أدب الطف ـ الجزء الخامس 350


السيد صادق الأعرجي

المتوفى 1204

يا راكب الـوجناء أعقـبها ألونى طيّ المهـامه مـن ربي ووهادِ
عـرّج باكناف الطفـوف فإن لي قـلباً إلى تلك المـعاهد صادي
وأذل بها العبـرات حتـى ترتوي تلك الربى ويعـبّ ذاك الوادي
دمنٌ أغـار عـلى مـرابعها البلى قسـراً وشنّ بهـنّ خيل طراد
وتطـرقتها الحـادثـات وطـالما قعـدت لطـارفهن بالـمرصاد
لله كـيف تـدكدكـت تلك الـربى وعدت على تلك الطلول عوادي
وتعـطلت تلك الفــجاج وأقتفرت تلك العراص وخفّ ذاك النادي
يا كـربلا مـا أنـت إلا كـربـة عظمت على الأحـشاء والأكباد
كـم فتـنة لك لا يبوخ ضرامـها تربي مصائبـها عـلى التعـداد
مـاذا جنـيتِ عـلى النبي وآلـه خير الورى من حاضر أو بادي
كـم حـرمـة لمحـمد ضيعـتها مـن غـير نشـدان ولا إنشاد
ولـكم دمـاء مـن بنـيه طـللتها ظمأ على يد كـل رجسٍ عادي
ولـكم نـفـوس منهـم أزهقـتها قسراً ببيض ظباً وسمر صعاد
ولكم صببت عليـهم صوب الردى من رائح متعـرض أو غـادي
غادرتـهـم فيء العـدى وأزحتهم عن طارف مـن فيئـهم وتلاد
أخنى الـزمـان عـليهم فابادهـم فـكأنهـم كانوا عـلى ميعـاد


ادب الطف ـ الجزء الخامس351


لهـفي لـهاتـيك الستـور تهتـكت ما بين أهـل الكفـر والالحاد
لهـفي لهاتـيك الـصـوارم فـللت بقـراع صمّ للخطـوب صلاد
لهـفي لهاتيك الـزواخـر أصبحت غـوراً وكـنّ منازل الـوراد
لهـفي لهاتـيك الكواكـب نـورها فـي الترب أخـمد أيّما اخماد
فلبـئسما جــزوا النـبي وبئسـما خلفـوه في الأهـلين والأولاد
يا عين إن أجـريت دمـعاً فـليكن حـزناً على سبط النبي الهادي
وذري البـكا إلا بـدمـع هـاطـل كالسيل حـطّ إلى قرار الوادي
واحمي الجفون رقادهـا لمن احتمت أجـفانه بالطـف طـعم رقاد
تالله لا أنســاه وهـو بـكـربـلا غرض يصاب باسهـم الأحقاد
تالله لا أنـسـاه وهـو مـجاهــد عـن آلـه الأطـهار أيّ جهاد
فـرداً مـن الخلان مـا بين العدى خلواً مـن الأنـصار والأنجاد
لهـفي لـه والتـرب مـن عبراته ريان والأحشاء مـنه صوادي
يـدعـو اللئام ولا يـرى من بينهم أحداً يجيب نـداه حيـن ينادي
يـا أيـها الأقـوام فيـم نقــضتم عهدي وضيعـتم ذمـام ودادي
ويجول في الابطال جـولة ضيـغم ظام الى مهـج الفوارس صادي
أردوه عن ظـهـر الجـواد كأنـما هدموا به طوداً مـن الاطـواد
يـا غائبـاً لا تـرتـجى لك أوبـة أسلمتني لجـوى وطـول سهاد
صلى عليك الله يـا ابـن المصطفى ما سار ركب أو ترنـم حادي


