أخلاق أهل البيت 150

وهكذا جاءت النصوص المتواترة في ذمها ، والتحذير منها :
قال رسول الله (ص) : «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه» (1) .
وقال الصادق (ع) : «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه ، وهدم مروته ، ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله عزوجل من ولايته إلى ولاية الشيطان» (2) .
وقال الصادق (ع) : «لا تغتب فتغتب ، ولا تحفر لأخيك حفرة ، فتقع فيها ، فإنك كما تدين تدان» (3) .
وقال الصادق (ع) : «قال رسول الله (ص) : «من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ، ومن عير مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه» (4) .
التصامم عن الغيبة

وجدير بالعاقل أن يترفع عن مجاراة المغتابين ، والاستماع إليهم ، فإن المستمع للغيبة صنو المستغيب ، وشريكه في الإثم .
ولا يعفيه من ذلك إلا أن يستنكر الغيبة بلسانه ، أو يطور الحديث بحديث بريء ، أو النفار من مجلس الاغتياب ، فإن لم يستطيع ذلك كله ، فعليه الإنكار بقلبه ، ليأمن جريرة المشاركة في الاغتياب .
قال بعض الحكماء : «إذا رأيت من يغتاب الناس ، فاجهد جهدك أن لا يعرفك ، فإن أشقى الناس به معارفوه» .
وكما يجب التوقي من استماع الغيبة ، كذلك يجدر حفظ غيبة المؤمن ، والذب عن كرامته ، إذا ما ذكر بالمزريات ، فعن الصادق (ع) قال : قال رسول

(1) البحار م 15 كتاب العشرة ص 177 عن الكافي .
(2) البحار م 15 كتاب العشرة ص 178 عن ثواب الأعمال ومحاسن البرقي وأمالي الصدوق .
(3) البحار م 15 كتاب العشرة ص 185 عن أمالي الصدوق .
(4) البحار م 15 كتاب العشرة ص 188 عن ثواب الأعمال ومحاسن البرقي .
أخلاق أهل البيت 151

الله (ص) : «من رد عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة ألبتة» (1) .
وجدير بالذكر أن حرمة الاغتياب مختصة بمن يعتقد الحق ، فلا تسري إلى غيره من أهل الضلال .

بواعث الغيبة

للغيبة بواعث ودوافع أهمها ما يلي :
1 ـ العداء أو الحسد ، فإنهما أقوى دواعي الاغتياب والتشهير بالمعادي أو المحسود ، نكايةً به ، وتشفياً منه .
2 ـ الهزل ، وهو باعث على ثلب المستغاب ، ومحاكاته إثارة للضحك والمجون .
3 ـ المباهاة : وذلك بذكر مساوئ الغير تشدقاً ومباهاة بالترفع عنها والبراءة منها .
4 ـ المجاراة فكثيراً : ما يندفع المرء على الاغتياب مجاراة للأصدقاء والخلطاء اللاهين بالغيبة ، وخشية من نفرتهم إذا لم يحاورهم في ذلك .

مساوئ الغيبة

من أهم الأهداف والغايات التي حققها الإسلام . وعني بها عناية كبرى ، إتحاد المسلمين وتآزرهم وتآخيهم ، ليكونوا المثل الأعلى في القوة والمنعة ، وسمو الكرامة ، والمجد . وعزز تلك الغاية السامية بما شرعه من نظم وآداب ، لتكون دستوراً خالداً للمسلمين ، فحثهم على ما ينمي الألفة والمودة ويوثق العلائق الاجتماعية ، ويحقق التآخي والتآزر ، كحسن الخلق ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، والاهتمام بشؤون المسلمين ، ورعاية مصالحهم العامة . ونهاهم عن كل ما يعكر صفو القلوب ، ويثير الأحقاد والضغائن الموجبة لتناكر المسلمين ، وتقاطعهم كالكذب ، والغش ، والخيانة ، والسخرية .
وحيث كانت الغيبة عاملاً خطيراً ، ومعولاً هداماً ، في تقويض صرح

