أخلاق أهل البيت 241

فعن أبي عبد الله (ع) قال : جاء رجل إلى النبي (ص) فقال : يا رسول الله ، من أبر ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أباك (1) .
وعن إبراهيم بن مهزم قال : خرجت من عند أبي عبد الله (ع) ليلة ممسياً ، فأتيت منزلي في المدينة ، وكانت امي معي . فوقع بيني وبينها كلام ، فأغلظت لها . قلما كان من الغد ، صليت الغداة ، وأتيت أبا عبد الله (ع) ، فلما دخلت عليه ، قال لي مبتدئا : يا ابا مهزم ، مالك ولخالدة ؟ اغلظت في كلامها البارحة ، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته ، وأن حجرها مهد قد غمزته ، وثديها وعاء قد شربته ؟ قال قلت : بلى . قال : فلا تغلظ لها (2) .
واستمع إلى الإمام السجاد (ع) ، وهو يوصي بالأم ، معدداً جهودها وفضلها على الأبناء ، بأسلوب عاطفي أخاذ ، فيقول (ع) :
«واما حق امك : ان تعلم انها حملتك حيث لا يحتمل احد احد ، واعطتك من ثمرة قلبها ما لايعطي احد احد ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال ان تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحى وتضلك ، وتهجر النوم لاجلك ، ووقتك الحر والبرد لتكون لها ، فانك لا تطيق شكرها الا بعون الله وبتوفيقه »
* * *

وبر الوالدين ، وإن كان له طيبته ووقعه الجميل في نفس الوالدين ، بيد أنه يزداد طيبة ووقعاً حسناً عند عجزهما وشدة احتياجهما إلى الرعاية والبر ، كحالات المرض والشيخوخة ، وإلى هذا أشار القرآن الكريم «إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ، وقل لهما قولاً كريما . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا» .

(1) الوافي ج 3 ص 92 ، عن الكافي .
(2) البحار م 16 ج 4 ص 23 ، عن بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار .
(3) رسالة الحقوق للإمام السجاد (ع) .
أخلاق أهل البيت 242

وقد ورد أن رجلاً جاء إلى النبي (ص) ، فقال : يا رسول الله ، إن أبوي بلغا من الكبر أني ألي منهما ما ولياني في الصغر ، فهل قضيتهما حقهما ؟ قال : لا ، فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك ، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما (1) .
وعن إبراهيم بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : إن أبي قد كبر جداً وضعف ، فنحن ، نحمله إذ أراد الحاجة . فقال : «إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ، ولقمه بيدك ، فإنه جنة لك غداً» (2) .
* * *

وليس البر مقصوراً على حياة الوالدين فحسب ، بل هو ضروري في حياتهما وبعد وفاتهما ، لانقطاعهما عن الدنيا وشدة احتياجهما إلى البر والإحسان .
فعن الصادق (ع) قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته ، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته ، أو ولد صالح يدعو له» (3) .
من أجل ذلك فقد حرضت وصايا أهل البيت عليهم السلام على بر الوالدين بعد وفاتهما ، وأكدت عليه وذلك بقضاء ديونهما المالية أو العبادية ، وإسداء الخيرات والمبرات إليهما ، والاستغفار لهما ، والترحم عليهما . واعتبرت إهمال ذلك ضرباً من العقوق .
قال الباقر (ع) : «إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما ، ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما ، فيكتبه الله عاقاً . وانه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما ، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما ، فيكتبه الله تعالى باراً» (4) .
وعن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله

(1) عن شرح الصحيفة السجادية للسيد علي خان .
(2) الوافي ج 3 ص 92 ، عن الكافي .
(3) الوافي ج 3 ص 90 عن الكافي والتهذيب .
(4) الوافي ج 3 ص 93 ، عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 243

(ص) : «سيد الأبرار يوم القيامة ، رجل بر والديه بعد موتهما» (1) .
عقوق الوالدين :


