ادب الطف - الجزء التاسع204


السيد صالح الحلّي

المتوفى 1359

يرثي علي بن الحسين الأكبر شهيد الطف :
يا نيراً فيه تـجلى ظلمـة الغسـق قد غاله الخسف حتى انقضّ من أفق
ونبعـة للمـعالـي طاب مغرسهـا رقت وراقت بضافي العز لا الورق
حـرّ الظبا والظما والشمس أظمأها وجادها النـبل دون الـوابل الغـدق
يا ابن الحسين الذي ترجى شفاعـته وشبه أحمد في خـلق وفـي خُلُـق
أشبهـتَ فاطمـة عمـراً وحيـدرة شجاعـة ورسول الله فـي نطــق
يا خائضاً غمرات الموت حين طمى فيض النـجيع بموج منـه مندفـق
لهفي عليه وحيـداً أحـدقت زمـر الأعدا به كبيـاض العـين بالحـدق
نـادى علـيك سـلام الله يا أبتـا فجاء يـعدو فألفـاه علـى رمـق
نادى بنيّ على الدنيا العفـا وغـدا مكفكفـاً دمعـه الممـزوج بالعلـق
قد استرحت من الدنيـا وكربتهـا وبين أهـل الشقا فرداً أبـوك بقـي

* * *

أبو المهدي السيد صالح ابن السيد حسين ابن السيد محمد حسيني النسب حليّ المحتد والمولد وتناديه عامة الناس أبو مهيدي خطيب أو أشهر خطباء المنبر الحسيني إذ أن شهرته الخطابية لم يحصل على مثلها خطيب حتى اليوم يتحلى بجرأه قوية وبسطة في العلم والجسم . ولد سنة 1289 هـ . في الحلة وهاجر منها إلى النجف 1308 هـ . وهو في التاسعة عشرة من عمره وأكمل دروسه في

ادب الطف - الجزء التاسع205


العربية والمعاني والبيان عند الشيخ سعيد الحلي والشيخ عبد الحسين الجواهري ودرس كتابي المعالم والقوانين في الأصول على العلامة الشهير السيد عدنان ابن السيد شبر الغريفي الموسوي ، وكتابي الرسائل والمكاسب عند الشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري وعلى الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وهو في كل ذلك يتعاهد ملكته الأدبية ولم تكن له يومئذٍ صلة بالخطابة وفي سنة 1318 هـ . أحسّ من نفسه القدرة على الخطابة وقوة البيان وطلاقة اللسان فتوجّه أول ما توجه إلى حفظ الكثير من (نهج البلاغة) من خطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ولم يك في عصره من الخطباء المجددين في الفن إلا المرحوم الشيخ كاظم سبتي فهو أظهر الخطباء وأبرزهم فنبغ السيد صالح وأخذ يجاريه ويزاحمه ومن حسن الصدف أن يولي العالم الكبير والمؤرخ الخبير السيد باقر الهندي عنايته خطيبنا الصالح فيسهر على توجيهه وإرشاده ، وهناك لمع نجمه واشتهر اسمه فقد كان من المتعارف أن يجتمع خطيبان في محفل واحد بالتعاقب وصادف أن دُعي الخطيبان : سبتي والحلي ولحداثة سنّ السيد صالح والأصول المتبادلة في إحترام الخطباء للأكبر سناً فقد رضي السيد صالح أن يكون هو الأول كمقدمة للشيخ كاظم . أما المعروف بين الناس أن الخطيب الثاني إنما تظهر براعته إذا تناول نفس الموضوع الذي طرقه الخطيب الأول بإضافة شيء جديد وتتمة للموضوع الأول . فكان حديث السيد صالح عن سيرة أبي الفضل العباس وهكذا تقدم الشيخ كاظم وتكلم فأجاد ولم يك بحسبان شيخنا الخطيب أن السيد صالح قد أعدّ نفسه وهيأ من المادة الكافية للتحدث عن أبي الفضل العباس في الليالي العشر كلها وهذه براعة منبرية وقدرة تؤهله للتقدم والبروز وهكذا استمر في أدوار حياته بطلاً منبرياً وخاض غمرات سياسية وإصلاحية فكان المنتصر في أكثرها وفي الثورة العراقية عام 1920 م . في الفرات الأوسط ومطالبة الشعب بالحكم الوطني كان صوت السيد صالح أعلى الأصوات واستمر يحرض القبائل حتى قبض عليه الإنكليز في بعقوبة وأبعدوه إلى البصرة ثم إلى المحمرة فآواه أميرها الشيخ خزعل خان وأحسن وِفادته