(1) البحار م 15 كتاب العشرة ص 188 عن ثواب الأعمال .
أخلاق أهل البيت 152

المجتمع ، وإفساد علاقاته الوثيقة ، فقد حرمها الشرع الإسلامي ، وعدها من كبائر الآثام .
فمن مساوئها : أنها تبذر سموم البغض والفرقة في صفوف المسلمين ، فتعكر صفو المحبة ، وتفصم عرى الصداقة ، وتقطع وشائج القرابة .
وذلك بأن الغيبة قد تبلغ المغتاب ، وتستثير حنقه على المستغيب ، فيثأر منه ، ويبادله الذم والقدح ، وطالما آثارت الفتن الخطيرة ، والمآسي المحزنة .
هذا إلى مساوئها وآثامها الروحية التي أوضحها الآثار ، حيث صرحت أن الغيبة تنقل حسنات المستغيب يوم القيامة إلى المستغاب ، فإن لم يكن له حسنات طرح عليه من سيئات المستغاب ، كما جاء عن النبي (ص) أنه قال : «يؤتى بأحدكم يوم القيامة ، فيوقف بين يدي الله تعالى ، ويدفع إليه كتابه ، فلا يرى حسناته ، فيقول : إلهي ليس هذا كتابي فإني لا أرى فيه طاعتي . فيقول له : إن ربك لا يضل ولا ينسى ، ذهب عملك باغتياب الناس .
ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه ن فيرى فيه طاعات كثيرة ، فيقول : إلهي ما هذا كتابي ، فإني ما عملت هذه الطاعات ،فيقول له : إن فلاناً اغتابك فدفعت حسناته إليك» (1) .

مسوغات الغيبة

الغيبة المحرمة هي ما قصد بها استنقاص المؤمن وإذلاله ، فإن لم يقصد بها ذلك ، وتوقف عليها غرض وجيه ، فلا حرمة فيها . وإليك ما ذكره العلماء من الموارد المسوغة للغيبة :
1 ـ شكاية المتظلم لإحقاق حقه عند الحاكم ، فيصبح نسبة الجناية والظلم إلى الغير في هذه الحالة .
2 ـ نصح المستثير في أمر ما كالتزويج والأمانة ، فيحق للمستشار أن يذكر مثالب المسؤول عنه .

(1) جامع السعادات ج 2 ص 301 .
أخلاق أهل البيت 153

ويصح كذلك تحذير المؤمن من صحبة فاسق أو مضل ، بذكر مساوئهما من الفسق والضلال ، صيانة له من شرهما وإضلالهما ، ويصح جرح الشاهد إذ ما سئل عنه .
3 ـ رد من أدعى نسباً مزوراً .
4 ـ القدح في مقالة فاسدة ، أو إدعاء باطل شرعاً .
5 ـ الشهادة على مقترفي الجرائم والمحارم .
6 ـ ضرورة التعريف : وذلك بذكر الألقاب المقيتة ، التي يتوقف عليها تعريف أصحابها ، كالأعمش والأعرج ونحوهما .
7 ـ النهي عن المنكر : وذلك بذكر مساوئ شخص عند من يستطيع إصلاحه ونهيه عنها .
8 ـ غيبة المتجاهر بالفسق كشرب الخمر ، ولعب القمار ، بشرط الاقتصار على ما يتجاهر به ، إذ ليس لفاسق غيبة .
ولا بد للمرء أن يستهدف في جميع تلك الموارد السالفة ، الغاية النبيلة ، والقصد السليم ، من بواعث الغيبة ، ويتجنب البواعث غير النبيلة ، كالعداء والحسد ونحوهما .

