ادب الطف - الجزء التاسع220


أفاض كالـحـيا عـلـى الـوراد ماء الحياة وهـو ظام صادي
وكضّه الـظما وفي طـيّ الحشـا ريّ الورى والله يقضي ما يشا
والـتهـبت أحـشاؤه من الظمـا فأمطـرت سحائب القدس دما
وقـد بكـته والـدمـوع حـمـر بيض السيوف والرماح السمر
تـفطّر القلـب من الضما ومـا تفتّـر الـعـزم ولا تـثلّمـا
ومـن يـدكّ نوره الطـور فـلا يندكّ طود عـزمه من الـبلا
تـعجـب مـن ثـباته الأمـلاك ومـن تـجـولاتـه الأفـلاك
لا غـرو إنـه ابـن بجدة اللقـا قد ارتقى في المجد خير مرتقى
شـبل علي وهـو ليث غـابـه نعم وكان الغـاب فـي إهابه
كـرّاتـه فـي ذلك الـمضمـار تكـوّر الليـل علـى النهـار
سطا بسيفـه فغاضـت الربـى بالدم حتى بلـغ السيل الزبـى
قام بحق السيـف بـل أعطـاه ما ليس يعطـي مثلـه سـواه
كأن منتضـاه محتـوم القضـا بل القضا في حدّ ذاك المنتهى
كأنـه طيـر الفـنا رهـيـفـه يقضي على صفوفهم رفيقـه
أو صرصر في يوم نحس مستمر كأنهم أعجـاز نخـل منقعـر
الرأس الكريم
وفي المعالي حقها لما عـلا على العوالي كالخطيب في الملا
يتلو كـتاب الله والحقائـق تشهـد أنـه الكتاب الـناطـق
قد ورث العروج في الكمال مـن جـدّه لكن على العـوالي
هو الذبيح في منى الطفوف لكنـه ضـريبـة الـسيـوف
هو الخليل المبتلـى بالنـار والـفرق كالـنار عـلى المنار
تالله ما ابتلى نبيّ أو ولـيّ في سالف الدهر بمثل ما ابتلي
له مصائب تـكل الألسـن عنها فكيف شاهدتهـا الأعـين


ادب الطف - الجزء التاسع221


أعظمها رزء على الإسلام سبي ذراري سيّـد الأنـام
ضلالة لا مـثلها ضلالـه سبي بنات الوحي والرساله
وسـوقها مـن بلد إلى بلد بين الملا أشنع ظلم وأشـد
وأفظع الخطوب والدواهي دخولها في مجلس الملاهي
ويسلب اللب حديث السلب يا ساعد الله بنات الـحجب
تحمّلـت أميـة أوزارهـا وعارها مذ سلبت أزارهـا
وأدركت من النبي ثارهـا وفي ذراريه قضت أوتارها
واعجبا يدرك ثار الكفـرة من أهل بدر بالبدور النيّرة
فيا لثارات النبي الهـادي بما جنت به يـد الأعـادي
* * *

الشيخ محمد حسين الاصفهاني نابغة دهره وفيلسوف عصره وفقيه الامة ، اتجهت الأنظار اليه وتخرّج على يده جملة من العلماء الأعلام ومن الكمال والأدب بمكان منشأ بليغاً باللغتين العربية والفارسية وخطه من أجمل الخطوط وهذه جملة من مؤلفاته :
1 ـ كتاب في الفقه والأصول بأجمل اسلوب .
2 ـ حاشية على كفاية الاصول أسماها (نهاية الدراية) طبع الجزء الأول منها في طهران .
3 ـ رسالة في الصحيح والأعم .
4 ـ رسالتان في المشتق .
5 ـ رسالة في الطلب والإرادة .
6 ـ رسالة في علائم الحقيقة والمجاز .
7 ـ رسالة في الحقيقة الشرعية .
8 ـ رسالة في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي .

ادب الطف - الجزء التاسع222


9 ـ عدة رسائل في مختلف أبواب الفقه تزيد على الثلاثين ، وديوان شعر فارسي في مدائح ومراثي آل بيت الوحي وكل شعره مشحون بالفلسفة والعرفان كما له ديوان ثاني في العرفانيات والحكميات وله أرجوزة بالعربية وهي التي أسماها بـ (الأنوار القدسية) فيها أربع وعشرون قصيدة في تاريخ حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الإثنى عشر وأولادهم صلوات الله عليهم أجمعين .
كان بعد الفراغ من دروسه في الحكمة والفقه والأصول يتلو قطعةمن نظمه فتلتذ العقول وترتاح النفوس وتعدّ تلامذته وجود هذه الذات من أعظم الرحمات مضافاً إلى سيرته التي هي مثال عملي عن خلقه وأدبه .
وانطفأ هذا المشعل النيّر الخامس من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1361 هـ . عن عمر يناهز الستة والستين عاماً إذا كانت ولادته سنة 1296 هـ .

