ادب الطف - الجزء التاسع68


أكـرم بخـزّان علم أمّ وارده منكم لزاخـر بـحر مد آمله
زفت إلى القمر الأسنى بداركم شمس لوار وزان البشر حامله(1)

«وعلى أثر هذه التواريخ سماه العلامه السيد محمد القزويني بـ (ناسخ التواريخ)» وقد سماه الآخرون (شيخ المؤرخين) .
قال اليعقوبي في البابليات : وله مثلهما في السنة نفسها يؤرخ عمارة مقام المهدي في الحلة المعروف بالغيبية ، وفيهما (28) تاريخاً :
توقع جميل الأجـر في حرم البنا بفتحك بالنصر العزيز رواقا
بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا نجـد اقترابا ما أجار وراقا

وقال يؤرخ الشباك الفضي الذي عمل بنفقة المرحوم الشيخ خزعل أمير المحمّرة على قبر القاسم ابن الإمام موسى الكاظم عليهما السلام :
للامام القاسم الطهر الذي قدس روحـا
خزعل خـير أمير أرخوا شاد ضريحا

وله مؤرخاً وفاة العالم الزاهد السيد ياسين ابن السيد طه سنة 1341 هـ . :
يا لسان الذكر ردد أسفا وأبك عن دمع من القلب مذاب
وانع ياسين وارخ من له فقـدت ياسـيـنها ام الـكتاب


(1) البيتان على النمط التالي :
صدر الأول . عجزه . صدر الثاني . عجزه . مهمل البيت الاول. معجمه . مهمل صدر الأول مع معجم عجزه . معجم صدر الأول مع مهمل عجزه . مهمل البيت الثاني . معجمه . مهمل صدره مع معجم عجزه . معجم صدره . مع مهمل عجزه . مهمل الصدرين . معجم الصدرين . مهمل صدر الأول . مع معجم صدر الثاني . معجم صدر الأول مع مهمل صدر الثاني . مهمل العجزين .
معجم عجز الأول مع معجم عجز الثاني . معجم عجز الأول مع مهمل عجز الثاني
معجم صدر الأول مع معجم عجز الثاني . مهمل صدر الأول مع معجم عجز الثاني
معجم صدر الأول مع مهمل عجز الثاني . مهمل عجز الأول مع مهمل صدر الثاني
معجم عجز الأول مع معجم صدر الثاني . مهمل عجز الأول مع معجم صدر الثاني
معجم عجز الأول مع مهمل صدر الثاني .
ادب الطف - الجزء التاسع69


وقال يؤرخ موزت بعض المعاندين بقوله :
وناع تحمّل إثما كبيرا غـداة نعى آثـما أو كفورا
وقد أحكم الله تاريخه ليصلى سعيرا ويدعو ثبورا

وله في عصا من عوسج اهديت للسيد الجليل السيد محمد القزويني :
وإن عصا من عوسج تورق الندى وتثمـر معروفاً بيـمنى محمد
لتـلك الـتي يـوم القـيامة جده يذود بها عن حوضه كل ملحد

ومن روائعه ما قاله في احدى زياراته للإمام الحسين (ع) عندما تعلق بضريحه الشريف :
يدي وجناحا فطرس قد تعلـقا بجاه ذبيح الله وابن ذبيحه
فلا عجب أن يكشف الله ما بنا لأنا عتيقاً مهده وضريحه

وقال مخاطباً للإمام عليه السلام :
لمـهدك آيات ظهرن لفطرس وآيـة عيسى أن تـكلّم في المهدِ
لئن ساد في أُمٍّ فأنت ابن فاطم وان ساد في مهد فأنت أبو المهدي

