أدب الطف ـ الجزء السادمس 20


علي بن حبيب الخطي

أنفـحـة مسك أذفـر شيـب بالـند تنشقت أم ريـح الطـفوف على البعـد
فيانسـمة أهــدت إليـنا تـضوعاً ورائـحـة تـزرى بـرائـحة الـورد
رويداً رعـاك الله حـركـت ساكنـاً بـقلبي وأورتـني بقلبي لـظى وجدي
فـما حـال سبط المصـطفى وحبيبه وقـرة عين المرتضى الجـوهر الـفرد
أجـاب لسان الحـال مـا حال سـيد رعيته خـانتـه فـي العهد والـوعـد
سأقضي حـياتي زفـرة بعـد زفرة عـليـه ولـكـن التـزفر لا يـجـدي
بنفسي نفـس البضعة الطـهـر فاطم على الأرض مرضوض الأضالع بالجرد
فقل لابن سعدبعد تسعين تشتري العمى بالهدى يا ويك والنـحس بـالسـعد (1)
أتطفي سنا الاسلام ما أنت في الورى فتى سادس الإسـلام بـل شر مـرتـد

وفي آخرها:
فتى ابن حبيب قاصر عن مديحكم ولكن من وجدي بذلت لكم وجدي (2)


(1) يظن البعض أن عمر بن سعد بن أبي وقاص كان متقدماً في السن وأنه عاش وعمر كما في هذا البيت (فقل لابن سعد بعد تسعين تشتري) والحقيقة أنه قتل وهو في سن الثلاثين أو الأربعين لأنه ولد يوم موت عمر بن الخطاب ولذا سموه بعمر إذن يكون عمره يوم تولى قيادة الجيش لحرب الحسين عليه السلام ستو وثلاثين سنة فقط.
(2) عن مخطوط الشيخ لطف الله الجد حقصي.
أدب الطف ـ الجزء السادمس 21


والقصيدة تزيد على الستين بيتاً. وله قصيدة أيضاً في مجموعة الشيخ لطف الله، وأولها:
إنهض إلى أم القرى ومناتها وبطيبة طف بي على عرصاتها

وهي أكثر من سبعين بيتاً.
وله أيضاً:
أسير الهـوى ما بـال ثغرك مفترا أراك بــمـا أولاك مولاك مـغتــراً
وتـختال فـي ثـوب الشبيبة مائساً وتـطـرب فـي تـذكار غـادتك الغرا
فدع ذكر من تهوى ولا تطع الهوى أما سمـعـت أذناك بـالوقـعـة الكبرى
أيصبـح منـك السـن ياويك باسماً سروراً وتبكي عيـن فـاطمـة الـزهراء
ألا اطلق عنان العيس واعنف بسيرها وإن جئت وادي الطف قف نبك من ذكرى
هناك ترى من نور العرش باسمـه لـه كبـد حـرى وفـي بـردة حـمـرا

تحتوي على 56 بيتاً نقلنا منها هذا المقطع.

أدب الطف ـ الجزء السادمس 22


السيد علي السيد احمد

بكى بقـاني دمـه والـمدمـع صــب لــذكـر دمنـة ومـريع
لم يبـق فـيها من يجيب داعياً ولا يـلـبي نـاشـداً ولا يـعــي
غيـر اثاف جـثم ودونـهــا نـوء وأشـــلا وتـد ومـخدع
فما البكا وما العنـا ومـا الشجى ومـا الـضنا علـى الـذي لم ينفع
هلم هات كـلمـا ادخــرتـه من مــدمـع ومـن دم وابك معي
على الـحسيـن المـستـضـام والإمـام بن الإمام الألمعي اللوذعي
السيــد السمـيدع ابـن السـيد السمـيدع ابـن الـسيد السـميـدع
الأروع المـبـجل المعظم المكرم الـــمـــمـجد ابــن الأروع
واذكر عظـيـم رزئـه فــإنه بــمثلـه كـل الـورى لـم تسمع
قضى ظماً مع صحبـه بـكربلا ودون الــسلسبيــل الــمتـرع

وفي آخرها:
آل النبي حبكـم قــد انحنت عليه ـ مذ كونت ـ عوج أضلعي
إذ حبكم وبغضكم بـين الورى علامــة للـنصـب والـتشيـع
وأنتـم يـوم الـحساب عدتي لشدتـي ومـأمنـي لمـفـزعـي
وهاكـم عـذراء مـن نجلكم بـغير وشي الـحب لـم تـلفـع
تحـجبـت مـن البهـا ببرقع وهي لقلب الخصم قلـب الـبرقـع


