ادب الطف - الجزء التاسع304


أعمامه واخوته وأكثرهم مترجمون في مؤلفه الموسوم بـ (معارف الرجال) ولكنه هو واسطة عقد القلادة له شهرته العلمية والأدبية والتاريخية وكذلك اولاده وأحفاده . ولد في النجف الأشرف سنة 1273 هـ . ودرس مبادئ العلوم في سنّ مبكرة ، وقد منحه الله موهبة الذكاء والفطنة فقرأ الكتب الأربعة المشهورة : الشرائع واللمعتين والمسالك والمدارك كما قال هو رحمه الله : قرأنا الكتب الأربعة على عدة من فضلاء العصر وجهابزة الفقه ، وكان الفقه في عصرنا مديد الباع طويل الذراع ، وكان أكثر تحصيله على المجتهد الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ، وعلى العالم الاصولي البارع الشيخ المامقاني قدس سره وغيرهم ممن ذكرهم هو أثناء ترجمته لهم ، وعكف على الدرس والتدريس حتى جاوز التسعين عاماً ودوّن في مختلف العلوم أكثر من سبعين مؤلفاً ، قام حفيده العلامة الشيخ محمد حسين بنشر بعضها منها (معارف الرجال) بثلاثة أجزاء ومنها مراقد المعارف في جزئين ، وعدّد حفيده أسماء مؤلفاته وذكر منها 44 مؤلفاً .. كنت أُشاهده في مجالس سيد الشهداء وأين ما حلّ فله صدر النادي ، وأبرز مميزاته تقشفه وزهده في الدنيا ورضي بالقليل من شظف العيش . ذكره السيد الحجة السيد حسن الصدر في (التكملة) فقال : عالم فاضل كامل أديب متبحر في جميع العلوم العقلية والنقلية والرياضية ، حسن المحاظرة حلو المفاكهة والمناظرة ، متضلع في السير والتواريخ وأيام العرب ووقائعها وحافظ لأخبار العلماء وقصصهم له اليد الطولى في العلوم الغريبة ، وذكره المحقق الطهراني في نقباء البشر بنحو ذلك .
توفي بالنجف الأشرف عند الزوال من يوم الخميس غرة جمادى الاولى من سنة 1365 هـ . ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لداره ومسجده ، وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وذكر جملة من أشعاره . وهناك ملاحظات على كتاب (معارف الرجال) بالرغم من أني لم استقصه مطالعة ولكني أرجع إليه في بعض كتاباتي :

ادب الطف - الجزء التاسع305


1 ـ ذكر في الجزء الأول منه في صفحة 327 ترجمة للشيخ زين العابدين العاملي المتوفى سنة 1175 هـ . ونسب له القصيدة الشهيرة التي يرثي بها الحسين بقوله :
يا أيها الغادون مني لكم شوق أذاب الجسم مني أرقا

والصحيح ان هذه القصيدة للسيد الشريف الميرزا جعفر القزويني المتوفى سنة 1298 هـ . كما في (الجعفريات وغيرها) وأولها :
سل عن اهيل الحي من وادي النقا مغرّباً قد يمموا أم مشرقا

2 ـ وفي صفحة 358 من الجزء الأول ترجم للسيد شبر الموسوي الحويزي رحمه الله وعلّق حفيده سلمه الله فقال : وهو غير السيد شبر الذي ينتسب اليه السيد محمد رضا وابنه السيد عبد الله شبر القاطنين في الكاظمية .
أقول وليس من أجدادنا من يسمى بالسيد شبر ، إنما هو لقب من جدنا الأعلى السيد حسن الملقب بشُبّر وقد عاش في القرن الثامن الهجري .
3 ـ جاء في الجزء الثاني من معارف الرجال صفحة 314 قصيدة السيد شريف بن فلاح الكاظمي المتوفى سنة 1220 هـ . والمؤلف نسبها للشيخ محمد علي كمنة المتوفى سنة 1282 هـ . والقصيدة أولها :
قف بالطفوف وجد بفيض الأدمع ان كنت ذا حزن وقلب موجع

وأظن ان الذي أوقعه بهذا الاشتباه هو المرحوم السيد الأمين فقد ذكر القصيدة مرتين في (الأعيان) ففي جزء 36 من أعيان الشيعة صفحة 74 جعلها من نظم السيد شريف بن فلاح الكاظمي وهو الصحيح ثم في جزء 46 صفحة 110 نسبها لابن كمونة وهو غير صحيح .
4 ـ ترجم للشاعر السيد مهدي الأعرجي المتوفى سنة 1358 هـ . فقال : انه دفن في الصحن العلوي والحقيقة انه دفن بوادي السلام .
5 ـ رجائي من المحقق الحفيد أن لا تفوته بعض الأخطاء اللغوية ففي الجزء الثاني صفحة 277 عند ترجمة الشيخ محمد رضا النحوي قال : فأوعده السيد بحر العلوم . والصحيح وعده لأن (أوعد) للتهديد .

