ادب الطف - الجزء التاسع235


ومن حسينياته :
أذا غـرب سيف أم هـلال المحـرم تضرج منه الشرق في علق الدم
أهذي السما أم كـربـلا وبـروجهـا القباب وبرج الليث ظهر المطهم
أشهـبٌ بها تنقـض أم آل (أحـمـد) تهادت تباعاً عن مِطا كل شيضَم
أأقمار تـم غالهـا الخسف أم هـي ا لمصابيح سادات الحطيم وزمزم
أبدر الدياجى أم مـحيّا ابـن فاطـم تبلج في ديجور جيش عرمـوم
أجل هـو سبط المصطفى شبل حيدر وناهيك منه ضيغم شبل ضيغـم
فـما نـابـه إلا مثـقّـف صعـدة ولا ظفـره إلا محـدّب مخـذم
لـه لُبَـدٌ مـن نجـدة وبـسـالـة تخرّ له الأبطال للأنـف والفـم
* * *
هو السيف مطبوع الشَبا من صرامة الوصي ومن صبر النبي المعظم
تثلـم مـن قـرع الكتائـب حـدّه وما آفة الأسياف غيـر التثلـم
تـزوّد مملـوء المـزاد حـفيظـة وحزماً سما فيـه سـموّ يلملـم
وهـبّ إلى عـزّ الممـات محلّقـاً بـخافقـتـيه مـن إباً وتكـرّم
تـعانـق منـه السمـر أعدل قامة وتثلم مـنه البيض أشنب مبسـم
وتـشـبك أوتـار القسـي نبالهـا مُروقاً به شبك المسـدّى بملحم
تقـلبه صـدراً ونحـراً وجـبهـة وما موضع التقبيل غير المقـدم
سقته الظبـا نـهلاً وعـلا نطافهـا على ظماء أفديه من ناهلٍ ظمي
مـجـفّـفـة ماء الحيـاة بجسمـه ومجرية فـيه جـداول مـن دم
* * *
أبـاذلـهـا لله نـفـسـاً أبـيّـة تصعّر خداً عن مذلّة مُرغم
ترى الخدرِ خدر الفاطميات عرضة لمقتلـعيه محـرق ومهـدِم
ترى الخفرات الهاشميات غـودرت مقانعها نهباً وسلباً لمجـرم


ادب الطف - الجزء التاسع236


السيد مير علي أبو طبيخ

المتوفى 1361

أهاشم إن لم تمتطي الخيل ضمـرا فكل حديث فـي معالـيك مفتـرى
وإن لم تفه بالطعـن ألسنـة القنـا فلا فرعت مـنك الخطابـة منبـرا
وإن لم تخض منك الضبا بدم الطلا فيا لا طـمى وادي نداك ولا جـرى
لئن قعدت سـود الليالي بمرصـد فهذي الليالي البيض أحمـد للسـرى
فصولي بمصقول الشبا حيثما هوى يفلّق مصقـول الجوانـب مرمـرا
إذا لعلعت في القاصفـات بروقـه فصيد الأعادي الصيد وهو لها قرى
أو انتثرت مـنه الجماجـم خلتهـا كُرىً يلطم اللاهي بها أوجه الـثرى
لجوجٌ فلولا الغمـد يمسـك بأسـه لسالت به شتـى المدائـن والقـرى
أخـو نجـدة يبـدو بهيئـة راكـع فـإن هـو أهـوى للضريبة كـبّرا
يتيه به زهـو الملـوك إذا انثنـى يـمـجّ بفيـاض النجيـع مظفـرا
عسى تدركي الثار الذي ملـؤه دم متى عصفت فيه المنـايـا تفجـرا
وتستأصلي من عبد شمس طغاتـها بذي لجب لم يبـق ظفـراً ومنسرا
تمـرّ كأمـثـال الـبروق جيـاده يلوح على أعرافها الـموت أحمـرا
مؤللة الأطـراف ناحلـة الشـوى مـوقـرة الأرداف محبوكة القـرا
إذا اقتعدت حمس الوغى صهواتها أرتك الكميّ الليث والصهوة الشرى
تمثل صولان ابن حيدر مذ غـدوا يظنون في صدر الكتائـب حـيدرا


