ادب الطف - الجزء التاسع99


صرعتهم عـصبة الـغيّ فلم تغـض عن شيب ولا شبانها
وبقت أجسادهم تصهرها الـ ـشمس لا تدرج في أكفانهـا
فإذا مـرّت بهم ريـح الصبا حمـلت طـيب شـذا أبدانها
هل درت ، يوم حسين ، هاشم أيّ ركـن هـدّ مـن أركانها
وبه أسـرى غـدت نسـوتها وأُبـيدَ الـشـُم مـن غرّانها
وعلاها الضيم حتى عاد ، لا ينجلي عنها مـدى أزمانـها
أيُعلّى رأس سبط المصطفـى يا له خطباً ، على خرصانها ؟
منعـوه الـماء ظـلماً فقضى ظمـأ لـهفي عـلى ظمآنها
بكـت الـسبع الـسموات له ليـتها أروتـها مـن هتّانها
وبنفسـي نـفس قمقام عدت خيل أعـداها عـلى جثمانها
من يُعزّي بضعة الهادي فقـد أصبحـت ثكـلى على فتيانها
وغدا مفخرها السامي عُـلىً جـدلاً مـلقىً عـلى كثبانها
ويسيل الـدم مـن أعضائـه في الثرى كالسيل من بطنانها
قتـلوه وهـو يستسـقيـهـم فسقـوه الـطَنّ من مـُرّانها
لست أنسى زينباً بين الـعدى تندب الأطهار من عـدنانهـا
وكـريـمات النبي المصطفى تشـتكي الأعداء من طغيانها
كـم دهـتها نـوبٌ من بعدما شُرّدت بالرغم عن أوطانـها
لهـف نـفسي لوجـوهٍ برزت لا يـواريها سـوى أردانهـا
أركبوهن على عـجف الـمطا و أداروهـنّ فـي بـلـدانها
سبيت سبي الأما من بعـدمـا أُثكلت بالـشوس من فرسانها
كـم رزايـا أخلـقـت جِدتها ورزايا الطـف في ريعـانها
وانطوت في الطف منها حرقة ذابـت الأحـشاء من وقدانها
من يـرم عـنها لنفسي سلـوةً زادها شجـواً عـلى أشجانها
يا حـماة الـدين كـم حاربكم آل حـرب وبـنو مـروانها ؟
فمتـى يـنتـقـم الله لـكـم بالـفتى الـقمقام من عدنانها ؟


ادب الطف - الجزء التاسع100


السيد مهدي الغريفي

المتوفى 1343

قال من قصيدة يرثي بها علي الأكبر ابن الامام الحسين (ع) :
بُنيّ اقتطعتك من مهـجتي علامَ قطعتَ جميل الوصالِ
بُنيّ عراك خسوف الردى وشأن الخسوف قبيل الكمالِ
بُنيّ حرامٌ عـليّ الـرقاد وأنـت عفـير بحرّ الرمالِ
بُنيّ بكتك عيون الرجال ليـوم الـنزيل ويوم النزالِ
* * *

السيد مهدي ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد اسماعيل ابن السيد محمد الغياث ابن السيد علي المشعل ابن السيد أحمد المقدس(1) ابن السيد هاشم البحراني ابن السيد علوي عتيق الحسين (ع) ابن السيد حسين الغريفي البحراني النجفي . صاحب الغنية وينتهي نسبه الى السيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد ابن موسى الكاظم عليه السلام ، شاعر وعالم وتقي يشهد الجميع بتقواه .