ادب الطف ـ الجزء الخامس352


السيد صادق بن علي بن حسين بن هاشم الحسيني الاعرجي النجفي المعروف بالفحام ينتهي نسبه إلى عبيد الله الاعرج بن الحسين الاصغر بن علي السجاد(1) . ولد في قرية الحصين(2) إحدى قرى الحلة سنة 1124 وتوفي بالنجف الاشرف يوم 21 شعبان سنة 1204 بموجب تاريخ السيد أحمد العطار في قصيدته وبموجب تاريخ السيد محمد زيني بقوله في قصيدته التي يرثيه بها (قد شق قلب العلم فقدك صادق) وقبره في النجف بمحلة المشراق مزور متبرك به .
كان رحمه الله من أجلة العلماء لا يكاد أحد يملّ مجلسه وكان إماماً في العربية لا سيما في اللغة حتى سمي : قاموس لغة العرب . وكتب الشيخ اليعقوبي في البابليات عنه فقال :
درس على المرحوم السيد محمد مهدي بحر العلوم وغيره فقد ألّف وكتب ونظم حتى جمعت أشعاره في مجلدين على حروف المعجم وبرع في الفقه والاصول والكلام والحكمة على الأساتذة الذين تخرج عليهم من الجهابذة العظماء كالسيد محمد الطباطبائي والشيخ خضر المالكي الجناجي كما في (سعداء النفوس) وما برح حتى حصل على درجة الاجتهاد واصبح علماً يشار اليه بالبنان وله بيتان في رثاء استاذه الشيخ خضر المالكي المتوفي سنة 1180 وقد كتبا على قبره :

(1) وفي الذريعة ـ قسم الديوان ـ ساق نسبه هكذا :
السيد صادق الفحام بن محمد بن الحسن (الحسين) بن هاشم بن عبد الله بن هاشم بن قاسم بن شمس الدين بن أبي هاشم سنان ، قاضي المدينة بن القاضي عبد الوهاب بن القاضي كتيلة بن محمد بن ابراهيم بن عبد الوهاب ـ كلهم قضاة المدينة ـ ابن الأمير أبي عمارة المهنا ـ جد آل المهني ـ ابن الامير ابي هاشم داود بن الامير أبي أحمد القاسم بن الامير أبي علي عبيد الله بن الامير أبي الحسن طاهر المحدث ، ممدوح المتنبي ـ ابن يحيى النسابه بن الحسن ابن جعفر الحجة ابن عبيد الله الاعرج ابن الحسين الاصغر ابن الامام السجاد عليه السلام .
(2) وكانت تدعى قديماً (حصن سامه) .
ادب الطف ـ الجزء الخامس353


يا قبر هل أنـت دارٍ من حـويت ومن عليه حولك ضجّ البدو والحضر
أضحى بك الخضر مرموساً ومن عجب يموت قبل قيام القائم «الخضر»

وفي بعض المصادر التي لا يعول عليها أنه قرأ على الشيخ خضر شلال الذي قرأ على أولاد الشيخ خضر المالكي وأحفاده والمتوفى سنة 1255 أي بعد وفاة الفحام باحدى وخمسين سنة وذلك خطأ ظاهر كما لا يخفى .
وذكره صاحب «الروضات» في عداد الفقهاء الذين تخرج عليهم الفقيه الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء في ترجمة الشيخ المذكور .
وتعرض لذكره خاتمة المحدثين الشيخ النوري في كتابه «دار السلام» ج 2 ص 393 نقلا عن الشيخ جواد بن العلامة الشيخ حسين نجف في قصة طويلة شاهدنا منها قوله عن السيد المترجم : ان السيد بحر العلوم والشيخ جعفر تلمذا عليه في الأدب وكانا يقبلان يده بعد رياستها وفاء حلق التعليم . قلت : ولذلك يعبر عنهما دائماً في ديوانه بالولدين الاكرمين . ونسب له النوري أحمد البلاغي والشيخ راضي نصار وكانوا قد خرجوا من النجف الاشرف الى الهاشمية لزيارة السيد الجليل القاسم بن الامام الكاظم (ع) وممن تخرج عليه الأديب الفذ والشاعر الفحل الشيخ محمد رضا النحوي وقد أبّنه بقصيدة عصماء يتجلى فيها وفاؤه لاستاذه فلقد بكاه الولد على أبيه والتلميذ على مؤدبه ومربيه وفيها يقول :
ويا والـداً ربيـت دهـراً ببره ومن بعد مـا ربى وأحسن أيتما
لقد كنت لي بالبرّ مذ كنت (مالكا) ولا عذر لي أن لا أكون (متمما)
قصرت لعمر الله غايـة مقولي وكنت له اذ يرتقي الأفـق سلما


