ادب الطف - الجزء التاسع158


الشيخ موسى العِصامي

المتوفى 1355

قال في قصيدة حسينية :
أحاطـت به وبسـت الجهـات أحاط بها الخطر الـمرعـبُ
فخـيرهـا قبل حكـم الضيـا ونقـط الاسنة ما استصوبـوا
فإمـا يـعـود إلـى يـثـرب ومن حيـث جاء لها يطلـب
واما الـجبال وشعـب الـرمال وظهـر الفيافي لهـا يركـب
واما يسـير لـبعـض الثغـور يقيـم بها مـع من يصحـب
فما رغـبت مـنه فـي واحـد ولو أنصفت لم تكن ترغـب
رأت مـنـه قـلّـة أنـصـاره فظـنت بكـثرتهـا ترعـب
وسامـته يخـضع وهـو الأبي وأنـى يقـاد لهـا المصعب
فـناجـزها الحـرب في فـتية لهم باللقا شهـدت يـعـرب
بهـا لـيل تحـسب ان الـردى إذا جـدّ ما بينهـا مـلعـب
لها الموت يحلو خلال الصفوف وما مرّ من طعمـه يعـذب
سـواء عـليها الفـنا والـحياة إذا استرجـع التاج والمنصب
لهـم دون مـركزهـم مـوقف إلـى الـحشر ناديـه ينـدب
أشادوا الهـدى فـوق تاج الأثير ومبنـى الضلال به خـرّبوا


ادب الطف - الجزء التاسع159


فما حزب طالوت ذو البيعتين ولا أهل بدر وإن أنجبوا
ولا يـوم احـزابها يـومهـم واحدٍ وما بعدها يعقـب
ولا الـجاهـلية ذات الحروب بحربهـم حـرباه يحسب
بسبعين ألفـاً خـلال الـوغى تجـول وأمـدادها تلعب
رسـوا كـالجبال وهم واحـد وستـين لـكنـهم ذرّب
أجالـوا الوغى جولان الـرحى وللحشـر نيـرانها تلهب
سل الشام عنـها وأهل العراق فهل سلمت منه إذ تهرب
* * *

الشيخ موسى بن محسن بن علي بن حسين بن محمد بن علي بن حماد الشهير بالعصامي نسبة إلى بني عصام بطن من هوازن ، لامعاً في عصره خطيب وشاعر ، ولد في النجف الأشرف سنة 1305 هـ . ونشأ بها يتعاهد تربيته أعمامه فدرس العربية والمنطق على أساتذة معروفين منهم السيد جواد القزويني كما درس البلاغة على العالم الجليل الشيخ يوسف الفقيه والشيخ عبد الرسول الحلبي والسيد حسين ابن السيد راضي القزويني .
ودرس الفقه والاصول على الشيخ عبد الكريم شرارة والشيخ صادق الحاج مسعود والشيخ المصلح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، وحضر عند الشيخ حسين الدشتي فأخذ عنه علم الحساب والهندسة والكلام والحكمة واشتهر بين أخدانه بالفضل وعرفه جمهور الناس من مواقفه الخطابية إذ كان خطيباً جماهيرياً ومرشداً مصلحاً يخطب ويكتب ويعظ ويرشد أينما حل ، ولكن مجتمعه مصاب بداء الأنانية وأمة كما قيل فيها : لا تعمل ولا تحب أن يعمل أحد ، لذاك ناوأه الكثير ووقفوا في طريق اصلاحه حتى ودع الحياة بكربلاء في آخر يوم من شهر رمضان عام 1355 هـ . ونقل جثمانه للنجف حيث دفن رحمه الله .

