أخلاق أهل البيت 212

وغيرهما من مواطن الدعاء .
وقد أعربت الآية الكريمة عن بالغ تكريم الله تعالى وملائكته للنبي (ص) «إن الله وملائكته يصلون على النبي» ، ثم وجهت الخطاب إلى المؤمنين بضرورة تعظيمه والصلاة والسلام عليه «يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما» .
وجاءت نصوص أهل البيت عليهم السلام توضح خصائص ورغبات الصلاة عليه ، بأسلوب شيق جذاب .
فمن ذلك ما جاء عن ابن أبي حمزة عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزوجل : «إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما» . فقال : الصلاة من الله عزوجل رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء . وأما قوله عزوجل : «وسلموا تسليما» ، فإنه يعني بالتسليم له فيما ورد عنه . قال : فقلت له : فكيف نصلي على محمد وآله ؟
قال : تقولون : «صلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد ، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته» .
قال : فقلت فما ثواب من صلى على النبي وآله بهذه الصلاة ؟
قال : الخروج من الذنوب ، والله كهيئة يوم ولدته أمه (1) .
وقال الصادق (ع) : «من صلى على محمد وآل محمد عشراً صلى الله عليه مائة مرة ، ومن صلى على محمد وآل محمد مائة صلى الله عليه وملائكته الفا ، أما تسمع قول الله تعالى : «هو الذي يصلي عليكم وملائكته ، ليخرجكم من الظلمات إلى النور ، وكان بالمؤمنين رحيماً» (2) (الأحزاب : 43) .
وقال الصادق (ع) : كل دعاء يدعى الله تعالى به ، محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد (3) .

(1) البحار م 19 ، ص 78 ، عن معاني الأخبار للصدوق (ره) .
(2) الوافي ج 5 ، ص 228 ، عن الكافي .
(3) الوافي ج 5 ، ص 227 ، عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 213

وعن أحدهما عليهما السلام قال : ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد ، وإن الرجل ليوضع أعماله في الميزان فيميل به ، فيخرج (ص) «الصلاة عليه» فيضعها في ميزانه ، فيرجح به (1) .
وقال الرضا (ع) : من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه ، فليكثر من الصلاة على محمد وآله ، فإنها تهدم الذنوب هدماً (2) .
وجاء في الصواعق (ص 87) ، قال : ويروى «لا تصلوا علي الصلاة البتراء . فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون «اللهم صل على محمد» وتمسكون . بل قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد» (3) .
4 ـ مودة أهل بيته الطاهرين :

الذين فرض الله مودتهم في كتابه ، وجعلها أجر الرسالة ، وحقاً مفروضاً من حقوق النبي (ص) ، فقال تعالى : «قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ، إن الله غفور شكور» (الشورى : 23) .
وقد اتصف أهل البيت عليهم السلام بجميع دواعي الإعجاب والإكبار ، وبواعث الحب والولاء ، كما وصفهم الشاعر :
من معشر حبهم ديـن وبغضـهم كفر وقربهم منجـــى ومعتصــم
إن عد أهل التقى كانـوا أئمتهـم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

نعم هم صفوة الخلق ، وحجج العباد ، وسفن النجاة ، وخير من أقلته الأرض وأظلته السماء ـ بعد جدهم الأعظم (ص) ـ حسبا ونسبا وفضائل وامجادا .
وكيف يرضي الوجدان السليم محبة النبي (ص) دون أهل بيته

(1) الوافي ج 5 ، ص 228 ، عن الكافي .
(2) البحار م 19 ، ص 76 ، عن عيون أخبار الرضا وأمالي الشيخ الصدوق (ره) .
(3) فضائل الخمسة ، من الصحاح الستة .
أخلاق أهل البيت 214