ادب الطف - الجزء التاسع223


الشيخ هادي كاشف الغطاء

المتوفى 1361

ربع محى الحدثان رسمه أجرى عليه الدهر حكمـه
كم رمـت كتمان الغرام بـه ويأبى الـوجد كتمـه
أوحشت يا ربع الهـدى ولبست بعد الـنور ظلـمه
ولقـد أشابـت لـمّتـي نـوب تـشيّب كـل لمّـه
بملمة طـرقـت فأنست كــل طـارقـة ملمـة
يوم أبـيّ الضيـم فيـه أبى الـمذلّـة والـمذمّـه
وسقى الثـرى بدم العدوّ وأطعـم العـقبان لحمـه
وافى لعـرصة كربـلا من هاشم في خير غلمـه
أقـمار تـمٍّ أسـفـرت بدجى الخطوب المدلهمـه
وليوث حرب صـيّرت سمر العوالي اللدن أجمـه
من كل فـارس بهمـة ما همّـه إلا الـمهـمـة
حتى إذا نـزل القـضا ء وأنقـذ المقدور حتمـه
نهبتهم بيـض الضبـا وتـقاسمتهـم أي قسمـه
يا صدمة الـدين الـتي ما مثلها للدين صـدمـه
هدّمـت أركان الهـدى وثلمت في الإسلام ثلمـه
قـتل الإمام إبن الإمام أخـو الإمام أبو الأئمـة
ما ذاق طعم الماء حتى صـار للأسياف طعـمه
ملقى على وجه الصعيد تدوس جرد الخيل جسمه


ادب الطف - الجزء التاسع224


لا يـرحـم الله الأولـى قطعوا من المختار رحمه
لـم يـرقبـوا لنـبيهـم فــي آلــه إلا وذمّـه
خسرت تجارة من يكون شفيعه في الحشر خصمه
أبَـنـي أمـيـة أنـتـم في الناس كنتم شرّ أمّـة
* * *

الشيخ هادي ابن الشيخ عباس بن علي بن جعفر صاحب كشف الغطاء قدس سره . ولد بالنجف سنة 1289 هـ . منشأه بيت العلم والكمال والهيبة والجلال فالدر من موطنه والذهب من معدنه ، كنت إذا نظرت إلى وجهه المبارك رأيت في أساريره النور وروعة العلم وهيبة العلماء وملامح النسك والعبادة ، نظم الشعر في حداثة سنّه مع أخدانه أبطال اشعر ونوابغ الفن أمثال الشيخ جواد الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصفهاني والسيد جعفر الحلي وأضرابهم وتتلمذ على الملا كاظم الآخوند كثيراً والشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ويروي إجازةً عن السيد حسن الصدر والشيخ آغا رضا الهمداني ونال من الحظوة العلمية مرتبة الإجتهاد وأصبحت قلوب الناس متعلقة به منجذبة اليه لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة ، ما جلس اليه أحد إلا وانجذب اليه لروحانيته وأفاض عليه من نميره العذب . كنا نجلس في طرف المجلس احتراماً له وهو يدنينا اليه ويحدثنا بما يخص المنبر الحسيني وعن أثر وقعة الطف ويستشهد بشيء من منظومته المسماة بـ (المقبولة الحسينية) وهو صاحب مستدرك نهج البلاغة وكتاب (مصادر نهج البلاغة ومداركه) ، وشرح شرائع الإسلام ، وشرح تبصرة العلامة الحلي ، ورسالة تضم فتاواه وآراءه الفقهية أسماها (هدى المتقين) طبعت سنة 1342 هـ . وله منظومة في النحو وأخرى في الإمامة ، أما المنظومة المسماة بالمقبولة فلا زال خطباء المنبر الحسيني يجعلونه موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية ومما قال في مدح النجف من قصيدة :