ادب الطف ـ الجزء الخامس354


آثاره :
له مؤلفات وآثار عديدة تلف أكثرها بعد وفاته منها ما ذكره شيخنا الجليل الشيخ «آغا بزرك» في كتابه «سعداء النفوس» حيث قال : له شرح على الشرائع من أول الطهارة إلى آخر صلاة ليلة الفطر رأيته في مجلد وهي نسخة الاصل . اهـ وقال صاحب «أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة» ج ا ط بغداد ما ملخصه : العالم الفاضل والفقيه الكامل السيد صادق الفحام من أفاضل العلماء الاواخر كانت له صحبةمع العلامة الطباطبائي بحيث نقل انه كان يقدمه على سائر أقرانه ، له مؤلفات كثيرة لم نعثر عليها منها «تاريخ النجف» وشرح «شواهد القطر» كتبهما في مبادئ أمره ، وله شعر رائق ، توفي كما في بعض المجاميع الخطية لبعض المعاصرين سنة 1209 اهـ . قلت والصواب 1204 كما سيأتي تحقيق ذلك . ويظهر أن كتابه شرح الشواهد كان متداولاً في أيامه فقد رأيت في هامش كتاب الكشكول لمعاصره الشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة 1186 ج 1 ص 375 عند ذكر هذه الابيات :
ألمت بنا والليل من دونه ستر ولاحت لنا شمساً وقد طلع البدر

إلى أن قال : اعلم ان هذه الأبيات من قصيدة استشهد في شرح القطر ببيت منها في بحث المفعول لأجله وهو آخر ما ذكرها هنا :
واني لتعروني بذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر

ونسبها مولانا العالم الفاضل السيد صادق لأبي صخر الهذلي وقد ذكر أبياتاً منها . اهـ ومن آثاره (رحلة) دون فيها زيارته للامام علي بن موسى الرضا عليه السلام سنة 1180 باسلوب نثري من المسجع القديم وهي ملحقة بديوانه ولا تخلو من فوائد تاريخية ومعلومات جغرافية عن العراق وإيران في ذلك العهد أي قبل قرنين من الزمن ـ ومن آثاره :

