أدب الطف الجزء السادس 140


على البهـا مـن أبنـاء أحـمـد لا علـى البـها ليل مـن أبناء عباد
لهفي عليهـم وقـد سارت ظعائنهـم والمـوت خـلفهم يـسري بميعاد
بـأمـرة ابـن زيـاد أصـل إلحاد كأنهـا إبـل يـحدو بـها الحادي
لهفي على طـود مـجد هـد شامخه مـجـدلا بـين أجبـال وأطـواد
بـوقـعـه قد شفـى أضغان حساد وركن مـجد بـأرض الطف منئاد
لهفي على بحـر جـود غاض مورد وكان يـشرع مـنـه كـل وراد
فـجـرع النـبت منه غلة الصادي وكــان ريــاً لــوراد ورواد
لهفـي عـلى خـاشـع لله مـبتهل فـي أسـر قـوم لدين الكفر عباد
وخيـر عـبادهـا نسـكاً وزهـاد لهفـي عـلى راكـع لله سـجـاد
لهفى على نجله السـجاد حلف ظناً مـكـبل بيـن أغـلال وأقـيـاد
مـغللا بـيـن أغـلال وأصـفاد أخفـاه طول الضنا من غير عواد
يـرى الـعدى وأهـاليه بأسرهـم أسرى وليس لهم في القوم من فادي
غـدوا حيـارى بـأطـفال وأولاد والسقـم ينفض فيهم صبغة الجادي
من كل ذات شجى ترثي لحال شج تطـوي الضلوع على جمـر وإيقاد
حزينـة لـم تـزل في أسـر أنكاد وذي قيـود غـدا يـرثـي لـمنقاد
مقروحة القلب من سقم وطول ضناً قرحـى الـجفون بتسـكاب وتسهاد
قـد شفـها فقــد آبـاء وأجـداد قـد دب منـها بـأعضاء وأعضاد
تشكـو الظما وهجير الصيف متقـد غرثى ولـم تلق غير الدمع من زاد
ياليت أبـحرها تـرمـي بـأنفـاد والــمــاء طـام لـرواد ووراد
ماذا يقـول بنو حرب إذا عـرضوا والـكل عـات على أهل الهدى عاد
وقد أتـوا بيـن مـغلـول ومـنقاد والـخلق طراً وقـوف بين أشهـاد
وقـام ثـم عـلـي والـبتول مـعاً فـي مـوقف العرض كل شجوه باد


أدب الطف الجزء السادس 141


والكـل يهتف هـذا يـوم ميعاد والنار مـا بيـن إلـهاب وإيـقـاد
وكان فيها شفيع الـخلق خصمهم والله مـطلع مـنهـم بـمـرصـاد
ومنهـم أظـهر الشكـوى بترداد والحـاكـم الله فـي ذيالك الـنادي
يا عثرة ما يقال الـدهر عاثرها كبابها الدهر يابن المصطفى الهادي
عـند الـوفود غداً في شر وفاد والشـر أخبث مـا أوعيت من زاد
مولاي يا ابن أجل المرسلين علا وأكـرم الناس مـن قار ومن بـاد
* * *
يا مـن إلـيه لقد ألقيت أقيادي ومن هم لمعادي خير إعـدادي
إليك مـن أحـمد عذراء فائقة أضحت إجازتها من نجله هادي
مدوا بها أحمداً مـن خير إمداد ومـن رضـا در إنشاء وإنشاد
يعيي السلامي أن يأتي بمشبهه نظمـا ويـعجز عنها نجل عباد
والخـالدي وبشـر وابن خلاد أيـن الخليعي منها وابـن حماد (1)


