أدب الطف ـ الجزء السادس 35


ثـاروا ولـولا قـضاء الله يمسكهـم لم يتركوا لبني سفيـان مـن أثـر
أبـدوا وقائـع تنسي ذكـر غيرهـم والوخز بالسمر ينسي الوخز بالأبر
غــر المـفارق والأخلاق قد رفلوا من الـمحامـد في أسنى من الحبر
لله من فـي فــيافـي كربلاء ثووا وعندهـم علـم ما يجري من القدر
سل كربلا كم حوت منهم بدور دجى كـأنــها فلك للأنـجـم الـزهر
لم أنـس حـامـية الاسلام مـنفردا صفر الأنامل من حام ومـنتصـر
رأى قـنا الدين مـن بعد استقامتها مـغمـوزة وعليها صدع مـنكسر
فـقام يجمع شـملا غـير مـجتمع منها ويجبر كـسراً غـير مـنجبر
لـم انسه وهـو خواض عـجاجتها يشق بالسـيف مـنهـا سورة السور
كم طـعنة تـتلظى مـن أنـاملـه كالبرق يقدح من عود الحيا النضـر
وضربــة تـتجلـى من بـوارقه كـالشمس طالعـة من جانبي نهـر
وواحد الدهر قد نـابـتـه واحـدة مـن الـنوائب كانت عبـرة العبـر
مـن آل أحـمد لم تتـرك سـوابقه فـي كـل آونة فـخراً لــمفـتخر
اذا نضى بردة التشكيل عنـه تـجد لاهوت قـدس تـردى هيكل البـشر
ما مسـه الخـطب الا مس مـختبر فمــا رأى مـنـه إلا اشرف الخبر
فـأقبل النصـر يسعى نحوه عجـلا مـسعـى غـلام إلى مولاه مبتـدر
فأصدر النصـر لم يطـمع بـمورده فعـاد حـيران بين الورد والصـدر
يا مـن تسـاق المنـايا طوع راحته مـوقـوفـة بين قوليـه خذي وذري
لله رمحـك اذ ناجـى نـفوسـهـم بصادق الـطعـن دون الكاذب الأشر
يـا ابن النبيين مـا للعلـم من وطن الا لديك وما للحلــم مـن وطــر
يـا نيـرا راق مرآه ومـخــبـره فـكـان للـدهر ملء السمع والبصر
لاقاك مـنفرداً أقـصى جمـوعهـم فـكنـت أقدر مـن ليـث على حمر
صالـوا وصلت ولـكن أين منك هم ألنقش في الرمل غيرالنقض في الحجر
لـم تـدع آجالـهم إلا وكـان لهـم جـواب مصـغ لأمر السيف مؤتمر
حتى دعتك من الأقـدار أشـرفهـا إلـى جوار عـزيـز الـملك مقتـدر