ادب الطف ـ الجزء الخامس355


ديوانه المخطوط :
جمع ديوان شعره في حياته على حروف المعجم ووضع له مقدمة لا تزيد على عشرة أسطر ورتبه على ثلاثة أبواب الأول في القريظ «اللغة الفصحى» والثاني والثالث «في الركباني» و«المواليات» وهما في اللغة العامية الدارجة في أرياف العراق وبواديه وعندي منه نسخة نقلت عن الأصل تقع في 200 صفحة بخط معاصره العالم الأديب سيد أحمد زوين كتب في آخرها قد فرغ من تسويده أفل من مدباعه في هذه الصناعة أحمد بن سيد حبيب زوين الحسيني الأعرجي النجفي سنة 1232 بعد وفاة الناظم بـ 28 سنة وفيه قصيدة تناهز 180 بيتاً سماها «المرحلة المكية» قالها بمناسبة حجة إلى بيت الله الحرام سنة 1188 وتوجد من هذا الديوان نسخة ثانية ناقصة الآخر في مكتبة الشيخ السماوي أكملها عن النسخة التي لدينا والحق ان الاستفادة بالديوان تاريخياً لا تقل عن الاستفادة به أدبياً فانه وثيقة تاريخية قديمة ثمينة توقفنا على تاريخ كثير من الأحداث العراقية في دور الممالك وقبله وتسمي كثيراً من أعلام ذلك العصر في العلوم والأدب والادارة ممن لم نجد لهم ذكراً في غيره من الدواوين وكتب التراجم المتأخرة وحيث أن المترجم لم ينقطع عن التردد إلى الحلة فقد مدح جماعة من أشرفاها وكبرائها بقصائد مثبتة في الديوان كالسيد سليمان الكبير وآل النحوي وآل الحاج علي شاهين ـ من أقدم العائلات الحلية وممن ذكر فيه من النجف الشيخ خضر بن يحيى الجناجي وأولاده والسيد مرتضى الطباطبائي ـ والد بحر العلوم والشيخ أحمد الجزائري جد الاسرة الجزائرية وآل الخمايسي وآل الملا ـ سدنة الروضة الحيدرية يومئذ ومن بغداد آل العطار وآل السيد عيسى والسيد نصر الله في كربلاء والسيد أبو الحسن موسى العاملي عدا ما نظمه من المدائح والمراثي في أهل البيت (ع) وتواريخ العمارات التي أنشئت على مشاهدهم في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء ، وما إلى ذلك من مراسلاته مع «آل فتله» ورؤساء خزاعة ذوي السلطة والنفوذ يومئذ في الفرات الأوسط أمثال محمد وعباس وحمود أولاد حمد آل عباس

ادب الطف ـ الجزء الخامس356


الخزاعي ، والقسم الكثير من شعره رائع الاسلوب نقي الديباجة معرق في العربية يقفو فيه اثر أبي تمام حبيب بن أوس وقد قال من أبيات يذكر فيها انتسابه اليه في نظم الشعر :
حبـيب الى قـلبي حبيب وانني لمقتبس من فضل نور حبيب
اديب جرت في حلبة النظم خيله مغـبرة في وجـه كل اديب
ولكنني وحـدي شقـقث غباره الى صلوي(1) نهدٍ أغر نجيب
ولاغروان صلى جوادى دونهم واذ يك قد جلى فغير عجيب
لاني مـن قـوم اذا عـنّ منبر فلـم يعن إلا منـهم بخطيب

توفي بالنجف الأشرف في 21 شعبان سنة 1204 وله من العمر ثمانون سنة ورثاه فريق من شعراء عصره ، منهم السيد أحمد العطار وأرخ عام وفاته قال :
لهفي عـلى بـدر هدى تحت التـراب قـد أفـل
وبحر علـم كـل حبر عــل مـنـه ونـهـل
من قـد حباه الله علماً زانـه حـسـن عـمـل
فـسار ذكـر فـضله بين الـورى سـير المثل
قـد هـد أركان التقى والـديـن رزؤه الـجلل
أرخـت عـام مـوته في بيـت شعر قـد كمل
عز عـلى الاسلام مو ت الصادق المولى الأجل
انتهى

(1) صلوي مثنى صلى وهو مغرز ذنب الفرس . ويقال صلى الفرس اذا جاء مصلياً وهو الذي يتلو السابق لان رأسه يكون عند صلاه .
ادب الطف ـ الجزء الخامس357


