعمان «الشيخ المفيد» عن شيخه رئيس المحدثين الشيخ ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي ، صاحب كتاب «من لا يحضره الفقيه» ، عن الشيخ ابي القاسم جعفر بن قولويه ، عن الشيخ الاجل ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني ، صاحب «الكافي» ، عن علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن ابي عبد الله (الامام جعفر الصادق عليه السلام) ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بعث سرية ،فلما رجعوا ، قال : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر ، فقيل : يا رسول الله وما الجهاد الاكبر ؟ قال : «جهاد النفس» (1) .

الشرح


«السرية» قطعة من الجيش . ويقال خير السرايا اربعمائة رجل . واما باقي مفردات الحديث فواضحة .
اعلم ان الانسان اعجوبة وله نشأتان وعالمان : نشاة ظاهرية ملكية دنيوية وهي بدنه ، ونشاة باطنية غيبية ملكوتية وهي من عالم آخر . ولنفس الانسان ـ وهي من عالم الغيب والملكوت ـ مقامات ودرجات قسموها بصورة عامة الى سبعة اقسام حينا ، والى اربعة اقسام حينا آخر ، وحينا الى ثلاثة اقسام ، وحينا الى قسمين . ولكل من المقامات والدرجات جنود رحمانية عقلانية تجذب النفس نحو الملكوت الاعلى وتدعوها الى السعادة . وجنود شيطانية وجهلانية تجذب النفس نحو الملكوت السفلي وتدعوها للشقاء . ودائما هناك جدال ونزاع بين هذين المعسكرين ، والانسان هو ساحة حربهما ، فاذا تغلبت جنود الرحمن كان الانسان من اهل السعادة والرحمة وانخرط في سلك الملائكة وحُشر في زمرة الانبياء والاولياء والصالحين .
واما اذا تغلب جند الشيطان ومعسكر الجهل ، كان الانسان من اهل الشقاء والغضب ، وحُشر في زمرة الشياطين والكفار والمحرومين .
وحيث ان هذه الاوراق ليست محلا للتفصيل ، لذلك اشير هنا بصورة اجمالية الى مقامات النفس واوجه سعادتها وتعاستها ، واوضح كيفية مجاهدتها ان شاء الله .

(1) فروع الكافي ، ج 5 ، كتاب الجهاد ، باب وجوه الجهاد ، ص 3 .
الاربعون حديثاً 23

المقام الاول
وفيه عدة فصول

فصل
اشارة الى المقام الاول للنفس

اعلم ان مقام النفس الاول ومنزلها الاسفل ، هو منزل الملك والظاهر وعالمهما . وفي هذا المقام تتالق الاشعة والانوار الغيبية في هذا الجسد المادي والهيكل الظاهري ، وتمنحه الحياة العرضية ، وتجهز فيه الجيوش ، فكان ميدان المعركة هو نفس هذا الجسد ، وجنوده هي قواه الظاهرية التي وجدت في الاقاليم الملكية السبعة يعني : «الاذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل» . وجميع هذه القوى المتوزعة في تلك الاقاليم السبعة هي تحت تصرف النفس في مقام الوهم ، فالوهم سلطان جميع القوى الظاهرية والباطنية للنفس ، فاذا تحكم الوهم على تلك القوى سواء بذاته ـ مستقلا ـ او بتدخل الشيطان ، جعلها ـ اي تلك القوى ـ جنودا للشيطان ، وبذلك يجعل هذه المملكة تحت سلطان الشيطان ، وتضمحل عندها جنود الرحمن والعقل ، وتنهزم وتخرج من نشاة الملك وعالم الانسان وتهاجر عنه ، وتصبح هذه الملكة خاصة بالشيطان . واما اذا خضع الوهم لحكم العقل والشرع ، وكانت حركاته وسكناته مقيدة بالنظام والعقل والشرع ، فقد اصبحت هذه المملكة مملكة روحانية وعقلانية ، ولم يجد الشيطان وجنوده محط قدم لهم فيها .
اذا ، فجهاد النفس (وهو الجهاد الاكبر الذي يعلو على القتل في سبيل الحق تعالى) هو في هذا المقام عبارة عن انتصار الانسان على قواه الظاهرية ، وجعلها تأتمر بامر الخالق ، وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده .


فصل
في التفكر

اعلم ان اول شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحق تعالى ، هو «التفكر» ، وقد وضعه بعض علماء الاخلاق في بدايات الدرجة الخامسة ، وهذا ـ التصنيف ـ صحيح ايضا في محله .
والتفكر في هذا المقام هو ان يفكر الانسان بعض الوقت في ان مولاه الذي خلقه في هذه الدنيا ، وهيا له كل اسباب الدعة والراحة ، ووهبه جسما سليما وقوى سالمة لكل واحدة منها منافع تحير الباب الجميع ، ورعاه وهيأ له كل هذه السعة واسباب النعمة والرحمة . ومن جهة اخرى ، ارسل جميع هؤلاء الانبياء ، وانزل كل هذه الكتب «الرسالات» ، وارشد ودعا الى الهدى ... فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك ؟! . هل ان وجود جميع هذه النعم ،

الاربعون حديثاً 24

هو فقط لاجل هذه الحياة الحيوانية واشباع الشهوات التي نشترك فيها مع الحيوانات ، ام ان هناك هدفا وغاية اخرى ؟
هل ان للانبياء الكرام ، والاولياء العظام ، والحكماء الكبار ، وعلماء كل امة الذين يدعون الناس الى حكم العقل والشرع ويحذرونهم من الشهوات الحيوانية ومن هذه الدنيا البالية ، عداء ضد الناس ام انهم كانوا مثلنا لا يعلمون طريق صلاحنا نحن المساكين المنغمسين في الشهوات ؟! .
ان الانسان اذا فكر للحظة واحدة ، عرف ان الهدف من هذه النعم هو شيء آخر ، وان الغاية من هذا الخلق ، اسمى واعظم وان هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحد ذاتها ، وان على الانسان العاقل ان يفكر بنفسه ، وان يترحم على حاله ونفسه المسكينة ؛ ويخاطبها : ايتها النفس الشقية التي قضيت سنين عمرك الطويلة في الشهوات ولم يكن نصيبك سوى الحسرة والندامة ، ابحثي عن الرحمة ، واستحي من مالك الملوك ، وسيري قليلا في طريق الهدف الاساسي المؤدي الى حياة الخلد والسعادة السرمدية ، ولا تبيعي تلك السعادة بشهوات ايام قليلة فانية ، التي لا تتحصل حتى مع الصعوبات المضنية الشاقة . فكّري قليلاًًً أحوال أهل الدنيا والسابقين ، وتاملي متاعبهم وآلامهم كم هي اكبر واكثر بالنسبة الى هنائهم ، في نفس الوقت الذي لا يوجد فيه هناء وراحة لاي شخص .
ذلك الذي يكون في صورة الانسان ولكنه من جنود الشيطان واعوانه ، والذي يدعوك الى الشهوات ، ويقول : يجب ضمان الحياة المادية ، تامل قليلا في حال نفس ذلك الانسان واستنطقه ، وانظر هل هو راض عن ظروفه ، ام انه مبتل ويريد ان يبلي مسكينا آخر ؟! .
وعلى اي حال ؛ فادع ربك بعجز وتضرع ان يعينك على اداء واجباتك التي ينبغي ان تكون اساس العلاقة فيما بينك وبينه تعالى ، والامل ان يهديك هذا التفكير ـ المقترن بنية مجاهدة الشيطان والنفس الامارة ـ الى طريق آخر ، وتوفق للترقي الى منزلة اخرى من منازل المجاهدة .


فصل
في العزم

وهناك مقام آخر يواجه الانسان المجاهد بعد التفكر ، وهو مقام العزم (وهذا هو غير الارادة التي عدها الشيخ الرئيس في الاشارات اولى درجات العارفين) . يقول احد مشايخنا اطال الله عمره : «ان العزم هو جوهر الانسانية ، ومعيار ميزة الانسان ، وان اختلاف درجات الانسان باختلاف درجات عزمه» .

