أخلاق أهل البيت 227

وكم لهذه القصص من أشباه ونظائر ، يطول عرضها وتعدادها في هذا المجال المحدود .
7 ـ زيارة مشاهدهم


ومن حقوقهم على مواليهم وشيعتهم ، زيارة مشاهدهم المشرفة ، والتسليم عليهم . فإنها من مظاهر الحب والولاء ، ومصاديق الوفاء والإخلاص فهم سيان ، أحياءاً وأمواتاً .
قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه :
«إن رسول الله (ص) والأئمة من عترته خاصة ، لا يخفي عليهم بعد الوفاة أحوال شيعته في دار الدنيا ، بإعلام الله تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال ، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرمة العظام ، بلطيفة من لطائف الله تعالى ، بينهم بها من جمهور العباد ، وتبلغهم المناجاة من بعد ، كما جاءت به الرواية ، وهذا مذهب فقهاء الإمامية كافة . . .
وقد قال الله تعالى فيما يدل على جملته : «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ، ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (آل عمران : 169 ـ 170) .
وقال في قصة مؤمن آل فرعون : «قيل أدخل الجنة ، قال يا ليت قومي يعلمون ، بما غفر لي ربي ، وجعلني من المكرمين» (ياسين : 26 ـ 27) .
وقال رسول الله (ص) : من سلم علي عند قبري سمعته ومن سلم علي من بعيد بلغته ، سلام الله عليهم ورحمته وبركاته .
ثم الأخبار في تفصيل ما ذكرناه ، من الجمل عن أئمة آل محمد ، بما وصفناه نصاً ولفظاً ، أكثر» (1) .
وقد تواترت نصوص أهل البيت عليهم السلام ، في فضل زيارة

(1) أوائل المقالات للشيخ المفيد (ره) .
أخلاق أهل البيت 228

مشاهدهم ، وما تشتمل عليه من الخصائص الجليلة ، والثواب الجم .
فعن الوشا ، قال : سمعت الرضا (ع) يقول : إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه ، كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة» (1) .
وعن زيد الشحام قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : ما لمن زار واحداً منكم ؟ قال : كمن زار رسول الله (ص) (2) .
وعن أبي الحسن موسى (ع) قال : إذا كان يوم القيامة ، كان على عرش الرحمن أربعة من الأولين ، وأربعة من الآخرين . فأما الأربعة الذين هم من الأولين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأما الأربعة من الآخرين : محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام . ثم يمد الطعام فيقعد معنا من زار قبور الأئمة ، ألا إن أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوار قبر ولدي (3) .
وعن أبي جعفر (ع) قال : قال أمير المؤمنين (ع) : زارنا رسول الله ، وقد أهدت لنا أم أيمن لبناً وزبداً وتمراً ، قدمنا منه ، فأكل ، ثم قام إلى زاوية البيت فصلى ركعات ، فلما كان في آخر سجوده بكى شديداً ، فلم يسأله أحد منا إجلالاً وإعظاماً ، فقام الحسين في الحجرة وقال له : يا أبه لقد دخلت بيتنا ، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ، ثم بكيت بكاءا غمنا ، فما ابكاك ؟ فقال : يا ابني ، أتاني جبرئيل آنفاً ، فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى . فقال : يا أبه ، فما لمن يزور قبورنا على تشتتها ؟ فقال : يا بني ، أولئك طوائف من أمتي ، يزورونكم ، فيلتمسون بذلك البركة ، وحقيق علي أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ، ويسكنهم الله الجنة (4) .