ادب الطف - الجزء التاسع306


محمد امين شمس الدين

المتوفى 1366

يمثـل روح الحـب منـي محمـد وابنته وابنـاه والصهـر حيـدرُ
هـم عدتـي حتـى نهايـة مدتـي بهم لست أخشى هولها حين انشر
علي تعالـى مـن كبير علـى الملا وفي السبعـة الافلاك أعلى وأكبر
فعـن سيفه سل يـوم أحـد وخندقا وبدراً وسل ما البئـر عنه وخيبر
حقـائق يكبـو دونها طرف واصل وفيها بأهل الغـور طـال التفكر
يقـال على عثمان ضنـّت صلاته وسلمـان منهـا حظـه متوفـر
فلا زلت في أمريهمـا فاقـد الهدى وليس لهـذا اللبـس كشف محرر
و سائلتـي مالـي أخالـك مكثـراً فقلت وهـل في حيـدر قال مكثر
ألا فـدعـي عنـكِ مقالـة ملحـد لقد قالهـا من قبـل قوم فكُفـّروا
ألـم تعلمـي أن العلـي قسيمهــا ومنه لنا القـدح المعلـى الموفـر
عـلـي حبـاه الله أمـر معــاده نقيبـاً على مثقـال ذرة يحضـر
فقالـت يرى في القبر قلت لها أجل على حكمـه يأتي نكيـر ومنكـر
فقالـت ومن ذا يـوم لا ذو شفاعة فقلـت لها ان الشفيعيـن حضـّر
فقالت يرى يـوم الظما قلت كفكفي فعـن كفه الحوض النمير والكوثر
فقالت إذا مـا قيـل غُلّـوه ما ترى فقلـت يولى حـلّ غلـيّ حيـدر


ادب الطف - الجزء التاسع307


فقالت أبا لا كسيـر شبهـت حبهـم فقلت نعم ذرية في النار تنفر
فقالت (و آتونـي) فقلـت فلـم يكن سوى قولهم ان النبي ليهجر
فقالت و هل مـن سبـة سـن مثلها فقلت لها لا فهي للحشر تشهر
فقالـت أعجـزاً حينما قيـد عنـوة فقلت لها لا ذاك شيء مقدر
فقالـت ومـا شأن البتول وضلعهـا فقلت غداً في موقف الله تظهر
فقالت وما السبـط الزكـي و قبـره فقلـت دعي قلبـاً لهـا يتفطـر
فقالت ومـا السبـط الشهيد بكربـلا وما حاله وهـو الصريع المعفـّر
فقلت بكتـه الشمـس والافق والسما دمـاً فهـو في خدّ السمـا يتحدر
فيا لدمـاء قـد أُريق بهـا الهـدى و ضلت لها في الدين عمياء تعثر
على رغم أنف الدين سارت حواسراً سبايـا على عجف المطايا تسيـر
على الهون لـم تلغى لها من يجيرها و حـرب على أعوادهـا تتأمـر
لها الله حسرى لـم تجد من يصونها و هند بأذيـال الخلاعـة تحظـر
لها الله حسرى لـم تجد من يصونها سوى انها فـي صونهـا تتستـر
فيا لمصـاب هـدد الذكـر وقعـه لديه عظيمـات المصائب تصغـر
و يا حب أهل البيـت بـتّ معانقي فدم فعليـك الله يجـزي و يشكـر
* * *

كتاب الضمير البارد يبحث في العقائد واصولها تصنيف العلامة الجليل الشيخ محمد أمين شمس الدين العاملي طبع سنة 1353 هـ .
وقد نقلت عنه هذه القصيدة .
وجاء في الذريعة ج 15 صفحة 118 :
كتاب الضمير البارد نثر ونظم للشيخ محمد أمين آل شمس الدين الشهيد الأول العاملي المعاصر المتوفى بلا عقب سنة 1366 هـ . في بلدة عرب صاليم