من الواضح أن نكران الجميل ومكافأة الإحسان بالإساءة ، أمران يستنكرهما العقل والشرع ، يستهجنهما الضمير والوجدان . وكلما عظم الجميل والإحسان كان جحودها أشد نكراً وأفضع جريرةً وإثماً . وبهذا المقياس ندرك بشاعة عقوق الوالدين وفضاعة جرمه ، حتى عد من الكبائر الموجبة لدخول النار . ولا غرابة فالعقوق ـ فضلاً عن مخالفته المبادئ الإنسانية ، وقوانين العقل والشرع ـ دال على موت الضمير ، وضعف الإيمان ، وتلاشي القيم الإنسانية في العاق .
فقد بذل الأبوان طاقات ضخمة وجهوداً جبارة ، في تربية الأبناء وتوفير ما يبعث على إسعادهم وازدهار حياتهم مادياً وأدبياً ، ما يعجز الأولاد عن تثمينه وتقديره .
فكيف يسوغ للأبناء تناسي العواطف والألطاف ومكافأتها بالإساءة والعقوق ؟
من أجل ذلك حذرت الشريعة الإسلامية من عقوق الوالدين أشد التحذير ، وأوعدت عليه بالعقاب العاجل والآجل .
فعن أبي الحسن (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «كن باراً ، واقتصر على الجنة . وإن كنت عاقاً ، فاقتصر على النار» (2) .
وقال الصادق (ع) : «لو علم الله شيئاً هو أدنى من أف ، لنهى عنه ، وهـو من أدنى العقوق . ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه ، فيحد النظر إليهما» (3) .

(1) البحار م 16 ج 4 ص 26 ، عن كتاب الإمامة والتبصرة لعلي بن بابويه .
(2) الوافي ج 3 ص 155 ، عن الكافي .
(3) الوافي ج 3 ص 155 ، عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 244

وقال الباقر (ع) : «إن أبي نظر إلى رجل ومعه ابنه يمشي ، والابن متكئ على ذراع الأب ، قال : فما كلمه أبي (ع) مقتاً له حتى فارق الدنيا» (1) .
وعن أمير المؤمنين (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «ثلاثة من الذنوب ، تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلى الآخرة : عقوق الوالدين ، والبغي على الناس ، وكفر الإحسان» (2) .

مساويء العقوق :


وللعقوق مساويء خطيرة ، وآثار سيئة تنذر العاق وتتوعده بالشقاء الدنيوي والأخروي .
فمن آثاره أن العاق يعقه ابنه . . . جزاءاً وفاقاً على عقوقه لأبيه . وقد شهد الناس صوراً وأدواراً من هذه المكافأة على مسرح الحياة .
من ذلك ما حكاه الأصمعي قال : حدثني رجل من الأعراب قال : خرجت من الحي أطلب أعق الناس وأبر الناس . فكنت أطوف بالاحياء ، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل ، يستقي بدلو لا تطيقه الابل في الهاجرة والحر الشديد ، وخلفه شاب في يده رشاء من قد ملوي ، يضربه به ، قد شق ظهره بذلك الحبل .
فقلت له : أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف ، أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه ؟
قال : أنه مع هذا أبي .
قلت : فلا جزاك الله خيراً .
قال : اسكت ، فهكذا كان يصنع هو بأبيه ، وكذا كان يصنع أبوه بجده .
فقلت : هذا أعق الناس .

(1) الوافي ج 3 ص 155 ، عن الكافي .
(2) البحار م 16 ج 4 ص 23 ، عن أمالي ابي علي بن الشيخ الطوسي .
أخلاق أهل البيت 245

ثم جلت أيضاً حتى انتهيت إلى شاب في عنقه زبيل ، فيه شيخ كأنه فرخ ، فيضعه بين يديه في كل ساعة ، فيزقه كما يزق الفرخ .
فقلت له : ما هذا ؟
فقال : أبي ، وقد خرف ، فأنا أكفله .
قلت : فهذا أبر العرب . فرجعت وقد رأيت أعقهم وأبرهم (1) .
ومن آثار العقوق :
أنه موجب لشقاء العاق ، وعدم ارتياحه في الحياة ، لسخط الوالدين ودعائهما عليه .
وقد جاء في الحديث النبوي : «إياكم ودعوة الوالد ، فإنها أحد من السيف» .
ومن آثار العقوق :
ان العاق يشاهد أهوالاً مريعة عند الوفاة ، ويعاني شدائد النزع وسكرات الموت .
فعن أبي عبد الله (ع) : «ان رسول الله (ص) حضر شاباً عند وفاته ، فقال له : قل لا إله إلا الله . قال : فاعتقل لسانه مراراً .
فقال لامرأة عند رأسه : هل لهذا ام ؟
قالت : نعم ، أنا امه .
قال : أفساخطة أنت عليه ؟
قالت : نعم ، ما كلمته منذ ست حجج .
قال لها : ارض عنه . قالت : رضي الله عنه برضاك يا رسول الله .
فقال له رسول الله : قل لا إله إلا الله . قال : فقالها .
فقال النبي (ص) : ما ترى ؟