(1) البحار م 22 ، ص 6 عن عيون أخبار الرضا ، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه .
(2) البحار م 22 ، ص 6 ، عن عيون أخبار الرضا ، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه .
(3) البحار م 22 ، ص 8 ، عن الكافي .
(4) البحار م 22 ، ص 7 ، عن كامل الزيارة ، وأمالي ابن الشيخ الطوسي (ره) .
أخلاق أهل البيت 229

حقوق العلماء

فضل العلم والعلماء

العلم . . . أجل الفضائل ، وأشرف المزايا ، وأعز ما يتحلى به الإنسان . فهو أساس الحضارة ، ومصدر أمجاد الأمم ، ، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة ، ورائدها إلى السعادة الأبدية ، وشرف الدارين .
والعلماء . . . هم ورثة الأنبياء ، وخزان العلم ، ودعاة الحق ، وأنصار الدين ، يهدون الناس إلى معرفة الله وطاعته ، ويوجهونهم وجهة الخير والصلاح .
من أجل ذلك تظافرت الآيات والأخبار على تكريم العلم والعلماء ، والإشادة بمقامهما الرفيع .
قال تعالى : «قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون» (الزمر : 9) .
وقال تعالى : «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات» (المجادلة : 11) .
وقال تعالى : «أنما يخشى الله من عباده العلماء» (فاطر : 28) .
وقال تعالى : «وتلك الأمثال نضربها ، وما يعقلها إلا العالمون» (العنكبوت : 43) .
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً ، سلك الله به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وانه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض ، حتى الحوت في البحر . وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر . وإن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم ، فمن أخذ منه اخذ بحظ وافر (1) .

(1) الوافي ج 1 ، ص 42 ، عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 230

وقال الباقر (ع) : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد (1) .
وقال الصادق (ع) : إذا كان يوم القيامة ، جمع الله عزوجل الناس في صعيد واحد ، ووضعت الموازين ، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فيرجع مداد العلماء على دماء الشهداء (2) .
وقال الصادق (ع) : إذا كان يوم القيامة ، بعث الله عزوجل العالم والعابد ، فإذا وقفا بين يدي الله عزوجل ، قيل للعابد إنطلق إلى الجنة ، وقيل للعالم قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم (3) .
وقال أمير المؤمنين (ع) : يا كميل ، هلك خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وامثالهم في القلوب موجودة (4) .
وعن أبي عبد الله (ع) ، قال : قال رسول الله (ص) : يجيء الرجل يوم القيامة ، وله من الحسنات كالسحاب الركام ، أو كالجبال الرواسي ، فيقول : يا رب أنى لي هذا ولم اعملها ؟ فيقول : هذا علمك الذي علمته الناس ، يعمل به من بعدك (5) .
ولا غرابة أن يحظى العلماء بتلك الخصائص الجليلة ، والمزايا الغر . فهم حماة الدين ، وأعلام الإسلام ، وحفظة آثاره الخالدة ، وتراثه المدخور . يحملون للناس عبر القرون ، مباديء الشريعة وأحكامها وآدابها ، فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم ، ويستنيرون بتوجيههم الهادف البناء .
وبديهي أن تلك المنازل الرفيعة ، لا ينالها إلا العلماء المخلصون ، المجاهدون في سبيل العقيدة والشريعة ، والسائرون على الخط الإسلامي ، والمتحلون بآداب الإسلام وأخلاقه الكريمة .
(1) الوافي ج 1 ، ص 40 عن الكافي .
(2) الوافي ج 1 ، ص 40 ، عن الفقيه .
(3) البحار م 1 ، ص 74 ، عن علل الشرائع ، وبصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار .
(4) نهج البلاغة .
(5) البحار م 1 ، ص 75 عن بصائر الدرجات .
أخلاق أهل البيت 231

ولهؤلاء فضل كبير ، وحقوق مرعية في أعناق المسلمين ، جديرة بكل عناية واهمهما ، وهي :

1 ـ توقيرهم :


