ادب الطف - الجزء التاسع142


وكلـهـم قـائـم بمبدأ ومـبدأ الكل ضيّعوه
فمذ بدا لي أن قد تساوى في ذلك الغرّ والنبيه
وليس مـن بـينهم نزبه ولا أنا الواحد النزيه
جعلـت هـذا مرآة هذا أنظـر فيه ولا أفوه

وشوقي ـ كما قال مترجموه ـ عاش في نعمة وترف وسعة في الحال والمال لما كان يغدق عليه الامراء فجاء شاعر من شعراء لبنان وهو الشيخ نجيب مروة يقول :
ولو أني جلست مكان شوقي لفاض الشعر من تحتي وفوقي

وهي أُمنية شاعر والتمني رأس مال المفلس .
وشوقي يجلّ أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأي مسلم لا يحبهم وهل تقبل الأعمال بغير حبهم ومودتهم التي هي فريضة من الله (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) فتراه في ثنايا أشعاره يتفجع لما أصابهم ويتفجر ألماً لرزاياهم فتراه في منظومته الرائعة (دول العرب وعظماء الإسلام) يقول :
هـذا الحـسين دمه بكربلا روّى الثرى لما جرى على ظما
واستشهد الأقمار أهل بيته يهوون في الـترب فرادى وثُنا
ابـن زيـاد ويـزيدُ بغيا والله والأيـام حـربُ مَن بغى
لولا يزيد بادئاً ما شربت مروانُ بالكاس التي بـها سقى

ويقول في رواية (مجنون ليلى) : كان الحسين بن علي كعبة القلوب والأبصار في جزيرة العرب بعد أن قتل أبوه علي ومات أخوه الحسن . وكذلك ظل الحسين قائماً في نفوس الناس هناك صورة مقدسة لبداوة الإسلام تستمد أنضر ألوانها من صلته القريبة بجده رسول الله وبنوّته لرجل كان أشدّ الناس زهداً واستصغاراً لدنياه ، وكذلك ظهرت بلاد العرب وقلبها يخفق بإسم الحسين .

ادب الطف - الجزء التاسع143


ويقول أيضاً في مسرحيته (مجنون ليلى) :
حـنانيـك قـيسُ إلى مَ الذهـول أفق ساعة من غواشي الخبَل
صهيلُ البغال وصـوتُ الـحداء ورنـة ركـب وراء الـجبل
وحـاد يسـوق ركـاب الحسين يهـزّ الـجبال إذا ما ارتجل
فقم قيسُ واضرع مع الضارعين وأنزل بجنب الحسين الأمـل

ويطيب له أن يربط الحوادث بيوم الحسين الذي لا يغيب عن خاطره فتراه في رثاء الزعيم مصطفى كامل باشا مؤسس الحزب الوطني والمتوفى سنة 1908 م . يقول :
المشرقان عليك ينتحبان قاصيهما في مأتم والداني

ومنها :
يُزجون نعشك في السناء وفي السنا فكأنـما في نعشك القمران
وكـأنـه نعـش الحـسين بكربلا يختال بين بكىً وبين حنان

ويقول في اخرى عنوانها (الحرية الحمراء) :
في مهرجان الحق أو يوم الدم مهـج مـن الشهداء لم تتكلم
يـبدو عليها نور نور دماتها كدم الحسين على هلال محرم
يوم الجهاد بها كصدر نهاره متمايلُ الأعطاف مبتسمُ الفـم

وهناك عبارات لا يطلقها إلا المتشيع لأهل البيت تجري على لسانه وقلمه كقوله : رضيع الحسين عليه السلام ، فان كلمة (عليه السلام) من متداولات شيعة أهل البيت وقوله :
ما الذي نفرّ عني الضبيات العامرية ألأني أنا شيعيٌ وليلى أموية
اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيّه

وعندما يخاطب الرسول الأعظم يطيب له أن يقول :
ابا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا

وعندما يمرّ بالخلفاء الراشدين ويأتي الدور للامام علي يقول :
العمران يرويان عنه والحسنان نسختان منه