وفطرس اسم ملك من ملائكة الله قيل قد جاء به جبرائيل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله عندما بعثه الله لتهنئة النبي بالحسين ليلة ولادته ، فتبرك الملك بمهد الحسين عليه السلام ومضى يفتخر بأنه عتيق الحسين كما ورد في الدعاء يوم الولادة : وعاذ فطرس بمهده ونحن عائذون بقبره .
وقوله (وإن ساد في مهدٍ فأنت أبو المهدي) لئن كان عيسى قد تكلم في المهد صبياً فالحسين أبو أئمة تسع آخرهم المهدي حجة آل محمد والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً .
وقد ضاع أكثر شعره ، حيث أنه كان ممن لا يعنون بجمع أشعاره أو تدوينها ، مما نُسيَ أكثره ولم يبق منه غير ما حفظته الصدور ، ومما سُجّل

ادب الطف - الجزء التاسع70


له في بعض المجاميع الشعرية الخاصة ممن كانوا يعنون بجمع أدب تلك الفترة مما هو مبعثر الآن في النجف والحلة والهندية وبغداد وكربلاء .
وقد ترجم للحاج مجيد (رحمه الله) في الآثار المطبوعة كثيرون ، أشهرهم : الشيخ محمد علي اليعقوبي في (البابليات) في ج 3 / القسم الثاني / ص 69 ـ 82 . والشيخ علي الخاقاني في (شعراء الحلة) في ج 4 / ص 283 ـ 299 ، والشيخ اغا بزرك الطهراني في (طبقات أعلام الشيعة) في ج 1 / ق 3 / ص 1226 ، وقد دوّن هؤلاء نماذج لا بأس بها من شعره يمكن مراجعتها والاغتراف منها . توفي رحمه الله في 17 ذي القعدة سنة 1342 في النجف الأشرف ودفن بها .
ويقول الخاقاني في (شعراء الحلة) كان رحمه الله معتدل القامة عريض المنكبين أبيض الوجه مستطيله ، اختلط سواد لحيته بالبياض ، شعار رأسه (الكشيدة) مهيب الطلعة وقوراً له شخصية محبوبة لدى الرأي العام يحب الخير ويبتعد عن الشر يتردد إلى مجالس العلماء ويألف أهل التقوى ويستعمل صدقة السر .
وروى له جملة من تواريخه البديعة وأشعاره الرقيقة منها قصيدته في الإمام موسى الكاظم عليه السلام وأولها :
سل عن الحي ربعه المأنوسا هل عليه أبقى الزمان أنيسا

واخرى يرثي بها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ويصف مصرعه بسيف ابن ملجم ليلة 19 من شهر رمضان وأولها :
شهر الصيام به الإسلام قد فجعا وفي رزيته قلب الهدى انصدعا

وثالثة في الإمام الحسين عليه السلام :
هلّ المحرم والشجا بهلاله قد أرقّ الهادي بغصة آله

ومن نوادره قوله :
عليٌ من الـهادي كشقي يـراعـة هما واحد لا ينبغـي عـدّه اثنين
فما كان من غطش على الخط لايح فمن شعرات قد توسطن في البين


ادب الطف - الجزء التاسع71


وقال مخمساً والأصل للخليعي ـ وقد مرت ترجمته :
اراك بحيرة ملأتك رينا وشتتك الهـوى بيـناً فبينا
فلا تحزن وقر بالله عينا إذا شئت النجاة فزر حسينا
لكي تلقى الاله قرير عين
إذا علم الملائك منك عزما تروم مزاره كتبوك رسما
وحرمت الجحيم عليك حتما لأن النار ليس تمسّ جسما
عليه غبار زوار الحسين

وله في استجارته بحامي الجار قسيم الجنة والنار حيدر الكرار :
من حمى المرتضى التجأت لحصنٍ قد حمى منه جانب العز ليث
فـحـبانا أمـنـاً وجـاد بـمـنٍّ فهو في الحالتين غوث وغيث

مما لم ينشر من شعر العطار :
ومن تواريخه التي لم تُنشر ما قاله مؤرخاً ولادة السيد محمد طه ابن العلامة السيد حسين السيد راضي القزويني :
يُهني الحسين فتىً زكى ميلادُه مَـن قـد أنـابَ لدى الثناء وأخلصا
عـمّ الوجود ببشرهِ في ساعةٍ ارختُ «بالتنزيل ـ طه ـ خُصّصا»