ادب الطف - الجزء التاسع237


جـرى والقضاء الحتم دون يمينه يفـصل أبـراد المنايـا إذا جـرى
عـلى سابح راقته في السلم ميعة فلاح بها يوم الـوغـى متبخــترا
يعـوم بـهـاد أماء مـاء لعابـه إذا ما طغى غـير الأسنة معـبـرا
فطافت به أمـواجه وهـي أنصلٌ ترامت فألقتـه بضاحيـة العـرى
ولم أدري ما خرّت صحيفة بجدل أكان وريد ا لمجد أم كان خنصـرا
رأى الليث أشلاء فهـان ابـتزازه وهل يسلب الضرغام إلا معفــرا
وبالصفـا يا هـاشم مـذ تناوبت عليها الرزايا وهـي تندب حسّـرى
بضرب تروع الجامدات سياطـه وسير على الأقتاب تُبرى به الـبُرا
ولولا جلال الله لم يبـق حاجـب به يرتدين الصون عن أعين الورى
بنفسي مرهوب الحمى شبه أحمد سطا ضيغماً والحرب مشبوبة الذرى
يُروي شبا ماضيـه لكـن قلبـه من الطعـن أوراه الظـما فتسعّـرا
ولم أنس مـذ أرداه سهـم منيـة هوى وهو باب الله منفصم العُـرى
وغرة شمس غيبتها دجى الوغـى وآية قدس أغفلت عين مـَن قـرا(1)
* * *

السيد مير علي ابن السيد عباس ابن السيد راضي بن الحسن بن مهدي بن عبد الله بن محمد إبن العلامة السيد هاشم ، يرجع نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام . وهو من اسرة البوطبيخ المعروفة بمحتدها ومكانتها في الشرف . ولد في النجف في غضون العشرة الاولى من القرن الرابع عشر الهجري ، وتوفي في شهر شوال من سنة 1361 هـ . وهو لم يتجاوز الخمسين إلا قليلاً . تدرجت على المنبر والخطابة وأنا ابن اثنتي عشرة سنة فكنت أرى السيد المترجم له ملازماً لدارنا فلا يمر يوم إلا وهو عندنا يتذاكر مع والدي

(1) عن سوانح الأفكار للمؤلف وهي من الشعر الذي لم ينشر في الديوان .
ادب الطف - الجزء التاسع238


وتجمعهما وحدة الدرس وربما جاءنا صبحاً وعصراً ، وأذكر أن تقريرات المجتهد الكبير السيد محمد تقي البغدادي قد كتبها والدي بخطه فاستعارها السيد مير علي وكتبها أيضاً وبحكم هذه الصلة فقد كنت أعيد عليه ما أحفظه من شعر في الإمام الحسين وأستوضح منه معناه وأطلب منه تشكيل القصيدة فلقد كانت ملكته الأدبية أقوى منها عند أبي ، وكان رحمه الله على جانب عظيم من الورع والتقى وعفة اللسان فما سمعته ذكر مخلوقاً بسوء ويحفظ للمجلس وللجليس كرامته فقد كان يقول : إني لأعجب ممن يجالس الناس وهو حاسر الراس وكنت أشاهده لا ينطق إلا إذا سُئل فإذا أجاب عن المسألة يكون جوابه قدر الحاجة خالياً من الفضول ، ولا زلت أتصوره جيداً عندما يترنم بالشعر على الطريقة المعروفة بـ (المثكل) وهي من الشجاء بمكان وكثيراً ما سأل المغنون والملحنون عنها إذ أنها لم تنتزع من الأطوار المعروفة عند الملحنين وكان يجيدها فكنت أصغي اليه بكلّي ، أما نظمه للشعر فلم يزاوله إلا عندما أصبح مقعداً في بيته بمرض (الروماتيزم) فكان يتسلى به ولم أكن أسمع له من الشعر قبل ذلك إلا نادراً فقد عزم والدي على طبع مؤلف جدنا الأكبر السيد عبد الله شبّر في العقائد وهو كتاب (حق اليقين في معرفة أصول الدين) فنظم السيد بيتين فكانا على صدر الكتاب الذي طبع بلبنان بمطبعة العرفان ، صيدا سنة 1356 هـ . وهما :
إذا ما خفت تسقط فـي عثار بمزلق هوّة وضلال دين
وجدتَ به الدلائل واضحات إذا شاهدته حـق اليقيـن

