أدب الطف الجزء السادس 217


يا طف طاف على مقامك كـل هـتـان هـطـول
وأناخ فيـك من السحاب الغـر مثـقلة الـحمـول
وحباك مـن مـر النسيم بكـل خـفـاق عـليـل
أرج يـضـوع كـأنـه قد بـل بالـمسك البلـيل
حـتـى تـرى خـضر المرابع والمراتع والفصول
كاسي الـروابي والبطاح مطارفـا هـدل الذيـول
قسمـا بتربـة ساكنيـك وما بضمنك مـن قتيـل
أنا ذلك الظامي وصاحب ذلـك الـدمـع الهطـول
لا بعـد يـنسينـي ولا قـرب يبـرد لـي غليلي
يا خير من لاذ القربض يظـل فخرهـم الظليـل
وأجـل مسـؤول أتـاه فنـال عاف خيـر سـول
لـكم المساعـي الـغر والعليـاء لامـعة الحجول
والمكرمات وما أشـاد الدهر مـن ذكـر جميـل
وجميـع مـا قال الأنام ومـا تسامـى مـن مقول
والمـدح في أم الكتاب ومـا أتى عـن جبـرئيل
وثنـاي أقصـر قاصر وأقـل شـيء مـن قليل
والعجز ذنبـي لا عـدو لي عـن أخ البر الوصول
وأنا المقصر كيف كنت فـهل لعذر مـن قبـول
وأرى الكمال بكم فمدح الفاضـلين مـن الفضول
صـلى الإلـه عليكـم مـا جد ركب فـي رحيل


أدب الطف الجزء السادس 218


الحاج هاشم الكعبي



الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي الدورقى. ولد ونشأ في (الدورق) مسكن عشائر كعب بن الأهواز ثم سكن كربلاء والنجف، توفى سنة 1231.
والكعبي نسبة إلى قبيلة كعب العربية التي تسكن الأهواز ونواحيها، من فحول الشعراء وفي طليعتهم ونظم في رثاء أهل البيت عليهم السلام فأكثر وأبدع وأجاد، واحتج وبرهن وأحسن وأتقن، وكل شعره من الطبقة الممتازة.
تحفظ الخطباء شعره وترويه في مجالس العزاء وتشنف به الأسماع. له ديوان أكثره في الأئمة عليهم السلام. ومن شعره المقصورة وكأنه عارض بها مقصورة ابن دريد التي تنيف على مائتين وخمسين بيتاً يذكر في أولها حكماً وأمثالا وفي وسطها حماسة وفي آخرها مديح أهل البيت عليهم السلام واحداً بعد واحد أولها:
يا بارقا لاح على أعلى الحمى أأنت أم أنفاس محروق الحشا

قال الشيخ أغا بزرك الطهراني: الحاج هاشم بن حردان بن اسماعيل الكعبي الدورقي من العلماء الفضلاء والشعراء والمشاهير، هاجر من الدورق إلى كربلاء فحضر على علمائها عدة سنين وصار من أهل والفضل والعلم البارزين وبرع في الشعر وفنون الأدب حتى عد في مصاف شيوخه والمشاهير من أعلامه وله ديوان كبير ومعظم شعره في رثاء أهل البيت عليهم السلام، ولا سيما مراثي سيد الشهداء عليه السلام وشعره رقيق منسجم، ولم أقف على مشايخه

أدب الطف الجزء السادس 219


ويحتمل أن يكون من تلاميذ الشيخ حسين العصفوري. رأيت بخطه (هداية الأبرار) للشيخ حسين بن شهاب الدين الأخباري كتبه لنفسه ودعا لها بالتوفيق وتاريخ فراغه منه سنة 1207 توفى سنة 1231. انتهى عن (الكرام البررة).
لقد مضى على وفاة الشاعر الكبير أكثر من مائة وستين عاماً وشعره يعاد ويكرر في محافل سيدالشهداء ويحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني وهو مقبول مستملح بل نجد الكثير يطلب تلاوته وتكراره وكأن عليه مسحة قبول وهذا ديوانه الذي يضم بين دفتيه عشرين قصيدة حسينية أو أكثر لقد طبع وأعيدت طبعاته والطلب يتزايد عليه، فهذه رائعته التي عدد فيها مواقف الإمام أميرالمؤمنين البطولية تهتز لها القلوب وتدفع بالجبناء ليكونوا شجعاناً وتنهض بهممهم ليصبحوا فرساناً وهي تزيد على 150 بيتاً ففي مطلعها يقول:
أرأيت يوم تحملتك القودا من كان منا المثقل المجهودا