الاربعون حديثاً 25

والعزم الذي يتناسب وهذا المقام ، هو ان يوطن الانسان نفسه ويتخذ قرارا بترك المعاصي وباداء الواجبات ، وتدارك ما فاته في ايام حياته ، وبالتالي ان يعمل على ان يجعل من ظاهره انسانا عاقلا وشرعيا ، بحيث يحكم الشرع والعقل ـ بحسب الظاهر ـ بان هذا الشخص انسان . والانسان الشرعي هو الذي ينظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع ، وان يكون ظاهره كظاهر الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وان يقتدي بالنبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ويتاسى به في جميع حركاته وسكناته ، وفي جميع ما يفعل وما يترك . وهذا امر ممكن ، لان جعل الظاهر مثل هذا القائد امر مقدور لاي فرد من عباد الله .
واعلم ... ان طي اي طريق في المعارف الالهية ، لا يمكن الا بالبدا بظاهر الشريعة ، وما لم يتادب الانسان بآداب الشريعة الحقة ، لا يحصل له شيء من حقيقة الاخلاق الحسنة ، كما لا يمكن ان يتجلى في قلبه نور المعرفة وتتكشف العلوم الباطنية واسرار الشريعة . وبعد انكشاف الحقيقة ، وظهور انوار المعارف في قلبه ، سيستمر ايضا في تادبه بالآداب الشرعية الظاهرية .
ومن هنا نعرف بطلان دعوى من يقول : (ان الوصول الى العلم الباطن يكون بترك العلم الظاهر) ، او (انه وبعد الوصول الى العلم الباطن ينتفي الاحتياج الى الآداب الظاهرية) . وهذه الدعوى ترجع الى جهل من يقول بها ، وجهله بمقامات العبادة ودرجات الانسانية . ولعلي اكون ـ ان شاء الله تعالى ـ موفقا لبيان بعض هذا الامر في هذه الاوراق .


فصل
( السعي للحصول على العزم )

ايها العزيز ... اجتهد لتصبح ذا عزم وارادة ، فانك اذا رحلت من هذه الدنيا دون ان يتحقق فيك العزم ـ على ترك المحرمات ـ فانت انسان صوري ، بلا لب ، ولن تحشر في ذلك العالم (عالم الآخرة) على هيئة الانسان ، لان ذلك العالم هو محل كشف الباطن وظهور السريرة . وان التجرؤ على المعاصي يفقد الانسان تدريجيا العزم ويختطف منه هذا الجوهر الشريف . يقول الاستاذ المعظم دام ظله : «ان اكثر ما يسبب على فقد الانسان العزم والارادة هو الاستماع للغناء» .
اذا ؛ تجنب يا اخي المعاصي ، واعزم على الهجرة الى الحق تعالى ، واجعل ظاهرك ظاهرا انسانيا ، وادخل في سلك ارباب الشرائع ، واطلب من الله تعالى في الخلوات ان يكون معك في الطريق لهذا الهدف ، واستشفع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته حتى يفيض ربك عليك التوفيق ، ويمسك بيدك في المزاليق التي تعترضك ، لان هناك مزالق كثيرة

الاربعون حديثاً 26

تعترض الانسان ايام حياته ، ومن الممكن انه في لحظة واحدة يسقط في مزلق مهلك ، يعجز من السعي لانقاذ نفسه ، بل قد لا يهتم بانقاذ نفسه ، بل ربما لا تشمله حتى شفاعة الشافعين . نعوذ بالله منها .