وإني أحتفظ برسالتين قيمتين كتبهما لوالدي عندما سافر إلى (حيدر آباد دكن) وفي الرسالتين من النظم الرائق والنثر الفائق ما يعجب وقد نشر شيء من إحداهما في الديوان أما الثانية فقد صدّرها بقطعة من روائعه جاء فيها :
إلى الهند أصبو كلما طلع النجم لعلّ لـه فيمـا ألـمّ بكـم علـم
نحيلا تحداني السقام فراعنـي فلا كيف يضوبني ولم يحوني كمّ


ادب الطف - الجزء التاسع239


نزحت فشاقتني اليك نوازعي وقد بنتَ فاستولى على كبدي الهـمّ
تضاءل مني كل معنى لبينكم فلم يبق لي في صفحة الكون إلا اسم
يردد ذكراكم لساني فينتشـي فؤادي ولا خـمرٌ لـديّ ولا كـرم
ويكحل عيني منك نور ألوكة تنمّقـها مـنك البـراعـة والفهـم

وهذا ديوانه الأنواء الذي أصدرته مطبعة الراعي في النجف بعد وفاته بعام واحد ، وقد قدّم له الاستاذ الكبير جعفر الخليلي ، ورتبه إلى ثلاثة أبواب وهي :
1 ـ خواطر وأحلام ضمّت جميع شعره الإجتماعي ورأيه الأدبي .
2 ـ عواطف وأنغام متضمنة تقاريضه وتهانيه وعواطفه الأخوية .
3 ـ شجون وآلام وقدضمت مراثيه ومنظوم دموعه الحارة .
أما ما احتفظ به بخطه الجميل فهي القطعة التي يرثي بها نفسه وهي أيضاً مما لم ينشر :
أهوت به علّته فانـتدب الحيلـة يثـنـيـهـا فأعـيـاه السبـب
قالـوا النطاسـي فألقى فخــّه مقتنصاً جاء لـيصطاد النشـب
حـتى إذا استفرغ ما ظـنّ بـه من فضة يكنـزها ومـن ذهـب
تعاظـم الـداء عليـه فالتـوى واستعضل النازل فيه فانسحـب
وللـرفـاق حـولـه ولـولـة وللبـنين والـبـنات مصطخـب
يلطـم هـذا وجهـه تـوجّعـاً وذاك حانٍ فـوق جسمه حـدب
فـلا حـميـم لحـماه يلتجـي ولا ابـن أمٍ نافـع ولا ابـن أب
وهو على بصيرة مـن أمـره منتبهاً يـرنـو لسـوء المنقلـب
ينظـر فيـمـا ذهبـت أيامـه وما اكتسى من عمل وما اكتسب
طغت عليه لجـج الموت فمـا أقـام في تيارها حـتى رسـب
فاستكّ مـنه سمعه وأخرسـت شقشقة تزري بفصحاء العـرب
وأغمضت أجفانه لا عن كرىً وأسبل الأيدي من غير وصـب


ادب الطف - الجزء التاسع240


وسيقت النـفس عـلى علاتهـا إلى الـجنان أو إلى النار حطـب
إنـي أعـوذ بـولاء حـيـدر وصفوة الطف البهالـيل النجـب
من فزع الموت وشرّ ما اعتقب وشـرّ كـل غاسـق إذا وقـب
هم الـرعاة لا عدمـت فيئهـم وهم سفائن النجـاة في الـعيب
هم عرفات الحج هـم شعـاره هم كعبة البيت وهم أسنى القرب
يا بأبي السبط غـداة وزّعـت أشلاؤه ما بين أشفـار القضـب

وقد تضمن ديوانه جملة من الرثاء للإمام الحسين عليه السلام منها قصيدته التي ختمها بقوله :
يا بن النبي وخيـر مَـن أهـدى وحـلّ مني وخيّف
وابن الحطيـم وزمـزم وابن المشاعـر والمعـرّف
لا قلـت رأسك في القنا بدر فرأسك منـه أشـرف
كلا ولا هو في الضحى شمس فعين الشمس تكسف
بل أنت وجـه الله فـي أفق الوجود غداة توصـف
أضحوا لفقدك آسفين بما جـنـوه ولات مـأسـف

ولا زلت أتذكر أني يوم فقدته رأيت نفسي كأني فقدت أباً عطوفاً وعبّرتُ عن ألمي بقصيدة نشرتها جريدة الهاتف النجفية في سنتها الثامنة عدد 318 ومطلعها :
فمي وطرفي علـى تأبيـنك استبقـا بالنثر والنظم كلٌ منهما اندفقـا
ما هـذه قطــع شعريـة سبكـت هذي شظايا فؤادي قطّعت حرقا
طوارق الدهـر أظـنتني وأعظمهـا هذي التي علمتني بالرثا طـرقا
هل نافعي فرط وجدي أو جوى كبدي هيهات فيك قضاء الله قد سبقـا

وهي تزيد على العشرين بيتاً . تغمده الله برحماته وأسكنه فسيح جناته .