أدب الطف ـ الجزء السادس 36


فـكنـت أسـرع مـن لبى لـدعـوته حاشاك من فشل فيها ومن خور
إن يـقتلوك فـلا عــن فـقد معرفة الشمـس مـعروفة بالعين والأثر
لـم يـطلبوك بـثار أنـت صاحـبـه ثـار لـعـمرك لو لا الله لم يثر
أي المــحاجـر لا تـبكي عليك دمـا ابـكيـت والله حتى محجر الحجر
لهفـي لـرأسـك والـخطار يـرفعـه قسرا فيطرق رأس المجد والخطر
قد كنت في مشـرق الدنيـا ومغربـها كالحـمد لم تغن عنها سائر السور
ما انـصفتك الـظبى يا شمس دارتـها إذ قـابلتـك بـوجـه غير مستتر
ولا رعتــك الـقنا يا ليث غـابتهـا إذ لـم تـذب لحيـاء منك أو حذر
كـم خضت فيـها بيـوم الروع معمعة ينبو بها غرب حـد الصارم الذكر
فـعـاد خـصمك والـخذلان يـتبعـه وعـدت تـرفل في برد من الظفر
ايـن الظبي والقنا مما خصـصت بـه لـولا سهـام اراشتـهـا يد القدر
أما درى الـدهـر مـذوافـاك مقتنصاً بـأن طـائره لـولاك لـم يـطر
يا صفقة (1) الديـن لم تنفق بضاعتها (2) في كربلاء ولم تربح سوى الضرر
ومـوسما للوغى في كربـلاء جـرى بـبيعـة فــاز فيـها كـل متجر
أنظـر إلـى الدهـر قـد شلت أنامله والـعلم ذو مـقلة مـكفوفة البصر
وأصبـحت عـرصـات العلم دارسة كـأنـها الـشجر الـخالي من الثمر
يـادهـر حـسبك ما أبديت من غير (3) أيــن الأســود الله مـن مـضر
أمسى الهدى والندى يستصر خان لهم (4) والـقوم لـم يـصبحوا إلا على سفر
يـا دهـر مـالك ترمي كل ذي خطر عـن المـناكب بـعد العز في الحفر
جـررت آل علـي فـي الـقيود فهل للقوم عـندك ذنـب غــير مغتفر
تــركـت كـل كـمي مـن لـيوثهم فرائسـاً (5) بين ناب الكلب والظفر


(1) واصفقة خ ل (2) بضاعته خ ل (3) عبر خ ل (4) بهم خ ل (5) فريسة خ ل
أدب الطف ـ الجزء السادس 37


أمـا تـرى عـلم الاسـلام بعدهـم والكـفر ما بـيـن مطوي ومنتشر
من ذاكـر لـبنات الـمصطفى مقلا قـد ولـكتـها يـد الضراء بالسهر
وكـيــف أسـلو لآل الله أفــئدة يعـار منـها جـنـاح الطائر الذعر
هـذى نـجائـب للـهادي تـقلـقلها ايـدي النجائـب من بدو ومن حضر
وهــذه حــرمات الله تـهـتكـها خـزر الحواجب هتك النوب والخزر
لم انس مـن عـترة الهادي جحاجحة يسقون مـن كــدر يكسون من عفر
قـد غـير الطعـن منهم كل جارحة الا المـكارم فـي أمـن مـن الـغير
هـم الأشـاوس تمضي كـل آونـة وذكرهـم غـرة في جبهـة السيــر
من المعـزي نبـي الله فـي مــلأ كانـوا بـمنزلـة الأرواح للـصـور
أن يـتركـوا زينة الـدنيـا فـانهـم من حضرة الـملك الأعلى علـى سرر
وان أبـوا لـذة الأولـى مــكـدرة فقـد صفـت لهـم الأخرى من الكدر
انى تصيب اللـيالي بـعدهـم غرضاً والقـوس خـاليـة مـن ذلك الـوتر
بنـي أمـية لا تـسري الـظنون بكم فان للثـأر ليثـا مـن بنـي مـضـر
سـيفا مـن الله لـم تفلل مـضاربـه يبـري الـذي هـو من دين الإله بري
كـم حرمـة هـتكـت فـيكم لفاطمة وكـم دم عـندكـم للمـصطفى هـدر
أيـن المـفر بـني سفـيان مـن أسد لـو صـاح بـالفلك الدوار لـم يـدر
مـؤيد الـعز يستسقـى الـرشاد بـه انـواء عـز بلطـف الله مـنهمــر
وينــزل المـلأ الأعـلـى لخدمـته مـوصـولـة زمـر الأملاك بالزمـر
يـا غـاية الـدين والدنـيا وبـدءهما وعصـمة الـنفر العـاصين من سقـر
ليست مصيبتكـم هـذي التـي وردت كــدراء أول مـشروب لـكـم كـدر
لقـد صـبرتـم على أمـثالـها كرماً والله غـير مـضيـع أجـر مـصطبر
فهـاكـم يـا غـيـاث الله مـرثيـة مـن عبـد عـبدكم المعروف بالأزري
يـرجـو الاغـاثـة منكم يوم محشره وأنتــم خـير مـدخـور لـمـدخـر
سمي كـاظمكـم اهــدى لـكم مدحاً اصفـى مـن الـدر بل أنقى من الدرر
حييتـم بـصـلاة الله مـا حيـيــت يـذكـركـم صـفات الصحف والزبر