وهو في طليعة حقوقهم المشروعة ، لتحليهم بالعلم والفضل ، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها ، ودأبهم على إصلاح المجتمع الإسلامي وإرشاده .
وقد أعرب أهل البيت عليهم السلام عن جلالة العلماء ، وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم ، قولاً وعملاً ، حتى قرروا أن النظر إليهم عبادة ، وأن بغضهم مدعاء للهلاك ، كما شهد بذلك الحديث الشريف :
فعن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال (ص) : النظر في وجه العالم حباً له عبادة (1) .
وعن أبي عبد الله (ع) قال ، قال رسول الله (ص) : أغد عالماً أو متعلماً ، أو أحب العلماء ، ولا تكون رابعاً فتهلك ببغضهم (2) .
وهكذا كانوا عليهم السلام يبجلون العلماء ، ويرعونهم بالحفاوة والتكريم ، يحدثنا الشيخ المفيد (ره) ، عن توقير الإمام الصادق (ع) لهشام بن الحكم ، وكان من ألمع أصحابه وأسماهم مكانة عنده «أنه دخل عليه بمنى ، وهو غلام اول ما اختط عارضاه ، وفي مجلسه شيوخ الشيعة ، كحمران بن أعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبي جعفر الأحول وغيرهم ، فرفعه على جماعتهم ، وليس فيهم إلا من هو أكبر سناً منه .
فلما رأى أبو عبد الله (ع) أن ذلك الفعل كبر على اصحابه ، قال : هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده» (3) .

(1) البحار م 1 ، ص 64 ، عن نوادر الراوندي .
(2) البحار م 1 ، ص 59 ، عن خصال الصدوق (ره) .
(3) سفينة البحار ج 2 ، ص 719 .
أخلاق أهل البيت 232

وجاء عن أحمد البزنطي ، قال : «بعث إلي الرضا (ع) بحمار له ، فجئت إلى صريا ، فمكثت عامة الليل معه ، ثم أتيت بعشاء ، ثم قال : أفرشوا له . ثم أتيت بوسادة طبرية ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي ، فلما أصبت من العشاء ، قال لي : ما تريد أن تنام ؟ قلت : بلى ، جعلت فداك . فطرح علي الملحفة والكساء ، ثم قال : بيتك الله في عافية . وكنا على سطح ، فلما نزل من عندي ، قلت في نفسي : قد نلت من هذا الرجل كرامة ما نالها أحد قط» (1) .

2 ـ برهم :


همة العلماء ، وهدفهم الأسمى ، خدمة الدين ، وبث التوعية الإسلامية ، وتوجيه المسلمين نحو الخلق الكريم والسلوك الأمثل ، وهذا ما يقتضيهم وقتاً واسعاً ، وجهداً ضخماً ، يعوقهم عن اكتساب الرزق وطلب المعاش كسائر الناس .
فلا بد والحالة هذه ، للمؤمنين المعنيين بشؤون الدين ، والحريصين على كيانه . . . أن يوفروا للعلماء وسائل الحياة الكريمة ، والعيش اللائق ، وذلك بأداء الحقوق الشرعية إليهم ، التي أمر الله بها ، وندب إليها ، من الزكاة والخمس ، ووجوه الخيرات والمبرات . فهم أحق الناس بها ، وأهم مصاديقها ، ليستطيعوا تحقيق أهدافهم ، والاضطلاع بمهامهم الدينية ، دون أن يعوقهم عنها طلب المعاش .
وقد كان الغياري من المسلمين الأولين ، يتطوعون بأريحية وسخاء ، في رصد الأموال ، وإيجاد الأوقاف ، واستغلالها لصالح العلماء ، وتوفير معاشهم .
وكلما تجاهل الناس أقدار للعلماء ، وغمطوا حقوقهم ، أدى ذلك إلى قلة العلماء ، وهبوط الطاقات الروحية ، وضعف النشاط الديني . مما يعرض المجتمع الإسلامي لغزو المبادئ الهدامة ، وخطر الزيغ والانحراف .

