ادب الطف - الجزء التاسع190


فأقـبلـت بـجنود لا عـداد لهـا تترى كسيل جرى من شامخ الهضب
من كل وغدٍ لئيم الأصل قد حملت به العـواهـر لا ينمـى إلى نسـب
وكـل رجس خبيث قـد نماء إلـى شـر الـخلائـق والأنساب شـرأب
حتى تضايق منها الطف وامـتلأت رحابه بجيـوش الشـرك والنصـب
فشمـرت للوغـى إذ ذاك طائفـة لم تدر غير المواضي والقنا الرطـب
قوم هـم القوم لم تفلـل عزائمهـم في موقف فل فيه عـزم كـل أبـي
مـن كل قـرم كأن الشمس غرتـه لو لم يحل بهـا خسـف ولـم تغـب
وكل طـود إذا ما هاج يوم وغـى فالوحش في فرح والموت في نصب
وكل ليث شرى لـم ينـج منـه إذا ما صـال قـرم باقـدام ولا هـرب
مشوا إلى الحرب من شوق لغايتهـا مشي الـظماة لورد الـبارد العـذب
فأضرموها على الأعداء نار وغـى تأتي علـى كل مـن تلقاه بالعطـب
وأرسلوهـا بميـدان الوغى عربـاً كالبرق تختطف الأرواح بـالرهـب
وجردوها من الأغـماد بيض ضبـاً تطوي الجموع كطـي السجل للكتـب
وأشرعوها رماحاً ليس مـركـزهـا سوى الصدور من الأعـداء واللبـب
صالوا فرادى على جمع العدى فغدت صـحاحه ذات كسر غيـر مـنأرب
وعـاد لـيلهـم يمحـونـه بضبـى لا يتقـى حدهـا بالبـيض واليلـب
حتى إذا ما قضوا حق العلا ووفـوا عهد الولى وحموا عن دين خير نبـي
وجاهدوا في رضى الباري بأنفسهـم جـهـاد ملتمـس للأجر محتســب
دعـاهم القـدر الـجاري لمـا لهـم أعد من مـنزل في أشـرف الرتـب
فغودروا في الوغـى ما بين منعفـر دامـى ومنجـدل بالبيـض منتهـب
ظامين من دمهم بـيض الضبى نهلت من بعـد ما أنهلوها من دم النصـب
لهفي لهم بالعرى أضحـى يكفنهــم غـادى الرياح بما يسفى من التـرب
وفـوق أطراف منصـوب القنا لهـم مرفوعة أرؤس تعلـو على الشهـب
ونسوة المصـطفى مـذعدن بعدهـم بين الملا قد بدت أسرى من الحجـب
وسيّـرت ثكـلا أسـرى تقـاذفهـا الأمصار تهدى على المهزول والنقب


ادب الطف - الجزء التاسع191


ان تبكي اخـوتها فالسوط واعظهـا وفي كعـوب القنا إن تدعهـم تجـب
وبينها السيـد السجاد قـد وثقــت رجلاه بالقيـد يشكـو نهشـة القتـب
يبكي على ما بها قد حلّ من نـوب وتبكـي ممـا عليـه حلّ من كـرب
واحـر قلباه أن تـدعُ عـشيرتهـا غوث الصريخ وكهف الخائف السغـب
تدع الأولى لم يحلّ الضيم ساحتهـم من لـم يضـع بينهـم ندب لمنتـدب
تدعوهم بفؤاد صيرته لظى الأحزان نـاراً فأذكـى شـعـلـة الـعـتـب
تقول ما لكم نمتـم وقـد شهـرت نساؤكم حـسراً تـدعـو بـخيـر أب
حتى متى في عناق الضيم همتكـم وللمواضي عـناق الـماجـد الحسـب
ونومكم في ظلال العز عن دمكـم والنوم تـحت القنا أولـى بكـل أبـي
ما أنتم أنتـم إن لـم يضـق بكـم رحب الفضاء على المهريـة العـرب
وتوقدوها علـى الأعـداء لاهـبة حتى يكون بها من أضعـف الحطـب
فكم لكم في قفـار الأرض من فئـة صرعى ومن نسوة أسرى على القتب(1)
* * *