ادب الطف - الجزء التاسع160


آثاره العلمية :
1 ـ منظومة في الإمامة تناهز الثمانمائة بيتاً .
2 ـ البراءة والولاية ، بحث دقيق .
3 ـ تارخي الثورة العراقية .
4 ـ الدعوة الحسينية وأثرها .
5 ـ الضالة المنشودة في الحياة .
6 ـ الهدى والاتحاد ، أهداه إلى أبطال الدستور في الاستانة بتوسط الصدر الأعظم طلعت باشا .
7 ـ الدراية في تصحيح الرواية .
8 ـ بحث في الحجاب ، وغيرها مما يزيد على العشرين مؤلفاً ، وديوانه الحافل بمختلف المواضيع وطرق سائر الأبواب ومن مراسلاته قصيدته التي أرسلها للشيخ خزعل خان أمير المحمرة ومطلعها :
لك الهـنا ولـي الأفـراح والطرب مـذ ساعفتني بـك الأيام والأرب
فقل لساقي الطلى نحيّ الكؤوس وإن انيـط عـني في راحاتها التعـب
هـذا لـماك وهذا ثغـرك الـشنب فما الحميا وما الأقـداح والـحبب
أعطاف قدك تصمي لا القنا السلب وسهم عينيك لا نبـعٌ ولا غـرب
ووجهك الصبح لكن فاته وضـحاً وثغرك البـرق لكن فاته الشنـب
ويلاي لا منك يا ريم العذيب فمن عينيّ جاء لقلبي في الهوى العطب

وكلها بهذه القوة والمتانة والرقة والسلاسة ، ومن مشهور غرامياته قوله :
طاف بكاس المـدام أغيد من فضة والسلاف عسجد
وزفّها في الدجى عروساً توجّهـا اللـؤلؤ المنضـد
تلـهبت فـي يديه لكـن بوجـنتيه الـسنا تـوقـد


ادب الطف - الجزء التاسع161


صالـيت نـار الخليل فيه لكن عـلى ريقـه المبرّد
بدرٌ واقراطـه الـثـريـا والراح في راحتيه فرقـد
شقّ لها في الدجى عمـوداً من وجنتيه استنار وامـتد
فـأسفر المشرقان افـقـاً بالنيرين : السلاف والخد
وانـصـدع الغيهبان جنح الظلام أو شعره المجعـد
وهـزّ مـن معطفيه لـدنا صوّب حتفي به وصعّـد
يـانع غـصن وقد تثنـّى طائر قلبي عليـه غـرّد
مذ ريّش الهدب قلت قلبـي دونك يا سهمـه المسـدد
أدمى فؤادي سلـوه عـما في راحتيه الخضاب يشهد
كـيف تصبّرتَ يا فـؤادي عن عذب ريق له تشهـد
أمـرد فـي تيهـه يـرينا بلقيس في صرحها الممرد
قال له الحُسن مذ تنـاهـى أنـت بجمع الـملاح مفرد


ادب الطف - الجزء التاسع162


السيد محمد حسين الكيشوان

المتوفى 1356

لأصبر أو تجـري عـلى عاداتها خـيل تشـنّ عـلى العدى غاراتها
وتقودها شعث الـرؤوس شوائـلا قـبّ البطون تضج في صهـلاتها
وتثـيرها شهباء تمـلأ جـوّهـا نقـعاً يحـط الـطير عـن وكناتها
فإلامَ يـقتـدح الـعـدو بزنـده نار الهـوان فتصـطلى جذواتهـا
أو مـا دريـتِ بـأن آل أميـة ثـارت لـتدرك مـنكـم ثـاراتها
واتت كتائبها يضيق بـها الـفضا حـشداً تـسدّ الأفـق في راياتهـا
جاءت ودون مرامها شـوك القنا كـيما تـسود بجـهـلها ساداتـها
عثرت بمدرجـة الهوان فأقلعـت نهضاً بعـبء الحـقد من عثراتها
فـهناك أقـبل والحفـاظ بفتيـة ما خـطّ وخط الـشيب في وفراتها
بمدربين على الحروب إذا خبـت للحـرب نار أوقـدوا جمـراتـها
وثبـت بـمزدلف الهياج كأنهـا الآسـاد فـي وثبـاتهـا وثـباتها
هيجت بمخمصة الطـوى ولطالما اتخـذت أنابـيب القـنا أُجـماتها
يـوم بـه الأبطال تعـثر بالـقنا والمـوت منتصـب بـست جهاتها
برقت به بيض السيوف مواطـراً بـدم الكـماة يفـيض من هاماتها
فـكأن فـيه الـعاديـات جـآذر تخـتال مـن مـرح عـلى تلعاتها
وكـأن فيـه البارقـات كواكـب للـرجم تهـوي في دجـى ظلماتها
وكـأن فـيه الـذابـلات أراقـمٌ تنساب من ظـمأ عـلى هضباتهـا
وكـأن فيـه السابـغات جـداول أضحى يخوض الموت في غمراتها