علاج الغيبة

وذلك باتباع النصائح التالية :
1 ـ تذكر ما عرضناه من مساوئ الغيبة ، وأخطارها الجسيمة ، في دنيا الإنسان وأخراه .
2 ـ الاهتمام بتزكية النفس ، وتجميلها بالخلق الكريم ، وصونها عن معائب الناس ومساوئهم ، بدلاً من اغتيابهم واستنقاصهم .
قيل لمحمد بن الحنفية : من أدبك ؟ قال : «أدبني ربي في نفسي ، فما استحسنته من أولى الألباب والبصيرة تبعتهم به فاستعملته ، وما استقبحت من الجهال اجتنبته وتركته متنفراً ، فأوصلني ذلك إلى كنوز العلم» (1) .

(1) سفينة البحار م 1 ص 324 .
أخلاق أهل البيت 154

3 ـ استبدال الغيبة بالأحاديث الممتعة ، والنوادر الشيقة ، والقصص الهادفة الطريفة .
4 ـ ترويض النفس على صون اللسان ، وكفه عن بوادر الغيبة وقوارصها ، وبذلك تخف نوازع الغيبة وبواعثها العارمة .

كفارة الغيبة

وسبيلها بعد الندم على اقترافها ، والتوبة من آثامها ، التودد إلى المستغاب ، واستبراء الذمة منه ، فإن صفح وعفى ، وإلا كان التودد إليه ، والاعتذار منه ، مكافئاً لسيئة الغيبة .
هذا إذا كان المستغاب حياً ، ولم يثر الاستيهاب منه غضبه وحقده ، فإن خيف ذلك ، أو كان ميتاً أو غائباً ، فاللازم ـ والحالة هذه ـ الأستغفار له ، تكفيراً عن اغتيابه ، فعن أبي عبد الله (ع) قال : «سئل النبي (ص) ما كفارة الأغتياب ؟ قال : تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته» (1) .
قوله (ص) : «كلما ذكرته» أي كلما ذكرت المستغاب بالغيبة .


البهتان

وعلى ذكر الغيبة يحسن الإشارة إلى البهتان : ـ وهو اتهام المؤمن ، والتجني عليه ، بما لم يفعله ، وهو أشد إثماً وأعظم جرماً من الغيبة ، كما قال الله عزوجل : «ومن يكسب خطيئة أو إثماً ، ثم يرم به بريئاً ، فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً» (النساء : 112) .
وقال رسول الله (ص) : «من بهت مؤمناً أو مؤمنة ، أو قال فيه ما ليس فيه ، أقامه الله تعالى يوم القيامة على تل من نار ، حتى يخرج مما قاله فيه» (2) .

(1) البحار م 15 كتاب العشرة ص 184 عن الكافي .
(2) سفينة البحار م 1 ص 110 عن عيون أخبار الرضا (ع) .
أخلاق أهل البيت 155

النميمة

وهي : نقل الأحاديث التي يكره الناس إفشاؤها ونقلها من شخص إلى آخر ، نكاية بالمحكي عنه ووقيعةً به .
والنميمة من أبشع الجرائم الخلقية ، وأخطرها في حياة الفرد والمجتمع ، والنمام ألأم الناس وأخبثهم ، لاتصافه بالغيبة ، والغدر ، والنفاق ، والإفساد بين الناس ، والتفريق بين الأحباء .
لذلك جاء ذ مه ، والتنديد به في الآيات والأخبار :
قال تبارك وتعالى : «ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ، مناع للخير معتد أثيم ، عتل بعد ذلك زنيم» (القلم : 10 ـ 13) .
والزنيم هو الدعي ، فظهر من الآية الكريمة ، أن النميمة من خلال الأدعياء ، وسجايا اللقطاء .
وقال سبحانه : «ويل لكل همزة لمزة» فالهمزة النمام واللمزة المغتاب .
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : «ألا أنبئكم بشراركم . قالوا : بلى يا رسول الله . قال : المشاؤن بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، البالغون للبراء العيب» (1) .
وقال الباقر (ع) : «محرمة الجنة على العيابين المشائين بالنميمة» (2) .
وقال الصادق (ع) للمنصور : «لا تقبل في ذي رحمك ، وأهل الرعاية من أهل بيتك ، قول من حرم الله الجنة ، وجعل مأواه النار ، فإن النمام شاهد زور ، وشريك إبليس في الإغراء بين الناس ، فقد قال الله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات : 6) (3) .