(1) عن ذكرى السيد الاحسائي .
ادب الطف - الجزء التاسع192


السيد مهدي الأعرجي



المتوفى 1359

سقـت ربـعـاً بسلـع فالغميـم غوادي الدمع لا الغيث العميم
وقفتُ به أُجـيل الطـرف فيـه على تلك المعالـم والرسـوم
أُكـلّمـه ولـيس يــردّ قـولاً فأصدر عنه في قـلب كليـم
فكم لي فيـه من زمـن تقضّـى بشرب سلافـة وعناق ريـم
بحـيث العـيش للأحباب رغـدٌ ووجه الأرض مخضرّ الأديم
وشمس الراح فـي يمنى هـلال يطوف بها على مثل النجـوم
رشاً رقّـت محاسنـه فأضحـى يـؤلـم خـدّه مـرّ النسيـم
فكـم مـن ليلـة مـرّت علينـا إلى الاصباح وهو بها نديمي
أريـه الـدمـع منثـوراً إذا مـا أرانـي درّ مبسـمه النظـيم
أرخّـم دمـع عــينـي إذ أراه كحيل الطرف كالظبي الرخيم
فـياربع الأحبـة طبـت ربعـاً وطاب ثراكِ يـا دار النعيـم
محاك الدهر يـا ربـع التصابي وخانك حادث الزمـن المشوم
وفيك الدهر لـم يحفـظ ذمامـي لـحاه الله مـن دهـر ذميـم
كـما لـم يـرع للـهادي ذماماً بأهلـيه ذوي الشرف القـديم
رماهـم بالخطـوب فمن شـريد نأى عمّن يحب ومن سميـم
ومقتـول بجنـب النهـر ظـام سليب الثوب مسبيّ الحريـم


ادب الطف - الجزء التاسع193


تساق نساه أسرى من ظلـوم على عجف النياق إلى ظلـوم
تحفّ بها العداة فمـن لئيـم يـعـنّـفـهـا وأفـّاكٍ أثيـم
وإن يبكي اليتيم أباه شجـواً مسحن سياطهـم رأس اليتيـم
وليس لها حميّ يـوم سارت يلاحظـها سوى مضنى سقيـم
براه السقم حتى صار ممـا به سقماً يـمـيل مـع النسيـم
ورأس ابن النبي على قنـاةٍ يـرتّلُ آي أصـحاب الرقيـم
وينذر في النهار القوم وعظاً ويهدي الركب في الليل البهيـم
فلـم أرَ قبلـه بـدراً تجلّـى له برج مـن الرمـح القويـم
وأعظـم ما تـسحّ له المآقي بـدمـع دونه وكـف الغيـوم
وقوف بنات خير الخلق طراً أمام طلـيقها الـرجس الزنيـم


* * *

السيد مهدي الأعرجي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد علي الحسيني الأعرجي البغدادي . ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة 1322 هـ . درس فن الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلي زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة . وأول قصيدة نظمها هي قصيدته في رثاء الإمام الحسن السبط (ع) .
قضى الزكي فنوحوا يا محبيه وابكوا عليه فذى الأملاك تبكيه

درس العربية والعروض على العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي رحمه الله . توفي السيد مهدي سنة 1359 هـ . غريقاً بشطّ الفرات في الحلة يوم الخامس من شهر رجب . جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب وتزيد صفحاته على الثلثمائة وله مخطوطات كتبها بيده وخطه الجميل في المراسلات والتواريخ وغيرها وأرجوزة في تواريخ المعصومين أكبر من أرجوزة الشيخ الحر العاملي ، أصيب بانحلال في الأعصاب تعتريه غفوات مع سكتة لكنه يقظ

