ادب الطف - الجزء التاسع262


وقال ملغزاً باسم أمين :
وبمهجتي من قد تسلّم مهجتي نقداً وألوى بالوصال ديـوني
عجباً لقلبي كيف ضاع وإنني أودعته في الحب عند (أمين)

ومن نوادره :
تولّى أصفهان أمير جـور ولم يعزله إكثار الشكاية
فأظهر في الولاية كل جور إلهي لا تمته على الولايه

وله غير هذا كثير وقد كتب بقلمه ترجمته بطلب من العلامة الشيخ محمد علي الأورد بادي وفصّل فيها مراحل حياته بصورة مقتضبة وذكر فيها أنه سيفرد كتاب عن حياته وذكرياته بعنوان : أنا والأيام .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع263


الشيخ عبد الله معتوق

المتوفى 1362

غـلـيـل فـؤادي لا يـبـردُ ونار الجوى منه لا تخمـدُ
وقلبي من الوجـد لا يستريـح وعيشي ما عشت لا يرغد
لذكرى مصاب رمى العالميـن بحزن مدى الدهر لا ينفـد
مصاب الحسين ابن بنـت النبي ومن هو في العالم الـمرشد
مصاب اصيبت بـه المكرمات أصيب به المجد والسـؤدد
أصيب به الديـن ديـن الالـه اصيب به المصطفى أحمد
اصيب بـه المرتضـى حيـدر وفاطـم والحسن والامجد
اصيـب بـه الأنبيـاء الكـرام قديـماً فحزنهـم سرمـد
فـمـن سـائل دمعـه بغتـة ومـن واجدٍ قلبـه مكمـد
* * *

الشيخ عبد الله بن معتوق القطيفي ، هو العلامة الحجة المتولد في بلاد آبائه وأجداده (تاروت) حدود سنة 1274 هـ . من قرى القطيف . تتلمذ على والده ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1295 هـ . فدرس على فطاحل العلم حتى حصل على اجازة اجتهاد من الحجة السيد الكبير السيد أبو تراب وهناك اجازات من علماء آخرين .
كانت بلاد القطيف طوال رحلته إلى النجف تنتظره بفارغ الصبر ليكون المرشد والموجّه فطلع عليها كطلعة هلال فساسها بخلقه وسماحة نفسه وأصبح

ادب الطف - الجزء التاسع264


الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل وعلى يده تنتهي المنازعات ثم هو القدوة لهم في الأخلاق والآداب والكمالات وعلى درجة عالية من العبادة والتقوى . ترجم له في شعراء القطيف وذكر نماذج من أشعاره .
آثاره العلمية ، كتب في الفقه حاشية على العروة الوثقى ، ورسالة في علم الهيئة . كانت وفاته غزة جامدى الاولى ليلة الخميس سنة الثانية والستين بعد الثلثمائة والألف من الهجرة عن عمر قارب التسعين عاماً . اقيمت له الفواتح وأبّنه الشعراء والخطباء .
جاء في أنوار البدرين : ومن شعراء القطيف العالم الفاضل التقي الصدوق الأواه الشيخ عبد الله ابن المرحوم معتوق التاروتي ، من الأتقياء الورعين الأزكياء ، زاهداً عابداً تقياً ذكياً ، قرأ رحمه الله في القطيف عند الفقير لله صاحب الكتاب علمي النحو والصرف ، كما قرأ عند شيخنا العلامة ثم سافر إلى النجف الأشرف للاشتغال في العلوم وبقي فيها مدة من الزمان ثم انتقل إلى كربلاء واستقل بها وهو من العلوم ملآن إلى هذا الآن ، له بعض التصانيف ، على ما سمعت ـ ومن جملتها رسالة في الشك اسمها (سفينة المساكين) وهو كثير المكاتبة والمراسلة لنا كل آن ، وقد اجازه كثير من علماء النجف الأشرف وغيرها من العرب والعجم ، أدام الله توفيقه وسلامته وأفاض عليه أمداده ورعايته ، ومن شعره في الرثاء :
لا مرحباً بك يا محـرم مقبـلا بك يا محـرم مقبـلا لا مرحبـا
فلقد فجعـت المصطفى وأسأت قلب المرتضى والمجتبى بالمجتبى
وتركت في قلب الزكية فاطـم ناراً تزيد مـدى الزمـان تلهـبا
لله يـومـك يـا محـرم أنـه أبكى الملائك في السماء وأرعـبا
وأماط أثواب الهنـا مـن آدم فغـدا بابـراد الأسى متـجلببـا
حيث الحسين به استقل بكربلا فـرداً تناهبـه الأسنـة والظبـا
من عصبة قدماً دعته لنصره فعدت عليـه عـداوة وتعصبـا
فهناك جاد بفتية جـادت بـأ نفسها وجالدت العدى لن تذهـبا


