ادب الطف - الجزء التاسع53


وله من قصيدة أسماها (النبأ اليقين في مدح أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام) :
عـلي أخي الـمختار ناصر دينه وملّـته يـعـسوبـهـا وإمـامهـا
وأعلم أهل الدين بعـد ابن عـمه بـأحـكـامـه من حـلّها وحرامها
وأوسعهـم حـلماً وأعظمهم تقى وأزهـدهـم فـي جـاهها وحطامها
وأولهـم وهـو الـصبي اجـابة إلـى دعـوة الإسلام حـال قيامـها
فكل امرئ من سابقي امة الهدى وان جـلّ قـدرا مقـتد بغـلامهـا
أبي الحسن الكرار في كل مأقطٍ مبـدد شـوس الـشرك نقّاف هامها
فتى سمته سمت النبي وما انتقى مـواخاتـه إلا لـعظـم مـقـامها
فـدت نفسه نفس الـرسول بليلة سرى المصطفى مستخفياً في ظلامها
لـه فـتكات يوم بدر بها انثنت صناديـد حرب أدبرت في انهزامها
سقى عتبة كاس الحتوف وجرّع الـولـيد ابـنه بالسيف مرّ زؤامـها
وفـي أحـد أبلى تجاه ابن عمه وفـلّ صفـوف الكفـر بعد التئامها
بعـزم سماويٍ ونفـسٍ تعـودت مساورة الأبـطال قـبل احـتلامـها
أذاق الردى فيها ابن عثمان طلحة أمـير لـواء الـشرك غرب حسامها
وعمرو بن ود يوم أقحم طـرفه مدى هـوّة لـم يخش عقبى ارتطامها
دنا ثم نادى القوم هل من مبارزٍ ومـن لـسبنتي عـامـر وهـمامها
تحدّى كماة المسلمين فلم تجـب كـأن الكـماة استغـرقت في منامها
فـناجـزه مـن لا يروع جنانه إذا اشـتبّت الهـيجاء لفـح ضرامها
وعاجله من ذي الفقار بضـربةٍ بها آذنـت أنـفاسـه بانـصرامـها
وكم غيرها من غمة كان عضبه مـبدّد غـمـاهـا وجـالـي قتامها
بـه في حـنين أيـّد الله حـزبه وقـد روّعـت أركانـه بانهـدامـها
سل العرب طراً عن مواقف بأسه تجـبك عـراقـاهـا ونازح شامـها


ادب الطف - الجزء التاسع54


ونـاشـد قـريشاً من أطلّ دماءَها وهــدّ ذرى ساداتـها وكرامهـا
أجنّـت له الحقـد الدفين وأظهرت لـه الـودّ في اسلامها وسلامـها
ولما قـضى الـمختار نحباً تنفسّت نفـوس كثيرٍ رغـبة في انتقامـها
أقامـت مـلياً ثـم قامـت ببغـيها طوائف تلقى بعـد شـرّ أثامـهـا
قـد اجـتهدت قالوا وهذا اجتهادها لجمع قوى الإسلام أو لانـقسامـها
ألـيس لـها في قـتل عمّار عبرة ومـزدجر عن غيها واجـترامـها
أليس نجـمٍّ عـزمـه الله أمضـيت إلـى الناس إنذاراً بمـنع اختصامها
بـها قـام خـير الـمرسلين مبلغاً عـن الله أمـراً جازماً بالـتزامهـا
هو العروة الوثقى التي كلُ مَـن بها تمسك لا يعروه خـوف انفصامـها
أمـا حـبه حـب الـنبي مـحـمد بـلى وهـمـا والله أزكى أنامهـا
شمـائـل مـطبـوع عـليها كأنها سجايا أخـيه المصطفى بتمامـهـا
حنـانـيك مولى المؤمنين وسيد الـ ـمنيبين والساقي بـدار سلامـهـا
فلـي قـلب متبـول ونفس تدلّهت بحـبك يا مـولاي قـبل فطامـها
وداد تمـشي فـي جـميع جوارحي وخامـرها حتى سرى في عظامها
هـو الحـب صدقاً لا الغلوّ الذي به يفوه ـ معاذ الله ـ بعض طغامهـا
ولا كـاذب الـحب ادعـته طوائف تـشوب قـلاهـا بانتحال وئامهـا
تـخال الـهدى والحـق فيما تأوّلت غروراً وترميني سفاهـاً بذامـهـا
وتنبزني بالرفـض والزيغ إن صبا إليك فـؤادي في غضون كلامهـا
تلـوم ويـأبى الله والـدين والحجى وحـرمة آبائي اسـتماع ملامـهـا
فـاني عـلى عـلمٍ وصدق بصيرةٍ مـن الأمر لم أنقـل بغير زمامـها
ألا ليـت شعـري والـتمني محببٌ إلـى الـنفس تـبريداً لحرّ أوامـها
متـى تـنقضي أيام سجني وغربتي وتنحل روحي مـن عقال اغتمامها
وهل لي إلى ساح الـغربـين زورة لأستاف ريـاً رنـدهـا وبشامـها