ادب الطف - الجزء التاسع194


حي الشعور ، فطن يقوم بواجبه أحسن قيام متدين ورع لم يعبأ بالعسر الذي لازمه وألح عليه ومن شعره في ذلك :
وكأن دهري سيبويه فكم له بالعالمين تحرك وسكـون
وكأنني إسم مضاف دائـماً ودراهمي بين الورى تنوين

أتصوره جيداً وأتمثله نصب عيني ، طيب القلب إلى أبعد حدود الطيب ولم يك في البشر ممن رآه ولم يهواه ويحبه لصفائه إذ هو لا يستخف بأحد ولا يحقد على مخلوق مازحته مرة وأكثرت فتألم وتبرّم وفي لقاء آخر إعتذرت اليه فأجابني : أنا راضي بن راضي . لأن أباه هو السيد راضي الأعرجي ، وداعبه الشيخ ضياء الدخيلي فاستاء منه وارتجل :
طبعي يقول بأني أمـجّ كل ثقـيل
وقد يهون ثقـيل إلا ضياء الدخيل

كانت محافل الأدب مستمرة في النجف فلا يكاد يقترن أحد الادباء إلا وتقام له المحافل الشعرية كل يوم عصراً لمدة ربما استمرت شهراً واحداً أو أكثر لذا تجد الكثير من الأدباء يحتفظ بمجموع أدبي شعري وكان الأعرجي خصب القريحة يشارك في أكثر الحلبات مجلٍّ في مواقفه ومن مميزاته سرعة البديهة والقدرة على نظم الشعر بسرعة فإذا طالبته بنظم قصيدة إعتزل ساعة ثم أخذ يطبق جفنيه ويفتحهما ويكتب ، وكثيراً ما يسبق شعوره قلمه . لقد رويت للأخ الخاقاني مرة عن نبوغ هذا الشاعر وسجّل ما رويت له في شعراء الغري .
ذلك أن جلس مرة في الصحن العلوي وجلس إليه الشاعر محمود الحبوبي وجواد قسّام ومَن لا يحضرني اسمه وذلك في فصل الربيع ففاجأتنا غمامة بعزاليها فالتجأنا إلى إحدى غرف الصحن فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع بنظم قطعة بوصف الغيث وقال : هطل السحاب على الربى ملئانا فأجازه السيد الأعرجي بقوله : فغدت حبال المحل منه رثاثا

ادب الطف - الجزء التاسع195


وقال أحدهم : أنظر إلى لطف الكريم ومنّه فقال : يوليك غيثاها جـلاً وغياثـا
وقالوا : الأرض تبسم والزهو تضاحكـت فقال : فكأن ذي عطشى وتلك غراثا

وهكذا استمرّ حتى تضاحكوا وشهدوا له بالتفوق . وحضرت معه في مجلس وكان يقرأ احد الحاضرين موضوعاً للمنفلوطي مصطفى في كتابه (النظرات) وعنوان المقال (الغد) وعندما فرغ أخذ السيد الأعرجي مضمون المقال وحوّله إلى شعر فقال :
يا ناسج الرداء أنت آمنٌ من أن يكون كفناً لك الـردا
ولابس الثوب لتختال به قل لي متى أمنتَ نزعه غدا
* * *
يا صاح إن المرء لا يعلم ما يجيء فيه غـده كأمسـه
من داره يخرج لا يدرى إلى العتبة أم إلى شفير رمسه(1)
ويغـرس البستان لا علم لـه أن لا يكون آكلاً من غرسه
ويجمع الـمال ولكـن كلـه يكون بعده لزوج عـرسـه
* * *
كانني بالغد وهو رابضٌ ينظر بالهزء إلـى آمالنـا
يرى على الدنيا تكالباً لنا فينثني يضحك من أحـوالنا
ثم يرانا لم نزل في غفلة لـيس نفيق قط من إغفالنا
فينثني يصفق راح كفـه تعجباً للسوء مـن أفعالـنا
* * *