وقوله في الجوادين (عليهما السلام) ، (وقد التزم الجناس في القافية) :
لي بالإمامين (موسى) و(الجواد) غنىً إن أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس
الذاكـرين جـمـيل الصُنع إن وعدا والناسُ للوعد ما فيهم سوى الناسي

وقد شطّرهما العلامة أبو المعز السيد محمد القزويني ارتجالاً بقوله :
(لي بالإمامين (موسى) و(الجود) غنىً) إن لم يجد لي زماني عـند افلاسي
وفـيهـما تـكمل الحـاجات من كثبٍ (ان أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس)
(الذاكـريـن جـميل الصنع إن وعدا) والـنافـيين جـميـع الذل واليأسِ
والمـنجزيـن مـواعـيـداً لـفضلهم (والناس للوعد ما فيهم سوى الناسي)


ادب الطف - الجزء التاسع72


ومن تواريخه أيضاً قوله مقرضاً ومؤرخاً «بغية المستفيد في علم التجويد» لأبي المعز السيد محمد القزويني وذلك سنة 1327 هـ . (وقد أحسن وأجاد) :
فـضّ نـجـلُ المُعزّ لا فضّ فوهُ عـن رحـيق مـِن لفظه المختومِ
(عاصمُ) الذهن في مراعاته مِـن خطـأ الـفكر ، (نافـعُ) الـتعليمِ
(مدّ) كفاً مِن لينها في الندى (تشـ ـبعُ) (بالوصل) (لازم) (التفخيمِ)
فصّـلـت للـتنزيـل أبهى برودٍ من معانـي الـترتيل لا من أديمِ
قُلـتُ مـُذ أرخـوا «مقاصدَ كلمٍ فُصّـلت مـن لدن حكيمٍ عليمِ»(1)

وله مُؤرخاً ولادة المحروس (هادي) ابن السيد (حمد) آل كمال الدين الحلي سنة (1326 هـ) :
(حمد) بن (فاضل) أنتَ أعظم عالمٍ فيـه الـمكارم قد أنارَ سبيلُها
غـذتـك مـِن دّ الـمعارف فطنةٌ وعليك من غرر العُلى اكليلها
هـي لـيلة فـيها أتـتك بـشارةٌ بولادة (الهـادي) فعـزّ مثيلُها
قد عـمّت البشرى بها كل الورى فلذاك يُحسن أرخوا «تفضيلها»
* * *


(1) نقلاً عن كتاب «الرجال» ـ المجلد الرابع ـ مخطوط للسيد جودت القزويني .
ادب الطف - الجزء التاسع73


الشيخ كاظم سبتي


المتوفى 1342

برغـم المجد من مضر سراةُ سـرتَ تـحدو بعيسهم الحـداةُ
سرت تطوي الفلا بجبال حلم تـخـفّ لهـا الجبال الراسيات
كـرام قـوضت فـلها ربوع خلـت فغدت تنـوح المكرمات
وبانـت فالمنازل يوم بانـت طـوامس والـمدارس دارسات
تحـنّ لهـا وفي الأحشاء نار تـأجـج والـمدامـع واكـفات
أطيـبة بعـدها لا طبت عيشاً وكنت حمى الورى وهي الحماة
وكنـت سما العلى وبنو علي بـدور هـدى بافقـك ساطعات
أُباة سامـهـا الحدثان ضيماً ولـم تهـدأ عـلى الضيم الأباة
أتهـجر دار هجـرتها فتقوى وتأنـس بالطفوف لـهـم فـلاة
بـدت فـتأججت حرباً لحرب ضغـائـن في الضمائر كامنات
يخوض بها ابن فاطمة غماراً تظـل بهـا تعـوم السابحـات
أُصيب وما مضى للحتف حتى تـثلمـت الصفـاح الـماضيات
وقـد ألـوى عن الدنيا فظلت تـنوح بهـا عــليه النائحـات
تعـجّ الـكائنات علـيه حزناً وحـق بـأن تـعـج الكائنـات


