وكنتُ خلقـتُ من ماء وطين |
|
فها أنا صرتُ مـن نـارٍ وماء |
مللت العائديـن وقـد أمالـوا |
|
إليّ رقـابَ إخـوان الصفـاء |
وقالوا : إن صحتـه ترقّـت |
|
فقلت : أرى انحطاطي بارتقائي |
وقالوا : قد شفيت فقلت كفوا |
|
فمـن عللـي تعاليـل الشفـاء |
أرى شبحاً يسير أمامِ عينـي |
|
لغـايتـه فـأحسبـه ورائـي |
وآخر عن مظالمـه تنحّـى |
|
وأكـره فـي مغـادرة الشقـاء |
تبكّيـه المواعـظ لا اختيـاراً |
|
فأين الضحـك في زمـن العناء |
مشى في غيـر عادته الهوينى |
|
ولـكـن لا يسابـق بالـريـاء |
وقـد ألف السكينة لا صلاحـاً |
|
كـلـصٍ تـاب أيـام الـوبـاء |
فيا كبراء هذا العصـر كونـوا |
|
يـداً تطـوي لبـاس الكبريـاء |
وسيروا فـي تواضعكم بشعب |
|
تـواضعكـم لـه درج ارتقـاء |
وأنقى ربوة في الأرض قلـب |
|
أعـدّ لغـرس فسـلان الأخـاء |
ولا مثل القناعـة كنـز عـزٍ |
|
يـدوم وكـل كنـز للـفـنـاء |
ويا عصر الحديد أوثق وصفّد |
|
وكهرب يـا زمـان الكـهربـاء |
ويا مطر القذائف كـم شـواظٍ |
|
لو دقـك في نفـوس الأبـريـاء |
وأذيـال المعاسيـر الحيـارى |
|
بـهـا كـم لاذ أربـاب الثـراء |
وعقبى الظلم ان حانت نـزولاً |
|
جرى منها العقاب علـى السـواء |
فلا الكاسـي تحصّنـه دروعٌ |
|
ولا العـاري يـلاحـظ للعـراء |
حياة المـرء أطيبهـا حيـاء |
|
فلا تطـب الحيـاة بـلا حيـاء |
وأنفس ما يخلـّف معجـزات |
|
يـرتـل آيـهـا دانٍ ونـائـي |
ومَن غالى وأغرق في مديـح |
|
وفـرط حين أفـرط في الثنـاء |
كمدخـرٍ جواهـره الغوالـي |
|
لشـدتـه فبيعـت فـي الرخـاء |
وربّ ممـدّح إفـكـاً وزوراً |
|
أتاه المـدح مـن بـاب الهجـاء |
وما بنـت القوافي بيـت مجد |
|
لمـن قـد بـات منقـضّ البنـاء |
وما أثر الفتى بالشعـر يبقـى |
|
ولـكن بـالعـفـاف وبـالابـاء |
تباعدت عن ريحان ريفك والعصف |
|
وأعرضت يا لمياء عن نفحة العرف |
توسطـتِ أزهـار الربيـع جديبـة |
|
وكيف يكون الجدب في الكلأ الوحف |
خيال الكرى مـا مرّ منـك بمقلـة |
|
فرحت من الأشجان مطروقة الطرف |
سهـرت وغلمـان الحدائـق نـوّمٌ |
|
أهم حرس الأزهار أم فتيـة الكهـف |
وجاورت هاتيك القصـور شواهـقاً |
|
بدار بلا بهـو وبيـت بـلا سقـف |
طوى السائح المقتص صفحة ذكرها |
|
وأصبح مكسوراً لها قلـم الصحفـي |
ومـرّ عليها الشاعـر الفحل مطرقاً |
|
كأن لم يكن في شعره بارع الوصف |
أجارة هذا القصـر نوحك مزعـجٌ |
|
لآنسةٍ فيـه أكبّـت علـى العـزف |
أدرتِ الرحى في الليل يقلق صوتها |
|
وجـارتك الحسنـاء تنقـر بالـدفّ |
تطوف عليها بالكـؤوس نواصعـاً |
|
كواعب أتراب طبعـن على اللطـف |
يُـرشّفنهـا ما ساغ بالكـأس شربه |
|
وشربك من ضحٍّ وكأسـك من كـف |
لـو اسطاع هذا الصرح شحّ بظلـه |
|
على بيتك العاري عن الستر والسجف |
إلى أين يعلـو فـي قرون حديـده |
|
أهل يأت في أمن من الهـدّ والنسـف |
يحاول نطح الكبش وهـو ببرجـه |
|
ويذهل عمـا راع قـارون بالخسـف |
ألا قتــل الإنسـان مـاذا يريـده |
|
وقد جاز حـدّ المسرفيـن أما يكفـي |
أبى أن يسـاوي نوعه في شـؤونه |
