ادب الطف - الجزء التاسع173


وقد تقدم في الجزء السابق تحقيق عن موضع رأس الإمام الحسين (ع) .
كانت وفاته بمدينة الكاظمية يوم الثلاثاء خامس جمادى الثانية سنة 1357 هـ . المصادف 3 آب سنة 1938 م . ونقل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل ثم شيّع لمرقده الأخير في النجف الأشرف ودفن في الايوان الذهبي أمام الحرم الحيدري وتهافتت الوفود لتعزّي الأسرة وتعاقب الشعراء على منصة المحفل لتأبينه أمثال الشيخ قاسم الملا والشيخ عبد الرزاق السعيد والشيخ باقر سماكه ومحمد علي الفلوجي وغيرهم رحمه الله عدد حسناته .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع174


الشاعر اقبال



المتوفى 1357

في الكعبة العليا وقصتها نبأ يفيض دماً على الحجر
بدأت باسماعيل عبرتها ودم الحسين نهايـة العبـر

وللدكتور محمد اقبال :
ارفعوا الورد والشقائق إكليل ثناءً على ضـريح الـشهيد
ذاك لـون الـدم الذي أنبت المجد وروّى به حياة الخلود
* * *

«محمد اقبال فيلسوف باكستاني ، ولد في مدينة سيالكوت سنة 1873 م . وتوفي سنة 1938 م . سافر إلى عدة بلدان طلباً للعلم ثم عاد إلى وطنه سنة 1908 م . حيث عمل بالمحاماة وقرض الشعر . وقد ذاع صيته في الهند وكثر عشاق أدبه ومريدو فلسفته . وقد دعا في شعره إلى نبذ التصوف العجمي الذي يؤدي إلى إماتة الأمة وبشّر بالتصوف العملي الذي يدعو إلى العمل والجهاد . وتدل أشعاره وقصائده على تمجيد الشخصيات الإسلامية كلها .
وتقوم فلسفة إقبال على (الذات) التي هي عنده حق لا باطل وهدف الانسان الديني والاخلاقي اثبات ذاته لا نفيها ، وعلى قدر تحقيق ذاته أو

ادب الطف - الجزء التاسع175


واحديته يقرب من هذا الهدف ، وتنقص فردية الانسان على قدر بعده عن الخالق ، والانسان الكامل هو الأقرب إلى الله وليس معنى ذلك أن يفنى وجوده في الله كما ذهبت إليه فلسفة الاشراق ووحدة الوجود عند ابن العربي واسبينوزا ، بل هو عكس هذا يمثل الخالق في نفسه والحياة عنده رقي مستمر وهي تسخر كل الصعاب التي تعترض طريقها وقد خلقت من أجل اتساعها وترقيها آلات كالحواس الخمس والقوة والمدركة لتقهر بها العقبات . وإذا قهرت الذات كل الصعاب التي في طريقها بلغت منزلة الاختيار فالذات في نفسها فيها اختيار وجبر .
وحسبنا أن نقول أن اقبال يدعو إلى ادراك الذات وتقويتها وإلى العمل الدائب والجهاد الذي لا يفتر ، ويرى أن الحياة في العمل والجهاد والموت في الاستكانة والسكون»(1) .
ومما جاء من شعر اقبال في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كما رواه الكاتب المصري توفيق أبو علم في كتابه (أهل البيت) قول :
نسـب الـمسيح بـنى لـمـريم سـيرة بقيت عـلى طول المدى ذكراها
والمجـد يشـرق مـن ثـلاث مطالـع فـي مهـد فاطـمة فما أعلاها
هي بنتُ مَن ، هي زوج مَن ، هي أمّ مَن مَن ذا يداني في الفخـار أباهـا
هي ومضة من نور عـين المصطفـى هادي الشعوب إذا تروم هداهـا
هـو رحمـة للعالمين وكعبـة الآمـال فـي الـدنيـا وفـي أخـراها
مَـن أيـقـظ الفطـر النيـام بروحـه وكأنـه بعـد البلـى أحـياهـا
وأعـاد تـاريـخ الـحـياة جـديـدة مثل العرائسى في جـديد حلاها
ولـزوج فاطـمة بسـورة هـل أتـى تاج يفوق الشمس عند ضحاها(2)


(1) مجلة العربي الكويتية عدد 115 / 142 .
(2) كتاب اهل البيت لتوفيق ابو علم .
ادب الطف - الجزء التاسع176