من شعره قوله وهو في طريقه إلى زيارة الامامين العسكريين بسرّ من رأى .
أنخها فقد وافت بك الغاية القصوى وألقت يديها في مـرابع مـن تهـوى
أتت بك تـفري مهـماً بعد مهـمه يظل بأيـديها بـسـاط الفلا يطـوى
يحركها الشـوق الملـح فتغـتدي تشن عـلى جيش الملا غـارة شعوا
يعللها الـحادي بحـزوى ورامـة وما هيـجتها رامـة لا ولا حـزوى
ولـكنما حنـت الى سر مـن رأى فجاءت كما شاء الهوى تسرع الخطوا
إلى روضة ساحـاتها تنبت الرضا وتثـمر للجانيـن أغصانهـا العفـوا
إلى حضرة القـدس التي عرصاتها بحور هدى منها عطاش الورى تروى
فـزرها ذليلا خـاضعاً مـتوسلا بها مظـهراً لله ثـم لـها الشـكوى
لتـبلـغ في الـدنيا مـرامك كلـه وتأوي في الاخـرى الى جنة المأوى
عليها سـلام الله مـا مر ذكرهـا وذلك منشور مـدى الدهـر لا يطوى

نقلتها عن (الرائق) وفي الحاشية تشطير للعالم العامل الورع الشيخ حسين نجف أقول : وفي (الرائق) مخطوط السيد العطار جملة قصائد تشير اليها قال :
وقال السيد صادق بن السيد علي الاعرجي النجفي أيده الله
علام وقد جهزت جيش العزائم أسالم دهراً ليس لي بمسالم
تحتوي على 92 بيتاً كلها في مدح النبي (ص)

وله أيضاً في مدحه (ص) وقد نظمها في طريق مكة حين صد عن الحج
طوى عن فراش الكعاب الازارا وعاف الكرى واستعار الغرارا
تتألف من 120 بيتاً


ادب الطف ـ الجزء الخامس358


وقال يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .
حشاشة نفس لا يبوخ ضرامها وغلة قلب لا يبل أوامها
وهي 80 بيتاً

وقال أيضاً يمدح أمير المؤمنين (ع)
هي الدار بالجرعاء من جانب الحمى فعوجا صدور اليعملات النجائب

تتكون من 65 بيتاً . كل هذه في المجموع (الرائق) ج 2 ص 392 .
* * *


ادب الطف ـ الجزء الخامس359


لطف الله بن علي الجدحفصي

مرّ في هذا الكتاب عدة قصائد رويناها عن مجموعة الشيخ لطف الله ابن علي بن لطف الله وقال في آخرها :
فرغ من هذا المجموع البديع النظام الحاوي لفرائد مراثي ابي عبد الله الحسين بقلم العبد المذنب الجاني لطف الله بن علي بن لطف الله الجدحفصي البحراني باليوم الثامن عشر من شهر رجب الاصب من سنة 1201 الحادية والمائتين والألف من الهجرة . وصلى الله على محمد وآله وسلم . أقول : وأثبت الشيخ من شعره عدة قصائد ، ففي ص 47 قال في مطلع قصيدة ما نصه : لكاتبها الجاني لطف الله بن علي بن لطف الله الجدحفصي عفى الله تعالى عنه . أقول هو حفيد الشيخ لطف الله بن محمد بن عبد المهدي الذي تقدمت ترجمته ص 255 :
ماذا على الركب لو ألوى على الطللِ فبـتّ أقريه صوّب المدمع الهطلِ
ومـا عـليه إذا اسـتوقفـته فعـسى أقـضيه بعض حقـوق للعلى قبلى
ربـع لليـلاي قـد أقـوت مـعالمه وراعه البين بـعد الحـلي بالعطل
أغرى به الـدهر عـن لوم نوازلـه فعاد خـلواً مـن النزال والنـزل
قـد كان بالـحيّ مأهـولاً يطيب به من النسائـم بـالابـكار والاصل
بكل بـدر يـغار البـدر منـه حوى وكل غصن يغير الغصن في الميل


ادب الطف ـ الجزء الخامس360


يا ربـع انسي سقـتك الغاديات ولا برحـت تزهو بنوار الندى الخضل
لقـد تـذكرت والـذكرى تـؤرقني ما مـرّ لي فيـك في أيامي الأول
أيام أصـبو إلى لهـوي ويسعـدني شـرخ الشباب ولا اصبو إلى عذل
أيـام لا أتـقي كـيـد الـوشاة ولا أخاف من مَيـَل في الـحب أو ملل
أيام ارفـض عـذالي وتـرفضني وما لـكي شافعي والـهـمّ معتزلي
فحـبذا غـرّ أيـامي التي سلفـت وليتها لـم تـكن ولّت عـلى عجل
لله وقـفـة تـوديـع ذهـلتُ لـها بمـعرك البيـن بيـن البان والاثل
والحيّ قـد قوضوا للظعن وانتدبوا لوشك بينٍ وشـُدت أرحـل الابـل
والوجد قد كاد أن يقضي هناك على قلوب أهل الهوى مـن شدة الـوهل
فبيـن بـاك وملـهوف وذي شجن بادي الكئابة في تـوديـع مـرتحل
ورب فاتـنة الالـحاظ مـا نظرت الا لتقــتلني بـالأعـيـن النجـل
أومت إليّ وقـد جـدّ الـرحيل بها والروع يخـلط منهـا الدمع بالكحل
قالت وقد نظرت مـن بينها جزعي لله أنتَ فـما أوفـاك مـن رجـل
لقـد بلـوناك في البلـوى فنعم فتى ونعم خلٍ خلا مـن وصـمة الخلل
فليت شعـري وقـد حـمّ البعاد لنا والبعـد يا ربـما أغـراك بالـبدل
فهـل تـحافظ عـهدي أم تضـيّعه كما اضيعت عهود في الوصي علي
من بعد ما أوثـق المخـتار عقدتها بكـل نـص عن الله العـليّ جـلي
فاعقب الأمر ظـلم الآل فاضطهدوا بكـل خطـب من الاوغـاد والسفل
وأعظم الرزء ، والارزاء قد عظمت بالطف رزءٌ لهم قـد جلّ عـن مثل

ويسترسل في نظم المصيبة ويتخلّص بطلب الشفاعة من أهل البيت عليهم السلام ، وله مرثية يقول في أولها :
اهاجك ربع باللوى دارس الرسم اغمّ ولما يبق منه سوى الوسم


ادب الطف ـ الجزء الخامس361


ومنها :
فيالك مـن رزء أصـمّ نعـيّه وعن مثله الدهر استمرّ على العقم
أزال حصاة العلم عن مستقرّها وزعزع ركن الدين بالهـدّ والهدم
ومنها :
أيا من أتى في هل أتى طيب مدحهم وفي النحل والاعراف والنوروالنجم
اليكم نظامَ الخـلق ، نظما بمدحكم تنـزّه بين الناس عـن وصمة الذم
به نال لطـف الله مـولاكم فـتى علي بن لطـف الله عفواً من الجرم
واخرى مطلعها :
متى قوّض الاظعانُ عن شعب عامر فلم يبق شعب للاسى غير عامر
وهي 78 بيتاً
وله :
حادي الركائب وقفة يا حادي يحيى بها ميتٌ ويروى صادي
وهي 80 بيتاً
وله أيضاً :
قوّض برحلك ان الحيّ قد رحلوا وانهض بعزمك لا يقعد بك الكسل
وهي 93 بيتاً