ادب الطف - الجزء التاسع163


غنّـت لهـم سود المنايا في الوغى وصليل بيض الـهند مـن نغماتها
فتدافعـت مشي النزيف إلى الردى حتـى كـأن الـموت من نشواتها
وتـطلعت بـدجى الـقتام أهـلّـة لـكن ظـهور الـخيل من هالاتها
تجري الطلاقة في بهاء وجـوهها إن قـطّبت فـرقاً وجـوه كماتها
نـزلـت بقارعـة المنون بموقف يستوقـف الأفـلاك عن حركاهـا
غـرست بـه شجر الرماح وإنما قطفت نفوس الشوس من ثمراتهـا
حتـى إذا نفـذ القـضاء وأقبلت زمـر العـدى تستنّ في عـدواتها
نشرت ذوائب عـزّها وتخايلـت تطـوي عـلى حرّ الظما مهجاتها
وتـفيأت ظـلل القـان فـكأنمـا شجـر الأراك تفـيأت عـذباتهـا
وتعانقـت هـي والسيوف وبعدذا ملكـت عـناق الحور في جناتهـا
وتناهــبت أشلاءهـا قِصد القنا ورؤوسهـا رفعـت على أسلاتهـا
وانصاع حامـية الـشريعة ظامياً ما بـلّ غلـتـه بعـذب فـراتهـا
أضحـى وقـد جعلـته آل أميـة شبـح السهـام رمـيّةً لـرماتهـا
حتى قضى عطشاً بمعترك الـوغى والسـمر تصدر منـه في نهلاتهـا
وجرت خيول الشرك فوق ضلوعه عـدواً تجـول عـليه في حـلباتها
* * *
ومخـدرات مـن عقـائل أحمد هجـمت عليها الخيل في أبياتهـا
مـن ثاكـل حرّى الفؤاد مروعة أضحت تجاذبها العـدى جبراتهـا
ويتيمـةٍ فـزعـت لجسم كفيلها حسرى القناع تعـجّ في أصواتهـا
أهوت على جسم الحسين وقلبهـا المصـدوع كاد يذوب من حسراتها
وقعت عليه تشمّ مـوضع نحـره وعيـونهـا تنـهلّ فـي عبراتـها
تـرتاع من ضرب السياط فتنثني تـدعـو سـرايا قومها وحـماتها
أيـن الحفاظ وفي الطفوف دماؤكم سفكـت بسـيـف أمـية وقناتهـا
أيـن الحفـاظ وهـذه أشلاؤكـم بقـيت ثلاثـاً في هـجـير فلاتها


ادب الطف - الجزء التاسع164


أيـن الحـفاظ وهـذه فتياتكم حملت على الأكوار بين عداتها
حملت برغم الدين وهي ثواكل حسرى تـردد بالشجى عبراتها
فمن المعزي بعد أحمد فاطمـاً فـي قـتل أبناها وسبي بناتهـا
* * *