ادب الطف - الجزء التاسع241


السيد رضا الهندي

المتوفى 1362

قال مؤنباً سفير الحسين مسلم بن عقيل أول الشهداء :
لـو أن دمـوعـي استهلت دمـا لـما أنـصفـت بالبكا مسلـما
قـتـيـلٌ أذاب الـصفـا رزؤه وأحـزن تـذكـاره زمـزمـا
وأورى الحجـون بنار الشجـون وأشجى المقـام وأبكـى الحَـما
أتى أرض كـوفان فـي دعـوةٍ لـها الأرض خاضعـة والسمـا
فـلـبّـوا دعـاه وأمّـوا هـداه لينقذهـم مـن غـشاءِ العـمى
وأعطوه من عهـدهـم مـا يكا د إلى السهل يستدرج الأعصمـا
وما كان يحسب وهــو الوفـي أن ينقضـوا عـهـده المبرمـا
فـديـتك مـن مفـرد أسلمـوه لحكـم الـدعي فـما استسلمـا
وألجـأه عــذرهـم أن يحـل فـي دار طـوعـة مستكـتمـا
ومذ قحـمـوا منـه في دارهـا عـريناً أبـا اللـيث أن يقمحـا
إبان لهم كيف يضرى الشجـاع ويـشـتـد بأسـاً إذا أسلـمـا
وكـيـف تهـب اسود الشـرى إذا رأت الـوحش حـول الحِمـا
وكـيف تفـرق شهـد الـزات بـغاتـاً تطيـف بهـا حـوّمـا
ولـما رأوا بـأسـه لا يطـاق وماضيـه لا يـرتـوي بالدمـا
أطلّوا عـلى شرفات السطـوح يرمـونـه القصـب المضرمـا
ولـولا خـديعتهـم بـالأمـان لمـا أوثـقـوا ذلك الضـيغمـا


ادب الطف - الجزء التاسع242


وكيف يـحس بمكـر الأثيـم من ليس يقـترف المأثمـا
لأن ينسني الدهر كل الخطوب لم ينسني يومـك الأيومـا
أتـوقف بيـن يـدي فاجـرٍ دعيٍّ إلـى شرهـا منتمـا
ويشتم أسرتـك الطاهـريـن وهو أحـقّ بـأن يُشتمـا
وتقـتل صبـراً ولا طالـبٌ بثارك يسـقيهـم العلقمـا
وترمى إلى الأرض من شاهق ولم ترمِ أعداك شهب السما
فإن يحطموا منك ركن الحطيم وهدوا من البيت ما استحكما
فلستَ سوى المسك يذكو شذاه ويـزداد طيبـاً إذا حطّمـا
لإن تخلو كـوفان من نـادبٍ علـيك يقـيـم لك المأتمـا
فـإنّ ضـبـا الطـالبين قـد غدت لك بالطف تبكي دمـا
ذها منهم النقـع فـي أنجـم أحالوا صباح العدى مظلمـا

السيد رضا الهندي شيخ الأدب في العراق والعالم الجليل المؤرخ والبحاثة الشهير وهو ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الموسوي الهندي(1) ، ولد قدس سره في الثامن من شهر ذي القعدة سنة 1290 هـ . وهاجر إلى سامراء بهجرة أبيه سنة 1298 هـ . حين اجتاح النجف وباء الطاعون ، وكان خامس اخوته الستة ومكث يواصل دروسه في سامراء وكان موضع عناية من آية الله المجدد الشيرازي لذكائه وسرعة البديهة وسعة الاطلاع ، وفي النجف واصل جهوده العلمية على أساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد وعندما انتدبه المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني للارشاد وذلك بعد أن شهد سابقاً له مراجع الطائفة كالشيخ محمد حسن آل صاحب الجواهر والشيخ الشربياني والملا محمد كاظم الخراساني ويروي إجازة عن أبيه وعن الشيخ أسد الله الزنجاني والسيد حسن الصدر والسيد أبو الحسن والشيخ آغا بزرك الطهراني .