|
فجار على صنفٍ ورقّ على صنـف |
وعالـج لاعن حكمة ضـعف نفسه |
|
متى عولج الضعف المبـرّح بالضعف |
فيا بنـتَ حيّي الركائـب والدجـى |
|
على صهوات الحي منسـدل السـدف |
ومَن نبـّة الجزار من سنة الكـرى |
|
لينحرهـا غيـر المسنـات والعجـف |
سمعـت الأغاني فاستمالك لحنهـا |
|
وملت ـ وحاشا ـ للخلاعة والقصف |
نشـدتك مـا أحلى وأحسن موقـعاً |
|
أنغمـة هذا اللحـن أم نغمة الخشـف |
لك الله ما أحلاك من غيـر حليـة |
|
فجيـدٌ بـلا طـوق واذنٌ بلا شنـف |
إذا طرق الجاني عريشـك لابسـاً |
|
فضاضة وجه قُـدّ من جلـدة العسف |
أيرجع فـي خُفّى حنين كمـا أتـى |
|
بغير حنـان أم تراجـع فـي خـف |
ترومين منه العطف أنى ولم نكـن |
|
سمعنا لصمـاء الحجارة من عطـف |
تنسمت نشـر الـورد وهو لأهلـه |
|
وما لك منـه غيـر شمـك بالأنـف |
ولـو علمـوا أن النسيـم يـسوقه |
|
لساقوكـم يا أبريـاء إلى «العرفـي» |
حتـى نبلغ الغايـات سعياً بأرجـل |
|
تعامـت خطاها عن مقاومة الرسـف |
إذا مـا قطعنـا للأمـام فراسخـاً |
|
نـردّ مسافات مـن الخلـف للخلـف |
وقفنا نرى ما لا يصـح ارتكابـه |
|
وليـس لنـا أمـر فنثبـت أو ننفـي |
ترى يا مريض القلب منك ابن علة |
|
يعالجهـا جهـلاً بمشمولـة صـرف |
وتختار موبـوء المواطـن للشفـا |
|
ومن ذا الذي من موطن الداء يستشفي |
ومن فـرّ فـي لذاتـه عن بـلاده |
|
كمن فرّ عن طيب الحياة إلى الحتـف |
سواء فرار المـرء فـي شهواتـه |
|
إلى حيث يردى أو فرارٌ من الزحـف |
فمن لك يـا هذي البلاد بمصلـح |
|
يقـول لأيـدي العـابثيـن ألا كُفـي |
ويـجعلهـم صفاً لـرأي ورايـة |
|
فإن خالفوه يضرب الصـف بالصف |
لي من جناي ـ وما اقترفت جناية ـ |
|
أشواكه والقطف عنـد جناتـي |
واضيـمة الأكفـاء بعـد مناصـب |
|
حفظت مقاعـدَها لغير كُفـاة |
ولوا الامور ولـو أطاعـوا رشدهـم |
|
لسعوا وراء الحق سعـيَ ولاة |
مـن كـل كـأس يستجـد لـنفسـه |
|
حللاً ولكن مـن جلود عـراة |
الناهبـي رمـق الضعيـف وقوتـه |
|
والقاتلي الأوقـات بالشهـوات |
قطعـوا البـلاد ومـنهـم أوصالهـا |
|
والقطع يؤلم مـن أكف جُفـاة |
سكروا بخمـر غرورهـم والعامل ـ |
|
المجهود بين الموت والسكرات |
غزوا المصايـف والهـوى يقتادهـم |
|
لمسـارح الفتـيـان والفتيـات |
هـم أغنمـوا مغـذّوهـم وتراجعـوا |
|
أفهذه العقـبى مـن الغـذوات |
مـال تـكلفـت الجبـاة بـعسفهـم |
|
إحضـاره لخـزائـن اللـذات |
نهـبٌ مـن الحجرات صيح به وفى |
|
عزف القيان يـردّ للحجـرات |
طارت شعاعاً فيـه أيـد لـم تـزل |
|
مخضوبة بالراح في الحانـات |
أدريـت «عاليـة» المصايـف إنـه |
|
مالٌ تحدّر مـن عيـون بُكـاة |
سهـرت عيـون العامليـن لحفظـه |
|
فأضاعه الأقوام في السهـرات |
بـذل القناطيـر الكـرام ومـا دروا |
|
أو ساقها يُجمعـنَ مـن ذرّات |
فهـم كمن يهب المواشي لـم يكـن |
|
فيها لـه مـن ناقـة أو شـاة |
يـا مفقر العمـال إن يـك غيرهـم |
|
سببـاً لاثـراء البـلاد فهـات |
هـم عـدة السلطان فـي الأزمـات |
|
هم حاملوا الأعباء في الحملات |