ادب الطف - الجزء التاسع74


إلى جـنـب الفـرات بنو علي قضت عطشا ألا غاض الفرات
تسيل دمـاؤهـا هـدراً وتمسي تغـسّلـها الـدماء الـسائلات
وتنبذ في هجير الصيف ، عنها سل الرمضاء وهي بها عـراة
* * *
أهاشم طاولتك اميّ حتـى تسل عليك منها المرهفات
فأنتم للمخوف حمى ومنكم تروع في الخدور مخدرات
أحقاً أن بين القوم جـهراً كريمات النبي مهـتكـات
بلوعة ذات خدر لو وعتها لصدعت الجبال الشامخات
* * *

الشيخ كاظم سبتي هو أول شاعر ادركته ولا أقول عاصرته فاني لا أتصوره ولم أرَ شخصه لكني أتصور جيداً أني مضيت بصحبة أبي ـ وكنت في العقد الأول من عمري ـ إلى مأتم حسيني عقد في دار الخطيب السيد سعيد الفحام بمناسبة تجديد داره الواقعة في محلة المشراق في النجف الأشرف وكان الوقت عصراً ، ولما دخلنا الدار وجدناها تغصّ بالوافدين فقال لي أبي : إصعد أنت إلى الطابق العلوي ، فكنت في مكان لا يمكنني من الاطلالة على الطابق الأرضي المنعقد فيه المحفل فسمعت خطيباً ابتدأ يهدر بصوته الجهوري ونبراته المتزنة قائلاً : ومن خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة ، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نُزّالها ، أحوال مختلفة وثارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم ... إلى آخر الخطبة . ثم حانت مني التفاتة وإذا بصاحب الدار الخطيب الفحام جالس معنا مذهولاً يضرب على فخذه ويردد : ما هذا الافتتاح يا شيخ كاظم ، ما هذا الفأل يا شيخ كاظم ، وإلى جنبه أحد أقاربه يُهدّء عليه . ولما أتمّ الشيخ خطابه لاموه على هذا الاافتتاح والتشاؤم وفعلاً هو معيب ، فاعتذر قائلاً : شيء جرى على لساني وكأن كل شيء غاب عني إلا هذه الخطبة فافتتحت بها . وكأن تفؤّله وتشؤمه

ادب الطف - الجزء التاسع75


حقاً فلقد أُصيب الخطيب الفحام بمرض عضّال عجز عنه الأطباء حتى قضى عليه وعمت النكبة جميع من في الدار وأصبحوا كأمس الدابر ، ويظهر لي أن الخطيب سبتي كان مؤمناً تتمثل فيه صفات المؤمن الكامل الايمان إذ اني لا أكاد استشهد منبرياً بشيء من شعره إلا ويترحم عليه السامعون ، هذا ما حدث أكثر من مرة ليس في محافل النجف خاصة بل في سائر البلدان ، وهذا ما يجعلني أعتقد أن له مع الله سريرة صالحة ونية خالصة كما يظهر أن الرجل كان واسع الاطلاع فكثيراً ما كنت أجلس مع ولده الخطيب الأديب الشيخ حسن سبتي واسأله عن مصدر لبعض الأحاديث والروايات فكان أول ما يجبيني به قوله : كان أبي يروي هذا منبرياً . وحفظت له شعراً ورددته مراراً فمنه قوله في التمسك بأهل البيت والحسين خاصة :
يا غافـلاً عـما يـراد به غداً ويؤول مقترف الذنوب اليه
خذ بالبكاء على الحسين ففي غد تلقـى ثـوابك بالبكاء عليه