(1) إذ أن من قول المنفلوطي : لقد غمض الغد عن العقول حتى لو أن انساناً رفع قدمه ليضعها في خروجه من باب قصره لا يدري أيضعها على عتبة القصر أم على حافة القبر .
ادب الطف - الجزء التاسع196


كم مُمتلٍ من الغنى في يومه أصبح في غد فقيـرا مملقـا
وكم وضيع لم يكد يعرف في الناس إلى أوج الثريـا حلّقـا
وكم أناس جمع اليـوم لهـم شملاً فأضحى في غد مفترقا
هذا هو الدهـر تـراه تـراةً مغـرّبـاً وتـارةً مشـرقـا

وفي حفلة أدبية بمناسبة قران أحد الأدباء تقدم الاستاذ ابراهيم الوائلي في داره الواقعة في النجف محلة الحويش ينشدنا عصراً قصيدته التي يتحامل بها على القديم وتقاليد الآباء ويسخر من اللحية فيقول :
قالوا اللحى قلت احلقوها إنها هي للمدلّس صرام وسنانُ

وفي اليوم الثاني يطلع السيد الأعرجي بقصيدته التي أولها :
كم بالتمدن تمـلأ الأشـداق ولدى الحقيقة ما له مصداق
قد أجحفوا بحقوق شعبهم كما بلحاهُم قد أجحـف الحـلاق

ويشفعها برائعته المطربة وينشدها الخطيب خضر القزويني وأولها :
في ذمة التمدن الكاذب حلقك للحية والشارب

وللسيد الأعرجي ظرف وخفة روح بالرغم من الجهمة التي لا تفارق محياه فلا تكاد تفوته النادرة والنكتة ، فقد دار الحديث مرة عن البلهاء والمغفلين فروى لنا أن أحدهم كان يدير بمسبحته ويذكر الله ويريد أن يقول في الجزء الأول الله أكبر ، وفي الجزء الثاني : سبحان الله ، وفي الجزء الثالث : الحمد لله ولكنه غفل في الجزء الثاني وضلّ يردد سبحان الله ثم انتبه فأراد أن يسترجع الزائد فجعل يقول : لا سبحان الله ، لا سبحان الله ولنستمع إلى ترانيمه المطربة وغزله الرقيق من قصيدة :
بات على غنا الهزار في السحر يصفق النهر ويرقص الشجر
وبات ثغـر الاقحـوان باسمـاً والنرجس الغض يحدّه النظر
واللـيل بحـر والهـلال زورق والنجم قد طفى عليه كالدرر
أو أنه ملـك مـن الزنـج أتـى وعـرشه الجوّ وتاجه القمـر


ادب الطف - الجزء التاسع197


وقال يداعب الخطيب خضر القزويني :
يا خضر أنت خليلي في الأنام كما أنت المؤمل للمعروف من بعـدي
تُرى معي كل آن فـي ملازمـة والخضر ليس يرى إلا مع المهدي

وكتب للحجة الكبير الشيخ هادي ابن الشيخ عباس كاشف الغطاء يطلب منه (سبيلا) وهو ما يشرب به التبغ :
يا بن عباس همومي كثرت في الحشى حتى غدا القلـب عليلا
فأنا التائه في سبل الهـوى فاهدني ـ يا هادي الناس ـ سبيلا

وكتب للأديب العلامة السيد أحمد السيد رضا الهندي :
أأحمد يا ابن خير الخلق طراً ومن كان الحريّ بكل مجـد
لئـن لُقّبـتَ بالهـندي فينـا فإن السيف يقطع وهو هندي

فأجابه :
أَمهديَّ الورى أطريت وصفي فكنتَ به جدير الذكر عـندي
لئن ضلّ الورى سنن المعالي فإنك يا ابن خير الخلق مهدي

وقال في وردة بيد صديق :
وزهرة طيبها من طيب صاحبها تفوح كالعنبر المسحوق بالطيـب
من طبعه اكتسبت نشراً لصحبته والطبع مكتسب من كل مصحوب

ولأن الأعرجي لا يرتضي من الشعر إلا ما كان منبعثاً عن الشعور ، فيندفع قائلاً :
ما الشعر إلا شعور تجيش فيه العواطف
وخـيره ما تـراه عـن الحقيقة كاشف

ومن ألطف ما أروي له تاريخ وفاة الخطيب المحبوب الشيخ محمد حسين الفيخراني وقد توفاه الله ببغداد على أثر عملية جراحية .