(1) المحاسن والمساويء ، للبيهقي ج 2 ص 193 .
أخلاق أهل البيت 246

فقال أرى رجلاً أسوداً قبيح المنظر ، وسخ الثياب ، منتن الريح ، قد وليني الساعة فأخذ بكظمي .
فقال له النبي : قل «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير ، إقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت الغفور الرحيم» . فقالها الشاب .
فقال النبي (ص) : انظر ، ماذا ترى ؟
قال : أرى رجلاً أبيض اللون ، حسن الوجه ، طيب الريح ، حسن الثياب في وليني ، وأرى الأسود قد تولى عني .
قال : أعد . فأعاد .
قال : ما ترى ؟ قال : لست أرى الأسود ، وارى الأبيض قد وليني ثم طفى على تلك الحال» (1) .
ومن آثار العقوق :
انه من الذنوب الكبائر التي توعد الله عليها بالنار ، كما صرحت بذلك الأخبار .
والجدير بالذكر ، أنه كما يجب على الأبناء طاعة آبائهم وبرهم والإحسان إليهم ، كذلك يجدر بالآباء أن يسوسوا أبناءهم بالحكمة ، ولطف المداراة ، ولا يخرقوا بهم ويضطروهم إلى العقوق والعصيان .
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : «يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحاً ما يلزم الولد لهما» (2) .
وقال (ص) : «لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما ، ورحم الله والدين حملا ولدهما على برهما» (3) .

(1) البحار م 16 ج 4 ص 23 ، عن أمالي أبي علي بن الشيخ الطوسي .
(2) البحار م 16 ج 4 ص 22 ، عن خصال الصدوق .
(3) الوافي ج 14 ص 50 ، عن الفقيه .
أخلاق أهل البيت 247

حقوق الأولاد

الأولاد الصلحاء هم زينة الحياة ، وربيع البيت ، وأقمار الأسرة ، وأعز آمالها وأمانيها ، وأجل الذخائر وأنفسها . لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء .
عن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة» (1) .
وفي حديث آخر : ، قال (ص) : «من سعادة الرجل الولد الصالح» (2) .
وقال أبو الحسن (ع) : «إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً لم يمته حتى يريه الخلف» (3) .
وقال حكيم في ميت : «إن كان له ولد فهو حي ، وإن لم يكن له ولد فهو ميت» .
وفضل الولد الصالح ونفعه لوالديه لا يقتصر على حياتهما فحسب ، بل يسري حتى بعد وفاتهما وانقطاع أملهما من الحياة .
عن أبي عبد الله (ع) قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته ، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته ، أو ولد صالح يدعو له» (4) .
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «مر عيسى بن مريم بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل فإذا هو لا يعذب . فقال : يا رب ، مررت بهذا القبر عام أول وكان يعذب !. فأوحى الله إليه : أنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً ، وآوى يتيماً ، فلهذا غفرت له بما فعل ابنه . ثم قال رسول الله (ص) . ميراث الله من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده . ثم تلا أبو عبد الله

(1) الوافي ج 12 ص 196 ، عن الكافي .
(2) الوافي ج 12 ص 196 ، عن الفقيه .
(3) الوافي ج 12 ص 197 ، عن الفقيه .
(4) الوافي ج 13 ص 90 ، عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 248

(ع) آية زكريا على نبينا وآله وعليه السلام : «فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ، واجعله ربي رضيا» (مريم : 5 ـ 6) (1) .
ومن الواضح أن صلاح الأبناء واستقامتهم لا يتسنيان عفواً وجزافاً ، وإنما يستلزمان رعاية فائقة واهتماماً بالغاُ في إعدادهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح .
من أجل ذلك وجب على الآباء تأديب أولادهم وتنشئتهم على الاستقامة والصلاح ، ليجدوا ما يأملون فيهم من قرة عين ، وحسن هدى وسلوك .
قال الإمام السجاد (ع) : «وأما حق ولدك : فأن تعلم أنه منك ، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره . وانك مسؤول عما وليته من حسن الأدب ، والدلالة له على ربه عزوجل ، والمعونة له على طاعته . فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه» (2) .
فالآباء مسؤولون عن تهذيب أبنائهم وإعدادهم إعداداً صالحاً ، فإن أغفلوا ذلك أساؤوا إلى أولادهم ، وعرضوهم لأخطار التخلف والتسيب الديني والاجتماعي .
ويحسن بالآباء أن يبادروا أبناءهم بالتهذيب والتوجيه ، منذ حداثتهم ونعومة أظفارهم ، لسرعة استجابتهم إلى ذلك قبل تقدمهم في السن ، ورسوخ العادات السيئة والأخلاق الذميمة فيهم ، فيغدون آنذاك أشد استعصاءاً على التأديب والإصلاح .