(1) عن الرائق مخطوط المرحوم السيد أحمد العطار
أدب الطف الجزء السادس 142


الشيخ محمد رضا النحوي

توفي 1226

ابن الشيخ أحمد بن الحسن الملقب بالشاعر ـ الحلي النجفي مولده بالحلة في أواسط القرن الثاني عشر وقضى الشطر الأول من حياته فيها والثاني في النجف على عهد آية الله السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، جمع إلى الفقه والحديث آداب اللغة العربية واحتل مكانة سامية في الأوساط العلمية والادبية، وهو أحد الفطاحل الخمسة ين كان يعرض السيد الطباطبائي عليهم منظومته الفقهية الشهيرة الموسومة بـ «الدرة» إبان نظمها فصلاً بعد فصل لإبداء ملاحظاتهم ومناقشاتهم العلمية حولها وهو من أبطال «وقعة الخميس» التي هي عبارة عن مساجلة أدبية اتفقت في عهد السيد بحر العلوم ونظم فيها شعراء ذلك العصر كالسيد محمد بن زين الدين والشيخ محمد بن الشيخ يوسف من آل محي الدين والسيد صادق الفحام وبحر العلوم وكاشف الغطاء وصاحب الترجمة وسميت باسم وقعة الخميس التي جرت بصفين زيادة في المطايبة والظرف وهي مدونة في عدة من المجاميع العراقية المخطوطة.
كان النحوي أكبر شعراء عصره بلا مراء وأطولهم باعا في النظم وأنقاهم ديباجة لا يجاريه أحد منهم في حلبة، وشعره رصين البناء متين الأسلوب وألفاظه محكمة الوضع لا تكاد تعثر على كلمة مقتضبة في شعره وقد جمع فيه بين الإكثار والإجادة وقلما اتفق ذلك لغيره.

أدب الطف الجزء السادس 143


درس المبادىء من النحو والصرف والمعاني والبيان ونظائرها على والده الشيخ أحمد ـ المتقدم ذكره ـ والفقه والأصول على العلامة بحر العلوم ومن بعده على الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد ذكره صاحب روضات الجنات في آخر ترجمة بحر العلوم وعبر عنه بالشيخ محمد رضا «النجفي» ويحتمل أن أصل الكلمة «النحوي» وصحفت بالنجفي وأشار إلى مرثيته السيد ولم يذكر منها سوى مادة التاريخ وهو شطر واحد «قد غاب مهديها جداً وهاديها ـ1312 ونقل ذالك عن السيد صدر الدين العاملي . وكان ابوه يمرنه على النظم ـ كما مرن البازي كف الملاعب ـ ويقحمه في تلك المضامير الرهيبة منذ عهد الصغر وفي السفر ولحضر ويشجعه على مجاراته والاشتراك معه في مرتجلاته واليك هذه القطعة التي شارك في نضمها اباه وهو يافع حين قدما من الحلة الى النجف لزيارة المشهد العلوي ولاحت لهما القبة الذهبية من بعيد وذالك من بعد تذهيبها ببضعت اعوام فقال الوالد لولده :(انظر اليها تلوح كالقبس ) فقال الولد : (او برق غيث همى بمنبجس ) ثم شرع كل منهما بأجازة بيت بيت وقد علمنا ما هو الشيخ احمد بقوسين وما هو غفل منها ـ فهو لولده الرضا :

(أنظر إلـيها تلوح كالقبس) أو بـرق غيث همـى بمنبجس
(أو غرة السيـد الإمام أبي الأطهار من قد خلا من الدنس)
يا حبـذا بقعـة مبـاركـة فاقـت بتقديسهـا على قـدس
(شاهدت فيها بدر التمام بدا فقلـت نور الإلـه فاقـتبس )
يهـدي البرايا ونور حكمته يجلـو سنـاه غيـاهب الغلس
(إن فاه نطقي بغير مدحته أبـدلني الله عنـه بالخـرس)
مـن قام للضـد فيه مأتمه وأصبح الطير منه في عرس


أدب الطف الجزء السادس 144


( سل عنه بدراً فكم بحملتـه من طـائح رائح ومرتكـس)
هذا عن السرج خـر منجدلا وذا قضى نحبه على الفـرس
(وأصبح البر وهو بحـر دم فما جرى سـابح على يـبس)
يفتـرس الأسـد وهي شيمته كم فارس وهو غير مـفترس
(جدد رسم الهدى وقد طمست أعـلامه فهو غيـر منطمس)
يكفيك فخراً ما جاء في خبر الطائر صدق الحديث عن أنس
(غليك وجهت همتي فـعسى أبـدل حظـاً بـحظي التعس)

