أخلاق أهل البيت 34

فيستنتج من ذلك : ان الغضب المذموم ما افرط فيه الانسان ، وخرج به عن الاعتدال ، متحدياً ضوابط العقل والشرع . اما المعتدل فهو كما عرفت ، من الفضائل المشرفة ، التي تعزز الانسان ، وترفع معنوياته ، كالغضب على المنكرات ، والتنمر في ذات الله تعالى .
علاج الغضب

عرفنا من مطاوي هذا البحث ، طرفاً من بواعث الغضب ومساوئه وآثامه ، والان اود ان اعرض وصفة علاجية لهذا الخلق الخطير ، وهي مؤلفة من عناصر الحكمة النفسية ، والتوجيه الخلقي ، عسى ان يجد فيها صرعى الغضب ما يساعدهم على مكافحته وعلاجه .
واليك العناصر الاتية :
(1) ـ اذا كان منشأ الغضب اعتلالاً صحياً ، او هبوطاً عصبياً كالمرضى والشيوخ ونحاف البنية ، فعلاجهم ـ والحالة هذه ـ بالوسائل الطبية ، وتقوية صحتهم العامة ، وتوفير دواعي الراحة النفسية والجسمية لهم ، كتنظيم الغذاء ، والتزام النظافة ، وممارسة الرياضة الملائمة ، واستنشاق الهواء الطلق ، وتعاطي الاسترخاء العضلي بالتمدد على الفراش .
كل ذلك مع الابتعاد والاجتناب عن مرهقات النفس والجسم ، كالاجهاد الفكري ، والسهر المضني ، والاستسلام للكآبة ، ونحو ذلك من دواعي التهيج .
(2) ـ لا يحدث الغضب عفواً ، وانما ينشأ عن اسباب تستثيره ، اهمها المغالاة في الانانية . الجدل والمراء ، والاستهزاء والتعيير ، المزاح الجارح . وعلاجه في هذه الصور باجتناب اسبابه ، والابتعاد عن مثيراته جهد المستطاع .
(3) ـ تذكر مساوىء الغضب واخطاره وآثامه ، وانها تحيق بالغاضب وتضر به اكثر من المغضوب عليه ، فرب امر تافه اثار غضبة عارمة ، اودت بصحة الانسان وسعادته .
يقول بعض باحثي علم النفس : دع محاولة الاقتصاص من اعدائك ، فانك بمحاولتك هذه تؤذي نفسك اكثر مما تؤذيهم ... اننا حين نمقت اعداءنا

أخلاق أهل البيت 35

نتيح لهم فرصة الغلبة علينا ، وان اعداءنا ليرقصون طرباً لو علموا كم يسببوا لنا من القلق وكم يقتصوا منا ، ان مقتنا لا يؤذيهم ، وانما يؤذينا نحن ، ويحيل ايامنا وليالينا الى جحيم (1) .
وهكذا يجدر تذكر فضائل الحلم ، وآثاره الجليلة ، وانه باعث على اعجاب الناس وثنائهم ، وكسب عواطفهم .
وخير محفز على الحلم قول الله عز وجل : «ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم»

(فصلت : 34 ـ 35) .

(4) ـ ان سطوة الغضب ودوافعه الاجرامية ، تعرض الغاضب لسخط الله تعالى وعقابه ، وربما عرضته لسطوة من اغضبه واقتصاصه منه في نفسه او ماله او عزيز عليه ، قال الصادق (ع) : «اوحى الله تعالى الى بعض انبيائه : ابن آدم اذكرني في غضبك اذكرك في غضبي ، لا امحقك فيمن امحق ، وارض بي منتصراً ، فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك» (2) .
(5) ـ من الخير للغاضب ارجاء نزوات الغضب وبوادره ، ريثما تخف سورته ، والتروي في اقواله عند احتدام الغضب ، فذلك مما يخفف حدة التوتر والتهيج ، ويعيده الى الرشد والصواب ، ولا ينال ذلك الا بضبط النفس ، والسيطرة على الاعصاب .
قال أمير المؤمنين (ع) : «ان لم تكن حليماً فتحلم ، فانه قل من تشبه بقوم الا اوشك ان يكون منهم» (3) .
(6) ـ ومن علاج الغضب : الاستعاذة من الشيطان الرجيم ، وجلوس الغاضب اذا كان قائماً ، واضطجاعه ان كان جالساً ، والوضوء او الغسل بالماء البارد ، ومس يد الرحم ان كان مغضوبا عليه ، فانه من مهدئات الغضب .