ادب الطف - الجزء التاسع144


الشيخ محمد حسين الحُلّي

المتوفى 1352

خـليلي هـل من وقفة لكما معي على جـدث أسـقيه صيّب أدمعي
ليروى الثرى منه بفيض مدامعي لأن الحيا الـوكاف لـم يك مقنعي
لأن الحـيا يهـمي ويقلـع تارة وإني لعظم الخطب ما جفّ مدمعي
خليليّ هـبّا فالـرقـاد محـرم على كل ذي قلب من الوجد موجع
هـلُما مـعي نـعقر هناك قلوبنا إذا الحـزن أبقـاهـا ولـم تتقطع
هلمّا نقـم بالـغاضـريـة مأتما لخيـر كـريم بالـسيوف مـوزع
فـتىً أدركـت فيه عـلوج امية مـراماً فـألقتـه بـبيـداء بلـقع
وكيف يسام الضيم مَن جده ارتقى إلى العرش حتى حل أشرف موضع
فتـى حلـّقت فـيه قـوادم عزه لاعـلى ذرى الـمجد الأثيل وأرفع
ولـما دعـته للـكفـاح أجـابها بأبيـض مـشحوذ وأسـمر مشرع
وآساد حـرب غـابها أجـم القنا وكـل كميٍ رابـط الـجأش أروع
يصـول بماضي الحدّ غير مكهّمٍ وفي غـير درع الصـبر لم يتدرع
إذا ألقـح الهـيجاء حتفاً برمحه فمـاضي الشبا منه يقول لها ضعي
وإن أبطـأت عنه النفوس إجابة فحدّ سنان الـرمح قال لها اسرعي
إلـى أن دعـاهـم ربهـم للقائه فكانوا إلى لقياه أسرعَ مـَن دُعـي
وخروا لوجه الله تلقا وجوهـهم فمـن سجّد فوق الصعيـد وركـع
وكم ذات خـدر سجفتها حماتها بسمـر قـنا خـطية وبـلـمـّع


ادب الطف - الجزء التاسع145


أماطـت يـد الأعداء عنها سجافها فاضحـت بلا سجـف لديها ممنّع
لقـد نهـبت كفّ الـمصاب فؤادها وأيـدي عـداهـا كل برد وبرقع
فلـم تستطـع عـن ناظريها تستراً بغـير أكـفٍّ قاصـرات وأذرع
وقد فزعت مذ راعها الخطب دهشة وأوهى القوى منها إلى خير مفزع
فـلـما رأتـه بالـعراء مـجـدلاً عفـيراً عـلى البوغاء غير مشيّع
دنت مـنه والأحزان تمضغ قلبهـا وحـتّت حـنين الـوالـه المتفجع
عليّ عزيز أن تمـوت عـلى ظمأ وتشرب في كأس من الحتف مترع
تلاكُ بأشـداق الـرماح وتـغتـدي لـواردة الأسياف أعـذب مكـرع

وفي آخرها :
بنـي غـالـب هبـّوا لأخذ تراثكم فلم يُجدكم قرع لناب بأصبع
امـثل حسين حجـة الله في الورى ثلاث ليال بالعـرا لـم يشيّع
ومثل بنات الوحي تسرى بها العدى إلى الشام من دعي إلى دعي
* * *

الشيخ محمد حسين ابن الشيخ حمد الحلي وربما يعرف بـ (الجباوي) احدى محلات الحلة ، عالم معروف يشهد عارفوه له بالفضل والتضلّع . ولد في الحلة سنة 1285 هـ ودرس على جملة من أفاضلها منهم الشيخ محمدبن نظر علي وفي سنة 1303 غادر الحلة مهاجراً إلى النجف لاكمال الدراسة وأقام فيها أكثر من ثلاثين سنة فحضر عند الشيخ آية الله الشيخ حسن المامقاني والفاضل الشربياني ثم لازم العالم الشهير الشيخ علي رفيش فكان من أول أنصاره والملازمين له أثناء مرجعيته ثم بعد انكفاف بصره ، وفي خلال ذلك تخرّج على يده جملة من الطلاب الروحيين إلى أن كانت سنة 1337 هـ . عاد إلى مسقط رأسه الحلة بطلب من وجهائها وأقام فيها مرجعاً دينياً محترم الجانب تستفيد الناس من