واجتازا على غلام عامل يصنع سفينة فاشتركا في نظم هذه القطعة والصدور منها إلى الوالد والإعجاز لولده المترجم:
ورب ظـبـي مـروع يروع في الهجر روعي
ذلت له الخشـب طوعا كـذلـتي و خـشوعي
فقلـت يا ريـم مـاذا تبـغي بـهذا الصنيـع
فـقـال أبـغي سفينـا لـرحـلتي ورجـوعي
فـقلت دونـك فاصنع سـفينة من ضلـوعي
شـراعها من فـؤادي وبحـرها من دموعـي

وبعد وفاة والده انقطع إلى ملازمة السيد صادق الفحام فكان له أبا ثانياً ـ ومربياً حانياً وله معه مساجلات مثبتة في ديوانيهما ورأيت السيد في ديوانه المخطوط يعبر عنه غالباً بـ «الولد الأكرم» وطوراً ينعته بـ «الأديب العارف الكامل» وقد حفظ النحوي لسيده الصادق تلك

أدب الطف الجزء السادس 145


اليد وما زال يتذكرها فيشكرها له في حياته وبعد وفاته وإليك قسماً كبيراً من قصيدته التي رثاه فيها وهي تنيف على (70) بيتاً لتشاهد اللوعة والحزن العميق في رثائه (الصادق):
خـليلي عـوجا بالديـار وسلمـا وحـوما معي طيرا على ذلك الحمى
ألمـا معي نقضي حقوقـاً تقدمت فمـا نصف أن تسلمـاني وتسلمـا
فـحلا عزالي الدمع فيهـا وأرخيا وإن كان ما بي من جوى ليس فيكما
خـليلي ثوبا عن دمـوعي بسقيها فعيني إذا استقطرتهـا قطرت دمـا
سلاهـا دنو الدار ممن نأت بهـم « عسى وطن يدنـو بهم ولعلمـا »
لعـل الليالي أن تعـود كما بـدت « وأن تعتب الأيام فيهم وربما » (1)
سـلاها سقاها الله مـا بال أفقهـا و قد أزهر الأكـوان أصبح مظلمـا
وغاضت بحار العلم فيها وقد طمت عبابا و قد سامت بأمواجهـا السمـا
هـوى قمر الأقمـار من آل هاشم فأظلـم ذاك الـحي فيهـم وأعتمـا
أصم به الناعـي ذوي السمع لانعى وأخـرس فيـه النـاطقين وأبكمـا
فيـا نائياً لـم ينأ عنا وإن رمـت بـه مزعجـات البين أبعد مـرتمى
بـرحت وما بارحت خطرة خاطر وبنت و مـا باينت مـن ذكره فمـا
شطرت عليك العمر شطرين عبرة تجيـش بجاريهـا و وجداً تضرمـا
سأستغرق الأحوال فيك ولم أقـل « إلى الحـول ثم اسم السلام عليكما »
ويا والـداً ربيـب دهـراً ببـره و من بعدمـا ربى وأحسـن أيتمـا
لساني عصاني في رثائك محجما وعهدي بـه إن أحجم القرن مقدمـا
وكـان إذا جـالت قـداح مياسر عـلى خطباء الـقوم فيك المتممـا


(1) هذا العجز وما قبله مطلع قصيدة لأبي تمام الطائي
أدب الطف الجزء السادس 146


فـأنت الذي فـللت حـد غـراره و كان جرازاً يأكـل الغمـد مخذمـا
و لولا الذي بي منك شعشعت أفقها شموسـاً و صيـرت القـوافي أنجما
وهـا أنا ذا قـدمت ما ليس ينبغي لمثــلك عـذر إليــك تـقدمــا
لئن كـان عن فكـر عليل معبـراً فـقد جـاء عن ود صحيح مترجمـا
سقى عهدك المعهود بالصدق والوفا سماء (1) من الرضوان ما دامت السما
و لا بـرحت تعتـاد مثواك بالثنـا مـلائكـة الـرحمـن فـذا و توأمـا
و لا زايلت تلك الريـاض مودعـا مـن الـودق نضاخ الحيـا ومسلمـا
فيـالك رزء جـب مـن آل غالب سـنـامـا لآفـاق البـلاد تـسـمـا
لـوى من لوي حيث كانت لواءهـا وهـد ذرى عليـا قـريش وهـدمـا