أدب الطف ـ الجزء السادمس 23


ولي وآبائي ولـلرحـم اشفعوا إذ غيركم يوم القضا لم يشفع
عليكم الرحمن صل ما اكتسى روض الربيع نسج أيدي الهمع (1)

وفي مجموعة حسينية في مكتبة الامام الصادق العامة في حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية على مشرفها أفضل التحية، والمجموعة في قسم المخطوطات ـ رقم 75 تحتوي على جملة قصائد لشعراء قدماء كلهم من القرن الثاني عشر الهجري، أو قبل ذلك. وقد جاء في آخرها:
وقد فرغت من تحرير هذه المجموعة في مراثي سيدنا ومولانا وإمامنا أبي عبدالله الحسين عليه السلام. في يوم السابع من شهر جمادي الثانية من شهور سنة 1242 . وأنا العبد الجاني محمد شفيع بن محمد بن مير بن عبدالجميل الحسيني غفر الله لهم.

(1) عن مجموعة المراثي الحسينية بخط محمد شفيع بن محمد بن مير الحسيني سنة 1242 مخطوطة مكتبة الامام الصادق العامة بالكاظمية حسينية آل الحيدري رقم «7» .
ادب الطف ـ الجزء السادس 24


السيد محمد الشاخوري

أهاجــك ربــع دارس وطلـول ترحل مـنهـا للـفراق خـليل (1)
فبت كئيباً ســاهر الطرف باكيـاً ودمعك بـعد الظـاغنين هطول
إذا مــر ذكــر البان ظلت لبينه دموعـك في صحن الخدود تسيل
وتشتــاق آرام النـقا ولـطالـما عـراك لذكـراهـا أسى ونحول
أما قد بدا شيـب العــذار وإنـه لعمري على قرب الـرحيل دليل
أتخدعك الدنيا بــريب غـرورها وأنت لثـقل الـحـادثات حمول
وتستعب اللذات فـيها وصـفـوها قـلـيل وأما خـطبـها فجليـل
فإياك والدنـيا الغرور فـكم بـهـا لعمري عزيز صار وهـو ذليـل
أتاحت لآل المصطفى جمرة الردى وليس لهم في العالمـيـن مثـيل
فهـم بين مسجون قضى في حديده وآخـر مسمـوم وذاك قـتــيل
وأعـظم شيء أورث القلب حسرة ووجداً مـدى الأيام لـيس يـزول
مصاب بأرض الطف قد جل خطبه فكـم قمـر فـيـه عـراه أفـول


(1) عن مجموعة الشيخ لطف الله.
أدب الطف ـ الجزء السادمس 25


غداة قضت من آل احـمد عـصـبـة لدى الطـف شبان لهـم وكهول
أناخت بـأرض الـغاضريـات بدنهـم لهم في ثـراها مضـجع ومقيل
قضوا ظمأ مــا بـردوا غلـة الظمـا وللوحش مـن ماء الفرات نهول
ومن بينهـم ريـحانـة الـطهر أحمـد عـفير على حـر التراب جديل
لـه جســـد أودت بــه شفر الضبا لقــى ودم الأوداج مـنه يسيل
كسـت جـسمـه يـوم الطفوف سنابك بـعثيرها في البـيد وهي تجول
وحاكـت لـه ريح الصـبا بـهبوبهـا قميـص رغـام بالـدماء غسيل
علـى لــذة الأيـام مـن بعده العفـا فما بعده الـصـبر الجميل جميل
لـحــى الله عـينـا تذخر الدمع بعده ونــفساً إلى قـرب السلو تميل
فيـا قلب ذب من شدة الوجـد والأسى ويـا عين سحي فالمصاب جليل
بـنات رسـول الله تسبى حـواسـراً لهـن على فـقد الـحسين عويل
وتبـرز مـن تـلك الـخـدود لواغبا وليس لها بـعد الـحسين كـفيل
سوافر لا ســتر يـغطـي رؤوسهـا تنوح ودمع الـمـقلتين هـمـول
نـوادب مـن وجـد يكـاد لـنوحـها تذوب الـرواسـي حرقة وتزول
يسير بـهـا فـي أعنـف السير سائق ويزجرهـا حاد هنــاك عجول
يـناديـن يـا جــداه بعـدك أظهرت عليـنا حقـود جـمة وذهــول
وصـالـت علينـا عصــبة أمويـة نغول نمتـها بـالسـفاح نـغول
أيا جـد أضحى السبط ملقى على الثرى تجـر عـليـه للـريـاح ذيـول
قـضى ظـمـأ والمــاء جار ودونه حـدود سـيوف لمـع ونـصول
وساقوا إمام العـصـر يـا جـد بينهم أسيراً يقاسي الضـر وهـو عليل
أضر بـه السيـر الشـديـد وسـورة الحديـد وقـيد في اليديـن ثـقيل
* * *
أولي الوحي يا من حبهم لوليـهم أمان، وعن حر الجحيم مقيل
فـإن لـم تقيلوا نجلكم من ذنوبه فليس اليه في النـجـاة سبيل
أيشـقي ويبقى أحـمد في ذنوبه وأنتم ظلال للأنـام ظلــيل