(1) هو السيد احمد الغريفي الموسوي المعروف بـ (الحمزة الشرقي) ترجم له السيد الامين في الاعيان والشيخ الاميني في شهداء الفضيلة وكتبت عنه فصلاً مسهباً في (الضرائح والمزارات) بعد ما قصدت مزاره ورأيت قبته الشاهقة من القاشاني الازرق وقد ملأ الرواق والحرم والصحن بالزائرين مع سعة ذلك الصحن ، ان هذا السيد الجليل والعالم النبيل والذي ختم الله له بالشهادة وهو متوجه الى زيارة مشاهد أجداده الطاهرين بالعراق فقتله اللصوص هو وزوجته وولده في مكان قبره اليوم ـ شرقي الديوانية في أراضي لملوم ـ مساكن قبيلتي جبور والأقرع وكان ذلك في المائة الثانية عشرة وقد جدد بعض أهل الخير بناء ضريحه سنة 1355 هـ .
ادب الطف - الجزء التاسع101


ولد في النجف الأشرف سنة (1301) هـ . وتوفي فيه في شهر ذي الحجة الحرام سنة 1343 هـ . وخلف مؤلفات متنوعة لا زالت مخطوطة . وقد ترجم في كثير من المعاجم . وله ديوان شعر رائق يقع في جزئين : الأول يتضمن مدح ورثاء أهل البيت . والثاني في المديح والتهاني والغزل والنسيب .
فمن شعره قصدة طويلة استنهض فيها بني هاشم ورثى بها جده سيد الشهداء (ع) مطلعها :
الحرب هذي وهذي السمر والخذم والخيل تلك عليها اللحم والحزم

ويقول فيها :
قـرّت عـلى الضيم يا ويـلي لها عـدد لـم يغـن يـوماً فكم منها أريق دم
ضاقت بها الأرض عن إدراك ما وعدت بـه وكانـت بعـين الله تـلـتطـم
يا عـصبة ما أهـاجـته، عـلى دمـها يـوماً سهـام كـلام لا ولا كـلـم
كـم أدعـو بالويل فـيكـم يا لفهر دمي هـدر ورحـلي مـنكـم راح يغتنم
فالـويل لـي ولكـم إن لـم نقـم زمراً نـشنّ غـاراتهـا فـيهـم وننتـقم
فالكـل مـنا وإن كـنا نـغضّ على الـ ـبيض الجفون غداة الروع معتصم
فيهـا نـلـبي نـساءً قـد سـبين عـلى عجف المطا حيث نادت والدموع دم

ويقول فيها أيضاً مخاطباً للامام المنتظر عجل الله فرجه .
بـقية الله إنـي لا أبـثكـهـا عطفاً علـيك وأن تنتاشـك الغمم
المجد يأبى وغن سيقت له حرم حسرى على هزل أن تذكر الحرم

وله قصيدة اخرى يقول فيها:
يقولون لي والنفس تكتم ما بها لقد خف منك الطبع من فوق اسحم
قلبي دماء رحن هدرا ونسوة على هزل اسرى طوت كـل منسم

ترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : مات أبوه وعمر المترجم له سنتان فكفله أخوه النسابة السيد رضا المعروف بالصائغ وكان منذ الصغر يتسم بالذكاء

ادب الطف - الجزء التاسع102


فقد فرغ من العلوم العقلية والنقلية وهو في الثلاثين من عمره وكانت دراسته على أعلام منهم السيد محمد بحر العلوم صاحب البلغة والسيد علي الداماد والسيد محمد كاظم اليزدي وفي الاصول على الشيخ ملا كاظم الخراساني والشيخ أحمد كاشف الغطاء والشيخ مهدي المازندراني والشيخ حسن صاحب الجواهر ، وتخرج على يده جماعة من العلماء . ولما توفي ابن عمه السيد عدنان ـ عالم البصرة ـ جاء وفد مؤلف من وجهاء البصرة وأشرافها يطلبونه للقيام بمقام السيد عدنان فلبّى الطلب وأقام بالبصرة إلى أن حل به المرض فانتقل إلى النجف الأشرف وتوفي فيه في يوم 16 ذي الحجة سنة 1343 هـ . ودفن في حُجرةٍ بالصحن الشريف بجنب مرقد السيد عدنان الغريفي والملاصقة لباب الفرج الغربية وكانت هذه الغرفة تُعرف بـ مقبرة آل شبر حيث دفن عدد منهم وكانت فاتحة المترجم له تغصّ برجال العلم والأدب والشعر حيث رثاه فريق من الشعراء بقصائد منهم الشيخ محمد رضا فرج الله والخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة مطلعها :
أتـدري لادرت نـوب الزمان مضت بسنان هاشم واللسان
فـمن يوم الخصام يذود عنها ويدرأ عـنهـم يوم الطعان
لقد ذهبت بفرد العصر فضلاً وهل في العصر للمهدي ثان
مضت بأجل أهل العصر شأنا وشأن العلـم أكـبر كل شأن