ادب الطف - الجزء التاسع198


مات في الكرخ حسين نائي الـدار كئيب
فابكـه وانـدب وأرخ واحسين واغريب

وأرخ عام سحب الماء للنجف على نفقة معين التجار وصديقه رئيس التجار سنة 1343 هـ .
أجرى المعين من الرئيس عليهما كل الثنا ماء الفرات إلى الغري
فأقام طـير البشر فيه مؤرخـاً ان المعين لـه معـين الكوثـرِ

وإلى جنب إعجابي به فإن لي عليه مؤاخذات لا أودّ ذكرها ومن تلك المؤاخذات قوله كما رواه الخاقاني في شعراء الغري :
زار يختال كغصن في الصَبا إذ يتـحرك
فافتضحـنا بسـناه يا جميل الستر سترك

والمعنى للشيخ البهائي كما روى الشيخ علي كاشف الغطاء في الجزء الرابع من مخطوطه (سمير الحاظر وأنيس المسافر) ص 308 :
زارني ليلاً فبتنـا في ظلام ليس يدرك
وأدرنا الكاس حتى كادت الحشمة تتـرك
فأتى الواشي فقلـنا يا جميل الستر سترك

أما ولاؤه لأهل البيت وتفانيه في حبّهم فهومن ألمع ميزاته ولا زلت أتمثله في المآتم الحسينية يجهش بالبكاء وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني وهذه روائعه ومراثيه تذيب الصخر إذ أنها تنصبّ من منبع الألم والثكل وقلب مكلوم .
ومقتول بجنب النهـر ظام سليب الثوب مسبيّ الحريـم
تساق نساه أسرى من ظلوم على عجف النياق إلى ظلوم
وإن يبكي اليتيم أباه شجـواً مسحن سياطهم رأس اليتيـم


ادب الطف - الجزء التاسع199


وإلى جانب هذه الموهبة بالفصحى فهو ذا ملكة قوية بالنظم باللغة الدارجة متفنن فيها ففي الموال والأبوذية والشعر الدارج لا يُجارى وهناك ميزة يتفرّد بها وهي قدرته على نظم الهزل فكان في شهر ربيع الأول يوم الرابع عشر منه وهو يوم هلاك يزيد بن معاوية يسمعنا من نظمه ما يضحك الثكلى فهناك اصطلاحات تختص بها الأقطار والأمصار والبلدان وترى البعض ينتقد البعض ويضحك منها فهو ينظمها ثم ينوّع القصيدة فبيت بالفارسية وآخر بالتركية وثالث بالكردية ورابع بالهندية ومصطلحات الشرقي والغربي وهكذا ، وهذا مما يكاد ينفرد به :
ومن حسينياته :
ما بـال فهـر أغفلـت أوتارهـا هلا تثير وغى فتدرك ثارها
أغفت على الضيم الجفون وضيعت يا للحـمية عـزها وفخارها
عجبـاً لهـا هـدأت وتلك أميـة قتلت سراة قبـيلها وخـيارها
عجباً لهـا هـدأت وتلك نساؤهـا بالطف قد هتك العدى أستارها
مـن كـل ثاكلـة تناهـب قلبهـا كف الأسى ويد العدو خمارها
لهفي لها بعد التحجـب أصبحـت حسرى تقاسي ذلها وصغارها
تدعـو أميـر المؤمنيـن بمهجـة فيها الرزية أنشبت أظفارهـا
أبتاه يا مردي الفوارس في ا لوغى ومبيد جحفلها ومخمد نارهـا
قم وانظر ابنك في العراء وجسمـه جعلته خيل أمية مضمارهـا
ثـار تغسلـه الدمـاء بفـيضهـا عار تكفنه الـرياح غبارهـا
وخيول حرب منه رضت أضلعـاً فيها النبوة أودعت أسرارهـا
وبيوت قدس مـن جلالـة قدرهـا كانت ملائكة السما زوّارهـا
يقـف الأمـين ببابهـا مـستأذنـاً ومقبـلاً أعتابهـا وجدارهـا
أضـحت عـليها آل حـرب عنوة في يوم عاشورا تشن مغارها


