ادب الطف - الجزء التاسع320


وحبّ الهداة الغرّ مـن آل أحمـدٍ هم الأمن في الاخرى من الفزع المردي
هم عصمة اللاجي وهم باب حطةٍ وهـم أبحـر الجدوى لمستمطر الرفـد
هـم سفـراء الله بيـن عـبـاده ولاؤهـم فرضٌ علـى الحـرّ والعبـد
فأولهـم شمـسُ الحقيقـةِ حيـدر و آخرهـم بـدر الهدى القائم المهـدي
* * *
فـلا تقـبل الأعمـال إلـى بـحبهـم وبغض معاديهـم على القـرب والبعـد
وليس لهذا الخلـق عـن حبهـم غنـىً كما لا غنىً في الفرض عن سورة الحمدِ
عمىً لعيون لا تـرى شمـس فضلهـم فضلت بليـل الجهل عـن سنن القصـد
تعيب لهم فضلاً هو الشمس في الضحى وكيف تعاب الشمـس بالمشعـل الرمـد
و يـكفـي مـن التنزيل آيـة (إنـما) و (قـل لا) لاثبـات الـولايـة والـودّ
و ذا خبر الثقلـين يكفـيـك شاهــداً وبـرهان حـق قامعـاً شبهـة الجحـد
رمتهـم يـد الدهـر الخؤون بحـادثٍ جسيـم ألا شلـت يـد الـزمـن النكـد
وقامـت عليهـم بعدما غـاب أحمـد عصائب غـي أظهـرت كامـن الحقـد
وقـد نقضت عهـد النبي (ص) بآلـه الهـداة و قـلّ التائبـون علـى العهـد
* * *
وأعظم خطب زلزل العرشَ وقعـه وأذهل لبّ المرضعات عن الوُلـد
غداة ابن هنـدٍ أظهر الكفر طالبـاً بثارات قتـلاه ببـدرٍ و في أُحـد
و رام بأن يقضي على دين أحمـدٍ ويرجـع ديـن الجاهليـة والـوأد
فقـام الهدى يستنجد السبط فاغتدى يلبّيه في عـزم لـه ماضي الحـدّ
و هبّ رحيب الصدر في خير فتيةٍ لها النسب الوضاح من شيبة الحمدِ
يشـب على حـبّ الكفـاح وليدهم و لم يبد ريحانُ العذار على الخـد
و لو يرتقي المجدُ السماكين لارتقوا اليـه بـأطـراف المثقفـة الخُلـدِ
* * *
إذا شبّت الحـرب العوان تباشـروا وصالوا علـى أعدائهم صولة الأسـد
اسودُ وغىً فيض النجيع خضابهـم وطيبهـم نقـع الوغى لا شـذا النَـدّ
رجال يرون الموتَ تحت شبا الظبا ودون ابن بنت الوحي أحلى من الشهد