(1) ، (2) الوافي ج 3 ص 164 عن الكافي .
(3) البحار كتاب العشرة ص 190 عن أمالي الصدوق .
أخلاق أهل البيت 156

بواعث النميمة

للنميمة باعثان :
1 ـ هتك المحكي عنه ، والوقيعة به .
2 ـ التودد والتزلف للمحكي له بنم الاحاديث إليه .

مساوئ النميمة

تجمع النميمة بين رذيلتين خطيرتين : الغيبة والنم ، فكل نميمة غيبة ، وليست كل غيبة نميمة ، فمساوئها كالغيبة ، بل أنكى منها وأشد ، لاشتمالها على إذاعة الأسرار ، وهتك المحكي عنه ، والوقيعة فيه ، وقد تسول سفك الدماء ، واستباحة الأموال ، وانتهاك صنوف الحرمات ، وهدر الكرامات .

كيف تعامل النمام

وحيث كان النمام من أخطر المفسدين ، وأشدهم إساءة وشراً للناس ، فلزم الحذر منه ، والتوقي من كيده وإفساده ، وذلك باتباع النصائح الآتية :
1 ـ أن يكذب النمام ، لفسقه وعدم وثاقته ، كما قال تعالى : «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات : 6) .
2 ـ أن لا يظن بأخيه المؤمن سوءاً ، بمجرد النم عليه ، لقوله تعالى : «اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم» (الحجرات : 12) .
3 ـ أن لا تبعثه النميمة على التجسس والتحقق عن واقع النمام ، لقوله تعالى : «ولا تجسسوا» (الحجرات : 12) .
4 ـ أن لا ينم على النمام بحكاية نميمته ، فيكون نماماً ومغتاباً ، في آن واحد .
وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) : «أن رجلاً اتاه يسعى إليه برجل . فقال : هذا نحن نسأل عما قلت ، فإن صادقاً مقتناك ، وإن كنت كاذباً عاقبناك ،

أخلاق أهل البيت 157

وأن شئت نقيلك أقلناك ، قال : أقلني يا أمير المؤمنين» (1) .
وعن محمدبن الفضيل عن أبي الحسن موسى (ع) قال : «قلت له : جعلت فداك ، الرجل من إخوتي يبلغني عنه الشيء الذي أكره له ، فأسأله عنه فينكر ذلك ، وقد أخبرني عنه قوم ثقات . فقال لي : يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة ، وقال لك قولاً فصدقه وكذبهم ، ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به ، وتهدم به مروته ، فتكون من الذين قال الله عزوجل : «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليهم في الدنيا والآخرة» (النور : 19) (2) .

السعاية

ومن متممات بحث النميمة (السعاية) : وهي أقسى صور النميمة ، وأنكاها جريرة وإثماً ، إذ تستهدف دمار المسعى به وهلاكه بالنم عليه ، والسعاية فيه لدى المرهوبين ، من ذوي السلطة والسطوة .
وأكثر ضحايا السعاية هم المرموقون من العظماء والأعلام ، المحسودون على أمجادهم وفضائلهم ، مما يحفز حاسديهم على إذلالهم ، والنكاية بهم ، فلا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً ، فيكيدونه بلؤم السعاية ، إرضاءاً لحسدهم وخبثهم ، بيد أنه قد يبطل كيد السعاة ، وتخفق سعايتهم ، فتعود عليهم بالخزي والعقاب ، وعلى المسعي به بالتبجيل والإعزاز .
لذلك كان الساعي من ألأم الناس ، وأخطرهم جناية وشراً ، كما جاء عن الصادق عن آبائه (ع) عن النبي (ص) قال : «شر الناس المثلث ؟ قيل : يا رسول الله وما المثلث ؟ قال : الذي يسعى بأخيه إلى السلطان ، فيهلك نفسه ، ويهلك أخاه ، ويهلك السلطان» (3) .