فصل
في المشارطة والمراقبة والمحاسبة

ومن الامور الضرورية للمجاهد : «المشارطة والمراقبة والمحاسبة» . فالمشارط هو الذي يشارط نفسه في اول يومه على ان لا يرتكب اليوم اي عمل يخالف اوامر الله ، ويتخذ قرارا بذلك ويعزم عليه . وواضح ان ترك ما يخالف اوامر الله ، ليوم واحد ، امر يسير للغاية ، ويمكن للانسان بيسر ان يلتزم به . فاعزم وشارط وجرب ، وانظر كيف ان الامر سهل يسير .
ومن الممكن ان يصور لك ابليس اللعين وجنده ان الامر صعب وعسير . فادرك ان هذه هي من تلبيسات هذا اللعين ، فالعنه قلبا وواقعا ، واخرج الاوهام من قلبك ، وجرب ليوم واحد ، فعند ذلك ستصدق هذا الامر .
وبعد هذه المشارطة عليك ان تنتقل الى «المراقبة» ، وكيفيتها هي ان تنتبه طوال مدة المشارطة الى عملك وفقها ، فتعتبر نفسك ملزما بالعمل وفق ما شارطت . واذا حصل ـ لا سمح الله ـ حديث لنفسك بان ترتكب عملا مخالفا لامر الله ، فاعلم ان ذلك من عمل الشيطان وجنده ، فهم يريدونك ان تتراجع عما اشترطته على نفسك ، فالعنهم واستعذ بالله من شرهم ، واخرج تلك الوساوس الباطلة من قلبك ، وقل للشيطان : «اني اشترطت على نفسي ان لا اقوم في هذا اليوم ـ وهو يوم واحد ـ باي عمل يخالف امر الله تعالى ، وهو ولي نعمتي طول عمري ، فقد انعم وتلطف علي بالصحة والسلامة والامن والطاف اخرى ، ولو اني بقيت في خدمته الى الابد لما اديت حق واحدة منها ، وعليه فليس من اللائق ان لا افي بشرط بسيط كهذا» ، وآمل ـ ان شاء الله ـ ان ينصرف الشيطان ، ويبتعد عنك ، وينتصر جنود الرحمن .
والمراقبة لا تتعارض مع اي من اعمالك كالكسب والسفر والدراسة ، فكن على هذه الحال الى الليل ريثما يحين وقت المحاسبة .
واما «المحاسبة» فهي ان تحاسب نفسك لترى هل اديت ما اشترطت على نفسك مع الله ، ولم تخن ولي نعمتك في هذه المعاملة الجزئية ؟ اذا كنت قد وفيت حقا ، فاشكر الله على هذا التوفيق ، وان شاء الله ييسر لك سبحانه التقدم في امور دنياك وآخرتك ، وسيكون عمل الغد ايسر عليك من سابقه ، فواظب على هذا العمل فترة ، والمامول ان يتحول الى ملكة فيك بحيث يصبح هذا العمل بالنسبة اليك سهلا ويسيرا للغاية ، وستحس عندها باللذة والانس في طاعة الله

الاربعون حديثاً 27

تعالى وترك معاصيه ، وفي هذا العالم بالذات ، في حين ان هذا العالم ليس هو عالم الجزاء لكن الجزاء الالهي يؤثر ويجعلك مستمتعا وملتذا ـ بطاعتك الله وابتعادك عن المعصية ـ .
واعلم ان الله لم يكلفك ما يشق عليك به ، ولم يفرض عليك ما لا طاقة لك به ولا قدرة لك عليه ، لكن الشيطان وجنده يصورون لك الامر وكانه شاق وصعب .
واذا حدث ـ لا سمح الله ـ في اثناء المحاسبة تهاونا وفتورا تجاه ما اشترطت على نفسك ، فاستغفر الله واطلب العفو منه ، واعزم على الوفاء بكل شجاعة بالمشارطة غدا ، وكن على هذا الحال كي يفتح الله تعالى امامك ابواب التوفيق والسعادة ، ويوصلك الى الصراط المستقيم للانسانية .


فصل
في التذكر

ومن الامور التي تعين الانسان ـ وبصورة كاملة ـ في مجاهدته للنفس والشيطان ، والتي ينبغي للانسان السالك المجاهد الانتباه اليها جيدا هو «التذكر» . وبذكره نختم الحديث عن هذا المقام ، على رغم من انه لا زال هناك الكثير من المواضيع .
والذكرى في هذا المقام ، هي عبارة عن ذكر الله تعالى ونعمائه التي تلطف بها على الانسان .
واعلم ان احترام المنعم وتعظيمه ، هو من الامور الفطرية التي جبل الانسان عليها والتي تحكم الفطرة بضرورتها ، واذا تامل اي شخص في كتاب ذاته ، لوجده مسطورا فيه انه يجب تعظيم من انعم نعمة على الانسان . وواضح انه كلما كانت النعمة اكبر وكان المنعم اقل غرضا ، كان تعظيمه اوجب واكثر ، حسب ما تحكم به الفطرة . فهناك مثلا فرق واضح في الاحترام والتقدير بين شخص يعطيك «حصانا» تلاحقه عيناه ويرمي من ورائه شيئا ، وبين الذي يهبك مزرعة كاملة ولا يمن عليك . او مثلا ، اذا انقذك طبيب من العمى ، فستقدره وتحترمه بصورة فطرية ، واذا انقذك من الموت كان تقديرك واحترامك له اكثر .
لاحظ الآن ان النعم الظاهرة والباطنة التي تفضل بها علينا مالك الملوك جل شانه لو اجتمع الجن والانس لكي يعطونا واحدة منها لما استطاعوا . وهذه حقيقة نحن غافلون عنها ، فمثلا هذا الهواء الذي ننتفع به ليلا ونهارا ، وحياتنا وحياة جميع الموجودات مرهونة به ، بحيث لو فقد مدة ربع ساعة لما بقي هناك حيوان على قيد الحياة ، هذا الهواء كم هو نعمة عظيمة ، يعجز الجن والانس جميعا عن منحنا مثيلا لها لو ارادوا ان يمنحونا ذلك ؟ وعلى هذا فقس وتذكر قليلا كافة النعم الالهية مثل سلامة البدن والقوى الظاهرية من قبيل البصر والسمع