ادب الطف - الجزء التاسع321


فراحـوا يحيونَ المواضي بأنفسٍ صفت فسمت مجداً على كل ذي مجد
وقـد أفرغوا فوق الجسوم قلوبهم دروعـاً بيـومٍ للقيـامـة مـحـتـدّ
و لما قضوا حـق المكارم والعلى ببيض المواضـي والمطهمـة الجـردِ
و خطّوا لهم في جبهة الدهر غُرةً من الفخر في يـوم من النفـع مسـودِ
تهاووا على وجـه الصعيد كواكباً وقـد أكلتهم فـي الوغى قضـب الهُندِ
ضحىً قبّلتهم فـي النحور و قبّلوا عشياً نحور الحـور فـي جنـة الخلـد
* * *
و لم يبق إلا قطـب دائـره العُلـى يدير رحـى الهيجاء كالأسد الـورد
وحيـداً أحاطت فيـه من كل جانب جحافل لا تحصـى بحصـرٍ ولا عدّ
فدىً لـك فرداً لـم يكن لـك ناصرٌ سوى العزم والبتـار والسلهـب النهد
وقفـت لنصر الدين في الطف موقفاً يشيب لـه الطفل الذي هو في المهدِ
وأرخصت نفسـاً لا تـوازن قيمـة بجملـة هـذا الكون للواحـدِ الفـردِ
تـرد سيول الجحفل المجر و الحشى لقرط الظما والحـرّ والحرب في وقد
بعضب الشبـا مـاضٍ كأنّ فرنـده سَنا البـرق في قـط الكتائب والغـدِ
وتحسب فـي الهامات وقـع صليله بكـل كـمـيّ دارعٍ زجـل الرعـد
فيكسـو جسـومَ الدارعيـن مطارفاً من الضرب حمزاً ان تعرّى من الغمد
و لما دنا منـه القضا شـام سيفـَه وليس لمـا قـد خطـه الله مـن ردّ
هـوى للثـرى نهبَ الأسنـة والظبا بغلـة قلـب لـم تـذق بـارد الورد
هوى فهـوى ركـن الداية للثـرى وأمسى عمـاد المجـد منفطـم العقد
وقـام عليه الديـن يندب صارخـاً ويلطم فـي كلتا يديـه علـى الخـدّ
* * *
تحامتـه ان تدنـو عليـه عـداته صريعـاً فعادوا عنه مرتعش الأيدي
فيا عيـرة الإسـلام أيـن حماتـه و ذي خفراتُ الـوحي مسلوبة البرد
تجول بوادي الطـف لم تلف مفزعاً تلـوذ به من شـدة الضرب والطرد
و تستعطـف الأنذال فـي عبراتهـا فتـجبـهُ يـا لله بـالسـبّ والـردّ
برغم العُلـى و الديـن تُهـدى أذلـةً فمن ظالمٍ وغـدٍ إلـى ظالـمٍ وغـدِ


ادب الطف - الجزء التاسع322


السيد حسن البغدادي

المتوفى 1367

يا قلب زينب ما لاقيت مـن محن فيك الرزايا وكـل الصبـر قد جُمعا
لو أنّ ما فيك من حزن و من كمد في قلب أقوى جبال الأرض لأنصدعا
يكفيك فخـراً قلـوب الناس كلهم تقـطعـتت للـذي لاقيتـه جـزعـا

وكل رضيع يغتـدي درّ أمـه و يرضع من ألبانها ثم يُفطَم
سوى أن عبد الله كان رضاعه دماه وغذّته عن الـدرّ أسهم
تبسّم لمـا جاءه سهـم حتفـه و كل رضيـع للحلوبة يبسم
تخيّلـه مـاء ليـروي غليلـه ففاض عليه الغمـر لكنه دم
* * *

السيد حسن ابن السيد عباس ابن السيد علي بن حسين بن درويش بن أحمد ابن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد بن نصر الله بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي ابن محمد بن جعفر (الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه ببني الطويل) ابن علي بن الحسين شيتي ويُكنى بأبي عبد بن محمد الحائري (وقبره في واسط وهو المعروف بالعكار ابن الإمام محمد الباقر إبن الإمام زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب (ع) .

