ادب الطف - الجزء التاسع276


ومن روائعه قوله :
يا ما طل الوعـد ما هـذي الأساطيـرُ زادت على السمع هاتيك المعاذير
الـعـدل منـك سمعنـاه ولـم نـره والجور منك أمام العين منظـور
إن قلت عصري عصر النـور مفتخراً فظلمة الظلم ما في فجرها نـور
وهـل يفيـد جمال الـوجـه ناظـره والبرقع الدكن فيه الحسن مستور
أفـراد قومك عاشـوا عيشـة رغـداً وما دروا أنها ماتـت جماهيـر
بيوتهـم مـن بيـوت الشعب مدخلهـا ومـن عمايره تلـك المقاصيـر
تمسي سـواءً لـو أن الحـال أنصفهـا لكنمـا هـي مهـدوم ومعمـور
أقـول للـغـرف اللاتـي ستائـرهـا لها بمسح جبيـن الشمس تأثيـر
تواضعي واعـرفي قـدر البُنـاة فمـن صنايع الشعب رصتك المقاديـر
فأيـن مـا ثبـت البانـون مـن أُطـم وأين ما شاده كسـرى وسابـور
هـذا الخـورنق مطمـوس بـلا أثـر وذي المدائن لا بهـوٌ ولا سـور
يا حارث الأرض والساقـي وباذرهـا قتّـر إذا نفـع المحـروم تقتيـر
إذا أتـاك رجـال الخـرص فألـقهـم بطلعة برقـت منهـا الأساريـر
إن باغتـوك بنـار شـبّهـا غضـب وسعّرتها من العسف الأعاصيـر
فأحفظ بقايـا حبـوب منهـم سقطـت فـلـلبقايـا ببغـداد منـاقـيـر
طارت من الغـرب والأطماع أجنحـة والغاية الشـرق واللقـط الدنانيـر
ألا نكيـرَ عـلـى أعـلام حـاضـرة قضت بتعريفهـم تلـك المناكيـر
كـالعبـد صبغتـه السـوداء ثـابتـةٌ على المسمى بهـا والاسم كافـور
تقدمـوا فانتـظـر يومـاً تأخـرهـم والدهـر يومـان تقديـم وتأخيـر
لا تعجبـن إذا راجـت لـهـم صـور فالعصـر رائجـة فيه التصاويـر
ولا تـخـل أنهـم حـرّاس ممـلكـة فطالمـا تسرق الكـرم النواطيـر
مـن الغرائـب أن الهـرّ فـي وطنـي ليـثٌ يـدلُّ وان اللـيـث سنـّور


ادب الطف - الجزء التاسع277


جرياً على العكس كم وجه يكون قفـاً وكـم قفـاً ولـه وجـهٌ وتصديـر
يا لانقلابٍ بـه العصفور صقر ربـى والصقر ذو المخلب المعوج عصفور
تبـدل الناس والأرض الفضاء علـى أديـمهـا لاح تبـديـل وتـغييـر
يا من رأى الدير والخابور مـن قـدم لا الدير ديرٌ ولا الخابـور خابـور
خوفي على الوطـن المحبوب ألجمني فلـم يـذع لـي منظـومٌ ومنثـور
كـأنني مـذ غـدا حتماً عـلى شفتي ليـث يكـظ على أشداقـه الزيـر(1)
أفحص فؤادي يا دهر تجـد حجـراً صلـداً ولكنـه بالخطـب منقـور
يُرمى البريء نزيـه النفس طاهرهـا بالموبقات وذنـب اللـص مغفـور
مثل البغيـة يطـوي العهـر رايتهـا وبندُها فـوق ذات الخـدر منشـور
فيـا سيوفاً قيـون الغـدر تشهرهـا ما هكـذا تفعل البيـض المشاهيـر
نحرتـم وطعنتـم قلـبَ مـوطنكـم حتـى يقـال مطاعيـن منـاحيـر
لا تستهينـوا بضعـف في جوارحنـا فـكـم دم قـد أسالتـه الأظـافيـر
كبرتـم الأنفـس اللاتـي مشاعـرها لها وان طال فيهـا العمـر تقصيـر
زجاجـة الخـط ان أمسـت تكبّرهـا فالذرّ ليس لـه فـي العيـن تكبيـر
مطـاول الفلـك الأعلى قصرت يـداً فالآن أيسـر مـا حاولـت ميسـور
ما في يديـك خسوف البـدر مكتمـلاً وليس فيها لقـرص الشمـس تكويـر
انظـر إلـى القبـة الزرقـاء عاليـة وسقفـهـا بنجـوم الزهـر مسمـور
واستغرق الفكر في مجـرى مجرّتهـا فذاك بحرٌ يفيـض اللطـف مسجـور
مـوج مـن النـور عـال لا يسكّنـه إلا الـذي مـن سنـاه ذلـك النـور
كأنـه والنجـوم الـزهـر طـالعـة سـجنجـل نبـتـت فيهـا الأزاهيـر
يـا طائـرين علـى بيـض مجنحتة حطـوا على الوكنات الجوّ أو طيـروا