حكمة التأديب :


وهكذا يجدر بالآباء أن يتحروا القصد ، والاعتدال في سلطتهم ، وأساليب تأديب أبنائهم ، فلا يسوسونهم بالقسوة والعنف مما يعقدهم نفسياً ، ويبعثهم على النفرة والعقوق . ولا يتهاونوا في مؤاخذتهم على الإساءة والتقصير ، فيستخفون

(1) الوافي ج 12 ص 197 ، عن الكافي .
(2) رسالة الحقوق ، للإمام علي بن الحسين (ع) .
أخلاق أهل البيت 249

بهم ويتمردون عليهم ، فإن «من أمن العقوبة أساء الأدب» .
وخير الأساليب في ذلك هو التدرج في تأديب الأبناء وتقويمهم ، وذلك بتشجيعهم على الإحسان ، بالمدح والثناء وحسن المكافأة ، وبنصحهم على الإساءة . فإن لم يجدهم ذلك ، فبالتقريع والتأنيب ، وإلا فبالعقوبة الرادعة ، والتأنيب الزاجر .

المدرسة الأولى للطفل :


والبيت هو المدرسة الأولى للطفل ، يترعرع في ظلاله ، وتتكامل فيه شخصيته ، وتنمو فيه سجاياه ، متأثراً بأخلاق أبويه وسلوكهما . فعليهما أن يكونا قدوة حسنة ، ومثلاً رفيعاً ، لتنعكس في نفس مزاياهم وفضائلهم .

منهاج التأديب :


1 ـ وأول ما يبدأ به في تهذيب الطفل ، تعليمه آداب الأكل والشرب ؛ كغسل اليدين قبل الطعام وبعده ، والأكل بيمينه ، وإجادة المضغ ، وترك النظر في وجوه الآكلين ، والرضا والقنوع بالمقسوم من الرزق . ونحو ذلك من الآداب .
2 ـ ويراض الطفل على آدب الحديث ، والكلام المهذب ، والقول الحسن . ومنعه عن الفحش ، والبذاء ، والاغتياب ، والثرثرة ، وما إلى ذلك من مساويء اللسان وأن يحسن الإصغاء ، كما يحسن الحديث ، فلا يقاطع متحدثاً حتى ينتهي من حديثه .
3 ـ وأهم ما يعني به في توجيه الأولاد ، غرس المفاهيم الدينية فيهم ، وتنشئتهم على العقيدة والإيمان ، بتعليمهم أصول الدين وفروعه بأسلوب يلائم مستواهم الفكري ، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم ، محصنين ضد الشبه المضللة من أعداء الإسلام «يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون» (التحريم : 6) .

أخلاق أهل البيت 250

4 ـ وعلى الآباء أو يروضوا أبناءهم على التخلق بالأخلاق الكريمة والسجايا النبيلة : كالصدق ، والأمانة ، والصبر ، والاعتماد على النفس .
وتحريضهم على حسن معاشرة الناس : كتوقير الكبير ، والعطف على الصغير ، وشكر المحسن ، والتجاوز ما وسعهم عن المسيء ، والتحنن على البؤساء والمعوزين .
5 ـ ومن المهم جداً منع الأبناء من معاشرة القرناء المنحرفين الأشرار ، وتحبيذ مصاحبة الأخدان الصلحاء لهم ، لسرعة تأثرهم بالأصدقاء ، واكتسابهم من أخلاقهم وطباعهم ، كما قال النبي (ص) : «المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل» .
وقد شهد الناس كثيراً من مآسي الشباب الذين انحرفوا عن النهج السوي ، وتدهوروا في مهاوي الرذيلة والفساد ، لتأثرهم بقرناء السوء ، وأخدان الشر .
6 ـ وهكذا يحسن بالآباء أن يستطلعوا مواهب أبنائهم وكفاءاتهم ، ليوجهوهم ، في ميادين الحياة وطرائق المعاش ، حسب استعدادهم ومؤهلاتهم الفكرية والجسمية : من طلب العلم ، أو ممارسة الصناعة ، أو التجارة ، ليستطيعوا الاضطلاع بأعباء الحياة ، ويعيشوا عيشاً كريماً .