ادب الطف - الجزء التاسع323


نظم والده السيد عباس المتوفى سنة 1331 هـ . هذا النسب في ارجوزة له وهي مذكورة في ترجمته . ولدالمترجم له سنة 1298 هـ . ونشأ في ظل والده حيث وجهه للخطابة والخدمة الروحية من طريق المنبر الحسيني ، وكان كريم الطلعة بهي المنظر تنمّ عليه السيادة وتزدهيه الشمائل العلوية قد أوتي بسطة في العلم والجسم واسع الاطلاع ملماً بالتاريخ العربي والإسلامي بل والتاريخ الاممي وعقيدتي انه بزّ اقرانه فكان منبره من أغزر المنابر مادةً ، استمعتُ اليه اكثر من مرة فرأيته متثبتاً كل التثبّت فيما يقول وكلامه كاللؤلؤ المنظوم فإنه يذكر الآية الشريفة ثم يأتي بما يناسبها من الأحاديث النبوية والأقوال الحكمية والشواهد الشعرية ، وكان يحفظ الكثير من شعر العرب اما ديوان المهيار الديلمي فيكاد ان يستظهره حفظاً وقال لي مرة ان هذا الديوان الذي طبعته دار الكتب بمصر وزعمت انها شرحته وحققته ودققته فإني سجّلت أغلاطها والمؤاخذات عليها ولعله في كل صفحة من الصفحات عشر مؤاخذات ، واستمعتُ اليه يتكلم منبرياً في موضوع الإمامة وإذا ممن اشبع الموضوع بحثاً ، وصادف مرة أن قصد زيارة الإمامين العسكريين بسامراء وكان هناك المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وأكثر الحوزة العلمية بخدمته ، فجاء خطيبنا للسلام عليه فطلب منه التحدث منبرياً فاستجاب وتحدث أكثر من ساعة بما لذّ وطاب عن الآل الأطياب وسلالة داحي الباب وشنف الأسماع والألباب وهكذا استمر كل يوم صباحاً يحضر ويرقى المنبر حتى أكمل شهراً كاملاً كله حول أهل بيت الرحمة السادة الأئمة وفي كل يوم يزداد السيد ابو الحسن اعجاباً به أكثر من سابقه .
مؤلفاته :
1 ـ الدر المنظوم في الحسين المظلوم وهو مقتل الحسين وما يدور حول فاجعة الطف والشعر الذي قيل فيها بـ 1500 صفحة رويتُ عنه في الجزء السابق من هذه الموسوعة ، فرغ من تأليفه 15 جمادى الأولى سنة 1339 هـ .

ادب الطف - الجزء التاسع324


2 ـ المطالب النفيسة . اخبرني هو عنها وقال تجمع تراجم عظماء الإسلام .
3 ـ سفينة النجاة في الأئمة الهداة ، ابتدأ بجمعه في 15 شهر رمضان 1325 هـ . وانتهى منه في 5 ذي القعدة سنة 1334 هـ .
4 ـ الدر النضيد في رثاء الشهيد يشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد في الإمام الحسين (ع) .
5 ـ كنانة العلم اشبه بالكشكول يضم النوادر الأدبية والتاريخية بدأ به بتاريخ 11 صفر 1346 هـ . وانتهى منه 26 رمضان سنة 1351 هـ .
6 ـ مجموع كبير يجمع الشعر والنثر وفيه (انجيل برنابا) المطبوع والممنوع قد كتبه بخطه بالرغم من ان ايطاليا قد جمعت هذا الانجيل ومنعت نشره .
وله مخطوطات تقارب 12 مخطوط كلها علم وادب وشعر ونثر محفوظة عند ولده السيد شمس الدين الخطيب .
توفي ببغداد يوم الجمعة 19 صفر سنة 1367 هـ . على أثر انفجار في الدماغ وكان موته في مستشفى المجيدية ونقل إلى كربلاء وذلك ليلة زيارة الأربعين وكانت هناك مواكب الزائرين من جميع العراق فاشتركت جميع المواكب بتشييعه وشيّعه ما لا يقل عن ربع مليون نسمة ، وقد أظهر البصريون في تلك الليلة حبهم وولاءهم له فكانوا في طليعة المشيعين لانه كان خطيبهم في محرم الحرام لمدة 36 عاماً ثم نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن عند رأس الإمام أمير المؤمنين (ع) تحت الساباط من جهة يمين الداخل إلى المسجد هناك بقرب قبر الشاعر السيد حيدر الحلي رحمهما الله . كتب عنه البحاثة السيد الشريف المعاصر السيد جودت القزويني وجمع أكثر شعره ونثره قال : وله في وصف (نهج البلاغة) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
نهجٌ له كل الأنام قد غدت خرساً و أهدى للطـريق الأعـدل
فلم نجـد أفصح منه منطقاً سوى لئالي المصحف الغض الجلي
فذا كـلام قاله المولى العلي و ذا كـلام قالـه المـولى علـي