السيد محمد حسين ابن السيد كاظم ابن السيد علي بن أحمد الموسوي القزويني الشهير بالكيشوان النجفي . ولد في النجف عام 1295 هـ . مشهور بعلمه وتحقيقه ، ذو نظر صائب وفكر وقاد ، أديب له الصدارة في المجالس والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين ذكره صاحب (الحصون المنيعة) فقال : فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم له فكرة تخرق الحجب وهمة دونها الشهب ، وشعر يسيل رقة وخط يشبه العذار دقة ، إلى حسن أخلاق وطيب اعراق وحلو محاضرة مع الرفاق ، ونسك وتقى بعيد عن الرياء والنفاق ، وله شعر كثير بديع التركيب .
لا زلت أتمثله سيداً وقوراً مربوع القامة حسن الهندام بهي المنظر والعمِة السوداء متناسبة مع وجهه ومنسجمة معه كل الانسجام رأيته عشرات المرات في عشرات من المجالس الحسينية وقد طلب منه أبي مقابلة نسخة (مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار) للجد الأكبر السيد عبد الله شُبّر على نسخة المؤلف وبخطه ، فأجاب في حين لم تكن بينه وبين أبي صلة قوية أو لأبي عليه دالة تستوجب الاجابة لكنه لخلقه العالي وسجاحة أخلاقه تنازل لرغبته فكان يحضر كل يوم عصراً إلى دارنا وتكون بيده نسخة الأصل ومع الوالد نسخة أخرى فيقرأ أحدهما مرة ومرة فلم أسمع صوته ولا أقدر أن أُميّز نبراته ولكني أتصور كلامه ، لقد كان هادئ الطبع وديع النفس إلى أبعد ما تتصور . وقال لي أحد الأذكياء يوماً ونحن في محفل غاص بالمعممين في دار المرحوم الشيخ مرتضى الخوجه ، والسيد المترجم له في صدر المجلس : هل رأيت ذلك السيد (وأشار عليه) زجّ نفسه في كلام أو خاض في مسألة دون

ادب الطف - الجزء التاسع165


أن يُسأل فيجيب بالرغم من أنه أعلم الموجودين والكل يعلم بذلك ، يقول البحاثة المعاصر علي الخاقاني عنه : لقد أفنى زمناً طويلاً في إحياء كثير من الكتب النادرة بخط جميل وضبط قوي وأتذكر أنه كتب تحرير المجسطي بدوائره وأشكاله فكانت مخطوطته من أروع المخطوطات ، وكتب الأصول الأربعمائة وكثيراً من مؤلفات الشيخ المفيد والصدوق وألّف وصنّف كثيراً منها : تحفة الخليل في العروض والقوافي ورسالة في علم الجبر ، منهج الراغبين في شرح تبصرة المتعلمين في جزئين ، منظومة في علم الحساب تقع في 221 بيتاً وغيرهما مما دوّنها مترجموه ، نشأت وأنا أسمع أساتذة المنبر الحسيني يروون شعره ويعطرون به المحافل ويرون شعره من الطراز العالي ورثاءه من النوع الممتاز على كثرة الراثين للحسين عليه السلام ، وحذراً من أن يقال أن الشاعر لا يحسن إلا الرثاء فاني أروي مقطوعة واحدة من غزله من ديوانه المخطوط الحافل بما لذّ وطاب من مسامرة الأحباب ، قال :
وغـادة نادمـتـهـا في غلس الليل الدجى
غـازلـت منها مقلة تـرنو بعـيني أدعج
أحنى عـليه الحسـن خـط حاجب مزجج
لم أدرِ إذ تكسر خفـ ـنيهـا لكسر المهج
أمـن حـياء أم نعـا س فيهـما أم غنـج
لهـوت فـيها أجتلـي روض محـياً بهـج
دبجـه البهـاء مـثـ ـل السندس الـمدبج
أرخت عليها صدغهـا منـعطفـاً ذا عـوج
كـأنـه ورد عـلـيـ ـه قطعـة من سبج
والحسـن أذكـى خدّها بجمـره الـمؤجـج
وعـنبر الخـال بــه يذكـو بـطيب الأرج
داعـبتهـا وما عـسلى أهل الهوى من حرج
حتى اخـتلست رشفـة من ريقـها الـمثلـّج