ادب الطف - الجزء التاسع146


معارفه وكمالاته وفي آخر أيامه مرض ولازم الفراش حتى الوفاة ، ذكره الشيخ النقدي في (الروض النضير) فقال : عالم مشهور في الفضل والكمال والمعرفة وله اليد الطولى في صناعتي النظم والنثر والنصيب الوافر في علمي الفصاحة والبلاغة . توفي في الحلة عام 1352 هـ . ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في الصحن الشريف ورثاه جمع من العشراء منهم الشيخ ناجي خميّس .
كتب وألّف في الفقه والأصول وكتب رحلته إلى الحج ورسالة في التجويد والقراءات وجملة من تقريرات أستاذته العلماء الأعلام ولم ينشر له سوى (الرحلة الحسينية) وهي التي روى فيها رحلته مع جماعة من الفضلاء إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام سنة 1321 هـ . ومنها يظهر ذوقه الأدبي ورقة طبعه وأريحيته ، طبعت هذه الرحلة بمطبعة (الحبل المتين) بالنجف سنة 1329 هـ . وختمها بالقصيدة التي هي في صدر الترجمة .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع147


الشيخ جواد البلاغي



المتوفى 1352

شعبان كـم نعـمت عـين الهدى فيه لولا المحـرم يـأتي في دواهيه
وأشـرق الـدين مـن أنـوار ثالـثه لـولا تغـشاه عـاشور بداجيه
وارتاح بالسبط قلب المصطفى فـرحاً لو لم يرعه بذكر الطف ناعيـه
رآه خـير ولـيـد يـسـتجـار بـه وخير مستشهـد في الدين يحميه
قـرت بـه عين خير الرسل ثم بكت فهل نهـنيه فـيه أو نعـزيـه
ان تـبتهـج فـاطـم في يـوم مولده فليلة الـطف أمست من بواكيه
أو ينـتعش قـلبهـا مـن نور طلعته فقـد اديل بقاني الـدمع جاريه
فـقـلبها لـم تطـل فـيه مـسرّتـه حـتى تنازع تبريح الجوى فيه
بـشرىً أبـا حسـن في يـوم ولـده ويوم أرعب قلب الموت ماضيه
ويـوم دارت عـلى حـرب دوائـره لولا الـقضاء وما أوحاه داعيه
ويـوم أضـرم جـو الطف نار وغىً لو لم يخـر صريعاً في محانيه
يا شمس أوج العلى ما خلت عـن كثب تمسى وأنت عـفيرالجسم ثاويه
فـيا لـجسم عـلى صـدر النبي ربي توزعـته المواضي من أعاديه
ويـا لـرأس جـلال الله تـوجـــّه بـه ينوء مـن الـمياد عـاليه
وصـدر قـدس حـوى أسـرار بارئه يـكون للرجس شمرمن مراقيه


ادب الطف - الجزء التاسع148


ومـنـحـر كـان للـهـادي مقبلـه أضحـى يقـبله شمـر بماضيه
يا ثائـراً للـهدى والـدين مـنتصراً هـذي أُمـية نالـت ثارهـا فيه
أنى وشيخك ساقي الحـوض حـيدرة تقضي وأنت لهيف القلب ضاميه
ويـا إماماً لـه الـديـن الحنيف لجا لوذاً فقمت فدتك النفس تـفديـه
أعـظـم بيـومـك هـذا في مسرته ويـوم عـاشور فـيما نالكم فيه
يا مـن بـه تفخـر السبع العلى وله إمامة الحق مـن إحدى معاليـه
أعظم بمثواك في وادي الطفوف علاً يا حـبذا ذلك الـمثوى وواديـه
لـه حـنيني ومـنه لـوعـتي وإلى مغناه شوقي واعلاق الهوى فـيه
* * *