ادب الطف - الجزء التاسع225


قف بالنياق فهـذه النجـف أرض لها التقديس والشرف
ربع ترجلـت الملـوك بـه وبفضل عزّ جلاله اعترفوا
حرم تطوف به ملائكة الـ ـربّ الجليل وفيه تعتكـف

وله أرجوزة في سيرة الزهراء سلام الله عليها ، ومنها :
ومَن بهـم بأهل سيد الـورى (وقل تعالوا) أمرها لن ينكـرا
وهل أتى في حقها وكـم أتـى من آيـة ومـن حديـث ثبـتا
لما رووه في الصحيح المعـتبر من أنها بضعـة سيـد الـبشر
وبضعة المعـصوم كالمعصوم في الحكم بالخصوص والعموم
لانـها مـن نفسـه مقتطعـه فحقها فـي حكمـه أن تتبعـه
إلا الـذي أخـرجـه الـدلـيل فـإنـنـا بـذاك لا نـقـول
ولم يرد في غـيرهـا ما وردا في شأنها فالحكم لـن يطـردا
وآية التطهير قـد دلّـت علـى عصمتها من الذنـوب كمـلا

توفي رحمه الله ليلة الاربعاء في 9 محرم الحرام سنة 1361 هـ . وكان يوما مشهوداً واشترك سائر الطبقات بمواكب العزاء حتى أودع في مقبرتهم مع والده وجدّه رحمهم الله جميعاً وتعاقبت الشعراء على منصة الخطابة ترثيه بما هو له أهل وتندبه وكما أقيم له حفل أربعيني إشترك فيه كبار الكتّاب والخطباء والشعراء .
ومن نتفه وملحه قوله :
قول إن الذي يموت يراني حار همدان ـ عن علي رواه
فتمنيت أن أمـوت مراراً كـل يـوم ولـيلــة لأراه

يشير إلى حديثنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) للحارث الهمداني إذ يقول : وأُبشرك يا حارث ليعرفني وليّ وعدوّي في مواطن شتى ، يعرفني عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة قال : وما المقاسمة يا سيدي قال : مقاسمة

ادب الطف - الجزء التاسع226


الجنة والنار أقسمهما قسما صحاحا ، أقول هذا وليّ وهذا عدوّي ، ونظم للسيد الحميري في ذلك فقال :
قـول عـلي لـحارث عـجب كـم ثـَمّ أعجوبة له حملا
يا حار همدان مَـن يـمت يرني من مؤمن أو منافق قبـلا
يعـرفـني طـرفـه وأعـرفه بنعته وإسمه ومـا فعـلا
وأنت عند الصـراط تعـرفنـي فلا تخف عثـرة ولا زللا
أقول للنار حين تعرض للعرض ذريـة لا تـقبلي الرجـلا
ذريـه لا تـقـبلـيـه إن لــه حبلاً بحبل الوصي متصلا

وتوهم إبن أبي الحديد حيث نسب هذا الشعر للإمام أمير المؤمنين (ع) ، أقول قد نطقت صحاح الأخبار بأن الإمام علي عليه السلام يشاهده شيعته في خمسة مواطن : عند خروج الروح ، ,عند سؤال القبر ، وعند الحوض ، وعند الحساب ، وعند الصراط .
وقد روى الهيتمي في معجمه وأبو نعيم في حلية الأولياء والخطيب البغدادي والمحب الطبري في الرياض النظرة والمتقي الهندي في كنز العمال وإبن حجر في الصواعق والمناوي في كنوز الحقائق وغيرهم علماء السنّة أن الإمام عليه السلام يُرى عند الحوض وعند الحساب وعند الصراط فيكون الاتفاق حاصلاً من الفريقين على هذه الرؤى الثلاث ، وأما ما يخص الرؤية عند خروج الروح وعند سؤال القبر فقد حصل فيها بعض الأخذ والرد من علماء الفريقين .