(1) سفينة البحار م 2 ص 613 .
(2) البحار م 15 كتاب العشرة ص 188 عن ثواب الأعمال للصدوق .
(3) البحار م 15 كتاب العشرة ص 191 عن كتاب الإمامة والتبصرة .
أخلاق أهل البيت 158

الفحش والسب والقذف

الفحش هو : التعبير عما يقبح التصريح به ، كألفاظ الوقاع وآلاته مما يتلفظ به السفهاء ، ويتحاشاه النبلاء ، ويعبرون عنها بالكناية والرمز كاللمس والمس ، كناية عن الجماع .
وهكذا يكني الأدباء عن ألفاظ ومفاهيم يتفادون التصريح بها لياقة وأدباً ، كالكناية عن الزوجة بالعائلة وأم الأولاد، وعن التبول والتغوط بقضاء الحاجة ، والرمز إلى البرص والقرع بالعارض مثلاً ، إذ التصريح بتلك الألفاظ والمفاهيم مستهجن عند العقلاء والعارفين .
وأما السب فهو : الشتم ، نحو «يا كلب ، يا خنزير ، يا حمار ، يا خائن» وأمثاله من مصاديق الإهانة والتحقير .
وأما القذف : نحو يا منكوح ، أو يا ابن الزانية ، أو يا زوج الزانية ، أو يا أخت الزانية .
وهذه الخصال الثلاث من أبشع مساوئ اللسان ، وغوائله الخطيرة ، التي استنكرها الشرع والعقل ، وحذرت منها الآثار والنصوص .
أما الفحش : فقد قال رسول الله (ص) في ذمه : «إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء ، قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية ، أو شرك شيطان فقيل يا رسول الله وفي الناس شرك الشيطان ؟! فقال رسول الله (ص) : أما تقرأ قول الله تعالى : «وشاركهم في الأموال والأولاد» (الإسراء : 64) (1) .
المراد بمشاركة الشيطان للناس في الأموال دفعهم على كسبها بالوسائل المحرمة ، وإنفاقها في مجالات الغواية والآثام . وأما مشاركته في الأولاد : فبمشاركته الآباء في حال الوقاع إذا لم يسموا الله تعالى عنده ، وولد غية أي ولد زنا .

(1) الوافي ج 3 ص 160 عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 159

وعن أبي عبد الله (ع) قال : «قال رسول الله (ص) : إن من شرار عباد الله من تكره مجالسته لفحشه» (1) .
وقال الصادق (ع) : «من خاف الناس لسانه فهو في النار» (2) .
وقال (ع) لنفر من الشيعة : «معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ، ولا تكونوا علينا شيناً ، قولوا للناس حسناً ، واحفظوا ألسنتكم ، وكفوها عن الفضول وقبيح القول» (3) .
وأما السب : فعن أبي جعفر (ع) قال : «قال رسول الله (ص) : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، واكل لحمه معصية ، وحرمة مال كحرمة دمه» (4) .
وعن أبي الحسن موسى (ع) في رجلين يتسابان فقال : «البادئ منهما أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ، ما لم يتعد المظلوم» (5) .
وأما القذف : فقد قال الباقر (ع) : «ما من إنسان يطعن في مؤمن ، إلا مات بشر ميتة ، وكان قمنا أن لا يرجع إلى خير» (6) .
وكان للإمام الصاق (ع) صديق لا يكاد يفارقه إذ ذهب مكاناً ، فبينما هو يمشي معه في الحذائين ، ومعه غلام سندي يمشي خلفهما ، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره ، فلما نظر في الرابعة قال : يابن الفاعلة أين كنت ؟!
قال الراوي : فرفع الصادق يده فصلت بها جبهة نفسه ، ثم قال : سبحان الله تقذف أمه !! قد كنت أريتني أن لك ورعً ، فإذا ليس لك ورع . فقال : جعلت فداك إن أمه سندية مشركة . فقال : أما علمت أن لكل أمة نكاحاً ، تنح عني .
قال الراوي : فما رأيته يمشي معه ، حتى فرق بينهما الموت» (7) .