ادب الطف - الجزء التاسع166


ثـم عـضضت خدّها عضـة حـران شجي
فمـاج حسناً فـوق ما فـيه مـن التـمـوّج
ولاح مثل الذهب المـ ـنقـوش بالـفيروزج
أو ثـمر الـتفـاح بيـ ـن طاقـتي بـنفسج
وبعـد ذا حنـوت فـو ق ردفـها الـمندمج
أضـمّه يـرتجّ مـثـ ـل الزيبق المرجرج
حضنته وهـو من اللـ ـيـن يـروح ويجي
عـبلٌ به ضاق مجـال حـضني الـمنفـرج
بـلـغـت فـيـه لـذّة أربت على ما أرتجي

أما رسائله وأدبه النثري ونوادره وملحه فمنها يتألف مؤلف قائم بنفسه . توفي ليلة الأحد 28 ذي القعدة الحرام سنة 1356 هـ . ودفن في الصحن العلوي في الجهة الغربية الشمالية رحمه الله رحمة واسعة وبقيت روائعه ترددها ألسنة الخطباء ومنها ما يعتز به مخطوطنا (سوانح الأفكار في منتخب الاشعار) الجزء الأول منه :
1 ـ رائعته الحسينية التي تتكون من 72 بيتاً وأولها :
هي الدار لاوردي بها ريّقٌ غمرُ ولا روض آمالي بها مورق نضرُ

2 ـ قصيدته في رثاء شهداء كربلاء وتتكون من 42 بيتاً وأولها :
لعلّ الحيا حيّا ببرقة ثهمد معاهد رسم المنزل المتأبد

3 ـ الثالثة في الزهراء عليها السلام وهي 57 بيتاً وأولها :
مالك لا العين تصوب أدمعا منك ولا القلب يذوب جزعا

وقال مشطراً أبيات عبد الباقي العمري لما جاء لزيارة أمير المؤمنين (ع) :
وليلة حاولنا زيارة حيدر وقد رجّع الحادي بترديد أشعاري


ادب الطف - الجزء التاسع167


وسامرت نجم الافق في غلس الدجى وبـدر سـماها مخـتف تحت أستار
بأدلاجـنا ضـلّ الطـريق دلـيلنـا وقـد هـوّمت للـنوم أجفان سماري
تحـريتُ أستهـدي بأنـوار فكرتي ومن ضـلّ يـستهدي بشعـلة أنوار
ولـما تجلـّت قـبة المرتضى لـنا بأبهـى سناً مـن قبـّة الفلك الساري
قصدنا السنا منها ومذ لاح ضوؤهـا وجدنا الهـدى منها على النور لا النار

4 ـ الرابعة في السبط الأكبر الإمام الحسن بن علي عليهما السلام وتتكون من 58 بيتاً ، ويقول فيها :
أترى يسوغ على الظما لي مشرع وارى أنابـيب القـنا لا تـشرع
مـا آن أن تقـتادهـا عـربيـة لا يسـتميل بهـا الروى والمرتع
تعلـو علـيها فتية مـن هـاشم بالصـبر لا بالسابغـات تدرّعوا
فلقـد رمتنا الـنائبات فلم تـدع قـلبـاً تـقـيـه أدرع أو أذرع
فإلى مَ لا الهـندي مـُنصلتٌ ولا الخطي في رهج العجاج مزعزع
ومتى نرى لك نُهضة من دونهـا الهامـات تسـجد للمنون وتركع
يا ابن الألى وشجت برايته العلـى كرماً عـروق أصولهـم فتفرّعوا
جحدت وجودك عصبة فتتابعـت فرقاً بها شمل الـضلال مجمّـع
جـهلتكَ فانبعـثت ورائد جهلهـا أضحـى على سَفهٍ يبوع ويذرع
تـاهـت عـن النهج القويم فظالع لا يستقـيـم وعـاثـر لا يُقلـع
فأنِـر بـطلعتك الوجود فقد دجى والـبدر عادته يغـيب ويـطلـع
مـتطـلّـباً أوتاركـم مـن أمـة خفّـوا لـداعيةِ النفـاق وأسرعوا
خانـوا بعـترة أحمـد من بعـده ظلماً وما حفظوهم ما استودعـوا
فـكأنـما أوصـى الـنبي بثقلـه أن لا يُصان فما رعوه وضيّعـوا
جحدوا ولاء المرتضى ولكم وعى منهـم لـه قلب وأصغـى مسمعُ
وبمـا جـرى من حقدهم ونفاقهم في بيته كُسرت لفـاطـم أضلـع
وغدوا على الحسن الزكي بسالف الأحقـاد حـين تالبوا وتجمعـوا