(1) دع القلق وابدأ الحياة .
(2) الكافي .
(3) نهج البلاغة .
أخلاق أهل البيت 36

التواضع

وهو : احترام الناس حسب اقدارهم ، وعدم الترفع عليهم :
وهو خلق كريم ، وخلة جذابة ، تستهوي القلوب ، وتستثير الاعجاب والتقدير ، وناهيك في فضله ان الله تعالى امر حبيبه ، وسيد رسله (ص) بالتواضع ، فقال تعالى : «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين»

(الشعراء : 215)

وقد اشاد اهل البيت عليهم السلام بشرف هذا الخلق ، وشوقوا اليه بأقوالهم الحكيمة ، وسيرتهم المثالية ، وكانوا رواد الفضائل ، ومنار الخلق الرفيع .
قال الصادق (ع) : «ان في السماء ملكين موكلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبر وضعاه» (1) .
وقال النبي (ص) : «ان احبكم الي ، واقربكم مني يوم القيامة مجلساً ، احسنكم خلقا ، واشدكم تواضعا ، وان ابعدكم مني يوم القيامة ، الثرثارون وهم المستكبرون» (2) .
وقال أمير المؤمنين (ع) : «ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء ، طلبا لما عند الله ، واحسن منه تيه الفقراء على الاغنياء اتكالا على الله» (3) .
وقال الصادق (ع) : «من التواضع ان ترضى بالمجلس دون المجلس ، وان تسلم على من تلقى ، وان تترك المراء وان كنت محقاً . ولا تحب ان تحمد على التقوى» (4) .
وجدير بالذكر ان التواضع الممدوح ، وهو المتسم بالقصد والاعتدال الذي لا افراط فيه ولا تفريط ، فالاسراف في التواضع داع الى الخسة والمهانة والتفريط فيه باعث على الكبر والانانية .

(1) الكافي .
(2) كتاب قرب الاسناد ، وقريب من هذا الخبر ما في علل الشرائع للشيخ الصدوق .
(3) نهج البلاغة .
(4) الكافي .
أخلاق أهل البيت 37

وعلى العاقل ان يختار النهج الاوسط ، المبرأ من الخسة والانانية ، وذلك : باعطاء كل فرد ما يستحقه من الحفاوة والتقدير ، حسب منزلته ومؤهلاته.
لذلك لا يحسن التواضع للأنانيين والمتعالين على الناس بزهوهم وصلفهم ، ان التواضع والحالة هذه مدعاة للذل والهوان ، وتشجيع لهم على الانانية والكبر ، كما يقول المتنبي :
اذا أنت اكرمت الكريم ملكته وان أنت اكرمت اللئيم تمردا

ومما قيل في التواضع قول المعري :
يا والي المصر لا تظلمـن فكم جاء مثلك ثم انصرف
تواضع اذا ما رزقت العلا فذلك مما يزيـد الشـرف

وفي المثل :
تواضع الرجل في مرتبته ، ذب للشماتة عند سقطته . وقال الطغرائي :
ذرينـي على اخلاقي الشوس اننـي عـليم بابـرام العزائـم والنقــض
ازيـد اذا ايسرت فضـل تواضـع ويزهى اذا اعسرت بعضي على بعضي
فـذلك عند اليسـر اكسـب للثنـا وهـذاك عند العسر اصون للعـرض
ارى الغصن يعرى وهو يسمو بنفسه ويـوقر حملاً حين يدنو مـن الارض

واليك طرفاً من فضائل اهل البيت ، وتواضعهم المثالي الفريد :
كان النبي (ص) اشد الناس تواضعا ، وكان اذا دخل منزلا قعد في ادنى المجلس حين يدخل ، وكان في بيته في مهنة اهله ، يحلب شاته ، ويرقع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويخدم نفسه ، ويحمل بضاعته من السوق ، ويجالس الفقراء ، ويواكل المساكين .
وكان (ص) اذا ساره احد ، لا ينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه ، وما اخذ احد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الاخر ، وما قعد اليه رجل قط فقام (ص) حتى يقوم ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ، ويبادىء اصحابه بالمصافحة ، ولم ير قط ماداً رجليه بين اصحابه ، يكرم من يدخل عليه ، وربما