إلى أن يصف مفاداة الإمام عليه السلام للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومبيته على فراشه ليلة الهجرة فيقول:
ومـواقف لـك دون أحمد جاوزت بمقامك التعـريف والتحـديدا
فعلى الفـراش مبيـت ليلك والعدى تهدي إليك بـوارقا ورعـودا
فرقـدت مثلـوج الـفـؤاد كأنـما يهدي القراع لسمعـك التغريدا
فكـفيـت ليلتـه وقمـت مفاديـاً بالنفـس لا فشـلا ولا رعديدا
واستصبحوا فرأوا دوين مرادهـم جبلاً أشـم وفارسـاً صنديداً
رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى أو مادروا كنز الهدى مرصودا


أدب الطف الجزء السادس 220


وقال:
وغـداة بـدر وهـي أم وقـائع كبـرت ومـا زالـت لهن ولودا
فالتح عتـبـة ثاوياً بيمين مـن يـمناه أردت شـيبـة وولـيـدا
فشددت كاللـيث الهزبر فلم تدع ركناً لجيش ضـلالـة مشـدوداً
ولخيبر خبـر يصـم حديثــه سمـع العـدى ويفجـر الجملودا
يـوم بـه كنـت الفتى الفـتاك والكـرار والمحبـو والصنديـدا
مـن بعـد مـا ولـى الجبـان براية الإيمان تلتحف الهوان برودا
ورأتك فابتشـرت بقربك بهجة فعـل الودود يعـاين المــودوا
فغدوت ترقل والقلـوب خوافق والنصر يرمـي نحـوك الأقليدا
وتبعتها فحللـت عقـدة تـاجها بيد سمت ورتـاجهـا الموصودا
وجعلته جسـراً فقصر فاغتدت طولى يمينك جسـرهـا الممدودا
وأبحت حصنهم المشيد ولم يكن حصن لهم مـن بعد ذاك مشيـدا

وفي آخرها يتخلص لبطولة الإمام الحسين يوم كربلاء إلى أن يقول:
لله مـطـروح حـوت منـه الثرى نـفس العلـى والسؤدد المـفقودا
ومـجرح مـا غيـرت منـه القنـا حسناً ولا أخلقـن منـه جديـدا
قـد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى مـذ ألبستـه يـد الدمـاء لبودا
يا بـن النبـي اليـة مـن مدنـف بعـلاك لا كـذبـاً ولا تفنيـدا
مـا زال سهدي مثل حزنـي ثابتـاً والغمض مثل الصبر عنك طريدا
تأبـى الجمـود دمـوع عينى مثلما يأبى حريق القلـب فيـك خمودا


أدب الطف الجزء السادس 221


ويقول في مرثية ثانية:
يـا سائق الحـرة الوجنـاء أنحلهـا طي السرى وطواها الإين والنصب
وجنـاء ما ألـفت يومـاً مباركهـا ولا انثنـت عنـد تعريس لها ركب
عج بي إذا جئت غربي الحمى وبدت منـه لمقلتـك الإعـلام والـقـبب
وحـي عني الأولى أقمارهم طلعت مـن طيبـة ولدى كرب البلاغربوا
وأيـن تلـك البدور التـم لا غربـوا وأين تلك البحور الفعـم لا نضبـوا
قوم كأولهم في الفضـ ل آخـرهم والفضل أن يتساوى البـدء والعقب
مـن كل أبيض وضاح الجبين لـه نوران في جانبيه الفـضل والنسب
يستنجعـون الردى شوقاً لغـايتـه كأنما الضـرب في أفواهها الظرب
حتى إذا سئموا دار البـلى وبـدت لهـم عيانا هناك الـخرد العـرب
فغودورا بالـعرى مصـرعي تلفهم مطـارف مـن أنابـيب القناقشب