ادب الطف - الجزء التاسع55


إذا جـئتها حـرمت ظـهر مطـيتي وحـرّرتها من رحـلها وخطامها
وانـي عـلى نـأي الـديار وبيـنها وصـدع الليالي شعبنا واحتكامها
منـوط بهـا ملـحوظ عـين ولائها قـريـب الـيها مرتوٍ من مدامها
الـيك أبـا الـريحانـتين مـديحـة بعلياك تعـلو لا بحسن انسـجامها
مقصرة عن عشر معشار واجب الثـ ـناء وإن أدّت مـزيد اهـتمامها
ونفـثة مـصدور تخفـق بـعض ما تراكـم فـي أحـنائه من حمامها
وأزكـى صـلاة بالـجلال تـنزلت من المنظر الأعلى وأزكى سلامها
على المصطفى والمرتضى ما ترنمت على عـذبات البان ورق حمامها

وقال من قصيدة في مدح أهل البيت عليهم السلام :
مـن غـرامي بقرطها والقلاده ان أمـت مغرماً فموتي شهاده
غـادة حـلّ حـبها في السويدا ورمـى سهـمها الفؤاد فصاده
وإذا عـرّج النـسـيم عـليهـا هـزّ تـلك الـمعاطف الميّاده
زارنـي طـيفها ومـنّ بـوعد هل ترى الطيف منجزاً ميعاده
زارنـي طـيفها ومـنّ بـوعد هل ترى الطيف منجزاً ميعاده
لـيس إلا لـها وللنـفر البيض بنـظم الـقريض يجري جياده
يـا غـريباً بـأي وادٍ أقامـوا من فسيح البلاد صاروا عهاده
آل بـيت الـرسول أشرف آل في الـورى أنتم وأشرف ساده
أنـتم الـسابقون في كـل فخرٍ أسـس الله مـجـدكـم وأشاده
أنـتم للـورى شمـوس وأقـما ر إذا ما الضلال أرخى سواده
أنـتم مـنبع الـعلوم بـلا ريب وللـدين قـد جـعلتم عـماده
أنـتم نعـمة الـكريـم عـلينا إذ بكـم قـد هدى الإله عباده
لـم يـزل مـنكم رجال وأقطا ب لمـن اسلمـوا هـداةً وقاده
أنتـم الـعروة الـوثيقة والحبل الـذي نـال ماسـكوه السعاده
سفـن الـنجاة أن هـاج طوفا ن المـلـمات أو خشينا ازدياده