ادب الطف - الجزء التاسع325


ومن رثائه للإمام الحسين عليه السلام :
تبسم باللوى ثغـر الأقـاح ومنه الأرض ضاحكة النواحي
و قد نسج الربيع لـه رداءً تفوّق وشيـه أيـدي الريـاح
قد اعتنق البشام به الخزامى معـانـقـة المتيـم للمـلاح

إلى أن يقول :
لعمرو أبيك ما جزعي لركب أغذّ على ذرى النيب الطـلاح
و لكن للاولى جزروا عطاشا بعرصة كربلا جزر الاضاحي
بيـوم ليـس استأ منـه يوم علا فيه الفساد على الصـلاح
لقد صبروا بذاك اليوم صبراً بـه ظفـروا بجامحة النجـاح
تأسوا فـي أبيّ الضيم مَن قد أقـام الدين حيّ على الفـلاح
و لما أن دنـا المقـدار منهم هووا ما بين مشتبـك الرمـاح
و عـاد ابن النبي هناك فرداً يعالجهـا ابـن معتلج البطـاح
جـلا ليل القتـام بحـرّ وجه كأن جـبينـه فلـق الصبـاح
ومـذ نـور الإله لـه تجلّـى ونـاداه فـلـبـّى بـالـرواح
بوادي الطـف آنس نار قدس فخـرّ مكلّمـاً دامـي الجـراح
وبـات معانقاً سمـر العـوالي وبيـض الهنـد فـي ليل الكفاح

وقال مذيلاً أبيات ابنة حجر بن عدي الكندي في رثاء أبيها والتي رواها المسعودي :
تُرفّـع ايهـا القمـر المنيـر لعلك أن ترى حجراً يسيـر
يسير إلى معاوية بـن حرب ليقتله كمـا زعـم الأمـير
ترفّعت الجبابر بعـد حجـر وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحـت البلاد لـه محلاً كأن لم يغنها مـزنٌ مطيـر
ألا يا حجر حجـر بني عديٍّ تلقتك السلامـة و السـرور
فان تهلك فكل زعيـم قـوم عـن الدنيا إلى هلك يصـير
ألا يـا ليت حجراً مات موتاً ولم يُنحر كما نحـر البعيـر


ادب الطف - الجزء التاسع326


فقال :
وذبح السبط شابه ذبح حجـر وكـلٌ ذبـحـه إثـمٌ كبيـر
ولكن اين حجرٌ مـن حسيـن وهل رضت لمن معه صدور
و هل سلبوا إلى حجر نسـاءً وهـل هتكت لنسوته خـدور
وهل ذبحوا له طفلاً صغيـراً ألا بأبي وبـي الطفل الصغير
و هل تركوه في الرمضا ثلاثاً تريب الجسم يصهره الهجيـر
وهـل حملوا له رأساً قطيعـاً كـأن جبينـه القمـر المنيـر
وهل قادوا لـه مضنى عليـلاً على الأقتاب فـي غلٍّ يسيـر
وهـل نكثوا لـه بالعود ثغـراً و هل سكبت بجانبه الخمـور

حجر بن عدي الكندي رحمة الله عليه من فضلاء الصحابة ويُعدّ من الأبدال وكان صاحب راية رسول الله (ص) وهو رئيس زاهد محب وإخلاصه لأمير المؤمنين أكثر مما يذكر ، وله مواقف مشرفة في مغازي المسلمين وقائد مظفر في الفتح الإسلامي ومن أكبر قواد المسلمين يوم حرب المسلمين مع الروم وهو الذي فتح مرج عذراء(1) جعله أمير المؤمنين علي (ع) يوم صفين على كندة وفي يوم النهروان على ميسرة الأجمع . وقد قُتل حجر وأصحابه بمرج عذراء صبراً بأمر من معاوية بن أبي سفيان حيث لم يتبرأوا من علي بن أبي طالب عليه السلام ودفنوا هناك . وقد أوثر عنه في ساعة شهادته قوله : أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها .

(1) عذراء بفتح المهملة وسكون المعجة . قرية بغوطة الشام .
ادب الطف - الجزء التاسع327


الشيخ محمد حسن دِكسن



المتوفى 1368

حتـامَ يـا دنيـا التصبـر للكـرب وانت على البغضا أقمت على حربي
كأنك مـن أعدى العـدى لابن حـرة فكيف تواخيني وما أنت من صحبي
طبعت علـى البلوى إلـى أن ألفتهـا وقلـت لصحبـي لا يهولنكم كربـي
تجـرعـتُ للدنيـا مـرارة كأسهـا إلى أن حلى عندي ولذّ بـه شربـي
فقابلتُ فـي صبري جهـات ثلاثـة رغبن باتلافي تشاركن فـي سلبـي
ففـرقـة أوطـان وفـقـد أحـبـة و جور زمان حار منـه ذوو اللـب
فطرتُ على الضراء ما ريع لي حشى ولكن يـوم الطف روّع لـي قلبـي
فلله يـوم طبـق الـدهـر شجـوه وأجرى دماً فيه لـه أعين السحـب
فذلك يـوم قـام فيـه ابـن أحمـد خطيباً بدرع الصبر واللدن القضـب
أبـوه عـلـي لا يـقـاس بغـيـره بحرب و هذا الندب من ذلك النـدب
فلـولاه قـضاء الله يمسكـه قضـى بحرب علـى كوفانها وبني حـرب
فلـم تـره إلا علـى ظهـر سابـح يشق غبار الحرب في صدره الرحب
إلى أن اتاه السهم مـن كـف كافـر فخرّ به مـن صهوة المهر للتـرب
فكـوّر نـور الشمـس حزناً لفقـده و أعولت الأملاك ندباً علـى نـدب


ادب الطف - الجزء التاسع328


وقل ليتامى المسلمين ألا اعولي عطوفاً عليـك حلؤه عـن الشرب
ويا زعماء الديـن لا تتفيئـوا ظِلالاً وفي الشمس الحسين بلا ثوب
* * *

الخطيب الأديب الورع التقي الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال الله بن طاهر بن أحمد بن محسن بن حبيب بن ياسين الأسدي البصري نال شهرة واسعة في الخطابة . ولد في النجف سنة 1296 هـ . ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات وأخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف بـ (ابن عياش) فكان من ألمع أقرانه وتوالى عليه الطلب من البصرة والمحمرة للخطابة هناك وإحياء مآتم سيد الشهداء وعلى منبره مسحة من قبول فلا يكاد يخطب ويتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته ، وألّف مجالس العلماء هناك كالسيد ناصر ابن السيد عبد الصمد البحراني ومن بعده السيد عدنان الغريفي ولمع نجم الشيخ دكسن وطلبه أمير المحمرة وحاكمها المرحوم الشيخ خزعل الكعبي فكانت له المنزلة السامية عنده وفي أيام التحصيل يكون النجف الأشرف مقره مهاجراً اليها بعياله وينكب على الدراسة إلى جنب الخطابة وكنت استمع اليه يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسين عليه السلام واكثر ما يقرأ من المراثي للحاج هاشم الكعبي فكان يحتفظ بديوانه المخطوط الذي يحتوي على المراثي والغزل والمديح والتهاني ، أما أساتذته في الدراسة فهم كما يلي :
1 ـ العلامة السيد مهدي البحراني في النحو والمنطق .
2 ـ العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه .
3 ـ العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء معالم الاصول .
4 ـ العلامة الشيخ نعمة الله الدامغاني الأسفار والحكمة .
مضافاً إلى انضمامه في حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري . وله آثار مخطوطة منه : شرح الصحيفة السجادية ، مخطوط جمع فيه النوادر والأدب والعلم والذي طبع له (الروضة الدكسنية) وهو ديوانه