ادب الطف - الجزء التاسع308


من قرى جبل عامل في ثلاثة أجزاء ، طبع منه جزءان في سنة 1353 هـ . في بيروت ، وفي أول الكتاب تصويره ، وفي آخره نسبه هكذا :
محمد أمين بن مهدي بن الحسين بن علي بن أحمد بن حيدر الجوني ابن شمس الدين بن محمد بن ضياء الدين محمد المهاجر بن جزّين بن علي السبط بن الشهيد محمد بن مكي المنتهى إلى سعد بن معاذ أباً ، وإلى الشريف المطلب أُماً .

ادب الطف - الجزء التاسع309


الشيخ محمد تقي المازندراني

المتوفى 1366

ابن الشيخ محمد حسن ابن الحاج علي الطبري المازندراني الحائري ، أديب شاعر ، ولد بكربلاء يوم 24 شوال سنة 1289 هـ . ونشأ نشأة دينية ودرس الفقه والاصول على العالم الجليل الشيخ غلام حسين المرندي واتصل بادباء عصره وحضر مجالس الأدب كآل الوهاب والسيد الحجة الطباطبائي ونظم وساجل وشارك في حلبات أدبية حتى جمع ديوان شعر ضخم رأيت نسخة منه في مكتبة الأديب الشاعر السيد سلمان السيد هادي الطعمة يحتوي على ألوان من الشعر وفيه الكثير في أهل البيت وفي الإمام الحسين خاصة فمنها قصيدة أولها :
أحاميَ دين البشير النذير ومحيي منهاجه المستنير

واخرى في أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام أولها :
أبى أبو الفضل إلا الفضل والكرما وجاد بالنفس يوم الحرب مبتسما

توفي بكربلاء سنة 1366 هـ .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع310


السيد مهدي القزويني

المتوفى 1366

هبّ الصبا وفـؤاد المستهـام صَبا إلى الحمى فأزال الغـمّ و الوصبـا
مرابع قد مضى شرخ الشباب بهـا طلق العنان سوى الأفراح ما صحبا
أخنى الزمان عليهـا فهي مـوحشة من بعدما أنسـت فـي أهلها حقبـا
أمست خلاءً بهـا الأرواح خافقـة وفي ثراهـا غراب البيـن قد نعبـا
ولّـى الشباب وأيـام الصبا درست و شعلة الشيب منهـا مفرقي التهبـا
و الدهر شـنّ عليّ اليـوم غارتـه كـأنما تـرة عـنـدي لـه طلبـا
وصيـرتني يـد الغمّى لهـا هدفـاً و ريّشت لـي سهماً في الحشى نشبا
ولا مـلاذ ولا مـلجـا ألـوذ بـه من الزمان إذا طـرف الزمان كبـا
سوى إمـام الهدى المهدي معتصمي و جنّـة أتقـي عنـي بهـا النوبـا
من يملأ الأرض عدلاً بعـد ما ملئت جـوراً ، ويـوردنا تيـاره العذبـا
متى نـراه وقـد حفـت بـه زمـر من آل هاشـم و الأمـلاك والنقبـا
من كل أشـوس غطريف كذي لبـد يوم الطعـان يعـدّ الراحـة التعبـا
من فوق كل سبوح في بحار وغـى يوم الرهان يلاقي رأسهــا الذنبـا
حتى مَ تصبر يا غـوث الأنام وقـد أبصرت فيئك في أيدي العدى نهبـا
يا ثائراً غضّ جفنيـه على مضـض هـلا أتاك بأخبـار الطفـوف نبـا
غداة حـلّ أبـتو السجـاد ساحتهـا وأسـد هاشـم للهيجـا قـد انتدبـا


ادب الطف - الجزء التاسع311


وشمّر ابن علـي للوغى طربـاً يخـال ضرب المواضي عنده الضَربا
تصيخ كل نفوس القـوم مذعنـةً لـه إذا مـا عليهـا سيفـه خطبــا
يميـل بشراً غـداة الروع مبتسما لم يرهب الموت بـل منه الردى ارتهبا
يأبى الدنية سبط المصطفى فلـذا عـن ذلة العيش في عـزّ الوغى رغبا
وبعـدما لـفّ أولاهـم بآخرهـم وسامـهـم فسقاهـم أكـؤسـاً عطبـا
أصابه حجـر قـد شـج جبهتـه وشيبـه مـن محـياه قـد اخـتضبـا
وكم رضيـع فرى منه الظما كبداً قضى وغيـر لبـان النحر مـا شربـا
* * *