أخلاق أهل البيت 38

بسط له ثوبه ، ويؤثره بالوسادة التي تحته ، ويكني اصحابه ويدعوهم بأحب اسمائهم تكرمةً لهم ، ولا يقطع على احد حديثه ، وكان يقسم لحظاته بين اصحابه ، وكان اكثر الناس تبسماً ، واطيبهم نفساً (1) .
وعن ابي الغفاري : كان رسول الله (ص) يجلس بين ظهراني اصحابه ، فيجيء الغريب فلا يدري ايهم هو حتى يسأل ، فطلبنا اليه ان يجعل مجلساً يعرفه الغريب اذا اتاه ، فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها ، ونجلس بجانبه .
وروي انه (ص) كان في سفر ، فأمر باصلاح شاة ، فقال رجل : يارسول الله علي ذبحها ، وقال آخر : علي سلخها ، وقال آخر : علي طبخها ، فقال (ص) : وعلي جمع الحطب . فقالوا : يا رسول الله نحن نكفيك . فقال : قد علمت انكم تكفوني ، ولكن اكره ان اتميز عليكم ، فان الله يكره من عبده ان يراه متميزا بين اصحابه ، وقام فجمع الحطب (2) .
وروي انه خرج رسول الله (ص) الى بئر يغتسل ، فأمسك حذيفة بن اليمان بالثوب على رسول الله وستره به حتى اغتسل ، ثم جلس حذيفة ليغتسل ، فتناول رسول الله (ص) الثوب ، وقام يستر حذيفة ، فأبى حذيفة ، وقال : بأبي وامي انت يا رسول الله لا تفعل ، فأبى رسول الله الا ان يستره بالثوب حتى اغتسل ، وقال : ما اصطحب اثنان قط ، الا وكان احبهما الى الله ارفقهما بصاحبه (3) .
وهكذا كان امير المؤمنين (ع) في سمو اخلاقه وتواضعه ، قال ضرار وهو يصفه (ع) :
«كان فينا كأحدنا ، يدنينا اذا اتيناه ، ويجيبنا اذا سألناه ، ويأتينا اذا دعوناه ، وينبئنا اذا استنبأناه ، ونحن والله مع تقريبه ايانا ، وقربه منا ، لا نكاد نكلمه هيبة له ، فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم اهل الدين ، ويقرب المساكين ، لا

(1) سفينة البحار المجلد الاول ص 415 بتصرف وتلخيص .
(2) سفينة البحار ج 1 ص 415 .
(3) سفنية البحار ج 1 ص 416 .
أخلاق أهل البيت 39

يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله» .
وقال الصادق (ع) : «خرج أمير المؤمنين (ع) راكباً على اصحابه ، فمشوا خلفه ، فالتفت اليهم فقال : لكم حاجة ؟ فقالوا : لا يا أمير المؤمنين ، ولكنا نحب ان نمشي معك . فقال لهم : انصرفوا ، فان مشي الماشي مع الراكب ، مفسدة للراكب ، ومذلة للماشي» (1) .
وهكذا يقص الرواة طرفاً ممتعاً رائعاً من تواضع الائمة الهداة عليهم السلام ، وكريم اخلاقهم .
فمن تواضع الحسين (ع) : انه مر بمساكين وهم يأكلون كسراً لهم على كساء ، فسلم عليهم ، فدعوه الى طعامهم ، فجلس معهم وقال : لولا انه صدقة لاكلت معكم . ثم قال : قوموا الى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وامر لهم بدراهم (2) .
ومن تواضع الرضا (ع) :
قال الراوي : كنت مع الرضا عليه السلام في سفره الى خراسان ، فدعا يوماً بمائدة ، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم ، فقلت : جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة . فقال : مه ، ان الرب تبارك وتعالى واحد ، والام واحدة ، والاب واحد ، والجزاء بالاعمال (3) .


التكبر

وهو حالة تدعو الى الاعجاب بالنفس ، والتعاظم على الغير ، بالقول او الفعل ، وهو : من اخطر الامراض الخلقية ، واشدها فتكاً بالانسان ، وادعاها الى مقت الناس له وازدرائهم به ، ونفرتهم منه .
لذلك تواتر ذمه في الكتاب والسنة :

(1) محاسن البرقي .
(2) مناقب ابن شهر اشوب .
(3) الكافي .
أخلاق أهل البيت 40

قال تعالى : «ولا تصعر خدك للناس ، ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور» .