ادب الطف ـ الجزء الخامس362


الشيخ عبد النبي بن مانع الجدحفصي

قـف بالمعالم بيـن الـرسـم والعلم من عرصة الطف لا من عرصة العلم
واستوقف العـيس فيها واستـهل لها سقياً مـن الـدمع لا سقـياً من الديم
وابـك الأولى عطّلـوها بانتـزاحهم مـن بعـد حـلية واديـهـا بقربهـم
واسعد على الشجو قلب المستهام بهم وأي قلب لـهم يـا لشـجو لـم يهـم
ان الغرام لفقـد الحـي مـن مضر ليس الغرام لـومض البـرق من أضم
وهـل يليق البكا مـمن بـذكرهـم أمـن تـذكّـر جـيران بـذي سـلم
حسب الأسى ان جرى أو عنّ ذكرهم مزجت دمعـاً جـرى مـن مقلة بـدم
فان نسيت فـلا أنسى الحسين وقـد أنـاخ بالطـف ركـب الهـمّ والهـمم
غـداة فاضت عـليه كـل مشرعة بكـل جـيش كمـوج البـحر ملتـطم
غـداة خاض غـمار النقـع مبتدراً كالبـدر يسبح فـي جنح مـن الـظلم
غـداة حفت بـه من رهـطه نفـرٌ شمّ الأنـوف أُنـوف العـزم والشـيم
أقوام مـجد زكت أطراف محـتدهم مـن هاشـم ورجـال السيف والكرم
من كـل مجـتهد في الله معتـصم بـالله مـنـتـصـر لله مـنـتـقـم
تخالهـم حين ثـاروا من مضاربهم لـنصره كـأسـود ثـرن مـن أجـم
كأنما كـل عضو مـن جـوارحهم خـلّ يحـرضهـم بالحفــظ للـذمم
يمشون للموت شـوقاً والجلاد هوى والموت يجلو كـؤس الـموت بيـنهم


ادب الطف ـ الجزء الخامس363


حيـث الكريـهة كالحـسناء بينـهم تبدو نواجذها عـن ثـغر مبتـسم
يعـدون بين العوادي غـير خافـقة قلوبهـم عـدوَ عقـبانٍ على رخم
حتى إذا وردوا حـوض المنون على حرّ الظـما كورود السلـسل الشبم
فاصـبح السبط والاعـدا تطوف به كأنـما هـو فـيها ركـن مستـلم
والبيض في النقع تعلو الدارعين كما برق تألق مـن سحـب عـلى أُكم
وكلـما لاح ومـضٌ من صفـيحته سال النجيـع من الهـامات والقمم
كأنـه حيـن يـنقضّ الجـواد بـه طـودٌ يمـرّ بـه سيل مـن العرم
يـؤمّ منعـطفاً بالجيـش مفـترقـاً شطرين ما بين مـطروح ومنهزم
نفسـي الـفداء لـه من مـفرد بطل كأنه الجـمع يسطو بـين كل كمي
يلقى الصفوف بـرأي غير منـذهل من الحتـوف وقـلب غير منـفعم
كأنـما الحـتف مـن أسنـى مطالبه ومعرك الحتف من مستطرف النعم
لهفي لـه وهو يثـني عطف بـجدته لـدى الوغى بين كـف للردى وفم
لهفي لـه إذ هـو للموت حيـن دعا بـه القـضا بلـسان اللوح والقـلم
تزعزت جنبات العـرش يوم هـوى وانهـدّ جانـب ركن البيت والحرم
وأظلـم الدهـر لما أن سفـرن بـه بنات أحمـد بعـد العـز والحـشم
كأنـهـن نـجـوم غـير مقـمرة لـما بـرزن مـن الاستار والخيم
تلك الكرائـم ما بـين اللئام غـدت ما بين منتـهك تسبـى ومهـتضم
يـا راكـباً وسـواد اللـيل يلبـسه ثوب المصاب ومنه الطرف لم ينم
عج بالغريّ وقف بعـد السلام على مثوى الوصي وناج القـبر والتزم
وأنـع الحسين وعرض بالذي وجدت بالطف أهلوه من هتك وسفـك دم
سينـضح القـبر دمـّاً مـن جوانبه بزفـرة تقرع الاسـماع بـالصمم
واطلق عـنان السرى والسير معتمداً أكنـاف طيبة مثـوى سيـد الامم