السيد مهدي ابن السيد هادي ابن الميرزا صالح ابن العلامة الكبير السيد مهدي الحسيني القزويني الحلي . علم من الاعلام وفذٌ من أفذاذ الاسرة القزوينية ويطلق عليه لقب الصغير تمييزاً له عن جده الأعلى . ولد في بلدة طويريج (الهندية) عام 1307 هـ . ونشأ فيها منشأ العز والفخار متفيأ ظل والده الهادي عليه الرحمة وبعد ذلك أخذ يتملى من دروس اخوته الاعلام فحضر عند أخويه : الباقر والجواد واستفاد منهما كثيراً وهاجر إلى بلد جده أمير المؤمنين فأتمّ علومه اللسانية والبيانية كما حضر على السيد كاظم اليزدي في الفقه والاصول كما حضر عند الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهما من الأساطين ثم هاجر إلى مسقط رأسه ليسدّ الثغرة ويرشد الضال ويهدي المجتمع ، وكان على جانب من دماثة الخلق والتواضع رحب الصدر يودّ جليسه أن يطيل معه الجلوس وان لا ينتهي المجلس مهما امتدت ساعاته الطوال حيث كان لطيف المعشر خصب المعلومات ، والحديث عنه وعن أدبه من أرق الأحاديث . حضر الهندية عمّ والده وهو العلامة الكبير السيد محمد أبو المعز المتوفى سنة 1335 هـ . واستنشده فقرأ له من شعره ألواناً ـ وكانت في لسانه تمتمة حلوة تزيد منطقه حسناً وحلاوة فنظم أبو المعز بيتين خاطبه بهما ملمحاً بحبسة لسانه ومشيراً إلى طريقة سالفة للشيخ صالح الكواز رحمه الله وقوله :

ادب الطف - الجزء التاسع312


أخسرت أخرس بغداد وناطقها وما تركت لباقي الشعر من باقي

أقول : ضمن شطر هذا البيت في بيتيه فقال :
قولوا لأخـرس قزوين إذا تليـت فرائد فكره قـد صاغ رائقهـا
لم تبق ناطق شعر في الورى ولقد (أخرست أخرس بغداد وناطقها)

هذا وكانت وفاة المترجم له عشية الاربعاء 13 ربيع الأول من سنة 1366 هـ . وقد شيع إلى مرقده الأخير في مقبرة الاسرة بالنجف الأشرف ، ولم يعقب من الذكور ذرية .
ومن فرائد شعره قوله راثياً جده أمير المؤمنين (ع) من قصيدة طويلة :
يـا لائـمـيّ تـجنّبـا التنـفيـدا فلقد تجنبت الحسان الخـودا
و صحوت من سكر الشباب ولهوه لمـا رأيت صفـاءه تنكيـدا
مـا شفّ قلبي حب هيفاء الدمـى شغفاً و لا رمت الملاح الغيدا
أبـداً ولا أوقفـت صحبي باكـياً من رسـم ربع باليـاً وجديدا
كلا ولا اصغيـت سمعي مطربـاً لحنين قمـريّ شـدا تغريـدا
لكنني أصبحـت مشغـوف الحشا في حـب آل محمد معمـودا
المانعيـن لمـا وراء ظهـورهـم و الطيبيـن سلالـة وجـدودا
قوم أتـى نـص الكتـاب بحبهـم فولاهـم قـد قـارن التوحيدا
فلقـد عقدت ولايَ فيـهـم معلنـاً بولاء حيـدرة فكنـت سعيـدا
صنو النبـي وصهـره و وصيـه نصاً بفرض ولائـه مشهـودا
هو علّـة الإيجاد لـولا شخصـه وعلاه ما كان الوجود وجـودا
هـو ذلك الشبح الـذي فـي جبهة العرش استبان لآدم مرصـودا
هـو جوهر النـور الذي قد شـاقه موسى بسينا فانثنى رعـديـدا
يا جامع الأضـداد فـي أوصافـه جلّت صفاتك مبـدءاً ومعيـدا