وحدثني الشاب المهذب الشيخ شريف نجل العلامة المصلح المغفور له الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء أنه عندما دعي أبوه لحضور المؤتمر الاسلامي في الباكستان ، ذهب إلى هناك وزار قبر الشاعر الفيلسوف اقبال وذلك في 26 جمادى الاولى عام 1371 هـ . وارتجل أبيات منها :
يا عـارفاً جـلّ قـدراً في معارفـه حـياك مـني إكـبار وإجلال
إن كان جسمك في هذا الضريح ثوى فالروح منك لها في الخلد إقبال
تحيـة لك مـن خِـلٍّ أتـاك علـى بعد المزار بقول مثل ما قالـوا
لا خـيل عنـد تهـديهـا ولا مـال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

ولد محمد اقبال في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1289 هـ . أدخله أبوه إلى مكتب ليتعلم القرآن ففاق أترابه لذكائه ونال جوائز كثيرة ثم انتقل إلى مدارس عالية وكليات شهيرة فانتدب لتدريس التاريخ والفلسفة في الكلية الشرقية في لاهور ثم اختير لتدريس الفلسفة واللغة الانكليزية بكلية الحكومة التي تخرّج فيها . ونال اعجاب تلاميذه وزملائه بسعة علمه وحسن خلقه وسداد رأيه ، واتجهت الأبصار اليه وذاع ذكره حتى صار من أساتذة لاهور النابهين . ولبث فيها عشر سنوات ثم سافر إلى أوربا بعد ما دوّى صوت إقبال في محافل الأدب ينشد قصائده وقد حرصت الصحف على نشر شعره ، وايقن الشعراء والعلماء أن لهذا الشاب شأنا ، وأول قصائده الرنانة التي أُلقيت في جمع حاشد قصيدت هالتي أنشدها في الحفل السنوي لجماعة حماية الإسلام في لاهور (أنجمن حماية إسلام) سنة 1899 م . وعنوانها أنين يتيم .
سافر إلى انكلترا والتحق بجامعة كمبردج لدرس الفلسفة ونال من هذه الجامعة درجة في فلسفة الأخلاق ثم سافر إلى ألمانيا فتعلم الألمانية في زمن قليل والتحق بجامعة مونخ وكتب رسالته (تطور ما وراء الطبيعة في فارس) ثم عاد اقبال إلى لندن فدرس القانون وحاز امتحان المحاماة والتحق كذلك

ادب الطف - الجزء التاسع177


بمدرسة العلوم السياسية زمناً ورجع إلى بلاده ومكث ولبث سنين عميداً لكلية الدراسات الشرقية ورئيساً لقسم الدراسات الفلسفية ، وفي سنة 1933 دعي هو والشيخ سليمان الندوي والسير راس مسعود إلى كابل للنظر في التعليم عامة ، وفي نظام جامعة كابل خاصة . وعملت حكومة الأفغان بأكثر ما أوصى به ، وكان دائم الاتصال بمعاهد العلم في لاهور وغيرها ، وكانت الجامعات تدعوه إلى زيارتها والمحاضرة فيها . دعي إلى مدارس سنة 1928 م . فألقى محاضرات هناك فجمعت وسميت (اصلاح الأفكار الدينية في الإسلام) وهي أعظم ما كتب اقبال في الفلسفة .
كانت حياة اقبال حافلة بالصالحات وودّع الحياة بقوله :
آية المؤمن أن يلقى الردى باسم الثغر سروراً ورضا

وكان عمره سبعاً وستين سنة وشهراً وستة وعشرين يوماً وستبقى الأجيال تقرأه من وراء فلسفته وآرائه ونبوغه . كتب الدكتور عبد الوهاب عزام سفير مصر في باكستان (محمد اقبال ، سيرته وفلسفته وشعره) وألمّ بحياته إلمامة وافية كافية وعرض نماذج من حياته وسيرته وفلسفته وألوان من شعره ، كما ترجم الدكتور عبد الوهاب عزام إلى العربية رسالة المشرق من شعر محمد اقبال وهي جواب لديوان (كوته) الشاعر الالماني .
محمد اقبال شاعر نابغة وفيلسوف مبدع وتحتفي الباكستان بذكراه كل عام لأنه فيلسوف وشاعر ومؤمن ، قال الدكتور عبد الوهاب عزام : في اليوم الحادي والعشرين من شهر نيسان سنة 1938 م . والساعة خمس من الصباح ، في مدينة لاهور ، مات رجل كان على هذه الأرض عالماً وروحياً يحاول أن ينشئ الناس نشأة اخرى ، ويسنّ لهم في الحياة سنّة جديدة . مات محمد اقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله وقلبه للمسلمين وللبشر أجمعين ..