ترجم له ولده الشيخ حسن في صدر الديوان الموسوم بـ (منتقى الدرر في النبي وآله الغرر) كما ترجم له الشيخ المصلح كاشف الغطاء وغيرهما وهذا ما جاء في سيرته على قلم مترجميه :
الخطيب الأديب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري . توفي عنه والده وهو صغير فأودعته امه عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليحترف الصياغة ولكنه رغب عن صياغة الذهب والفضة إلى صياغة الكلام ومجلوّ النظام وسرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينتهل منه برغبة وشوق فدرس المقدمات وساعدته لباقته وحسن نبراته على تعاهد الخطابة وارتقاء الأعواد ، وكان المنبري ذلك اليوم لا يتعدى غير رواية قصة الحسين عليه السلام ومقتله يوم عاشوراء ، وإذا بهذا المتكلم يروي خطب الإمام أمير المؤمنين (ع) عن ظهر غيب فعجب الناس واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة ثم قام يروي السيرة النبوية وسير أهل البيت وربما روى

ادب الطف - الجزء التاسع76


سيرة الأنبياء السابقين وقصصهم فكان بهذه الخطوة يراه الناس مجدداً حيث حفظ وقرأ وهكذا من يحفظ ويقرأ يرونه مجدداً لأنهم كانوا لا يحسنون اكثر من قراءة المقاتل في ذلك الحين سمّي كل من يقوم بقراءة كتاب (روضة الشهداء) للشيخ الكاشفي (روضة خون) ان يقرأ الروضة ، ويمتاز الخطيب المترجم له انه لا يروي إلا الصحيح فلا يروي الأخبار غير المسندة او الضعيفة السند .
وكان المنبريون قبله لا يحسنون اكثر من أن يتناول الواحد منهم كتاب (روضة الشهداء) ويقرأه نصاً ثم تطوّرت إلى حفظ ذلك الكتاب ورواية ما فيه فقط كالسيد حسين آل طعمة المتوفى سنة 1270 هـ . وهو ممن ولد ونشأ ومات بكربلاء المقدسة ، وسلسلة نسبه رحمه الله هكذا : حسين بن درويش ابن احمد بن يحيى بن خليفة نقيب الاشراف ، ويتصل نسبه بالسيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر . وهكذا كان من معاصريه وهو السيد هاشم الفائزي المتوفي سنة 1270 هـ . ايضا نشأ وتوفي بكربلاء وهو ابن السيد سلمان ابن السيد درويش ابن السيد احمد ابن السيد يحيى آل طعمة ، وكان في اسلوبه لا يخرج عن قصة الحسين عليه السلام ومصرعه ومصارع اهل بيته . فجاء خطيبنا الشيخ كاظم وقد تطور منبره إلى رواية سيرة النبي والأئمة وحفظ خطب الإمام فكان انفتاحاً جديداً في المنبر الحسيني .
ولهذه الشهرة التي حازها ، طلبه جماعة من وجهاء بغداد وأكابرهم ليسكن هناك ، فهاجر اليها سنة 1308 هـ . وبقي سبع سنين يرقى الأعواد في المحافل الحسينية ويومئذ كانت المحافل تغص بالسامعين فلا اذاعة تشغلهم ولا تلفزيون يلهيهم ، وفي سنة 1315 هـ . ألزمه جماعة من علماء النجف بالعودة للنجف فكان خطيب العلماء وعالم الخطباء يلتذ السامعون بحديثه ويقبلون عليه بلهفةوتشوق ولهم كلمات بحقه تدل على فضله ونبله . ترجم له معاصروه فقالوا : كان مولده في النجف عام 1258 هـ . والمصادف 1842 م . وشبّ ، وهوايته العلم فدرس على الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ملا لطف الله المازندراني وأمثالهما .

ادب الطف - الجزء التاسع77


قال صاحب الحصون : فاضل معاصر وأديب محاضر ، وشاعر ذاكر ، تزهو بوعظه المنابر ، إن صعد المنبر خطيباً ضمخ منه طيباً(1) حسن المحاورة ، وله ديوان كبير في مراثي الأئمة وفي غير ذلك كثير .
وقال السيد صالح الحلي خطيب الأعواد ـ وهو المعاصر للمترجم له : الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول ويفهم ما يقول .
ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة وذكر طائفة من أشعاره ومنها قوله :
أما والحمى يا ساكني حوزة الحمى وحاميه إن أخنى الزمان وإن جارا
فـان أمـير الـمؤمنين مجـيركم وان كنـتـم حـمّلتم النفس أوزارا
ومن يك أدنى الناس يحمي جواره فكيف لحامي الجار أن يسلم الجارا