الطاهرين ، الجديرين بأصدق مفاهيم الحب والود ، إنها ولا ريب محبة زائفة تنم عن نفاق ولؤم ، كما جاء عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع النبي (ص) في بعض أسفاره ، إذ هتف بنا أعرابي بصوت جهوري ، فقال : يا محمد . فقال له النبي (ص) : ما تشاء ؟ فقال : المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم ، فقال النبي (ص) : المرء مع من أحب . فقال : يا محمد ، اعرض علي الإسلام . فقال : إشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحج البيت .
فقال : يا محمد ، تأخذ على هذا أجراً ؟ فقال :لا ، إلا المودة في القربى . قال : قرباي أو قرباك ؟ فقال : بل قرباي . قال : هلم يدك حتى أبايعك ، لا خير فيمن يودك ولا يود قرباك (1) .
وقد أجمع الإمامية أن المراد بالقربى في الآية الكريمة ، هم الأئمة الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام ، ووافقهم على ذلك ثلة من أعلام غيرهم من المفسرين والمحدثين ، كأحمد بن حنبل ، والطبراني ، والحاكم عن ابن عباس . كما نص عليه ابن حجر ، في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من صواعقه ، قال : لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال (ص) : علي وفاطمة وابناهما (2) .
انظر ، كيف يحرض النبي (ص) أمته على مودة قرباه وأهل بيته ، كما يحدثنا به رواة الفريقين :
فمما ورد من طرقنا :
عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : من أحبنا أهل البيت فليحمد الله أول النعم . قيل : وما أول النعم ؟ قال : طيب الولادة ، ولا يحبنا إلا من طابت ولادته (3) .

(1) البحار م 7 ، ص 389 ، عن مجالس الشيخ المفيد (ره) .
(2) انظر الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء ، للإمام شرف الدين (ره) ص 18 .
(3) البحار م 7 ، ص 389 ، عن علل الشرائع ومعاني الأخبار وأمالي الصدوق (ره) .
أخلاق أهل البيت 215

وعن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جده عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن ، أهوالهن عظيمة : عند الوفاة ، وفي القبر ، وعند النشور ، وعند الكتاب ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط (1) .
وعن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : لو أن عبداً عبد الله ألف عام ، ثم ذبح كما يذبح الكبش ، ثم أتى الله ببغضنا أهل البيت ، لرد الله عليه عمله (2) .
وعن الباقر (ع) عن النبي (ص) قال : لا تزول قدم (قدما خ ل) عبد يوم القيامة من بيد يدي الله ، حتى يسأل عن أربع خصال : عمرك فيما أفنيته ، وجسدك فيما أبليته ، ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته ، وعن حبنا أهل البيت» (3) .
وعن الحكم بن عتيبة ، قال : بينا أنا مع أبي جعفر (ع) ، والبيت غاص بأهله ، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له ، حتى وقف على باب البيت فقل : السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم سكت . فقال أبو جعفر : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثم سكت ، حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام . ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (ع) ، ثم قال : يا بن رسول الله أدنني منك ، جعلني الله فداك ، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ، ووالله ما أحبكم وما أحب من يحبكم لطمع في دنيا . وإني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه . والله إني لأحل حلالكم ، وأحرم حرامكم ، وأنتظر أمركم . فهل ترجو لي ، جعلني الله فداك ؟!
فقال أبو جعفر (ع) : «إلي . . . إلي ، حتى أقعده إلى جنبه . ثم قال : أيها

(1) البحار م 7 ، ص 391 ، عن الخصال .
(2) البحار م 7 ، ص 297 ، عن محاسن البرقي .
(3) البحار م 7 ، ص 389 ، عن مجالس الشيخ المفيد .
أخلاق أهل البيت 216

الشيخ ، إن أبي علي بن الحسين (ع) ، أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه ، فقال له أبي : إن تمت ترد على رسول الله (ص) وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام ، ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك ، وتقر عينيك ، وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وان تعش تر ما يقر الله به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى ـ الخ (1) .
ومما جاء من طرق إخواننا :
وأخرج ابن حنبل والترمذي ، كما في الصواعق ص 91 : انه (ص) أخذ بيد الحسنين وقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما معي في درجتي يوم القيامة (2) .
وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير ، قال : قال رسول الله (ص) : ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ،الا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة . ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ـ الحديث (3) .
وأورد ابن حجر ص 103 من صواقه حديثاً ، هذا نصه :
إن النبي خرج على أصحابه ذات يوم ، ووجهه مشرق كدائرة القمر .