ادب الطف - الجزء التاسع178


وقد نشرت جريدة الجمهورية البغدادية بعددها 3067 الصادر بتاريخ 20 ايلول سنة 1977 م . والمصادف 7 شوال سنة 1397 هـ . تحت عنوان : ذكرى الشاعر اقبال ، ما نصه : تحتفل الباكستان خلال شهر كانون الأول المقبل بالذكرى المئوية لميلاد شاعرها القومي محمد اقبال ، وقد وجهت الدعوة إلى أكثر من 200 عالم وشاعر من جيمع أنحاء العالم للمشاركة في مؤتمر دولي يستمر أسبوعاً لاحياء ذكرى الشاعر الذي ألّف حول حياته أكثر من ثلاثين كتاباً . ومن جميل الوقائع أن تكون كتابة هذه الترجمة في 9 نوفمبر (كانون الأول) عام 1978 م . حيث تصادف الذكرى المئوية لميلاد هذا الفيلسوف العظيم ، فقد احتفلت الباكستان وأكثر الدول بذكرى مولد الدكتور محمد اقبال .
إذ هو شاعر وفيلسوف وممّن شغفوا بحبّ الإسلام فهو خالد بعقيدته وأعماله الجبّارة وخدماته لشعبه خاصة ، وللمسلمين عامة . رحمه الله وأثابه على ذلك .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع179


السيد خضر القزويني

المتوفى 1357

ما بال هاشـم لا تـثير عرابهـا نسيت رزيـة كربـلا ومصابهـا
أو لم تسق أبـناء حـرب زينبـاً حسرى وقـدهتكـت بذاك حجابها
حسرى بلا حـام لنغـل سميـة والـوجد أنحـل جسمهـا وأذابهـا
أين الحمية من نـزار وبيضهـا كانت ولم تـزل الرقـاب قرابهـا
أفهل بهـا قعـدت حميتها وكـم هـذا القعـود وقـد أذلّ رقابـهـا
وإلى مَ تغضي والعـدو بجنبهـا يمسي قريراً وهـي تقـرع نابهـا
وهل الحفاظ بها يثور وعزمهـا يحيي فـتدرك بالطفـوف طلابهـا
الله أكبر كيـف تقـعـد هاشـم والقوم بالطـف استباحـت غابهـا
نسيت وهل تنسى غداة تجمعـت وعلى ابن طاها حزبـت أحزابهـا
حتى أحاطت بالحسين ولم تكـن حـفظـت بـذاك نبيهـا وكتابهـا
وعـدت عليـه فغادرتـه وآلـه وذويه صرعـى كهلهـا وشبابهـا
فتخالها الأقمار وهي على الثـرى صرعى وقد أضحى النجيع خضابها
والطهر زينب مذ رأتهم صُرّعـاً حنّـت وقارضـت الحسين عتابها
أأخي تـرضى أن تجاذب زينبـاً أيدي بني حـرب الطغـاة نقابهـا
* * *

السيد خضرالقزويني هو ابن السيد علي بن محمدبن جواد بن رضا أبو الأسرة القزوينية الحسينية النجفية . ولد المترجم له 1323 هـ . في النجف . خطيب أديب ولوذعيّ لبيب وغرّيد فريد نظم فأجاد ، له ديوان اسمه (الثمار) يشتمل على أبواب : ألحماسيات ، الاجتماعيات ، الرثاء ، الغزل ، النسيب . مجموع