(1) الزير : الدن .
ادب الطف - الجزء التاسع278


ما هذه الأرض تبقى ور طيركـم ولا الوقوف لها في الجور مقدور
لقد أمنتـم على خفّاقهـا خطـراً وكم تجيءُ من الأمن المخاطيـر
هوى مـن الجهـة العليا لهوتهـا والصور منحطمٌ والظهر مكسور
رحى تدور لهذا القطـر طاحنـة ومن مطاعمهـا الديـار والدور
الشرق يبكي وسنّ الغرب ضاحكة لصوتها أهـو رعد أم مزاميـر
يا ربة الخدر عن نظارك احتجبي إن الحجاب لمنصوصٌ ومأثـور
وطهّـر النفس بالأخلاق فاضلـة فـانهـا لـك تنزيـه وتطهيـر
شُذّي أزارك ممدوداً فكم نظـري على الخيانة أضحى وهو مقصور

ومن شعره أيضاً :
هـذه خيلنـا الجياد الصفوافـن أنفـت أن تقـاد فـي يـد راسـن
لا تسسها فكـم بـها ذات متـن يـدرك الحس مـن يمينـك مايـن
نفرت عن منابت الهون مرعـىً ويداهـا مـا خاضتـا الماء آجـن
أن تفض في الرمال فهي سيول أو تخض في الدمـاء فهي سفائـن
تطحن الشوس في رحاها دقيقـاً والدم المـاء والنسـور العواجـن
لست أدري مطاعـم من كـرام الطير للوحش في الوغى أم مطاعن
كيف تظمى والبيض مثل السواقي مائجات يفعمـن غـدر الجواشـن
عبرت لجـة المنايـا وجـازت ساحـليـهـا مـياسـراً وميامـن
ورأت من صنايع البيض فيهـا بأكـف الـجـرحى الرماح محاجن
يا لـه موقف اخـتلاط فسهـم في قـراب وانصـل فـي كنائـن
ومخاليـب أجـدل فـي سييبٍ ونـواصـي طمـرةٍ فـي براثـن
أيـن لا أينها أخافـت فأمسـى سبّها فـي الوكـون ليـس بآمـن
باعدت مشرع الفراتين طوعـاً وعلـى الكـره تحتسي النـزر آسن
مـا ظننـا أن السوابـق منهـا ملحقـات بـمـا اقتنـاه المراهـن
ما أراهـا هانت فذلـّت ولكـن درست حـال شـعبهـا المتهـاون