الاربعون حديثاً 28

والتذوق واللمس ، والقوى الباطنية مثل التخيل والواهمة والعقل وغير ذلك حيث يكون لكل واحدة من هذه النعم منافع خاصة لا حد لها . وجميع هذه النعم وهبنا مالك الملوك اياها دون ان نطلب منه او يمن علينا ، ولم يكتف بهذه النعم بل ارسل الانبياء والرسل والكتب واوضح لنا طريق السعادة والشقاء والجنة والنار ، ووهبنا كل ما نحتاجه في الدنيا والآخرة ، دون ان يكون فقيرا ومحتاجا الى طاعتنا وعبادتنا . فهو سبحانه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ، وطاعتنا ومعصيتنا بالنسبة له على حد سواء ، بل من اجل خيرنا ومنفعتنا نحن يامر وينهي . وبعد تذكر هذه النعم والكثير الكثير من النعم الاخرى التي يعجز حقا جميع البشر عن احصاء الكليات منها ، فكيف بعدّها واحدا واحدا ؟ بعد ذلك يطرح السؤال التالي : الا تحكم فطرتك بوجوب تعظيم منعم كهذا وما هو حكم العقل تجاه خيانة ولي نعمة كهذا ؟! .
ومن الامور الاخرى التي تقرها الفطرة ، احترام الشخص الكبير العظيم ، ويرجع كل هذا الاحترام والتقدير الذي يبديه الناس تجاه اهل الدنيا والجاه والثروة والسلاطين والاعيان ، يرجع الى انهم يرون اولئك كبارا وعظماء ، فاي عظمة تصل الى مستوى عظمة مالك الملوك الذي خلق هذه الدنيا الحقيرة الوضيعة والتي تعتبر من اصغر العوالم واضيق النشئات ، رغم كل ذلك لم يتوصل عقل اي موجود الى ادراك كنهها وسرها حتى الآن ، بل ولم يطلع كبار المكتشفين في العالم بعد ، على اسرار منظومتنا الشمسية هذه ، وهي اصغر المنظومات ولا تعد شيئا قياسا بباقي الشموس . افلا يجب احترام وتعظيم هذا العظيم ، الذي خلق هذه العوالم وآلاف الآلاف من العوالم الغيبية بايماءة ؟! .
ويجب ايضا بالفطرة ، احترام من يكون حاضرا ، ولهذا ترى بان الانسان اذا تحدث ـ لا سمح الله ـ عن شخص بسوء ، في غيبته ، ثم حضر في اثناء الحديث ذلك الشخص ، اختار المتحدث حسب فطرته الصمت ، وابدى له الاحترام . ومن المعلوم ان الله تبارك وتعالى حاضر في كل مكان وتحت اشرافه تعالى تدار جميع ممالك الوجود ، بل ان كل نفس تكون في حضرة الربوبية وكل علم يوجد ضمن محضره سبحانه وتعالى .
فتذكري يا نفسي الخبيثة اي ظلم فظيع ، واي ذنب عظيم تقترفين اذا عصيت مثل هذا العظيم في حضرته المقدسة وبواسطة القوى التي هي نعمه الممنوحة لك ؟ الا ينبغي ان تذوبي من الخجل وتغوري في الارض لو كان لديك ذرة من الحياء ؟ .
اذا : فيا أيها العزيز ؛ كن ذاكرا لعظمة ربك ، وتذكر نعمه والطافه ، وتذكر انك في حضرته ـ وهو شاهد عليك ـ فدع التمرد عليه ، وفي هذه المعركة الكبرى تغلب على جنود الشيطان ، واجعل من مملكتك مملكة رحمانية وحقانية ، واحلل فيها عسكر الحق تعالى محل جنود الشيطان ، كي يوفقك الله تبارك وتعالى في مقام مجاهدة اخرى ، وفي ميدان معركة اكبر تنتظرنا

الاربعون حديثاً 29

وهي الجهاد مع النفس في العالم الباطن ، وفي المقام الثاني للنفس ، وهذا ما سنشير اليه لاحقا ان شاء الله . واكرر التذكير بانه في جميع الاحوال لا تعلق على نفسك الآمال لانه لا ينهض احد بعمل غير الله تعالى . فاطلب من الحق تعالى نفسه بتضرع وخشوع ، كي يعنيك في هذه المجاهدة لعلك تنتصر . انه ولي التوفيق .