(1) سفينة البحار ج 1 ، ص 81 .
أخلاق أهل البيت 233

3 ـ الاهتداء بهم :


لا يستغني كل واع مستنير ، عن الرجوع إلى الاخصائيين في مختلف العلوم والفنون ، للإفادة من معارفهم وتجاربهم ، كالأطباء والكيمياويين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص .
وحيث كان العلماء الروحانيون متخصصين بالعلوم الدينية ، والمعارف الإسلامية ، قد أوقفوا أنفسهم على خدمة الشريعة الإسلامية ، ونشر مبادئها وأحكامها ، وهداية الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح . . . فجدير بالمسلمين أن يستهدوا بهم ويجتنوا ثمرات علومهم ، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم ، ويتفادوا دعايات الغاوين والمضللين من أعداء الإسلام .
فإذا ما تنكروا للعلماء المخلصين ، واستهانوا بتوجيههم وإرشادهم . . جهلوا واقع دينهم ومبادئه وأحكامه ، وغدوا عرضة للزيغ والانحراف .
انظر كيف يحرض أهل البيت عليهم السلام على مجالسة العلماء ، والتزود من علومهم وآدابهم ، في نصوص عديدة :
فعن الصادق ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : «مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة» (1) والمراد بأهل الدين ، علماء الدين العارفون بمبادئه ، العاملون بأحكامه .
وجاء في حديث الرضا عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله (ص) : «مجالسة العلماء عبادة» (2) .
وقال لقمان لابنه : يا بني ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتك ، فإن الله عزوجل يحيي القلوب بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض بوابل السماء (3) .
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : العلم

(1) البحار م 1 ص 62 ، عن ثواب الأعمال ، وأمالي الصدوق .
(2) البحار م 1 ص 64 ، عن كشف الغمة .
(3) البحار م 1 ص 64 ، عن روضة الواعظين .
أخلاق أهل البيت 234

خزائن ، ومفتاحه (مفتاحها خ ل) السؤال ، فاسالوا يرحمكم الله ، فإنه يؤجر فيه أربعة : السائل ، والمعلم ، والمستمع ، والمحب لهم (1) .
وقال الصادق (ع) : إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون (2) .


حقوق الأساتذة والطلاب

الأساتذة المخلصون ، المتحلون بالإيمان والخلق الكريم ، لهم مكانة سامية ، وفضل كبير على المجتمع ، بما يسدون إليه من جهود مشكورة في تربية أبنائهم ، وتثقيفهم بالعلوم والآداب . فهم رواد الثقافة ، ودعاة العلم ، وبناة الحضارة ، وموجهو الجليل الجديد .
لذلك كان للأساتذة على طلابهم حقوق جديرة بالرعاية والاهتمام . وأول حقوقهم على الطلاب ، أن يوقروهم ويحترموهم احترام الآباء ، مكافأة لهم على تاديبهم ، وتنويرهم بالعلم ، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح . كما قيل للإسكندر : إنك تعظم معلمك أكثر من تعظيمك لأبيك ! ! ! فقال : لأن أبي سبب حياتي الفانية ، ومؤدبي سبب الحياة الباقية .
قـم للمعلم وفـه التبجــيلا كاد المعلم أن يكون رسـولا
أرأيت أكرم أو أجل من الذي يبني وينشيء أنفساً وعقولاً

وحسبك في فضل المعلم المخلص وأجره الجزيل ، ما أعربت عنه نصوص أهل البيت عليهم السلام :
فعن أبي عبد الله (ع) : قال : قال رسول الله (ص) : يجيء الرجل يوم القيامة ، وله من الحسنات كالسحاب الركام ، أو كالجبال الرواسي . فيقول : يا رب إنى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول : هذا علمك الذي علمته الناس ، يعمل به من بعدك (3) .