وفيها يصف مصرع الحسين عليه السلام بقوله:
إن يصبح الكـون داجي الـلون بعدك والأيام سـوداً وحسن الدهر مستلب
فأنـت كالشمس مـا للعالمين غنـى عنها ولم تجـزهم من دونها الشهب
تالله مـا سيف شمـرنال مـنك ولا يد اسنان وإن جـل الـذي ارتكبوا
لولا الأولى أغضبوا رب العلى وأبوا نص الولاء وحق المرتضى غصبوا
أصابك النفـر الماضى بما ابتدعوا ومـا المسبـب لو لم ينجح السبب


أدب الطف الجزء السادس 222


ولا تزال خيـول الحـقد كامنـة حتى إذا أبصروها فـرصة وثبوا
كف بها أمك الزهراء قد ضربوا هي التي أختك الحورا بهـا سلبوا
وإن ناروغى صالـيت جمرتهـا كانت لها كف ذاك البغي تحتطب
* * *
يفنى الزمان وفيك الحزن متصل باق إلـى سرمـد الإيـام ينتسـب
كأن حزنك في الأحشاء مـجدك في الأحياء لم تبله الأعوام والحقب

ويقول من أخرى:
وأقبـل ليث الغاب يهتف مطرقا على الجمع يطفو بالألوف ويرسب
إلـى أن أتاه السهم من كف كفر ألا خاب باريها وخـاب المصوب
فخـر على وجه التراب لوجهه كما حر من رأس الشناخيب أخشب
ولم أنس مهما أنس إذ داك زينبا عشية جـاءت والقواطـم زينـب
تحـن فيجـري دمـعها فتجيبها ثواكل فـي أحشائهـا النار تلهـب
نوائح يعجمـن الشجى غير أنها تبين عن الشجـو الخفـي وتعرب
نوائح ينسيـن الحمـام هديلهـا إذا ما حـدى الحادي وثاب المثوب
وما أم عشر أهلـك البين جمعها عداداً يقفي البعض بعضا ويـعقب
بأوهى قوى منهن ساعة فارقت حسينا ونادى سائق الركـب ركبوا
* * *
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم تسح لها العينان والخـد يشـرب
أما فيكم يـا أمة السـوء شيمة إذا لم يكن دين ولم يـك مذهـب
بنات رسول الله تسبى حواسراً ونسوتكم بالصون تخبى وتحجب


(1) ربما يراد بها القطط والكلاب التي تنتظر فضلة المائدة.
أدب الطف الجزء السادس 223


وقال:
أمـا طلـل يـا سعـد هـذا فتسأل نـزال فهذي الدار ان كنت تنزل
هـي الدار لا شوقي إليها وإن خلت يحـل ولاعـن ساكنيهـا يحول
قفوا بـي على أطلالهـا علنا نرى سميعا فنشكو أو مجيـباً فنسـأل
لـي الله كـم تلحوا اللواحي وتعذل وكـم ابتدى عذراً وكـم اتنصل
يريدون بي مستبدلا عـن أحبتـي أحالوا لعمري في الهوى وتمحلوا
أبعد نوى الهادين مـن آل هاشـم يروقـك غزلان وتصبيـك غزل
بهـا ليل أمثال الـبدور زواهـر وليـل الوغى مستحلك اللون اليل
ولا يومـهم وابـن النبي بكربـلا وللنـقع في جو السماكين قسطل
يكـر فتـنـحو نحـوه هاشمـية فوارس أمثال الضـراغـم ترقل
فـوارس مـن عليا قريـش وهاشم لهم سالف في المجديروى وينقل
فوارس إذ نادى الصريخ ترى لهم مكانا بمستن الوغى ليـس يجهل
إلى أن ثـووا تحت العـجاج تلفهم ثياب علا منـها رمـاح وانصل
فظل وحيدا واحد العصر في الوغى نصيراه فيهـا سمهـرى ومنصل
وشـد علـى قلـب الكتيبـة مهره فراحت ثباً مثـل المهـى تتجفل
فديتك كم من مشكل لك في الوغى الاكـل معنى مـن معانيك مشكل
فتـلـك منايا أم أمـان تنـالـهـا وذاك حـريق أم رحيق معسـل
إلى أن أتاه في الحشـى سهم مارق فخر فقل في يذبـل قـل يذبـل
وزلزلت الارضون وارتجـت السما وكادت لـه افـلاكهـا تتعطـل
وأقبـل نحـو المحصنات حـصائه يحن ومن عظم المصيبة يعـول
فاقبـلن ربـات الحجال وللاسـى تفاصيل لا يحصي لهن مفصـل
فـواحدة تحـنو عليـه تضـمـه وأخرى عليـه بالـرداء تضـلل