ومنها :
بني الهادي وأنتم أهل بيت أتـت بـمديحه الـسبع المثاني
تهـون النائبات إذا علمنا بأن جميع من في الأرض فاني

وله ديوان مخطوط يقع في جزئين عند ولده السيد عبد المطلب ، يختص الجزء الأول بأهل البيت مدحاً ورثاء في 240 صفحة بخط الشيخ حسن الشيخ علي الحمود الحلي فرغ من نسخة عام 1322 هـ . والجزء الثاني بخط الناظم في 250 صفحة يتضمن المديح والرثاء والتهاني والغزل والنسيب والوصف ، وآثاره العلمية ومؤلفاته المخطوطة كثيرة جداً ومنها ما أذكره هنا :

ادب الطف - الجزء التاسع103

1 ـ هداية المضل في الامامة .
2 ـ الأشهر الحرم فيما وقع على سادات الحرم .
3 ـ عين الفطرة في الرد على من غالى في العترة .
4 ـ زينة الاذان والاقامة في ذكر علي بالولاية والامامة .
5 ـ أرجوزة في الكبائر من الذنوب .
6 ـ التحفة في المبدأ والمعاد أرجوزة ، فرغ منها سنة 1343 هـ . طبعت بالنجف .
7 ـ منظومة سمّاها بـ (الدرة النجفية) ، في الرد على القائلين بالتثليث .
8 ـ كتاب (الانصاف) في علم الحديث .
9 ـ كتاب (الرشحات) في التوحيد والنبوة والامامة ، فرغ منه 1329 هـ .
10 ـ رسالة في أحوال الصحابة .
11 ـ رسالة في التراجم ، ورسالة في الاجازات .
12 ـ كتاب (الولاية الكبرى) .
13 ـ كتاب (انساب الهاشميين) ... مع كتب ورسائل كثيرة متنوعة مطبوعة وغير مطبوعة .

ادب الطف - الجزء التاسع104


محمد حسن أبو المحاسن


المتوفى 1344

قال سنة 1325 هـ . :
دع المـنى فـحديث النفس مختلق واعـزم فإن العلى بالعزم تستبقُ
ولا يـؤرقـك إلا هـمّ مـكـرمة إن المـكارم فـيها يجـمد الأرق
والسيف أَصدق مصحوب وثقت به ان لم تجد صاحباً فـي ودّه تـثق
وأَمنـعُ العـزّ ما أرسـت قواعده سمر الأسـنة والمسنونة الـذلـق
وإنمـا ثـمر الـعلياء فـي شجر لها الرماح غـصون والضبا ورق
ولـيس يـجمع شمل الفخر جامعه إلا بحيث تـرى الأرواح تـفترق
وللـردى شـرك بـثّت حـبائـله عـلى الأنـام وكـل فـيه معتلق
فما يجير الردى من صرف حادثه كهف ولا سلّـم يـنجى ولا نفـق
إذا دجـى ليل خـطب أو بنا زمن فاستشعر الصبر حتى ينجلي الغسق
فكـل شـدة خـطب بعـدها فرج وكـل ظلـمة لـيل بعـدها فلق
فـلا يغـرنك عـيش طاب مورده فرب عذب أتى من دونـه الشرق
دنـياً رغـائبها فـي أهـلها دول وما استجدت لهم من نعمة خـلق
وليـس في عيشها روح ولا دعـة وان بدا لك منها المنظـر الانـق