ادب الطف - الجزء التاسع227


الشيخ عبد الحسين صادق

المتوفى 1361

قال يرثي علي بن الحسين شهيد كربلاء عليه السلام :
عهدي بربعهم أغـنّ المعهَـد وندّيه يفتر بالروض الندي
ما باله درس الجديـدُ جديـدَه ومحا محاسن خدّه المتورد
أفلّت أهلّتـه وغـابت شهبـه في رائح للنائبات ومُغتدي
زمّت ركاب قطينـه أيدي سَبا تفلي الفلاة بمتهِـم وبمنجِد
* * *
ولقد وقفت به ومعتلـج الجـوى بجوانحي عن حبس دمعي مقعدي
فتخالني لضناي بعض رسومـه ولحـرّ أحشائي أثـافـي مَوقَـد
أرنـوا الـيه وناظـري مُتقسّـم بطـلـولـه لمصـوب ومُصعّـد
مـا أن أرى إلا الحمائـم هُتّفـاً ما بين غِـرّيد وصيـداح شَـدي
ناحت ونحت وأيـن مني نوحُهـا شتان نَـوح شجٍ وسجـع مُغـرّد
لي لا لها العين المرقرق دمعهـا والمهجة الحراء والقلب الصَـدي
حجر على عيني يمر بها الكـرى مـن بعـد نازلـة بعترة (أحمد)
أقمار تـمٍّ غالها خسـف الـردى واغتالها بصروفه الزمن الـردي
شتـى مصائبهـم فبيـن مكابـدٍ سُمـّا ومنحـور وبيـن مُصفّـد
سل كربلا كـم مُهجَـة (لمحمدٍ) نُهبت بها وكم إستجذبـت من يـد


ادب الطف - الجزء التاسع228


ولكـم دم زاكٍ أُريـق بها وكـم جثمان قُدسٍ بالسيوف مُبدّد
وبها على صبر الحسين ترقرقت عبراتـه حـُزناً لأكرم سيّد
* * *
وعلّي قـدر من ذوابـة هاشـم عبقت شمائله بطيب المحـتد
أفـديـه مـن ريحانـة رَيّانـة جفّت بحر ظَما وحـرّ مُهنـد
بكر الذبول على نَضارة غُصنه إن الذبول لآفة الغصن الـندي
ماء الصبا ودم الوريد تجاريـا فيه ولاهب قلبـه لـم يخمـد
* * *
لـم أنسـه متعمـّما بثـبا الضيا بين الكماة وبالأسنّـة مرتـدي
يَلـقى ذوابلهـا بـذابل معـطفٍ ويشيم أنصلهـا بجيـد أجـيَد
خضبت ولكن مـن دم وفـراتـه فاحمرّ ريحان العِذار الأسـود
جمع الصفات الغُرو هـي تراثـه من كل غطريف وشهم أصـيد
في بأس حمزة في شجاعة حيـدر بإبا الحسين وفي مهابة (أحمد)
وتراه في خلق وطـيب خلائـق وبليغ نطق كالـنبي (محـمد)
يرمي الكتائب والفلا غصّت بهـا في مثلها من عزمـه المتوقـد
فيـردّها قَسـرا علـى أعقابهـا في بأسٍ عِرّيس العرينة مُلبـد
ويـؤب للتوديـع وهـو مجاهـدٌ لظمـا الفـؤاد وللحديد المجهد
* * *
صادي الحشى وحسامه ريّان من مـاء الطـلا وغـراره لـم يبـرد
يشكو لخير أب ظمآه وما اشتكى ظماء الحشى إلا إلى الضامي الصدي
فـانصاع يُؤثـره عليه بريقـه لـو كـان ثَمّة ريقـة لـم تـجمـد
كـل حـشاشة كصاليـة الغضا ولـسانـه ظـماء كشـقـة مبـرد


ادب الطف - الجزء التاسع229


ومـذ انـثنى يلـقى الكريهة باسما والمـوت منه بمسمَع وبمشهـد
لفّ الوغى وأجالها جـول الرحـا بمـثقّـفٍ مـن بأسـه ومُهنّـد
عـثر الـزمان بـه فغـادر جسمه نهب القواضب والقنا المتقـصد
ومحى الردى يا بئس ما غال الردى منه هِلال دُجاً وغـرة فـرقـد
يا نجعـة الحييـن هاشـم والعُلـى وحِـمى الذمارين العُلى والسودد
كيف ارتقت هم الردى لك صعـدة مطـرورة الكعبيـن لـم تتـأود
فلتذهب الدنيا عـلى الـدنيا العفـا ما بعد يومك مـن زمانٍ أوغـد
* * *