المقام الثاني
وفيه عدة فصول ايضاً

فصل
صراع جنود الرحمن مع جنود الشيطان الباطنية النفسية

اعلم ان للنفس الانسانية مملكة (عالما) ومقاما آخر ، وهي مملكتها الباطنية ونشاتها الملكوتية ، وفيها تكون جنود النفس اكثر واهم مما في مملكة الظاهر ، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية اعظم والغلبة والانتصار فيها اشد واهم ، بل وان كل ما في مملكة الظاهر قد تنزل من هناك وتظهر في عالم المُلك . واذا تغلب اي من الجند الرحماني او الشيطاني في تلك المملكة ، يتغلب ايضا في هذه المملكة . وجهاد النفس في هذا المقام مهم للغاية ، عند المشايخ العظام من اهل السلوك والاخلاق ، بل ويمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات ، والدرجات والدركات .
ويجب على الانسان الالتفات كثيرا الى نفسه في هذا الجهاد . فمن الممكن ـ لا سمح الله ـ ان تسفر هزيمة الجنود الرحمانية في تلك المملكة وتركها خالية للغاصبين والمحتلين من جنود الشيطان ، عن الهلاك الدائم للانسان بالصورة التي يستحيل معها تلافي الخسارة ، ولا تشمله شفاعة الشافعين ، وينظر اليه ارحم الراحمين ايضا بعين الغضب والسخط ـ نعوذ بالله من ذلك ـ بل ويصبح شفعاؤه خصماءه ، وويل لمن كان شفيعه خصمه .
ويعلم الله اي عذاب وظلمات وشدائد وتعاسات تلي هذا الغضب الالهي ، وتعقب معاداة اولياء الله حيث تكون كل نيران جهنم وكل الزقوم والافاعي والعقارب لا شيء امام هزيمة جنود الرحمان من قِبَل جنود الشيطان التي تترتب عليها عقوبات تفوق جميع نيران جهنم والزقوم والافاعي . والعياذ بالله من ان يصب على رؤوسنا نحن الضعفاء والمساكين ذلك العذاب الذي يخبر عنه الحكماء والعرفاء واهل الرياضة والسلوك ، فان جميع اشكال العذاب التي تتصورونها ، يسيرة وسهلة في مقابله ، وجميع النيران التي سمعتم بها ، جنة ورحمة في قباله وبالنسبة الى ذلك العذاب .