ادب الطف - الجزء التاسع105


دنـياً لآل رسول الله مـا اتسقت انـى تؤمـلهـا تــصفو وتـتسق
تلك الـرزية جـلت أن يغـالبها صـبر بـه الـواجد المحزون يعتلق
فكل جفن بمـاء الدمـع منغمـر وكـل قـلب بـنار الحزن محـترق
بهـا اصابـت حشا الإسلام نافذة سهام قـوم عـن الإسلام قـد مرقوا
واستخلصت لسليل الوحي خالصة من الورى طاب منها الأصل والورق
أَصفاهـم الله اكـراماً بنصـرتـه فاستيقنوها وفي نـهج الهدى استبقوا
مـن يخلـق الله للـدنـيا فأنهـم لنـصرة الـعترة الهـادين قـد خلقوا
كأنهـم يـوم طافـوا محدقين بهم محـاجـر وهـم مـا بـينهـم حدق
رجال صدق قضوا في الله نحبهم دون الحسين وفيما عاهـدوا صـدقوا
وقام يـومهـم بالـطف إذ وقفوا بيـوم بـدر وان كـانـوا بها سبقوا
وفـي اولئـك في بـدر نـبيهـم وهــؤلاء بـهـم آل الـنبي وُقـوا
من كل بدر دجى يجرى به مرحاً إلـى الـكفاح كـميت سابـق أفق(1)
ينهل في السلم والهيجاء من يـده وسـيفه الـواكفان الـجود والـعلق
تقلدوا مرهفات العـزم وادرعـوا سوابغ الـصـبر لا يـلوي بهم فرق
والصبر اثبت في يوم الوغى حلقاً إذا تطـايـر من وقـع الضبا الحلق
رسـوا كـأنهم هـضبٌ بمعترك ضـنك عـواصفـه بالموت تختفق
ولابـسين ثـياب النقـع ضافـية كأن نقـع الـمذاكي الوشي والسرق(2)
مستنشقين من الهيجاء طيـب شذا كـأن ارض الـوغى بـالمسك تنفتق
عشق الحسين دعاهم فاغتدى لهـم مـر الـمنية حـلواً دون من عشقوا
جاءوا الشهادة في ميقات ربـهـم حـتى إذا ما تجلى نـوره صـعقـوا
وما سقوا جرعـة حتى قضوا ظمأ نعـم بحـدّ المواضي المرهفات سقوا


(1) الكميت والافق بضمتين صفة للفرس للذكر والانثى .
(2) السرق محركة : شقق الحرير .
ادب الطف - الجزء التاسع106


عارين قد نسجت مور الرياح لهم ملابساً قـد تولى صبغـها العلق
حاشا اباءهـم أن يـؤثروا جزعاً عـلى الـمنية ورداً صفوة رنق
مضوا كرام المـساعي فائزين بها مكارماً من شذاها المسك ينتشـق
واغبّر من بعدهم وجه الثرى وزها ببشرهم في جنان الخلد مرتفـق
هنالك اقتحم الحرب ابن بـجدتـها يطوى الصفوف بماضيه ويخترق
يطاعن الخيل شزراً والقنا قـصدٌ ويفلق الهام ضربا والضبا فلـق
طمآن تنهل بـيض الهـند من دمه فيستهل لـها بـشراً ويعـتنـق
دريـئة لـسهام الـقوم مـهـجته كأنـه غـرض يـرمى ويرتشق
لو ان بالصخر ما قاساه من عطش كادت له الصخرة الصماء تنفلق
نفسي الـفداء لـشاك حـرّ غـلته والمـاء يلـمع منه البارد الغدق
موزع الجسم روح القـدس ينـدبه شجـواً وناظـره بالـدمع مندفق
والشـمس طالـعة تـبكي وغائبة دماً بـه شـهد الاشراق والشفق
تجري على صدره عدواً خيولهـم كأن صدر الـهدى للخيل مستبق
تـبدو لـه طـلعة غـراء مشرقة على السنان وشيب بالدما شـرق
فـما رأى ناظـر من قـبل طلعته بـدراً له مـن أنـابيب القنا افق
وفي السباء بـنات الـوحي سائرة بها المطي وأدنى سيرها العـنق
يسـتشرف الـبلد الداني مطـالعها ويحـشد الـبلد الـنائي فـيلتحق
تزيد نار الجوى في قلبها حـرقـاً بمـاء دمـع مـن الآماق يندفق
فـلا تجـف بحـر الوجد عبرتها ولا تبوخ بفيض الأدمع الحـرق
وسيد الخلق يشكـو ثـقل جامـعة تنـوء دامـية من حـملها العنق
تهفو قلوب العدى من عظـم هيبته لكنـهم بـرواسي حـلمه وثقوا
ما غـض مـن بأسه سقم ولا جدة ان الشجاعة في اسد الشرى خُلُق
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع107


الشيخ محمد حسن إبن الشيخ حمادي بن محسن بن سلطان آل قاطع الجناجي الحائري ولد في مدينة كربلاء سنة 1293 هـ . وبها نشأ وترعرع ودرس الأدب والفقه على جماعة من ادبائها وعلمائها ، ويمتاز بالذكاء المفرط وسرعة البديهة كما كان بهي الطلعة جميل المحيا نقي المظهر متسماً بالوقار جميل المعاشرة غير متصنع في بشاشته وهو أحد ابطال الثورة العراقية الكبرى عام 1919 م .
وبعد تأسيس الحكم الوطني في العراق عيّن المترجم له وزيراً للمعارف في وزارة جعفر العسكري .
أجاب داعي ربه بالسكتة القلبية صبيحة الخميس 13 من ذي الحجة الحرام في قضاء الهندية عام 1344 هـ . وحمل نعشه إلى النجف الأشرف بطريق النهر ودفن في الصحن الحيدري بين ايوان ميزاب الذهب ومقبرة العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي ترجم له السماوي في الطليعة قال : هو اديب شاعر وكاتب ناثر حسن البديهة سيال القريحة ، جلس معي في الصحن العلوي وجلس الينا غلام وسيم فسألني : ما النرجس فداعبته وقلت له : جفنك ، فخجل وقال : وما الاقاح ، فقلت : ثغرك ، فنظم المترجم له ذلك على البديهة فقال :
وشادن يسال ما النرجس قلت له اجفـانك النعّس
فقال لي والاقحوان الجنى فقلت هذا ثغرك الألعس

ومن شعره قوله :
كـم لعيني ليل النوى من جميل وافـر ضاق دونه باع شكري
مذ رأتني انفقت كنز اصطباري ملأت من لئالئي الدمع حجري

وقال يرثي سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) وذلك في سنة 1333 هـ .
أيرجـع عهـد بالشقيقة سالف سقى العهد منهل من الغيث واكف
خليلي هذا موقف الوحد والأسا وخير الخليلين المعين المساعـف
فـعوجا عـليه بالدموع فانما تحـيته مـنا الـدموع الـذوارف


ادب الطف - الجزء التاسع108


منازل كـانـت للـنعـيـم مـعرّسا وكانـت بهـا للـعاشقين مواقـف
تـرف الأقاحـي وهي فيهـا مباسم وتثنى بها الأغصان وهي معاطـف
فلا تنـكـرا بالـدار فـرط صبابتي فـما كل قـلب بالصبـابة عـارف
فـلا ذعـرت يا دار آرامـك الـتي بهـا للـظباء الآنـسات مـعـارف
ألِفـنَ الحسان الغـانيات فأكـرمـت وتكـرم مـن أجـلِ الأليف الآلائف
لئن جـرعتني الحزن اطلال دارهـم فكم ارشفتني الراح فيها الـمراشف
وان تعف بعد الظاعـنين ربوعـهـم فـقـلبي منها آهـل الـربع آلـف
وقفـت بـه والـدمع يجـري كأنني وان جل رزء الطف بالطف واقـف
على مربـع روت دماء بني الـهدى ثـراه ولـم تـروِ القلوب اللواهـف
فـكم غـيبت فـيه نجوماً وحجّـبت بدو رُعـُلا فيها المنايا الخـواسـف
إلى الطف من أرض الحجاز تطلـعت ثنـايا الـمنايا ما ثـنتها المـخاوف
ترحـل أمن الخائفـين عـن الحـمى مخـافـة ان لا يأمن البيت خائـف
وقـد كان شـمساً والـحجاز بنـوره مضيء فأمسى بعـده وهـو كاسف
وصـوّح بعـد الـغيث نبتُ رياضـه وقـلّـص ظـلٌ بالـمكارم وارف
قـد استصـرخته بالعراق عصـابـة تحكـم فـيها جائر الحكـم عاسف
فانجـدهـم غـوث اللهيف وشـيمـة الكـريـم إذا داع دعاه يـساعـف
سـرى والـمنايا تستـحـثّ ركابـه إلى موقف تنسى لـديه المـواقـف
تحـف به الـخيل الـكرام وفـوقـها من الهاشمـين الكـرام الغـطارف
بـنو مطعمي طـير السماء سيوفـهم لهن مقاري في الوغى ومضائــف
إذا اعتقلـوا سمـر الـرماح تضيّفت يعاسيبها العقـبان فهي عـواكـف
بهم عرف المعروف واليأس والنـدى وفاضت على المسترفدين العوارف
وقد نازلـوا الـكرب الشديد بكربـلا وكـل بحـدّ السيف للكرب كاشف
فـدارت بأبـناء الـنبــي محـمد عصائب أبناء الطليق الزعـانـف


ادب الطف - الجزء التاسع109


ومـا اجـتمعت إلا لتطفيء عنـوة مصابيـح نور الله تـلك الطـوائف
ومـا كان كـتب القـوم إلا كتائباً تمـج دمـاً فـيها الـقنيّ الرواعف
وقد أخـذ الـميثاق منهم فما وفى اخـو مـوثق منهـم ولا برّ حالف
أبـى الله والنفـس الأبـية ضيمه فـمات كـريماً وهـو للضيم عائف
ونـفس عـلي بـين جـنبي سليله فللّه هـاتيك النـفوس الـشرائـف
ورامـوا عـلى حكم الدّعي نزوله فقال على حكـم النزال التـناصف
نفـوس أبت إلا نفائـس مـفخـر اليهـا انـتهى مـجد تلـيد وطارف
بنفسي مـن أحـيى شريـعة جده على حين قد كادت تموت العواطف
أبـوه الـذي قـد شيّد الدين سيفه وهـذا ابنه والشبل لليـث واصـف
أمـير الـمنايا ذو الفـقار بكفـه إذا ما قضى أمراً فـليست تخالـف
ويجري به بحر وفي الكف جدول تمر علـى من ذاق مـنه المراشف
طوى بصفيح الهند نشر جموعهم كمـا طويـت بالراحتين الصحائف
وفـلّ البغـاة الـمارديـن كـأنه سلـيمان لـكن الـمهـند آصـف
يكـر على جمع العدى وهو بينهم فـريـد فترفضّ الجموع الزواحف
جناحهم من خيفـة الـصقر خافق وقلبهـم من سطوة الليث راجـف
يـفلّ قـراع الـدارعـين حسامه فيحمـل فيهم وهـو بالعزم سائف
وقائمـه ما بارح الكف في الوغى إلى أن خبا برق من السيف خاطف
صـريعـاً يفـدى بالنفوس وسيفه كـسير تـفدّيه الـسيوف الرهائف
قضى عطشاً دون الفرات فلا جرى بورد ولا بلّ الجوى مـنه راشـف
وظـمأن لكل مـن نجـيع فـؤاده تـروى المواضي والرماح الدوالف
ومرتضع بالسهم أضحـى فطامـه فـذاق حـمام الموت والقلب لاهف
اتـى ابـن رسـول الله مستسقياً له فـما عـطفت يوماً عليه العواطف
فأهـوت عـلى الجيد المخضب امه تقبّلـه والـطرف بالـدمع واكـف