ادب الطف - الجزء التاسع265


فترى إذا حمى الوطـيس قلوبهـا أقسى من الصخر الأصم وأصلبا
فالوعد أعرب عن طراد عرابهـا والبرق عن لمع البوارق أعـربا
وغـدت تـنثر من اميـة أرؤساً ولها السما رعبـاً تنثـر أشهمـا
وتعانق البيض الصفاح ولم تـرد منها سـوى ورد المنيـة مطلبـا
حتى إذا حان القضاء وغودرت صرعى على تلك المفاوز والربى
أمسى الحسين بلا نصير بعدهـا والقـوم قد سدوا عليـه المذهبـا
ساموه ان يرد المنيـة او بـأن يعطـي الدنيـة والابي بذا ابـى
فغدا يريهم في النـزال مواقفـاً من حيـدر بمهـند ماضي الشبـا
لله صارمـه لـعـمـرك أنـه ما كل يوماً في الكفـاح ولا نبـا
من ضربه عجبت ملائكة السماء مـن فوقـه ويحـق أن تتعجبـا
بالله لـو بالشم هـمّ تهـليلـت دكـاً وصيرهـا بهمتـه هـبـا(1)

ومن شعره في الرثاء :
يا ذوي العـزم والحميـة حزمـا لخـطـوب دهـاكـم أدهاهـا
فـلـقد أصبحـت أميمـة سـوء ثوبها البغـي والـرداء رداهـا
جدعـت منكم الانـوف جـهاراً فاشتفت إذ بـذاك كـان شفاهـا
فانهضوا من ثراكم وامـلأوا الأر ض جياد العتاق تطـوي فلاهـا
وأبـعثوا السابحـات تسحب ذيلا من دلاصٍ لكم برحـب فضاهـا
وامتتـطـوا قُـبّها ليـوم نـزال وانتضوا من سيوفكـم أمضاهـا
لستُ أدري لمَ القعـود وبالطـف حسـيـنٌ أقـام فـي مثـواهـا
ألـجـبـنِ عـراكـم أم لــذلٍ أم لخوفٍ مـن الحـروب لقاهـا
لا وحـاشاكـم وأنـتـم إذا مـا ازدحمت في النزال قطـب رحاها
إن زجرتم بأرضها العرب غضباً أعربت عن زجير رعـد سماهـا
أو تـشاؤن خسفـهـا لجعـلتـم بـالمـواضـي علوّهـا أدناهـا