ومنها يعزي السيد بحر العلوم ويمدحه:
فتى قرن الـباري سلامـة خلقـه وصحتهـم في أن يـصح ويسلمـا
هـو الخلف المهدي بورك هاديـاً و بـورك مهديـا إذا النهج أبهمـا
تكفـل بـالأيتـام فـهو لهـم أب و حـامى عن الإسلام فهو له حمى
فـتى كلمـا أبدى الجميل أعـاده و إن صنع المعروف زاد وتمـّمـا
عـزاء و إن عـز العزاء و سلوة عليـه و إن خلت السلـو محرمـا
فما العمر ماعاش الفتى غير طائف أطـاف كـرجع الطرف ثم تصرما
و مـا هـذه الأيـام إلا بــوارق ألقن غروراً أو هي الـركب هوّمـا
و ما كان هذا الـعيش إلا صبابـة تـمر لمـاضـا أو خـيالاً مسلمـا
و عـزاك من عـزاك عنه مؤرخا على الصادق الود السما أمطرت دما


(1) السماء من أسماء المطر.
أدب الطف الجزء السادس 147


وحسبك شاهداً على سمو منزلة المترجم ما كتب به إليه شيخ الفقهاء في الشيخ جعفر كاشف الغطاء ـ قدس سره ـ ضمن رسالة:
يكلفني صحبي القريض و إنما تجنبت عنـه لا لـعجز بـدا مني
ألم يعلموا أن الكمـال بأسـره غدا داخلاً في حوزتي صادراً عني
ألم تر مولانا الرضا نجل أحمد إذا قال شعراً لم يحكم سـوى ذهني
عـلى أنه للفضل قطب وللنهى مـدار وفي الآداب فـاق ذوي الفن
غدا في الورى رباً لكل فضيلة وحاز جميل الذكـر في صغر السن

فأجابه النحوي على الروي والقافية:
ألا أيها المولى الذي سـار ذكـره مسير الصبـا قـد عبقت سائر المدن
ومن كلمـا اعتاصت وندت عويصة وأعيـت علـى الأفهام كان لها مدني
إذا نحـن أثنـيـنا علـيـك فإنمـا يعـود عليـنـا مـا عليـك به نثني
ونعنيك بالذكـر الجمـيل فيـنتـهي إلينـا كـأنـا فيـه أنفسـنا نعـنـي
أتانـي نظـام منـك ضمـن ألوكة يفوق نظام الدر في النظـم والحسـن
نظمت الـنجوم الزاهرات قـلائـداً وقلـدتنـيهـا منـك منـا بـلا مـن
ألذ على الأسماع من مطرب الغنـا وأحلى على ذي الخوف من وارد الأمن
فكـان سروري عـند كل مسـاءة أسـري به همي و أجلـو بـه حزني
وكان دليـلي حيث ضلت مسـالكي عـلي و مصبـاحي بكـل جدى دجن
فخذهـا كمـا تهوى نسيجة وحدها مقدرة في السـرد محكـمة الوضـن (1)
عـلى انها لم تحـك دراً نظمتـه و إن شاكلـته في الروي وفي الـوزن


(1) السرد: الذرع. والوضن: النسج ومئه قوله تعالى: على سرر موضونة.
أدب الطف الجزء السادس 148


وفي المترجم يقول العلامة الأديب الشيخ محمد علي الأعسم من قصيدة:
وقف على الشيخ نجل الشيخ ثم وقل يا نبعة نبعت من (أحمد) الزاكي
ويـا ذبالتـه مـن نـوره اتـقدت ونفحة نفحت من عرفـه الذاكي
مـلكتـم النظـم والنثر البديـع وكم سمـا لدعـواه قـوم غير ملاك
وكـم لكـم آيـة غـراء بـان بها نهـج الـهدى لم تدع شكا لشكاك