وقوله مشطراً البيتين المشهورين :
بزوار الحسين خلـطت نفسي ليشفع لي غداً يوم المعاد
وصرتُ بركبهم أطوى الفيافي لتحسب منهم عند العـداد
فـان عـدّت فقد سعدت وإلا فقد أدّت حقـوقاً للـوداد
وإن ذا لـم يـعـدّ لـها ثوابا فقد فازت بتـكثير السواد

وقال مخمساً :
زكا بالمصطفى والآل غرسي وحبّهـم غـدا دأبي وانسي
لحشري قـد ذخرتهم ورمسي بزوار الحسين خلطت نفسي
لتحسب منهم عند العداد
نظرت إلى القوافل حيث تتلى حثثتُ مطيتي والقلـب سلا
تبعثُ الركب شوقاً حيث حلا فان عدت فقد سعدت والا
فقد فازت بتكثير السواد


(1) اشار الشيخ الى قول محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني المتوفى 548 هـ . يمدح خطيباً :
فتح المنبر صدراً لتلقيك رحيبا
أترى ضم خطيبا منك ام ضمخ طيبا
ادب الطف - الجزء التاسع78


وقوله في كرامة للامام موسى الكاظم سنة 1325 هـ . وقد سقط عامل كان ينقش في أعلى الصحن بقبة الإمام الكاظم عليه السلام ، وقد شاهدها الشيخ بعينيه :
إلهـي بحـب الـكاظـمين حبوتني فقـويت نفسي وهـي واهـية الـقوى
بجـودك فاحـلل مـن لساني عقدة لأنشر من مدح الإماميـن ما انطـوى
هوى إذ أضاء النور من طوره امرء كما أن موسى من ذرى الطور قد هوى
ولكـن هـوى موسى فخرّ إلى الثرى ولما هـوى هـذا تـعلـّق بالـهـوى

أقول : كنتُ في سنة 1377 هـ . قد دعيت للخطابة في بغداد بالكرادة الشرقية في حسينية الحاج عبد الرسول علي ، وفي ليلة خصصتها للامام الكاظم فتحدثت منبرياً بهذه الكرامة وإذا بأحد المستمعين يبادرني فيقول : انها حدثت معي هذه الكرامة فقلت له : أرجو أن ترويها لي كما جرت ، قال : كنت في سنّ العشرين وأنا شغيل واسمي داود النقاش فكنت مع استاذي في أعلى مكان من الصحن الكاظمي ننقش بقبة الامام الكاظم والبرد قارس وقد وقفت على خشبة شُدّ طرفاها بحبلين فمالت بي فهويت فتعلق طرف قبائي بمسمار فانقلع وفقدت احساسي فمالت بي فهويت فتعلق طرف قبائي بمسمار فانقلع وفقدت احساسي فما أفقتُ إلا والصحن على سعته مملوء بالناس والتصفيق والهتاف يشق الفضاء وخَدَمَة الروضة يحامون عني ويدفعون الناس لئلا تمزق ثيابي وقمت فلم أجد أي ألم وضرر ، أقول ونظمها الشيخ السماوي في أرجوزته (صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد) وآخرها قوله :
قالوا وقد زيّنت البلادُ من فرح وابتدأت بغدادُ

طبع ديوانه في النجف عام 1372 هـ . وعليه تقاريض لجماعة من الفضلاء ، كما طبع له ديوان آخر باللغة الدارجة وكله في أهل البيت عليهم السلام ولا زال يحفظ ويردد على ألسنة ذاكري الحسين وتعرض نسخة في أسواق الكتب باسم (الروضة الكاظمية) أما ديوانه المتقدم ذكره فهو (منتقى الدرر في النبي وآله الغرر) . أجاب داعي ربه يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة 1342 هـ . ودفن في الصحن الحيدري قرب ايوان العلامة الشيخ الشريعة .