ادب الطف - الجزء التاسع279


فبكتـه الآمــال دوح خـلاف لم يقـم تحـت ظلـه متضامـن
أي دوح فـي أصله عـذل لاحٍ وعلـى فـرعـه ترنّـم لاحـن
ضعفت أنفسٌ ترى فـي دواهـا وهـو الـداء حفظهـا بمعـاون
وإذا صـارع المريـض المنايتا والطبيـب العـدو فالمـوت حاين
كيف يرجى إشفاق أعدى طبيب حرّك الداء طبعـه وهـو ساكـن
يصف الهدم للجسـوم علاجـاً فكـأن البنـاء نقـض المساكـن
ناعم البال لـيس تزهـو بشيء نعمـة لا يـذبّ عنهـا مخاشـن
إن من بات فوق ليـن الحشايـا غير موف عهـداً عليـه لخايـن
قد يعيـن العِـدا عليـه بـرأي وبـسيـف مـصالـح و مهـادن
ظهـرت للعيـان منـك خفايـا ومـن الستـر إن يكـنّ كوامـن
قلـت انـي للمحسنيـن مسـاو والمسـاوي تقـول أنـت مبايـن
يا دريس الآثـار جـدد حديثـاً مرسلاً عنك لا حديـث العناعـن
أحزم النـاس ناهـض بعظـام من مساعيـه لا عظـام الدفائـن
كم ركبنـا ليستظـل ابـن فتجّ من هجير الضحى ويعصـم راكن
كـم صروح تبلّطـت برخـام طحنتها رحى الخطوب الطواحـن
قل لأهل السواد لا جـاورتهـم فـي البوادي شقايـق وسواسـن
ضربتكـم أيديكـم فافتـرقتـم وخـلا مـعبـد وفـارق سـادن
وضيع قضـي عليهـا ضيـاع وكـنـوز تحـوّلـت لخـزائـن
فلقتكـم فواحـصٌ مـذ رأتكـم هضباً قد ركـدن فـوق معـادن

وبي ألمٌ :
طبيبي ما عرفتَ عياء دائـي وأنت معالج الـداء العيـاء
أنا أدري بدائي فهو ضعـف السواعد عن صراع الأقوياء
وبـي ألـمٌ يؤرقنـي فتعـي يميني فيه عن جذب الـرداء
وحمّى خالطت عرقاً بجسمي فباتا مزمعين على اصطلائي


ادب الطف - الجزء التاسع280


وكنتُ خلقـتُ من ماء وطين فها أنا صرتُ مـن نـارٍ وماء
مللت العائديـن وقـد أمالـوا إليّ رقـابَ إخـوان الصفـاء
وقالوا : إن صحتـه ترقّـت فقلت : أرى انحطاطي بارتقائي
وقالوا : قد شفيت فقلت كفوا فمـن عللـي تعاليـل الشفـاء
أرى شبحاً يسير أمامِ عينـي لغـايتـه فـأحسبـه ورائـي
وآخر عن مظالمـه تنحّـى وأكـره فـي مغـادرة الشقـاء
تبكّيـه المواعـظ لا اختيـاراً فأين الضحـك في زمـن العناء
مشى في غيـر عادته الهوينى ولـكـن لا يسابـق بالـريـاء
وقـد ألف السكينة لا صلاحـاً كـلـصٍ تـاب أيـام الـوبـاء
فيا كبراء هذا العصـر كونـوا يـداً تطـوي لبـاس الكبريـاء
وسيروا فـي تواضعكم بشعب تـواضعكـم لـه درج ارتقـاء
وأنقى ربوة في الأرض قلـب أعـدّ لغـرس فسـلان الأخـاء
ولا مثل القناعـة كنـز عـزٍ يـدوم وكـل كنـز للـفـنـاء
ويا عصر الحديد أوثق وصفّد وكهرب يـا زمـان الكـهربـاء
ويا مطر القذائف كـم شـواظٍ لو دقـك في نفـوس الأبـريـاء
وأذيـال المعاسيـر الحيـارى بـهـا كـم لاذ أربـاب الثـراء
وعقبى الظلم ان حانت نـزولاً جرى منها العقاب علـى السـواء
فلا الكاسـي تحصّنـه دروعٌ ولا العـاري يـلاحـظ للعـراء
حياة المـرء أطيبهـا حيـاء فلا تطـب الحيـاة بـلا حيـاء
وأنفس ما يخلـّف معجـزات يـرتـل آيـهـا دانٍ ونـائـي
ومَن غالى وأغرق في مديـح وفـرط حين أفـرط في الثنـاء
كمدخـرٍ جواهـره الغوالـي لشـدتـه فبيعـت فـي الرخـاء
وربّ ممـدّح إفـكـاً وزوراً أتاه المـدح مـن بـاب الهجـاء
وما بنـت القوافي بيـت مجد لمـن قـد بـات منقـضّ البنـاء
وما أثر الفتى بالشعـر يبقـى ولـكن بـالعـفـاف وبـالابـاء