أدب الطف ـ الجزء السادس 38


السيد سليمان الكبير

سرت تطوي الوهاد إلى الروابي ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي
نـفور مـن بنات العيس تفري مـهامـه دونها شيب الغراب
تعـير الـريح اخـفاقـاً خفاقاً وتـغني بالسراب عن الشراب
تريـك الـجيد قـائمـة فـتلقى على خـمس تسير من الهباب
تلـوح على الربي نسراً وتهوي هـوي المصلتات إلى الر قاب
تـمر على الحزون كومض برق تألـق بيـن مـركوم السحاب
تـخال ذميلها في السـهل سرباً من الكدري فـر مـن العقاب
وإن وخــدت بـجرعاء وتلـع تلـوت بـينـها مـثل الحباب
تسيح على الفيافي القفر تطـوي مـفاوز عـاريـات من ذئاب
تــراها إن حـدوت لها ظليماً تذعر بـين هاتيـك الشـعاب
تعيـر الريـم لفتتـها وتضوي بـأعضاد مـن التـبر المذاب
فـإن تشنق لها خرمـت أو أن لها أسلست تهـوى في العذاب
فدعها والمسـير فـحيث تهوى طـلاب دونـه أعلى الطلاب
إلـى ظل الإلـه وسـر قـدس تلألأ من ذرى أعلى الـحجاب
إلى البـطل الكـمي وبحر جود سواحـله النـدى دون العباب
إلى علـم الهـدى ومنار فضل إلى بحر الندى فصل الخطاب


أدب الطف ـ الجزء السادس 39


إلـى نـور العلي ومن لديـه علي وهـو في أم الكـتـاب
صراط مسقيـم بـل حكيـم بـأمـر الله في يوم الحسـاب
قـسيم النار والـجنات بـين الخلائـق كلها يـوم المئـاب
إلى مـن قـال فيـه الله بلغ لأحـمـد بـعد تعظيم العتاب
وإلا لـم تـكن بلـغت عني ولـم تك سامعـاً فيه جـوابي
فقـام له بـها بـغدير خـم خطيباً معلناً صوت الخـطاب
ألا من كنـت مـولاه فهـذا لـه مولى يـنوب بـكم منابي
فـوالي من يواليـه وعـادي مـعـاديه ومـن لعداه صابي
بـأمـر الله قومـوا بايعـوه على نهج الهدايـة والصـواب
فـبايعه الـجميع وما تأنـى شريـف أو دنـي أو صحابي
فمنهم مؤمـن سراً وجهـراً ومنـهم مـن ينافق في ارتياب
ومنهـم من أبى ويقول جهراً نـبيكم بـها أضـحى يـحابي
فلما كـذبـوا المـختار فيها هوى النجمان يا لك من عجاب
فبرهانان ذانـك مـن إلـهي لحيـدرة فـأيـهمـا المحـابي
أمن فـي داره أمسى مـنيراً أم الـهاوي لـتجـيل الـعذاب
ومن أفق السما قـد خر نجم على الشيطان يهـوي كالشهاب
لـذلك أنـزل الـرحمن فيـه لسورة سـائـل سوء العـذاب
لـه الآيـات في الآيات تتلى بمـحكمـها وتـأويل الصواب
كيوم أكـمل الإسـلام فيـه ونعـمتـه تـتـم بـلا ذهـاب
معاجز حـارت الأوهام فيها فـلا تـحصى بـعد أو حساب
وأن الـمصطفـى للعـلم دار وحيدر سورها بل خـير بـاب
وكلهم أحمـداً جمـل وضب وخاطب حيدراً خـرس الذياب
وثـعبانـاً ولـيثاً ثـم موتى رماماً قد بلـوا تحـت التـراب
وشق البـدر للهـادي وردت ذكـاء للـوصـي المستـطاب


أدب الطف ـ الجزء السادس 40


حسـام الله خـافـض كـل رفع من الاشراك من بعد انتصـاب
صـفاتك معجـزات معـجـزات ذوي الألبـاب توقع في ارتياب
مـتى رامـوا حـقايـقها يضلوا عن التوحيد في تيـه التـصابي
وان يــجهلـها أبــداً ضـلالاً عن الاسـلام بـل أي انقـلاب
ألا يـامـحنـة الألــباب أنـى بـحدك ذو ذكـاء فـيك صابي
فيـالك مـحنـة للـخلق عـظمى ورحمتها ويالك مـن عــذاب
وصاعقـة على الأبطـال تـهوي مـن الآفـاق طــوراً كالعقاب
وطـوراً تحصـب الفرسان حصباً مـبيراً في الذهـاب وفي الإياب
بـذلت لأحمـد نـفسـاً تسامـت وحـزت بـبذلـها كــل الثواب
جـزا الله عـنه كـــل خــير أبـا الـحسنين مـن حصن مهاب
أبا الحسنــين يـانـعـم المنادي إذا دهـم المصاب على المصاب
يـعز عـليك لـو تـلقـى حسيناً رميـلاً فـوقه يـجثو الضـبابي
قـتيـلاً ظامـياً والمـاء أضـحى مــبـاحـاً للذئـاب وللكـلاب
غسيـلاً بـالـدمـاء لقـاً جريحاً على الـرمـضاء ووايـلاه كابي
ولـو شـاهـدت يـا مـولاي لما دهى نـسوانـه هول الـمصاب
بـرزن مـن الـخيـام مـهتكات نوادب بـعـد صـون واحتجاب
تـخـال نسـاءه لـمـا تـبـدت شـموساً قـد برزن من الحجاب
وكـل نـادب واعـظــم كـربي وواذلاه واطـــول اكـتئـابـي
ثـواكـل لا تجـف لهـادمــوع محسـرة عـلى حـسر الـركاب
فـذي تـنعى عـليه بـلا قـنـاع وذي تبكي عـليـه بـلا نـقـاب
وهـذي نـادب واطـول حـزنـي ووجـدي باحتـراق وانـتحـاب
سبايـا بيـن شـر النـاس تسـري علـى قـــتب مسلبـة الثيـاب
بنـات مـحمد أضـحت أســارى حيارى بـعـد سبـي واسـتلاب


أدب الطف ـ الجزء السادس 41


ورأس رئيسها في الرمح يتلو أمـام الـركـب آيات الكتاب
فوا لهفاً لذاك الشيب أضحى يعوض بالدماء عن الخضاب
ألا أين الـرسول يرى يزيداً ينادي الخـمر يقرع خير ناب
تمـثل نـادباً أرجاس حرب طروبـاً في مـجاوبة الغراب
ألا يـالـيـث أشـياخي ببدر لذي الثارات قد شهدوا طلابي
فيارب مـن اللعنات ضاعف عليـه مـا علـى أهل الدباب
ومن آذى الرسول وسن ظلماً علـى الـقربى وعظم للعذاب
وأول ظالـم فــابـدأ بلعن وآخـر تـابـع من كل باب
فمنكـم سادتـي وبـكم إليكم ثـوابي واحـتجابي وانتسابي
عددت ولاءكم ذخري لحشري وحسـبي فيه في يوم الحساب
إليكم مـن سليـمان عـروساً برأي الشيب فـي سن الشباب
فيامن حـبهم فخري وذخري ولاؤهـم ومـدحـهم اكتسابي
عليكــم سـلم الباري وصلى بعـد الرمل مع قطر السحاب (1)