ادب الطف - الجزء التاسع180


صفحاته 124 صفحة ، نبغ كثير من هذه الأسرة في العلم والأدب منهم الشاعر الشهير السيد صالح القزويني الشهير بالبغدادي وولده السيد راضي وهم غير الاسرة القزوينية في الحلة الفيحاء والنجف والهندية ، والخطيب أبا الياس كان غريد المحافل سيما في الأعراس وفي عصره يعدّ من المجددين ولا زلت أتذكره وأحادثه فكان أدبه أكثر من خطابته إذ كان في مواسم الخطابة يكتفي بالرساتيق والقرى ومثل هذه الزوايا لا تشحذ الذهن ولا تربي الملكة الخطابية بل تجعله راض بما عنده إذا كان مجتمعه راض عنه . إن الخطيب الجوّال في الأقطار والأمصار يضطر لتقديم النافع من الكلام إذ يحسّ بما يحتاجه المجتمع من معالجة أمراضه والخطيب كالطبيب فالسيد خضر تعلّق بالمشخاب وهو قطر منزوي لا ثقافة عنده ولا تحسس سوى الزرع والسقي وما دام هذا الخطيب تطربهم نغماته وتؤثر في أحاسيسهم نبراته فهو المرغوب فيه وهو المطلوب عندهم . وكانت أريحيته تسحرهم وهو ممن تسحرهم مناظر الفرات والريف الضاحك ، قال في شاب اسمه حسن ويتصف بالوطنية .
كيف لا يصبح قلبي وطناً لك والقلب لمن يهوى وطن
فجدير بك لو تدعـى بنا وطنياً مثلما تدعى (حسن)

ومن روائعه قصيدته في رثاء صديقه الشاعر الشيخ جواد السوداني وأولها :
كيف يقوى على رثاك لسانـي والأسى كفّ منطقي وبياني
ليت شعري وكيف يسلوك خلّ ولقد كنت سلـوة الخـلان

ومن غزله قصيدته التي عنوانها بنت كسرى :
من عذيري من غادة كسرويه فتنت بالجمال كل البريه
يا بـنفسي فديتها مـن فتـاة لم ترَ العين مثلها أريحيه
فجديـر بالعاشقـين إذا مـا سجدت بكرة لها وعشيه

توفي السيد خضر القزويني سنة 1357 هـ . ودفن في ايوان الذهب من الصحن الحيدري الشريف .

ادب الطف - الجزء التاسع181


السيد جواد القزويني

المتوفى 1358

هـلا تـعـودي بوادي لعل وقبـا مرابع ذكـرها في الـقلب قـد وقبا
أيام لهو مضت فيمن أحـب وقـد أبقت معنى إلى تلك العهود صبــا
تعذبت مهجتي يوم الرحيـل بهـم كأن طـعم عذابي عندهم عذبـــا
لا تحسبوا أعيني تجري مدامعهـا عـليك بل لآل المصطفى النجبــا
أبكيهم يوم حلّوا بالطفوف ضحـى وشـيدوا في محافي كربلا الطنبـا
وأقبلـت آل حـرب في كتائبهـا تجرّ حرباً لرحب السبـط واخربـا
ساموه إما كؤوس الحتف يجرعها أو أن يـذل ولـكـن الابـاء أبـى
نفسي الفداء لظامي القلب منفـرداً وغير صارمة في الحرب ما صحبا
لهفي له مذ أحاطت فـيه محدقـة أهل الضلال وفيـه نالـت الإربـا
رموه في سهم حقد من عداوتهـم مـثلثـاً في شظـايـا قلبـه نشبـا
من بعده هجمت خيل الضلال على خـدر الـنـبـوة بـالله فانـتهبـا
أبدوا عقائـل آل الوحي حاسـرة لم يتركوا فوقها ستـراً ولا حجبـا
الله كم قطعت لابن النبـي حشـى في كربلاء وكم رحـل بهـا نهبـا
وكم دم قد أراقـوا فـوق تربتهـا وكم يتيم بكعب الـرمح قد ضربـا
سروا بهن على الأقتـاب حاسـرة إلى ابن هند تقاسي الوخد والنصبـا
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع182


الجواد بن الهادي ابن السيد ميرزا صالح ابن الحجة الكبير السيد مهدي القزويني :
هداة اباة في سما المجد أشرقت وحسبك من هادٍ بشير إلى هادي