الحقوق الزوجية

فضل الزواج

الزواج : هو الرابطة الشرعية المقدسة ، وشركة الحياة بين الزوجين .
شرعه الله عزوجل لحفظ النوع البشري وتكاثره ، وعمران الأرض وازدهار الحياة فيها .
وقد رغبت فيه الشريعة الإسلامية وحرضت عليه كتاباً وسنةً :
قال تعالى : «وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ، أن

أخلاق أهل البيت 251

يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ، والله واسع عليم» (النور : 32) .
وقال سبحانه : «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ، لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (الروم : 21) .
وعن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله من التزويج» (1) .
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر» (2) .
وقال (ص) : «النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي ، فليس مني» (3) .
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غداً يوم القيامة ، حتى أن السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنة ، فيقال له أدخل ، فيقول : لا حتى يدخل أبواي قبلي» (4) .
وعن أبي عبد الله (ع) قال : «ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب» (5) .
وقال النبي (ص) : «لركعتان يصليهما متزوج ، أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره» (6) .
وقال (ص) : «رذال موتاكم العزاب» (7) .

(1) الوافي ج 12 ص 11 ، عن الفقيه .
(2) الوافي ج 12 ص 11 ، عن الكافي .
(3) البحار م 23 ص 51 ، عن مكارم الأخلاق للطبرسي .
(4) الوافي ج 12 ص 11 ، عن الفقيه (المحبنطيء : المغتاظ) .
(5) الوافي ج 12 ص 11 ، عن الفقيه والكافي .
(6) الوافي ج 12 ص 11 ، عن الفقيه .
(7) الوافي ج 12 ص 11 ، عن الفقيه .
أخلاق أهل البيت 252

1 ـ فوائد الزواج ؛


ولا عجب أن تؤكد هذه النصوص على الزواج تأكيدها الملح ، وتحرض عليه بالترغيب تارة والترهيب أخرى ، لما ينطوي عليه من صنوف الخصائص والمنافع .
1 ـ فمن خصائصه : انه الوسيلة الوحيدة لكسب الذرية الطيبة ، والأبناء الصلحاء ، وهم زينة الحياة الدنيا ، وأعز ذخائرها ، وألذ متعها وأشواقها ، بهم يستشعر الآباء العزة والمنعة ، وامتداد الحياة ، وطيب الذكر ، وحسن المكافأة ، وجزيل الأجر عند الله عزوجل ، كما أوضحته النصوص السالفة في فضل الولد الصالح .

2 ـ ومن منافع الزواج :


انه باعث على عفة المتزوج وحصانته ضد الفجور والآثام الجنسية ، وهذا ما عناه النبي (ص) بقوله : «من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الآخر» .
من أجل ذلك كان عقاب الزاني المحصن رجماً بالحجارة حتى الموت ، لتحصنه بالزواج ، واستهتاره بقدسية الأعراض وكرامتها المصونة .

3 ـ ومن آثار الزواج :


أنه من دواعي رغد العيش ، وسكينة النفس ، وراحة الضمير والوجدان . ذلك أن الرجل كثيراً ما يعاني أزمات الحياة ، ومتاعب الكفاح في سبيل العيش ، فيجد في ظلاله زوجته الحبيبة المخلصة من حسن الرعاية ولطف المؤانسة ، ورقة الحنان ، ما يخفف عناءه ويسري عنه الكثير من المتاعب والهموم ، «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة» .
وعن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : «ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسره اذا نظر

أخلاق أهل البيت 253

إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذ غاب عنها في نفسها وماله» (1) .

السعادة الزوجية :


ومن الثابت أن السعادة الزوحية لا تتحقق ، ولا ينال الزوجان ما يصبوان اليه من رغد وهناء ، الا اذا احسن كل منهما اختيار صاحبه ، وشريك حياته ، واصطفاه على ضوء القيم الأصيلة والمقاييس الثابتة ، التي من شأنها ان توثق الروابط الزوجية ، وتنشر السعادة والسلام في ربوع الحياة الزوجية . كما أن سوء الاختيار كثيراً ما يعرضها للفشل والأخفاق .
وقد عالج أهل البيت عليهم السلام هذا الجانب الموضوعي من حياة الناس ، فأوضحوا محاسن ومساويء كل من الرجل والمرأة ، ليكون كل منهما على بصيرة من اختيار زوجه وشريك حياته .

الزوج المثالي :


والزوج المثالي : هو الرجل الكفوء الذي تسعد المرأة في ضلاله ، وتنعم بحياة زوجية هانئة .
فليست الكفاءة كما يتوهمها غالب الناس ـ منوطة بالزخارف المادية فحسب ، كالقصر الفخم ، أو السيارة الفارهة ، أو الرصيد المالي الضخم .
وليس هي كذلك منوطة بالشهادة العالية ، أو الوظيفة المرموقة ، أو الحسب الرفيع .
فقد تتوفر هذه الخلال في الرجل ، وهي رغم ذلك لا تحقق سعادة الزوجة وأمانيها في الحياة ، كما أعربت عن ذلك زوجة معاوية ، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء ، وحنت إلى فتى احلامها ، وإن كان خلواً من كل ذلك :
لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلي من قصر منيف

(1) الوافي ج 12 ص 16 ، عن الكافي والفقيه .
أخلاق أهل البيت 254

ولـبس عباءة وتقر عينـي أحب إلي من لبس الشفوف
وخرق من بني عمي نجيب أحب إلي من علج عنيـف

فالكفاءة الحقة ، هي مزيج من عناصر ثلاث : التمسك بالدين ، والتحلي بحسن الخلق ، والقدرة على إعالة الزوجة ورعايتها مادياً وأدبياً . وبذلك يغدو الرجل كفئاً وزوجاً مثالياً في عرف الإسلام .
فعن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «إذ جاءكم من ترضون خلقه ودينه ، فزوجوه ، وإن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (1) .
وقال الصادق (ع) : «الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار» (2) .
لذلك كان مكروهاً في الشريعة الإسلامية تزويج الفاسق ، وشارب الخمر ، والمخنث ، وسيء الخلق ، ونحوهم ممن لا يوثق بدينه وأخلاقه .

الزوجة المثالية :


والزوجة المثالية : هي المتحلية بالإيمان ، والعفاف ، وكرم الأصل ، وجمال الخلق والخلق ، وحسن العشرة مع زوجها .
وقد صورت نصوص أهل البيت عليهم السلام خصائص النساء ، وصفاتهن الكريمة والذميمة ، لتكون علامة فارقة بين الزوجة المثالية وغيرها .
عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي (ص) فقال : «ان خير نسائكم الولود ، الودود ، العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ، ولم تبذل كتبذل الرجل» .
ثم قال : «ألا أخبركم بشرار نسائكم ؟ الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تورع من قبيح ، المتبرجة غذا غاب عنها بعلها ،

(1) الوافي ج 12 ص 17 ، عن الكافي .
(2) الوافي ج 12 ص 18 عن الكافي والفقيه والتهذيب .
أخلاق أهل البيت 255

الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه ، كما تمنع الصعبة من ركوبها ، لا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً» (1) .
وعن أبي عبد الله (ع) عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً» (2) .
وعن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب ، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه ، فعليكم بذات الدين» (3) .
وقام النبي (ص) خطيباً فقال : «أيها الناس ، إياكم وخضراء الدمن» . قيل يا رسول الله : وما خضراء الدمن ؟ قال : «المرأة الحسناء في منبت السوء» (4) .
وقد نهى الحديث عن تزوج المرأة الوضيئة الحسناء اذا كانت من أسرة مغموزة في عنقها ونجابتها .

رعاية الحقوق :


والزوجان بعد هذا لا يكسبان السعادة الزوجية والهناء العائلي ، إلا برعاية كل منهما حقوق الآخر وأداء واجباته ، جرياً على قانون الاخذ والعطاء . وبذلك ينعمان بحياة سعيدة ، آمنة من مثيرات النكد والتنغيص .
وقد أولت الشريعة الإسلامية الحياة الزوجية عناية بالغةً ، بصفتها الخلية الأولى من خلايا المجتمع الكبير ، ورعتها بالتنظيم والتوجيه ، وقررت الحقوق المشتركة بين الزوجين ، والحقوق الخاصة بكل منهما على انفراد .
فالحقوق المشتركة التي يجدر تبادلها بين الزوجين ، هي : الإخلاص ،

(1) الوافي ج 12 ص 14 ، عن الكافي والتهذيب .
(2) الوافي ج 12 ص 15 ، عن الكافي والفقيه .
(3) الوافي ج 12 ص 13 ، عن التهذيب .
(4) الوافي ج 12 ص 12 ، عن الكافي والفقيه .

السابق السابق الفهرس التالي التالي