والأبيات من قصيدة نظمها الأعسم في محاورة أدبية جرت في مجلس الميرزا أحمد النواب في كربلاء حول قصيدة السيد نصر الله الحائري اشترك فيها النحوي وجماعة من معاصريه وحكموا فيها السيد بحر العلوم وهي غير «معركة الخميس» وقد أثبتها سيدنا الأمين في الـ ج 11 من الأعيان، وهنأه صديقه ومعاصره السيد أبراهيم العطار والد السيد حيدر ـ جد الأسرة الحيدرية في بغداد والكاظمية ـ بقصيدة عند قدومه من زيارة خراسان ـ منها ـ :
قد جد في مسيرة حتى هوت شوقـا إلـى طوس به مطيه
وزار فيها قبر قدس قد ثوى فيه ابن موسى المجتبى «عليه»
نـال مـن الله الرضا زائره لا سيما الشيخ «الرضا» سميه
(كميت) هذا العصر (بحترية) (طائيـه) (كنـديه) (رضيه)
فلـو أتـى سحبان في زمانه لبـان مـا بيـن الأنـام عيه
أنـى يبـارى وأبوه «أحمد» الفضل إمـام الشعـر بل نبيه
الطاهر الأخلاق والذات الذي مـن بـاهـر الفضل له جليه
أعاد ميت الفضل حياً بعدها طبـق أقطـار الفـلا نعيـه


أدب الطف الجزء السادس 149


وإليك من شعر النحوي في الغزل والنسيب قوله:
ذكـرت لياليـاً سلفـت بجمع فبت لذكـرها شرقاً بدمعي
وأذكـر من نسيـم رياض نجد معاهـد جيـرة نزلوا بسلع
وأومض بارق في الجزع وهناً يترجم عن قلوب ذات صدع
وغـرد طـائـر يملـي حديثاً فعذب خاطري وأراح سمعي
بجمـع لـو تعطفـتـم قلوب تبدد شملهـا من بعد «جمع»
فمنـوا واصليـن عقيـب هجر وجودوا منعميـن عقيب منع

وقال:
آه من محنتي ومن طول كربي وعنائي إذا تـذكـرت صحبي
كلما استـوقـد الغـرام بلـبي صحت في لوعتي وحرقة قلبي
الحريق الحريق حقاً وربي
ذبـت حتى رثى لـي العـذال مـذ رأوني أضر بي الاشتعال
حاولـوا بـرأه و ذاك محـال فاتـوا بالميـاه نحوي وقالـوا
اين هذا الحريق قل بقلبي

وله:
صحا من خمار الشوق من ليس وجده كوجدي وقلبي من جوى البين ما صحا
وعـاد غـرامـي فيكـم مثلـما بدا وأمسى هيامـي مثـلـما كـان أصبحا
أطعـت غـرامـاً فـي هواكم ولوعة وخالفـت عـذالاً عليـكـم ونـصحـا


أدب الطف الجزء السادس 150


ألا فليلم في الحب من لام و الهـوى أبيـّاً عـلى اللـوام وليلـح مـن لحـا
وكم قد سترت الحب والدمع فاضحي و مـا جـرت العينـان إلا لتفـضحـا
و كنيت عنكـم إن خطرتم بغيركـم وغـالبني الشـوق المـلـحّ مصرحـا
وصرت بنـوحي للحمـام مجاوبـا إذا هتفـت ورقـاء في رونـق الضحى
فتدعو هديـلا حين أهتف باسمكـم كلانـا بـه الـوجـد المبـرح برحـا
و ما وجدت وجدي فتغتبـق الجوى وتصطبح الأشجـان ممسى و مصبحـا
و لو صدقت بالنوح ما خضبت يداً ولا اتخذت في الروض مسرى ومسرحا
و لي دونها إلـف متى عن ذكـره نحـاني لذكـراه مـن الوجـد مانحـا
إذا ما تجاهشنا البكـا خيفـة النوى وجدنـا بـدمع كـنت أسخى وأسمحـا
فيا غائبـا ما غـاب عني و نـاز عـلى بعـده مـا كـان عني لينزحـا
تقربك الذكرى على القرب والنوى وبـرح جوى مـا كـان عني ليبرحـا
فأنت معي سـراً وإن لم تكن معي جهـاراً فمـا أدنـاك مـني و انزحـا