ادب الطف - الجزء التاسع281


ومصطنع الرجال بما توالت عليهم راحتاه من العطاء
إذا دهمتـه نـازلـة فـدوه فسابقهم إلى شرف الفداء
كذا الانسان مهمـا شاء يعلو وإلا فهو من إبـل وشاء

ألا قتل الانسان ..
تباعدت عن ريحان ريفك والعصف وأعرضت يا لمياء عن نفحة العرف
توسطـتِ أزهـار الربيـع جديبـة وكيف يكون الجدب في الكلأ الوحف
خيال الكرى مـا مرّ منـك بمقلـة فرحت من الأشجان مطروقة الطرف
سهـرت وغلمـان الحدائـق نـوّمٌ أهم حرس الأزهار أم فتيـة الكهـف
وجاورت هاتيك القصـور شواهـقاً بدار بلا بهـو وبيـت بـلا سقـف
طوى السائح المقتص صفحة ذكرها وأصبح مكسوراً لها قلـم الصحفـي
ومـرّ عليها الشاعـر الفحل مطرقاً كأن لم يكن في شعره بارع الوصف
أجارة هذا القصـر نوحك مزعـجٌ لآنسةٍ فيـه أكبّـت علـى العـزف
أدرتِ الرحى في الليل يقلق صوتها وجـارتك الحسنـاء تنقـر بالـدفّ
تطوف عليها بالكـؤوس نواصعـاً كواعب أتراب طبعـن على اللطـف
يُـرشّفنهـا ما ساغ بالكـأس شربه وشربك من ضحٍّ وكأسـك من كـف
لـو اسطاع هذا الصرح شحّ بظلـه على بيتك العاري عن الستر والسجف
إلى أين يعلـو فـي قرون حديـده أهل يأت في أمن من الهـدّ والنسـف
يحاول نطح الكبش وهـو ببرجـه ويذهل عمـا راع قـارون بالخسـف
ألا قتــل الإنسـان مـاذا يريـده وقد جاز حـدّ المسرفيـن أما يكفـي
أبى أن يسـاوي نوعه في شـؤونه فجار على صنفٍ ورقّ على صنـف
وعالـج لاعن حكمة ضـعف نفسه متى عولج الضعف المبـرّح بالضعف
فيا بنـتَ حيّي الركائـب والدجـى على صهوات الحي منسـدل السـدف
ومَن نبـّة الجزار من سنة الكـرى لينحرهـا غيـر المسنـات والعجـف
سمعـت الأغاني فاستمالك لحنهـا وملت ـ وحاشا ـ للخلاعة والقصف