هم مالـه المخزون والحـرس الـذي |
|
يفديه يـوم الروع في الهجمات |
انظـر لحـالتهـم تجـد أحيـاءَهـم |
|
صوراً مشين بأرجل الأمـوات |
باتوا وسقفهـم السمـاء وأصبحـت |
|
خيل الجباة تغيرُ فـي الأبيـات |
وتستـروا بيـن الكهوف فأيـن مـا |
|
رفعوه من طرف ومن صهوات |
غرقـى وأمـواج الهمـوم تقاذفـت |
|
بهـم لشاطي الظلم والظلمـات |
هـذي الضرائب لا تزال سياطـهـا |
|
تستـوقـف الزعمـاء للضربـات |
لو يدرك الوطـن الذي ضيمـوا بـه |
|
مـاذا لقـوا لأنهـال بالحسـرات |
ما هذه الأصوات ضعضعـت الربـى |
|
واستبكـت الآسـاد في الأجمـات |
أصدى الحجيـج وقـد أنـاب لربـه |
|
طلبـاً لعـفـو الله فـي عرفـات |
أم هـذه الاسـر الكـريمـة أوقفـت |
|
مـن هـذه الأبـواب بالـعتبـات |
أصوات مهتضميـن فـي أوطانهـم |
|
وارحـمتـاه لـهـذه الأصـوات |
وعت الملائك فـي السماء صراخهم |
|
ومن انتجوا في الأرض غير وعاة |
عقدات رمـل الـرافدين تضاعفـي |
|
بعـواصـف الأرزاء والـنكبـات |
قـلّ اصـطبـار النازليك وغلّهـم |
|
يـزداد بـالابـرام والـعـقـدات |
أرثـي لحاضـرهـم فأحمل بؤسـه |
|
والـهـم أحـملـه لـجـيـل آت |
قهـرتهـم أُم السـفـور وذلـلـت |
|
للناشئات مـصـاعـب العـادات |
أصبحن يقعدن الحصيف عن الحجى |
|
ويقفن أغصانـاً علـى الطرقـات |
ما هـذه الوقفـات وهـي خلاعـة |
|
تفضي بهـن لـموقـف الشبهـات |
ما ان مشيـن وراء سلطان الهـوى |
|
إلا سقـطـن بـهـوّة الـعثـرات |
منـع الـسفـور كـتابنـا ونـبيّنـا |
|
فـاستنـطـقي الآثـار والآيـات |
تلك الوجوه هي الرياض بها ازدهت |
|
للناظـريـن شقـائـق الوجنـات |
كانـت تكتّـم فـي البراقـع خيفـة |
|
من أن تمـس حصانـة الخفـرات |
واليـوم فتّحهـا الصبـا فتساقطـت |
|
بـقواطـف الألحـاظ والـقبـلات |
صوني جمالـك بالـبراقـع إنهــا |
|
ستر الحسـان ومظهـر الحسنـات |
وإذا يـلاحقـك الحديـث ولـو أب |
|
فتـراجعـي عـن غنّـة النبـرات |
خير الحديـث إذ جـرى مصبوبـه |
|
للسامـعيـن بقـالـب الاخـفـات |
ايـاك والجـهـر الـذي حصياتـه |
|
يقذفـن حـول مسامـع الجـارات |
فالجهر للرجـل المحاجـج خصمـه |
|
أو للخطيب يقـوم فـي الحفـلات |
فضل الفتـى إخوانـه بعفافـه |
|
وفضلتِ أنت عفائف الأخوات |
وضعي الصدار على الترائب انه |
|
حق عليك فحق نهـدك ناتـي |
وتماثلي في البيت صورة دميـة |
|
مكنونة الأعضاء في الحبرات |
قد تعشق الحسناء لم ينظر لهـا |
|
إلا المثـال بصفحـة المـرآة |
والعشق أطهر ما يكون لسامـع |
|
الأخلاق لا بتبـادل النظـرات |
والوجه مثل الورد لم يك عرضة |
|
للشـم أصبـح ذابل الزهـرات |
وبروق ثغرك للمغازل أسقطـت |
|
درر الـحيـا بتـألق البسمات |
أحدائق الزوراء لاطفك الهـوى |
|
بـعبائـر الأرواح والنسمـات |
قصدوك يقتنصون سربك سانحاً |
|
فأزور وجهك مشرق القسمات |
حتى إذا نصبوا الحبال تواثـبوا |
|
ووقعت يا زوراء في الشبكات |
لعبت مقابيس الطِلابك دورهـا |
|
فأذابت الجمرات فـي الكاسات |
ورأيتها عـجباً فقلت لصاحبـي |
|
ما هـذه النيـران في الجنـات |