(1) ينتهي نسب الاسرة الى الامام العاشر من أئمة أهل البيت علي الهادي عليه السلام .
ادب الطف - الجزء التاسع243


مؤلفاته :
1 ـ الميزان العادل بين الحق والباطل في الرد على الكتابيين ـ مطبوع .
2 ـ بلغة الراحل في الأخلاق والمعتقدات .
3 ـ الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي .
4 ـ سبيكة العسجد في التاريخ بأبجد ، (وقد فُقِدَ) .
5 ـ شرح غاية الايجاز في الفقه .
ترجم له في الحصون المنيعة فقال : فاضل معاصر وشاعر بارع وناثر ماهر له إلمام بجملة من العلوم ، ولسانه فاتح كل رمز مكتوم ومعرفته بالفقه والاصول لا تنكر وفضائله لا تكاد تحصر ، رقيق الشعر بديعه ، سهله ممتنعه خفيف الروح حسن الأخلاق طيب الأعراق ، طريف المعاشرة لطيف المحاورة ، جيد الكتابة وأفكاره لا تخطئ الاصابة .
وترجم له السيد الأمين في الأعيان والشيخ الطهراني في نقباء البشر والمساوي في الطليعة والخليلي في (هكذا عرفتهم) والخاقاني في شعراء الغري وغيرهم من الباحثين . وكان يدعوني للخطابة في داره بالمشخاب وأقضي ساعات بالمحادثة معه فكان حديثه دروساً جامعة مملوءة بالفوائد وكنت في منابري أتلو شعره الذي قاله في أهل البيت عامة وفي الحسين خاصة ومما حدثني به أن داراً للشيخ مولى اغتصبها الشيخ حرج فأعلن المرجع غصبيتها وعدم جواز الدخول اليها فتحاماها الناس فرجع الغاصب عن رأيه وردّ الدار إلى صاحبها فنظم السيد :
صبرت يا مولى فنلت المنى والصبر مفتاح لباب الفرج
فالحمد لله الـذي لـم يكـن يدخلني الدار وفيها (حرج)

كما روى لي قوله :
غزا مهجتي بصفاح اللحاظ ولوع بظلمي لا يصفح
ولم أرى من قبـل أجفانـه جنوداً إذا انكسرت تفتح


ادب الطف - الجزء التاسع244


ومن روائعه التي اشتهرت وحفظها القاصي والداني قصيدته (الكوثرية) والمقطع الأول منها في الغزل وباقيها في مدح الإمام أمير المؤمنين علي (ع) :
أمفلّج ثغرك أم جوهـر ورحيق رضابك أم سكر
قد قال لثغرك صانعـه انـا اعطينـاك الكوثـر
والخال بخدك أم مسـك نقطّتَ به الورد الأحمـر
أم ذاك الخال بذاك الخدّ فتيت الندّ علـى مجمـر
عجبا من جمرته تذكـو وبها لا يحتـرق العنـبر

وقال من قصيدة رقيقة :
الخال فـي وجـنتيك قد لثمـك والشعـر أهـوى مقبلاً قدمك
ولـم تنلـني الـذي أنـلـتهمـا فليتني قد لثمـت مَـن لثمـك
نحلت مثل السـواك فـيك فمـا ضرك لو أنني رشفـت فمك
يـا كشحـة طـال عدل قامتـه فأشك اليه من الذي هضمـك
يا جفنه اعتاد بالـضنى جسـدي فليحتمل فوق سقمـه سقـمك
يا غصـن طـاولت قـدّه فلئـن يقصفك ريح الصبا فما ظلمك
ويا عـنيقـيد قـسـت وفرتـه فيك ، فان استطع شربت دمك
يا كعبـة الحسن لـيس يحسن أن تريع بالصـد من أتى حرمك
يا أسعـد الخـال فـوق وجنتـه لقد قضى حجـه من استلـمك
يا آس فوق الشقيق مَـن رقـمك يا در بين العقيق من نظمـك
من ملأ الريـق بالرحيـق ومـن بمسك خال عليـه قد ختمـك
من فيك أجرى نواظـري سحبـاً لما رأت كالوميض مبتسـمك
بميسم الشوق قـد كـوى كـبدي مَن بسمات الجمال قد وسمـك
أنشـاك لـي نـشـوة ومنتزهـاً من أودع الراح والأقاح فمـك
مولاي هـل أنـت راحـم كلفـا لو كنت يوماً مكانـه رحمـك