(1) البحار م 1 ص 62 ، عن صحيفة الرضا (ع) وعيون أخبار الرضا .
(2) الوافي ج 1 ص 46 ، عن الكافي .
(3) البحار م 1 ص 75 ، عن بصائر الدرجات للشيخ محمد بن الحسن الصفار .
أخلاق أهل البيت 235

وعن أبي جعفر (ع) ، قال : من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً ، ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شيئاً (1) .
ومن حقوق الأساتذة على الطلاب : تقدير جهودهم ومكافأتهم عليها بالشكر الجزيل ، وجميل الحفاوة والتكريم ، واتباع نصائحهم العلمية ، كاستيعاب الدروس وإنجاز الواجبات المدرسية .
ومن حقوقهم كذلك : التسامح والإغضاء عما يبدر منهم من صرامة أو غلظة تأديبية ، تهدف إلى تثقيف الطالب وتهذيب أخلاقه .
وأبلغ وأجمع ما أثر في حقوق الأساتذة المربين ، قول الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) : «وحق سايسك بالعلم : التعظيم له ، والتوفير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وان لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب احداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه . ولا تجالس له عدواً ، ولا تعاد له ولياً . فإذا فعلت ذلك ، شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته ، وتعلمت علمه لله جل اسمه ، لا للناس» (2) .

حقوق الطلاب

لطلاب العلم فضلهم وكرامتهم ، باجتهادهم في تحصيل العلم ، وحفظ تراثه ، ونقله للأجيال الصاعدة ، ليبقى الرصيد العلمي زاخراً نامياً مدى القرون والأجيال .
من أجل ذلك ، نوهت أحاديث أهل البيت عليهم السلام بفضل طلاب العلم ، وشرف أقدارهم وجزيل أجرهم .
فعن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله

(1) الوافي ج 1 ص 42 ، عن الكافي .
(2) رسالة الحقوق للإمام السجاد (ع) .
أخلاق أهل البيت 236

(ص) : «طالب العلم بين الجهال كالحي بين الأموات» (1) .
وعن أبي عبد الله ، قال : قال رسول الله (ص) : «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً ، سلك الله به طريقاً إلى الجنة . وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر . وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر» (2) .
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «طلب العلم فريضة على كل مسلم ، ألا إن الله يحب بغاة العلم» (3) .
وعن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «العالم والمتعلم شريكان في الأجر ، للعالم أجران وللمتعلم أجر ، ولا خير في سوى ذلك» (4) .
ومن الواضح أن تلك الخصائص الرفيعة ، والمزايا المشرفة ، لا ينالها إلا طلاب العلم المخلصون ، المتذرعون بطلبه إلى تزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ، وكسب معرفة الله عزوجل وشرف طاعته ورضاه ، فإذا ما تجردوا من تلك الخصائص والغايات ، حرموا تلك المآثر الخالدة ، ولم يجنوا إلا المآرب المادية الزائلة .
وإليك مجملاً من حقوق الطلاب :
1 ـ يجدر بأولياء الطلاب والمعنيون بتربيتهم وتعليمهم ، أن يختاروا لهم أساتذة أكفاء ، متحلين بالإيمان وحسن الخلق ، ليكونوا قدوة صالحة ونموذجاً حسناً لتلامذتهم .
فالطالب شديد التأثر والمحاكاة لأساتذة ومربيه ، سرعان ما تنعكس في

(1) البحار م 1 ص 58 ، عن أمالي الشيخ ابي علي بن الشيخ الطوسي .
(2) الوافي ج 1 ص 423 ، عن الكافي .
(3) الوافي ج 1 ص 36 ، عن الكافي .
(4) البحار م 1 ص 56 ، عن بصائر الدرجات .
أخلاق أهل البيت 237