أدب الطف ـ الجزء السادمس 26


الملا كاظم الأزري

المتوفى 1211

من روائعه في الإمام الحسين عليه السلام :
إن كـنت في سنة من غارة الزمن فانظر لنفسك واستيقظ مـن الـوسن
لـيس الـزمان بمـأمون على أحد هيهـات أن تسـكن الدنيـا إلى سكن
لا تنـفق الـنفس إلا في بلوغ مني فبائع النــفس فـيها غير ذي غبن
ودع مصابـحة الدنيـا فليس بـها إلا مـفارقـة السكــان للسـكـن
وكيـف يـحمد للدنيـا صنيع يـد وغاية البشر فيها غـايــة الـحزن
هـي الليـالـي تـراها غير خائنة الا بــكل كـريـم الـطبع لم يخن
الا تـذكـرت ايـامـا بها ظعنت للـفاطـمييـن اظـعـان عن الوطن
ايـام طل مـن المـختـار اي دم وادمــيت اي عيـن مـن أبي حسن
أعـزز بنـاصر ديـن الله منفرداً في مجمـع مـن بني عبادة الـوثـن
يوصي الأحبـة ان لا تقبضوا أبدا إلا علـى الديـن فـي سر وفي علن
وان جرى أحد الأقدار فـاصطبروا فالصـبر في القدر الجاري من الفطن
ثم انثنـى للأعادي لا يـرى حكما إلا الـذي لـم يدع رأسـاً علـى بدن
سـقيا لـهمته مـا كـان أكـرمها في سقي ماضي المواضي من دم هتن
وللظبى نغمـات فـي رؤوسـهـم كأنـها الطـير قـد غنـت على فنن


أدب الطف ـ الجزء السادمس 27


يا جـيرة الــغي ان انـكرتـم شرفي فإن واعية الـهيجـاء تـعرفـني
لا تفـخـروا بـجنــود لا عداد لـها ان الفخار بغير السيف لـم يكـن
ومــذرقـى نبـر الـهيجاء اسـمعها مواعظا من فروض الطعن والسنن
لله موعظـة الخطـي كــم وقــعت من آل سفيان فـي قـلب وفي اذن
كـأن أسيـافــهـن اذ تستـهل دمـاً صفائح البرق حلت عقـدة الـمزن
لله حـملتـه لـو صـادفــت فــلكا لـخر هيكلــه الأعلى على الذقن
يفري الجيـوش بـسيف غير ذي ثقـة على النفوس ورمح غـير مـؤتمن
وعـزمة فـي عـرى الأقـدار نـافذة لو لاقـت المـوت قادته بلا رسن
حق إذا لـم تصب مـنه الـعدى غرضا رموه بـالنـبل عن موتورة الضغن
فانقـض عـن مهره كالشمس عن فلك فغاب صبح الهدى في الفاحم الدجن
قــل للمـقاديـر قـد ابـدعت حادثة غـريبة الشـكل ما كانت ولم تكن
امثل شـمـر اذل الله جــبهــتــه يلقى حسيناً بـذاك الملتـقى الخشن
واحسرة الـدين والدنيـا علـى قـمـر يشكوا الخسوف من الـعسالة اللدن
يـا سيدا كـان بـدء الـمكرمـات به والشمس تبـدأ بالأعلـى مـن القنن
مـن يكـنز الـيوم من علـم ومن كرم كنزا سواك عـليـه غـير مـؤتمن
هـيهـات إن الـنـدى والعلـم قد دفنا ولا مزيـة بـعـد الـروح للـبدن
لقد هـوت مـن نزال كـــل راسية كانت لابـنيـة الأمـجـاد كالركن
لله صخرة وادي الـطف مـا صدعـت إلا جواهــر كانـت حـلية الزمن
خطب تـرى الـعالـم العلـوي لان له ما العذر للـعـالـم السفلـي لم يلن
مـن المعزي حـمى الإسلام في مـلك من بعده حـرم الإسـلام لـم يصن
يهينك يـا كـربـلا وشـي ظفرت به من صنعة اليمن لايمن صنعة اليمن
لله فـخرك ما فـي جـيـدة عــطل ولا بمـرآته الأدنـى مـن الـدرن
كـم خـر في تـربك النوري بدر تقى لـولاه عاطلـة الإسـلام لـم تزن
حي من الشـوس مـعـتاد ولــيدهم على رضاع دم الأبـطال لا اللـبن
يجول فـي مـشرق الدنـيا ومـغربها نداهـم جولان الـقـرط فـي الأذن