ادب الطف - الجزء التاسع313


لـم يفرض الله الحجيـج لبيتـه لو لـم تكن في بيته مولودا
للأنبياء في السـر كنت معاضداً و مع النبي محمد مشهـودا
ولكـم نصرت محمـداً بمواطن فيهـا يعاف الوالد المولـودا
مَن أبهـر الأمـلاك في حملاته و لمن تمدّح جبرئيـل نشيدا
( لا سيف الا ذو الفقار و لا فتى إلا علي ) حيث صاد الصيدا
و من اغتدى في فتح خيبر مقدماً وسواه كان الناكص الرعديدا
و لكـم كفى الله القتـال بسيفـه الإسلام يوم الخندق المشهودا
أردى بهـا عمرو بن ودّ بضربة قد شيدت دين الهـدى تشييدا
أسنى مـن القمرين كـان وإنمـا عميت عيـون معانديه جحودا

والقصيدة طويلة يذكر فيها مصرع الإمام أمير المؤمنين . ذكرها الباحث السيد جودت القزويني في كتاب (مقتل أمير المؤمنين) للمرحوم السيد مير صالح القزويني .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع314


الشيخ حسن الدجيلي


المتوفى 1366

هل الدار من بعـد سكانهـا تريك الخليـطَ بعنـوانها
فرحت تقبل منهـا الطلـول و تعتنق الغصن من بانها
وتذرف فـي ربعها مدمعـاً وتستاف ملعب غزلانهـا
هـو الدهر أخنى على ربعها فحطـم شامـخَ بنيانهـا
وقفت بـه ومـذاب الفـؤاد من العيـن يهمي بهتانها
ذكرتُ به ربع آل الرسـول فسالت عيوني بأجفـانها
لقد كان مهبـط وحـي الإله ومصـدر آيات قرآنهـا
ومنبع أحكام دين النبي (ص) و معدن حكمـة ديّانهـا
ومطلـع شمس هدى العالمين بها أبصرت نهج إيمانهـا
* * *
أطاحت امية منـه العمـاد وباحت بمضمر كفرانها
وقادت جيوشاً لحرب الهدى و جاءت تهادى بطغيانها
تحـاول اطفـاء نـور الإله ونشـر عبـادة أوثانهـا
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع315


وحامي الشريعة هاجت بـه عليها حمية غضبانهـا
فهبت لينقذ دين النبي (ص) من تحت أنياب ثعبانها
سرى بـالبهاليل مـن هاشم يؤمُ العراق بأضعانهـا
اسودُ وغىً فوق جـردٍ عتاق صوافن أمثال عقبانهـا
ضوامرُ ان حفزت للوثـوب بجمـع تصـرّ بآذانهـا
عـليها ليـوثُ بنـي غالـب يضوع الفخار بأردانهـا
وشيدت خيامهم في الطفـوف ونجم السما دون أشكانها
أحاطت بهـم فرق الظالـمين احاطـة عيـنٍ بإنسانهـا
* * *
تحـاول اذعانهـا لابـن هنـد وقطعُ الطُلى دون اذعانها
تمـوتُ كـرامـاً ولا تلتـوي لبّو الصغار برثمانها
هـل المـوت إلا إذا جـردت رقـاف المواض بأيمانها
إذا غنت البيض فوق الرؤوس تميـل نشـاوى بألحانها
وتحسب فـوق الظبا في الجباه لدى الروع معقد تيجانهـا
إذا الجحفل المجر ستر الفجاج عليها وضاقت بشجعانهـا
أمالتـه نثـراً ببيض الصفـاح ونظماً بأطراف خرصانها
أراقـمُ منـدلعـات الـلسـان تلـوكُ المنايـا بأسنانهـا
فـوالهفتـاه لـهـا إذ غـدت معفـرةً فـوق كثبـانهـا
ولم تلوها غيـر كـف القضـا إذ القوم ليسـوا بأقرانهـا
* * *
و لم يبقَ غير امام الهدى و حيداً بحومة ميدانها
يعاني الظما وعجيج النساء يذيب الصفا وقع أرنانها
يعاني على الأرض أنصاره وعفرُ الثرى نسجُ أكفانها
يعاني العدى مثل سيل البطاح وفقـد النصيـر للقيانهـا


ادب الطف - الجزء التاسع316


يـعانـي علـى يـده طفلـه ذبيحـاً بأسهـم وغدانهـا
فلله نفسك يـا علـة الوجـود ويـا قـطـب أكـوانهـا
وتلـك الفطـائـم لـم تثنهـا عن الفكر في أمر رحمانها
تـردع بالصبـر في موقـف يزلزل موقـف تهـلانهـا
و شدّ علـى جمعهـم مفـرداً كمـا شـدّ ليثٌ على ضانها
فأروى الظبا من دمـاء الكماة ولـفّ الرجـال بفرسانهـا
و أطعمهـا مهـج الدار عيـن فخـرّت سجـوداً لأذقانهـا
فلم ترَ في الأرض غير الجسوم وخيـل تجـرّ بأرسـانهـا
يحي الضبـا والقنـا والسهـام طروبـاً بمهجـة ظمـآنهـا
* * *
أصابوا الشريعةً لمّا اصيـبَ وهُدّت قواعد أركانهـا
وطـاح فأظلـمت النيـرات والأرض مادت بسكانها
وكم طفـلة بهجـوم العـدى وطفل يـراع بحرانهـا
فررن النساء كـرب اهيـج مروعاً بعـدوة ذؤبانهـا
حيـارى تعـجّ بأكبـادهـا اذيبـت بالهـب نيرانهـا
تقـوم فتكبـو لمـا نـالهـا وتعثـر فـي ذيل أحزانها
وتهتف باسم أبيها النبي (ص) وطـوراً بأسمتاء فتيانهـا
و سيقت بـرغـم الله حسـراً تلـفُ النجـودَ بغيطـانها(1)
* * *

الشيخ حسن ابن الشيخ محسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الله الدجيلي النجفي ، عالم مرموق مشهور بالتحصيل ومن المعدودين من الفقهاء ، ولد في النجف الأشرف عام 1309 هـ . نشأ على الدرس والتدريس وحلقات

(1) أنشدت في مأتم الحسين (ع) المقام من قبل الهيئة العلمية بالنجف الأشرف في 23 محرم الحرام سنة 1359 هـ .
ادب الطف - الجزء التاسع317


الفقهاء مضافاً إلى شهرة والده العالم الشهير على تدريسه والاعتناء به ، كنت كثيراً ما أشاهده مسرعاً قاصداً جامع الهندي ـ وهو أكبر مسجد في النجف وكان المرحوم الميرزا حسين النائيني يلقي دروسه على تلامذته هناك ومنهم المترجم له ، وكان إذا حضر في المحافل تكون له صدارة المجلس وتطرح المسألة العلمية ويشتدّ النقاش حوله فكان من المجلّين في تحقيقه وخبرته وممن يؤخذ برأيه ويحترم قوله ، طلب مني أن أسهر على ولده الشيخ صالح ليكون منبرياً مرموقاً بين الخطباء فلازمني هذا الولد حرسه الله ملازمة الظل مدة لا تقل عن عشر سنوات فكان كما أراد أبوه فهو اليوم من خطباء النجف اللامعين وبحكم هذه الصلة فقد كانت المودة أكيدة مع الوالد والثقة أصيلة فعرفت منه طيب القلب وسلامة الذات وحسن المعاشرة والنصح لكل أحد من قريب وبعيد ويحب الخير لكل مخلوق مع رجاحة عقل واتزان كامل وربما تذاكرنا ما بيننا بمسألة نحوية وهو يصغي فيفيض علينا من معارفه وكأنه قد راجعها وأتقنها في تلك الآونة ، كان يخرج في السنة مرة واحدة إلى الريف حول النجف والمسماة بمنطقة (المشخاب) بطلب من أهالي تلك المنطقة لأجل التعليم الديني والارشاد والوعظ وصادف مرة ان كنتُ هناك فرأيت من تواضعه ولطف أخلاقه ما جذبني إليه وجعلني أثق به كل الوثوق سيما وقد دار البحث بيني وبينه حول معنى بيت من الشعر للسيد مير علي أبو طبيخ قاله في رثاء المرحوم الشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي من قصيدة وهو :
ولم لا تعذب الأخلاق منه وكان ابن العراق هوىً وماءا

وهل ان الضمير يعود على الممدوح بنصب (ابن) أو أنها جملة مستأنفة فتكون (ابن) مرفوعة لأنها اسم لكان . وقد كرر الذهاب إلى تلك المنطقة حتى توفي بها فجأة سنة 1366 هـ . ,نقل إلى النجف فدفن بها فرثاه جمع من الشعراء لا زلت أتذكر مطلع قصيدة أكبر أولاده وهو العلامة الشيخ أحمد سلمه الله قال :