وكتب إلى صديق له:
سلام عليكـم والمفـاوز بيننـا وبالرغـم مني من بعيـد مُسلّم
فإن لم يحثـّني بالسلام كتابكـم فـإني راضٍ بالسـلام عليكـم
أأحبابنا و المرء يا ربما ارعوى و أغمض والأحوال عنه تترجم


أدب الطف الجزء السادس 151


ألفناكـم والشوق يلعب بالحشا ويبدي الذمي يخفي الضمير ويكتم
وعشنا بكم والعيش غض نباته رقيق الحـواشـي ناعم البرد معلم
إذ الظـل دان والأحبـة حيرة ودهـري سلـم والحـوادث نـوم
(ولمـا أنسنـا منكم بخلائق) هي الروض غب القطر ساعه ينجم
وفزنا بأفعـال كما رويت لنا ( تصدق ما تروي الخلائق عنكـم )
(تباعدتم لا أبعـد الله داركم) وقوضتـم والـذكـر منكـم مخيم
وفارقتـم لا قـدر الله فرقة (وأوحشتـم لا أوحـش الله منكـم)

وله:
أقـول وللهـوى ولع بروح أبت إلا التردد في التراقي
بنفسي الجيـرة الغادين عني ووجدهم كوجدي واشتياقي
ألا يا يـوم فـرقتنـا رويداً فلست إلى تلاقينـا ببـاقي
ووقفنا موقف التوديع سكرى ولا كأس تدار بكـف ساقي
أحب نوى يكـون بـه وداع وإن كان النوى مـر المذاق
نـودعكـم أحبـتنـا فـإنـا نرى أن لا سبيل إلى التلاقي

وكتب إلى أخيه الشيخ هادي من النجف إلى الحلة:
أسكـان فيحـاء ا لعواق ترفقوا بمهجـة صـب بالغرام مشوق
ولا تقطعوا كتب الموده والرضا فقد خانني في الحب كل صديق

وكتب إليه السيد صادق الفحام يعاتبه على قطع المراسلة:
عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع وشكوى لهاصم الصخور تصدع
وما كـان هـذا العتـب إلا تعللاً فلم يبـق في قوس الأماني منزع
هو الدهر عرنين المخازي بنحسه أشـم وعرنيـن المكارم أجـدع


أدب الطف الجزء السادس 152


فلاذو المساعي بـ (الرضا) منه فائز ولا ذو الحجـا بالعيـش منـه ممتع
أفـي الحق ـ لويرعون للحق ذمة ـ أبيـت ولـي حق لديـكـم مضـيع
أأمنع شـرب المـاء والبحـر زاخر وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع
أعــز كـتـاب أم تبـرم كـاتـب وأعوز قـرطـاس أم أعتـل مهيع
على أنـني لا أدعـي نقـص خلـة ولكنـه حـظ بـه النـقـص مولع

فعمد النحوي إلى أبيات السيد وحذف صدورها وعمل لأعجازها صدوراً من نظمه وأجاب بها السيد:
أتانـي مـن المـولى كتاب بطيه عتاب بـه سمع الصفا الصلـد يقرع
فها أنا ذو بث يلـيـن له الحصى وشكـوى لها صم الصخور تصـدع
وكنت أمني النفس بالصفح والرضا فلم يبـق فـي قـوس الأماني منزع
هو الشهم أنـف اللـؤم لولا آباؤه أشم وعـرنيـن المكـارم أجــدع
عتاب فـلا ذو اللـب يملـك لبه ولا ذو الحـجـا بالعيـش منه ممتع
فتـى لـم يضع حقاً فحقـاً مقاله أبيـت ولـي حق لـديكـم مضيـع
أخاف إذا لم يعـف أظمأ في الروا وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع
ولا عذر لي إن قلت قد عز كاتب وأعـوز قـرطـاس أم اعـتل مهيع
وما كان تركي الكتب تـركا لوده ولكنه حـظ بـه النقـص مـولـع