نفسه صفاتهم وأخلاقهم ، ومن هنا وجب اختيار المدرسين المتصفين بالاستقامة والصلاح .
2 ـ ومن حقوق الطلاب : أن يستشعروا من أساتذتهم اللطف والإشفاق ، فيعاملوهم معاملة الأبناء ، ويتفادون جهدهم عن احتقارهم واضطهادهم ، لأن ذلك يحدث رد فعل سيء فيهم ، يوشك أن ينفرهم من تحصيل العلم . لذلك كان من الحكمة في تهذيب الطلاب وتشجيعهم على الدرس ، مكافأة المحسن منهم بالمدح والثناء ، وزجر المقصر منهم بالتأنيب والتقريع ، الذي لا يجرح العاطفة ويهدر الكرامة ويحدث رد فعل في الطالب .
انظر كيف يوصي الإمام زين العابدين بالمتعلمين ، في رسالته الحقوقية ، فيقول (ع) : «وأما حق رعيتك بالعلم ، فان تعلم أن الله عزوجل إنما جعلك قيماً لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ، ولم تضجر منهم ،، زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك ، كان حقاً على الله عزوجل أن يسلبك يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك» .
3 ـ وهكذا يجدر بالأساتذة أن يراعوا استعداد الطالب ومستواه الفكري ، فيتدرجوا به في مراقي العلم حسب طاقته ومؤهلاته الفكرية ، فلا يطلعونهم على ما يسمو على أفهامهم ، وتقصر عنه مداركهم . مراعين إلى ذلك اتجاه الطالب ورغبته فيما يختار من العلوم ، حيث لا يحسن قسره على علم لا يرغب فيه ، ولا يميل إليه .
4 ـ ويحق للطلاب على أساتذتهم أن يتعاهدوهم بالتوجيه والإرشاد ، في المجالات العلمية وغيرها من آداب السيرة والسلوك ، لينشأ الطلاب نشأة مثالية ، ويكونوا نموذجاً رائعاً في الاستقامة والصلاح .
وألزم النصائح وأجدرها بالاتباع ، أن يعلم الطالب اللبيب أنه يجب أن تكون الغاية من طلب العلم هي ـ كما أشرنا إليه ـ تزكية النفس ، وتهذيب الضمير ، والتوصل إلى شرف طاعة الله تعالى ورضاه ، وكسب السعادة الأبدية الخالدة .

أخلاق أهل البيت 238

فإن لم يستهدف الطالب تلك الغايات السامية ، كان مادياً هزيل الغاية والمآرب ، لم يستثمر العلم استثماراً واعياً .
وأصدق شاهد على ذلك ، الأمم المتحضرة اليوم فإنها رغم سبقها وتفوقها في ميادين العلم والاكتشاف ، تعيش حياة مزرية من تفسخ الأخلاق ، وتسيب القيم الروحية ، وطغيان الشرور فيها لنزعتها المادية ، وتجردها من الدين والأخلاق ، وغدت من جراء ذلك تتبارى بأفتك الأسلحة للقضاء على خصومها ومنافسيها ، مما صير العالم بركاناً ينذر البشرية بالدمار والهلاك .
هذه لمحات خاطفة من حقوق الأساتذة والطلاب ، ومن شاء التوسع فيها فليرجع إلى ما كتبه علماء الأخلاق في آداب المعلمين والمتعلمين ، وحقوق كل منهما على الآخر .


حقوق الوالدين والأولاد

حقوق الوالدين

كيف يستطيع هذا القلم أن يصور جلالة الأبوين ، وفضلهما على الأولاد ، فهما سبب وجودهم ، وعماد حياتهم ، وقوام فضلهم ، ونجاحهم في الحياة .
وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما مادياً ومعنوياً ، وتحملا في سبيلهم أشد المتاعب والمشاق . فاضطلعت الأم بأعباء الحمل ، وعناء الوضع ، ومشقة الإرضاع ، وجهد التربية والمداراة .
واضطلع الأب بأعباء الجهاد ، والسعي في توفير وسائل العيش لأبنائه ، وتثقيفهم وتأديبهم ، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة .
تحمل الأبوان تلك الجهود الضخمة ، فرحين مغتبطين ، لا يريدان من أولادهما ثناءاً ولا أجراً .
وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجم ، أنهما يؤثران تفوق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال ، ليكونوا مثاراً للإعجاب ومدعاة للفخر والاعتزاز ،

أخلاق أهل البيت 239

خلافاً لما طبع عليه الإنسان من حب الظهور والتفوق على غيره .
من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقهما جسيماً ، سما على كل فضل وحق بعد فضل الله عزوجل وحقه .