ادب الطف - الجزء التاسع206


واستمر في صراعه مع اللادينيين الذين يتسترون بإسم التهذيب والتنظيم ومن المؤسف أن تنجح مؤامرة اولئك الذين يظهرون خلاف ما يبطنون فيروّجون إشاعة سبه للعلماء وتنقسم كلمة رجال الدين فمن مناصر له ومن محارب وتنتعش تلك الطغمة التي لا يطيب لها العيش إلا في الأحوال والقيل والقال . لقد ضعفت قوته وضعف عزمه ولبث ملازماً بيته إلى أن توفاه الله ليلة السبت 29 شوال 1359 هـ . في الكوفة فحُمل على الرؤوس تعظيماً له حتى دفن بوادي السلام في مقام المهدي ونعاه المنبر وبكته الخطابة ورثاه العلامة الجليل الشيخ عبد المهدي مطر بقصيدة فاخرة منها :
نعـتك الخطابـة والمنبـر وناح لك الطرس والمزبر
وفيك انطوت صفحة للبيان بعيـر لسـانك لا تنشـر

إهتم الخطيب الأديب السيد محمد حسن الشخص سلمه الله بجمع ديوانه وسجّل له كل شاردة وواردة ، وهذه رائعة من روائعه في أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين (ع) :
من هاشم سلبت أمية تاجهـا وفرت بسيف ضلالها أوداجها
تخلو عرينة هاشم من أُسدها وتكون ذئبان الفـلا ولاجّهـا
قوم إذا الهيجا تلاطم موجها خاضوا بشزّب خيلهم أمواجها
ما بالها أغضت وعهدي أنها كانت لـكل ملمـة فرّاجهـا

ومنها :
للشـوس عـباس يريهم وجهه والوفد ينظر باسماً محـتاجهـا
باب الحوائج ما دعته مروعـة في حاجة إلا ويقضي حـاجهـا
بأبي أبي الفضل الذي من فضله السامي تعلّمت الـورى منهاجها
قطعوا يديه وطالما مـن كفّـه ديم الدما قد أمطـرت ثجاجـها
أعمود أخبيتي وحامي حوزتـي وسراج ليلي إن فقدت سـراجها
أعزز عليك بأن تراني مفـرداً فاجأت من جيش العدى أفواجها
أفدي محيّاً بالتراب قد اكتسـت من نوره شمس الضحى أبهاجها


ادب الطف - الجزء التاسع207


الشيخ عبد الله الخضري

المتوفى 1359

يستنهض في أولها حجة آل محمد ويتخلص برثاء الحسين عليه السلام :
أبا صالح حتى متى أنت غائـب وليس لهذا الدين غـيرك صاحـب
لقد خفضتنا نصب عينك عصبة البغاة وثُلّت مـن حماكـم جوانـب
يريدون مـنا أن نفضّل عصبـة لها الكفر دين والمعاصـي مذاهـب
على مَن أقام الدين في سيفه الذي له قد أطاعت مـن قـريش كتائـب
أبـاد قـريشاً يـوم بدر بسيفـه ويـوم حـنين لـيس إلاه ضـارب
فكم كفّ عن وجه النبي جيوشهم وكم ظهرت منه بأحـد عـجائـب
ويوم تبوك حيـن نـاداه أحمـد وقد هربـوا منـه هُـم والأقـارب
أغثني فأنت اليوم كهفي وناصري فـلـبّـاه لا وانٍ ولا هـو راهـب
فداؤك نفسي هـا أنا الـيوم قادم وكان كـما ينحـط للرجـم ثاقـب
فأرداهم صرعى وفلّـق هامهـم همام بماضيـه تفـلّ القـواضـب
ولمـا أراد الله لـقيـا رسولـه فأوحى لـه بلّـغ فإنـك غـالـب
فقام رسول الله يخطـب فـيهـم ألا بلغوا يا قوم مـن هـو غائـب
بـأن عليـاً وارثـي وخليفتـي على الناس بعدي وهو للأمر صاحب