(1) الوافي ج 3 ، ص 139 ، عن الكافي .
(2) الفصول المهمة للإمام شرف الدين ، ص 41 .
(3) الفصول المهمة للإمام شرف الدين ، ص 42 .
أخلاق أهل البيت 217

فسأله عبد الرحمن بن عوف عن ذلك ، فقال (ص) : بشارة اتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي ، بأن زوج علياً من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى ، فحملت رقاقاً (يعني صكاكاً) بعدد محبي أهل بيتي ، وأنشأ تحتها ملائكة من نور ، دفع إلى كل ملك صكاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق ، فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار ، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار (1) .
وجاء في مستدرك الصحيحين ج 3 ، ص 127 ، عن ابن عباس قال : نظر النبي (ص) إلى علي (ع) فقال : يا علي ، أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي (2) .
وأخرج الحافظ الطبري ، في كتاب الولاية ، بإسناده عن علي (ع) أنه قال : لا يحبني ثلاثة : ولد زنا ، ومنافق ، ورجل حملت به أمه في بعض حيضها (3) .
وأخرج الطبراني في الأوسط ، والسيوطي في إحياء الميت ، وابن حجر في صواعقه في باب الحث على حبهم :
قال رسول الله (ص) : ألزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا (4) إلى كثير من النصوص التي يطول عرضها في هذا المختصر .
ولا ريب أن المراد بأهل البيت عليهم السلام ، هم الأئمة الاثنا عشر المعصومون صلوا الله عليهم ، دون سواهم ، لأن هذه الخصائص الجليلة ،

(1) الفصول المهمة ، للإمام شرف الدين ، ص 43 .
(2) فضائل الخمسة ، من الصحاح الستة ج 1 ، ص 200 .
(3) الغدير ج 4 ، ص 322 .
(4) المراجعات ، للإمام شرف الدين ، ص 22 .
أخلاق أهل البيت 218

والمزايا الفذة ، لا يستحقها إلا حجج الله تعالى على العباد ، وخلفاء رسوله الميامين .

حقوق الأئمة الطاهرين عليهم السلام

فضلهم

لقد حاز الأئمة الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام السبق في ميادين الفضل والكمال ، ونالوا الشرف الأرفع في الأحساب والأنساب . فهم آل رسول الله وأبناؤه ، نشأوا في ربوع الوصي ، وترعرعوا في كنف الرسالة ، واستلهموا حقائق الإسلام ومبادئه عن جدهم الأعظم ، فكانوا ورثة علمه ، وخزان حكمته ، وحماة شريعته الغراء ، وخلفاءه الميامين .
وقد جاهدوا في نصرة الدين وحماية المسلمين ، جهاداً منقطع النظير ، وفدوا أنفسهم في سبيل الله تعالى ، حتى استشهدوا في سبيل العقيدة والمبدأ ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، ولا تخدعهم زخارف الحياة .
وكم لهم من أياد وحقوق على المسلمين ، ينوء القلم بشرحها وتعدادها . بيد أني أشير إليها إشارة خاطفة ، وهي :
1 ـ معرفتهم :


كما جاء في الحديث المتواتر بين الفريقين ، وفي الصحاح المعتبرة ، قوله (ص) :
«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية» (1) .
الإمام هو خليفة النبي (ص) ، وممثله في أمته ، يبلغها عنه أحكام الشريعة ، ويسعى جاهداً في تنظيم حياتها ، وتوفير سعادتها ، وإعلاء مجدها . وحيث كان الإمام كذلك ، وجب على كل مسلم معرفته ، كما صرح بذلك

(1) انظر مصادر الحديث ورواته في الغدير ، للحجة الأميني ج 10 ص 359 ـ 360 .
أخلاق أهل البيت 219

الحديث الشريف ، ليكون على بصيرة من عقيدته وشريعته ، وليسير على ضوء توجيهه وهداه .
فإذا أغفل المسلم معرفة إمامه ، ولم يستهد به ، وهو الدليل المخلص ، والرائد الأمين ، ضل عن نهج الإسلام وواقعه ، ومات كافراً منافقاً .
وقد أشعر الحديث بضرورة وجود الإمام ووجوب معرفته مدى الحياة ، لأن إضافة الإمام الى الزمان تستلزم استمرارية الإمامة ، وتجددها عبر الأزمنة والعصور .
وهكذا توالت الأحاديث النبوية المتواترة بين الفريقين ، والمؤكدة على ضرورة معرفة الأئمة الطاهرين ، والاهتداء بهم ، كقوله (ص) : «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله ، فانظروا من توفدون» (1) .
وقال (ص) (كما جاء في صحيح مسلم) :
«لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش» .
وهذا الحديث شاهد على وجود الإمامة حتى قيام الساعة ، وقصرها على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، دون غيرهم من ملوك الأمويين والعباسيين لزيادتهم عن هذا العدد .