بر الوالدين :


وهذا ما يحتم على الأبناء النبلاء أن يقدروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم ، فيجازونهم بما يستحقونه من حسن الوفاء ، وجميل التوقير والإجلال ، ولطف البر والإحسان ، وسمو الرعاية والتكريم ، أدبياً ومادياً .
أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين ، ويحض على إجلالهما ومصاحبتهما بالبر والمعروف ، حيث قال : «ووصينا الإنسان بوالديه ، حملته أمه وهناً على وهن ، وفصاله في عامين ، أن أشكر لي ولوالديك . إلي المصير ، وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ، فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفاً» (لقمان : 14 ـ 15) .
وقال تعالى : «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ، فلا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ، وقل لهما قولاً كريماً . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا» (الإسراء : 23 ـ 24) .
فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع ، وضرورة مكافأتهما بالشكر ، الجزيل ، والبر والإحسان اللائقين بهما ، فأمرت الآية الأولى بشكرهما بعد شكر الله تعالى ، وقرنت الثانية الإحسان إليهما بعبادته عزوجل ، وهذا غاية التعزيز والتكريم .
وعلى هدي القرآن وضوئه تواترت أحاديث أهل البيت عليهم السلام : قال الباقر (ع) : «ثلاث لم يجعل الله تعالى فيهن رخصة : أداء الأمانة إلى البر والفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين» (1) .

(1) الوافي ج 3 ص 93 ، عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 240

وقال الصادق (ع) : «إن رجلاً أتى النبي (ص) ، فقال : يا رسول الله أوصني . فقال : لا تشرك بالله شيئاً ، وإن حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان . ووالديك ، فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإن ذلك من الإيمان» (1) .
وعن أبي الحسن (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «كن باراً ، واقتصر على الجنة ، وان كنت عاقاً فاقتصر على النار» (2) .
وعنه (ع) ، عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «نظر الولد إلى والديه حباً لهما عبادة» (3) .
قال الصادق (ع) : «من أحب أن يخفف الله عزوجل عنه سكرات الموت ، فليكن لقرابته وصولا ، وبواليه بارا ، فاذا كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقر أبداً» (4) .
وعن أبي عبد الله (ع) : «إن رسول الله (ص) أتته أخت له من الرضاعة ، فلما نظر إليها سر بها وبسط ملحفته لها ، فاجلسها عليها ، ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها . ثم قامت فذهبت ، وجاء اخوها فلم يصنع به ما صنع بها ، فقيل له : يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به ، وهو رجل ! فقال : لأنها كانت أبر بوالديها منه» (5) .
* * *

وفي الوقت الذي أوصت الشريعة الإسلامية ببر الوالدين والإحسان إليهما ، فقد آثرت الأم بالقسط الأوفر من الرعاية والبر ، نظراً لما انفرد به من جهود جبارة وأتعاب مضينة في سبيل أبنائها ، كالحمل والرضاع ، ونحوهما من وظائف الأمومة وواجباتها المرهقة .

(1) الوافي ج 3 ص 91 ـ 92 ، عن الكافي .
(2) الوافي ج 3 ص 155 ، عن الكافي .
(3) البحار م 16 ج 4 ص 24 ، عن كشف الغمة للأربلي .
(4) البحار م 16 ج 4 ص 21 ، عن أمالي الشيخ الصدوق ، وأمالي ابن الشيخ الطوسي .
(5) الوافي ج 3 ص 92 ، عن الكافي .

السابق السابق الفهرس التالي التالي