الشيخ عبد الحسين إبن الشيخ إبراهيم إبن الشيخ صادق العاملي والمتقدم ذكر جملة من اسرته . ولد في النجف الأشرف في حدود سنة 1282 هـ . وفيها نشأ ثم خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين إبن ميرزا خليل ، وهو في الطبقة الأولى من الشعراء . قال السماوي في الطليعة : رأيته يتفجر فضلاً ويتوقد ذكاء إلى أخلاق كريمة . توفي في أوائل ذي الحجة سنة 1361 هـ . في النبطية ودفن فيها .
قال ولده الشيخ حسن رأى أبي ليلة أحد الصادقين عليهما السلام ـ الشك منه ـ فقال لأبي أجز هذا البيت :
لا عذر للعين إن لم تنفجر علقا وللحشاشة إن لم تنفطر حرقا

فنظم القصيدة الحسينية الآتية في الترجمة وشهرته العلمية وملكته الأدبية مما لا ينازع فيه وشهد العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند صاحب الكفاية والحاج ميرزا حسين ميرزا خليل له بالاجتهاد ، وأدبه عريق أخذه عن أب عن جد وهذه دواوينه المطبوعة بلبنان وهي (سقط المتاع) (عرف الولاء) (عقر الظباء) وكلها من الشعر العالي وولاؤه أهل البيت (ع) يذكر فيشكر ونجد بلدة النبطية ـ اليوم ـ ونواحيها كالنجف الأشرف في شعائر أهل

ادب الطف - الجزء التاسع230


البيت (ع) ، فالمأتم والمواكب التي تقيمها مؤسسته التي تسمى بـ (الحسينية) هي ركن من أركان التشيع ولا عجب فهو من اسرة شعارها الولاء وأنجبت الشعراء والعلماء وهذه باقة فواحة من شعره في الإمام الحسين أما باقي ألوان شعره فحسبك أن ترجع إلى دواوينه التي ذكرت أسماءها وترى خياله الواسع وأفقه النيّر أمثال قصيدته التي يصف بها الباخرة وأولها :
روت الفلك في متون البحار نبأ البرق عن صحيح البخار (ي)

وأخرى في وصف (التلغراف) وثالثة في صفة (القطار) ورابعة في وصف (السيارة) أو تقرأ له (البدويات والأعاريب) وملحمته الكبرى (الشمس وبنو عبد شمس) ففيها الوصف الكامل للشمس وخواصها وآثارها في الكون ثم يأتي على ذكر بني عبد شمس وأتباعهم في الجاهلية والإسلام وما جروه على الإسلام والأمة الاسلامية من المنكرات والفظايع ، ومن غرر أشعاره مدائحه النبوية ومطارحاته ورثاؤه لجملة من أعلام معاصريه .
توفي بالنبطية في 12 ذي الحجة الحرام عام 1361 هـ . ودفن هناك ورثاه الشعراء بقصائد كثيرة تعرب عن مقامه الرفيع وأبّنته الصحافة العربية ومن مخلفاته العلمية كتاب (سيماء الصالحين) وهو على صغر حجمه موفق في اسلوبه كل التوفيق .
ومن روائعه التي سارت مسير الأمثال قصيدته التي عنوانها (عمّ الفساد) :
بدعٌ تشب فتلهبُ المحنُ وهوىً يهب فتُطفأ السُنن
وثلاثةٌ غمر البسيطُ بها فـتنٌ وفـتّانٌ ومُفتَتـن

ومنها :
القومُ سرّهم معاويةٌ وقميص عثمان لهم عَلَن

ويظهر أن نظم الشعر لدى المترجم له أسهل عليه من النثر فإنه لما أسّس الحسينية بالنبطية سنة 1329 هـ . وأراد إجراء صيغة الوقف قال :

ادب الطف - الجزء التاسع231


أنا عبد الحسين والصادق الودّ لآل النبي ثبت الولاء
أمروا بالعزا لهم فبذلت الجهد حتى أقمت بيت العزاء
فهو وقفٌ مؤبد أنا واليه وبعدي ذوالفضل من أبنائي
ولدى الانقراض منا يناط الأمر فيه لأورع العلماء