(1) عن الديوان المطبوع في النجف الأشرف .
ادب الطف - الجزء التاسع266


أفـيهنـا الرقـاد يومـاً الـيكـم وامـي أتـت بـظلـم تـناهـا
فلعـمر الـورى لقـد جرّعتكـم كـربـلا كـأس كربهـا وبلاها
يـوم أمسى زعيمكـم مستضامـاً يصفـق الكـف حائـراً بفلاهـا
حـولـه فـتيـة تخـال المنايـا دونـه كـالـرحيـق أُذبـلّ فاها
وترى الحرب حين تـدعى عروساً خطبتها الصفـاح ممـن دعاهـا
ولـها الـروس إذ تناثـر مـهـر وخضاب الأكـف سيـل دماهـا
ما ثنـت عطفهـا مخافـة مـوت لا ولا استسلمـت إلـى أعداهـا
لم تـزل هكـذا إلـى أن دعتهـا حـكمـة شـاء ربّهـا أمضاهـا
فثـوت كالبـدور يتبـع بـعضـاً بعضهـا أُفـلا فغـاب ضياهـا
وبـقـي مفـرداً يكـابـد ضربـاً بعـدها من أمـية بشبل طـاهـا
بأبـي عــلة الـوجـود وحيـداً يصطلي فـي الحروب نار لظاها
إن غـدا فـي العـدا يكـر تخـال المـوت يسعى أمامـه ووراهـا
حـالـف المشـرفـيّ أن لا يـراه في سوى الروس مغمداً إذ يراهـا
وحـمـى دينـه فـلـمـا أتـتـه دعـوة الـحـق طائعـاً لبّاهـا
فرمـاه الضـلال سهمـاً ولـكـن حل في أعيـن الهـدى فعماهـا
فهوت مـذ هـوى سماء المعالـي وجـبـال المهـاد هـدّ ذراهـا
أد لهـمّ النهـار وانخسـف البـدر ونال الكسوف شمـس ضحاهـا
بأبي ثاويا على الأرض قـد ظـلّ لهيـب الفـؤاد فـي رمضاهـا
ما لـه ساتر سـوى الريـح منهـا قـد كسـاه دبورهـا وصباهـا
وبنفسـي حرائـراً ادهشـت مـن هجمـة الخيل بعد فقـد حماهـا
بـرزت والـفـؤاد يخفـق شجـواً حسـرا بعـد خدرهـا وخباهـا
بيـدٍ وجـههـا تغـطّيـه صونـاً وبأخـرى تروم دفـع عداهـا(1)


(1) رياض المدح والرثاء .
ادب الطف - الجزء التاسع267


الشيخ جواد الشبيبي



المتوفى 1363

قال يرثي الإمام الحسين عليه السلام ، وأوائل الأبيات على حروف الهجاء :
أمـا آن أن تجـري الـجياد السوابـق فتندك منهـا الراسيـات الشواهـق
بعيدات مهـوى اللجـم يحملـن فتيـة عليهم لواء النصر بالفتـح خافـق
تطلّع فـيـهــا قائـم بشـروطهـا إذا عارضتهـا بالوشيـج الفيالـق
ثوابـت يجريهـا شـوارق بـالدمـا وكـيف تسير الثـابتات الشـوارق
جرى الأمـر أن تبقـى لأمر حبائسـاً إلى أمدٍ إن يقـض فهـي طلائـق
حرام عليها السبـق إن هـي أزمنـت رباطاً وصدر الدهر بالجور ضائق
خفـاءً ولـيّ الأمـر مـا إن موقـف تسلّ به مـنك السيـوف الـبوارق
دع البيض تُنشي الموت اسود في الوغى بها من دم القتلى المـراق طرائـق
ذوابـح إلا أنــهــن أهــلــّـة صوائـح إلا أنـهـن صـواعـق
رقـاق تـعلّقـن الطلـى فـكـأنـما لها عـند أعنـاق الكـماة علائـق
زهت ظلمات الحـرب منهـا بأنجـم يشق بها فجر مـن الضرب صادق
سقت شفق الهيجاء أحمـر أمـرعـت به مـن رؤوس الناكثيـن شقائـق


ادب الطف - الجزء التاسع268


شقائقها في منبـر الهـام أفصحـت وما أفصحت عند الهدير الشقاشـق
صِـل النصل بالنصل المذرب مدركاً تراثٍ لهـا بيضاً تعـود المفـارق
ضحى وقعة بالطف جلّت ودكدكـت مغاربها مـن هولهـا والمشـارق
طوائـحهـا قـد طـوّحـت بملمـةٍ على مثلها تقذى العيـون الروامـق
ظـلام مثـار النقـع فيهـا سحابـة دجت وحراب السمهريـات بـارق
عفت صاحب الخطب الطروق منازلاً لآل علـيٍّ لـم تطـأها الطـوارق
غدت ابن حرب شبّ حربـاً تسجّرت به حرمـات الوحـي وهي حدائـق
فجاء بها تستمـطر الصخـر عبـرة ومن وقعها يلوي الشبـاب الغرانـق
قضى ظمـأ فيهـا الحسيـن وسيفـه بـدا بـارق مـنـه وأرسـل وادق
كفى الطيـر أن ترتـاد طعماً وكفّهـا بأسـرابهـا أنـى استـدار خوافـق
له الصعدة السمـرا فقل قلـم القضـا جرى بالمنايـا والصـدور المهـارق
مضى ومضى أصحـابه عاطري الثنا ومصرعهم بالحمـد لا النـدّ عابـق
نحـو وجهـة المـوت الزؤام بأوجـه وضاحٍ لها تصبو النبـال الرواشـق
هموا مـذ قضوا عادت بنـات محمـد قـلائـدهـا مبتـزّةً والمـنـاطـق
ينُحـنَ ولا حـامٍ ويعطـفـن هتـّفـاً بكل محـام فيـه تحمـى الحقائـق
* * *