ادب الطف - الجزء التاسع168


وتـنكـبوا سنن الطريق وإنمـا هامـوا بغاشيـة العمى وتولعوا
نذبوا كتاب الله خلف ظهورهـم وسعوا لداعية الشقـا لما دعـوا
عجباً لحلـم الله كـيف تأمـروا جنفـاً وأبنـاء الـنبـوّة تـُخلع
وتحكموا في المسلمـين وطالمـا مرقوا عن الدين الحنيف وأبدعوا
أضحى يؤلب لابن هنـدٍ حزبـه بغياً وشرب ابن النبـي مذعـذع
غدروا به بعد العهود فغـودرت أثقـالـه بـين الـلـئام تـوزع
الله أي فتـىً يـكابـد محـنـة يشجى لها الصخر الأصم ويجزع
ورزيّة جـرّت لقلـب محمــد حزناً تكاد لـه السـما تتزعـزع
كيف ابن وحي الله وهو به الهدى أرسى فقام لـه العـماد الأرفـع
أضحى يسالـم عصبـة أمويـة من دونـها كفـراً ثمـود وتُبّـع
ساموه قهراً أن يضام وما لـوى لـولا الـقضا بـه حنان طـيّـع
أمسى مضاماً يستبـاح حريمـه هتـكاً وجانبـه الأعـز الأمنـع
ويرى بني حرب على أعوادهـا جهـراً تنال من الوصي ويسمـع
ما زال مضطهداً يقـاسي منهـم غصصاً بها كأس الردى يتجـرّع
حتى إذا نفـذ القضاء محـتّمـاً أضحـى يـُدس اليه سـُمّ منقـع
وغـدا بـرغم الدين وهـو مكابد بالصبر غـلّة مكمّـد لا تنقــع
وتفتـت بالسُـمّ مـن أحـشائـه كبد لها حـتى الصفا يتـصـدّع
وقـضى بعـين الله يقـذف قلبه قطعـاً غـدت مما بها تتقطّــع
وسـرى به نعـش تـودّ بناتـه لـو يرتقـي للفرقدين ويـرفـع
نعـش لـه الـروح الأمين مشيّع ولـه الكـتاب الـمستبين مـودّع
نعـش أعـز الله جانـب قدسـه فغدت له زمر المـلائك يخضـع
نعش به قـلب البتـول ومهجـة الهادي الرسول وثقله المسـتودع
نثلـوا لـه حقد الصدور فما يُرى منهـا لقـوسٍ بالكنانـة منـزع
ورمـوا جـنازته فعاد وجسمـه غـرض لراميـة السهام وموقـع


ادب الطف - الجزء التاسع169


شكوه حتى أصبحت مـن نعشـه تستـل غـاشية الـنبال وتنزع
لم ترم نعشك إذ رمـتك عصابـة نـهضت بهـا أضغانها تتسرّع
لـكنها عـلمت بأنـك مـهجـة الزهراء فابتدرت لحربك تهرع
ورمتك كي تصمى حشاشة فاطـم حتـى تبيت وقلبهـا متوجـع
ما أنـت إلا هيكل القـدس الـذي بضمره سـرّ النبـوة مـودع
جلـبت عـليه بنوا الدعي حقودها وأتته تمرح بالـضلال وتتلـع
منعته عن حـرم النـبي ضلالـة وهو ابـنه فلأي أمـرٍ يمنـع
فكـأنـه روح الـنبي وقـد رأت بالبعد بينهما العلائـق تقطـع
فلا قـضت أن لا يخـطّ لجسمه بالقرب من حرم النبوة مضجع
لله أي رزيــة كـادت لـهــا أركان شامخة الهدى يتضعضع
رزء بكت عين الحسين له ومـن ذوب الـحشا عبراتـه تتدفـع
يـوم انثـنى يـدعـو ولكن قلبه وآمروا مقلته تفـيض وتدمـع
أترى يطيف بي السلو وناظـري من بعد فقدك بالكرى لا يهجع
أُخي لا عيشـي يـجوس خلالـه رغد ولا يصفو لوردي مشرع
خلفتني مـرمى الـنوائب ليس لي عضد أرد به الخطوب وأدفـع
وتركتنـي أسفـاً أردد بالشجـى نفساً تصعّده الـدموع والهمّـع
أبكيك يا ريّ الـقلوب لـو أنـه يجدي البكاء لظاميءٍ أو ينفـع