(1) عن الرائق ج 2 ص 412.
أدب الطف ـ الجزء السادس 42


السيد سليمان الكبير



السيد سليمان الكبير المزيدي توفي ليلة الأحد 24 جمادى الثانية 1211 أبو داود ويكنى بأبي عبدالله أيضاً ـ سليمان بن داود بن حيدر بن أحمد بن محمود بن شهاب وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وكان جده الأعلى أحمد يعرف بالمزيدي لأنه يسكن قرية الميزيدة المنسوبة لآل مزيد ـ أمراء الحلة وتوفي ودفن فيها وقبره معروف يزار، وأما ولده حيدر بن أحمد ـ جد صاحب الترجمة ـ فكان مرجعاً لسكانها ومن جاورها من تلك الأطراف والنواحي ويلقب بـ (الشرع) وهو لقب تطلقه العامة على من يتصدى لاستماع المرافعات بين الخصوم ونشر الأحكام الدينية، وله في المزيدية مسجد وآثار لا تزال تنسب إليه، ولذريته فيها اقطاع وضياع تعرف باسم آل شهاب ـ الجد الخامس للمترجم ـ وكان السيد المترجم يعرف بالمزيدي إيضاً، ولاشتهاره بإتقان علم الطب وتأليفه فيه لقب بالحكيم أيضاً ونبغ من هذه الأسرة عدد ليس بالقليل في الفضل والأدب ومن مشاهيرهم ولده الحسين وحفيده السيد مهدي والسيد سليمان وولده السليمان حيدر الشهير وغيرهم.
وقد ألف نجل المترجم السيد داود كتاباً في سيرة والده قال فيه:
ولد السيد سليمان في النجف الأشرف عام 1141 ونشأ فيها وأخذ العلم عن علمائها حتى اشتهر بعلمي الأديان والأبدان ثم انتقل إلى الحلة سنة 1175.
قال الشيخ اليعقوبي في البابليات: وقد عثرت على قصائد في مدح آل

أدب الطف ـ الجزء السادس 43


البيت للسيد المترجم لم يثبت منها ولده في ترجمة أبيه بيتاً واحداً وهي مثبتة في كتاب (الرائق) بخط معاصره العالم الأديب السيد أحمد العطار المتوفى سنة 1215 هـ تحت عنوان : ـ مما قاله السيد سليمان ابن السيد داود أيده الله تعالى ـ الأولى في رثاء الحسين مطلعها:
سرت تطوي الوهاد إلى الروابي ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي

وهي 80 بيتاً.
والثانية في مدح أميرالمؤمنين عليه السلام وهي 72 بيتاً، ومطلعها:
حارت بكنه صفاتك الأفهام وتعذر الإدرا والإلهام

والثالثة في مدحه عليه السلام وهي 56 بيتاً وإليك المختار منها:
ظهور المعالي في ظهـور النجائب ونيل الأماني بعــد طي السباسب
فدع دار ضيم دب فيك اهتضامـها كمـا دب في الملسوع سم العقارب
ولا تأس بعـد الخسف يوم فـراقها (على مثلها مـن أربـع وملاعب) (1)
متى تـملك السلوان بـين ظبائهـا إذا نظـرت عيناك بـيض الترائب
ولـيس أسود الغاب عند افتراسهـا لـشلوك يـوماً مـثل سود الذوائب
إذ ظعنـت تلك الـظعائت خـلتها بدورها تجلى فـوق تلك الـركائب
وتهزأ بالغصن الرتـيب إذا انثنت وإن سفرت أزرت بنـور الكـواكب
أحادي السـرى رفقاً بـمهجة واله تناهبها في السـير أيـدي الـنجائب
فمـا لـي إلا عظم شوقي مـطية ولازاد لي غـير الدمـوع السواكب
وعـج بي على أطلال دار عهدتها معاهد جود يوم بـخـل السحـائب
ديـار بـها كـم شيد للمجد ركنه بسـمر القنا والماضـيات القواضب
ربـوع يـحير الـوافدين ربيـعها سـحائب جـود عند بـذل الرغائب
مـهابـط وحي أقـفرت وتنكرت مـعالمها مـن فـادحـات المصائب
* * *


(1) مطلع قصيدة لأبي تمام .
أدب الطف ـ الجزء السادس 44


لقـد أوجـبت آي الـكـتاب ودادهـم وود سواهم لوزكا غـيـر واجـب
بـهـم مـن عـلـي آيـة الله آيــة فحازوا به في الفحر أعلى المـراتب
هـو الآية الكـبرى إمـام ذوي النهى هو العروة الوثقى رقـى أي غارب
فلو لـم يكـن خـير الـورى وإمامها لما جاز أن يرقـى خـيار المناكب
ولـو لـم يكن مولى الورى مثل حيدر (فـما هو إلا حـجة للنـواصـب) (1)
فـإن قلت نفس المصطفى كنت صادقا ولـو قلـت عين الله لـست بكاذب
ولـم ير في يوم الوغـى غير ضاحك ولـم يقف يـوم الروع آثار هارب
فـيا خــيرة الله الـعلي ومـن لـه مناسـم مـجد فوق أعلى الكواكب
ويا مـن كتـاب الله جــاء مـؤكداً مـودته في حـفـظ ود الأقـارب
وفي (هل أتى) (النجم) جـاء مـديحه وفي (العـاديات) الغر بين الكتائب
ويا خـير يـدعـى لــدفـع مـلمة ويا خـير مـن يدعى لدفع النوائب
أياجد مـن أرجـو ومـثلك مـوئلـي ولست لأهـوال الــزمان بهائب
فخذهـا أبـا الأطـهار نفثـة مـغرم يناجـيك فـيها يـا سليل الأطائب
فواعـجبـاً هـل كيـف ترضى بأنني أضام وأنـتم عـدتـي لـمآربـي
شكـوت ومـا حـالي عـليك بغامض ولا أنافـي الجلـى سـواك بنادب
وحاشاك أن تـبـقـي عليـك لـمادح حقـوقاً وقـد سدت علي مـذاهبي
وله قصيدة في مدحه عليه السلام التزم فيها أن تكون جميع حروفها مهملة.
هو المسك أو رسم الإمام له عطر هو السر سر الله ولعالم الصدر
إمام همام ساد حلماً علـى الورى وصهر رسول الله مولى له الأمر


(1) عجر بيت للمتنبي.
أدب الطف ـ الجزء السادس 45


وقد طارح جماعة من شعراء عصره كالنحويين والشيخ أحمد بن حمد الله والشيخ درويش التميمي ـ والد الشاعر الشهير الشيخ صالح التميمي وابن الخلفة والفحام والسيد شريف بن فلاح الكاظمي صاحب القصيدة الكرارية.
فمن قصيدة لمحمد بن الخلفة يمدحه فيها:
يـا سـائلا عـن سيد فـاق الورى بـفواضـل الحسنـات والاحسـان
هـذا سـليمان بــن داود الــذي كـم فيـه للمـجد الأثـيل معـاني
يرجى ويحذر في القراع وفي القرى في يـوم مسـغبـة ويـوم طـعان

آثاره:
قال ولده داود : ـ أتقن العلوم وبرع في الطب والأدب وصنف بكل علم وفن كتاباً. قلت: ولم يذكر اسم كتاب منها بيد أني عثرت على رسالة له صغيرة الحجيم كبيرة الفائدة سماها «خلاصة الإعراب» رتبها على مقدمة وفصول أربعة وخاتمة من أحسن ما كتب في العربية على أوجز طرز وأسهل أسلوب مدرسي، رأيتها بخطه الجميل ويظهر أنه كتبها لجماعة من تلاميذه وكنى نفسه في أولها بأبي عبدالله سليمان بن داود الحسيني ونسبها شيخنا في الجزء 7 من الذريعة إلى حفيده سليمان الصغير الذي شارك جده المترجم في الاسم دون الكنية ولعل بقية آثاره تلفت في حوادث الحلة الأخيرة:
وفاته : توفاه الله إليه ليلة الأحد الـ 24 من جمادى الثانية سنة 1211 بالسكتة القلبية وحمل جثمانه إلى النجف في موكب مهيب مشى فيه مئات الرجال من أشراف الحلة وصلى عليه إمام الطائفة يومئذ السيد محمد مهدي بحر العلوم ودفن عند إيوان العلماء مقابل مسجد عمران وكان لنعيه صدى في الأوساط العلمية