ادب الطف - الجزء التاسع56


وبكـم أمـن أمـة اخير إذ أنـ ـتم نجـوم الـهداية الـوقاده
اذهب الله عنكم الرجس أهل الـ ـبيت في محكـم الكتاب أفاده
وبتـطهـير ذاتـكم شهـد القر آن حـقاً فـيا لها مـن شهاده
مَـن يـصلي ولم يصلّ عليكم فهـو مبدٍ لذي الجـلال عناده
معشرٌ حبكم على الناس فرض أوجـب الله والرسول اعتماده
وبكـم أيهـا الأئمـة فـي يو م التنادي عـلى الكريم الوفاده
يـوم تأتـون واللـواء عـليكم خـافـقٌ ما أجـلها من سياده
والمحـبون خـلفكـم في أمان حين قول الجحيم هل من زياده
فاز والله في القـيامـة شخصٌ لكـم بالـوداد أدى اجـتهـاده
كل من لم يحبكم فهو في النـ ـار وان أوهـنت قواه العباده
هكـذا جاءنا الحديث عـن الها دي فمـن ذا الذي يروم انتقاده
كـل قـالٍ لـكم فأبــعده اللـ ـه وعن حوضكم هنالك ذاده
خاب من كان مبغضاً أحداً منـ ـكم ومن قد أساء فيه اعتقاده
ضـلّ مـن يرتجي شفاعة طه بـعد أن كان مـؤذيـاً أولاده
آل بيـت الرسول كم ذا حويتم مـن فخـار وسـؤددٍ وزهاده
أنتـم زيـنة الوجود ولا زلـ ـتـم بجيدِ الزمان نعم القلاده
فيـكم يعـذب الـمريح ويحلو وبـه يسرع القـريض انقياده
كيف يحصي فخاركم رقم أقلا م ولو كانـت الـبحار مـداده
أُنتـم أُنـتم حـلـول فـؤادي فـاز والله مـن حـللتم فؤاده
وأنا الـعبد والـرقيق الذي لم يكـن الـعتق ذات يوم مراده
أرتجي الـفضل منكم وجـدير بـكم الـمنّ بالرجـا وزيـاده
فاستقيموا لـحاجتي ففـؤادي مُخـلص حـبّـه لكـم ووداده
إنّ لـي يا بـني البتول اليكم فـي انـتسابي تسلسلاً وولاده
خلفتني الـذنوب عنكم فريداً فارحموا عجز عبدكم وانفراده
فـلكم عـند ربكـم ما تشاؤو ن وجـاه لا تـختشـون نفاده


ادب الطف - الجزء التاسع57


السيد هاشم كمال الدين

المتوفى 1341

الـمـرء يحـسب أنـه مأمـون والـموت حـق والفناء يقين
لا تأمـن الـدنيا فـإن غرورها خدع الأوائل والزمان خـؤن
مـا مـرّ آن من زمانـك لحظة إلا وعمـرك بالفنا مـرهون
وإذا غـمرت بـنعمـة وبـلذة لا تنسينك حـوادثا ستكـون
وإذا بكـيت عـلى فـراق أحبة فلتبك نفسك أيـها المسكـين
لا بـدّ مـن يوم تفارق معشراً كنت الوجيه لديهم وتـهـون
والناس منهم شامت لـم يكترث فيـما دهاك ومنهم مـحزون
وتـرى من الهـول الذي لاقلّه تذرى الدموع محاجر وعيون
فـكأنـه اليوم الذي في كربلا يـوم بـه طاها النبي حزين
يـوم بـه السبع الطباق لعظمه قد دكها بعد الحـراك سكون
وتجلببت شمس الضحى بملابس سوداً تجلبب مثلهـن الـدين
يوم به فـرد الزمان قد اغتدى فرداً وليس له هـناك معـين
ما بـين أعـداء عليه تجمعت منها الجوانح ملؤهن ضغـون
طمع العـدو بأن يسالم مـذعنا فأبى الـوفاء وسيفه المسنون
وسـطا يفـرق جمعهـم بمهند فيه الرؤوس عن الجسوم تبين


ادب الطف - الجزء التاسع58


ظمـآن يـمنع جـرعة من مائها والماء للـوحش السروب معين
حفت به اسـد العـرين وما سوى سمرالعواسل والسيوف عـرين
ضعفـوا عـديداً والعدا أضعافهم وبدوا جسوما والقلوب حصون
تركوا الحياء بكربلاء وأرخصوا تلك الـنفـوس وسومهن ثمين
وحموا خـدوراً بالسيوف وبالقنا فيها ودائع أحمـد والــديـن
لم أنسهن إذ العدا هـتك ضحـى منها الخـبا وكفيلهـن طـعين
حسـرى تجاذبهـا الطغاة مقانعاً من تحتها سرّ العفاف مصـون
وتعـجّ تنـدب نـدبـها وحميّها والجسم منه في الصعيـد رهين
مـن للـنساء الحـائرات بمهمه لـم تـدر موئلها وأين تكـون
* * *