ادب الطف - الجزء التاسع79


الشيخ حمزة قفطان

المتوفى 1342

هـواك أثار العـيس تـقتادهـا نـجـد ويحدو بها من ثائر الشوق ما يحدو
تجـافـى عـن الـورد الذميم صدورها لها السير مـرعىً واللغام لها ورد
تـمـرّ عـلى الـبطحاء وهي نـطاقها وتعلو على جـيد الربى وهي العقد
عـليـها مـن الـركب الـيمانيّ فـتية ينكّـر منهـا الليل ما عرف الـودّ
أعـدّوا إلـى داعـي الـمسير ركـابهم وأعجلهم داعي الغـرام فما اعتدوا
تـقـرّب منـهـم كـل بـعد شـملـّة عليها فتىً لم يثن مـن عزمه البعد
ومـا الـمـرء بالانـساب إلا ابن عزمه إذا جـدّ أنسى ذكـر آبائـه الـجد
يـردّ الـخصوم اللـد حـتى زمـانـه على أن هـذا الـدهر ليس لـه ردّ
ويغـدو فأما ان يـروح مـع الـعلـى عـزيـز حـياة أو إلى موته يغدو
ويغضى ولا يرضى القذى بل عن الكرى جـفوناً عـن التهويم أشغلها السهد

الى قوله :
وهل قصرت كف تطول إلى العلى لها ساعد من شيبة الحمد يمتدّ(1)
* * *


(1) عن شعراء الغري يرويها عن الخطيب الشيخ سلمان الانباري قال : وهي في الامام الحسين (ع) .
ادب الطف - الجزء التاسع80


الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي الشهير بقفطان شاعر مطبوع وشخصية مرموقة ، ولد بحي واسط سنة 1307 هـ . ونشأ بها ودرس المقدمات على أخيه الشيخ محمد صالح الذي كفله منذ الصغر ولما وجد في نفسه القابلية هاجر إلى النجف وأكبّ على دراسة العلوم الإسلامية ولازم العلامة الشيخ عبد الحسين الحياوي ينتهل من علومه حتى فرغ من دراسة كفاية الاصول وكتب الفقه الاستدلالي ، وفي أثناء تلقي العلوم كان يتعاهد ملكته الشعرية كما درس علمي الحكمة والكلام على السيد عدنان الغريفي فبرع فيهما وساجل جماعة من العلماء الفضلاء أمثال الشيخ جعفر النقدي والشيخ عيسى البصري والسيد عدنان الغريفي فكان لديهم موضع التقدير والاجلال أما الذي استفاد منه فهو الخطيب الشيخ سلمان الأنباري وهو الذي يروي عنه المقطع الأول من القصيدة الحسينية التي هي في صدر الترجمة ، وقد جمع له أخوه الشيخ محمد صالح ديواناً حافلاً بروائع الشعر الذي كان قد نشر قسماً منه في الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها مجلة اليقين البغدادية فقد نشرت له عدة قصائد في سنتها الاولى بتاريخ 1341 هـ . ومنها قصيدة عنوانها : العلم والحجاب ، وله اخرى عنوانها راية العز قال فيها :
رايـة الـعـز شأنـهـا الارتفاع تتسامى منـصـورة إذ تُطاع
رايـة يقـرأ الـمفكـر فـيـهـا ما روى مجدنا القديم المضاع
حـيّ أعـلامـنا وحـيّ قـناهـا يوم كانت تندك منها الـقلاع
يـوم كانت بـنو مـعـدّ بن عـ ـدنان مهيباً جهادهـا والدفاع
يـوم كـان الـعقاب يخفق في الـ ـجوّ ومنه نسر الأعادي يراع
يـوم أردى كـسرى وقـيصر منه زجـلٌ لا تـطيـقه الاسماع
ما اكتسى لـون خضرة النصر إلا بعدما احمرّ بالـدماء اليفـاع
ذاك عـصرٌ بـنوره مـلأ الأرض التي ضاء في دجاها الشعـاع
ذاك عـصر النبي والامـناء الغرّ إذ أمـرهـم مـهيب مـطاع
=