ولد سنة 1297 هـ . في قضاء الهندية قبل وفاة جده الكبير بثلاث سنوات نشأ على حب العلم والكمال ودرس مبادئ العلوم على عمه السيد أحمد ثم أرسله أبوه إلى النجف وألحقه بأخويه : السيد محيي والسيد باقر وهما أصغر منه سناً فنالوا قسطاً كبيراً من الفقه على جملة من اعلام النجف كالحاج ميرزا حسين الحاج خليل والشيخ مهدي المازندراني وآية الله الخراساني والملا كاظم إلى أن حدثت الحرب العالمية الاولى سنة 1332 هـ . عاد ا لمترجم له إلى الهندية مزوّداً بجملة من شهادات مشايخه الاعلام التي تخوله نشر الأحكام . وكانت أيام العطل الصيفية هي مواسم المطارحات الأدبية والمبارات الشعرية مضافاً إلى ولعه الشديد بمطالعة كتب الأدب والشعر والأخبار وسيرة أهل البيت حتى ألّف من ذلك مجاميع تضم النوادر والفوائد والشواهد . رأيت بخط الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام جملة من الرسائل الأدبية والمقاطيع الشعرية والذوق الأدبي ، أبرق للسيد محمد علي القزويني بمناسبة تعيينه عضواً في مجلس الأعيان :
تفرست الملوك بك المعالـي وقد أ حرزتها بعلوّ شان
فلا عجب إذا أصبحت (عينا) لأنك عين انسان الزمان

وله مفردات ومقاطيع قالها في مناسبات شتى وقصائد رثى بها سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين عليه السلام منها قصيدة التي مطلعها :
هلا دروا بمحبٍّ عندما ذهبوا تجري مدامعه دمعاً وتنسكب


ادب الطف - الجزء التاسع183


واخرى أولها :
أحباي لا أصغي للومة لائم ولا انثني عن ودكم باللوائم

وقوله :
ما للأحبة لا يأوون خلانا هلا دروا أننا حانت منايانا

وديوانه المخطوط معظمه في الإمام الشهيد كما كتبَ وخلّف من الآثار كتاب (لواعج الزفرة لمصائب العترة) يقع في ثلثمائة صفحة استعاره بعض المتأدبين ولم يُرجعه ، وكتاب «الفوادح الملمة في مصائب الأئمة» حققه حفيده السيد جودت القزويني ، توفي السيد جواد أوائل شعبان سنة 1358 هـ . في الهندية وحمل نعشه على الأعناق مسافة أميال ثم حمل إلى النجف حيث دفن في مقبرة آبائه الخاصة بالاسرة ورثاه فريق من الشعراء كالشيخ قاسم الملا والسيد محمد رضا الخطيب والشيخ عبد الحسين الحويزي وغيرهم .

ادب الطف - الجزء التاسع184


الشيخ عبد الغنى الحر

المتوفى 1358

أنـختُ بباب باب الله رحلـي محط رحـال كل رجا وسؤلِ
وقد يممت بحـر ندى وجـود ومعـروفاً بمعروف وفضـل
ولذت بظل كهف حمى حسين لجى اللاجين في حرم وحِـلّ
بنائلـه الظمـا يـروى وروداً وغـيث نـداء منـهل كوبـل
وفدت عليك يـحدوني اشتياقي وأحشائي بنار جـواي تغلـي
رجـاءً أن تحط الثـقل عنـي فأنت القصد في تخفيف ثقلـي
وغوثك فيه يكشف كل خطـب وغيثك فيه يخصب كل محـل
وغـفران الذنـوب وكـل وزر بـدا مـني بقـولٍ أو بفعـلِ
ونصري يا ملاذ على الأعـادي وإعزازي على ما رام ذلّـي(1)
* * *

الشيخ عبد الغني الحر المتوفى سنة 1358 هـ . ترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر فقال : هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي .
عالم فاضل وأديب شاعر . كان في النجف الأشرف من أهل العلم والفضلاء

(1) عن مجموع خطي يحتوي على اربعين قصيدة كلها في رثاء الامام الحسين وأخيه العباس ابن علي عليهم السلام وهي بخط الناظم .
ادب الطف - الجزء التاسع185


الأجلاء وكان على طريقة الاخيارية ، وهو شاعر مكثر لا سيما في مدح أهل البيت ورثائهم وهو سريع البديهة جداً وشعره متوسط ، طبع له (منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر) طبع بالمطبع الحيدرية بالنجف سنة 1339 هـ . يحتوي على 72 صفحة . توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة 1358 هـ . ودفن في الايوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف . وله شعر كثير وله تخميس التائية الشهيرة لدعبل بن علي الخزاعي والتي أولها :
تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات

وله تخميس قصيدة السيد جعفر كمال الدين الحلي والتي أولها :
يا قمر التمّ إلى مَ السرار ذاب محبّوك من الانتظار