السيد هاشم هو الأخ الأكبر ، للشاعر الشهير السيد جعفر ، المترجم له في جزء سابق من هذه الموسوعة ، جاء مع أخيه إلى النجف لاستكمال الفضيلة ، فدرس على جماعة من علماء عصره علمي الفقه والاصول ، ولما توفي أخوه السيد جعفر سنة 1315 هـ . انتقل بعده بسننين إلى الكوفة حوالي سنة 1318 هـ . فكان أحد أفاضلها الذين يرجع اليهم في المسائل الشرعية وأحد أئمة الجماعة بها في مسجد قريب من داره يعرف بمسجد النجارين ، وكان وقوراً حسن الطلعة بهي المنظر مهيباً في مجلسه وحديثه . ولد في قرية السادة ـ من أعمال الحلة الفيحاء ـ سنة 1269 هـ . فهو أكبر من شقيقه السيد جعفر بثمان سنين ولأخيه المذكور فيه مدائح وله معه مراسلات مثبتة بديوانه منها قوله وقد بعث بها اليه من النجف إلى الحلة كما في الديوان .
يا أيهـا الـمولى الـذي أصفيته ودي وإخلاصي وصفو سرائري
يا هاشماً ورث العلى مـن هاشم فسما على بادي الورى والحاظر
أهـوى لقـاك وبيننا بـيـداء لا بالـخفّ نـقطعها ولا بالحـافر
وتـهزني الـذكرى الـيك محبة فكأن قلبي في جـناحي طائـر


ادب الطف - الجزء التاسع59


وكان وفاته بالكوفة آخر شعبان سنة 1341 هـ . وله أراجيز ومنظومات عديدة في الفقه كالطهارة وأحكام الأموات وغير ذلك ذكرها الشيخ آغا بزرك في (الذريعة) وقد جمع ديوان أخيه السيد جعفر المطبوع في صيدا ـ لبنان سنة 1331 هـ . ورثاه بقصيدتين مطلع الاولى :
ببينك لا بالماضيات القواضب أبنت فؤادي بل أقمت نوادبي

ومطلع الثانية :
مضيت وخلّفت القذا بمحاجري وأججت نيران الأسى بضمائري
ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره ونثره ومراسلاته وأدبياته .
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع60


السيد جواد مرتضى

المتوفى 1341

حتى مَ مِـن سكـر الهوى أبـداً فـؤادك غير صاحي
فـنيَ الـزمـان ولا أرى لقـديـم غيـّك من براح
يمّـم قـلوصك للـسرى واشـدد ركابـك للـرواح
مـا الـدهـر إلا لـيلـة ولسوف تسفر عـن صباح
قـم واغـتـنمها فرصة كـادت تـطيـر بلا جناح
مـت قـبل موتك حسرة فعساك تـظفـر بالـنجاح
أو مـا سمـعت بحادث مـلأ الـعـوالـم بـالنياح
حـيث الحـسين بكربلا بيـن الأسـنة والـرمـاح
يغـشى الـوغى بفوارس شـوس تـهيج لدى الكفاح
مـتـقلـديـن عـَزائماً أمضى مـن البيض الصفاح
وصـل الـمنية عـندهم أحـلى مـن الـخود الرداح
يتـدافعـون إلـى الوغى فـكأنـهم سـيل الـبطـاح
هـتفـت منيتـهـم بهم فـتقـدمـوا نحـو الصياح
وثووا على وجه الصعيـ ـد كأنـهـم جزر الأضاحي
قـد غســلوا بـدم الطلا بـدلاً عـن الـماء الـقراح


ادب الطف - الجزء التاسع61


أمست جـسومـهم لقى ورؤوسهـم فـوق الـرمـاح
لا تنشئي يا سحب غيـ ـثاً تـرتوي مـنـه الـنواحي
فلـقد قضى سبط النبي بكـربـلا صـديـان ضاحي
أدمـى الـمدامع رزؤه ورمـى الأضالـع بـالـبراح
فلتلطم الأقوام حـزنـاً حُــرّ أوجـهـهـا بــراح
ولتـدرع حـلل الأسى أبـداً ولا تـصـغـي للاحي
ساموه إما الموت تحـ ـت البيض أو خفـض الجناح
عـدمـت أمية رشدها وتـنكـبـت نـهـج الفـلاح
فمتى درت أن الحسيـ ـن تـقـوده سـلس الـجماح