ادب الطف - الجزء التاسع110


جـعلتـك لـي يا مـنية النفس زهرة ولـم أدر أنّ الـسهم للـزهر قاطف
فللّه مـقدام عـلى الـهـول مـا لـه سوى المرهف الماضي عضيد محالف
إذا اشـتد ركـب زاد بـشـراً وبهجة كـأن المنايا بالأمـاني تــساعـف
وفي الأرض صرعى من بنيه ورهطه وفي الخدر منه المحصنات العفـائف
فـلا هـو من خطـب يـلاقيه ناكِل ولا هـو فـيما قد مـضى منه آسف
واعـظم ما قاسى خـدور عـقائـل بهـا لم يـطف غـير الملائك طائف
وعـز عـليه ان تـهاجـمها العـدى وهـن بحامي خـدرهـنّ هـواتـف
يـنوء لـيحمي الـفاطـميات جـهده فيكـبو بـه ضعف القوى المتضاعف
لأن عـاد مسـلوب الـثياب مجـرداً فللحمـد ابـراد لــه ومـطـارف
فلـم يـرَ أحـلى من سليب قد اكتسى من الطعن ما تكسو الجروح النواطف
وفـي الـسبي مـن آل الـنبي كرائم نمتها إلى المجد الأثـيل الـخلائـف
يسـار بها مـن منهـل بعـد منهـل وتطـوي عـلى الأكوار فيها التنائف
ولـيس لـها مـن رهـطها وحماتها لدى السير ألا ناحـل الجسم ناحـف
تمثلـها الـعين الـمنـيرة للـعـدى ويسترها جفـن من اللـيل واطـف
وهـن بـشجـو للدمـوع نـواثـر وهـنّ بـندب للـفـريد رواصـف
هـواتـف يبكـين الحسين إذا بـكت هـديـلا حـمامات الغصون هواتف
وفـوق الـقنا تـزهو الرؤوس كأنها أزاهـير لـكن الـرماح القـواطف
وما حمـلت فوق الـرماح رؤوسهم ولكنمـا فـوق الـرماح المصاحف

وله :
أدار الحي باكـرك الـغمام وان أقوى محلك والمقام
ولو لم تنزف الأشجان دمعي لقلت سقتك أدمعي السجام
مررت بدارهـم فاستوقفـتني على الدار الصبابة والغرام


ادب الطف - الجزء التاسع111


فـيا عهـد الأنيس عليك مني وان حـلت التحـية والسلام
أُسائلـها ولـي قـلب كـليم وهل تدري المنازل ما الكلام
أعائـدة لـنا أيـام وصـل فينعـم بالـوصال الـمستهام
بزهر كواكب وشموس حسن وأقـمـار مطالـعها الخـيام
مـتى يـسلو صـبابته كئيب بلـيّتـه اللـواحـظ والقـوام
إذا ملـك الـهوى قلب المعنى فأيـسر مـا يعـانيـه الملام
يهـيج لـي الغرام شذى نسيم يشـم وومـض بارقـة تشام
ويشـجين الـحمام إذا تغـنى وكـل شـجٍّ يهـيجه الحـمام
ويقدح لي الأسى يوم اصيبت بـه أبـناء فـاطـمـة الكرام
وخـطب قـادح في كل قلب بقـادحـة الـجوى فيه ضرام
فيـابن الـضاربين رواق فخر سمت فوق الضراح لـه دعـام
أيخـضب بالسهام وبالمواضي محـياً دونـه الــبدر الـتمام
فليـت الـبيض قد فلت شباها وطـاشت عـن مراميها السهام
كـأنـك منهل والبيض ظمأى لهـا فـي ورد مهجتك ازدحام