الشيخ جواد أو الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ طالب البلاغي النجفي ينتهي نسبه إلى ربيعة . مولده ووفاته في النجف ولد سنة 1285 هـ . وتوفي سنة 1352 هـ . ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شعبان في النجف الأشرف ودفن فيها في المقبرة المقابلة لباب المراد .
وآل البلاغي بيت علم وفضل وأدب ، كان المترجم له نابغة من نوابغ العصور وجهاده بقلمه ولسانه يذكر فيشكر ، له عشرات المؤلفات وكلها قيّمة ذات فائدة لا زالت تتلاقفها الأيدي ويعتز بها أهل العلم اذكره يحضر مجالس العلم فاذا اشتد الجدال حول مسألة من مسائل العلم كان يقول : عندي بيان أرجو أن تسمحوا لي باستماعه فإني مريض وإذا رفعت صوتي أخاف أن أقذف من صدري دماً .
كانت تأتيه المسائل من بلاد الغرب فيجيب عنها . وبين أيدينا من مؤلفاته : الرحلة المدرسية ، الهدى إلى دين المصطفى جزآن ، تفسير القرآن ، أنوار الهدى ، رسالة التوحيد والتثليث ، البلاغ المبين رسالة في الرد على الوهابية .
تعلم العبرية وأتقنها خطاً وقراءة ونطقاً حتى تمكن من المقارنة بين اصولها وبين المترجم إلى اللغة العربية فأظهر كثيراً من مواقع الاختلاف في الترجمة

ادب الطف - الجزء التاسع149


التي قصد بها التضليل . كانت ترد عليه الرسائل والأسئلة باللغة الانجليزية فشرع يتعلمها لولا أن يفاجئه الأجل المحتوم . كان تحصيله ودراسته على أعلام عصره أمثال الملا كاظم الخراساني والشيخ اغا رضا الهمداني ومن تراثه الأدبي قصيدته التي عارض بها الرئيس ابن سينا في النفس .
نعُمت بأن جاءت بخلق المبدع ثم السعادة أن يقول لها ارجعي
خلقـت لأنفـع غاية يا لـيتها تبعت سبيل الـرشد نحو الأنفع
الله (سواهـا وألهمـها) فـهل تنحو السبيل إلى المـحلّ الأرفع

ورائعته التي شارك بها في الحلبة الأدبية عن الحجة المهدي صاحب العصر والزمان التي أثبتها في كتابه الفقهي(1) وأثبتها السيد الأمين في ترجمته في الأعيان . ترجم له صاحب الحصون المنيعة والشيخ اغا بزرك الطهراني في (نقباء البشر) والشيخ السماوي في (الطليعة) وله مراسلات شعرية مع الشيخ توفيق البلاغي رحمه الله ورثاء للسيد محمد سعيد الحبوبي والكثير من شعره يخص أهل البيت ومنه نوحيته الشهيرة التي يرددها الخطباء في شهر المحرم ومطلعها :
يا تريب الخد في رمضا الطفوف ليتني دونك نهباً للسيوف

وله من الشعر في ميلاد الحجة المهدي المولود ليلة النصف من شعبان سنة 1256 هـ . وأولها :
حي شعبان فهو شهر سعودي وعد وصلي فيه وليلة عيدي

ترجم له الزركلي في (الاعلام) وعدد بعض مؤلفاته وقال : وله مشاركة في حركة العراق الاستقلالية وثورة عام 1920 م ، انتهى . أقول وآل البلاغي من أقدم بيوت النجف وأعرقها في العلم والفضل والأدب ، أنجبت هذه الأسرة عدة من رجال العلم والدين وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة للشيخ محمد علي البلاغي المتوفى سنة 1000 هـ . ويقول الشيخ اغا بزرك الطهراني في نقباء البشر أن المترجم له ولد سنة 1282 كما أخبره صاحب الترجمة نفسه بمولده

(1) وهو تعليقة على مباحث البيع من مكاسب الشيخ الانصاري .
ادب الطف - الجزء التاسع150