كان المؤمّل أنهـا نارُ القـرى |
|
يا عرب أو هي جذوةُ العزمات |
فإذا هي النار التي سطع السنـا |
|
منهـا على الأقـداح والجامات |
أتخوضها ذمـر الشباب بدافـع |
|
من جهلهـم لنتـائج النشـوات |
هبهم أضاعوا المال في لذاتهـم |
|
أيضاع مثل العقل في الشهوات |
ما كان أضعفها نفوساً أذعنـت |
|
للجائـرين الوقـت والقـوات |
عجز الدليـل بأن يقـرّ سفينهـا |
|
يوماً بسـاحل راحـة ونجـاة |
وإذا النفوس تلبست فـي جهلهـا |
|
لا تطمئـن لحكمـة وعظـات |
قالوا : التمدن بساح واختبر الثرى |
|
فرأى «العراق» سريعة الأنبات |
غرس الخلاف بأرضها فتهدلـت |
|
منها قطـوف الـويل والهلكات |
سالت بها عيـن الحياة بزعمهـم |
|
وهـل الحياة تجيء مـن حيات |
يا ظالمين أما لكـم مـن نزعـة |
|
عـن هـذه الأطوار والنزعـات |
سممتـسم الأفكـار وهـي صحيحـة |
|
وخنـقتـم الأقطـار بـالغـازات |
يا حقـب أيـام «الرشيـد» ذواهبـاً |
|
بمحاسـن الآصـال والبـكـرات |
يهنيك انـك قـد ذهبـت ولم تـرى |
|
نوبـاً جريـن بهـذه الـسنـوات |
حق يضـاع وأمـة نكصـت علـى |
|
الأعقـاب بعتـد بلوغهـا الغايات |
ولقـد سألـت مواطنـي بمـدامعـي |
|
عـن هذه الحركـات والسكنـات |
هـل حرمـة بـك للعلـوم وأهلهـا |
|
أنّـى ودهـرك هاتـك الحرمات |
فـمـدارس الأسـلاف لا لفـوائـد |
|
ومـساجـد الاسـلام لا لصـلاة |
فاستعبرت بـدم الفؤاد وقـد رمـت |
|
بالجمـر تخرجـه مـع الكلمـات |
فصمت عرى الرحم القريبة عصبتي |
|
واستـمسـكـت إيمانهـا بعداتـي |
فـبـأي سـابغـة ارد سهـامهـم |
|
و النبـلُ نبلـي والرمـاةُ رماتـي |
زعمـوا حمايتنـا بهـم وتوهمـوا |
|
ان تـستـظـل حماتـنـا بحمـاة |
ماذا السكوت هـو الخضـوع وإنـه |
|
لـو يعـلمـون تربـص الوثبـات |
أعـدوة الانصـاف اذنـك مـالهـا |
|
رتقـت عـن الاصغـاء والانصات |
كـم قـد نفيت المدعيـن بحـقهـم |
|
و النفـي آيتـهـم علـى الاثبـات |
ومـن القضاء على البلاد خصومها |
|
لـو رافعـوهـا منـهـم لقـضـاة |
بـليـت بـآفـات البحـار بلادنـا |
|
و شـبابهـا مـن أكـبـر الآفـات |
رقطـا حوينَ المال في وجـه الثرى |
|
فمـتـى يتـاح لقبـضهـا بحـواة |
لـم نـام ثائركـم وواتركـم مشـت |
|
خيـلاؤه منـكـم علـى الهامـات |
أنـسـيتـم الآراء أجـمـع أمـرهـا |
|
أن لا يـظلكـم سـوى الـرايـات |
ارفـعتـم عـقبـانهـم وجـعـلتـم |
|
الأوكان منهـا فـي جسـوم عتـاة |
وأطـار أسـرابـاً عليكـم حـوّمـاً |
|
شبـه البـزاة ولـم تـكـن ببـزاة |
بيضـاً تـناذرهـا النسـور بجوّهـا |
|
و تخافهـا الآسـاد فـي الأجمـات |
فـصعـدتـم والمـوت منهـا نـازل |
|
و وقفتـم فـي أرفـع الـدرجـات |
بيّتموهـم فـاستفذّهـم الـردى |
|
وتنقلوا مـن ظلمـة لسبـات |
وضربتم شـرك الحصار عليهم |
|
فارتدّ هاربهم عـن الافـلات |
واستقتم مثـل الربـائق منهـم |
|
اسرى يدار بهم على الجبهات |
حتى أتوا الحمى الوصي فرنجة(1) |
|
سحبتهـم الأغـلال للذكـوات |
شادت بعاصمة العراق سيوفكم |
|
عرشاً قواعـده مـن الهمـات |
بلـطتمـوه فاستقـرّ قـراره |
|
واعـدتمـوه أبلـج الـجنبـات |