وقال يرثي الحسين عليه السلام أيضاً :
أيـدري الـدهـر أي دم أصابـا وأي فـؤاد مـولـعــةٍ أذابــا
فهـلا قـطـعت أيدي الأعـادي فـكـم أردت لـفـاطـمـة شبابا
وكم خدر لفـاطـمـة مـصون أبـاحـته وكـم هـتكت حجـابـا
وكـم رزء تـهـون لـه الرزايا ألـمّ فالـبس الـدنـيـا مـصابـا
وهـيج فـي الحشى مكنون وجدٍ لـه الـعبـرات تـنسـك انسكـابا
وأرسل مـن أكـف البغي سهما أصـاب مـن الـهـداية ما أصابا
أصاب حشى البتول فلهف نفسي لظـام لـم يـذق يـومـاً شـرابا
قضى فالشـمس كاسـفه عـليه وبـدرالـتم في مـثـواه غـابـا
وكـم مـن مـوقف جمّ الرزايا لـو أن الـطفـل شاهـده لـشابا
بـه وقـف الحسين ربيط جأش وشوس الحرب تضطرب اضطرابا
يصـول بأسـمر لـدن سـنـاه كومـض الـبرق يلـتهب التهـابا
وبارقـه يلـوح الـموت منـها إذا ما هـزهـا مطـرت عـذابـا
* * *


ادب الطف - الجزء التاسع62


السيد جواد مرتضى ، ينتهي نسبه الشريف إلى الشهيد زين بن علي بن الحسين (ع) . ولد في قرية عيتا من أعمال صور ـ لبنان سنة 1266 هـ . ودرس مبادئ العلوم على علماء لبنان وارتحل إلى النجف الأشرف لطلب العلوم الدينية والمعارف الربانية فاقام بها ثمانية عشرة سنة كلها بين مفيد ومستفيد ، درس الفقه والاصول على أساطين العلماء كالشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف ، وكان يقضي جلّ أوقاته في الدرس والتدريس ثم سار إلى دمشق ـ الشام لما تكاملت فيه الكفاءة ولحاجة الناس إلى أمثاله ومنها توجه إلى مسقط رأسه (عيتا) فكانت عنده حوزة تدريس حتى تخرّج الكثير من علماء جبل عامل على يده ، ولما رأى حاجة أهالي بعلبك إلى أمثاله سار بطلب منهم حتى أقام فيهم مدرساً ومصلحاً ومرشداً وألّف كتاب (مفتاح الجنات) وبمساعيه أسس الجامع الكبير المعروف بـ جامع النهر ومدرسة بالقرب منه ثم رجع إلى عيتا .
توفي ضحوة يوم الخميس ثاني جمادى الأول سنة 1341 هـ . ودفن هناك إلى جنب أخيه المرحوم العلامة السيد حيدر مرتضى المتوفى سنة 1336 هـ . كان لوفاته رنة أسى وحزن عميق وقد اقيمت له مجالس التعزية وذكريات التأبين ورثاء جمع من شعراء عصره .
وقد جمع الاستاذ العلامة السيد عبد المطلب مرتضى جميع ما أُلقي من الشعر في تأبينه وما قاله المؤبنون في مجالس ذكراه وأسماه بـ (شجى العباد في رثاء الجواد) وطبع في مطبعة العرفان ـ صيدا سنة 1341 هـ .

ادب الطف - الجزء التاسع63


قال يمدح السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي عليه السلام في دمشق سنة 1330 هـ .
حـرم لـزيـنب مشرق الاعلام سـام حـباه الله بـالإعـظـام
حـرم عـليه مـن الجلال مهابة تدع الرؤوس مـواضع الاقـدام
فـي طـيه سـر الالـه محجب عـن كـل رائـدة من الأوهام
بادي السنا كالبدر في افـق السما متجلـياً يـزهـو بأرض الشام
فـإذا حلـلت بـذلك النادي فقم لله مـبتـهـلاً بـخـير مـقام
في روضة ضربـت عليها قـبة كبـرت عـن التشبيه بالاعلام
يحـوي مـن الدر الثمين جمانة لمّـاعـة تـعـزى لخير إمام
صـنو النبي المصطفى ووصيه وأبـو الـهداة القـادة الأعلام
أسنى السلام عليه ما هبّت صبا وشدا على الأغصان ورق حمام
وعلى بنـيه الـغر أعلام الهدى ما أنهـل قطر من متون غمام