وقال في رثاء الحسين عليه السلام :
سل كربلا والوغى والبيضَ والأسلا مستحفياً عن أبيّ الضيم ما فعـلا
أحلّقـت نفسـه الكـبرى بقادمـتي إبائه أم على حكـم العـدا نـزلا
غفرانك الله هل يرضى الدنية مَـن لقاب قوسين أو أدنا رقـى نـزلا
يأبى له الشرف المعقود غـاربـه بذروة العرش عن كرسيه حـولا
سامـوه إما هـواناً أو ورود ردىً فساغ في فمه صاب الردى وحلا
خطا لمزدحم الهيجاء خطوتـه الـ ـفسحاء لا وانياً عزما ولا كسلا
يختال من جـده طـه ببـرد بهـاً ومن أبيه عـليٍّ فـي بجاد عـلا
فالكاتبان لـه في لـوح حـومتهـا ذا ناظـم مهجـاً ذا ناثـر قلـلا
يمحو بهذين من ألواحـها صـوراً أجل ويثبت في قرطاسها الأجـلا
يحيكُ فيها علـى نـولـي بسالتـه من الحمام إلـى أعـدائـه حلـلا
ما عَضبه غـير فصّال يداً وطـلا ولدنه غيـر خـياط حشاً وكـلا
هما معاً نشـرا مـن أرجـوانهـا ما جلل الأرحبين السهل والجبـلا
تـقلّ يـمناه مشحـوذ الغرار مضاً مـواجـه عـلقاً وهاجـة شعـلا
ما بين مضطرب منـه ومضطـرم نار تلظّى ومـاء للمنـون غلـى
طـوراً يقـدّ وأحـياناً يقـط وفـي حـاليهما يقسم الأجسـام معتـدلا
فهو المقيم صلاة الحـرب جامعـة لم يبق مفـترضاً منهـا ومنتفـلا
تأتـمّ فـيه صفوف مـن عزائمـه تستغرق الكون ما استعلا وما سفلا
بـالنحـر كـبّر ماضيـه وعاملـه بالصدر فاتحة الطعن الدراك تـلا


ادب الطف - الجزء التاسع232


فالسيف يركع والهامات تسجد والخـ ـطي في كل قلب أخلص العمـلا
أقـام سـوق وغى راجت بضائعها فابتـاع لله منهـا ما عـلا وغلا
تعطيه صفقتها بيض الصفاح وسمر الخط تربح منـه الـعلّ والنهـلا
والـنبـل تنقـده ما فـي كنانتهـا والقوس تسلفه عـن نفسـه بـدلا
والـبيعـان جـلاد صـادق وردى فـذاك أنـشـأ إيجابـاً وذا قـبلا
قضى منيع القفا من طـعن لائمـة مذ للقنا والـمواضي وجـهه بذلا
قضى تريب المحيا وهو شمس هدى من نوره كم تجلّى الكون بابن جلا
قضى ذبول الحشا يبس اللهى ظـمأ من بعد ما أنهـل العسالـة الذبـلا
قضى ولو شاء أن تمحى العدا محيت أو يخليَ الله منـها كونـه لخـلا
لـكـن ولله فـي أحـكامـه حكـم كبابه القـدر الجاري فخـرّ إلـى
لله ما انفصلـت أوصالـه قـطعـاً لله مـا انتهبـت أحشـاؤه غلـلا
لله مـا حـمـلـت حوبـاؤه محنـاً بثقلها تنهض النسـرين والحمـلا
أفديه من مصحـر للحـرب منشئـة عليه عوج المواضي والقنا طلـلا
والصافنات المذاكي فوقـه ضربـت سرادقا ضافي السجفين منـسدلا
بيتاً من النقع عـلويـاً بـه شـرف وكل بيت حواه فهـو بيت عـلا
ضافته بيض الظبا والسمر ساغـبـة عطشى فألفته بذال القرى جـذلا
لله ماشـرب الـخـطي مـن دمـه لله ما لحمه الهـندي مـا أكـلا
أحيا ابن فاطمـة فـي قتلـه أُممـاً لولا شهادته كانـت رميـم بـلا
تنبهت مـن سبات الجـهل عالمـة ضلال كل امرء عن نهجه عدلا
لولـم تكن لـم تقـم للديـن قائمـة ولا اهتدى للهدى من أخطأ السبلا
ولا استبان ضلال الناكثين عن المثـ ـلى ولا ضربوا في غيهم مثلا
ولا تجسـم نصـب الـعين جعلهـم خلافة المصطفى ما بينهـم دولا
ولا درى خلفٌ مـاذا جنـى سلـفٌ في رفضـه أولاً ساداتـه الأولا