ادب الطف - الجزء التاسع245


وقال من قصيدة :
الدهر أبدع فيك فعله حتى حباك الحسن كله
ولقد ملكت نصابـه أفـلا تزكّيـه بقبلـه
انــا توجهنا اليـك وأنت للعشــاق قبله
عجباً لدين هواك شا ع نظامه في كل ملّـه
ولهّتَ قلبي في الهوى عطفاً على قلبي المولّه
ارحم عزيزاً لـم يكن لولاك يرضى بالمذلـه
دنفـاً إذا نام الـورى سهر الدجـى إلا أقلّـه

وتحدثتُ يوماً في موقف من مواقف الخطابة عن ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام فروى لي من شعره قوله :
لما دعـاك قدماً لأن تولـد في البيت فلبيتـه
جزيته بين قريش بأن طهّرت من أصنامهم بيته

ومن محاسن التواريخ قوله مؤرخاً وفاة الزعيم السيد نور السيد عزيز الياسري :
هذا ضريح فيه نور الهـدى وهو بنور الله مغمور
وكيف يخشى ظلمات الثرى أرخ ضريح ملؤه نور

وكتب على الصورة :
انظر إلى هذا المثال فكل ذي بصر يراه يقول هذا نورُ

ومن نوادره قوله لما كتب السيد محسن الأمين (التنزيه لأعمال الشبيه) وهي مجموعة ظنون نقلت اليه فبنى عليها واعتقد بصحتها فاندفع يكتب قال السيد رضا :
ذرية الزهراء ان عـددت يوماً ليطري الناس فيها الثـنا
فلا تعـدّوا محسناً منهـم لأنها قـد أسقـطت محسنـا


ادب الطف - الجزء التاسع246


وأرخ عام مقتل الإمام الحسين عليه السلام :
صرخ النادبون باسم ابن طاها وعليه لم تحبس الدمعُ عينُ
لم يصيبوا الحـسين إلا فقيـداً حينما أرخوه (أين الحسين)

وقال مؤرخاً تجديد باب الإمامين العسكريين في سامراء سنة 1345 هـ .
قـل لمن يمموا النقـى وأمّـوا من حمى العسكري أفضل خطه
جئتـم سر مـن رأى فاقيمـوا أبد الدهر في سـرور وغبطـه
زرتم لـجتي عطـاء وفضـل يغتدي في يديهما البحـر نقطـه
خيرة الناس هم ومَن ذا يساوي في المزايا آل الـنبي ورهطـه
قيل أرخ باب التقـي فأرخّـت ببيت فـي قلبي الـوحي خطـه
(ادخلوا الباب سجـداً إن بـاب العسكريين دونـه بـاب حطـه)

وذكر الشيخ السماوي في (الطليعة) نماذج من أدبه الحي وألوان من غزله الرقيق ما تطرب له القلوب وتهفو له الأسماع وتسيل له القرائح ولولا الإطالة لنقلت كل ما ذكره الشيخ في مخطوطته ولكني أروي ما علق بالذاكرة من تلك الدرر ، قال لي مرة : كتبت رسالة إلى ولدي السيد أحمد ـ وكان مصطافاً في صيدا ـ لبنان ـ وفيها :
وكنا إن أردنا منك وصـلا أصبناه ولـو نمشـي رويـدا
قصرنا نستعين على التلاقي باشراك الكرى لنصيد (صيدا)

الحلبة الأدبية التي اشترك بها السيد ورائعته المملوءة بالاحتجاج في أيام السلطان عبد الحميد وردت من بغداد قصيدة لعدد من علماء النجف والقصيدة تتضمن الانكار على وجود صاحب الأمر حجة آل محمد وأولها :
أيا علماء العصر يا من له خبـر بكل دقيق حار في مثله الفكـر
لقد حار مني الفكر في القائم الذي تنازع فيه الناس والتبس الأمـر
فمن قائل في القشر لبّ وجـوده ومن قائل قذ ذب عن لبّه القشر
وأول هـذيـن الـذيـن تقـررا به العقل يقضي والعيان ولا نكر


ادب الطف - الجزء التاسع247


وكيـف وهـذا الوقـت داع لمثلـه ففيه توالى الظلم وانتشر الشـر
وما هو إلا ناشـر العـدل والهـدى فلو كان موجوداً لما وجد الجور
وإن قيل من خوف الطغات قد اختفى فذاك لعمري لا يجوّزه الحجـر