ادب الطف - الجزء التاسع64


الحاج مجيد العطار

المتوفى 1342

شهـر المحـرم فاتك العذر أوجعت قلب الدين يا شهر
فكأن شيمتك الخـلاف على آل النبي وشانـك الغـدر
يا شهر هل لك عندهـم ترة أنى وعندك كـم لهم وتر
لا ايبضّ يومك بعـد نازلة منها يكاد الدمـع يحمـرّ
غشيت هلالك مـنه غاشية بالطف يكسف عندها البدر
سلب الأهلة بشرهـا فغـدا أيامـها الأعـياد والـبشر
أيطيب عيش وابـن فاطمة نهبت حشاه البيض والسمر
تـالله لا أنساه مضطهـداً حتى يضم عظامي الـقبر
ومشرداً ضاق الفضاء بـه فـكأن لا بـلد ولا مصر
منع الـمناسك أن يوديـها بمنى فكان قضاءها النحر
أفـديـه مستلماً بجـبهتـه حجراً إذا هو فاته الحجر
أو فاتـه رمي الجمار فقـد أذكى لهيب فؤاده الجـمر
يسعى لاخـوان الصفا وهم فوق الصعيد نسائك جزر
ويطوف حول جسومهم وبه انتظم المصاب ودمعه نثر
حتى إذا فقـد النصير وقـد نـزل البلاء وأُبـرم الأمر
سئم الـدنية أن يـقيم بـها لـوث الإزار وعيشها نكر


ادب الطف - الجزء التاسع65


وعـظ الكتائب بالكتاب وفي آذانهـم مـن وعظه وقر
فانصـاع يـسمعهـم مهنده آيات فصل دونها العـذر
فأبـوا سوى مـا سنّه لـهم الأحزاب يوم تتابع الكفـر
حتى جرى قلـم القضاء بما بلغ المرام بفتكـه شمـر
الله أكـبــر أي حـادثـة عظمى تحير عندها الفكر
يا فهر حيّ على الردى فلقد ذهب الردى بعلاك يا فهر
هـذا حسين بالطـفوف لقى بلـغت بـه آمالها صخر
حفّـت بـه أجـساد فـتيته كالبدر حين تحفها الزهر
أمـن الـمروءة أن أُسرتَكم دمهـم لآل اميـة هـدر
أمـن الـمروءة أن أرؤسهم مثل البدور تقلّها السمـر
أين الأباء وذي حرائـركـم بالطف لا سجف ولا خدر
أسـرى على الأكوار حاسرة بعد الحجال يروعها الأسر(1)
* * *

هو الحاج عبد المجيد بن محمد بن ملا أمين البغدادي الحلي الشهير بالعطار ، ولد ببغداد في شهر ذي القعدة عام 1282 هـ . في محلة صبابيغ الآل ، وهاجر به وبأبيه جده ملا أمين وهو طفل صغير ، فنشأ في الحلة .
وبعد وفاة والده ، وبلوغه سن الرشد فتح حانوتاً في سوق العطارين في الحلة ، وصار يمتهن بيع العقاقير اليونانية حتى غلب عليه لقب (العطار) وقد اتصل بأهل العلم والأدب وأكثر من مطالعة دواوين الشعر وكتب الأدب ، حتى استقامت سليقته وتقوّمت ملكته الأدبية ، وكانت الحلة آنذاك سوق عكاظ كبير ، ومجمع الادباء والشعراء في تلك الحقبة الزاهية من تاريخها ، يختلف اليها النابهون والمتأدبون .