أدب الطف الجزء السادس 224


وأخرى بفيض النجر تصبغ شعرهـا وأخـرى لما قد نالها ليس تعقل
وأخـرى علـى خوف تلـوذ بجنبـه وأخـرى تفديـه وأخرى تقبـل
وجـاءت لشمـر زينـب ابنة فـاطم تعـنفه عـن أمـره وتـعـذل
أيـا شمـر هـذا حجة الله في الورى أعد نظراً يا شمر إن كنت تعقل
أعــد نظـراً ويــل لامــك إنها إذ الويل لا يجدي ولا العذر يقبل
أيـا شمـر لا تعجل علـى ابن محمد فـذو ترة في مثله لـيس يعجل
ومـر يحـز النحـر غيـر مراقـب من الله لا يخـشي ولا يتـوجل
وراحت لـه الأيـام سـودا كـانمـا تجلببهـا قطـع مـن الليل أليل
واضـحى كتـاب الله من أجل فقـده يحـن لـه فرقانـه والمفصـل
ولـم انـس لا والله زينـب اذ دعت بواحدها والدمـع كالمـزن مسبل
وراحت تنادي جدهـا حين لـم تجـد كفيلا فيحمـى أو حميـا فيكفـل
أيا جدنا هذا الحـبيب علـى الثـرى طـريحاً يخلى عـارياً لا يغسل
يخلى بارض الطـف شلـوا ورأسـه إلى الشام فوق الرمح يهدى ويحمل
لتـبك المعـالي يومهـا بـعد يـومه إذا ما بغـى باغ وأعضل معضل
وبيض الظبى والسمر تدمى صدورها وخيل الوغى تحفى وبالهام تنعل
ومنـقبـة تقلـى وذكـر يـرتـل ومكـرمة تبنـى ومـجد يؤثـل
وليـلـة مسكيـن تحمـل قـوتـه اليـه سراراً والـظـلام مجـلل
بكـاء الـعذارى الفاقـدات كفيلهـا عشية جد الخطب والخطب مهول
متـى نبصـر النصر الآلهى مشرقاً بانواره تكسـى الربـى وتجـلل
يـروم سلـوى فـارغ الـقلب مثله وذلك خطب دونه الصعب يسهل
حـرام على قلبي الـعزا بعد فقدكم وفرط الجـوى فيه المباح المحلل
ولولا الـذي أرجوه من أخذ ثاركم فـاعلـق آمـالي بـه وأعلـل


أدب الطف الجزء السادس 225


لمت على ما كان من فوت نصركم أسى وجوى والموت في ذاك امثل
ولـي سيئـات قـد عرفت مكانها فظهـري منها أحدب الظهر مثقل
ومالي فيـها مـن يـد غير أننـي عليكـم بهـا بـعد الآلـه أعـول
فسمعـا بنـي المختار نظـم بديعة يـذل لهـا بشـر ويخضع جرول
تجـاري كميتا كالكميـت ولم يكن بها أخطل اذ ليس في الشعر أخطل
فان تمـنحوا حسـن القبول فانكم ومـا عنكـم أن تطـردوا متحول
عليكم سـلام الله مـا لاح بـارق ومـا ناح قمـري وما هب شمأل

وقال:
ان تكـن كـربلا فحيوا رباها واطمئـنوا بنـا نشـم ثـراهـا
الثمـوا جـوها الانيق على ما كان في القلب من حريق جواهـا
واغمـروها باحمر الدمع سقيا فـكرام الـورى سقتهـا دمـاها
وبنفسي مودعون وفي العيـ ـن بكاهـا وفـي القلوب لظاهـا
مـن بحـور تضمنتها قبـور وبـدور قــد غيبتهـا ربـاهـا
ركبهـم والقضـا بأظعانهـم يسري وهادي الورى أمـام سراها
وتبدت شوارع الخيل والسمـ ـر وفرسـانهـا يـرف لـواهـا
فـدعا صحبه هلموا فقد اسـ ـمع داعـي المنون نفسي رداهـا
فأجاب الجميع عن صدق نفس اجمـعت امـرها وحازت هـداها
لا ومـعنى بـه تقدست ذاتـا وجـلالا بـه تعـالـيت جـاهـا
لا نخليك أو نخـلي الأعـادي تتخـلى رؤوسهـا عـن طلاهـا
واستبانت على الوفا وتواصتـ ـه واضحى كما تواصت وفاهـا
تتهـادى إلـى الطعان اشتياقا لـيت شعري هـل في فناها بقاها
ذاك حتى ثوت موزعة الأشـ ـلاء صرعى سافي الرمال كساها
وامتطى الندب مهره لا يبالي أشـأتــه مـنـونـه أم شـآهـا


أدب الطف الجزء السادس 226


يتـلقـى القنـا ببـاسـم ثـغـر متلقـى العفـاة حيـن يراها
مـقريـا وأفـديه نسـرا وذئبـا لحـم أسد لحم الأسود قراها
وانبـرت نبـلة فشلت يدا رجـ ـس رماها وكف علج براها
وهـوى الأخشب الأشم فما جت نقطـة الكون أرضها وسماها
وانثـنى المهـر بالظليمة عاري السرج ناع للمـكرمات فتاها
يـا لقومي لعصبة عصت اللـ ـه واضحى لها هواها إلاها
اسخطت أحـمدا ليرضى يـزيد ويلهـا ما أضلها عن هداهـا
يا ابن مـن شرف البراق وفاق الكل والسبعة الطباق طـواها
ان تمنى العدى لك النقص بالقتـ ـل فقد كان فيه عكس مناها
ايـن من مجدك المنيع الأعادي وبك الله فـي العناية باهـى
وعليـك اعتـماد نـفسي فيما امـلتـه ومـا جنته يـداهـا
وذنوبـي وان عظمـن فانـي بك يا ابـن الكرام لا أخشاها
وبميسور مـا استطعت ثنائـي والهـدايا بقـدر من أهداهـا

وقال:
اهاج حشاك للشادي الطروب قرير العين في الغصن الرطيب
فكـم للقلب مـن وجد وحزن وكـم للطـرف من دمع سكوب
ونفـس حشو احشاهـا هموم يشـيب لهـا الفتى قبل المشيب
تريد مـن الليالي طيب عيش وهـل بعد الطفوف رجاء طيب
سقى الله الطفوف وان تناءت سجـال السحب مترعة الذنوب
فكم لـي عندها فـرط ووجد وحـر جـوى لاحشـائي مذيب
أسلـوان لقلـبي وابـن طه علـى الرمـضاء ذو خد تريب
عديـم النصـر الا من قليل مـن الأنصار والرحـم القريب
تفـانوا دونـه والرمح عاط لناظـره إلـى ثمـر القلـوب


أدب الطف الجزء السادس 227


يـرون المـوت أحلى من حبيب أباح الوصل خلـواً مـن رقيب
فتلك جسومهم في الترب صرعى عليها الطير تهـتف بالـنعـيب
تكفنهـا الرمـاح السمـر حتـى كـأن سليبهـا غيـر السليـب
تخـوفه المـنون جنـود حرب وهل يخشى المنون ابن الحروب
أبـي الضيـم حامل كل ثقـل عـن الـعلياء كشاف الكـروب
ابـو الأشبال فـي يوم التعادي أبو الأيتـام فـي يـوم السغوب
يدافـع عـن مكارمـه ويحمي بصارمه عـن الحسب الحسيب
خطيـب بالأسنـة والمواضي وقـرت ثـم شقشقة الـخطيب
فأحمـد حين تـلقـاه خطيبـاً وحيدرة تـراه لـدى الخـطوب
وظـل مـجاهـدا بالنفس حتى أتـى فعـل ابـن منجبة النجيب
وولـى مهـره ينعـاه حـزناً بمقـلة ثاكـل وحشـى كئيـب
ونادت زينـب منهـا بصـوت يصدع جانـب الطـود الصليب
أخـي يـا ساحباً فـوق الثريا ذيـول عـلا نـقيات الجيـوب
ويـا متجمعـاً لنعوت فـضل سلـيم الـنقص معدوم العيـوب
وياسـر المـهيمن في الـبرايا وشاهـده على غيـب الغيـوب
ويا شمسا بهـا تجلى الديـاجى رمـاها الدهـر عنا بـالمغـيب
ويـا قمـرا أحال على غروب وعـاقبـة الـبدور إلى الغروب
فمن نرجو لصعب الخطب يوماً ومـن ندعـوه لليوم العصـيب
فيـا ابـن الـقوم حبـهم نجاة لمعتصم وحطـة كـل حـوب
مـدحتك راجيـاً غفران ذنبي ومـدحك فيـه غـفران الذنوب

وقال:
سفه وقوفك في عراص الدار من بعد رحلة زينب ونوار


أدب الطف الجزء السادس 228


ما أنـت واللـفتات فـي أكنافهـا ظن الفريق وخف عنك الساري
لا عيـب مـن محن الزمان فانما خلق الزمان عـداوة الأحـرار
أو مـا كفاك مـن الزمان فعالـه ببنـي النبـي وآلـه الأطهـار
ولعـت بفارع قـدرهـم اخطاره مـا أولـع الأخطـار بالأقـدار
بيـض يـريك جمالهم وجلالهـم تـم البـدور عشيـة الإسـرار
يكسـو ظلام الليل نـور وجوههم لـون الشمـوس وزينة الأقمار
شـرعوا بصافية الفخـار وخلفوا لـلـوارديـن تكـفف الاسـآر
يلقـى الـعفاة بغير مـن منهـم كالصبح مبتسما بوجـه الساري
خطباء ان شهدوا الندي ترى لهم فيـه شقـاشق فحلـه الـهـدار
فـاذا هم شهدوا الكريهة أبرزوا غلبا تجعجع بالفريـق ضـواري
فان احتبـى بهـم الظلام رأيت في المحراب سجع نوائح الأسحار
هادون فـي طول القيام كأنهـم بين السواري الجامدات سـواري
ويبيـت ضيـفهم بأنعـم ليلـة لـم يحـص عدتها من الأعمار
للكـون من أنفاسهم طيب الشذى أرجـا كجيـب الغادة المعطـار
ما شئت من نسب وعظم جلالة فانسب وقل تصدق بغيـر عثار
وحيـاة نفس فضلهم لو لم تكن تـدلـى مصائبهـم لهـا ببـوار
وكفـاك لـو لم تدر الا كربلا يوم ابن حيدر والسيوف عواري
أيام قـاد الخيل توسـع شأوها مـن تحـت كل شمردل مغوار
يمشون في ظل السيوف تبخترا مشـي النـزيف معاقراً لعقـار
وتناهبت أجسادهم بيض الظبى فمسربـل بدم الوتين وعـارى


أدب الطف الجزء السادس 229


وانصاح نحـو الجيش شبل الضيغـم الكرار شبـه الضيغـم الكرار
يـوفي علـى الغمـرات لا يلوي به فقـد الظهيـر وقلة الأنصـار
يلقـى الألـوف بمثلهـا مـن نفـسه فـكلاهما فـي فيلـق جـرار
غيـران يبـتدر الصفـوف كـأنـه يجـري واياهـا إلـى مضمار
أمـضى مـن الليث الهزبر وقد نبـا رمـح الكمـي وصارم المغوار
متـمكن فـي السـرج غـرب لسانه في الجمـع مثل حسـامه البتار
حتـى أتتـه مـن الـعنـاد مراشـة شلت يد الرامي لهـا والبـاري
وهـوى فقل فـي الطود خر فاصبح الرجفان عـم قـواعد الأقطار
بأبي وأمـي عافـرون علـى الثرى اكفانهم نسـج الريـاح الذاري
تصـدى نحـورهم فـينبعث الشذى فكأنما تصـدى بمسـك داري
ومـطـرحـون يكاد مـن أنوارهم يبـدو لعيـنـك باطن الأسرار
نفست بهم أرض الطفوف فاصبحت تدعـى بهم بمـشارق الأنوار
بـالبيت أقسـم والـركاب تحجـه قصـدا لأدكـن قالص الأستار
لـولا الأولى مـن قبل ذاك تبرموا نقضـاً لحكـم الـواحد القهار
لـم يـلف سبـط محمد في كربلا يومـاً بهاجرة الظهيـرة عار
تطـاً الخيـول جبيـنه وضلوعه بسـنابـك الايـراد والاصدار
كـلا ولا راحـت بنـات محمـد يشهرن في الفلوات والأمصار
حسرى تقاذفها السهول إلى الربى وتـلفها الأنـجاد بـالأغـوار
ما بعـد هتكك يـا بنات محمـد في الدهر هتك مصونة من عار
قـدر أصارك للـخطوب دريـة هـو في البـرية واحد الأقدار
يا طـالبا بالثـار وقيـت الردى طـال المقام على طلاب الثار


أدب الطف الجزء السادس 230


يا مدرك الأوتار قد طال المدى طال المدى يا مدرك الأوتار
يا ابن النبي وخير من علقت به كف الولي ووالـد الأبـرار
أنـا عبدكم ولكم ولاي وفيكـم أملي ونحو نداكم استنظاري
وقال من قصيدة:
أهـاب بـه الداعـي فلباه اذ دعـا وكان عصي الـدمع فانصاع طيعا
عصى دمعه حادي المطايا فمذ رأى بعينيه ظعن الحـي أسرع، اسرعا
فبادر لا يـلوي بـه عـذل عـاذل إذا قيل مهـلا بعض هـذا تـدفعا
ظعـائن تسـري والقلـوب بأسرها على أثرهـا يجرين حسرى وطلعا
وبالنفـس أفـدي ظاعنين تجلـدي لبـينـهـم قبـل التـودع ودعـا
مضوا والمعالي الغر حـول قبابهم تطوف الجهات الست مثنى ومربعا
سـروا وسواد الليل داج وشعشعت علـى لـونه أنوارهـم فتشعشعـا
يحـل الهـدى أنى يحـلون والندى فـان اقلـعوا لا قـدر الله أقلعـا
مصاليت يوم الحـرب رهبان ليلهم بـوارع في هذا وفـي ذاك خشعا
ترى الفرد منهم بجمع الكل وصفه كمـالا كأن الكـل فيـه تجمعـا
رمت بهم نحو العلا المحض عزمه لو الطـود وافاها وهـي وتصدعا
عشية أمسـى الديـن ديـن أميـة وأمسـى يـزيد للبـرية مرجعـا
وهـل خبرت فـيما تـروم أميـة بـأن العـلا لم تلف للضيم مدفعا
وقــد علمت أن المعالي زعيمهـا حسين إذامـا عـن ضيـم فافزعا
رأى الديـن مغلـوباً فمـد لنصره يعين هدى من عرصة الدين أوسعا


السابق السابق الفهرس التالي التالي