ادب الطف - الجزء التاسع200


كم طفلة ذعرت وكم محجـوبـة برزت وقد سلب العدو أزارها
ويتيمة صاغ القطيع لهـا سـواراً عندمـا بـز الـعدو سوارها
أين الكماة الصيد من عـمرو العلي عنها فترخص دونها أعمارها
أين الكماة الصيد من عمرو الـعلي لتثير للحرب العوان غبارهـا

وله من التخاميس والتشاطير شيء كثير وقد أثبتّ في مؤلفي (سوانح الأفكار) جملة من ذلك ، حتى أنه خمّس بعض القصائد بكاملها ومنها قصيدة السيد جعفر الحلي الحسينية وأولها :
وجه الصباح عليّ ليلٌ مظلم وربيع أيامي عليّ محرم

وهي 75 بيتاً . كما روي لي من نظمه تخميس ميمية السيد حيدر الحلي التي أولها :
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم فلا مشت بي في طرق العلا قدم

وروي لي من نظمه تخميسه بيتين للسيد رضا الهندي في وداع زينب الكبرى لجثة أخيها الحسين (ع) :
مرّت بهم زينب لـما نووا سفـرا بها العدى فأطالت منهم نظـرا
ومذ رأت صنوها في الترب منعفرا همّت لتقضيَ من توديعه وطرا
وقد أبى سوط شمر أن تودعه
إذا دنت منه سوط الشمر أرجعها ورمح زجر متى تبكيه قنّعها
فلم تودّع محـاميهـا ومفزعـها ففارقته ولكن رأسـه معهـا
وغاب عنها ولكن قلبها معه

ومن روائعه في الولاء قوله في الشهيد مسلم بن عقيل :
يكفيك يا ابن عقيل فخراً في الورى فيه سموت إلى السماك الأعـزل
إذ في رسالتـه الحسين لك ارتضى حيث الرسول يكون عقل المرسل


ادب الطف - الجزء التاسع201


وقال :
أزائر أكتاف الحمى إبدء بمسلم وعج لعليِ غوث كل دخيل
فإن علي المرتضى باب أحمد وباب عليٍ مسلمُ بن عقيـل

ويقصد الإمامين الكاظمين ويقف على المرقد ويقول :
لموسى والجواد أتيت أسعى لأشكو ما بقلبي من لواعج
فذا باب المراد لمـن أتـاه وهذا للورى باب الحوائج

ومن قصائده الشهيرة قصيدته في الشهيد مسلم بن عقيل وأولها :
هذي مرابعهم فحيّ وسلّم واعقل وقف فيها وقوف متيم

وأخرى في زيد الشهيد إبن الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وأولها :
خليليّ عوجا بي على ذلك الربع لأسقيه إن شحّ الحيا هاطل الدمع

وثالثة يذكر فيها أبا الفضل العباس حامل لواء الحسين (ع) يوم كربلاء ، أولها :
كم ذا على الأطلال دمعك يسجم وإلى مَ بالتذكار قلبك مغرم
ورابعة في الصديقة الزهراء (ع) بنت الرسول الأعظم (ص) ، أولها :
يا أيها الربع الذي قد درسا باكرك الغيث صباحاً ومسا

وخامسة في الامام موسى الكاظم عليه السلام ، أولها :
رحلوا وما رحلوا أهيل ودادي إلا بحسن تصبري وفؤادي