أدب الطف ـ الجزء السادمس 28


مـن مـبلغ سـوق ذاك اليوم ان به جواهر القدس قد بيعت بلا ثمن
قـل للمـكارم موتي موت ذي ظمأ فقد تبدل ذاك الـعذب بـالأجن
لقـد اطـلت علـى الإسـلام نـائبة كقـتل هابـيل كانت فتنة الفتن
أقـول والـنفس مـرخـاة ازمـتها يقودها الوجد من سهل إلى حزن
مـهلا فـقد قـربت أوقـاف منتظر من عهد آدم منصور على الزمن
كشـاف مــظلمـة خواض ملحمة فيـاض مـكرمـة فكاك مرتهن
قـوم يـقلد حـتى الـوحش مـنته وابن النجابة مطبـوع على المنن
صباح مشرقها مـصباح مـغربهـا مـزيل مـحنتها مـن كل ممتحن
أغر لا يتــجلـى نــور سـؤدده ألا بروض من الدين الحنيف جني
تسعـى إلـى المرتقى الأعلى به همم لا تـحتـذي مـنه إلا قـنة القنن
يـسطـو بسيفين من بأس ومن كرم يستأصلان عروق الـبخل والجبن
يـا مـن نـجاة بنـي الدنيا بـحبهم كـأنها البحر لـم يركب بلا سفن
طـوبـى لحظ مـحبيكم لقـد حصلوا على نصيب بقرن الشمس مقـترن
هــل تـزدري بي آثـامي ولي وله بـكـم إلى درجات العرش يرفعني
أرجــوكـم ورجاء الأكـرمين عني حياً وبـعد اندراج الجسم في الكفن
يا مـن بـقدرهم الاعلى علت مدحي والدر يحسن منظوماً علـى الحسن
فها كـم مـن شـجي البال مغرمـة عذراء ترفل في ثوب مـن الشجن
جاءت تهـادى مـن الأزري حاليـة مـن اجتلى حسنهــا الفنان يفتتن
ثـم الصـلاة عـليكم مـا بـدا قمر فانجاب عنه حجاب الغارب الدجن


أدب الطف ـ الجزء السادمس 29


الملا كاظم الازري



والمشهور بـ ملا كاظم بن محمد بن مهدي الأزري البغدادي يسكن بغداد ومدرسة النجف، صريحاً في الرأي قوي الحجة مهيباً في المطلع، وكان يتمتع بمكانة سامية في كافة الأوساط الأدبية، ولدى جميع الطبقات الشعبية، لم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي وعاصر من العلماء الأعاظم: السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي الكبير، واتصل بالبيوت الشريفة ونادمهم وتروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى الشريفة ونادمهم وتروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى الندوات الأدبية: بلغني عنك انك مجنون، فأجابه الأزري: وبلغني عنك انك مأفون، فان صدق الراوي ففي وفيك، وإن كذب الراوي فلعنة الله على الراوي. ومنها انه قدم النجف الأشرف فاجتمع عليه الأدباء والعلماء ومنهم السيد صادق الفحام واستنشدوه فأنشد من شعره فلم يوفه السيد جعفر حقه بالإستحسان والاجادة، وما زاد على كلمة: موزون ـ فأنشأ الأزري:
عرضت در نظامي عند من جهلوا فضيعوا في ضلام الجهل موقعة
فـلم أزل لائمـاً نـفسي أعاتبـها من باع دراً على الفحام ضيـعه

جاء لقب الأزري من جدهم وهو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبدالصمد بن علي التميمي البغدادي المتوفى في سنة 1162 وهو الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزر المنسوجة من القطن والصوف.