2 ـ موالاتهم :


معرفة الإمام لا تجدي نفعاً ، ولا تحقق الأماني والآمال المعقودة عليه ، إلا إذا اقترنت بولائه ، والسير على هداه ، ومتى تجردت المعرفة من ذلك غدت هزيلة جوفاء .

(1) المراجعات ، ص 21 .
أخلاق أهل البيت 220

ذلك أن الإمام هو خليفة رسول الله (ص) ، وحامل لواء الإسلام ، ورائد المسلمين نحو المثل الإسلامية العليا ، يبين لهم حقائق الشريعة ، ويجلو أحكامها ، ويصونها من كيد الملحدين ودسهم ، ويعمل جاهداً في حماية المسلمين ، ونصرهم ، وإسعادهم مادياً وروحياً ، ديناً ودنياً .
من أجل ذلك كان التخلف عن موالاة الإمام والاهتداء به ، مدعاة للزيغ والضلال ، والانحراف عن خط الإسلام ونهجه المرسوم . كما نوه النبي (ص) عن ذلك ، وأوضح للمسلمين أن الهدى والفوز في ولاء الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام ، وأن الضلال والشقاء في مجافاتهم ومخالفتهم .
قال (ص) : «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» (1) .
وقال (ص) : «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (2) .
وقد أوضح أمير المؤمنين (ع) معنى العترة :
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : سئل أمير المؤمنين (ع) عن معنى قول رسول الله (ص) : «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» من العترة ؟
فقال : أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم ، حتى يردا على رسول الله (ص) حوضه (3) .
وهذا الحديث يدل بوضوح أن القرآن الكريم والعترة النبوية الطاهرة ،

(1) المراجعات ، ص 17 .
(2) المراجعات ص 14 .
(3) سفينة البحار ، عن معاني الأخبار وعيون أخبار الرضا (ع) .
أخلاق أهل البيت 221

صنوان مقترنان مدى الدهر ، لا ينفط أحدهما عن قرينه ، وأنه كما يجب أن يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجة عليهم ، كذلك وجب ان يكون في كل عصر إمام من أهل البيت عليهم السلام يتولى إمامة المسلمين ، ويوجههم وجهة الخير والصلاح .
وقال (ص) : «من أحب أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد ، فليتول علياً وذريته من بعده ، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم باب ضلالة» (1) .
إلى كثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيت عليهم السلام والاقتداء بهم .

3 ـ طاعتهم :


قال تعالى : «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلاً» (النساء : 59) .
لقد أوجب الله تعالى على المسلمين في الآية الكريمة طاعة الأئمة من آل محمد بصفتهم خلفاء رسول الله (ص) ، وأمراء المسلمين ، وقادة الفكر الإسلامي ، ليستضيئوا بهداهم ، وينتفعوا بتوجيههم الهادف البناء ، ولا ينحرفوا عن واقع الإسلام ، ونهجه الأصيل .
فرض طاعتهم ، كما فرض طاعته وطاعة رسوله ، سواء بسواء ، وهذا ما يشعر بخلافتهم الحقة عن رسول الله (ص) ، وعصمتهم من الآثام لأن الطاعة المطلقة لا يستحقها إلا الإمام المعصوم ، الذي فرض الله طاعته على العباد .
فمن الخطأ الكبير تأويل «أولي الأمر» وحملها على سائر أمراء المسلمين ، لمخالفة الكثيرين منهم لله تعالى ورسوله ، وانحرافهم عن خط الإسلام .
يحدثنا زرارة ، وهو من أجل المحدثين والرواة ، عن فضل موالاة الأئمة

(1) المراجعات ص 156 .
أخلاق أهل البيت 222

من أهل البيت عليهم السلام ، وضرورة طاعتهم ، عن أبي جعفر (ع) ، قال : «بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية» . قال زرارة : فقلت وأي شيء من ذلك أفضل ؟ قال : الولاية ، لأنها مفتاحهن ، والوالي هو الدليل عليهن . .
إلى أن قال : ثم قال (ع) : ذروة الأمر ، وسنامه ، ومفتاحه ، وباب الأشياء ، ورضا الرحمن . . . الطاعة للإمام ، بعد معرفته . إن الله عزوجل يقول :
«ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً» (النساء : 80) .
أما لو أن رجلاً قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدق بجميع ماله ، وحج دهره ، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله حق في ثواب ، ولا كان من أهل الإيمان» الخبر (1) .
وقال الصادق (ع) : وصل الله طاعة ولي أمره . . . بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله . . . بطاعته ، فمن ترك طاعة ولاة الامر لم يطع الله ولا رسوله (2) .