ادب الطف - الجزء التاسع208


ومنها :
دعـوه أن اقـدم إنـنا لك شيعة نجاهـد أفـواج العدى ونضارب
فأقبل والأنصار كـالأسد خلـفه تقلّهـم للـطّف جـردٌ سلاهـب
ومذ خيّموا بالطف دارت عليهـم كتائب تفقـو إثـرهـن كتائـب
فصالوا عليهم كالليوث وجـرّدوا سيوفاً بها للظلم هدّت جـوانـب
هم الأسد لكـن الـرماح أجامهـا وليس سوى عوج السيوف مخالب
ومذ خطبوا العليا ولما يكـن لهـا سوى النفس مهر والمهند خاطـب
أبى عزّهم إلا الردى حيـث أنـه تنال به عـند الإلـه المـراتـب
وما مات منهم واحـد غيـر أنـه تموت بكفّيه الـقنا والقـواضـب
ومذ عانقوا بيض الصفاح وبعد ذا تعانقهـم فـي الخلد حور كواعب
* * *

الشيخ عبد الله هو ابن الشاعر الفحل الشيخ محسن ابن الشيخ محمد الخضري كان من العلماء والفضلاء ولد في النجف سنة 1297 هـ . ونشأ بها بكفالة جدّه لأمه الشيخ إسماعيل فهو الذي وجّهه نحو العلم ، وتدرّج على أندية آل كاشف الغطاء وهم أعمامه الأدنون منه فبرع في الفقه والأصول مضافاً إلى تقوى وورع ودين وكان يذهب إلى العشائر الفراتية فيعظ ويرشد ويذكرهم بالآخرة حتى أثر أكبر الأثر على نفوسهم واتجهوا لطاعة الله واجتناب المعاصي والتورع عن الحرام وسبق له أن حمل سلاحه وجاهد دفاعاً عن إستقلال العراق وطرد الكافر عن بلاد الإسلام . توفي فجأة عام 1359 هـ . ببغداد ونقل للنجف فدفن في الإيوان الذهبي من صحن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وخلّف أربعة ذكور الأستاذ عبد الصاحب ، والاستاذ نصر ، والعلامة الشيخ كاظم ، والاستاذ عبد المنعم . وهم يحتفظون بمجموعة من قصائده فمنه قوله متغزّلاً :

ادب الطف - الجزء التاسع209


وبـدر الـسعادة لـما استهـل ونحس النجوم وشيكاً أفـل
وزالت عـن القلـب أسقامـه بوصل الحبيب عقيب الملل
وزار الحبيب برغـم الرقيـب وكان الطبيب لـتلك الـعلل
رشاً قـد سبى الغصن في قدّه وقدعلّـم البان ذاك الميـل
فـوجنتـه الشمـس لما بـدت وطلعته الـبدر لما اكتمـل
ومبسمـه الـدر لـما ابتسـم وما الشهد من ريقه والعسل
يزجّ الاسـود برمـح القـوام ويصمي القلوب بسيف المقل
فحـاجبـه قوسـه ، والحمـل سهام لـه والقـوام الأسـل
فيا عاذلي كفّ عـنك المـلام فقد ضلّ قلبك مَن قد عـذل
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع210