وحيث أن الشيخ الطهراني من أخدانه واخوانه وكانت تجمعها وحدة البلد في سامراء أولاً عند استاذهما المغفور له الميرزا محمد تقي الشثيرازي ثم النجف ثانياً فقد ألّم بترجمته إلمامة كافية وافية كما كتب عنه الكثير من الباحثين ونشرت المجلات والصحف عن جهاده ومؤلفاته وأكبروا منتوجه العلمي ودفاعه عن الإسلام ومواقفه الصلبة بوجه المادية ودعاتها والطبيعيين وآرائهم .
وشيخنا البلاغي كان على جانب من عظيم من الخلق الاسلامي الصحيح فهو لا يماري ولا يداهن ولا تلين له قناة في سبيل الحق ، وكان مع علوّ نفسه متواضعاً يكره السمعة ويشنأ الرفعة ، وفي أغلب مؤلفاته يغفل اسمه الصريح فكانت الرسائل تأتيه باسم (كاتب الهدى النجفي) ومن العجيب أنه نشر جملة من الرسائل والمقالات باسم غيره ، ومؤلفاته تزيد على الثلاثين ، ترجم بعضها إلى الفارسية والانجليزية ، وقد ذكر الشيخ اغا بزرك في (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) أكثر هذه الكتب .
ولا زالت أندية النجف تتحدث عن قوة إيمانه وصلابة دينه وشدة ورعه ومنها موقفه في مجلس عقد في النجف ويقتصر على القادة أمثال الشيخ محمد جواد الجواهري والشيخ عبد الكريم الجزائري وفي مقدمتهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره كما حضر المرحوم السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي قدس الله أرواحهم وذلك حول الدخول في وظائف الدولة ونظام المدارس الرسمية فكان صوته المجلّي ينبعث عن قلب مكلوم مطالباً باصلاح المدارس والاشراف عليها والتركيز على الأخلاق قبل العلم . انطفأ ذلك المصباح ليلة الاثنين 22 شعبان سنة 1352 هـ . وكان لنعيه أثر عظيم في العالم الإسلامي وعقدت له مجالس التأبين في البلاد الاسلامية وفي النجف خاصة في جامع الهندي وأنشدت القصائد الرنانة وقد دفن في احدى غرف الصحن الحيدري من الجهة الجنوبية وفي مقدمة القصائد قصيدة المرحوم السيد رضا الهندي وأولها :
إن تمس في ظلم اللحود موسدا فلقد أضأت بهن (أنوار الهدى)


ادب الطف - الجزء التاسع151


السيد حسن بحر العلوم

المتوفى 1355

شطر بيتين في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :
(قل لمن والى علي المرتضى) نلـت في الـخلد رفيع الدرجات
أيها الـمذنـب إن لـذت بـه (لا تـخافـنّ عـظيم السيئات)
(حبـه الاكـسير لو ذرّ على) رمـم حـلّت بهـا روح الحياة
وإذا مـا شمـلـت ألـطافـه (سيئات الخلق صارت حسنات)

ثم ذيلها برثاء الحسين عليه السلام ومدح الإمام علي بن أبي طالب (ع) :
حـبّه فـرض عـلى كل الورى وهـو فـي الـحشر أمان ونجاة
كـل مـن والاه ينجـو في غـد مـن لـظى النار وهول العقبات
فهـو الغـيث عـطاءً وهـبات وهـو اللـيث وثـوبـاً وثـبات
وهو نور الشمس في رأد الضحى وهـو نبراس الهدى في الظلمات
كـم بـوحي الـذكر في تفضيله صـدعـت آيات فـضل بيـّنات
آيـة الـتصـديـق مـن آيـاته حين أعطى في الركوع الصدقات
فهـو بالنـص وصي الـمصطفى وأبـو الغـر الـميامـين الهـداة

ثم يذكر مصاب الحسين (ع) بقوله :
لهف نفسي حينما استسقاهم جرعـوه مـن أنابيب القناة
خرّ للموت على وجه الثرى عينه ترعى النساء الخفرات


ادب الطف - الجزء التاسع152


ثم رضّوا حنقاً صدر الذي فيه أسرار الهـدى منطويات
بأبي مـلقى ثـلاثاً بالعرى عارياً تسقي علـيه الذاريات
ورضيـع يتلظـى عطشا قد رَمى منحره أشقى الرماة
لهـف نفسي لربيبات الابا أصبحت بعد حماها ثاكلات
هجـم الـقوم عليهن الخبا فغدت بين الأعادي حاسرات
* * *

السيد حسن ابن السيد ابراهيم بن الحسين بن الرضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم أديب معروف وعالم جليل ولد في النجف عام 1282 ونشأ على والده المشهور بأدبه وفضله وعلمه وكماله ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، لقد ورت أكثر سجايا أبيه من عزة وإباء وعفة وورع حضر على علماء النجف أمثال شيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ذلك إلى جنب براعته الأدبية وديوانه يعطينا صورة عن نبله وفضله وبراعته في التاريخ مشهود بها . ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره من مديح ورثاء وتهان وتواريخ . توفي بالنجف 19 جمادى الاولى سنة 1355 هـ . ودفن بمقبرة الاسرة وهو والد العلامة التقي الورع اليد محمد تقي بحر العلوم والعلامة الجليل البحاثة السيد محمد صادق بحر العلوم .