(لقمان : 18)

وقال تعالى :«ولا تمش في الارض مرحاً انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا».

(الاسراء : 37)

وقال تعالى :«انه لا يحب المستكبرين» .

(النحل : 23)

وقال تعالى : «اليس في جهنم مثوى للمتكبرين» .

(الزمر : 60)

وقال الصادق (ع) : «ان في السماء ملكين موكلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبر وضعاه» (1) .
وقال (ع) : «ما من رجل تكبر او تجبر ، الا لذلة وجدها في نفسه» (2) .
وقال النبي (ص) : «ان احبكم الي ، واقربكم مني ، يوم القيامة مجلساً ، احسنكم خلقاً ، واشدكم تواضعاً ، وان ابعدكم مني يوم القيامة ، الثرثارون ، وهم المستكبرون» (3) .
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : «مر رسو ل الله (ص) على جماعة فقال : على ما اجتمعتم ؟ فقالوا : يا رسول الله هذا مجنون يصرع ، فاجتمعنا عليه . فقال : ليس هذا بمجنون ، ولكنه المبتلى . ثم قال : الا اخبركم بالمجنون حق المجنون ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «المتبختر في مشيه ، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، يتمنى على الله جنته ، وهو يعصيه ، الذي لايؤمن شره ، ولا يرجى خيره ، فذلك المجنون وهذا المبتلى» (4) .
وقال أمير المؤمنين (ع) في خطبة له : «فاعتبروا بما كان من فعل الله بابليس ، اذ احبط عمله الطويل ، وجهده الجهيد ؟ وكان قد عبد الله ستة الآف

(1) الوافي ج 3 ص 87 عن الكافي .
(2) الوافي ج 3 ص 150 عن الكافي .
(3) البحار مج 15 ج 2 ص 209 ، عن قرب الاسناد ، وقريب منه في علل الشرائع للصدوق (ره) .
(4) البحار م (15) ج 3 ص 125 عن الخصال للصدوق .
أخلاق أهل البيت 41

سنة ، لا يدري امن سني الدنيا ، ام من سني الاخرة ، عن كبر ساعة واحدة ، فمن بعد ابليس يسلم على الله بمثل معصيته ، كلا ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر اخرج منها ملكا ، واستيعذوا بالله من لواقح الكبر ، كما تسيعيذون من طوارق الدهر ، فلو رخص الله في الكبر لاحد من عباده لرخص فيه لخاصة انبيائه ورسله ، ولكنه سبحانه كره اليهم التكابر ، ورضي لهم التواضع» (1) .
وعن الصادق عن ابيه عن جده عليهم السلام قال : «وقع بين سلمان الفارسي وبين رجل كلام وخصومة فقال له الرجل : من انت يا سلمان ؟ فقال سلمان : اما اولي واولك فنطفة قذرة ، واما آخري وآخرك فجيفة منتنة ، فاذا كان يوم القيامة ، ووضعت الموازين ، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ، ومن خفت موازينه فهو اللئيم» (2) .
وعن الصادق (ع) قال : «جاء رجل موسر الى رسول الله (ص) نقي الثوب ، فجلس الى رسول الله ، فجاء رجل معسر ، درن الثوب ، فجلس الى جنب الموسر ، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه ، فقال له رسول الله (ص) : اخفت ان يمسك من فقره شيء ؟ قال : لا . قال : فخفت ان يوسخ ثيابك ؟ قال : لا . قال : فما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله ان لي قرينا يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن ، وقد جعلت له نصف مالي . فقال رسول الله (ص) للمعسر : اتقبل ؟ قال : لا . فقال له الرجل : لم ؟ قال : اخاف ان يدخلني ما دخلك» .

مساوىء التكبر

من الواضح ان التكبر من الامراض الاخلاقية الخطيرة ، الشائعة في الاوساط الاجتماعية ، التي سرت عدواها ، وطغت مضاعفاتها على المجتمع ، وغدا يعاني مساوئها الجمة .
فمن مساويء التكبر وآثاره السيئة في حياة الفرد :