الأسر القزوينية المعروفة بالعلم في العراق ثلاث : 1 ـ الاسرة النجفية ، وقد اقام قسم من رجالها في بغداد . 2 ـ الحِلية ، التي ذكرنا منها جملة من الاعلام ومنها السيد مهدي وأنجاله الأربعة وأولادهم ، وهاتان الاسرتان ينتمون للامام الحسين عليه السلام وهما فرع واحد تلتقيان في بعض الأجداد . 3 ـ الكاظمية ، وهي موسوية النسب منها العلامة السيد مهدي نزيل البصرة بعصره وأخوه السيد جواد نزيل الكويت في عصره ولقب بعض رجالها بالكيشوان ومنهم المترجم له .

ادب الطف - الجزء التاسع170


الحاج مهدي الفلّوجي

المتوفى 1357

إلـى م وقـلبي من جفـوني يسكب ونار الأسى ما بيـن جنبـيّ تلهـبُ
أبيتُ ولـيلي شـطّ عـنه صباحـه كأن لـم يكن لليل صـبح فـيرقـب
أُحارب فـيه النجم والنجـم ثائــرٌ متى غاب منه كـوكب بان كوكـب
وعلمت بالنوح الحمـام فأصبحـت على تـرح في الدوح تشدو وتـندب
فـما هــي إلا زفرة لـو بثثتهـا على البحر من وجد يجف وينضـب
تجهّم هـذا الـدهر واغـبرّ وجهـه بـدهماء لا يجلـى لها قط غيهـب
لقتلـى الألـى بالطـف لما دعاهـم إلى الحرب سبط المـصطفى فتأبهوا
ومذ سمعوا الداعي أتوا حومة الوغى تعلم أيديها الضبا كـيف تـضـرب
فإن وعظت عن ألسن البيض وعظها وإن خطبت عن ألسن السمر تخطـب
كرام تميت الـمحل غمـرة وفرهـم فتحيا بها الأرض الموات وتـعشـب
على كثرة الأعـداء قـلّ عـديدهـم وكـم فـئـة قلّـت وفي الله تغلـب
مـواكـب أعـداهـم تـعدّ بواحـد وواحدهـم يـوم الكريهـة مـوكـب
مـضـوا يسـتلذون الـردى فكأنـه رحـيق مـدام بالقـواريـر يسكـب
كأن المنايـا الخـرّد العـين بينهـم فـجدّوا مـزاحاً دونها وهـي تلعـب
ومن بعدهم قام ابن حـيدر والعـدى جموع بها غصّ الفضا وهو أرحـب