ادب الطف - الجزء التاسع153


الحاج محمد الخليلي

المتوفى 1355

يا رب عوّضتَ الحسين بكـربلا عـما أصابـه
إن الذي مـن تحت قبته دعـاك لـه اسـتجـابه
يمـمت مـرقـده لـما أيقـنت باب الله بـابـه
صُـبّت على قلبي الهموم وناظـري أبـدى انسكابه
وتـمثّلـت لـي كـربلا وحسين مـا بين الصحابه
مثل الأضاحي في الثرى سلـب العـدى حتى ثيابه
مالي دعـوتُ بهـا فلـم أرَ منـك يـا رب الإجابه
والـقلـب مـني لاهـب هـلا تسكّـن لي التهـابه
* * *

الحاج محمد ابن الحاج ميرزا حسين الخليلي ، عالم ورع وأديب شاعر ولد في النجف ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات على اساتذة مشهورين فنال حظوة كبيرة من العلم واتصل بحلقة الامام الخراساني مضافاً إلى دراسته عند والده العالم الجليل حتى حصل على إجازة اجتهاد من جملة من اعلام عصره واشتهر بالزهد والورع حتى خلف أباه في إمامة الصلاة بالناس واءتمّ به الأتقياء والأولياء والصلحاء ثم انصرف عن ذلك لأنه خاف الرياء والزهو وعكف على الطاعة في زوايا المساجد وحرم الامام أمير المؤمنين (ع) وحفظ القرآن من كثرة

ادب الطف - الجزء التاسع154


تلاوته له ، وإلى جنب ذلك فهو مرح إلى أبعد حدود المرح ولا يكاد جليسه يملّ مجلسه ألّف في الفقه كتاب الطهارة ، والخمس ، وغريب القرآن رتّبه على حروف المعجم وبناه على ثلاثة أعمدة : الأول اسماء السور ، الثاني الكلمات العربية ، الثالث التفسير المستقى من أشهر التفاسير .
نظم الشعر في صباه وتطرق إلى فنونه وأغراضه وأكثر من النظم في أهل البيت عليهم السلام فمن قوله في الإمام الحسين عليه السلام :
هل بعد ما طرد المشيب شبابي أصبو لذكر كواعب أتراب
وأروح مرتاحاً بأنديـة الهـوى ثملاً كأبناء الهوى متصابي
وتئنّ نفسي للربوع وقـد غـدا بيت الـنبوة مقفر الأطناب
بـيت لآل محـمد في كـربلا قـد قام بين أباطح وروابي

وقال متوسلاً بالعباس بن علي عليهما السلام :
أبا الفضل هل للفضل غيرك يرتجى وهل لذوي الحاجات غـيرك ملتجى
قصدتك من أهلي وأهـلي لك الفـدا وهل يقصد المحتاج إلا ذوي الحجى

وقال يعاتب بعض أصدقائه في رسالة أرسلها إلى النجف :
لـي بالـغـري أحـبـّةٌ ما أنصفـوني بـالـمحبه
أخـذوا الفـؤاد وخلّفـوا جـثـمانه في دار غربه
يا دهـر ما أنصفـتنـي كـلفتني الأهوال صـعبه
حـملتني بُـعـد الـديار وبُعـد مـن أشتاق قربه
قسمـاً بأيـام مـضـت في وصل مَن أهواه عذبه
لم يحلُ لي غـير الغري وغـير أنـدية الاحـبـه
أوّاه هـل لـي للحـمى مـن بعـد بُعد الدار أويه
لأقـبّل الأعـتاب مـن مـولى الورى وأشمّ تربه


ادب الطف - الجزء التاسع155


حرمٌ ملائكـة السـما لطوافـها اتخذتـه كعبه
وبه نشاوى العارفون قد احتسوا كأس المحبه