ادب الطف - الجزء التاسع318


أبي لست أدري كيف أرثيك في نظمي وقد سامني من بعدك الدهر باليتم
وأعلـم أن المـوت لـفـّك بغـتـة وغيّض ينبوع الفضيـلة والعلـم

آثاره : 1 ـ حاشية على (كفاية الأصول) .
2 ـ منظومة في المنطق .
3 ـ ديوان شعره مضافاً إلى رسائله من منثور ومنظوم .
أصارحة الغصنِ الأخضر ..
أنشأها على ضفة دجلة في حديقة غناء ذات أشجار يانعة وأطيار صارحة في (قلعة سكر) على شط الفرات ، وفيها يمدح الغري (النجف) ومرقد الإمام علي عليه السلام :
أصارحةَ الغصنِ الأخضر هنـاك نعيمـك فاستبشري
تسيرين سابحةً في الفضاء و وكرك في الشجر المثمر
فإن شئت تقتطفين الورود وان شئت سنبلـة البيـدر
ملكت الهواء ملكت الفضاء ملكت الجنان مـع الأنهـر
وليس لـذي سلطة امـرة عليك ولا نهـيُ مستهتـر
ولم تسمعي أنةً من ضعيف يضام ولا صوت مستنصر
وقلبك من قبح هـذا الزمان وأهليه فـي مهمـهٍ مقفـر
فمـا للمحاسنِ مـن آمـرٍ ولا للـقبائـح مـن منكـر
تبيتيـن رافلـةً في النعيـم وقلبـي يبيت علـى مجمـر
أحاطت به حالكات الهمـوم فكان لهـا نقطـة المحـور
بضفة دجلـة جسمي مقيـم وقلبي يرفرف فوق الغـري
محل سما ذروة الفرقـدين عـلاً وسما ذروة المشتـري
تضمـن مرقـد سـرّ الإله ومطلع شمس الهـدى حيـدر
وباب مدينة علم النبي (ص) وساقي العطاشا فـي الكوثـر
وحامـل رايتـه فـي غـد ٍ إذا سيقـت النـاس للمحشـر


ادب الطف - الجزء التاسع319


وقـد شيّد الدين فـي سيفـه فتـمّ ولـولاه لـم يذكـر
ومن حارب الجن يـوم القليب و من قلـع الباب في خيبر
ومن ناطح الشرك حتى انجلى الضلال بنور الهدى المسفر
و من لم ترد الشمس إلا اليـه ويوشع فـي سالف الأعصر
و من طهّـر البيت لما ارتقى على كتف المصطفى الأطهر
* * *
امام يقول لنـار الجحيـم خذي ذا اليك وهذا ذري
ولم أخشَ بعـدَ ولائي لـه سؤال نكيـرٍ ولا منكـر
به أكمل الدين (يوم الغدير) و أعلن طه على المنبـر
و قال فمن كنت مولىً لـه فمولاه بعـدي أبو شبـّر
وقدك ن ذلك فـي مسمـعٍ من الحاضرين وفي منظر
فتباً لهـم خالفوا المصطفى و جثمانه بعـدُ لـم يقبـر
وقـد عدلوا بعد عرفانهـم مـن مورد العلم والمصدر
لبيعـة تيـم ومـن بعـده اديلت ضـلالاً الى حبتـر
* * *

وله أيضاً في رثاء سيد الشهداء وقد اشتملت على مدح العترة الهداة عليهم السلام ، وقد تليت في محفل الملائية الذي اقيم لعزاء الحسين عليه السلام في العشرة الثالثة من المحرم سنة 1360 هـ . وكان انشاد القصيدة يوم 26 محرم من السنة المذكورة :
هي النفسُ رصنها بالقناعة والزهد وقصّر خطاها بالوعيـد وبالوعـد
وجانب بها المرعى الوبيل ترفقـاً عن الذل واحملها على منهج الرشد
فما هـي إلا آية فيـك اودعـت لترقى بها أعلى ذرى الحمدِ والمجد
ومـا علمـت إلا يـدُ الله كنههـا و ان وصفت بالقول بالجوهر الفرد
ففجـّر ينابيـع العلـوم و غـذّها من المهـدِ بالعلم الصحيح إلى اللحد


السابق السابق الفهرس التالي التالي