فراحـوا يحيونَ المواضي بأنفسٍ |
|
صفت فسمت مجداً على كل ذي مجد |
وقـد أفرغوا فوق الجسوم قلوبهم |
|
دروعـاً بيـومٍ للقيـامـة مـحـتـدّ |
و لما قضوا حـق المكارم والعلى |
|
ببيض المواضـي والمطهمـة الجـردِ |
و خطّوا لهم في جبهة الدهر غُرةً |
|
من الفخر في يـوم من النفـع مسـودِ |
تهاووا على وجـه الصعيد كواكباً |
|
وقـد أكلتهم فـي الوغى قضـب الهُندِ |
ضحىً قبّلتهم فـي النحور و قبّلوا |
|
عشياً نحور الحـور فـي جنـة الخلـد |
تحامتـه ان تدنـو عليـه عـداته |
|
صريعـاً فعادوا عنه مرتعش الأيدي |
فيا عيـرة الإسـلام أيـن حماتـه |
|
و ذي خفراتُ الـوحي مسلوبة البرد |
تجول بوادي الطـف لم تلف مفزعاً |
|
تلـوذ به من شـدة الضرب والطرد |
و تستعطـف الأنذال فـي عبراتهـا |
|
فتـجبـهُ يـا لله بـالسـبّ والـردّ |
برغم العُلـى و الديـن تُهـدى أذلـةً |
|
فمن ظالمٍ وغـدٍ إلـى ظالـمٍ وغـدِ |
لعمرو أبيك ما جزعي لركب |
|
أغذّ على ذرى النيب الطـلاح |
و لكن للاولى جزروا عطاشا |
|
بعرصة كربلا جزر الاضاحي |
بيـوم ليـس استأ منـه يوم |
|
علا فيه الفساد على الصـلاح |
لقد صبروا بذاك اليوم صبراً |
|
بـه ظفـروا بجامحة النجـاح |
تأسوا فـي أبيّ الضيم مَن قد |
|
أقـام الدين حيّ على الفـلاح |
و لما أن دنـا المقـدار منهم |
|
هووا ما بين مشتبـك الرمـاح |
و عـاد ابن النبي هناك فرداً |
|
يعالجهـا ابـن معتلج البطـاح |
جـلا ليل القتـام بحـرّ وجه |
|
كأن جـبينـه فلـق الصبـاح |
ومـذ نـور الإله لـه تجلّـى |
|
ونـاداه فـلـبـّى بـالـرواح |
بوادي الطـف آنس نار قدس |
|
فخـرّ مكلّمـاً دامـي الجـراح |
وبـات معانقاً سمـر العـوالي |
|
وبيـض الهنـد فـي ليل الكفاح |
وذبح السبط شابه ذبح حجـر |
|
وكـلٌ ذبـحـه إثـمٌ كبيـر |
ولكن اين حجرٌ مـن حسيـن |
|
وهل رضت لمن معه صدور |
و هل سلبوا إلى حجر نسـاءً |
|
وهـل هتكت لنسوته خـدور |
وهل ذبحوا له طفلاً صغيـراً |
|
ألا بأبي وبـي الطفل الصغير |
و هل تركوه في الرمضا ثلاثاً |
|
تريب الجسم يصهره الهجيـر |
وهـل حملوا له رأساً قطيعـاً |
|
كـأن جبينـه القمـر المنيـر |
وهل قادوا لـه مضنى عليـلاً |
|
على الأقتاب فـي غلٍّ يسيـر |
وهـل نكثوا لـه بالعود ثغـراً |
|
و هل سكبت بجانبه الخمـور |
حتـامَ يـا دنيـا التصبـر للكـرب |
|
وانت على البغضا أقمت على حربي |
كأنك مـن أعدى العـدى لابن حـرة |
|
فكيف تواخيني وما أنت من صحبي |
طبعت علـى البلوى إلـى أن ألفتهـا |
|
وقلـت لصحبـي لا يهولنكم كربـي |
تجـرعـتُ للدنيـا مـرارة كأسهـا |
|
إلى أن حلى عندي ولذّ بـه شربـي |
فقابلتُ فـي صبري جهـات ثلاثـة |
|
رغبن باتلافي تشاركن فـي سلبـي |
ففـرقـة أوطـان وفـقـد أحـبـة |
|
و جور زمان حار منـه ذوو اللـب |
فطرتُ على الضراء ما ريع لي حشى |
|
ولكن يـوم الطف روّع لـي قلبـي |
فلله يـوم طبـق الـدهـر شجـوه |
|
وأجرى دماً فيه لـه أعين السحـب |
فذلك يـوم قـام فيـه ابـن أحمـد |
|
خطيباً بدرع الصبر واللدن القضـب |
أبـوه عـلـي لا يـقـاس بغـيـره |
|
بحرب و هذا الندب من ذلك النـدب |
فلـولاه قـضاء الله يمسكـه قضـى |
|