ادب الطف - الجزء التاسع329


باللغة الدارجة وكله في مراثي أهل البيت من أرقّ الشعر وأعذبه نستشهد به في مجالسنا الحسينية فيهزّ العواطف ويثير الدمعة ، وله ديوان باللغة الفصحى ومنه قوله في النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :
عـج بالنياق ليثـرب يا حـادي نبك الاولى من أهل ذاك النادي
وأذرى الدموع وخلّني ولواعـج وحشاشتـي وزفيرهـا الوقـاد
ما لي أرى الدار التي قد أشرقت بالبشـر دهـراً جلببت بسـواد
فأجاب بالدمـع الهطول لحـادث أهل الحمـى و بنفثـة الأكبـاد
فاليك عني لا تسل عمـا جـرى فالأمر صعب والخطوب عوادي
و أمضّ ما لاقى الحمى يومٌ بـه طرقته طارقة النـوى بالهـادي
ما مـرّ يوم مثـل يـوم محمـد أشجى الأنام اسى إلـى الميعـاد
يـوم بـه جبريل أعلـن قائـلاً الله أكبر أكبر و الدموع بـوادي
و يح الزمان ويا له مـن غـادر أبكى الأمين وفـتّ بالأعضـاد
ابتاه مـن لي بعـد فقدك سلـوة فلأبكينـك يقظتـي و رقـادي
كيف اصطباري أن أراك مفارقي فالعين عبرى والأسى بفـؤادي
لله صبـر المـرتضى ممـا رأى فقـد النبـي وفرحـة الحسـاد
لـم أدري أي رزيـة أبكي لهـا ألغصب حقـي أم لفقد الهـادي
الله أكبـر يـا لهـا مـن فجعـة قامـت نوادبهـا بسبـع شـداد
وبـقبـره قـد أُلحـدت أكبادنـا و تراجعت ثكلـى بـلا أكبـاد

توفاه الله يوم الأحد في قرية الدعيجي من لواء البصرة سنة 1368 هـ . ونقل جثمانه إلى النجف وارخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي بقوله :
ومنبر السبط بكى تاريخه لما توفي الخطيب الحسن

وسبب تلقيبه با(الدكسن) يقول هو رحمه الله عندما سئل عن ذلك قال : لما كنتُ قصير القامة جهوري الصوت شبهني الناس بالبندقية المعروفة بـ (الدكسن) لامتيازها بالقصر وقوة الصوت .

ادب الطف - الجزء التاسع330


السيد حسن قشاقش

المتوفى 1368

قال يصف شهداء الطف :
وردوا علـى الهيجـا ورود الهيـم ورأوا عظيم الخطب غيـر عظيم
و تنازعوا كـأس المنيـة بينهــم فـي غيـر مـا لغـوٍ ولا تأثيـم
يتسابقون إلـى الهجـوم و كأنهـم خلقـوا ليـوم تسابـق و هجـوم
وكأنهـم والحرب تـزفـر نارهـا مـن انسهـم فـي جنـة ونعيـم
و كأنما بيض الظبـا بيض الدمـى لاقتهـم بـرحيقـهـا المـختـوم
تروي حديث الموت عـن عزماتهم بيض الصفاح على القضا المحتوم
مـن كل أصيـد قـد نماه أصيـد وكـريـم قـوم ينتمـي لكـريـم
يستعجلـون البـذل قـبـل أوانـه و يسـارعـون لدعـوة المظلـوم
نثروا كما نظمـوا الجماجم و الطلى فتشـابـه المـنثـور بـالمنظـوم
وجـدوا الحياة مـع الهـوان ذميمة والموت فـي العليـاء غيـر ذميـم
وتقـدمـوا للمـوت قبـل إمامهـم و لقـد يجـوز تـقـدّم المـأمـوم
* * *

السيد حسن بن محمود بن علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن إبراهيم بن أحمد الحسيني الشقرائي العاملي المعروف بـ (قشاقش) والشهير بالأمين وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي بن