ومن ذكرياتي عن المترجم له أني كنت أجتمع بجملة من اللبنانيين الأفاضل ورجال العلم في الاسبوع مرة في دار العلامة المرحوم الشيخ عبد الكريم الحر وهو صهر الشيخ المترجم له فكنا نقضي ساعات من الليل في الاستماع إلى شعره الذي كان يحفظه ويردده بانشودته ونبراته ولا أنسى أن كل ما ينظم ويقرأ هو في مدح حجة آل محمد صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن سلام الله عليهما . أمّا ما رواه لي ولده العلامة الشيخ محمد الحر سلمه الله عن سيرة والده رحمه الله قال : كان لا يمرّ يوم من الأيام إلا ونظم من الشعر عشرات الأبيات وقد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة وملكته الشعرية وحافظته القوية وسرعة البديهة مضرب المثل ، يقول ما كنت أسمع بديوان شعر إلا واقتنيته وحفظت أكثره عنه أخدانه ومعاصروه كنا نقرأ عليه القصيدة الكاملة مرة واحدة فيحفظها ويقول ولده سلمه الله : أما الذي أدركته منه في أواخر عمره فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً وهو يرغب أن يحفظها قال : إقرأ عليّ منها ثلاثين بيتاً فقط ، فقرأتُ فأعادها عليّ حفظاً ، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليّ حفظاً ، ويقول ولده ان مجموع ما نظمه لا يقل عن أربعة آلاف قصيدة وأكثرها في صاحب الأمر حجة آل

ادب الطف - الجزء التاسع186


محمد وحدّث العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل الله أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازي رحمه الله كان يتحدث عن المترجم له ويقول : إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر وحبّه لآل محمد لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار .
وحدّث أحد تلاميذه عن سرعة البديهة وقوة الحافظة عند الشيخ الغني فقال : كان يدرّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر غيب وحفظ العبارة بنصّها ، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة ويستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني . وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها ، واذكر صوته الجهوري مضافاً إلى بسطته في العلم والجسم ونقل لي ولده بعض الاكتشافات والتجليات والكرامات التي تدل على روحانيته وشدة ولائه وعقيدته ومنها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة والمبدأ .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع187


السيد ناصر الاحسائي

المتوفى 1358

هـذي مضاجـع فهر أم مغانيها أم السماء تجلـت في معانيهـا
فحط رحل السرى فيها وحي بما يجري من العين دانيها وقاصيها
ودع قلوصك فيها غيـر موثقـة وخلّ عنها عساهـا أن تحييهـا
ولا تلمهـا إذا ألـوت معاطفهـا يوماً لتقبيـل باديهـا وخافيهـا
فما دهاك دهاها من أسى وجـوى وما دعاك لسكب الدمع داعيهـا
كلا كما ذو فؤاد بالـهوى كلـف وأنتما شركا في ودّ مَـن فيهـا
قوم على هامـة العلياء قـد بنيت لهم بـيوت تعالـى الله بانيهـا
ومعشر للمعاني الغر قد شرعـوا طرقاً بأخلاقهم ما ضلّ ساريها
وأسره قد سمت كل الورى شرفـاً فلم يكـن أحـد فيـه يدانيهـا
لووا عن العيش أعطافاً أبين لهـم مسّ الدنية تكريمـاً وتنـزيهـا
فقاربـت بيـن آجال لهـم شيـم إذ المنايا طلاب العـز يدنيهـا
رأوا حياتهم فـي بـذل أنفسهـم في موقف فيه حفظ العز يحييها
ولا يعاب امرؤ يحـمي مكارمـه بنفسه فهو حر حيـث يحميهـا
في الهام أمست تغني بيضهم طرباً وسمرهم تتثنى في الحشا تيهـا
والخيل من تحتهم فلك جرى بهـم في موج بحر دم والله مجريهـا
والنقع قام سماءً فـوق أرؤسهـم آفاقها أظلمت منـه نـواحيهـا
لكن أجرامهم قامـت بهـا شهبـاً لولا ضياء شباها ضل ساريهـا


ادب الطف - الجزء التاسع188


ترمي العدى بشواظ من صواعقها فلا ترى مهربـاً منـه أعاديهـا
رووا بماء الطلا بيض الظبى ولهم أحشاء ما ذاق طعم الماء ظاميها
حتى إذا ما أقام الدين واتضحـت آياته وسمـت فيهـم معـانيهـا
وشيدوا للهـدى ركناً بـه أمنـت أهل الـرشاد فلا لافى مساعيهـا
وشاء أن يجزي الباري فعـالهـم من الجزاء بأوفى ما يجـازيهـا
دعاهـم فاستجابوا إذ قضوا ظمـأ بأنفس لم تفـارق أمـر باريهـا
فصرعوا في الوغى يتلو مآثرهـم في كل آن مـدى الأيام تاليهـا(1)
* * *