ادب الطف - الجزء التاسع282


نشـدتك مـا أحلى وأحسن موقـعاً أنغمـة هذا اللحـن أم نغمة الخشـف
لك الله ما أحلاك من غيـر حليـة فجيـدٌ بـلا طـوق واذنٌ بلا شنـف
إذا طرق الجاني عريشـك لابسـاً فضاضة وجه قُـدّ من جلـدة العسف
أيرجع فـي خُفّى حنين كمـا أتـى بغير حنـان أم تراجـع فـي خـف
ترومين منه العطف أنى ولم نكـن سمعنا لصمـاء الحجارة من عطـف
تنسمت نشـر الـورد وهو لأهلـه وما لك منـه غيـر شمـك بالأنـف
ولـو علمـوا أن النسيـم يـسوقه لساقوكـم يا أبريـاء إلى «العرفـي»
حتـى نبلغ الغايـات سعياً بأرجـل تعامـت خطاها عن مقاومة الرسـف
إذا مـا قطعنـا للأمـام فراسخـاً نـردّ مسافات مـن الخلـف للخلـف
وقفنا نرى ما لا يصـح ارتكابـه وليـس لنـا أمـر فنثبـت أو ننفـي
ترى يا مريض القلب منك ابن علة يعالجهـا جهـلاً بمشمولـة صـرف
وتختار موبـوء المواطـن للشفـا ومن ذا الذي من موطن الداء يستشفي
ومن فـرّ فـي لذاتـه عن بـلاده كمن فرّ عن طيب الحياة إلى الحتـف
سواء فرار المـرء فـي شهواتـه إلى حيث يردى أو فرارٌ من الزحـف
فمن لك يـا هذي البلاد بمصلـح يقـول لأيـدي العـابثيـن ألا كُفـي
ويـجعلهـم صفاً لـرأي ورايـة فإن خالفوه يضرب الصـف بالصف

تنهدات ..
عـبر الزمان استجلبت عبراتي والانت الأيـام صـدر قناتي
انى أعان على الجهاد بواحـد وخطوبها يملأن ستّ جهاتي
انى التفتُ رأيت خطباً هائـلاً فكأنما الأهوال فـي لفتاتـي
وإذا أردت صراعها في نهضة عاقتني الأيام عـن نهضاتي
نفسـي لماء الرافدين يسيلهـا نفس يصعّده جوى الزفرات
يحيا به خصمي فأشرق بالردى وأذاد عنه وفيه ماء حياتي
لا دجلتي أمّ السيـول بدجلتـي كلا ولا هذا الفرات فراتي


ادب الطف - الجزء التاسع283


لي من جناي ـ وما اقترفت جناية ـ أشواكه والقطف عنـد جناتـي
واضيـمة الأكفـاء بعـد مناصـب حفظت مقاعـدَها لغير كُفـاة
ولوا الامور ولـو أطاعـوا رشدهـم لسعوا وراء الحق سعـيَ ولاة
مـن كـل كـأس يستجـد لـنفسـه حللاً ولكن مـن جلود عـراة
الناهبـي رمـق الضعيـف وقوتـه والقاتلي الأوقـات بالشهـوات
قطعـوا البـلاد ومـنهـم أوصالهـا والقطع يؤلم مـن أكف جُفـاة
سكروا بخمـر غرورهـم والعامل ـ المجهود بين الموت والسكرات
غزوا المصايـف والهـوى يقتادهـم لمسـارح الفتـيـان والفتيـات
هـم أغنمـوا مغـذّوهـم وتراجعـوا أفهذه العقـبى مـن الغـذوات
مـال تـكلفـت الجبـاة بـعسفهـم إحضـاره لخـزائـن اللـذات
نهـبٌ مـن الحجرات صيح به وفى عزف القيان يـردّ للحجـرات
طارت شعاعاً فيـه أيـد لـم تـزل مخضوبة بالراح في الحانـات
أدريـت «عاليـة» المصايـف إنـه مالٌ تحدّر مـن عيـون بُكـاة
سهـرت عيـون العامليـن لحفظـه فأضاعه الأقوام في السهـرات
بـذل القناطيـر الكـرام ومـا دروا أو ساقها يُجمعـنَ مـن ذرّات
فهـم كمن يهب المواشي لـم يكـن فيها لـه مـن ناقـة أو شـاة
يـا مفقر العمـال إن يـك غيرهـم سببـاً لاثـراء البـلاد فهـات
هـم عـدة السلطان فـي الأزمـات هم حاملوا الأعباء في الحملات
هم مالـه المخزون والحـرس الـذي يفديه يـوم الروع في الهجمات
انظـر لحـالتهـم تجـد أحيـاءَهـم صوراً مشين بأرجل الأمـوات
باتوا وسقفهـم السمـاء وأصبحـت خيل الجباة تغيرُ فـي الأبيـات
وتستـروا بيـن الكهوف فأيـن مـا رفعوه من طرف ومن صهوات
غرقـى وأمـواج الهمـوم تقاذفـت بهـم لشاطي الظلم والظلمـات