(1) نهج البلاغة .
(2) البحار م 15 ج 3 ص 124 عن امالي الصدوق .
أخلاق أهل البيت 42

انه متى استبد بالانسان ، احاط نفسه بهالة من الزهور والخيلاء ، وجن بحب الانانية والظهور ، فلا يسعده الا الملق المزيف ، والثناء الكاذب ، فيتعامى آنذاك عن نقائصه وعيوبه ، ولا يهتم بتهذيب نفسه ، وتلافي نقائصه ، ما يجعله هدفا لسهام النقد ، وعرضة للمقت والازدراء .
هذا الى ان المتكبر اشد الناس عتواً وامتناعاً عن الحق والعدل ، ومقتنضيات الشرائع والاديان .
ومن مساويء التكبر الاجتماعية :
انه يشيع في المجتمع روح الحقد والبغضاء ، ويعكر صفو العلاقات الاجتماعية ، فلا يسيىء الناس ويستثير سخطهم ومقتهم ، كما يستثير المتكبر الذي يتعالى عليهم بصلفه وانانيته .
ان الغطرسة داء يشقي الانسان ، ويجعله منبوذا يعاني العزل والوحشة ، ويشقي كذلك المرتبطين به بصنوف الروابط والعلاقات .

بواعث التكبر

الاخلاق البشرية كريمة كانت او ذميمة ، هي انعكاسات النفس على صاحبها ، وفيض نبعها ، فهي تشرق وتظلم ، ويحلو فيضها ويمر تبعا لطيبة النفس او لؤمها ، استقامتها او انحرافها ، وما من خلق ذميم الا وله سبب من اسباب لؤم النفس او انحرافها .
فمن اسباب التكبر : مغالاة الانسان في تقييم نفسه ، وتثمين مزاياها وفضائلها ، والافراط في الاعجاب والزهو بها ، فلا يتكبر المتكبر الا اذا آنس من نفسه علماً وافراً ، او منصباً رفيعاً ، او ثراءاً ضخماً ، او جاهاً عريضاً ، ونحو ذلك من مثيرات الانانية والتكبر .
وقد ينشأ التكبر من بواعث العداء او الحسد او المباهاة ، مما يدفع المتصفين بهذه الخلال على تحدي الاماثل والنبلاء ، وبخس كراماتهم والتطاول عليهم ، بصنوف الازدراءات الفعلية او القولية ، كما يتجلى ذلك في تصرفات المتنافسين والمتحاسدين في المحافل والندوات .

أخلاق أهل البيت 43

درجات التكبر

وهكذا تتفاوت درجات التكبر وابعاده بتفاوت اعراضه شدة وضعفاً .
فالدرجة الاولى : وهي التي كمن التكبر في صاحبها ، فعالجه بالتواضع ، ولم تظهر عليه اعراضه ومساوئه .
والدرجة الثانية : وهي التي نما التكبر فيها ، وتجلت اعراضه بالاستعلاء على الناس ، والتقدم عليهم في المحافل ، والتبختر في المشي .
والدرجة الثالثة : وهي التي طغى التكبر فيها ، وتفاقمت مضاعفاته فجن صاحبها بجنون العظمة ، والافراط في حب الجاه والظهور ، فطفق يلهج في محاسنه وفضائله ، واستنقاص غيره واستصغاره . وهذه اسوأ درجات التكبر ، واشدها صلفاً وعتواً .

أنواع التكبر

وينقسم التكبر باعتبار مصاديقه الى ثلاثة انواع :
(1) ـ التكبر على الله عزوجل :
وذلك بالامتناع عن الايمان به ، والاستكبار عن طاعته وعبادته . وهو افحش انواع الكفر ، وابشع انواع التكبر ، كما كان عليه فرعون ونمرود واضرابهما من طغاة الكفر وجبابرة الالحاد .
(2) ـ التكبر على الانبياء :
وذلك بالترفع عن تصديقهم والاذعان لهم ، وهو دون الاول وقريب منه .
(3) ـ التكبر على الناس :
وذلك بازدرائهم والتعالي عليهم بالاقوال والافعال ، ومن هذا النوع التكبر على العلماء المخلصين ، والترفع عن مسائلتهم والانتفاع بعلومهم وارشادهم ، مما يفضي بالمستكبرين الى الخسران والجهل بحقائق الدين ، واحكام الشريعة الغراء .