الشيخ جواد الشبيبي شيخ الأدب ومفخرة العرب الشاعر الخالد وجامع الشوارد ، الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر البطايحي الشهير بالشبيبي الكبير من أفذاذ الزمان في أدبه وكماله وظرفه وأريحيته .
ولد ببغداد في شهر شعبان عام 1284 هـ . (1) وتوفي أبوه وعمره اسبوع وكان والده من الشخصيات المرموقة ببغداد ، فانتقلت امه بمولودها إلى النجف بجنب الاسرة وهي بنت الشيخ صادق أطيمش وهو من المشهورين بالفضل والعلم وله ضياع في قضاء الشطرة ويقضي أكثر أيامه هناك فكان ينتقل بسبطه

(1) ويقول الشيخ السماوي في الطليعة انه ولد سنة 1280 هـ . كما أخبره المترجم له نفسه .
ادب الطف - الجزء التاسع269


إلى هناك في كل سفراته ويحدب عليه ويغذيه ، وساعدته مواهبه الفياظة فبرع بالشعر والأدب ومختلف العلوم العربية والإسلامية إلى أن توفي جده عام 1296 هـ . وقد قارب المائة عام في العمر فعاد المترجم له إلى النجف وواصل دراسته وتميز بالإنشاء والكتابة حتى عدّه البعض بأنه أكتب عصره قال عنه الشيخ السماوي في (الطليعة) فقال : قبلة الأدب التي تحج وريحانته التي تشم ولا تزج ، وجواده السابق في مضماري النثر والنظم ، عاشرته فوجدته حسن العِشرة مليح النادرة صافي النية حلوالفكاهة قوي العارضة مع تمسك بالدين والتزام بالشرع ، وذكره صاحب (الحصون المنيعة) فقال : عالم فاضل وأديب كامل ، شاعر ماهر فصيح بليغ لغوي مؤرخ حسن المحاورة جيد المحاظرة ، فطن ذكي ذو ذهن وقاد وفكر نقاد ، وألّف كتاباً في المراسلات بينه وبين أحبابه سماه (اللؤلؤ المنثور) وديوان شعره ، وهو مكثر من الشعر والنثر سريع البديهة في كليهما ، وترجم له كل من كتب عن الشعر والأدب في العراق إذ أن الكثير من المتأدبين تخرجوا على مدرسته وما زالت النوادي تتندّر علمه وأدبه وقد عمّر طويلاً فأدرك الدورين : التركي والوطني وشعره مقبول في الدورين وكأنه يتجدد مع الزمن ففي رسائله ومقاماته يجاري مقامات الهمداني والخوارزمي وبشعره السياسي ونقده اللاذع كشاب يحس بمتطلبات البلاد واستقلالها والعجيب أنه مكثر في الشعر ومجيد في كل ما يقول ، وقد داعب جماعة من أعضاء ندوته منهم الشيخ ابراهيم أطيمش لما تزوج زوجة بالإضافة إلى زوجاته السالفات وكان في السبعين من عمره ، بعث الشيخ له قصيدة أولها :
صواهل ما بلغن مدى الرهان فدى لك أولٌ منها وثان

وتلاه الحجة الكبرى السيد أبو الحسن الأصفهاني الموسوي حيث قد تزوج وهو ابن السبعين وتلاهما زعيم النجف الديني الشيخ جواد الجواهري ثم الشيخ جواد عليوي وكلهم قد تجاوزوا السبعين في أعمارهم فكتب المترجم له إلى الأخير منهم وقال :

ادب الطف - الجزء التاسع270


(جوادك) من بعد الثمانين صاهل فمن ذا يجاريه ومن ذا يطاول
وسائلـة مـاذا تحـاول نفسـه فقلتُ لها فتح الحصون تحاول
فقالت أبا السيف الذي هو حامل وما سيفه في الروع إلا حمائل
ثقيل حديد العضب تبكى لضعفه حراب العوالي والحداد المناـل
ومن عجب أن الصياقل لم تكن تعالجه بل عالجتـه الصيـادل