ادب الطف - الجزء التاسع284


هـذي الضرائب لا تزال سياطـهـا تستـوقـف الزعمـاء للضربـات
لو يدرك الوطـن الذي ضيمـوا بـه مـاذا لقـوا لأنهـال بالحسـرات
ما هذه الأصوات ضعضعـت الربـى واستبكـت الآسـاد في الأجمـات
أصدى الحجيـج وقـد أنـاب لربـه طلبـاً لعـفـو الله فـي عرفـات
أم هـذه الاسـر الكـريمـة أوقفـت مـن هـذه الأبـواب بالـعتبـات
أصوات مهتضميـن فـي أوطانهـم وارحـمتـاه لـهـذه الأصـوات
وعت الملائك فـي السماء صراخهم ومن انتجوا في الأرض غير وعاة
عقدات رمـل الـرافدين تضاعفـي بعـواصـف الأرزاء والـنكبـات
قـلّ اصـطبـار النازليك وغلّهـم يـزداد بـالابـرام والـعـقـدات
أرثـي لحاضـرهـم فأحمل بؤسـه والـهـم أحـملـه لـجـيـل آت
قهـرتهـم أُم السـفـور وذلـلـت للناشئات مـصـاعـب العـادات
أصبحن يقعدن الحصيف عن الحجى ويقفن أغصانـاً علـى الطرقـات
ما هـذه الوقفـات وهـي خلاعـة تفضي بهـن لـموقـف الشبهـات
ما ان مشيـن وراء سلطان الهـوى إلا سقـطـن بـهـوّة الـعثـرات
منـع الـسفـور كـتابنـا ونـبيّنـا فـاستنـطـقي الآثـار والآيـات
تلك الوجوه هي الرياض بها ازدهت للناظـريـن شقـائـق الوجنـات
كانـت تكتّـم فـي البراقـع خيفـة من أن تمـس حصانـة الخفـرات
واليـوم فتّحهـا الصبـا فتساقطـت بـقواطـف الألحـاظ والـقبـلات
صوني جمالـك بالـبراقـع إنهــا ستر الحسـان ومظهـر الحسنـات
وإذا يـلاحقـك الحديـث ولـو أب فتـراجعـي عـن غنّـة النبـرات
خير الحديـث إذ جـرى مصبوبـه للسامـعيـن بقـالـب الاخـفـات
ايـاك والجـهـر الـذي حصياتـه يقذفـن حـول مسامـع الجـارات
فالجهر للرجـل المحاجـج خصمـه أو للخطيب يقـوم فـي الحفـلات


ادب الطف - الجزء التاسع285


فضل الفتـى إخوانـه بعفافـه وفضلتِ أنت عفائف الأخوات
وضعي الصدار على الترائب انه حق عليك فحق نهـدك ناتـي
وتماثلي في البيت صورة دميـة مكنونة الأعضاء في الحبرات
قد تعشق الحسناء لم ينظر لهـا إلا المثـال بصفحـة المـرآة
والعشق أطهر ما يكون لسامـع الأخلاق لا بتبـادل النظـرات
والوجه مثل الورد لم يك عرضة للشـم أصبـح ذابل الزهـرات
وبروق ثغرك للمغازل أسقطـت درر الـحيـا بتـألق البسمات
أحدائق الزوراء لاطفك الهـوى بـعبائـر الأرواح والنسمـات
قصدوك يقتنصون سربك سانحاً فأزور وجهك مشرق القسمات
حتى إذا نصبوا الحبال تواثـبوا ووقعت يا زوراء في الشبكات
لعبت مقابيس الطِلابك دورهـا فأذابت الجمرات فـي الكاسات
ورأيتها عـجباً فقلت لصاحبـي ما هـذه النيـران في الجنـات
كان المؤمّل أنهـا نارُ القـرى يا عرب أو هي جذوةُ العزمات
فإذا هي النار التي سطع السنـا منهـا على الأقـداح والجامات
أتخوضها ذمـر الشباب بدافـع من جهلهـم لنتـائج النشـوات
هبهم أضاعوا المال في لذاتهـم أيضاع مثل العقل في الشهوات
ما كان أضعفها نفوساً أذعنـت للجائـرين الوقـت والقـوات
عجز الدليـل بأن يقـرّ سفينهـا يوماً بسـاحل راحـة ونجـاة
وإذا النفوس تلبست فـي جهلهـا لا تطمئـن لحكمـة وعظـات
قالوا : التمدن بساح واختبر الثرى فرأى «العراق» سريعة الأنبات
غرس الخلاف بأرضها فتهدلـت منها قطـوف الـويل والهلكات
سالت بها عيـن الحياة بزعمهـم وهـل الحياة تجيء مـن حيات
يا ظالمين أما لكـم مـن نزعـة عـن هـذه الأطوار والنزعـات