أدب الطف ـ الجزء السادمس 30


وقد نبغ من هذه الأسرة في العلم والأدب عدد ليس بالقليل، وأول لامع منهم هو الشيخ كاظم، فالشيخ محمد رضا، فالشيخ يوسف الأول، فالشيخ مسعود، فالشيخ مهدي، فالمترجم له.
قال السيد الأمين في الأعيان ج 43 ص 101 : بيت الأزري بيت أدب وعلم وثراء. ويظهر من ورقة الوقف المشهور الآن بوقوف بيت الأزري وبعض الحجج الشرعية القديمة أن أسرة هذا البيت كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون، اما ما قبل ذلك فلا يعلم عنها شيء. وقد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم والشيخ محمد رضا.
نشأة المترجم و حياته:

ولد الشيخ كاظم الازري في بغداد سنة 1143 على الأصح ولم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة (رأس القرية) من بغداد وهي من جملة أوقاف والده التي وقفها عليه وعلى إخوته سنة 1159. وبقي في طفولته مقعداً سبع سنوات ثم مشى.
درس العلوم العربية ومقداراً غير قليل من الفقه والأصول على فضلاء عصره ولكنه ولع بالأدب وانقطع عن متابعة الدرس. وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ العشرين عاماً. كان سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن قوي الذاكرة كما كان محترم الجانب لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره حتى ان السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولاطلاعه الواسع على التاريخ والسير، وكان قصير القامة مع سمنة فيه ،لا يفارقه السلاح ليلاً ونهاراً خشية على نفسه من اعدائه ،وفي

أدب الطف ـ الجزء السادمس 31


سنة الف وماية ونيف وستين من الهجرة حج بيت الله الحرام. وله في حجه قصيدة مطلعها:
انخ المطي فقد وفدت على الحمى والثم ثراه محييا ومسلما

ثم عظم بعدئذ اتصاله بالحاج سليمان بك الشاوي الحميري الذي كانت له الرئاسة المطلقة والكلمة النافذة في بغداد.
وكان الحاج سليمان بك يقدر فضله ويأنس بأدبه الجم ولم يزل يحمي جانبه ويدافع عنه إلى أن توفاه الله. وكانت وفاته حسب المشهور في سنة 1212 ودفن في مقبرة أسرته في الكاظمية غير أن الحجز الذي وجد في داخل السرداب يدل على أن تاريخ وفاته سنة 1201 والله أعلم (1).
ادبه وشعره :

استقبل الناس شعر الشيخ كاظم الأزري كفصل الربيع من السنة نسيمه المنعش وأزهاره العبقة. جاء بعد شتاء مجهد طويل لأنه جمع بين جزالة اللفظ وجمال الأسلوب ورصانة التركيب وحسن الديباجة. وفيه جاذبية، فالذي يقرأ قصيدة من شعره لا يتركها حتى ينتهي منها وفيه نشوة كالراح تدفع شاربها إلى المزيد منها ليزداد نشوة وسروراً. وأكثر الخبراء بالأدب يعدون الشيخ كاظم الأزري في طليعة شعراء العراق وذلك في بعض مناحيه الشعرية، ومن فحولهم

(1) قال الشيخ الطهراني في (الذريعة) قسم الديوان: كانت وفاة الشيخ كاظم الأزري 1 ج 1 سنة 1211 ـ والمدفون بالكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة الى الشريف المرتضى، كما وجد بها على لوحة قبره.
أقول: المقبرة تسمى بمقبرة المرتضى نسبة الى ابراهيم المرتضى ابن الامام الكاظم عليه السلام.
أدب الطف ـ الجزء السادمس 32


البارزين في المناحي الآخرى. ويصعب التمييز بين قصائده من ناحية السلاسة والطلاوة والرقة والانسجام وهو صاحب الهائية التي تنوف على أكثر من خمسمائة بيت ويعرفها الناس بقرآن الشعر وبالملحمة الكبرى وهذه القصيدة الفذة في بابها هي صدى نفسه الكبيرة الخصب الممرع طبعت على حدة مع تخميسها للشيخ جابر الكاظمي (1). أما ديوانه فقد عني السيد رشيد السعدي بطبعة سنة 1320. وتلاقفته الأيدي بوقته ولا زال الناس يتطلبونه ويستنسخونه. على أن الديوان لم يستوعب شعره كله بل لا يزال عند بعض الحريصين على الأدب قسم منه غير مطبوع. وفي تتمة أمل الآمل: كان فاضلاً متكلماً حكيماً أديباً شاعراً مفلقاً تقدم على جميع شعراء عصره وقال في «التتمة» عن القصيدة الهائية: كانت تزيد على ألف بيت أكلت الأرضة جملة منها كانت النسخة موضوعة في دولاب خوفاً عليها ولما أخرجوها وجدوا جملة منها قد تلف فقدموها إلى السيد صدر الدين العاملي فأخرج منها هذا الموجود اليوم الذي خمسه الشيخ جابر.
وإليك نبذة صغيرة من شعره الذي أصبح يدور على الألسن كالأمثال السائرة: منها قوله:
وما أسفي على الدنيا ولكن على ابل حداها غير حاد
وقوله:
وقد تأتي الخديعة من صديق كما تأتي النصيحة من معاد