أخلاق أهل البيت 44

علاج التكبر

وحيث كان التكبر هوساً اخلاقياً خطيراً ماحقاً ، فجدير بكل عاقل ان يأخذ حذره منه ، وان يجتهد ـ اذا ما داخلته اعراضه ـ في علاج نفسه ، وتطهيرها من مثالبه ، واليك مجملاً من النصائح العلاجية :
(1)ـ ان يعرف المتكبر واقعه وما يتصف به من الوان الضعف والعجز : فأوله نطفة قذرة ، وآخره جيفة منتنة ، وهو بينهما عاجز واهن ، يرهقه الجوع والظمأ ، ويعتوره السقم والمرض ، وينتابه الفقر والضر ، ويدركه الموت والبلى ، لا يقوى على جلب المنافع ورد المكاره ، فحقيق بمن اتصف بهذا الوهن ، ان ينبذ الانانية والتكبر ، مستهدياً بالاية الكريمة «تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين» . ( القصص : 83)
فأفضل الناس احسنهم اخلاقاً ، واكثرهم نفعاً ، واشدهم تقوى وصلاحاً .
(2) ـ ان يتذكر مآثر التواضع ومحاسنه ، ومساويء التكبر وآثامه ، وما ترادف في مدح الاول وذم الثاني من دلائل العقل والنقل ، قال بزرجمهر : «وجدنا التواضع مع الجهل والبخل ، احمد عند العقلاء من الكبر مع الادب والسخاء ، فأنبل بحسنة غطت على سيئتين ، واقبح بسيئة غطت على حسنتين» (1) .
(3) ـ ان يروض نفسه على التواضع ، والتخلق بأخلاق المتواضعين ، لتخفيف حدة التكبر في نفسه ، واليك امثلة في ذلك :
أ ـ جدير بالعاقل عند احتدام الجدل والنقاش في المساجلات العلمية ان يذعن لمناظره بالحق اذا ما ظهر عليه بحجته ، متفادياً نوازع المكابرة والعناد .
ب ـ ان يتفادى منافسة الاقران في السبق الى دخول المحافل ، والتصدر في المجالس .
ج ـ ان يخالط الفقراء والبؤساء ، ويبدأهم بالسلام ، ويؤاكلهم على المائدة ، ويجيب دعوتهم ، متأسياً بأهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام .

(1) محاضرات الادباء للراغب .
أخلاق أهل البيت 45

القناعة

وهي : من الاكتفاء من المال بقدر الحاجة والكفاف ، وعدم الاهتمام فيما زاد عن ذلك .
وهي : صفة كريمة ، تعرب عن عزة النفس ، وشرف الوجدان ، وكرم الاخلاق .
واليك بعض ما اثر عن فضائلها من النصوص :
قال الباقر (ع) : «من قنع بما رزقه الله فهو من اغنى الناس» (1) .
انما صار القانع من اغنى الناس ، لان حقيقة الغنى هي : عدم الحاجة الى الناس ، والقانع راض ومكتف بما رزقه الله ، لا يحتاج ولا يسأل سوى الله . قيل : لما مات جالينوس وجد في جيبه رقعة مكتوب فيها : «ما اكلته مقتصدا فلجسمك ، وما تصدقت به فلروحك ، وما خلفته فلغيرك ، والمحسن حي وان نقل الى دار البلى ، والمسيء ميت وان بقي في دار الدنيا ، والقناعة تستر الخلة ، والتدبير يكثر القليل ، وليس لابن آدم انفع من التوكل على الله سبحانه» (2) .
وشكى رجل الى ابي عبد الله عليه السلام انه يطلب فيصيب ، ولا يقنع ، وتنازعه نفسه الى ما هو اكثر منه ، وقال : علمني شيئا انتفع به . فقال ابو عبد الله (ع) : «ان كان ما يكفيك يغنيك ، فأدنى ما فيها يغنيك وان كان ما يكفيك لا يغنيك ، فكل ما فيها لا يغنيك» (3) .
وقال الباقر (ع) : «اياك ان يطمح بصرك الى من هو فوقك فكفى بما قال الله تعالى لنبيه (ص) «ولا تعجبك اموالهم ولا اولادهم» وقال : «ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا» ، فان دخلك من ذلك شيء ، فاذكر عيش رسول الله (ص) ، فانما كان قوته الشعير ، وحلواه التمر ، ووقوده السعف اذا وجده» (4) .