أدب الطف ـ الجزء السادس 46


والأدبية ورثاه عامة البلدين النجف والحلة نمنهم العلامة الشهير الشيخ محمد علي الأعسم بقصيدتين مطلع الأولى:
خطوب دهتني أضرمت نار أشجاني وأغرت بإرسال المدامع أجفاني
ويقول في آخرها مؤرخاً عام وفاته:
وإذ عطلت منه المدارس أرخوا تعطل درس العلم بعد سليمان
ومطلع الثانية:
لقد تضعضع ركن المجد وانهدما واليوم ثلم من الاسلام قد ثلما
ومنهم الشيخ يونس بن الشيخ خضر ـ وهو ممن قرأ عليه ـ فقد رثاه بقصيدة مطلعها:
ألا ما لشمل المجد أضحى مبددا فأورثنا حزناً طويلاً مدى المدى
ومنهم العالم الفاضل الشيخ حسن نصار بقصيدة مطلعها:
لم تبك عيني مدى الأيام مفقودا إلا التقي سليمان بن داودا
ومنهم محمد بن اسماعيل بن الخلفة بقصيدة مطلعها:
بمن سرى الركب يفري مهمة البيد وخداً ومخترق صم الجلاميد
ومنهم العالم الجليل الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني بقصيدة مطلعها:
الدهر لا يبرح خوانا ياطالما فرق إخوانا
ومنهم الملا حسين جاوش ومطلع قصيدته:
ألا خلياني يا خليلي من نجد وتذكار سعدي في حمى بانة السعد


أدب الطف ـ الجزء السادس 47


وابلغ من رثاه العالم الأديب الشيخ محمد رضا النحوي بقصيدة بليغة قال فيها:
ألما عـلى دار الـنبـوة وانـشـدا بها من قضى لماقضى الدين والهدى
ألمـا مـعي نـخلع رداء الحيا أسىً على فـقد من بالمكرمات قد ارتدى
(سليمان) هذا العصر(آصف) عرشه و(لقمانـه) إن جار دهـر أو اعتدى
صـحبت له والعيش شهـب سنونه خلائق تحـكي الروض يا كرة الندى
فكان إذا صال الـردى لـي جـنة يـرد الـردى عنـي وعضباً مجرداً
وكان سميري في الدجـى كلما زقا صدى ونميري كـلـما كضني صدى
فلو كان يـفدى بـالنـفس فـديته ولكن صرف الـدهـر لا يقـبل الفدا
تباين دمعي في رثـاه ومـقـولـي وإن كان كـل عن جوى قد تصـعدا
فـهذا جرى مثل الجمـان منظـما وذاك وهي مـثـل الـعتيـق مبـددا
فـكـنا لعمري(مالكاً) (1) و(متمما) وأصبحت(شماخا) (2) وكان(مـزردا) (3)


(1) مالك بن نويرة التميمي فارس شاعر صحابي. وفي أمثالهم:
فتى ولا كمالك . قتله خالد بن الوليد سنة 12 هـ ومتمم أخوه شاعر فحل وأشهر شعره رثاؤه لأخيه مالك.
(2) لقب معقل بن ضرار المازني الذبياني: شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والاسلام وهو من طبقة لبيد والنابغة ، وكان أرجز الناس على البديهة، شهد القادسيه: وتوفي في (موقان) سنة 22 هـ.
(3) والمزرد: لقب أبيه ضرار.


السابق السابق الفهرس التالي التالي