وله مستنهضاً أبناء يعرب :
بني يعرب أنتم أقمتم بعزكم قواعد دين المصطفى أول الأمر
وشيدتـم منه مبانيه بالضبا وسجفـتموه بالـمثقـفة السمـر
يهون عليكم ما اشدتم بناءه تهـدده بالهـدم رغـماً يد الكفر

وله راثياً ولده :
فمن مخبري عن نبعة قد غرستـها بقـلبي حـتى أينعـت جـذّها القضا
ومن مخبري عن فلذة من حشاشتي برغمي قد حُزّت وما لي سوى الرضا
أريحانة الـروح الـتي إن شممتها وبـي نـزل الهـم الـمبرّح قـوضا
ومصباح أُنسي إن عليّ تراكمـت حَـطـوب بـعيني سوّدت سعة الفضا
رحلت وقـد خلـّفت بين جوانحي لهيب جـوى مـندونـه لهب الغـضا
ورحت ولي قلب يقطـعـه الأسى وطرفٌ على أقذى من الشوك غمـضا
تمثلك الـذكـرى كأنـك حاظـرٌ فانظر بـدراً في الـدياجـر قـد أضا

وقال من قصيدة :
شاقها الراح فجدّت في سراها أملا تبـلـغ بالـسير مـناهـا
قـرّبت كـل بـعيد شاسـع مذ غـدت تذرع في البيد خطاها
قطعت قلب الفـلا مذ واصلت بالسرى سهـل الـفيافي برباهـا
يعـملات ما جـرت في حلبة والـصبا إلا الـصبا ظلّ وراهـا
يا رعـاهـا الله مـن ساريـة كم رعت في سيرها من قد علاها


ادب الطف - الجزء التاسع156


ويتخلص إلى ركب الإمام الحسين عليه السلام :
سادة كادت مصابيح الدجى يهتدي فيها الذي في الغيّ تاها
وولاة الأمر في الخلق ومن فـرض الله على الخـلق ولاها
غدرت فيهم بنو حرب وهم أقـرب الناس إلى المختار طاها
أخرجتهم عن مباني عزّهم وبـيوت طـهـّر الله فـِناهـا
بالـفيافي شـتت شملهـم وعليهم ضيقـت رحب فضاها
أنزلوهم كربـلا حتـى إذا نزلوها منـعوهـم عـذب ماها
بينهـم والماء حالـت ظلمة مـن جـموع عدّها لا يتناهـى

توفي بالنجف ليلة الخميس 13 ذي الحجة سنة 1355 هـ . ودفن بمقبرة والده رحمهما الله .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع157


ملا علي الزاهر العوّامي

المتوفى 1355

قال يصف حالة الإمام الحسين (ع) عند فجيعته بأخيه العباس يوم عاشوراء :
أنست رزيـتك الأطفـال لـهفتها بعـد الرجاء بأن تأتي وتـرويهـا
أراك يا بن أبي في الترب مُنجدلاً علـيك عـين العلى تهمي أماقيهـا
هـذا حسامـك يشكـو فقد حامله إذ كنـت فـيه الردى للقوم تسقيها
وذا جـوادك ينعى في الخيام وقد أبكى بنات الـهدى مَن ذا يـسليها
شلّت يمين برت يمناك يا عضدي وذي يـسارك شـل الله باريـهـا
نامت عـيون بني سفيان وافتقدت طيب الكرى اعين كانت تراعيها(1)
* * *

الخطيب علي بن حسن بن محمد بن أحمد بن محسن الزاهر المتولد سنة 1298 هـ . والمتوفى سنة 1355 هـ . نائحة أهل البيت وداعيتهم وجاذب القلوب نحو واعيتهم فقد اشاد مؤسسة باسم (الحسينية) ولم تزل تعرف باسمه في (العوامية) نظم باللغتين : الفصحى والدارجة ومن قصائد قوله في مطلع حسينية نظمها من قلب قريح :
يا ليوث الحروب من آل طاها أسرجوا الخيل يا ليوث وغاها

وديوانه المخطوط يضم جملة من أشعاره ..

(1) اعلام العوامية في القطيف .


السابق السابق الفهرس التالي التالي