حجة الإسلام السيد ناصر الاحسائي ، مولده في الاحساء سنة 1291 هـ . ووفاته سنة 1358 هـ . نشأ نشأة صالحة وتربى على يد أبيه الفقيه الكبير ، وبعد وفاة أبيه هاجر إلى النجف الأشرف موطن العلم والعلماء وأكبر جامعة في الفقه فدرس على المرحوم الشيخ محمد طه نجف والشيخ محمود ذهب والشيخ هادي الطهراني ثم عاد إلى الاحساء مرشداً عالماً تقياً ورعاً ثم عاد إلى النجف مرة ثانية فدرس على الشيخ ملا كاظم الأخوند وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد أبو تراب ولما كثر الطلب عليه من أهالي الاحساء لحاجتهم اليه وجعلوا مراجع الطائفة وسائط له عاد ومكث بينهم يفيض من معارفه ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم حتى وافاه الأجل ليلة الاربعاء ثالث شهر شوال سنة 1358 هـ .
تشرفت برؤية محياه الأنور واستمعت إلى حديثه الشهي وتزودت من نصائحه ومعارفه ، صباحته ونور أساريره يشهدان له بأنه من ذرية الرسول ومن حَمَلة علومهم ، مثالاً للورع والتقى والعبادة والزهادة كنتُ كلما ارتقيت الأعواد أصغى إلى بكله ويستجيد ويستحسن فضائل أهل البيت ومآثرهم ويرتاح لسماع مناقبهم ، يعظم الكبير والصغير ولا يستخف بأحد وأذكر أني فرغتُ

(1) عن الذكرى التي قام بتأليفها الخطيب السيد محمد حسن الشخص .
ادب الطف - الجزء التاسع189


من خطابي مرةً فجلست ـ وكان حديثي عن سيرة الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام . فقال السيد رحمه الله ما نصه :
ومن أقوال الإمام الصادق عليه السلام : العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة : العالم والسلطان والإخوان فمن استخف بالعالم أفسد دينه ، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه ، ومن استخف بالإخوان أفسد مروأته . وكان موضع تجلّة واحترام من جميع الطبقات وكان لوفاته رنة حزن وأسف وقد أبّنته بقصيدة نشرت في (الذكرى) التي قام بطبعها وتحقيقها الخطيب الجريء السيد محمد حسن الشخص سلمه الله وكان مطلع قصيدتي في رثائه :
نعى البرق رمز التقى والهدى فقلنا لقد طاح ركن الهدى

ومن رثائه للامام الحسين (ع) :
كـم قـد تـؤمل نفسي نـيل منيتها من المعالي وما ترجـو مـن الاربِ
كما تؤمل أن تحظـى بـرؤية مـن يزيح عنها عظيـم الضـر والكـرب
ويملأ الأرض عدلاً مـثل ما ملئـت بالظلم والجـور والابـداع والكـذب
يا غائبـاً لـم تغـب عـنا عنايتـه كالشمس يسترها داج مـن السحـب
حتى مَ تقعد والإسلام قـد نقضـت عهـوده بسيوف الشـرك والنصـب
ويرتجـيك القـنا العـسال تـورده مـن العـداء دماءً فهـو ذو سغـب
والبيض تغـمدهـا أعـناق طائفـة منهم مواليك نالـوا أعظـم العطـب
وتوعـد الخيل يـوماً فـيه عثيرها سحائب برقهـا من بـارق القضـب
تهمى بماء الطـلا مـن كل ناحيـة حتى تـروي منـه عاطـش الثـوب
فانهض فديتك ما في الصبر من ظفر فقد يفوت بـه المطلـوب ذا الطلـب
أما أتـاك حـديـث الطـف إن بـه آباءك الـغر قاسـوا أعظـم النـوب
غداة رامـت أمـي أن يـروح لهـا طوع اليمين أبـيٌ واضـح الحسـب
ويركب الضيم مطبـوع علـى همـم أمضى من السيف مطبوعاً من اللهب


السابق السابق الفهرس التالي التالي