الشيخ مهدي الظالمي

المتوفى 1359

كانت الهيئة الروحية تقيم مأتم العزاء لذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) في مسجد آل الجواهري بالنجف الأشرف في المحرم فكانت هذه القصيدة الحسينية قد خصصت لها ليلة من الليالي :
متى مُضـر الحمـراء تطلـب ثارهـا فتسمـع آذان الزمـان شعارهـا
وحتـى مَ تستـقصي البـلاد بجـولـة على الأرض تهدي للسماء غبارها
إلـى مَ بـدار الـذل تبقـى ومـا لهـا على الضيم دهراً لا تملّ قرارهـا
أتحسب أن غضت عن الحرب طرفهـا بغير وصال الموت تقطع عارهـا
فلا عـذر حتى تـورد القـوم بالظبـا حياض المنايا أو تخوض غمارها
فيا من بها يستدفـع الضـر والعـدى حذاراً من البلوى تعـزز جارهـا
دعي البيض فـي ليل القتـام سوافـراً إذا حجبت خيل الكماة نـهارهـا
وزفّـي لنـيل الـمجـد نفسـاً أبيـة ولا تجعلي إلا الرؤوس نـثارهـا
أديري رحـى الهيجـاء يومـاً لعلّهـا عليكِ بوادي الطف تنسى مدارهـا
غـداة حسـين خـرّ للأرض فانثنـت عليـه تشـنّ العـاديات مغارهـا
فجـرّت اليـه المحصنـات ذيـولهـا وقدسلـبت أيدي الـعدو ستارهـا
فطافت بـه لما سعـت بيـن قومهـا تفاديه والأحشاء تـرمي جمارهـا
وأهوت علـيه تلثـم النحـر والعـدى تجاذبها بيـن الجمـوع أزارهـا
أتسـتر بالأيـدي الـوجـوه وقومهـا أعدّت لدفع الضيم عنها شفارهـا
فلـيـت أبيّ الضيـم ساعـة أبـرزت من الخدر حسرى تستقيل عثارها
يـرى زينـباً بيـن الأجانـب بعدمـا أماطت يد الأعداء عنها خمارهـا


ادب الطف - الجزء التاسع211


ويا ليتَ مَن في الليل كان يصونها مـن الـوهم مهمـا كلفته مزارهـا
يقـوم مـن الأجـداث حيّاً وعينه ترى بين أيـدي الظالمـين فرارهـا
تمنّيتُـهُ لمـا استـجارت بقومهـا ليسمع منها كيف تـدعـو نـزارهـا
تقول لهم والخيل مـن كل جانـب أحاطت بهـا لما استباحـت ديارهـا
أيا إخوتي كيـف التصبر والعـدا أعارت خدور المحصنات صغارهـا
فإن لم تقومـوا للكـفاح عـوابساً فمَن بعدكم في الروع يحمي ذمارهـا
فكـم طفلـة لما أُقيمـت بخدرهـا عليها الـعدى قامـت تأجـج نارهـا
فيا لـخدور قـد أُبيحـت ونسـوة أُريعت وعـين السبط ترعى انذعارها
فأمـست بلا حـام عـقائل حيـدر أزالت ضـروب الهـائلات قرارهـا
وأضحت تحيل الطرف بعد حماتهـا فلـم تـرَ إلا مَـن يريـد احتقارهـا
وراحت على عجف النياق أســيرة تجـوب الفيافـي ليلهـا ونهـارهـا
* * *

الشيخ مهدي الظالمي هو أحد الفضلاء المشهورين بالجدّ والفضل والعلم والأدب نظم باللغتين : الفصحى والدارجة وكتبتُ ديوانه يوم كانت كل محفوظاتي هي الشعر والشعر فقط ولا أُدوّن إلا الشعر عثرت على ديوانه فكتبته ولم يزل في مخطوطاتي ولا زلت أتصوّرُه جيداً طويل القامة حسن الهندام هادئ الطبع يزدحم الشباب على حلقة درسه ويشار اليه بالبنان . ترجم له الخاقاني في شعراء الغري فهو المهدي بن الهادي بن جعفر بن راضي بن حمود بن اسماعيل ابن درويش بن حسين بن خضر بن عباس السلامي ، من أسرة علمية نجفية وسبق وأن مرّت ترجمة الشيخ حمود الظالمي ، ولد في النجف سنة 1310 هـ . ونشأ ذواقة للعلم والأدب والدرس والبحث ولم يعمّر كثيراً فقد وافاه الأجل عصر الخميس الثاني من ربيع الثاني عام 1359 هـ . ودفن في الصحن الحيدري الشريف في الإيوان الذهبي ورثاه فريق من تلامذته وعارفي فضله وأبّنوه شعراً ونثرً وخلّف ولداً أديباً لا زالت قريحته تفيض بالأدب الحي .