وعند اقتران الثاني من هؤلاء الاعلام كتب لسماحة الشيخ عبد الرضا آل راضي :
أتاك الصاهل الثانـي يباري الصاهـل الأول
كلا الطِرفين لم يعثـر وإن خبّ على الجنـدل
ولكن طرفنا استعصى على السائس فاسترسـل
أردنـا منـه إمهـالاً عن الوثبـة فاستعجـل

وقال يداعب الآخر منهم :
أُهنّي الشرع والشارع بهذا الصاهل الرابع
ثـلاثـون لتسعيـن فأين القدر الجامـع

ومن مداعباته لأحد زملائه وكان في رأسه قرع وهو الشيخ عبد الحسين الجواهري والد محمد مهدي الجواهري قال :
لـك رأس مرضـع ومدبّـج دوحة الجسم أنبتت فيه بستج
روضة تنبت الشقائـق فيهـا جلنـاراً وسوسنـاً وبنفسـج
قد قرأنا حديثـه مـن قديـم فوجدناه عن جعـود مخـرّج
خطّ ياقوت فيـه جدول تبـر نقطوه مـن قيحـه بزبـردج
فوق كافوره من الشعر مسك كل مـن شـمّ نشـره يتبنّـج
فيه بحر للقار مـن ظلمـات ضرب الشـف يمـّة فتمـوج
أرضه عسجـد وحصبـاه درٌ لو أُزيلـت أصدافـه لتدحـرج


ادب الطف - الجزء التاسع271


كم بموسى الحجام عـاد كليمـا صعقاً خـرّ بالدمـاء مضـرج
لو على ابن الهموم ضاق خناق وكشفنـا عنـه لقلنـا تـفـرج
عمـمـوه بلـؤلـؤ وعقـيـق فهـو ملــك معمـم ومتـوّج
وهو وادي العقيق كم جمـرات عنه ترمى معصومة ساعة الحج
موقـد شعلـة كعلـوة عمـرو من سناها نـار البروق تـأجـج
ذو بيان لو خاصم الجمـر فيـه لانطفـا حـرّه و بـاخ وأثلـج
وأديـب لا بـابـلـي ولـكـن فمه فـي فـم المقبّل قـد مـج
أنا ضـام ولـم أرد نهـر فيـه حيث فيه من العوارض كوسـج

وسمعت الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء يتحدث عن شاعرية الشبيبي الكبير ويقول كنا بصحبة والدي الهادي في شريعة الكوفة واتخذنا المسجد مقراً لنان فزارنا الشيخ الجواد وكان نازلاً على النهر فشكونا عدم وجود حليب البقر ، والطبيب يوصي باستعماله فقال الشيخ : إنه متوفر بالقرب منا وأخذ يرسل لنا كل يوم زجاجة مملوءة وكان يختم رأسها ببطاقة فيها قصيدة من نظمه .
وكتب للعالم الجليل الشيخ أحمد كاشف الغطاء على سبيل المداعبة :
يمن لذاتك بيت مـن علاً سمكا صيّر غداي غـداة الاربعـا سمكـا
وخصّني فيه فرداً لا يشاركنـي سواك ، فالنفس تأبى الشرك والشُركا
أما اعتبرتَ بهم يوم الهريسة مذ ألقوا أناملهـم مــن فوقهـا شَبَكـا
قالوا لنـا سـرر البُنيّ نقسمهـا مـا بيننـا والبقايـا والجلـود لكـا

وسمك (البُنيّ) هو المفضّل من الأسماك في شط الفرات وموضع السُرّة منه أطيب المواضع .
وفي مجلس ضمّ نخبة من الادباء العلماء وهم الشيخ الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصبهاني والشيخ هادي آل كاشف الغطاء والسيد جعفر الحلي صاحب ديوان (سحر بابل) وفي يد أحدهم كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربه إذ مرّت

ادب الطف - الجزء التاسع272


فقرة من كلام العرب وهي : نظرت بعيني شادنٍ ظمأن . فاقترح أحدهم أن يشترك في جعل هذه الفقرة مطلع قصيدة ، فاستهلها لسماحة الشيخ الهادي بقوله :
نظرت بعيني شادن ظمأن ظمياء بالتلعات من نعمان