(1) سوانح الافكار ج 3 / 196 .
ادب الطف - الجزء التاسع66


قال اليعقوبي : «سألته يوماً وقلت له : عن أي شيخ أخذت ، وعلى أي استاذ تخرجت . فقال : على الله»(1) .
ولكن ابنه المرحوم الحاج عبد الحسين أخبرني يوماً ، قال : «ان أباه كان قد درس في المدارس الحكومية أيام الحكم العثماني ، وانه تخرج فيها ، كما أنه كان قد أتقن اللغة التركية والفارسية وتأدب بهما ، كما أتقن الفرنسية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية ، وكان أن عُرضت عليه وظيفة حكومية بدرجة عالية ، إبان الحكم العثماني بناءً على ثقافته ودراسته ، إلا أنه امتنع عن اشغالها لاعتقاده بعدم جواز التعاون مع حكومة لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح ، وان ما سيتسلمه من مرتب هو غير حلال» .
وقد كان المترجم له «فائق الذكاء ، سريع الخاطر ، متوقد الذهن ، حاضر البديهة ، أجاد في النظم ، وأتقن الفارسية والتركية ، وترجم عنهما كثيراً(2) كما ترجم كثيراً من مفردات ومثنيات الشعر الفارسي والتركي ، إلى العربية شعراً .
وقد امتاز (رحمه الله) بسمو أخلاقه وعفه نفسه ، ووفائه لأصدقائه ، لذا كان حانوته ندوة أدب ، ومنتدى فكر ، ومدرسة شعر ، يختلف اليه الادباء والعلماء ، كما يؤمّه الشعراء والمتأدبون ...
ولما ثار الحليون على السلطة التركية 1334 هـ . وسادت الفوضى فيها خشي المترجم له سوء العاقبة ، وخشي هجوم الأتراك لارجاع سلطتهم ثانية ، وفتكهم فيها (كما وقع فعلاً بعد ذلك في واقعة عاكف) انتقل بأهله الكوفة التي كان قد «بنى فيها داراً وعقاراً قبل هذه الحوادث»(3) وأقام فيها حتى

(1) و(3) البابليات ج 3 / القسم الثاني / ص 69 .
(2) طبقات اعلام الشيعة : اغا بزرك الطهراني . وهو «للكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة» ج 1 / ق 3 / 1226 .
ادب الطف - الجزء التاسع67


توفي فيها في السادس عشر من ذي القعدة سنة 1342 هـ . ودفن في النجف الأشرف .
كان (رحمه الله) قد تضلع في فن التاريخ ، وأتقن منه ألواناً ، كان ينظمه ارتجالاً ، مما كان يثير استغراب أهل الفن .
قال اليعقوبي : «ولم شاهد أبرع من المترجم له ولا أبدع منه في هذا الفن ، فقد كان ينظم التاريخ الذي يقترح عليه مع ما يناسبه من الأبيات قبله دون اشغال فكرة ، أو إعمال روية ، كأنه من كلامه المألوف وقوله المتعارف ، وله فيه اختراعات لم يسبقه اليها أحد»(1) ، «وقد برع في نظم التواريخ الشعرية وتفوّق في هذا الفن على معاصريه»(2) .
وأكثر شعره (رحمه الله) في رثاء آل البيت ومدحهم (عليهم السلام) مما كان يتناقله الخطباء والقراء والذاكرون ، لجزالته وسلاسته ، وقليل ما يتجاوز ذلك في مناسبات خاصة في تهنئة أو مديح بعض الفضلاء من العلماء ، أو ممن تربطه بهم وشائج الاخوة والوفاء .
أما تواريخه الشعرية ، فانها لو جمعت كلها لكانت ديواناً مستقلاً ، وسجلاً تاريخياً تؤرخ تلك الحقبة من ذلك الزمن .
فمن ذلك البيتان اللذان ضمنهما (28) تاريخاً في الحساب الأبجدي يؤرخ فيها عمارة تجديد مقام الإمام علي (ع) في الحلة سنة 1316 هـ :
بباب مقام الصهر مـرتقبا نحا أخو طلب بالبر من علمٍ بـرا
مقام برب البيت في منبر الدعا أبو قاسم جرّ الثنا عمها أجرا

وله مثلهما أيضاً في تاريخ زفاف المرحوم السيد أحمد إبن السيد ميرزا صالح القزويني وفيهما (28) تاريخاً وذلك سنة 1318 هـ :

(1) البابليات ج 3 ـ ق 2 ـ ص 70 .
(2) طبقات اعلام الشيعة : «الكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة» ج 1 / ق 3 / 1226 .


السابق السابق الفهرس التالي التالي