4 ـ أداء حقهم من الخمس :


قال تعالى : «واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل» (الأنفال : 41) .
وهذا الحق فرض محتم على المسلمين ، شرعه الله عزوجل لاهل البيت عليهم السلام ومن يمت إليهم بشرف القربى والنسب .
وهو حق طبيعي يفرضه العقل والوجدان ، كما يفرضه الشرع . فقد درجت الدول على تكريم موظفيها والعاملين في حقولها ، فتمنحهم راتباً تقاعدياً

(1) سفينة البحار ج 2 ، ص 91 نقل بتصرف .
(2) سفينة البحار ج 2 ، ص 691 .
أخلاق أهل البيت 223

يتقاضوه عند كبر سنهم ، ويورثونه لأبنائهم ، وذلك تقديراً لجهودهم في صالح أممهم وشعوبهم .
وقد فرض الله الخمس لآل محمد وذراريهم ، تكريماً للنبي (ص) ، وتقديراً لجهاده الجبار ، وتضحياته الغالية ، في سبيل أمته ، وتنزيهاً لآله عن الصدقة والزكاة .
وقد أوضح أمير المؤمنين (ع) مفهوم ذي القربى ، فقال : نحن والله الذين عني بذي القربى ، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه ، فقال : «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين» (الحشر : 7) منا خاصة ، لأنه لم يجعل لنا سهماً في الصدقة ، وأكرم الله نبيه ، وأكرمنا أن يطمعنا أوساخ ما في أيدي الناس (1) .
وعن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر (ع) : أصلحك الله ، ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال : من أكل مال اليتيم درهماً ، ونحن اليتيم (2) .
وقد دار الجدل والنقاش بين الإمامية وغيرهم ، حول مفهوم الغنيمة ، أهي مختصة بغنائم الحرب ، أم عامة لجميع الفوائد والمنافع ؟ وتحقيق ذلك يخرج هذا الكتاب عن موضوعه الأخلاقي ، ولكن مرجع ذلك المصادر الفقهية .

5 ـ الإحسان إلى ذريتهم :


من دلائل مودة الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، ومقتضيات ولائهم ، والوفاء لهم . . . رعاية ذراريهم ، والبر بهم ، والإحسان إليهم . وهم جديرون بذلك ، لشرف انتمائهم إلى رسول الله (ص) ، وانحدارهم من سلالة أبنائه المعصومين عليهم السلام .
وقد اعرب النبي (ص) عن اغتباطه وحبه لمبجليهم ومكرميهم ، كما أوضح استنكاره وسخطه على مؤذيهم والمسيئين إليهم .

(1) الوافي ج 6 ، ص 38 ، عن الكافي .
(2) البحار م 20 ، ص 48 ، عن كمال الدين للصدوق ، وتفسير العياشي .
أخلاق أهل البيت 224

فعن الرضا عن آبائه عن علي (ع) ، قال : قال رسول الله (ص) : أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريتي من بعدي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم ، والمحب لهم بقلبه ولسانه (1) .
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : إذا قمت المقام المحمود ، تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي ، فيشفعني الله فيهم . والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي (2) .

6 ـ مدحهم ونشر فضائلهم :


طبع النبلاء على تقدير العظماء والمجلين في ميادين الفضائل والمكرمات ، فيطرونهم بما يستحقونه من المدح والثناء ، تكريماً لهم وتخليداً لمآثرهم .
وحيث كان الأئمة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً ، وأجمعهم للفضائل ، وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد ، استحقوا من مواليهم ومحبيهم أن يعربوا عما ينطوون عليه من عواطف الحب والولاء ، وبواعث الإعجاب والإكبار ، وذلك بمدحهم ، ونشر فضائلهم ، والإشادة بمآثرهم الخالدة ، تكريماً لهم ، وتقديراً لجهادهم الجبار ، وتضحياتهم الغالية في خدمة الإسلام والمسلمين .
وناهيك في فضلهم أنهم كانوا غياث المسلمين ، وملاذهم في كل خطب ، لا يألون جهداً في إنقاذهم ، وتحريرهم من سطوة الطغاة والجائرين ، وإمدادهم بأسمى مفاهيم العزة والكرامة ، ما وسعهم ذلك حتى استشهدوا في سبيل تلك الغاية السامية .
والناس ازاء أهل البيت ، فريقان :
فريق حاقد مبغض ، ينكر فضائلهم ومثلهم الرفيعة ، ويتعامى عنها ، رغم جمالها وإشراقها ، فهو كما قال الشاعر :
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلالا

(1) البحار م 20 ، ص57، عن عيون أخبار الرضا (ع) .
(2) البحار م 20 ، ص57 ، عن أمالي الصدوق .
أخلاق أهل البيت 225

وفريق واله بحبهم وولائهم ، شغوف بمناقبهم ، طروب لسماعها ، ويلهج بترديدها والتنويه عنها ، وإن عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال . وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (ع) بقوله :
«لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن أحبني ، وذلك أنه قضى فانقصنى على لسان النبي الأمي (ص) ، أنه قال : يا علي لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق» .
من أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم ، والمتمسكون بولائهم ، يتبارون في مدحهم ، ونشر مناقبهم ، معربين عن حبهم الصادق وولائهم الأصيل ، دونما طلب جزاء ونوال .
وكان الأئمة عليهم السلام ، يستقبلون مادحيهم بكل حفاوة وترحاب ، شاكرين لهم عواطفهم الفياضة ، وأناشيدهم العذبة ، ويكافئونهم عليها بما وسعت أيديهم من البر والنوال ، والدعاء لهم بالغفران ، وجزيل الأجر والثواب .
فقد جاء في (خزانة الأدب) : حكى «صاعد» مولى الكميت ، قال : دخلت مع الكميت على علي بن الحسين (ع) فقال : إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلة عند رسول الله (ص) ، ثم أنشده قصيدته التي أولها :
من لقلب متيم مستهام غير ما صبوة ولا أحلام

فلما أتى على آخرها ، قال له : ثوابك نعجز عنه ، ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك ، اللهم اغفر للكميت . ثم قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمائة ألف درهم ، وقال له : خذ يا أبا المستهل . فقال له : لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي ، ولكن إن أحببت أن تحسن إلي فادفع إلي بعض ثيابك أتبرك بها ، فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلها ، ثم قال : اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضن الناس ، وأظهر ما كتمه غيره من الحق ، فأحيه سعيداً ، وأمته شهيداً ، وأره الجزاء عاجلاً ، وأجزل له المثوبة آجلاً ، فإنا

أخلاق أهل البيت 226

قد عجزنا عن مكافأته . قال الكميت : ما زلت أعرف بركة دعائه (1) .
وقا دعبل : دخلت على علي بن موسى الرضا (ع) ـ بخراسان ـ فقال لي : أنشدني شيئاً مما أحدثت ، فأنشدته :
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات

حتى انتهيت إلى قولي :
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم أكفاً عن الأوتار منقبضات

فبكى حتى أغمي عليه ، وأومأ إلي خادم كان على رأسه : أن اسكت ، فسكت فمكث ساعة ثم قال لي : أعد . فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً ، فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى ، وأومأ الخادم إلي أن أسكت ، فسكت . فمكث ساعة أخرى ، ثم قال لي : أعد . فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها ، فقال لي : أحسنت ، ثلاث مرات . ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم ، مما ضرب باسمه ، ولم تكن دفعت إلى أحد بعد . وأمر لي من في منزله ، بحلي كثير أخرجه إلي الخادم ، فقدمت العراق ، فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم ، اشتراها مني الشيعة ، فحصل لي مائة ألف درهم ، فكان اول مال اعتقدته .
قال ابن مهرويه : وحدثني حذيفة بن محمد ، أن دعبلاً قال له : إنه استوهب من الرضا (ع) ثوباً قد لبسه ، ليجعله في أكفانه . فخلع جبة كانت عليه ، فأعطاه إياها . فبلغ أهل قم خبرها ، فسألوه ان يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم ، فلم يفعل ، فخرجوا عليه في طريقة ، فأخذوه منه غصباً ، وقالوا له : إن شئت أن تأخذ المال فافعل ، وإلا فأنت أعلم . فقال لهم : إني والله لا أعطيكم إياها طوعاً ، ولا تنفعكم غصباً ، وأشكوكم إلى الرضا (ع) . فصالحوه ، على ان يعطوه الثلاثين ألف درهم وفرد كم من بطانتها ، فرضي بذلك . فأعطوه فرد كم فكان في أكفانه (2) .

(1) الغدير ج 2 ، ص 189 .
(2) الغدير ج 2 ، ص 350 ـ 351 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي