أدب الطف الجزء السادس 186


السيد ابراهيم العطار
المتوفى سنة 1230
لـم أبـك ذكـر معالـم وديـار قـد أصبـحت ممحوة الآثـار
واستوحشت بعد الأنيس فما تـرى فيهن غيـر الـوحش من ديار
كلا ولا وصل العـذارى شاقنـي فخلعت في حبي لهـن عذاري
كـلا ولا بـرق تـألق من ربـى نجد فهيج مذ سـرى تذكاري
لكـن بكيت وحـق أن أبكي دمـاً لمصاب آل المصطفى الأطهار
وإذا تـمثـلت الحسـين بكربـلا أصبـحت ذا قلق ودمع جـار
لم أنسه فرداً يجول بحومة الهيجاء كالأســد الهزبـر الضـاري
لاغرو إن أضحى يكر على العدى فهو ابـن حيـدرة الفتى الكرار
حتـى أحيـط بـه وغودر مفرداً خلـواًَ من الأعـوان والأنصار
يـا للحمـاة لمصـعب تـقتـاده أيـدي الـردى بـأزمة الأقدار
يـا للمـلا لـدم يطـل محـللا بمـحرم لـمحمـد المـختـار
وبنوه صرعى كالأضاحي حولـه ما بين بدر دجى وشمس نهـار


أدب الطف الجزء السادس 187


أيـن الخضارمة القماقم مـن بني مضر وأيـن ليوث آل نـزار
كـم مـن مخـدرة لآل محمـد قد أبرزت حسرى من الأستار
نحر لـه الهـادى النبـي مقبـل أضـحت تقبلـه شفـاه شفار
صدر يـرضض بالخيول وإنـه كنـز العلـوم وعيبة الأسرار
يـا جد هـل خبـر أن حماتنـا قـد أصبحوا خبراً من الأخبار
يـا مدرك الأوتـار أدركنا فـقد عظـم البـلا يا مدرك الأوتار
فاليك ياغوث العبـاد المشتكـى ممـا ألـم بنا مـن الأشـرار
والمؤمنون على شفا جرف الردى فبـدار يا ابـن الأكرمين بدار
يا سيـداً بكت الوحوش عليه في الخلوات والأطيار في الأشجار
يا منية الكرار بل يا مهجة المختار بـل يـا صـفـوة الجبـار
أتـزل بـي قـدم ومثلـك آخـذ بيدي وأنت غداً مقيل عثاري
ويـذوق حـر النار مـن ينمـى إلى الكرار وهو غداً قسيم النار
أو يختشي مـنهـا ونار سمية (1) بكم خبت في سالف الأعصار
ولقد بذلـت الجهد في مدحي لكم طمعاً بأن تمحى بكم أوزاري
صـلـى الإلـه عليكم وأحلـكم دار السلام فنعم عقبى الـدار

وقال:
لهفـي لتلك الرؤوس يرفعها على رؤوس الرماح أوضعها
لهفـي لتلك الجسوم عارية وذاريـات الصبـى تلفعهـا
لهفي لتلك الصـدور توطاً بالخيل ومنها العـلوم أجمعها


(1) يشير إلى عمار بن ياسر رضوان الله عليه لما جعلت كفار قريش تعذبه وأمه سمية وأباه ياسر بالنار والنبي صلى الله عليه وآله يمر عليهم فيقول: صبراً آل ياسر، يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على ابراهيم .
أدب الطف الجزء السادس 188


لهفـي لتلك الأسود قـد ظـفرت بهـا كلاب الشقـا وأضبعهـا
لهفـي لتلـك الأوصال تنهـبهـا السمـر وبيض الظبـا تقطعها
لهفي لتلك الـبدور تأفل في الترب وأوج الجـمـال مـطلـعهـا
لهفـي لتـلك البحـور قد نضبت وكـم طمـا دافقـاً تـدفعهـا
لـهفـي لتلـك الجبـال تسفهـا من عاصفات الضلال زعزعها
لهفـي لتلـك الغصـون ذاويـة ومـن أصـول التقـى تفرعها
لهفي لتـلك الـديـار موحشـة تبـكي لفـقد الأنـيس أربعـها


أدب الطف الجزء السادس 189


السيد ابراهيم العطار

المتوفى سنة 1230
هو السيد ابراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين بن رضاء الدين بن سيف الدين ابن رميئة بن رضا الدين بن محمد علي بن عطيفة بن رضاء الدين بن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن أبي نمي محمد نجم الدين الشريف من أمراء مكة، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن من جهة الأب ومن الأم إلى الإمام الحسين عليه السلام. من مشاهير الشعراء العلماء.
ولد ببغداد ونشأ بها على والده الذي كان من الأعلام، فعني بتربيته وغذاه بسيرته وبقي ملازماً له حتى توفي عام 1171 هـ ، هاجر إلى النجف مقتفياً أثر سيرة آبائه وإخوانه فحضر على أعلام عصره وأختلف على حلقة السيد محمد مهدي بحر العلوم، واتصل بفريق مشاهير الشعراء أمال النحوي، والزيني، والفحام، والشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، والشيخ محمد بن يوسف الجامعي، وبذلك بزغ نجمه بينهم، واحتل مكانة في صفوفهم ، ورمقه الأخدان، واحترمه الأقران.
كف بصره في أواخر حياته ، إذ أعرب عن ذلك في قصيدة له استنجد بها الأئمة عليه السلام وأظهر شكواه من مرض عينيه بقوله:
أيبريني السقام وحسـن ظني ببرئي فيكم لابل يقيني
وأخشى أن أضام وفي يقيني وعلمي أن حبكم يقيني
>

أدب الطف الجزء السادس 190


ومنها:
على م صددتم عني وأنتم على الإحسان قد عودتموني
لقد عجزت أطبائي ومالي سواكـم منقذ فـاستنقذوني

ومنها:
أبيـت ولـلأسـى نـار بقلبـي فهـل مـن قائل يا نار كونـي
متـى يـجلى قذى عيني وتحظى عقيـب الفحص بالـفتح المبين
فـدونكـم بنـي الـزهراء نظماً يفـوق قـلائد الـدر الثـمين
أروم بـه جـلاء الـعين مـنكم بـعـين عـنـاية الله المعـين
عليكـم أشـرف الصلوات ما أن شدت ورق على ورق الغصون
ومـا سـارت مـهجنـة إلـيكم وسار بذكر كم حادي الـظعون

ذكره فريق من الأعلام منهم الشيخ النقدي في الروض النضير ص 346 فقال: كان من ذوي الفضيلة والكمال، أديباً جيد الشعر، حي الشعور له مطارحات كثيرة مع أهل عصره، وشعره الغالب عليه الحسن والرقة.
وذكره السيد الأمين في الأعيان ج 5 ص 437 وساق نسبه الكامل وقال توفي عام 1215 هـ وهو غير صحيح.
والمترجم له والد السيد باقر العطار وابن السيد محمد الذي كان أحد أعلام العراق في وقته، اشتهر بين فطاحل العلماء، ومشاهير الشعراء، وكان مهيباً عند آل عثمان.
وذكره السماوي في الطليعة فقال: كان فاضلاً فقيهاً مشاركاً، وتقياً زاهداً

أدب الطف الجزء السادس 191


ناسكاً، وله شعر إلى أدب ومعرفة باللغة، ومحاضرات لأدباء وقته كالسيد محمد زيني توفي عام 1240 هـ .
توفي في شهر شعبان من عام 1230 هـ .
خلف من الآثار الأدبية ديوان شعره الذي جمعه بعده ولده السيد حيدر الكاظمي جد الأسرة المعروفة، وفيه ما يقارب الأربعة آلاف بيت وهو اليوم موجود بمكتبة السيد هادي الحيدري.
نماذج من شعره:
والسيد العطار شاعر مجيد معروف، تجول في مختلف أغراض الشعر وأصاب منها الحظ الأوفر، وشعره يوقفك على علاقاته مع العلماء والأسر، ويطلعك على كثير من الصور التي قد لا تجدها عند غيره، وإليك نماذج متنوعة من شعره، منها ما قرظ وأرخ به عام تخميس الشاعر المعروف الشيخ محمد رضا النحوي لبردة البوصيري فقال:
فوائـد در لـيس تحصى عجائبـه وقد بهـرت منا العقول غرائبه
وآيـات نظـم يهتـدي المهتدي بها كما يهتدي بالنجم في الليل ساربه
ويـهنز من إنشادهـا كل ساطــع ستروراً كمـا يهتز للخمر شاربه
تـرى كل قطر من شذا طيب نشرها معطـرة أرجـاؤه وجـوانبـه
عـرائـس أفكار بـرزن مـرقـة علـيهن أثـواب البهـا وجلابيه
شوارق مذ ذرت على الدهر أشرقت مشارقه مـن نورهـا ومغـاربه
فلو أن ياقوتاً يشاهـد درهـا النظيم لأضحى وهـو بالتبـر كاتبـه
مرايـا أبـي تمـام يقصـر دونها وتـغدو مـزاياه وهـن مثالبـه
وما السحر لو فكرت في كنه وصفها يشاكل معنـى لفظهـا ويقـاربه


أدب الطف الجزء السادس 192


أزاهيـر لـفـظ زدتهـن نـضارة فأضحت كروض باكرته سحائبـه
وألبستهـا بـرداً من الفضل فاخراً بـه يمتطي هـام المجرة ساحبـه
وقـلـدتها أسنـى فرائـد لو بهـا يقـاس نفيس الـدر بانت معايبـه
ووفـيتها ـ للـه درك ـ حـقهـا وذلـك حـق قـد تأكـد واجبـه
بـذلت لها لـمجهود للأجر طـالباً فأدركـت منه فوق ما أنت طالبه
ومـن لرسـول اللـه كان مـديحه فآثـاره مـحمـودة وعـواقبـه
ليسـم بـما أثنـى محمـد الرضا محـلاً تسامـى النيـرات مراتبه
ويعـجز عمـن قـد أتـاه مفاخراً بـه وليغالـب مـن أتـاه يغالبه
ويحمـد إله العـرش جـل فإنهـا مواهب من ذى العز جلت مواهبه
جـواد رهـان ليس يـدرك شأوه وصارم عـزم لا تفـل مضاربه
وبـدرد جي لو هدى حالك الدجى بـأنواره كانـت نهتاراً غياهبـه
تعود كسـب الفضل مذ كان يافعاً ألا هـكذا فليطلب الفضل كاسبـه
وجـلى بمضمـار السباق مبـرزاً فقـصر عن إدراكـه من يغالبـه
وأقسـم لـو لا مـنشـآت كمالـه لقامـت على أهـل الكمال نوادبه
فيـا واحـد الآحاد يـا مـن بذكره الجميل حدا الحادي وسارت ركائبه
ومن كـرمت أخـلافـه وفـعاله وجـلت مـزاياه وجـلت مناقبـه
رويدك هل أبقيت في الفضل مطلباً ينال بـه أقصى المطالـب طالبه
أجـدك هـل ألقـى النظـام قياده بكفـك فانقـادت إليك مصاحبـه
فحسـب ولاة الـفضل أنك منهـم فخاراً وحسب الفضل أنك صاحبه
لأنـت بمضمـار السبـاق كميته وقـد أحجمـت فرسانه وسلاهبه
نظمـت عقوداً أنت ثاقب درهـا ومـا كـل من قد نظم الدر ثاقبه


أدب الطف الجزء السادس 193


وكـم ظهرت في الشعر منك معاجز بـها منهـج الآداب أوضح لاحبه
فإن يك بحر الفضل سـاغ مشارباً ففـيك لعمر الله ساغت مشاربـه
كـذا فليكن نظـم القريض قلائـداً كـذا فليزن أفق الكمال كواكبـه
وللـه تخـميس بـه نـلت رتبـة كما نالها بالأصل من قبل صاحبه
تحـلى به جيـد الزمـان فأرخوا (فرائد در ليس تحصى عجائبـه)

أقول: ديوان المترجم له مخطوط بخط صديقنا الوجيه السيد عبدالعزيز ابن السيد عباس ابن السيد ابراهيم ابن السيد حيدر ابن الناظم، ومن جملة مراثيه التي رثى بها الإمام الحسين قوله في مطلع قصيدة:
بكت عيني وقل لها بكاهـا ولو مزجت بأدمعها دماهـا

وقال في مطلع قصيدة أخرى:
هي كربلاء فقف بأربعها معي نبك الشهيد بأعين لم تهجع


أدب الطف الجزء السادس 194


الشيخ محمد علي الاعسم
المتوفى 1233
ديـار تــذكـرت نـزالـهـا فـرويت بالـدمع أطـلالهـا
وكانـت رجـاء لمـن أمـهـا بهـا تبلـغ الوفـد آمالـهـا
وكـم منـزل قـد سمى بالنزيل ولـو طاولتـه السما طالـها
بنفسـي كـراماً سخت بالنفوس بيـوم سمـت فيـه أمثالهـا
وصـالوا كصـولة أسد العرين رأت في يـد القـوم أشبالها
ترى أن في الموت طول الحياة فـكادت تسـابـق آجـالها
إلـى أن أبيـدوا بسيف العـدى ونال السعـادة مـن نالهـا
ولـم يبـق للسبط مـن ناصـر يلاقي مـن الحرب أهوالها
بنـفسي فريـداً أحاطـت بـه عـداه فجـاهد أبطـالهـا
ويرعـى الوغـى وخيام النسـا فعيـن لهـن وأخـرى لها
إلى أن هوى فـوق وجه الثرى وزلـزلت الأرض زلزالها
وشيـلت رؤوسهـم في الرماح فشلت يـدا كل مـن شالها


أدب الطف الجزء السادس 195


وما أنـس لا أنس زيـن العباد عليـلا يـكابـد أغلالهـا
ومـا لـلنسـاء ولـي سـواه يليـها ويـكـفل أطفالهـا
ونـادى منـادي اللئام الرحيل يريـدون لـلشـام إرسالها
بكـين وأعـولن كل العويـل فلـم يرحم القـوم إعوالها
قد استأصلوا عتـرة المصطفى ولـم يخلق الكـون إلا لها
وكـم آيـة أنزلت فـي الولاء لهـم شاهد القـوم إنزالها
ولـو أهمـل الأمة المصطفى لكان قـد اختـار إضلالها
إلـيكـم بنـي أحـمـد غـادة أتـت مـن ولي لكم قالها
رجـا فـي القيامة أن تؤمنوه إذا خـافت النفس أهوالها

وقال:
ذكـر الطفوف ويـوم عاشوراء منعا جـفـوني لـذة الإغـفاء
لـم أنسـه لما سرى مـن يثرب بعصابـة مـن رهطه النجباء
حتى أتوا أرض الطفوف بنينوى أرض الكروب أرض كل بلاء
حطـوا الرحال فذا محط خيامنا وهنا تكون مصارع الشـهداء
وبـهذه يغـدو جـوادي صاهلا مرخي العنان يجول في البيداء
وبهـذه أغـدو لطـفلي حامـلاً في الكف أطلب جرعة من ماء
أمجدل الأبطال في يـوم الوغى ومنكس الرايات فـي الهيجاء
هـذا حبيبك بالـطفوف مجـدل عـار تـكفنـه يـد النـكباء


أدب الطف الجزء السادس 196


الشيخ محمد علي الاعسم



الشيخ محمد لي الأعسم المتولد في النجف عام 1154 هـ تقريباً وهو ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد الزبيدي النجفي.
توفي سنة 1233 في النجف الأشرف ودفن في المقبرة التي تنسب إليهم في الصحن الشريف المرتضوي.
وآل الأعسم أسره نجفية كبيرة عريقة في العلم والفضل والأدب، أصلها من الحجاز من نواحي المدينة المنورة وجاء جدهم الأعلى إلى النجف الأشرف وتوطنها، وقيل له الأعسم لكونه من العسمان فخذ من حرب إحدى قبائل الحجاز المعروفة.
كان صاحب الترجمة عالماً فاضلاً فقيهاً ناسكاً أديباً شاعراً له ديوان شعر وله مراث كثيرة في الحسين عليه السلام ومدائح في أهل البيت وبعضه في أستاذه بحر العلوم. له منظومة في الرضاع وأخرى في المواريث وثالثة في العدد ورابعة في تقدير دية القتل وخامسة في آداب الطعام والشراب المستفادة من الأخبار، وقد شرح المنظومات الثلاث الأولى ولده الشيخ عبدالحسين وله ينظم حديث: إذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فقولوا نعم الملوك ونعم العلماء، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا بئس العلماء وبئس الملوك.
مـلك يعاتب عالماً فـي تركه لزيارة فـأجابت العـرفاء
يخشى مقال الناس حين يرونه بئس الملوك وبئست العلماء


أدب الطف الجزء السادس 197


جاء في معارف الرجال أنه تتلمذ على الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي وكان من أخلص أصحابه ومدح الشيخ أستاذه بعدة قصائد ومدح أنجاله الأعلام أيضاً، حج مكة المكرمة سنة 1199 هـ مع أستاذه كاشف الغطاء بركابه مع العلماء الأعلام، وحضر الفقه على السيد مهدي بحر العلوم النجفي كما أجازه أن يروي. وقد عرضت على المترجم له منظومة بحر العلوم المسماة بـ (الدرة) وقد قرضها بقوله :
درة علم هي ما بين الدرر فاتحة الكتاب ما بين السور
ترى على أبياتها طـلاوة كأنما استـقت من التلاوة
لذاك فاقـت كل نظم جيد وسيـد الأقوال قول السيد
>
وقال في الطليعة: أخبرني السيد محسن الكاظمي الصائغ عن أبيه السيد هاشم الحسيني رحمه الله قال: نظم المرحوم الشيخ محمد علي الأعسم قصيدته في الحسين عليه السلام التي مطلعها:
قد أوهنت جلدي الديار الخالية من أهلها ما للديار وما ليه

ثم عرضها على ولده الشيخ عبدالحسين فقال: أنظرها فنظرها ثم قال: هذه قافيه قاسية فتركها ناظمها تحت مصلاه فما كان إلا أن طرق الباب سحراً وإذا بالخطيب الشيخ محمد علي القاري الشهير (1) وكان ممتازاً بإنشاد الشعر الحسيني في محافل الحسين عليه السلام قال: إني رأيت البارحة كأني دخلت الروضة الحيدرية فرأيت أميرالمؤمنين جالساً فسلمت عليه فأعطاني ورقة فيها قصيدة وقال: أقرأ لي هذه القصيدة في رثاء ولدي الحسين، فقرأتها وهو يبكي،

(1) وهو من الجوابر و أسرته في النجف يعرفون بآل الجابري وأكثرهم من خدام المنبر الحسيني.
أدب الطف الجزء السادس 198


فانتبهت وأنا أحفظ منها:
قست القلوب فلم تلن لهداية تباً لهانيك القلوب القاسية

فبهت الشيخ وأخرج له الورقة التي تحت مصلاه فدهش الشيخ محمد علي القاري وقال: والله إنها نفس الورقة بل هي هي التي أعطانيها أميرالمؤمنين انتهى أقول والمشهور أن هذه القصيدة لولده.
وللشيخ محمد علي الأعسم يد طولى في الرجز فقد نظم عدة منظومات في مختلف العلوم ، فواحدة في الفقه والأصول وطبع قسم منها مشروحاً في مطابع النجف الأشرف سنة 1349 ثم سبق وأن نظم في المواريث منظومة أولها:
نحمدك اللهم يا من شرعا ديناً به النبي طاها صدعا

أما منظومته في المطاعم والمشارب فهي خير ما قيل وقد ضمنها نصوص الأخبار والأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وإليك بعض فصولها:
الحمـد لله وصلـى الـبـاري علـى الـنبي أحـمـد المختـار
وآله الأطـهار أربـاب الكرم ومـن بهم تمت على الخلق النعم
وبعـد فالـعبد الفقير المحتمي بظل آل المصطفى ابـن الأعسم
قال نظرت في كتاب الأطعمة من الدروس ما اقتضى أن أنظمه
ممـا بـه روي مـن الآداب عنـد حضور الأكـل والشراب
مكتفيـاً بذاك أو أذكـر مـا رواه فـي ذلك بعـض العلمـا
مقتصراً فيه على متن الخبـر أو نـص من لم يفت إلاعن أثر


أدب الطف الجزء السادس 199


فضل الخبز وآدابه
الفضـل للخبـز الـذي لولاه مـا كان يـومـاً يعبد الإلـه
أفضلـه الخبـز مـن الشعير فهـو طعـام القـانع الفقيـر
مـا حـل جوفا قط إلا أخليا من كل داء وهو قوت الأنبياء
له على الحنـطة فضل سامي كفضل أهـل البيت في الأنام
مـا من نبـي لا عتناء فيـه إلا وقــد دعـى لآكـليـه
فأكـرم الخبـز ومن إكرامه ترك انتظار الغير من أدامـه
والحـفر للرغيـف والابانـه بمـدية فهـي لـه إهـانـة
وصغر الرغفان دع أن تتركه فإن فـي كل رغيـف بركه
آداب الأكل
إبـدأ بأكل الملـح قبل المائـدة وأختـم به فكم بـه من فائدة
فـإنـه شــفـاء كــل داء يدفـع سبعيـن مـن البـلاء
سـم على المأكول فـي ابتداء وفي الأخير أحمد وفي الاثناء
ويـستحب الغسـل لـليديـن قبلا وبعـداً تغسـل الثنتـين
فـإن فيـه مـع دفع الـغمر زيـادة العـمر ونفـي الفقر
وامسـح أخيراً بنـداوة الـيد عينيـك والوجه لدفع الرمـد
والجلب للرزق وإذهاب الكلف وامسح بمنديل إذا لم يك جف
فـإن هـذا بـخـلاف الاول أتـى به النهي عـن التمندل
والأكـل والشـراب باليسـار يكـره إلا عنـد الأضطـرار
واستثني الرمان منها والـعنب فالأكـل باليديـن فيهما أحب


أدب الطف الجزء السادس 200


ويكـره الاكـل علـى الشبع إذا لم يؤذ والمحظور ما فيـه الأذى
والأكـل مشيـاً ومعارض نـقل على البيـان للجـواز قد حمـل
فعـل النبـي مرة فـي الزمـن في كسـرة مغمـوسة بـاللـبن
والأتـكاء حالـة الأكـل اتـرك مـا أكـل النـبي وهـو متكـي
وأبـن اليسار وهـو بعض العمد روى جـواز الاتـكا على اليـد
وبـعـده استلـق علـى قفاكـا ضـع رجلك اليمنى على يسراكا
والأكـل ممـا لا يليـك اجتنب فيمـا عـدا الثمار مثـل الرطب
والتـرك للعشاء يفسـد البـدن لا سيمـا لو كـان شيخاً قد أسن
وليـلة السـبت وليـلة الأحـد إذا تتـابعـا فمـن ضـر الجسد
يـذهـب بالقـوة كلـهـا ولا تعـود أربعيـن يـومـاً كمـلا
وليتـرك النـفخ ولا ينظر إلى أكـل (رقـيق) معـه قـد أكلا
ولا يـقـرب رأسـه إلـيـه وليتجـنـب نـفضـه يـديـه
دع السكوت فهـي سيرة العجم وجـود المضـغ وصغر اللقـم
لا تحتمي في صحة بلا غرض فهو كترك الاحتما حال المرض
خواص بعض المأكولات من الفاكهة
الاكـل الـبطيـخ فيه أجر لمـن نـواه وخصـال عشر
أكل شـراب يغسل المثانة فـاكهـة باهيـة ريحـانـة
مـدر بـول وأدام حـلوى إن يأكل العطشان منه يروى
وقـد أتانا في علاج العلل ما استشفت الناس بمثل العسل
وسيـد الفـواكه الرمـان يأكـله الجـائع والشـبعـان


أدب الطف الجزء السادس 201


منـور قلـوب أهــل الـديـن ومـذهـب وسـوسة اللـعين
فـكـله كيمـا أن تصـح بعـده بشـحمـه فهـو دباغ المعده
لا يشـرك الإنسـان في الرمان لـحبـة فيـه مـن الجنـان
وتؤكل الأعنـاب مثنـى مثنـى وورد الأفـراد فيــه أهنـى
والـرازقـي منـه صنف يحمد ويـذهب الغـموم منه الأسود
والـتين ممـا جـاء فيـه أنـه أشبـه شـيء بنبـات الجنة
ينـفـي البـواسيـر وكل الداء ومعـه لـم تحتـج إلى دواء
وفي السفرجل الحـديث قد ورد تأكلـه الحبـلى فيحسن الولد
وقـد أتـانا عـن ولاة الامـر وعـن أبيـهم حبـهم للتـمر
فـأصبـحت شيعتـهـم كذلك تحـبـه فـي سائـر الممالك
وجاء فـي الحـديث أن البرني يشبـع مـن يأكـله ويهـني
وأنـه يــذهـب لـلـعيـاء وهـو دواء سالـم مـن داء
وجاء عنهم في حديث قد ورد كثرة أكـل البيض تكثر الولد
وينـفع التفـاح في الرعـاف مـبـرد حـرارة الأجـواف
وفيـه نفـع للسقام العـارض ويورث النسيان أكل الحامض
فصل في اللحوم
قـد ورد المـدح للحم الضان لكـن أتـى النهي عن الإدمان
وهو يزيد في السماع والبصر لأكـله بالبيض فـي الباه أثـر
أطيبـه لحـم الذراع والقبج والفرخ أن ينهض أو كان درج
شكـا نبـي قلـة الجمـاع والضعف عند الملك المـطاع


السابق السابق الفهرس التالي التالي