ادب الطف - الجزء التاسع233


ولا تحـرر مـن رق الـجهالـة وثـا با إلى العلم يأبى خطـة الجهـلا
سـن الأبـا لإبـاة الـضيـم منتحـراً وتلك شنشنـة للسـادة الفضـلا
لله وقـفـتـه فـي كـربـلا وسطـا بين الوغى والخبا يحمي به الثقلا
يعطي النسا والعـدا من وفـر نجدتـه حظيهما الأوفرين الأمن والوجلا
عـبّ الأمـرّيـن فقـدان الأعـزة وا لصبر الجميل ومج الوهن والقشلا
ورب ظـام رضــيـع ذابـل شفـة وفاغـر لهـوات غائـر مقـلا
أدناه مـن صـدره رفقـاً ومرحمـة لحاله وهي حال تدهـش العقـلا
فاستغرق النزع رامي الطفل فانبجست أوداجه مذ له السهم المراش غلا
فـاضـت دمـاً فتـلقـاه بـراحتـه وللسماء رمى فيـه فـما نـزلا
وهـوّن الخـطـب إن الله يـنـظـره وفي سبيل رضاه خفّ ما ثقـلا
ونـسـوة بـعـده جلـت مصيبتهـا وإن يكن كل خطب بعده جلـلا
عـلى النبـي عزيـز سبيهـا علـناً وسلبها الزينتين الحلي والحلـلا
تدافع القـوم عنهـا وهـي حاسـرة مصفرّة وجلا محمـرّة خجـلا
مـا حـال دافعـة مـبتزهـا بـيـد تود مفصلها من قبل ذا فـصلا
رأت فصيلتها صـرعـى وصبيتهـا من الظما بين من أشفى ومن قتلا
رأت نجوم سما عمرو العلى غـربت عنها وبدر سماء المصطفى أفـلا

وقال يرثي قمر الهاشميين أبا الفضل العباس شهيد كربلا :
بكر الردى فاجتاح في نكبائـه نور الهدى ومحا سَنا سيمائه
ودهى الرشاد بناسفٍ لأشمّـه وبخاسفٍ لأتمّ بـدر سمائـه
ورمى فأصمى الدين في نفاذة وارحمتاه لمنتهـى أحشائـه
يوماً به قمر الغطارف هاشـم صكّت يد الجُلّى جبين بهائـه
سيم الهوان بكربلاء فطار للعز الـرفيع بـه جنـاح إبـائـه
أنّى يلين إلى الدنيـة مَلمَسـا أو تنحت الأقدار من ملسائـه
هو ذلك البسّام في الهيجاء وا لعباس نازله عـلى أعـدائـه


ادب الطف - الجزء التاسع234


هو بضعة من حيدر وصفيحـة مـن عـزمه مشحوذة بمضائـه
وأسى أخاه بموقف العـزّ الـذي وقفت سواري الشهب دون علائه
ملك الفرات على ظماه وأسـوة بأخيه مات ولم يـذق من مائـه
لم أنسهُ مذ كـرّ منعطفـاً وقـد عطف الوكاء على مَعين سقائـه
ولوى عنان جواده سرعان نحو أخيـه كي يُطـفـي أوار ظمائه
فاعتاقه السَدّان من بيض ومـن سُمر وكل سـدّ رَحـب فضائـه
فانصاع يخترق الصوارم والقنا لا يَرعوي كالسهم فـي غلوائـه
يغري الطلا ويخيط أفلاذ الكِـلا بشباة أبيضـه وفـي سـمرائـه
* * *
ويجول جولة حيدرٍ بكتائـب خضراؤها كالليل في ظـلمائـه
حتى إذا ما حان حين شهادة رُقمت له في لوح فصل قضائه
حسم الحسام مُقلـة لسقائـه فـي ضربـة ومُجيلـة للوائـه
آمن العدى فتكاته فـدنا لـه مَن كان هيّابـاً مهـيب لقائـه
وعلاه في عَمد فخرّ لوجهـه ويميـنـه ويسـاره بـإزائـه
نادى أخاه فكان عـند لقائـه كالكوكب المنقض من جوزائـه
وافى اليه مُفرّقاً عنه العـدى ومجمّعاً ما انبتّ من أعضائـه
وهوى يُقبّله وما من موضـع لـلثـم إلا غـارق بـدمـائـه
* * *
يا مبكياً عيـن الإمـام علـيك فلـتـبك الأنام تأسّياً لبـكائـه
ومقوّساً منـه القـوام وحانيـا منه الضلوع على جوى بُرحائه
فلتنحني حـزناً علـيك تأسيـا بالسبط في تقـويسـه وحنائـه
أنت الحري بأن تقيم بنو الورى طُراً ليوم الحشر سـوق عَزائـه


السابق السابق الفهرس التالي التالي