ادب الطف - الجزء التاسع286


سممتـسم الأفكـار وهـي صحيحـة وخنـقتـم الأقطـار بـالغـازات
يا حقـب أيـام «الرشيـد» ذواهبـاً بمحاسـن الآصـال والبـكـرات
يهنيك انـك قـد ذهبـت ولم تـرى نوبـاً جريـن بهـذه الـسنـوات
حق يضـاع وأمـة نكصـت علـى الأعقـاب بعتـد بلوغهـا الغايات
ولقـد سألـت مواطنـي بمـدامعـي عـن هذه الحركـات والسكنـات
هـل حرمـة بـك للعلـوم وأهلهـا أنّـى ودهـرك هاتـك الحرمات
فـمـدارس الأسـلاف لا لفـوائـد ومـساجـد الاسـلام لا لصـلاة
فاستعبرت بـدم الفؤاد وقـد رمـت بالجمـر تخرجـه مـع الكلمـات
فصمت عرى الرحم القريبة عصبتي واستـمسـكـت إيمانهـا بعداتـي
فـبـأي سـابغـة ارد سهـامهـم و النبـلُ نبلـي والرمـاةُ رماتـي
زعمـوا حمايتنـا بهـم وتوهمـوا ان تـستـظـل حماتـنـا بحمـاة
ماذا السكوت هـو الخضـوع وإنـه لـو يعـلمـون تربـص الوثبـات
أعـدوة الانصـاف اذنـك مـالهـا رتقـت عـن الاصغـاء والانصات
كـم قـد نفيت المدعيـن بحـقهـم و النفـي آيتـهـم علـى الاثبـات
ومـن القضاء على البلاد خصومها لـو رافعـوهـا منـهـم لقـضـاة
بـليـت بـآفـات البحـار بلادنـا و شـبابهـا مـن أكـبـر الآفـات
رقطـا حوينَ المال في وجـه الثرى فمـتـى يتـاح لقبـضهـا بحـواة
لـم نـام ثائركـم وواتركـم مشـت خيـلاؤه منـكـم علـى الهامـات
أنـسـيتـم الآراء أجـمـع أمـرهـا أن لا يـظلكـم سـوى الـرايـات
ارفـعتـم عـقبـانهـم وجـعـلتـم الأوكان منهـا فـي جسـوم عتـاة
وأطـار أسـرابـاً عليكـم حـوّمـاً شبـه البـزاة ولـم تـكـن ببـزاة
بيضـاً تـناذرهـا النسـور بجوّهـا و تخافهـا الآسـاد فـي الأجمـات
فـصعـدتـم والمـوت منهـا نـازل و وقفتـم فـي أرفـع الـدرجـات