ادب الطف - الجزء التاسع212


الحاج حسين الحرباوي

منتصف القرن الرابع عشر

لـنا جيرةٌ بالأبـرقـين نـزول سقى ربعهم غيثٌ أجـشّ هطـول
تواعدني الأيـام بالقـرب منهـم فتـلك ديـون والزمـان مطـول
أجيراننا ما القلب من بعد بينكـم بسالٍ ولا الصبر الجميل جمــيل
أجيراننا بالخيف ما زال بعدكـم لنا الدمـع جـارٍوالعـزيز ذليـل
فهيهات صفو العيش منا وللهدى تبــدّد شـمل واستـقـلّ قبيـل
تحمّل أضعان الطفـوف عشـية وأقفـرن منهـم أربـع وطلـول
ألا قاصداً نحـو المدينة غـدوة يـبلّـغ عنـي مسمـعاً ويقــول
أيا فـتـية بـان السّلـو بينهـم وجاور قلبي لـوعـة وعـويـل
رأيت نساء تسأل الركب عنكـم تلـوح عـليهـا ذلـة وخمـول
تطلّع من بعد إلى نحـو داركـم بطرف يصوب الدمع وهو كلـيل
نوادب اقذين الجفون مـن البكـا وأعشبن مغنى الطف وهو محـيل
نـوادب أمثال الـحمام سواجعاً لها فوق كثبان الطفـوف هـديـل
حملن على عجف النياق حواسراً لهـا كل يـوم رحـلـة ونـزول
تجاذبها السير العنيـف عصابـة لها الشرك حاد والنفـاق دلـيـل
تشيم رؤوساً كالبدور علـى القنا لهـن طلـوع فـوقـهـا وأفـول
وتبصر مغلول الـيدين مصـفّداً يراه من السير العـنيـف نحـول


ادب الطف - الجزء التاسع213


وتنظر ذياك العزيز علـى الـثرى له الليل ستـرٌ والهجـير مقـيل
فتدعـو حماة الجار من آل هاشـم بصوت له شـمّ الجبال تـزول
أهاشم هبّي وامتطي الصعـب انـه لك السير إن رمت العراق ذلول
أهاشم قومي وانتضي البيض للوغى فوِترك وتـرٌ والذحـول ذحول
أصبراً وأنجـاد العشـيرة بالعـرا على الترب صرعى فتية وكهول
أصبراً ورحل السبط تنهبـه العـدا فموتك ما بين السـيوف قليـل
أصـبـراً وآجام الأسـود بكربـلا بها النار شبّت والهزبـر قتـيل
وتلك على عجف النـياق نساؤكـم لـها الله تسبـى والكفيل علـيل
عهدتكـم تأبـى الصغـار أنوفكـم وأسيـافكـم للراسيـات تزيـل
فما بالكم لم تنض للثـار قضبكـم فتحمّر من بيض الصفاح نصول
كأن لم يكن للجار فيكـم حمـيـة ولا كان منكـم جعفـر وعقيـل
ألـم يأتـكـم أن الحـسين رميـة على الترب ثاوٍ والـدماء تسيـل
وكم لكم في السبي حرّى من الجوى ثكـول وفي أسر الـعدو عليـل
وكم لكم في التـرب طفـل معفـر صريع وفي فيض الدماء رمـيل
وكـم طفلـة لليتم أمسـت رهينـة ولـيس لها يـوم الرحيل كفـيل
وحسرى تدير الطرف نحو حميّهـا فتبصره في الأض وهو جديـل
فتذهل حتى عن تبـاريح وجدهـا وتنحاز للدمع المصـوب تذيـل
وأبرح مـا قـد نالكـم أن زينبـاً لها بين هاتيك الشعاب عـويـل
شكت وانثنت تدعـو الحسين بعبرة تـصـدع مها شارف وفصـيل
تنادي بصوت صدع الصخر شجوة وكادت له السبع الطباق تـزول
أخيّ عيون الشـرك أمست قريـرة بقتلك قرّت والـمصاب جلـيل
أراك بعيني دامـي النحـر عافـراً عليك خيول الظالميـن تجـول
نعـم أيقنـت بالسبي حـتى كأنهـا لما نابها وهي الوقـور ذهـول
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع214