(1) ، (2) الوافي ج 3 ص 160 عن الكافي .
(3) البحار م 15 ج 2 ص 192 عن أمالي الشيخ الصدوق وأمالي ابن الشيخ الطوسي .
(4) الوافي ج 3 ص 160 عن الكافي والفقيه .
(5) ، (6) الوافي ج 2 ص 160 عن الكافي .
(7) الوافي ج 3 ص 161 عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 160

بواعث البذاء

من الواضح أن تلك المهاترات والقوارص ، تنشأ غالباً عن العداء ، أو الحسد ، أو الغضب ، وسوء الخلق ، وكثيراً ما تنشأ عن فساد التربية ، وسوء الأدب ، باعتياد البذاء وعدم التحرج من آثامه ومساوئه .

مساوئ المهاترات

لا ريب أن لتلك المهاترات من الفحش ، والسب ، والقذف ، أضراراً خطيرة وآثاماً فادحة :
فمن مساوئها : أنها تجرد الإنسان من خصائص الإنسانية المهذبة ، وأخلاقها الكريمة ، وتسمه بالسفالة والوحشية .
ومنها : أنها داعية العداء والبغضاء ، وإفساد العلاقات الاجتماعية ، وإيجابها المقت والمجافاة من أفراد المجتمع .
ومنها : أنها تعرض ذويها لسخط الله تعالى وعقابه الأليم ، كما صورته النصوص السالفة .
لذلك جاء التحريض على رعاية اللسان ، وصونه عن قوارص البذاء .
قال أمير المؤمنين (ع) : «اللسان سبع إن خلي عنه عقر» .
وستأتي النصوص المشعرة بذلك في بحث الكلم الطيب .


السخرية

وهي : محاكاة أقوال الناس ، أو أفعالهم ، أو صفاتهم على سبيل استقاصهم ، والضحك عليهم ، بألوان المحاكاة القولية والفعلية .
وقد حرمها الشرع لإيجابها العداء ، وإثارة البغضاء ، وإفساد العلاقات الودية بين أفراد المسلمين .
وكيف يجرأ المرء على السخرية بالمؤمن ؟! واستنقاصه ، وإعابته ، وكل فرد سوى المعصوم ، لا يخلو من معائب ونقائص ، ولا يأمن أن تجعله عوادي الزمن

أخلاق أهل البيت 161

يوماً ما هدفاً للسخرية والإزدراء .
لذلك ندر القرآن الكريم بالسخرية وحذر منها :
فقال تعالى : «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ، ولا نساء عسى أن يكن خيراً منهم ، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الفسوق بعد الإيمان ، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون» (الحجرات : 11) .
وقال تعالى : «إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ، وإذا مروا بهم يتغامزون ، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ، وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون» (المطففين : 29 ـ 32) .
وقال الصادق (ع) : «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه ، وهدم مروته ، ليسقط من أعين الناس ، أخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان ، فلا يقبله الشيطان» (1) .
وعنه (ع) قال : «قال رسول الله (ص) : «لا تطلبوا عثرات المؤمنين ، فإنه من تتبع عثرات المؤمنين تتبع الله عثراته ،ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته» (2) .
فجدير بالعاقل أن ينبذ السخرية تحرجاً من آثامها وتوقياً من غوائلها ، وأن يقدر الناس على حسب إيمانهم وصلاحهم ، وحسن طويتهم غاضاً من نقائصهم وعيوبهم ، كما جاء في الخبر : «إن الله تعالى أخفى أولياءه في عباده ، فلا تستصغرن عبداً من عباد الله ، فربما كان وليه وأنت لا تعلم» .