ادب الطف - الجزء التاسع331


الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عالم جليل وشاعر مطبوع . ولد عام 1299 هـ . في قرية عثرون التي انتقل اليها أبوه من شقراء ، قرأ على أخيه السيد علي وفي مدرسته ست سنوات ، قال السيد الأمين في الأعيان : هاجر إلى العراق عام 1316 هـ . فقرأ فيها عليّ علمي الأصول والفقه إلى أن خرجت من النجف عام 1319 هـ . وكان يسكن معي في دار واحدة نحواً من ثلاث سنوات كان فيها مكباً على التحصيل والدرس والتدريس ، وقرأ على الشيخ أحمد كاشف الغطاء ، وعلى الشيخ علي ابن الشيخ باقر آل الجواهر ثم سافرت إلى الشام وبقي هو في النجف نحواً من عشر سنين يحظر دروس الخارج ويقرأ عليه الطلاب ، وعاد إلى جبل عامل عام 1330 هـ . وأراد السكنى في مسقط رأسه عثرون فذهب اليها فلم تستقر به الدار فخرج منها إلى شقراء وبقي فيها عدة سنين استفاد منه جماعة وانتهلوا من علومه منهم الشيخ محمد جواد الشري قبل ذهابه للعراق ثم انتقل إلى خربة سلم بطلب من أهلها فاكرموا وفادته وقاموا بما يجب حياً وميتاً . وكان عالماً فاضلاً فقيهاً بارعاً محققاً مدققاً حاد الفهم وأديباً شاعراً متميزاً في حسن نظمه ورصانة شعره ، وترجم له صاحب الحصون المنيعة ، وخلّف من الآثار العلمية رسالة في الرد على الوهابية ، مجلد في الطهارة ، منظومة في الرضاع أسماها (فصيلة اليراع في مسائل الرضاع) ، منظومة في الاجتهاد والتقليد ، فمن شعره وهو يتشوق إلى الوطن عندما توجه العراق سنة 1316 هـ .
لئن كنـت مأسور الفؤاد بنأيكـم فطرفي فـي قاني المدامع مطلـق
و من عجب قلبي وجسمي تباعدا فهـذا شئـامـيٌ و ذلـك معـرق
أنام إذا مـا هزني الشوق حيلـة لعـلّ خيالاً منكـم اليـوم يطـرق
وكنا جميعـاً فـرّق الدهـر بيننا و مـا خلـتُ يومـاً أننـا نتفـرق
فيا دارنا بالشام هـل لك رجعـة لصـبٍ يصـب الدمع طوراً ويغدق
سقـاك الحيـا امـا تذكرت جيرة بك استوطنوا أو شكت بالريق أشرق


ادب الطف - الجزء التاسع332


وبيـن ضلوعي نـار وجد تسعّرت ولولا دموعي كدت بالوجـد أحرق
لحقت بقومي فـي المكارم والعلـى وما كل مـن رام المكـارم يلـحق
وأصبحت لا أبغي سوى العز متجراً و كل امـرء لا يبتغي العـزّ أحمق
أراب و قلبي قـد تعلـتّق فـي ولا أبي حسـن الكرار و القلـب يعـلق
و صرت لـه جاراً ومن كان جاره علـيٌ أبـو السبطيـن ذاك المـوفق

ترجم له علي الخاقاني فذكر مراسلاته ومجموعة من أشعاره وقال : توفي بمدينة بيروت جمادى الآخرة عام 1368 هـ . ودفن في (خربة سلّم) بموكب مهيب مشى فيه أكثر من مائة سيارة اشترك فيه جميع الأعيان والوجوه ورثاه جمع من الشعراء في اليوم السابع وهو يوم اسبوعه ، وعدّدوا مزاياه ومميزاته وعدد الشعراء والخطباء 26 .
وترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من أشعاره فمنها قوله :
لي جسم أضناه ذكر المغاني وفؤاد أصماه حب الغواني
وضلوع مـن الغرام تثقّفـن فها هـنّ كالقسي حوانـي