وقال أبو المحاسن أيضا :
نعـلل النفس بالوعد الذي وعـدوا أنـى وقـد طال في انجازه الأمد
ان كـان غـيّر بـعد العهد ودهم فـودّنـا لهـم بـاق كـما عهدوا
وان يـكن لـهـم في هجرنا جلد فـأن أبعـد شيء فـاتـنا الـجلد
أما وطـيب لـيالـينا التي سلفت والعيش غض كما شاء الهوى رغد
ان العـيـون الـتي كانت بقربهم قـريرة جـار فـيها الدمع والسهد
ما انـصفـونا سهـرنا ليلنا لهم صـبابـة وهـم عـن ليلنا رقدوا
تبكيهم مقلتي العبـرى ولو سعدت بكت مصاب الاولى في كربلا فقدوا
مصالـت كـسيوف الهند مرهفة فـرنـدهـا كرم الاحساب والصيد
الـمرتقـين مـن الـعلياء منزلة شـماء لا يـرتقـيها بـالمنى أحد
الطاعـنين إذا أبـطالـها انكشفت والمـطعـمين إذا ما اجـدب البلد


ادب الطف - الجزء التاسع112


من معشر ضربت فوق السماء لهم أبيات فخر لها من مجدهـم عمـد
سادوا قريشاً ولولاهم لما افترعـت طود الفخار ولولا الروح ما الجسد
تخال تحت عجاج الخيل أوجههـم كـواكباً في دجـى الظلماء تتقـد
يمشون خـطراً ولا يـثنيهم خطـر عـن قـصدهم وأنابيب القنا قصد
وافـى بها الأسد الغضبان يقدمـها اسـداً فـرائـسها يوم الوغى اسد
كـأن مرهفه والـضـرب يوقـده شمس الهجير وأرواح العدى بـرد
كأنمـا رقمـت آي السجـود بـه فكلمـا اسـتله مـن غمده سجدوا
فحاولت عـبد شمس أن يدين لهـا قـوم لهـا ابن رسول الله منتقـد
حتى إذا جالت الخيلان صاح بهـم ضـرب يطيـش به المقدامة النجد
فأحجموا حيـث لا ورد ولا صـدر والسمـهـرية في أحـشائـهم ترد
يا عيـن لا تعـطشي خدي فأنهـم قضوا عطاشا وماء النهـر مطـرد

وقال أيضاً :
أقّلا عـليّ اللوم فيما جنى الحبّ فان عـذاب الـمسـتهام بـه عـذب
وصلت غرامي بالدموع وعاقدت جفوني على هجر الكرى الانجم الشهب
تقـاسـمن مني ناظراً ضمنت له دواعى الهـوى ان لا يجفّ له غرب(1)
فلـيت هـواهم حمّل القلب وسعه فيقـوى لـه أو لـيت ما كان لي قلب
فابعد بطيب العيش عني فليس لي بـه طائـل ان لـم يـكـن بيننا قرب
الا في ذمام الله عيس تحـملـت بسـرب مـهاً للـدمع في أثرها سرب
وكنا وردنا العيش صفوا فأقـبلت حـوادث أيـام بـهـا كـدر الـشرب
عدمناك من دهر خـؤون لأهلـه إذا ما انقضى خطب له راعناً خـطب
على أن رزء الناس يخلق حقـبة ورزء بـني طـه تـجدده الـحقـب
حـدا لهـم ركب الفـناء آبائهـم وسار بـمغبـوط الـثناء لهـم ركـب
لحى الله يا أهل العراق صنيعكـم فـقد طـأطأت هـاماتهـا بكم العرب


(1) الغرب : مسيل الدمع والغروب الدموع .


السابق السابق الفهرس التالي التالي