(1) الوافي ج 3 ص 79 عن الكافي .
(2) كشكول البهائي ، طبع ايران ص 371 .
(3) الوافي ج 3 ص 79 عن الكافي .
(4) الوافي الجزء 3 ص 78 عن الكافي .
أخلاق أهل البيت 46

محاسن القناعة

للقناعة اهمية كبرى ، واثر بالغ في حياة الانسان ، وتحقيق رخائه النفسي والجسمي ، فهي تحرره من عبودية المادة ، واسترقاق الحرص والطمع ، وعنائهما المرهف ، وهوانما المذل ، وتنفخ فيه روح العزة ، الكرامة ، والاباء ، والعفة ، والترفع عن الدنايا ، واستدرار عطف اللئام .
والقانع بالكفاف اسعد حياة ، وارخى بالا ، واكثر دعة واستقراراً ، من الحريص المتفاني في سبيل اطماعه وحرصه ، والذي لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم .
والقناعة بعد هذا تمد صاحبها بيقظة روحية ، وبصيرة نافذة ، وتحفزه على التأهب للآخرة ، بالاعمال الصالحة ، وتوفير بواعث السعادة فيها .
ومن طريف ما اثر في القناعة .
ان الخليل بن احمد الفراهيدي كان يقاسي الضر بين اخصاص البصرة ، واصحابه يقتسمون الرغائب بعلمه في النواحي .
ذكروا ان سليمان بن علي العباسي ، وجه اليه من الاهواز لتأديب ولده ، فأخرج الخليل الى رسول الله سليمان خبزاً يابساً ، وقال : كل فما عندي غيره ، وما دمت اجده فلا حاجة لي الى سليمان . فقال الرسول : فما ابلغه ؟ فقال :
ابـلغ سليمـان اني عنه في سعـة وفي غنىً غير اني لست ذا مـال
والفقر في النفس لا في المال فاعرفه ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
فـالرزق عن قدر لا العجز ينقصـه ولا يـزيدك فـيه حـول محتـال (1)

وفي كشكول البهائي «انه ارسل عثمان بن عفان مع عبد له كيساً من الدراهم الى ابي ذر وقال له : ان قبل هذا فأنت حر ، فأتى الغلام بالكيس الى ابي ذر ، والح عليه في قبوله ، فلم يقبل ، فقال له ، اقبله فان فيه عتقي . فقال : نعم ولكن فيه رقي» (2) .

(1) سفينة البحار ج 1 ص 426 بتصرف .
(2) سفينة البحار ج 1 ص 483 .
أخلاق أهل البيت 47

«وكان ديوجانس الكلبي من اساطين حكماء اليونان ، وكان متقشفا ، زاهداً ، لا يقتني شيئا ، ولا يأوي الى منزل ، دعاه الاسكندر الى مجلسه . فقال للرسول قل له : ان الذي منعك من المسير الينا ، هو الذي منعنا من المسير اليك ، منعك استغناؤك عنا بسلطانك ، ومنعني استغنائي عنك بقناعتي» (2) .
وكتب المنصور العباسي الى ابي عبد الله الصادق عليه السلام : لم لا تغشانا كما يغشانا الناس ؟ فأجابه : ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه ، ولا عندك من الاخرة ما نرجوك له ، ولا انت في نعمة فنهنيك لها ، ولا في نقمة فنعزيك بها . فكتب المنصور : تصحبنا لتنصحنا . فقال ابو عبد الله (ع) : «من يطلب الدنيا لا ينصحك ، ومن يطلب الاخرة لا يصحبك» (2) .
وما احلى قول ابي فراس الحمداني في القناعة :
ان الغني هو الغنـي بنفسـه ولو انه عار المناكب حـاف
ما كـل ما فوق البسيطة كافياً فاذا قنعت فكل شيء كـاف

الحرص

الحرص : هو الافراط في حب المال ، والاستكثار منه ، دون ان يكتفي بقدر محدود . وهو من الصفات الذميمة ، والخصال السيئة ، الباعثة على الوان المساوىء والآثام ، وحسب الحريص ذماً انه كلما ازداد حرصاً ازداد غباءاً وغماً .
واليك بعض ما ورد في ذمه :
قال الباقر (ع) : «مثل الحريص على الدنيا ، مثل دودة القز كلما ازدادت من القز على نفسها لفاً ، كان ابعد لها من الخروج ، حتى تموت غماً» (3) .
لذلك قال الشاعر :
يفني البخيل بجمع المال مدته وللحوادث والايام ما يـدع
كـدودة القز ما تبنيه يهدمهـا وغيرها بالذي تبنيه ينتفع

(1) سفينة البحار ج 2 ص 451 .
(2) كشكول البهائي .
(3) الوافي ج 3 ص 152 عن الكافي .

السابق السابق الفهرس التالي التالي