الكلم الطيب

من استقرأ أحداث المشاكل الاجتماعية ، والأزمات المعكرة لصفو المجتمع ، علم أن منشأها في الأغلب بوادر اللسان ، وتبادل المهاترات الباعثة على توتر العلائق الاجتماعية ، وإثارة الضغائن والأحقاد بين أفراد المجتمع .

(1) ، (2) الوافي ج 3 ص 163 عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 162

من أجل ذلك كان صون اللسان عن تلك القوارص والمباذل ، وتعويده على الكلم الطيب ، والحديث المهذب النبيل ، ضرورة حازمة يفرضها أدب الكلام وتقتضيها مصلحة الفرد والمجتمع .
فطيب الحديث ، وحسن المقال ، من سمات النبل والكمال ، ودواعي التقدير والإعزاز ، وعوامل الظفر والنجاح .
وقد دعت الشريعة الإسلامية إلى التحلي بأدب الحديث ، وطيب القول ، بصنوف الآيات والأخبار ، وركزت على ذلك تركيزاً متواصلاً إشاعة للسلام الاجتماعي ، وتعزيزاً لأواصر المجتمع .
قال تعالى : «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ، إن الشيطان ينزغ بينهم ، إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً» (الإسراء : 53) .
وقال سبحانه : «وقولوا للناس حسناً» (البقرة : 83) .
وقال عزوجل : «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت : 34) .
وقال تعالى : «واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير» (لقمان : 19) .
وقال تعالى : «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبكم» (الأحزاب : 70 ـ 71) .
وقال رجل لأبي الحسن (ع) : «أوصني . فقال : «احفظ لسانك تعز ، ولا تمكن الناس من قيادك فتذل رقبتك» (1) .
وجاء رجل إلى النبي (ص) فقال : يا رسول الله أوصني . قال : «احفظ لسانك . قال : يا رسول الله أوصني . قال : احفظ لسانك . قال : يا رسول الله أوصني . قال : احفظ لسانك ، ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم !!» (2) .

(1) الوافي ج 3 ص 84 عن الكافي .
(2) الوافي ج 3 ص 85 عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 163

وقال الصادق (ع) لعباد بن كثير البصري الصوفي «ويحك يا عباد ، غرك أن عن بطنك وفرجك ، إن الله تعالى يقول في كتابه : «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم (الأحزاب : 70 ـ 71) . إنه لا يتقبل الله منك شيئاً . حتى تقول قولاً عدلاً» (1) .
وقال علي بن الحسين (ع) : «القول الحسن يثري المال ، وينمي الرزق ، وينسئ في الأجل ، ويحبب إلى الأهل ، ويدخل الجنة» (2) .
وينسب للصادق (ع) هذا البيت :
عود لسانك قول الخير تحظ به إن اللسان لما عودت معتاد

وعن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : «رحم الله عبداً قال خيراً فغنم ، أو سكت عن سوء فسلم» (3) .
ونستجلي من تلك النصوص الموجهة ضرورة التمسك بأدب الحديث ، وصون اللسان عن البذاء ، وتعويده على الكلم الطيب ، والقول الحسن .
فللكلام العفيف النبيل حلاوته ووقعه في نفوس الأصدقاء والأعداء معاً ، ففي الأصدقاء ينمي الحب ، ويستديم الود ، ويمنع نزغ الشيطان ، في إفساد علائق الصداقة والمودة .
وفي الأعداء يلطف مشاعر العداء ، ويخفف من إساءتهم وكيدهم .
لذلك نجد العظماء يرتاضون على ضبط ألسنتهم ، وصيانتهم من العثرات والفلتات .
فقد قيل أنه اجتمع أربعة ملوك فتكلموا :
فقال ملك الفرس : ما ندمت على ما لم أقل مرة ، وندمت على ما قلت مراراً .

(1) الوافي ج 3 ص 85 عن الكافي .
(2) البحار م 15 ج 2 ص 192 عن الخصال وآمالي الصدوق .
(3) البحار م 15 ج 2 ص 188 عن كتاب الإمامة والتبصرة .

السابق السابق الفهرس التالي التالي