إلى أن يقول :
وإن قـيل إن الاختفاء بـأمر مَـن له الأمر في الأكوان والحمد والشكر
فـذلك أدهى الـداهيات ولـم يقـل بـه أحـدٌ إلا أخـو السفـه الغمـر
أيعجز رب الخلق عن نصر حزبـه على غيرهم حاشا فهـذا هـو الكفـر
فحتام هذا الاختفـاء وقـد مضـى من الـدهـر آلاف وذاك لـه ذكـر
وما أسعد السرداب في سر من رأى له الفضل عن أمّ القرى ولـه الفـخر
فيا للأعاجيـب التي مـن عجيبهـا ان اتخـذ السرداب برجاً لـه البـدر
فيـا علمـاء المسلـمين فجاوبـوا بحـق ومن رب الورى لكـم الأجـر
وغوصوا لنيل الدر أبحـر علمكـم فـمنهـا لنا لا زال يستـخرج الـدر

فانبرى للجواب جماعة من فطاحل الأدب وفرسان الشعر ولغة العرب :
1 ـ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بقصيدة تربو على 300 بيتاً ، على الوزن والقافية نظمها سنة 1317 هـ . وهي السنة التي وردت بها القصيدة ، والقصيدة مثبتة في مخطوطنا (سوانح الأفكار في منتخب الأشعار) ج 4 / 230 .
2 ـ السيد محسن الأمين العاملي بقصيدة على القافية والروي بـ 309 بيتاً وشرحها شرحاً مبسوطاً وأسماها (البرهان على وجود صاحب الزمان) طبعت بالمطبعة الوطنية بالشام عام 1333 هـ .
3 ـ قصيدة الشيخ محمد جواد البلاغي المتوفى 1352 هـ . أيضاً على الوزن والقافية طبعت في آخر كتابه (حاشية البيع) كما أثبتها السيد الأمين في ترجمته في أعيان الشيعة .

ادب الطف - الجزء التاسع248


4 ـ كتاب كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار للعالم الكبير الحاج ميرزا حسين النوري ، طبع سنة 1318 هـ .
5 ـ قصيدة الشيخ رشيد الزبديني العاملي المتوفى بالنجف سنة 1317 هـ .
6 ـ قصيدة الشيخ عبد الهادي شليلة ابن الحاج جواد البغدادي المعروف بالهمداني والمتوفى سنة 1333 هـ .
7 ـ ارجوزة للسيد علي محمود الأمين العاملي المتوفى سنة 1328 هـ . في ماية وتسعة عشر بيتاً ذكره السيد الحجة السيد حسن الصدر في (التكملة) .
8 ـ قصيدة الشيخ محمد باقر الهمداني البهاري .
9 ـ قصيدة السيد رضا الهندي المترجم له وهذه قصيدته :
يمـثلك الشوق المبـرح والفكـر فلا حجبٌ تخفيك عني ولا ستـر
ولو غبتَ عني ألف عام فإن لـي رجاء وصال ليس يقطعه الدهـر
تراك بكل الناس عيني فلم يكـن ليخلوَ ربعٌ منك أو مهمـه قفـر
وما أنت إلا الشمس يـنأى محلّها ويشرق من أنوارها البر والبحـر
تمادى زمان البعـد وامـتدّ ليلـه وما أبصرت عيني محياك يا بدر
ولو لم تعللني بـوعدك لـم يكـن ليألف قلبي من تباعدك الصبـر
ولكن عقبـى كـل ضيق وشـدة رخاءٌ وإن العسر مـن بعده يسر
وان زمان الظلـم ان طـال ليلـه فعن كثب يبدو بظلمائـه الفجـر
ويُطوى بساط الجوز في عدل سيدٍ لألوية الدين الحنيف بـه نشـر
هو القائم المهدي ذو الوطأة التـي بها يذر الأطواد يرجحها الـذر
هو الغائب المأمول يـوم ظهـوره يلبيه بيت الله والركن والحجـر
هو ابن الإمام العسكري محمــد بذا كله قد أنبأ المصطفى الطهر
كذا ما روى عنه الفريقان مجمـلا بتفصيله تفنى الدفاتـر والحبـر
فـأخبارهـم عـنه بـذاك كثيـرة وأخبارنا قلّت لها الأنجم الأزهر
ومولده (نـور) بـه يشرق الهـدى وقيل لظامي العدل مولده (نهر)
* * *


السابق السابق الفهرس التالي التالي