ادب الطف - الجزء التاسع171


فألبس هـذا الأفـق ثـوب عجاجـة به عـاد وجـه الشمس وهو منقب
وكيف يحـلّ الـذل جانـب عــزه وفـي كـفه سيـف المنية يصحب
وكيف حسين يلـبس الضيـم نفسـه ونفـس علي بـين جنبيـه تلهـب
إلــى أن أراد الله بـابـن نبـيّــه يبيت بفيض النحر وهـو مخضـب
فأصبح طعمـاً للضبـا وهو ساغـبٌ وأصبح ريّاً للقنـا وهـو معطـب
بنفسي اماماً غـسلـه فـيض نحـره وفي أرجـل الخيـل العتاق يقلـب
بنفـسي رأسـاً فـوق شاهقـة القـنا تمـرّ بـه الأرياح نـشراً فـتعذب
كـأن القـنا الخطـار أعـواد مـنـبر ورأس حسين فوقها قـام يخطـب
فـوا أسفي تلك الكمـاة عـلى الثـرى ونسوة آل الوحي تسبـى وتسلـب
وراحـت بعـين الله أسرى وحواسـراً تـساق وأستـار الـنبـوة تنهـب
دعـت قومهـا لـكنها لـم تجـدهـم على عهدها فاسترجعت وهي تندب
أيا منعة اللاجيـن والخـطـب واقـع ويا أنجـم السارين والليل غيهـب
أليست حـروف العـز فـي جبهاتكـم تحررها أيـدي الجـلال فتكتـب
فأين حماة الجـار هاشـم كـي تـرى نساها على عجف الأضالع تجلـب
وفي الأسـر ترنـو حجـة الله بينهـا عليلاً إلى الشامات في الغل يسحب
سـرت حسـراً لـكن تحجـب وجهها عن العين أنـوار الإلـه فتحجـب
إلى أن أتت في مجلس الرجس أبصرت ثنايا حسين وهي بالعـود تضـرب
* * *

الحاج مهدي الفلوجي ابن الحاج عمران ابن الحاج سعيّد من الطبقة العالية في الشعر وممن تفتخر به الفيحاء وتعتز بأدبه ، حسن الأخلاق طاهر الضمير عف اللسان تخرّج في الأدب على الشيخ حمادى نوح المتقدمة ترجمته . حفظ الكثير من شعر العرب القدامى ، ترجم له اليعقوبي في (البابليات) وقال :

ادب الطف - الجزء التاسع172


مولده في الحلة سنة 1282 هـ . وكان يتعاطى التجارة ويحترف بيع البز ويرتدي برأسه العمة السورية ويعدّ من ذوي الثروة والمكانة المرموقة في البلد . يحتوي ديوانه المخطوط على ضروب الشعر من الاجتماع والسياسة والوصف والغزل والنسيب ولا عجب فعصره يموج بالادباء والشعراء وتلك النوادي العلمية الأدبية تصقل المواهب ، قال يرثي استاذه الشيخ حمادى نوح بقصيدة ـ مطلعها :
حق يا قبر أن تباهي النجـوما فيك قد ضمنوا البليغ الحكيما
دفنوا المرتضى الرضي لعمري هو في جنبك اتخـذه نديمـا
فيك قـد غيضوا البحار فأمست في قـوانينـها تريك العلوما
ذاك غـواصها الـذي كان فينا يجتني درّها النضـيد النظيما

ترجم له الشيخ النقدي في (الروض النضير) كما ترجم له الخاقاني في (شعراء الحلة) وروى له نماذج من الشعر والتواريخ ، ولتعلقه بآل البيت (ع) كان اكثر ما نظم فيهم فمنها قصيدته التي يعدد فيها فجائع يوم كربلاء ويخص أبا الفضل العباس عليه السلام بقسم وافر منها وأولها :
هي دنياً وللفنا منتهاها لعب جدّها وواهٍ قواها

وهي تناهز الستين بيتاً وقال عندما لاح هلال محرم الحرام قصيدة مطلعها :
كم فيك من حرم أُبيح ومن دم من آل أحمد يا هلال محرم

وقال وقد زار الإمام الحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان :
لقـد أيقـنت أن الله لطفـا محا عني الصغائر والكبائر
لأني جئت في شعبان أسعى لمـرقد سيد الشهـداء زائر

وقال في جواب مَن سأل عن مدفن رأس الحسين عليه السلام :
لا تطلبوا رأس الحسين فإنه لا في حمى ثاوٍ ولا في واد
لكنما صفـو الـولاء يدلّكم في أنه المقبور وسط فؤادي


السابق السابق الفهرس التالي التالي