ولنقتطف من ديوانه بعض الروائع ، قال مخمساً :
شبّ الهوى في الفؤاد نارا وهيّـم القـلب فاستطارا
لـشادن يشبـه العـذارى وأهيف من بني النصارى
بسهم ألحاظه رميتُ


ادب الطف - الجزء التاسع202


له يدٌ تبهـج النـفوسـا بيضاء قد فاقـت الشموسـا
فهو وإن كان مثل موسى خالف في المعجزات عيسى
فذاك يحيي وذا يميتُ

ومن مراسلاته الأدبية رسالة للمرجع الديني السيد أبو الحسن الاصفهاني قوله فيها :
جاء الشتا وليس لي من عدة أعتدّ فيها من طوارق الزمـن
وها أنا أريـد لـي عـباءة وإن مـن أهل العبا أبو الحسن

ومن روائعه قصيدته في الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء عند رجوعه من المؤتمر الإسلامي بفلسطين وأولها :
طلعت علينا طلوع القمـر فأهلاً بهذا المحيّا الأغــر
فهذي نوادي العلا أشرقت وأفق الكمال ازدهى وازدهر

ولقد تحدثتُ منبرياً عن حياة زيد الشهيد إبن علي السجاد إبن الإمام الحسين عليه السلام وكان حاظراً فارتجل قائلاً :
أبا يحيى ويا مَن فاق قدراً على هام السهى والفرقدين
لموقفك الذي استشهدت فيه كموقف جد السبط الحسين

وقال مقرضاً كتاب (ثمرات الأعواد) للخطيب السيد علي الهاشمي :
ولقد بكيت على الحسين بناظر أدمت مآقي جفنه عبراته
حتى سقيت بأدمعي شجر الأسى فنما وطال وهذه ثمراته

وقال في مريض لاذ بحرم أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي عليه السلام :
لقـد كنتُ بالسلّ المبرح داؤه فشافاني العبـاس من مـرض السل
ففضّلت بين الناس قدراً وإنما لي الفضل إذ أني عتيق (أبي الفضل)

وقال في رثاء الحسين عليه السلام ، وأولها :
ما بكائي لرسم ربع بالي قد محاه مرّ السنين الخوالي


ادب الطف - الجزء التاسع203


وقال في مطلع قصيدة عند مطلع شهر المحرم :
ليت الهلال هلال شهر محرم عجل الخسوف له ولم يتمم

وسجّلتُ في مؤلفي (سوانح الأفكار) قصيدته في شباب كربلاء يوم الحسين (ع) ، وأولها :
لا تركنن إلى الحياة إن المصير إلى الممات

وقال في مطلع مرثية للإمام الحسين (ع) :
هذي الطفوف فقف بها واستوقف واسقي ثراها بالدموع الذرف

وقال في الحسين عليه السلام وأولها :
حتى متى أجفاننا عبرى وإلى متى أكبادنا حرّى

كتب عن الشاعر وترجم له جملة من الباحثين وقالوا : كانت سنة وفاته هي الثامنة والخمسين بعد الثلثمائة والألف ، والصحيح هي التاسعة والخمسين بعد الثلثمائة والألف وكان تاريخ وفاته (مهدي غرق) كما نظم الخطيب الشيخ حسن الشيخ كاظم سبتي في تاريخ وفاته :
قد هجر الدنيا أبو صالح مـهـاجـراً لله أوّابــا
أعماله صالحة لا يـرى قـط بديـن الله مرتابـا
أفديه ليثاً غاب عن أهله واتخذ القـبرَ له غـابـا
عوّذ بالخمسة مذ أرخوا مهديّ آل المصطفى غابا

وسلسلة نسب الشاعر كما في الديوان : السيد مهدي بن راضي بن حسين بن علي بن محمد بن جعفر بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر الله بن زروز بن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن أحمد البن إبن الأمير محمد الأشتر نقيب الكوفة والحائر الحسيني إبن عبيد الله بن علي الصالح بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين الشهيد (ع) .

السابق السابق الفهرس التالي التالي