ادب الطف - الجزء التاسع287


بيّتموهـم فـاستفذّهـم الـردى وتنقلوا مـن ظلمـة لسبـات
وضربتم شـرك الحصار عليهم فارتدّ هاربهم عـن الافـلات
واستقتم مثـل الربـائق منهـم اسرى يدار بهم على الجبهات
حتى أتوا الحمى الوصي فرنجة(1) سحبتهـم الأغـلال للذكـوات
شادت بعاصمة العراق سيوفكم عرشاً قواعـده مـن الهمـات
بلـطتمـوه فاستقـرّ قـراره واعـدتمـوه أبلـج الـجنبـات

توجع وحنين ..
كتم الهوى والدمع أعلـن صبٌ بأهل الريف يفتـن
عانى الصبابة من صبـا ه وداؤها في القلب أزمن
تبكي الحمامـة إن بكـى وتئن فوق الغصن إن أن
ذكـر الذيـن تـريفـوا والسحب حول الحي هتّن
والعيـس أطربهـا الحدا ء وخيلهم للسبـق تعتـن
والروض ألبسـه الحيـا حللاً مـن الورد الملـوّن
وسري هذا الحي سيطره الإبـا فـيهـم وهيـمـن
هـزّ النـَديّ حـديثُـه عن محتـد العرب المعنعن
يكفي من التاريـخ مـا مـلأ القلـوب بـه ودوّن
داعـي الصلاة بجنبـه داعي صلات الوفـد أذن
يترسل البطـل الفصيح وصوته في الجوّ قـد رَن
بنـصائـح لبـلاغهـا قلبُ العلند الصلب أذعـن
ورق الأراك غطاؤهـم ومهادُهـم شيـحٌ وسَوسَن
الطاعنـون ومـا يهـم لأسنة الوصمـات مطعـن
والـجاعلـون بيوتهـم للخائـف المطرود مـأمن
لا يتبعـون عطـاءهـم و صنايع المعروف في من


(1) يشير إلى وصول قسم من اسرى الانكليز الى النجف بعد ثورة سنة 1920 م .
ادب الطف - الجزء التاسع288


غالـوا بقيـمـة جـارهـم والـجـار عقـد لا يُثمـّن
لـو أعطـى الـدنيـا لمـا جذبتـه زينتهـا فيظـعـن
من أيـن أقبل مـا وعـت أذن له ، أو قـول مـمـن
كـم أحسنـوا و سكوتهـم عن ذكريـات المـنّ أحسن
و المـرء يرجـح فضلـه ما دام بـالحسنـات يـوزن
أنفق حطامك ما استطععت تجـده فـي الآثـار يُخـزن
ربـح الصفـا متـريـف لا مـَن تمصـر أو تمـدين
إن المدائـن أصبـحـت لنـتـائـج الآمـال مدفـن
ومـن الغرائـب سائـحٌ وصف العراق الرحب بالظن
هَنّـا البـلادَ بـرغدهـا ولـو اهتـدى للحـق أبـّن
هل ترغـد الامـم التـي بديـارها الأخطـار تستـن
مـا للسياسـة مـا لهـا لمراسـم الأوهـام تـركـن
تبنى علـى متـن الهبـا في سحرها الصرح المحصن
وعلى الخُـداع تمرنـت حقبـاً ففـاتـت مـن تمرن
فسحت مياديـن الرهـان وعنـدها القصبـات تـرهن
وبرأيها الفـرس الكريـم به هجيـن الأصـل يقـرن
الله بـالـوطـن الــذي فيـه الذيـاب عـلا وطنطن
يـا ما ضغيـن خراجـه من مغـرسي زاكٍ ومعـدن
أتلـفـتـمـوه وقـلتـم منا الـدمار وأنـت تضمـن
فسلـوا البواخر هل غدت من غيـر هـذا النهب تُشحن
وسلـوا القوافـل ما على تلك الظـهـور ومـا تبطـن
وسلـوا المناصب هل بها مـن أهلـهـا أحـد تعنـون
وسلـوا المراسيـم التـي أقـلامهـا للحـق تطـعـن
يا ذا الأجم انكـص فقـد لاقـاك كبـش النطح أقـرن
أو فاتخـذ لـك في دمـا غك من نسيج الصبر جوشن


السابق السابق الفهرس التالي التالي