ادب الطف ـ الجزء الخامس364


وقـل لأحمد والـزهراء فاطمة والمجتبى العلم ابـن المجتبى العلم
اني تركت حسيناً رهن مصرعه مبضع الجسم دامي النحـر واللمم
والمعشر الصيد من علياً عشيرته تطارحـوا بين مقـتول ومصطلم
أفناهم السيف حتى أصبحوا مثلاً على الثرى كغصون الطلح والسلم
وواحد العصر ملقى في جوامعه يشفّـه ناحل الأحـزان والسقـم
كأنما العين لـم تـدرك حقيقته من النحول وشـفّ الضـرّ والألم
وحولـه خفـرات العز مهـملة تحوم حول بني الزرقا بغير حمى
هـذي تلوذ بهذي وهـي حاسرة والدمع في سجم والشجو في ضرم

اقول جاء في مجموعة الشيخ لطف الله بن علي بن لطف الله الجدحفصي والتي كتبها سنة 1201 للشيخ عبد النبي بن الحاج أحمد بن مانع الخطي عفى الله عنه أربع قصائد ، مرّت عليك واحدة وهذا مطلع الثلاث :
1 ـ صبري على حكم الهوى وتجمّلي وتحمّلي منه الأسي لم يجمل
وهي 125 بيتاً
2 ـ جافى المضاجع جانبي وتنكرا والجسم مني كالخلال قد أنبرى
تتكون من 82 بيتاً
3 ـ إلى م تراعي الليل من طرف ساهر طروباً وترعى للنجوم الزواهر
وهي 80 بيتاً


ادب الطف ـ الجزء الخامس365


السيد شرف بن اسماعيل الجدحفصي

قال الشيخ الطهراني في الذريعة ـ قسم الديوان :
السيد شرف بن اسماعيل الجدحفصي ، رأيت مراثيه للأئمة عليهم السلام في مجموعة دوّنها الشيخ لطف الله بن علي بن لطف الله في سنة 1201 أقول وتوجد أيضاً في مجموعة حسينية لجامعها محمد شفيع سنة 1242 :
قف بالطفوف وجد بالمدمع الجاري ولا تـعرّج عـلى أهـل ولا دار
وامزج دموعك جـرياً بالدماء على نجوم سعـد هـوت فيـها وأقمار
وشق قلبك قـبل الجيـب من جزع على مـصارع سـادات واطـهار
وازجر فؤادك عـن تـذكار كاظمة وعن زرودٍ وعن حزوى وذي قار
ولا تقـل تلك أوطأن قضـيتُ بها مع الـشباب لُبـاناتي وأوطـاري
واندب قتيلاً باكناف الطفوف قضى مـن بعـد قتـل أحـباء وأنصار
لا خير في دمـع يعـن لا يراق له ولا يسـيل عـلـيه سـيل انهـار
أيجمل الصبر عن رزء به استعرت نار الأسى بيـن جنبي خير مختار

وقال في آخرها :
يا صفوة الله ما لي غير حبكم دينٌ أرجّيه في سري واجهاري


ادب الطف ـ الجزء الخامس366


أنـا ابنـكم ومـواليكم ومـادحكـم وقنّكم فانقـذوني من لظى النار
شرفت حتى دعوني في الورى شرفاً لقربـكم وعـلا شاني ومقداري
لا تسلمـونـي إذا مـا جئـتكم بغد وكاهلي مثقل من حمل أوزاري
صلـى الالـه عليكـم كلما طلـعت شمس وما سجعت ورق باشجار

وفي المجموعة الحسينية التي كتبها محمد شفيع سنة 1242 قصيدة ثانية للسيد شرف ابن السيد اسماعيل ، أولها :
قف بالطفوف على الضريح مسلما واسكب بها جزعاً شآبيب الدما

اقول : وفي مخطوطة الشيخ لطف الله المخطوطة سنة 1201 هـ جملة مراثي ضاق هذا الجزء عن ضمّها اليه ، فإلى الجزء الآتي بعون الله .

السابق السابق الفهرس التالي التالي