فقال سماحة الشيخ الشبيبي :
وتمايلت أعطافها كغصونها ما أشبه الأعطاف بالأغصان

وقال السيد جعفر الحلي :
وشدا بذاك الربع جرس حلّيها فتمايلت طرباً غصون البان

وتبعهم سماحة الشيخ الأصفهاني بقوله :
هيفاء غانية لها من طرفها أسياف غنج فقن كل يمان

وإذا هي قصيدة عامرة في 56 بيتاً مثبتة بكاملها في ديوان سحر بابل وقال :
لا أكثر الله من قومي ولا عـددي إن لم يكونوا لدى دفع الخطوب يدي
لي قاتلٌ فـوق خدّيـه دمي ولـه حُكـمٌ يُخـوّلـه أنّ القتيـل يـدي
وخـادعٍ جـاء فتّانـاً بنـغمتـه حتى استقـرّ فكانـت زأرةُ الأسـد
مُصفـدي بقيـود لا فكـاكَ لهـا واضيعةَ النفس بين القيـد والصَفـد
حسا البحارَ وفـي أحشائه طمـعٌ إلى امتصاص بقايـا النـزرِ والثمد
واستوعبَ الماء لا من غُلةٍ وظماً وصاحـب الماء ظمآن الفؤاد صدي
* * *
البس لخصمك ـ إن لاقاك مفترساً ـ مطروقةَ الصبر لا منسوجةَ الزرد
فها هي النثـرةُ الحصـداء تخرقهـا يد القوي التـي تعي عـن الجلـد
وقـل لشعبك يجمـع شملـه لـعـلاً فلا تُنال العـلا في شملـه البـدد


ادب الطف - الجزء التاسع273


ولينتفض من غبار الموت متحـداً فالموتُ أولى بشعـب غير متحـد
سـرّ التقـدم أن القـومَ سعيهـم لغايـة وحـدوهـا سعـيَ منفـرد
إجعـل لنفسك من معقولها عُـدداً فعُدة العقل كـم تأتي عـلى العـدد
قد ضعّف الحق مَن تُطوى طويته على البغيضين ، سوء الخُلق والحسد
ركّن مقرّك تأمـن كـل قارعـة إن العواصفَ لا تقوى عـلى أحـد
وذُمّ كـل فـرار مـن مـبارزةٍ إلا فـرارك مـن غـيٍّ إلى رشـد
لا تقرب الحشد مرفوعاً به زجلٌ إن لم يكن لصلاح الشعـب والبـلد
أحلى الحديث حديثٌ قال سامعُـه لمـجتليـه اسـقني مشمولَـه وزِد
شتـان بيـن خطيبي أمةٍ خَـطبا سارٍ على القصد أو ناءٍ على الصدد
هذا يجيء بزُبد القولِ ممتخضـاً وذاك يجمعـُه مـن ذاهـب الزَبَـد
* * *
يا من يسودُ قـبيلا وهـو سـؤدده أسدد طريقَ العلا من هظمه وسُد
واختر رجال المساعي الغر مدخراً منهم بيـومك هـذا معقـِلا لغـد
وارصُد بهم من كنوز السر أثمنهـا فقد تباح إذا أمسـت بـلا رصـد
إن الرجـال دنـانيـرٌ وأخلصهـا من كذّب السبكُ فيه قـول منتقـد
ولا يغرنّك من تحت الـردا جـسدٌ فالمرء قيمتُه بـالروح لا الجسـد
لا يكسب الطوق حسناً جـيد لابسه وإنـما حـًسنـه الـذاتيّ بالجـيد
والناس كالنبتِ منـه عرفـجٌ وكباً والشعر كالناس مـنه جـيّدٌ وردي
والشعر كالسحر في مهد الخيال معاً تجاذباً حـلمـةً واستمسكـا بثـدي
لكنما السحـر مطبـوعٌ على عُقَـد والشعر مطبوعه الخالي عن العُقَـد
* * *
كان الضعيف إذا مدّ القـوي يـداً لظِلمه ردّها مدفوعـةً بيد
واليوم ظلّ ضعيف القوم مضطهداً وارحمتاه لمظلومٍ ومضطهد
كم شجّة أوضحتـه وهو معتـدلٌ كما تعاقبَ طُرّاق على وَتد
ببيت مضطرباً فـي موطن قلـق كأنه زئبقٌ في كفّ مرتعـد