ادب الطف - الجزء التاسع81


ثـم عـمّ الـسلام والـعدل ظلٌ لـم يـكـدّر به الصفاء نزاع
ثم وافى عـصر العلـوم بفضل أشـرقت من سناه تلك البقاع
فاستطاعـوا بسيرهـم لـمعـالي في المساعي ونعم ذاك الزماع
واستطاعوا بـوحدة العزم والآراء من حفظ مجدهم ما استطاعوا
أيّهـذا الـمذكري مـجـد قـومي حين فاض الونى وجفّ اليراع
تلك أعلامهم بألـوانهـا الأربـع مـرفـوعـة وهـذي الرباع
أين لا أين هم ، وأيـن عـلاهـم أسـلامٌ ذكــراهـم أم وداع
فـبرغـمى أن الــديار طـلول حين راحوا ومنتدى الحيّ قاع
طمـعـت فـيهم الأعادي لـوهنٍ فـأذاعـوا ما بينهم ما أذاعوا
رقـدوا والـمخاتـلـون قـيـام وتوانـوا والـحادثات سـراع
رُب ظلـم بـالحـزم أشبه حقـاً وحقـوقاً أضاعـهـا الانخداع
* * *
أيها الغـرب هـل تصورت يوماً كيف تعلو على الهضاب التلاع
سترى الضغـط كيف يضرم ناراً يصطلى حرّها الكـمّي الشجاع
لـم تـزل تـظهر التلطف حـتى شفّ عن سوء ما نويت القناع
قـف مـعي نـنظر الحياة بعـين لا تـغشى جفونـها الأطمـاع
لنرى ما الذي ملكـت بـه الشرف فأضحى يشرى لكـم ويبـاع
أنـت والشرق في الـوجود سواء لـم يـميـزك دونـه الابداع
لكـما في الحـياة حـرية العـيش سـواء لـكـم بـهـا الانتفاع
فـلماذا تـمتاز بالـحـكـم فـيه وعـليـه لأمـرك الاسـتماع
الـفـضل أضـحـت تـدار لديه بيـديـك الـشؤون والأوضاع
كـل مـا تـدعـيه أنـك أقـوى وبـذا تـدعي الوحوش السباع
ما لهذي النفوس تضرى مع القسوة فـي ظـلمهـا وتجفوا الطباع
فـيخـال القـويّ أن لـه الحـق ومـن واجـباتـه الاخـضاع


ادب الطف - الجزء التاسع82


الشيخ جعفر العوامي

المتوفى 1342

أفـدي الحسين لعـرصة كربلا في اسرة شادوا العلاء وقوموا
ان جردت بيض الصفاح أكفهم تلقـى بهـا هـام العدو يحطم
وعدوا على الأعداء اسداً مالهم من منجد إلا الصقيل المخـذم
فكأنهم تحت العجاج لدى الوغى شمـس طوالع والرماح الأنجم
بذلـوا نفوسهـم لسبط محـمد فسموا غداة على المنية أقدموا

ومنها في مصرع الحسين عليه السلام :
مـن مـبلغـنّ بـني لوى أنه في كربلا جسم الحسين مهشم
من مبلغـن بني نزار وهاشماً جـذّت أكفـهم وشلّ المعصم
أعلمتم أن الحسين على الثرى للبيض والسمر الخوارق مطعم
أعـلمتـم أن الحسين بكربلا أكفـانه الـبوغاء والغسل الدم
والرأس في رأس السنان كأنه بـدر تجـلّى عـنه أفق مظلم
ونساؤه أسرى يشفهم الطوى فوق الهزال تساق أم لم تعلموا
هبوا من الأجداث إن بناتكم بين الأعـادي تستـهان وتشتم
* * *

الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد (أبي المكارم) العوامي . ترجم له حفيده البحاثة الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه (أعلام العوامية في

السابق السابق الفهرس التالي التالي