الحاج حسين الحرباوي ، هو شاعر بغدادي رأيت له عدة قصائد يمدح بها أمير المحمرة الشيخ خزعل خان المتوفى سنة 1355 هـ . فلا بد وأن يكون من معاصريه ، ولقد أثبتها الشيخ جواد الشبيبي في مؤلفه المخطوط عن أمير المحمرة . وذكره الباحث علي الخاقاني في شعراء الحلة وهو ليس بحلّي حيث أنه وجد له شعراً مع شعراء الحلة وذكر له مقطوعة في الغزل أولها :
تشعشعت فتولّت عندها الظلـم شمس براحة بدر جاء يبتسم
أهلاً به مقبلاً كالبدر حين غدا بين السحائب يبدو ثم ينكتـم
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع215


درويش الصحّاف

منتصف القرن الرابع عشر

عـن ناظري بان الكـرى ورقادي وتسعّرت نار الأسى بفـؤادي
وتمكنـت كـل الهمـوم بمهجتـي والجسـم أنحلـه السقام البادي
لما ذكرت شباب عصر قـد مضى في غفلة ونفى المشيب سوادي
أيقنت بالـترحـال عـن دار بهـا أنفقت فيها العمر في الأعـياد

ومنها في الإمام الحسين عليه السلام :
قالت له الأصحاب يا مولى الـورى نفـديـك بالأرواح والأولاد
فجزاهـم خيـراً وأقـبل للـعـدى والسيف مسلول من الأغماد
وبقي يصول عليهـم في عـزمـة فكأنه ليث هـزبـر عـاد
ضاها أباه المرتضى ليث الشـرى لم يختشِ أحداً من الأضداد
مـذ كرّ فـرّوا خـشية من بأسـه كالحمر إذ فرّت من الآساد

ومنها :
يا آل بيت محمد المختار يـا ذخري ومَن فيهم صفا مـيلادي
أنتم ملاذ المذنبين من الورى وبكم أصول على الزمان العادي
أنا عبدكم (درويش بن محمد) أرجو السلامة في غد بمعـادي


ادب الطف - الجزء التاسع216


والسامعين قصيدتي يا سادتي والكاتبين لطرسهـا بـمداد
صلـى عليكم ربكم يا سادتي ما غرّد القمري في الأعواد

والقصيدة طويلة وهذا جيّدها :
درويش الصحّاف ابن الحاج محمد الصحاف البغدادي ، شاعر أديب له مجموعة مخطوطة جمع فيها بعض القصائد في رثاء الإمام الحسين سيّد الشهداء (ع) . ووالده أديب شاعر .
والذي يظهر أن المجموعة كتبت حدود سنة 1350 هـ . قال الباحث السيد جودت القزويني : إستعرت هذه المجموعة من الخطيب السيد أحمد المؤمن البصير وفيها شيء من نظمه .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع217


الشيخ محمد حسين الأصفهاني

المتوفى 1361

قال في أرجوزته الغرّاء المسماة بـ (الأنوار القدسية) المطبوعة بمطابع النجف ، في فصل تحت عنوان مولد السبط الشهيد :
أسفر صبح اليُمن والسعـادة عـن وجه سرّ الغيب والشهادة
أسفر عن مرآة غيب الـذات ونسخـة الأسماء والـصفـات
تعرب عن غيب الغيوب ذاته تفـصح عن أسمائـه صفاتـه
يُنبئ عـن حقيقـة الحقائـق بالحق والصدق بوجـه لائـق
لقـد تجلـّى أعظم المجالـي فـي الذات والصفات والأفعالِ
روح الـحقيقـة المحمديـه عقل العقـول الكمّـل العلـيّه
فيض مقدّس عن الشوائـب مفيض كل شاهــدٍ وغائـب
تنفّس الصبح بنور لم يـزل بل هو عـند أهله صبح الأزل
وكيف وهو النفس الرحماني في نفس كل عـارف ربانـي
به قوام الكلـمات المحكمـة به نظام الصحـف المكرّمـه
تنفّس الصبح بالاسم الأعظم محى عـن الوجود رسم العدم
بل فالق الإصباح قد تجلّـى فلا تـرى بعـد النهـار ليـلا
فأصبح العلـم ملاء النـور وأي فوز فـوق نـور الطـور
ونار مـوسى قبس من نوره بل كل ما في الكون من ظهوره
أشرق بدر من سماء المعرفة به استـبان كل إسـم وصفـه