ادب الطف - الجزء التاسع333


الشيخ محسن ابو الحب



المتوفى 1369

سبـط النبـي أبـو الأئمة مـن للخلائق جاء رحمه
هذا الحسيـن و من بساق العـرش خـطّ الله إسمه
و بقلـب كـل مـوحـد قد صوّر الرحمن رسمه
هـذا سلـيـل محـمـد لبني الولا كهفٌ وعصمه
هذا ابن بنـت المصطفى مولى له شأن و حرمـه
مـن أهل بيـت زانـهم كـرم ومعروف وحشمه
فـي شهـر شعبان علينا الخيـرَ خالـقنـا أتـمّه
ولـد الحسيـن و نـوره مذ شـعّ أذهب كل ظلمه
جبـريـل هنّـأ جــدّه وأبـاه والزهـراء أمـه
كـان النـبــي إذا رآه اليـه أدنـاه و ضـمـّه
غـذّاه مـن إبهـامــه لبنـاً وقـبّلـه وشـمّـه
فيـه تبـرّك فـطـرس و به محى الرحمن جرمه
وكذاك دردائيـل اعتقـه و أذهـب عنـه إثـمـه
ولـه أجـلّ مـناقــب وفضائل في الدهـر جمّه
كم قد أفاض على الورى من جوده فضلاً و نعمـه
و إذا أتـــاه لاجــئٌ يـوماً كفـاه مـا أهـمّه


ادب الطف - الجزء التاسع334


و له ضريـح طالمـا تتعاهـد الزوار لثمه
قـد شـعّ نوره جبينه فجلى الليالي المدلهمه
رام العـدى إطـفـاءه و الله شاء بأن يُتـمّه
بشراكم بولادة السبـط الحسيـن أبي الأئمـة
لهفي عليه لقـد غـدى جثمانه للبيض طعمـه
مـا راقـبـوا لمحمـد فـي آله إلا و ذمــه
* * *

الخطيب الشهير الشيخ محسن ابن الشيخ محمد حسن ابن الشاعر الشهير الشيخ محسن أبو الحب صاحب القصائد الحسينية المعروفة والذي سبق وأن ترجمنا له . واسرة آل أبي الحب من الاسر العربية التي تنتسب إلى خثعم وكان مبدأ هجرتها من الحويزة إلى كربلاء بقصد طلب العلم الديني . ولد المترجم له في سنة 1305 هـ . وهي السنة التي مات فيها جده ونشأ بتوجيه والده ودرس المقدمات وتخصص بالخطابة حتى نال شهرة واسعة واحتضنته كربلاء واعتبرته خطيبها الأول وشارك في الحفل الحسيني الكبير الذي عقدته الشبيبة الكربلائية يوم 13 من محرم الحرام سنة 1367 هـ . أي 1947 م . لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في الروضة الحسينية المقدسة وقد ألقى قصيدته ويوم أنشد شاعر العرب محمد مهدي الجواهري رائعته الخالدة ، وللمترجم له مواقف أدبية وسياسية وطبع له ديوان بعد وفاته والديوان يضم طائفة كبيرة من النتف والقصائد في أغراض شتى قد قالها بمناسبات مختلفة . وكان نشر الديوان بسعي وتحقيق الأديب الاستاذ السيد سليمان هادي الطعمة وبالمناسبة أقول ان هذا السيد الطاهر خدم بلاده بكل ما يقدر وسخّر قلمه ومواهبه لخدمتها كثّر الله من أمثاله الغيارى وكان طبع الديوان بمطبعة الآداب بالنجف الأشرف سنة 1385 هـ . 1966 م .
وتوفي المترجم له في كربلاء فجأة صباح اليوم الخامس من ربيع الأول سنة 1369 هـ . ودفن في مقبرة خاصة له في روضة أبي الفضل العباس عليه السلام واقيم له حفل تأبيني رائع في الصحن الشريف يوم اربعينيه ساهم فيه ثُلّة من الادباء ، ورجال الفكر .

السابق السابق الفهرس التالي التالي