بحرب علـى كوفانها وبني حـرب |
فلـم تـره إلا علـى ظهـر سابـح |
|
يشق غبار الحرب في صدره الرحب |
إلى أن اتاه السهم مـن كـف كافـر |
|
فخرّ به مـن صهوة المهر للتـرب |
فكـوّر نـور الشمـس حزناً لفقـده |
|
و أعولت الأملاك ندباً علـى نـدب |
عـج بالنياق ليثـرب يا حـادي |
|
نبك الاولى من أهل ذاك النادي |
وأذرى الدموع وخلّني ولواعـج |
|
وحشاشتـي وزفيرهـا الوقـاد |
ما لي أرى الدار التي قد أشرقت |
|
بالبشـر دهـراً جلببت بسـواد |
فأجاب بالدمـع الهطول لحـادث |
|
أهل الحمـى و بنفثـة الأكبـاد |
فاليك عني لا تسل عمـا جـرى |
|
فالأمر صعب والخطوب عوادي |
و أمضّ ما لاقى الحمى يومٌ بـه |
|
طرقته طارقة النـوى بالهـادي |
ما مـرّ يوم مثـل يـوم محمـد |
|
أشجى الأنام اسى إلـى الميعـاد |
يـوم بـه جبريل أعلـن قائـلاً |
|
الله أكبر أكبر و الدموع بـوادي |
و يح الزمان ويا له مـن غـادر |
|
أبكى الأمين وفـتّ بالأعضـاد |
ابتاه مـن لي بعـد فقدك سلـوة |
|
فلأبكينـك يقظتـي و رقـادي |
كيف اصطباري أن أراك مفارقي |
|
فالعين عبرى والأسى بفـؤادي |
لله صبـر المـرتضى ممـا رأى |
|
فقـد النبـي وفرحـة الحسـاد |
لـم أدري أي رزيـة أبكي لهـا |
|
ألغصب حقـي أم لفقد الهـادي |
الله أكبـر يـا لهـا مـن فجعـة |
|
قامـت نوادبهـا بسبـع شـداد |
وبـقبـره قـد أُلحـدت أكبادنـا |
|
و تراجعت ثكلـى بـلا أكبـاد |
وردوا علـى الهيجـا ورود الهيـم |
|
ورأوا عظيم الخطب غيـر عظيم |
و تنازعوا كـأس المنيـة بينهــم |
|
فـي غيـر مـا لغـوٍ ولا تأثيـم |
يتسابقون إلـى الهجـوم و كأنهـم |
|
خلقـوا ليـوم تسابـق و هجـوم |
وكأنهـم والحرب تـزفـر نارهـا |
|
مـن انسهـم فـي جنـة ونعيـم |
و كأنما بيض الظبـا بيض الدمـى |
|
لاقتهـم بـرحيقـهـا المـختـوم |
تروي حديث الموت عـن عزماتهم |
|
بيض الصفاح على القضا المحتوم |
مـن كل أصيـد قـد نماه أصيـد |
|
وكـريـم قـوم ينتمـي لكـريـم |
يستعجلـون البـذل قـبـل أوانـه |
|
و يسـارعـون لدعـوة المظلـوم |
نثروا كما نظمـوا الجماجم و الطلى |
|
فتشـابـه المـنثـور بـالمنظـوم |
وجـدوا الحياة مـع الهـوان ذميمة |
|
والموت فـي العليـاء غيـر ذميـم |
وتقـدمـوا للمـوت قبـل إمامهـم |
|
و لقـد يجـوز تـقـدّم المـأمـوم |
لئن كنـت مأسور الفؤاد بنأيكـم |
|
فطرفي فـي قاني المدامع مطلـق |
و من عجب قلبي وجسمي تباعدا |
|
فهـذا شئـامـيٌ و ذلـك معـرق |
أنام إذا مـا هزني الشوق حيلـة |
|
لعـلّ خيالاً منكـم اليـوم يطـرق |
وكنا جميعـاً فـرّق الدهـر بيننا |
|
و مـا خلـتُ يومـاً أننـا نتفـرق |
فيا دارنا بالشام هـل لك رجعـة |
|
لصـبٍ يصـب الدمع طوراً ويغدق |
سقـاك الحيـا امـا تذكرت جيرة |
|
بك استوطنوا أو شكت بالريق أشرق |
وبيـن ضلوعي نـار وجد تسعّرت |
|
ولولا دموعي كدت بالوجـد أحرق |
لحقت بقومي فـي المكارم والعلـى |
|
وما كل مـن رام المكـارم يلـحق |
وأصبحت لا أبغي سوى العز متجراً |
|
و كل امـرء لا يبتغي العـزّ أحمق |
أراب و قلبي قـد تعلـتّق فـي ولا |
|
أبي حسـن الكرار و القلـب يعـلق |
و صرت لـه جاراً ومن كان جاره |
|
علـيٌ أبـو السبطيـن ذاك المـوفق |