وقال يخاطب أستاذه السيد بحر العلوم وقد أبل من مرض:
لقد مرضت فأضحى الناس كلهم مرضى ولولاك ما اعتلوا او لامرضوا
ومذ برئت من الأسقام قد برئوا فمنك فـي حالتيـك البـر والمـرض

وله في مرض السيد بحر العلوم :
ولما اعتللت غدا العالمون وكـل عليـل جفـاه الوساد
فلا غرو إن لم يعودوك إذ مرضت فمن حقهم أن يعادوا


أدب الطف الجزء السادس 153


وقال أيضاً:
لقد مـرض النـاس لما مرضت وما ذاك بدعـاً نـراه جليلاً
حللـت مـن العالميـن القـلوب فلا شخص إلا وأمسى عليلا

ورأيت في الجزء الرابع من (سمير الحاضر) مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء قال : وللشيخ محمد رضا النحوي مؤرخاً عام تزويح الشيخ موسى كاشف الغطاء.
ومذ جاء فرداً قلت فيه مؤرخاً بحسبك أن أوتيت سؤلك يا موسى

وله:
فاسعد بعرس لك الإقبال ارخه زوجت بدر الحجى بالشمس يا موسى

وله وقد دخل على السيد بحر العلوم وقد أخذته الحمى والقشعريرة:
وقالـوا أصابتـه وحاشا علاءه قشعريرة مـن ذلـك الألـم الطـاري
وما علموا أن تلك من قبل عادة تعودها ـ مذ كان ـ من خشية الباري

وقال مخمساً بيتي غانم بن الوليد الآشوني: (1)
أقاموا فأضحى القلب وقفاً عليهم وشطوا فأمسى وهو رهن لديهم
فما برحوا في القلب في حاليتهم ومن عجب انـي أحـن إليهم
وأسأل عن أخبارهم وهم معي
عجبت لنفسي بعدهم واتحادها بهم تشتكي منهم أليم بعادها


(1) نسبة إلى (آشونة) من حصون الأندلس
أدب الطف الجزء السادس 154


تتوق لهم روحي وهم في فؤادي وتطلبهم عيني وهم في سوادها
ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

وقال مشطراً لنفس البيتين:
(ومـن عجـب أنـي أحن اليهم) وهم حيث كانوا من حشاي بموضع
واستنطق الأطـلال أيـن ترحلوا (وأسأل عن أخبارهـم وهـم معي)
(وتطلبهم عيني وهم في سوادها) ويهفو لهم سمعي وهم ملء مسمعي
وتصبو لهم نفسي وفي نفسي هم (ويشتاقهم قلبي وهـم بين أضلعي)

وقال في بنت له صغيرة مرضت واسمها رحمة وفيها الاقتباس:
قد مرضت (رحمة) فكل عــج إلـى الله والأئمـة
فعـافهـا ربنـا سريعاً «وهب لنا من لدنك رحمة»

وللنحوي يد طولى في نظم التواريخ في الحروف الأبجدية وليس الغرض المقصود من التاريخ ضبط عدد السنين من الحروف فقط وانما الغرض ايداع النكتة فيه أو التورية التي تدل على الموضوع وتواريخ النحوي كلها لا تخلو من هذه المحسنات التي المعنا اليها فمنها ما قال في ختان العلامة الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء واتفق ان الخاتن له يدعى «عبدالرحمن»
تطهر موسـى بالختان وإنه فتى طـاهـر مـن طـاهـر متطهر
وما كان محتاجاً لذاك وانما جرت سنة الهادى النبـي المطـهـر
هنالك قد أنشدت فيه مؤرخا لقد طهر (الرحمن) (موسى بن جعفر)


السابق السابق الفهرس التالي التالي