(1) قال الشيخ محمد محرز الدين في (معارف الرجال) جاء في هدية الأحباب، عن شيخ الفقهاء صاحب كتاب (جواهر الكلام) انه كان يتمنى أن تكون القصيدة الأزرية في صحيفة أعماله، وكتاب الجواهر في صحيفة أعمال الأزري.
أدب الطف ـ الجزء السادمس 33


وقوله:
إن من كان همه في المعالي هجر الظل واستظل الهجيرا
وقوله:
لا تعجبا لفساد كل صحيحة فالناس في زمن كجلد الأجرب
وقوله:
لا تنوحي إلا علي لديهم ما على كل من يموت يناح
وقوله:
ولسوف يدرك كل باغ بغيه المرء ينسى والزمان يؤرخ
وقوله:
ذريتي أذق حر الزمان وبرده فلا خير فيمن عاقة الحر والبرد
وقوله:
فتيقظ إذا رأيت عيون الحظ يقظى ونم إذا الحظ نامـا
وقوله:
ولو كان في الجبن استراحة أهله لما سهرت عين القطار وغفى الرند
أما ملحمته الشهيرة التي استهلها بقوله:
لمن الشمس في قباب قباها شف جسم الدجى بروح ضياها
فقد تضمنت كثيراً من الأمثال والروائع وهي من أروع ما قيل في مدح الرسول الأعظم وعترته الطيبين وهي على جانب كبير من الجزالة والبلاغة وقوة

أدب الطف ـ الجزء السادمس 34


الاحتجاج وقد طبعت غير مرة مع تخميسها ، بالحروف الحجرية أولاً ثم أعيدت مرة بعد مرة.
أقول وان والديوان المشار إليه فيه اغلاط كثيرة وجملة من الأشعار منسوبة له ولم تصح هذه النسبة كالبيتين الواردتين في ديوانه ـ حرف الراء ص 125.
قـالـوا حـبيبك ملـسوع فقلت لهم من عقرب الصدغ أم من حية الشعر
قالوا بلى من أفاعي الأرض قلت لهم فكيف ترقى أفـاعي الأرض للـقمر

وقد أثبتهما الحافظ الدميري في (حياة الحيوان) قبل أن يولد الأزري بقرون وذلك في مادة (العقرب) ولا يخفى ان وفاة الدميري كانت لسنة 808 ولم يذكر الدميري صاحبهما بل جاء بهما على سبيل الاستشهاد فقال:
وإليك جملة من روائع الأزري في الإمام الحسين عليه السلام:
هـي الــمعالم ابـلتـها يـد الغـير وصارم الـدهر لا ينفـك ذا أثر
يا سعد دع عنك دعـوى الحب ناحية وخلـني وسـؤال الارسم الـدثر
أيـن الأولى كـان اشراق الزمان بهم اشـراق نـاحـية الآكام بالزهر
جار الزمان علـيهم غيـر مكتـرث وأي حـر عـليه الدهر لم يجر
وكـم تـلاعـب بـالأمـجاد حادثة كـما تـلاعبت الغـلمان بالأكر
لا حــبـذا فـلك دارت دوائــره علـى الكرام فـلم تترك ولم تذر
وان يـنل مـنك مـقدار فلا عجـب هل ابن آدم الا عـرضة الخطر
وكيف تأمن مـن مكـر الزمان يـدا خـانت بـآل عـلي خيرة الخير
أفدي القروم الأولـى سارت ركائبهم والموت خلفهم يسري على الأثر
ما أبـرقت في الوغـى يوماً سيوفهم إلا وفاض سـحاب الهام بالمطر
يسـطو بـكل هـلال كـل بدر دجى بجنح ليل من الهيجاء مــعتكر
هـم الاسود ولـكن الـوغـى اجـم ولا مـخالب غير البيض والسمر


السابق السابق الفهرس التالي التالي