الاربعون حديثاً 30

ان وصف النار والجنة الوارد في كتاب الله واحاديث الانبياء والاولياء ، يتعلق غالبا بنار الاعمال وجنتها اللتين اعدتا للاعمال الصالحة والسيئة . وهناك اشارة خفية ايضا الى جنة الاخلاق ونارها ، واهميتهما اكبر ، واحيانا يشار ايضا الى جنة اللقاء ونار الفراق ، وهذه اهم من الجميع ، ولكنها اشارات محجوبة عنا ولها اهلها ، وانا وانت لسنا من اهلها ، ولكن من الاجدر بنا ان لا نكون منكرين لها . وليكن لدينا ايمان بكل ما قاله الله تعالى واولياؤه . اذ يكون في هذا الايمان الاجمالي نفع لنا . ومن الممكن ان يكون الانكار في غير محله ، والرفض في غير موقعه الصادرين عن غير علم وفهم ، اضرار كبيرة جدا علينا . وهذا الدنيا ليست هي بعالم الالتفات لتلك الاضرار ، فمثلا عند سماعك الحكيم الفلاني او العارف الفلاني او المرتاض الفلاني ، يقول شيئا لا يتلاءم وذوقك الخاص ، فلا تحكم عليه فورا بالبطلان والوهم ، فقد يكون لذلك القول اصل في الكتاب والسنة ولكن عقلك لم يطلع عليه بعد .
فما الفرق بين ان يفتي فقيه بفتوى في باب الديات وانتم لم تعرفوها ، فمن دون مراجعة دليله تردونه ، وبين ان يقول شخص سالك الى الله او عارف بالله ، قولا يتعلق بالمعارف الالهية او باحوال الجنة والنار ، وانتم ـ ودون مراجعة لدليله ـ لا تردونه فحسب بل وتهينونه او تتجرأون عليه ؟ فمن الممكن لذلك الشخص وهو من اهل ذلك الوادي وصاحب ذلك الفن ان يكون له دليل من كتاب الله ، او من احاديث الائمة ، ولكنك لم تطلع عليه بعد ، ففي هذه الحالة تكون قد رددت على الله ورسوله دون مبرر مقبول . ومعلوم ان الاحتجاج باسلوب «ان ذلك لا يتلاءم مع ذوقي» او «لم يصل اليه علمي» او «سمعت خلاف ذلك من الخطباء» ، فان هذا كله لا يشكل عذرا مقبولا . وعلى اي حال لنرجع الى صلب الموضوع .
فما قالوه بشان جنة الاخلاق والملكات ، وجهنم الاخلاق والدركات ، مصيبة لا يطيق العقل حتى سماعها .
اذا فيا ايها العزيز ؛ فكر ، وابحث عن العلاج ، واعثر على سبيل نجاتك ووسيلة خلاصك ، واستعن بالله ارحم الراحمين ، واطلب من الذات المقدس ، في الليالي المظلمة ، بتضرع وخضوع ان يعينك في هذا لاجهاد المقدس مع النفس ، لكي تتغلب ان شاء الله ، وتجعل مملكة وجودك رحمانية ، وتطرد منها جنود الشيطان ، وتسلم الدار الى صاحبها حتى يفيض الله عليك السعادة والبهجة والرحمة التي يهون الى جانبها كل ما سمعت عن وصف الجنة والحور والقصور ، وتلك هي السلطة الالهية العامة التي اخبر عنها اولياء الله من هذه الامة الحنيفة ، مما لم يطرق سمع احد ولم يخطر على قلب بشر .

الاربعون حديثاً 31

فصل
اشارة الى بعض القوى الباطنية

اعلم ان الله تبارك وتعالى قد خلق بيد قدرته وحكمته في عالم الغيب وباطن النفس ، قوىً لها منافع لا تحصى . ومورد بحثنا هنا هو ما يتعلق بهذه القوى الثلاث ، وهي : «الوهمية ، والغضبية والشهوانية» ، ولكل واحدة من هذه القوى منافع كثيرة لاجل حفظ النوع والشخص واعمار الدنيا والآخرة كما ذكر ذلك العلماء . والآن لا حاجة لنا بذلك ، والذي يلزم ان انبه عليه في هذا المقام هو ان هذه القوى الثلاث هي منبع جميع الملكات الحسنة والسيئة ، واصل جميع الصور الغيبية الملكوتية . وتفصيل هذا الاجمال هو ان الانسان كما ان له في هذه الدنيا صورة ملكية دنيوية ، خلقها الله تبارك وتعالى على كمال الحسن والجمال والتركيب البديع ، والمتحيرة ازاءه عقول جميع الفلاسفة والعظماء ، والذي لم يستطع علم معرفة الاعضاء والتشريح حتى الآن ان يتعرف على حاله بصورة صحيحة ، وقد ميزه الله تعالى عن جميع المخلوقات بحسن التقويم وجودة جمال المنظر ، كذلك فان له ـ اي للانسان ـ صورة وهيئة وشكلا ملكوتيا غيبيا ، وهذه الصورة تابعة لملكات النفس والخلقة الباطنية .
وفي عالم ما بعد الموت ـ سواء في البرزخ او القيامة ـ اذا كانت خلقة الانسان في الباطن والمَلَكة والسريرة انسانية ، تكون الصورة الملكوتية له صورة انسانية ايضا . واما اذا لم تكن ملكاته ملكات انسانية ، فصورته ـ في عالم ما بعد الموت ـ تكون غير انسانية ايضا ، وهي تابعة لتلك السريرة والملكة . فمثلا اذا غلبت على باطنه ملكة الشهوة والبهيمية ، واصبح حكم مملكة الباطن حكم البهيمة ، كانت صورة الانسان الملكوتية على صورة احدى البهائم التي تتلاءم وذلك الخلق . واذا غلبت على باطنه وسريرته ملكة الغضب والسبعية ، وكان حكم مملكة الباطن والسريرة حكما سبعيا ، كانت صورته الغيبية الملكوتية صورة احد السباع والبهائم . واذا اصبح الوهم والشيطنة هما المَلَكة ، واصحبت للباطن والسريرة ملكات شيطانية كالخداع والتزوير والنميمة والغيبة ، تكون صورته الغيبية الملكوتية على صورة احد الشياطين بما يتناسب وتلك الصورة .
ومن الممكن احيانا ان تتركب الصورة الملكوتية من ملكتين او عدة ملكات ، وفي هذه الحالة لا تكون على صورة اي من الحيوانات ، بل تتشكل له صورة غيبية هذه الصورة بهيئتها المرعبة المدهشة والسيئة المخيفة لن يكون لها مثيل في هذا العالم .
ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان بعض الناس يحشرون يوم القيامة على صور تكون اسوا من صور القردة ، بل وقد تكون لشخص واحد عدة صور في ذلك العالم ، لان