ادب الطف - الجزء التاسع274

وقال أيضاً :
بكّر على صيدك فالوقت فرص ولا تجيء في أُخريـات مَن قنـص
وابتدع الآثـار يُقفـى نهجهـا فـخيـر آثـار الفتى مـا يُستقـص
واجعل لهذي النفس منك قـوةً يمـكنها الصبر على صاب الغصص
ولا تـقـل كـان أبـي فإنما حديثه الماضـي أساطيـر قـصص
إعمل فما بعد الصبا من عمل والبـدر إمـا بـلـغ التـمّ نقـص
إذا تكاسلت فما تربـح سـوى ما تترك الموسى بعارض الأحـص
وطامـع لـم تـكفـه جفنتـه وكم ذبيـح في حواشيهـا فحـص
تطاحنت محالـك الدنيـا لـه وقسّمت من أجلـه تلـك الحصص
فهـل تـراه قـانعـاً أم أنـه يثرد قرص الشمس مع تلك القرص
فلا يلـومـنّ سـوى لهاتـه من جاوز المقدار في المضغ فغص
ما أجهل الإنسان اما تستـوي بلاجـة الوجـه لديـه والبـرص
* * *
مَن لي من الفتيان بابن حرةٍ ما نكّس البند ولا يوماً نكـص
يفتح للقتـام عيـنَ أجـدل كأنما العثير كحـل للرمـص
إن تدعـه لبّاك منـه ناشئٌ قد نشر الوفرة بعد ما عقـص
يقطع بالـرأي وريد خصمه وقوله في موقف الأحكام نص

يا ربة الفسطاط :
تسافل الصدق بأرقى العصور واحتجـب الحق بعهـد السفـور
وانتشر الرعـب بهـذا الفضا فكـل يـوم هـو يـوم النشـور
واشتمل الدهـر حداد الأسـى مذ عوفي الحزن ومات السـرور
فوادح عمّـت فأضحت لهـا جـداول تعـمى وعـين تغـور
وصوّحت أرياف هذي الدنـا فأين ـ لا أين ـ رياض الزهور
وانتبه الفاجـرُ مـن نومـه إلـى الـدعارات ونـام الغيـور


ادب الطف - الجزء التاسع275


وباغـت الخلق انعكـاس ولا يعتدل العيـش بعكس الامـور
صدور قوم أصبحت في القفا وأظهر حلّت محـلّ الصـدور
لا يفخـر الداني إذا ما عـلا إن اللباب المحض تحت القشور
* * *
آلفـة القبـة أيـن الخـبا ، وربة الفسطـاط أين الخـدور
طبعك طبع الـريم لـو أنـه دام على عادتـه فـي النفـور
لكنما نسمـةُ هـذا الهـوى ما قويـت إلا لرفـع الستـور
لا ترفعي الرُقع في موكـب وجهك فيه يا ابنة العرب (نور)
ولا تزوري في الدجى جارة ففي غواشي الليل إفـك وزور

بلادك :
بـلادك إنها خيـر البقـاع فقـم ثبـّت بهـا قـدم الدفـاع
بلادك أرضعتك العز فاحفظ لها حـق الامومـة والرضـاع
بلادك أصبحت لحماً غريضاً تمطـق فيـه أشـداق السبـاع
فقل للضاريـات ألا اقذفيـه ففـي أوصالـه سـمّ الأفاعـي
أرى ضرماً وليس له لهيـب وهل نـار تكـون بـلا شعـاع
وأنسمة يسبـل السمنُ منهـا تـوزع بـيـن أفـواه جـيـاع
وقطعانا تـلاوذ وهي سغـب وتمنـع عـن مدانـاة المراعـي
فما زالت على فزع ورعـب تفرّ مـن الذئاب إلـى الضبـاع
نظرنا في السياسة فاجتهدنـا وخضنا في القيـاس وفي السماع
فألـفينـا بحريتهـا سَرابتـاً يحـوم الوهم منـه على التمـاع
إذا كالـت فقيـراط بصـاع أو اكـتالـت فقـنطـار بصـاع


السابق السابق الفهرس التالي التالي