ادب الطف - الجزء التاسع218


بـه استـنار عالـم الإبـداع والـكل تـحـت ذلك الشعـاع
به استنار ما يـرى ولا يُـرى من ذورة العرش إلى تحت الثرى
فهو بوجهـه الرضي المرضي نور السمـاوات ونـور الأرض
فـلا تـوازي نـوره الأنـوار بل جـلّ أن تدركـه الأبـصار
غــرّتـه بارقـة الفـتـوّة قـرة عـيـن خاتـم الـنبـوّة
تبدو علـى غـرّتـه الغـراء شارقـة الـشهامـة الـبيضـاء
باديـة مـن آيـة الشهامـة دلائـل الإعـجـاز والكرامـة
من فوق هامة السماء همتـه تكـاد تسبـق الفـضاء مشيتـه
ما هامة السمـاء من مداهـا إن إلـى ربـك مـنتـهـاهـا
أم الكتاب في عـلوّ المنزلـه وفي الإبا نقطـة باء الـبسملـه
تمّـت بـه دائـرة الشهـاده وفـي محـيطهـا لـه السيـاده
لو كشف الغطاء عنك لا ترى سـواه مركـزاً لهـا ومحـورا
وهل ترى لملتقـى القوسـين أثـبـت نقطـة مـن الحسيـن
فـلا وربّ هـذه الـدوائـر جـلّ عـن الأشباه والـنظائـر
* * *
بشـراك يـا فاتحـة الكتاب بالمعجز الباقي مدى الأحقاب
وآية التوحيــد والرسالـة وسرّ معـى لفظـة الجلالـه
بل هو قـرآن وفرقان معـا فـما أجـلّ شأنـه وأرفعـا
هو الكتاب الناطـق الإلهـي وهو مـثال ذاتـه كما هـي
ونـشأة الأسمـاء والشؤون كـل نقـوش لـوحه المكنون
لا حكم للقضاء إلا ما حكـم كأنـه طـوع بنانـه الـقلـم
رابطـة الـمـراد بالإرادة كأنـه واسـطـة الـقـلادة
ناطقة الوجود عين المعرفة ونسخة اللاهوت ذاتاً وصفـة
فـي يـده أزمّـة الأيـادي بالقبض والبسط علـى الـعباد


ادب الطف - الجزء التاسع219


بل يده العليـا يـد الافاضـة في الأمر والخلق ولا غضاصة
وفيه سرّ الكل في الكـل بـدا روحان في روح الكمال اتحـدا
لك العروج في السماوات العلى له العـروج في سماوات العـلا
مخايل النبوة في الحسين
أنـت مـن الوجودعين العين فـكن قـرير الـعين بالـحسين
شبلك في القـوة والشجاعـة نفسـك فـي العـزة والمناعـة
منطقك البلـيغ فـي البيـان لسانـك البديـع فـي المعانـي
طلـعتك الـغرّاء بـالإشراق كـالـبدر في الأنـفس والآفاق
صفاتـك الغـرّ له مـيراث والمجد ما بين الـورى تـراث
لك الهنا يـا غايـة الإيجـاد بـمـدّه الـخيـرات والأيـادي
وهو سفينة النجاة في اللجـج وبابها السامي ومَـن لجّ ولـج
سلطان إقليـم الحفاظ والإبـا مليك عـرش الفخر امـاً وأبـا
رافع راية الهـدى بمهجتـه كاشف ظلمـة العمـى ببهحتـه
به استقامت هـذه الشريعـة به علت أركـانهـا الـرفيعـة
بنى المعالي بمعالـي همـمه ما اخضرّ عود الدين إلا بدمـه
بنفـسه اشترى حـياة الدين فيـا لهـا مـن ثمـن ثميـن
أحيى معالم الهـدى بروحـه داوى جروح الدين من جروحه
حفّت رياض العلم بالسمـوم لـو لـم يروّهـا دم المظلـوم
فأصبحت مـورقـة الأشجار يـانـعـة زاكـيـة الـثمـار
أقعـد كـل قائـم بنهضتـه حتى أقـام الديـن بعد كبوتـه
قامت به قـواعـد التوحيـد مـذ لجـأت بركنهـا الشديـد
وأصبحـت قـوميـة البنيان وعـزمـه عـزائـم القـرآن
غـدت بـه سامـية القباب مـعـاهـد الـسنّـة والكتـاب


السابق السابق الفهرس التالي التالي