الاربعون حديثاً 32

ذلك العالم ليس كهذا العالم ، حيث لا يمكن لاي شيء ان يتقبل اكثر من صورة واحدة له ، وهذا الامر يطابق البرهان وثابت في محله ايضا .
واعلم ان المعيار لهذه الصور المختلفة ـ والتي تعد صورة الانسان واحدة منها ، والباقي صور اشياء اخرى ـ هو وقت خروج الروح من هذا الجسد ، وظهور مملكة البرزخ ، واستيلاء سلطان الآخرة ، والذي اوله في البرزخ عند خروج الروح من الجسد ، فباية ملكة يخرج بها من الدنيا ، تتشكل على ضوئها صورته الاخروية ، وتراه العين الملكوتية في البرزخ ، وهو نفسه ايضا عندما يفتح عينه في برزخه ، ينظر الى نفسه بالصورة التي هو عليها ـ في ذلك العالم ـ اذا كان لديه بصر . وليس من المحتم ان تكون صورة الانسان في ذلك العالم على نفس تلك الصورة التي كان عليها في هذه الدنيا . يقول سبحانه وتعالى على لسان البعض : «قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا» ، فياتيه الجواب ـ من الله ـ : «قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى» (1) .
فيا ايها المسكين ؛ قد كانت لديك عين ملكية ظاهرة البصر ، ولكنك في باطنك وملكوتك كنت اعمى ، وقد ادركت الآن هذا الامر ، والا فانك كنت اعمى منذ البداية ، لم تكن لديك عين البصيرة الباطنية التي ترى بها آيات الله .
ايها المسكين ! انت ذو قامة متناسقة وصورة جميلة في التركيب الملكي . ومعيار الملكوت والباطن غير هذا . عليك ان تحرز الاستقامة الباطنية كي تكون مستقيم القامة في يوم القيامة . يجب ان تكون روحك روحا انسانية كي تكون صورتك في عالم البرزخ صورة انسانية ... انت تظن ان عالم الغيب والباطن ـ وهو عالم كشف السرائر وظهور الملكات ـ مثل عالم الظاهر والدنيا ، حيث يمكن ان يقع الخلط والاشتباه ... ان عينيك واذنيك ويديك ورجليك وسائر اعضاء جسدك ، جميعها ، ستشهد عليك بما فعلت ، بالسنة ملكوتية ، بل وبعضها بصور ملكوتية .
ايها العزيز ؛ إفتح سمع قلبك ، وشد حزام الهمة على وسطك ، وارحم حال مسكنتك ، لعلك تستطيع ان تجعل من نفسك انسانا ، وان تخرج من هذا العالم بصورة آدمية ، لتكون عندها من اهل الفلاح والسعادة ، وحذارى من ان تتصور ان كل ما تقدم هو موعظة وخطابة . فهذا كله هو نتيج ادلة فلسفية توصل اليه الحكماء العظام . وكشف ، انكشف لاصحاب الرياضات ، واخبار عن الصادقين والمعصومين .
وليس المقصود من هذه الاوراق ان تكون محلا لاقامة الدليل ونقل الاخبار والآثار بصورة مفصلة .

(1) سورة طه ، آية : 125 ـ 126 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي