أدب الطف ـ الجزء الخامس 319


الشيخ حسين آل عمران القطيفي
المتوفى 1186


مـرابعهـم بعـد القطـين دواثـرُ سـقاها وحياها مـن المزن هامرُ
ولا زال مـعـتلّ النسيم إذا سـرى يراوحها فـي سـيره ويـباكـر
وقـفت بها أدعوا النزيل فـلم أجد سوى رسم دار قد عفته الأعاصر
فناديـت فـي تلك المعاهـد والربا ألا أين هاتيـك الوجـوه النواضر
عهدت بـها قومـاً كـأن وجوههم مصابيح أمـثال النـجوم زواهـر
فسرعـان ما أودى بهم حادث الردى ودارت عـلى تلك الـديار الدوائر
كأن لـم تكن للمـجد مأوى وللـعلا محلاً ولم يسمر بـها قـط سامـر
لئن رحـلوا عنها وشطوا فقـد بقى محامـد لا تفـنـى لـه ومـآثـر
هم القوم لا يشقى الجـليس بهم ولا يفاخـرهـم في العالمـين مـفاخر
هم القـوم إن نـودوا لـدفع كريهة أجـابوا صراخ المستغيث وبادروا
هُم منبع التـقوى هُـم منـبع الهدى وفي أزمات الدهـر سحبٌ مواطر
اذا جلـسوا يُحـيوا النفـوس معارفاً وفـي صهوات الخـيل أسدٌ قساور
مساميح في اللأوا جحاجيح في الوغا مصابيح اذ ليل الـضلالـة عـاكر


ادب الطف ـ الجزء الخامس320


نجوم الهـدى رجم العـدى معدن الندى لكفّ الأذى يدعوهـم مَن يحاذر
تخطّـفهم ريــب المـنون فأصبـحوا والدهـر تـابٌ فيـهم وأظافـر
وألقـى عـصاه فـي خـلال ديـارهم مقيماً كما ألقـى عصاه المسافر
فـهم بيـن مقــتول وبيـن مـحـلأ وبين أسير قد حـوته المـطامر
اليـك ولـكن هـوّن الخـطـب وقعة تفـطر منها مهـجة ومـرايـر
ويـوم أتـيـح الـديـن منـه بـفادح وعطل أفـلاك السـماء الدوائر
وشقّت له الشــمس المنـيرة جيـبها لعظم أسىً واستـشعرته المشاعر
فلا افـترّ ثغـر الـدهر من بعده أسى ودمع العلا مـن اجله متـحادر
وصـدع دهـى الاسـلام لـيس بملتق به طـرفاه ما لـه الـدهر جابر
مصاب ابن بنت المصطفى مفخر العلا ومَن كرمت أحسابه والعـناصر
كأنـي بـه في كربـلا مـع عـصابة لهـم جنن مـن باسـهم ومغافر
مغـاوير كالليـث الغـضوب جـرآءة مساعير نيران الحروب صـوابر
يرون المنى خـوض المنايا الى الردى وقتـلهم في الله نعـم الـذخـائر
فكـم مـارق أردوه فـي حومة الوغا وغودر في البوغآء رجس وغادر
الى أن قضوا من بعـدما قـصدوا القنا وفـلّ من الضرب الدراك البواتر
وحفت بسبط المصـطفى زمـر العدى وقـد شرعت فيه الرماح الشواجر
فـظلّ يخـوض المـوت تحسب أنـه هو الليث أو صقر اذا انقض كاسر
ويمشي الى الهيـجاء لا يرهـب الردى وقد زاغت الابصار بل والبصائر
فـلـم أرَ مكـثوراً أبيـدت حـماتـه بأشجع مـنه حـين قلّ المـظاهر
الى أن ثوى لـما جـرى قلم القـضا عـليه وخـانـته هـناك المـقادر
فلله مـلقـى فـي الثـرى متـسـنّما عـلى غارب العـليا تطاه الحوافر
ولله عـار بـالعـرى تحـسد السـما بـه الارض إذ ضمته فيها مقابـر
تـنـوح المـعالـي والعـوالي لفـقده وتبكى لـه عيـن التقى والمنابـر


ادب الطف ـ الجزء الخامس321


فـيا كـبدي حـزنـاً عـلـيه تفـتـتي فما لك ان لـم تتلفى فـيه عاذر
ويا مهـجـتي ذوبـي أسـى لمصابـه ويا غمـض عيني انني لك هاجر
ويا أعين الـسحب اسعـديني عـلى البكا فدمعي من عـظم الرزيـة غائر
سلوي انتقل جسمي انتحل ، نومي ارتحل فـإنـي اذا نـام الخلـيّون ساهر
غرامي أقم دمعي انسجـم صبري انصرم فما قلبي المضنى من الوجد صابر
أيا راكـباً مـن فوق كـومـاء جـسرة تقصّر عنها في الـوجيف الاباعر
أنـخـهـا عـلى قبـر النـبي محـمد وقـل ودموع العـين منك هوامر
ألا يــا رسـول الله آلـك قــتـلـوا ولم ترع فـيهم ذمــة وأواصـر
وسبـطـك عـين الكـون أصبح ثـاوياً على جسمه تعـدو الجيادا لضوامر
قـضى ظـمأ والـماء للوحـش منهـل بـه واردٌ منـهم وآخـر صـادر
وقــد قـتــلت أبنـاؤه وحـمـاتـه وأسـرته فـي كـربلا والعـشائر
وكـم ثـَمّ في أرض الطـفـوف حرائر من النسـوة الغـر الكـرام حوائر
وتلك العـفيفـات الـذيـول ذوي النهى بـراقعـها مسلـوبـة والمـعاجر
سـوافـر ما بيـن الـملا بـعد مـنعة الا بأبـي تلك الوجـوه السـوافر
اذا سلـبت منها الاسـاور لـم يـكـن لـهـا بـدلاً إلا القـيود أسـاور
ينـاديـن بالـزهـراء سيــدة النـسا تـعالي نقاسـمك البـلا ونشاطـر
هلـمي فقـد أودى بنـا حادث الـردى وقـد حالفتنا المعضلات الفـواقر
وكـم بنت خـدر كالهـلال مصونـة أكــلّتـها مهـتوكة والـسواتـر
تـنـادي أيـا جـداه ذلّ عـزيـزنـا وحـلّ بنا ما كـان قـبل نحـاذر
فـهـل لكـم يا غائـبين عـن الحـمى بـه أوبـة يومـاً فيسـعد ناظـر
فتــنظر اذ يسـرى بنـا فـوق بـزلٍّ يحث بـها عنـفاً ويزجـر زاجـر


ادب الطف ـ الجزء الخامس322


وان فـتى بين مـا كسرى وهاشم وافضل من تثنى عليه الخناصر
يقاد على رغـم العلا نحـو فاجر ويؤسر في قيد العنا وهو صاغر
متى العلم المـنصور يقدم خـافقاً أمام امام العصر والحـق ظاهر
فقد فاض بحر الجور وانطمست به معالـم ديـن الله فـهي دواثـر
ولـم يـبـق إلا جاهـل متصـنعٌ يرى نفسه قطب العلا وهو قاصر
أيا حجج الله العـظام عـلى الورى ومـن بهم تمحى الذنوب الكباير
حسين بكم يـرجو النـجاة اذا أتـى بكم عائذاً في يوم تـبلى السرائر
وللعـفو يرجـو عـن أبـيه وأمه واخوانـه فالفـضل واف ووافر
عليـك سـلام الله مـا ذر شـارق وما ناح فـي أعلى الأراكة طائر


ادب الطف ـ الجزء الخامس323


الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي . هو العالم الكامل والمهذب الفاضل ، له حواشي كثيرة على جملة من الكتب ، وكان من شعراء أهل البيت عليهم السلام .
قال صاحب أنوار البدرين : وقفت له بخطه على جملة من القصائد في الرثاء على الحسين (ع) عقيب كتاب (اللهوف على قتلى الطفوف) بخطه أيضاً ، وكان خطه في غاية الجودة والملاحة ، ولا أدرى عمّن روىمن المشائخ والله العالم ، ولم أقف على تاريخ لوفاته ضاعف الله حسناتنا وحسناته .
وقال الشيخ فرج آل عمران القطيفي في كتابه (تحفة أهل الايمان في تراجم علماء آل عمران) ما نصه : رأيت بخط الشيخ حسين هذا كتاب (العشرة الكاملة) للشيخ سليمان الماحوزي كتبه بأمر أستاذه الشيخ ناصر بن عبد الحسن المنامي ، فرغ من كتابته سنة 1142 هـ وذكر نسبه هكذا : حسين ابن محمد بن يحيى بن عبد الله بن عمران القطيفي . أقول وفي الكتاب ما يدل على أنه عاش الى سنة 1186 هـ . انتهى .
أما صديقنا المعاصر الشيخ على منصور المرهون فقد ترجم له في كتابه (شعراء القطيف) وعدّه من شعراء القرن الحادي عشر ، وهو وهمٌ .
وقال في التحفة : ومما يناسب ذكره هنا هذه الفوائد المهمة والأربع عشرة عدداً ميموناً منها اثنتا عشرة فائدة قد نقلتها من خط صاحب الترجمة على ظهر كتاب بخطه ، وتاريخ كتابته 20 ج 2 سنة 1147 هـ والاخيرتان نقلتهما من خط الفاضل الشيخ حسين ابن المترجم أدام الله تأييده .

ادب الطف ـ الجزء الخامس324


وقال بعدما ذكر القصيدة التي هي في صدر الترجمة ما نصه :
أقول ورأيت له أيضاً سوى هذه القصيدة ثلاث قصائد غرر حسينيه : تائية ، ولاميّة ، ونونيّة ، وقد استنسختها عندي بخط حسن .
وهذا هو مطلع القصائد :
1 ـ خذ بالبكا ، فالـدار عن عرصاتها ظـعن النزيل فاوحشـو ساجـاتها
2 ـ لأي مصاب مدمـع العـين يسبلُ ومن أي خطب يوهن القلب ، نعول
3 ـ كم ذا الوقوف على الاطلال حيرانا وكم تنادي بها خِلا وجيرانا . انتهى

أقول : واليك رائعتين من اللاتي أشار اليها :
خذ بالـبكا فالدار عـن عرصاتها ظعـن النزيل فأحشوا ساحاتها
ما بـا لهـا بعـد الانيس تنكـّرت أعـلامها وذوى نضـير نباتها
ان عطـّلت تلك الـربوع قطا لما غمر الانام الـرفد مـن بركاتها
لا غـرو قد كانـت مـنازل فتـية حازوا المحامد من جميع جهاتها
هـم روح كـل الكائنات وسـرها حـقاً ومـن أربابهـا وولاتـها
عـائت بهم أيـدي البلا فتفـرقوا ورمـتهم أيـدي النوى بشـتاتها
مـن بعد ما كتـبت امية نـحوهم كتـباً يلوح الافك في صفـحاتها
فأتى الحسـين لهم هـناك برهطه أهل النهى وذوي التـقى وثقاتها
فأبى بأن يعـطي الدنيـة ، سامحاً بالنـفس غير مـؤمـَل لحـياتها
فهـناك قـد غـدرت أمـية بعدما كتبوا له والغـدر مـن عـاداتها
لله مـوقـفـه ومـوقـف فتـية عدموا النصير ولو دعت لم يأتها
يتواثـبون عـلى المنـية أشبـهوا الآسـاد فـي وثباتـها وثباتـها
شـمّ الأنـوف كـريمـة أحسابـهم حلّوا مـن العلـيا عـلى ذرواتها
من بينـهم سبط الــنبي بوجـهه ســيما النبوة حائـزاً قسـماتها
يحمي حمى الديـن الحنيف بعزمة تحكـي الاسود الـربد في غاباتها


ادب الطف ـ الجزء الخامس325


حتى قضى والكائـنات بأسرها تتلوا محامـد ذاته وصفاتـها
ذا غلّه لـم يطف لاهب حرها في كربلا من ماء عذب فراتها
في الأرض عارٍ والسماء تودّلو وارته أوضـمته فـي هالاتها
تبكي لـه عين السحائب حسرة وتـودّ لو ترويـه من قطراتها
وبكى له البيت العتـيق وزمزم والمعشران ومن عـلا عرفاتها
لهفي له وهو الهـزبر ومَن اذا عدّ المكارم كان مـن ساداتـها
لهفي وما يجدي التلهّف والأسى لفتـى قريش الغروا بن كماتها
دفاع معـضلها وحامـل ثقلها وملاذها المدعـو في أزماتـها
وسفيرها ونـذيرها وخطيـبها أن ناب خطب بل إمام صلاتها
أترضـّه خيل العداة بعـدوها والهفـتاه لـه وعظــم جناتها
* * *
يا راكباً تهـوي بـه موارة تطوي سهوب الارض في فلواتها
عرّج على قبر النبي بطيبة وانع الحسين ونادي في حجراتها
قل يا رسـول الله آلك قتلوا لم يـرع حق الله في حـرماتها
هذا حبيبك بالعـراء ورأسه حملـت أميـة في رفيع قناتـها
هذا حبيبك بالطفوف مجدلاً ما بـين جـندلها وحـرّ صفاتها
واهتف بفاطمة البتول مبلّغا مـا حـلّ في أبنـائها وبناتـها

وللشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي :
كم ذا الوقوف على الاطلال حيرانا وكـم تـنادي بـهـا خـلا
مـا أنت أول مـن بانـت أحبـته فبات وهو شجيُّ القلب ولهانا
أيـن الحبيب الـذي قد كنتَ تعهده وساكن الدار عن ساحاتها بانا


ادب الطف ـ الجزء الخامس326


كأنهـا لـم تـكن مـأوى لمنقطـع وكهف أمـن يفيد الخـير أزمانا
او لـم تكن أهلها قـطب الوجود ولا سحاب جود يـفيد الرفد هتـانا
بيـوتـهم بفـنون الـذكـر مفـعمة كم قسموا الليل تسبيحاً وقـرآنا
في البؤس شوس وفي جنح الظلام لهم حـال تظنـهم اذ ذاك رهـبانا
لم تدر ويحـك أن القـوم حـلّ بهم خطـبٌ أصمّ به الناعـون آذانا
فـأصـبحوا لا تـرى إلا مساكنهـم لم يبق منها صروف الدهر تبيانا
ما بين من سيمَ خسفاً أو سقي جرعاً ذعاف سـمٍّ الى أن حـينه حانا
وبـين من ذهبوا أيـدي سبا وغدوا محـلئين بأقصى الأرض بـلدانا
لـكن أعظـمها خطـبا وأفـظـعها رزءاً يؤجج في الاحشاء نـيرانا
يا صاح حادثـة الطف التـي ملأت قلـوب كل ذوي الايـمان احزانا
لـم أنس فيه الحسين الطـهر محدقة بـه الأعـاديّ فـرسانا وركبانا
يدعـو النصير بقلـب غـير منذعرٍ ولـم يجد ثَـمّ انـصاراً وأعوانا
سـوى بنيه الـكرام الغـرّ مع نـفر بنـي أبيه عـلوا شـيباً وشـبانا
قـوم اذا الـشر أبـدى ناجذيه لـهم طـاروا اليه زرافـات ووحـدانا
لا يسألـون أخاهـم حـين يـندبهم في النائبات على ما قال بـرهانا
كم فيـهم في لظى الهيجاء مـن بطل مثل العفرنا اذا ما هـيجَ غضبانا
شـمّ الانـوف بهاليـل خضارمـة تخالهم في مـجال الـروع عقبانا
بيض بإيمانـهم زرق النـصال وفي رؤوسهـم لامعات البيـض تيجانا
صلـيل بيض المـواضي عندهم نغمٌ ويحسبون القـنا الخـطيّ ريحـانا
لولا القـضاء لافنـوا من بسالتـهم جيش الضلال كأن الجيش ما كانا
حتى فنوا في مـحاني الطف تحسبهم عقــداً تبـدد ياقـوتاً ومـرجانا


ادب الطف ـ الجزء الخامس327


باعـوا نفوسـهم لله بـل غضـبوا لاجـله فحباهـم مـنه رضوانـا
فظل فـرداً أخـو العلياء واحـدها قطب الورى منبع الاسرار مولانا
حامي الحقيقة محـمودالطريقة انسا ن الخلـيقة بل أعلى الـورى شانا
يـأبى الدنـية أن تدنـو الـيه وان يعطي القيـاد إلى من عـهده خانا
فلم أجد قـط مـكثوراً وقد قـتلت حـماته وهو يبـدي ابشـر جذلانا
حتى هوى في ثرى البوغآء تحسبه في الأرض وهو يفوق النجم كيوانا
تضـمه الأرض ضمّ المسـتهام به حتى تلـفّ عـليه التـرب أكـفانا
يبـكي لـه الـملأ العلوي قاطـبة والأرض حـزناً عليه صلـدها لانا
والـملة السمـحة الغراء خـاوية عـروشها تبـكه وجـداً وأشجـانا
يبكـي له مجـده السامي ونائـله واللـيل يبكيـه كم احـياه أحـيانا
يـا راكباً يقـطع البـيدا بلا مهل يطوي المـهامه آجـاما وغيـطانا
ان جئت طيبة عزّ الطهر أحمدَ في بنيـه ب ل عـزّ عدنانا وقحـطانا
وقل تركت سـرياً مـن سـراتكم مجدلا فـي مـوامـي البـيد ظمآنا
أنتم ليـوث الوغى في يـوم معركة فـكيف أوليتـموه اليـوم خـذلانا
وليتـكم يا مساعـير النـزال ويا غلـب الرجـال اغثـتم ثمّ نسـوانا
قد اخرجوا بعـد أمنٍ من عـقائلهم اسـرى كمثل قـطاً قد ريع وسنانا
مـا بيـن ساحبـة للـذيل نـادبة بـالـويل مـلآنة وجـداً وأحـزانا
تدعو أيا جدُ فتّ الدهر في عضدي وثلّ عـرشي وأوهى مـنه أركـانا
يا جد كنـتُ بكم في منعـة وعلا اجـرّ في عـرصات الفـخر أردانا
يا جـد لـم تـرع أعدانا قرابـتنا منكم بل القرب مـن علياك اقصانا
هذا حبـيبك عـار بالعـراء لـقى ترضّ جـرد المـذاكي منـه جثمانا
بائـت امية بالخـسران بـل تربت أيـديهـم ولقـوا ذلاً وحـرمـانـا


ادب الطف ـ الجزء الخامس328


تباً لهـم قطـعوا أرحامـهم وبغـوا واستـبدلوا بهـدى الايمانا كفـرانا
وخـاصـموا الله اذبـاؤا بمـوبقـةٍ وصفـقة أورثت في الحشر خسرانا
لعـل رحـمة ربي أن تـداركـنـا بصاحب العصر أعلى الخلق بـرهانا
حتى نكـفّ بـه بـأس الذين بغـوا ويـملأ الأرض أمنـاً ثـمّ ايـمانـا
يا بن الغطاريف والسادات من مضر والمـصدرين شـبا الهـندي ريـانا
لـو كنتُ شاهد يوم الطـف رزئكم من كل اشوس من ذي المجد (عمرانا)
الـقـادحـين زنـاد المـجد دأبهـم كم أوقدوا القـرى والـروع نيـرانا
نفـديكـم ولقـد قـلّ الفـداء لـكم مـنـا ونبـذل أرواحـاً وأبـدانـا
لـكن تأخـر حظـي فألتـجأت الى مـديحـكم في الـورى سراً واعلانا
وازنت ما قالـه عبـد الحسـين أبو ذئب(1) فأعجز فيـما قـال سحبانا
(عجـم الطلول سقـاك الـدمع هتانا ما أفظع الخطب لو افصحت ما كانا)
فصغـتها بنـت فـكر يستــمدّ بها حسين من فضلكم في الحشر احسانا
والـوالـدين بـكم أرجـو نجاتهـما واستـميح لهـم عفـواً وغـفـرانا
والاهل والصـحب ثم التابعـين لكم مـن البـريـة اخـوانـاً وجيـرانا
اشكـوا لكم مس ضرٍ قـد تـكأدني مـا أن اطيـق له حـمـلاً اذا حانا
فانتـم خير مـن يخشى واكـرم مَن يُرجـى وكم بكـمُ الـرحمـن نجانا
صلى الالـه عليكم كـلما صدحـت قمريةٌ وعـلت في الـدوح اغـصانا


(1) يعني به الشاعر الكبير عبد الحسين أبو ذئب المتوفى سنة 1151 هـ الذي مرت ترجمته فان الشاعر جاراه على قصيدته التي تجدون مطلعها في البيت الثاني .
ادب الطف ـ الجزء الخامس329


الشيخ محمد مهدي الفتوني
المتوفى 1190

تخـفي الاسـى وهـمول الدمع يظـهره والسقم يثبت ما قد صرت تنكره
هـذا فـؤادك أضحـى الـهم يـؤنـسه وذاك طرفك أمسى النوم يضجره
تـهفـو إلـى ربـع دار بـان آهـلهـا فالصبر تجفـوه والسلوان تهجره
وان جرى ذكر مـَن حلّ العقـيق جرى لذكرهم من عقيق الدمـع أحمره
فقف على الطف واسمع صوت صارخهم يشكو الظما وحديث الحال ينشره
ونـادِ بالـويل في أرجـائـه حـزنـاً فليس يحـمد مـن عان تصـبّره
وأمـزج دمـاء دمـوع العين من دمهم لأي يـوم سـوى ذا اليوم تذخره
فقد هـوى ركـن ديـن الله وانـدرست ربوعه واختفى في التـرب نيّره
وقـد خـلا مـن رسـول الله مسـجده لفقـده ونـعـاه اليـوم منـبـره
يا سيـدي يـا رسـول الله قـم لـترى في الآل فوق الذي قد كنت تخبره
هـذا عـليٌ نـفـوا عـنه خـلافـتـه وأنكر النص فـيه مـنك منـكره
قـادوه نـحو فـلان كـي يبـايـعـه بالكره منـه وأيـدي الجور تقهره
من أجل ذاك قضى باالسـيف مضطهداً شبـيره وقـضى بالسـم شبـّره
كـأنـه لـم يكن صنـو النـبـي ولـم يكن مـن الـرجس باريـه يطهره


ادب الطف ـ الجزء الخامس330


تلك فـاطـمـة لـم يـرع حـرمتها من دق ضلعها لهـا بالباب يكسره
وذا حسيـنك مقـتول بـلا ســبب مـبضع الجـسم دامـيه معـفره
صـدوه عـن ورد مـاء مع تحـققهم بـأن والـده المـورود كـوثـره
فبارز القـوم يروي السـيف من دمهم والرمـح يـورده فيهم ويـصدره
كالليـث يفـترس الفـرسان عابـسة ولم تـكن كثرة الاعـداء تـذعره
وخـرّ للأرض مغـشياً علـيه بـما أصـيب بالسـيف وآراه معـفّره
فجاءه الشـمر يسعى وهـو في شغل بنفـسه مـاله مَن عـنه يزجـره
حتـى ارتقى مرتـقىً لـم يرقه أحدٌ فكان مـا كان مـما لسـت أذكره
فمذ رأت زينب شمـراً على الجـسد الدامي الشـريف وفي يمناه خنجره
قالـت أيا شـمر ذا سـبط النبي وذا نحتر لنحرير عـلم انـت تنـحره
فلا تطأ صـدره الـزاكي فتهشـمه فإنـه مـورد التـقوى ومصـدره
يا شمر لا تود روح المصطفى سفهاً وأنـت تعـرفـه حقـاً وتنـكـره
يا شمر ويحك قـد خاصمت في دمه مَن أنت في الحشرترجـوه وتحذره
مـاذا تقـول إذا جـاء الحسـين بلا رأس وربـك يشـكـيه ويـثـأره
أو أبـرزت ثوبـه المدمـوم فاطمة في الحشر في موقف الاشهاد تنشره
أم كيف تقـتل ريحان النـبي ومـَن بُـكـاؤه كان يـوذيـه ويضـجره

وفي آخرها :
يا آل أحـمد ما أبقـى الالـه لنا مدحاً وراء الذي في الذكر يذكره
العامـلي الفتـوني المـحب لـكم ومَن بطيب ولاكم طاب عنصره
صلى عليكم آله العرش ما سجعت ورق وما لاح فوق الأفق نيـره(1)


(1) عن المجموع (الرائق) للمرحوم السيد أحمد العطار ج 2 ص 323 مخطوط مكتبة الامام الصادق ـ حسينية آل الحيدري بالكاظمية ـ العراق .
ادب الطف ـ الجزء الخامس331


الشيخ محمد مهدي بن بهاء الدين محمد بن علي النباطي العاملي هو الملقب بالصالح الفتوني الغروي وهو ابن عمّ الشريف أبو الحسن وتلميذه والراوي عنه قراءة واجازة وهو من العلماء الذين لهم القدح المعلى في العلم والنصيب الوافر من الأدب وقد حاز الفضيلتين وعرف بالمزيتين (العلم والشعر) فكان عالماً شاعراً وكاتباً مجيداً ، أما مكانته في الأدب كما قال فيه صاحب نشوة السلافة . ان مثل الأدب بالروضة فهو بلبلها المطرب وهزارها الصادح المعجب وان نثر تستّر الدر بالاصداف أو نظم فضح العقود والأشناف . وأما مكانته العلمية فقد قال فيه السيد بحر العلوم في اجازته للسيد عبد الكريم بن عماد الدين بن السيد محمد بن السيد جواد الموسوي القمي : شيخنا العالم المحدث الفقيه واستاذنا الكامل المتتبع النبيه نخبة الفقهاء والمحدثين وزبدة العلماء العاملين الفاضل البارع النحرير امام الفقه والحديث والتفسير صاحب الأخلاق الكريمة الرضية والخصال المرضية واحد عصره في كل خلق رضي ونعت علي شيخنا الإمام البهي السخي أبو صالح المهدي . وذكره السيد عبد الله الجزائري وقال : عالم فاضل محدث من أجلّ الاتقياء اجتمعت به في المشهد الغروي وتبركت بلقائه سلمه الله . وقال العلامة السيد حسن الصدر في التكملة : كان في عاملة من العلماء الكبار بل كان الأمر منحصراً به وبالسيد حيدر نور الدين والسيد حسين نور الدين والكل في النبطية الفوقا ولما عطل سوق العلم في بلاد عاملة لكثرة ظلم الظلمة وجور الحكام وتواتر الفتن من أحمد الجزار وأمثاله هاجر الشيخ إلى النجف وسكن بها فكان فيها شيخ الشيوخ ـ إلى آخر ما قال ـ وفي الكواكب المنتثرة قال : رأيت نسخة من المعالم كتبها الشيخ محمد بن عبد عون في المشهد الغروي سنة 1133 ذكر فيها انه كتبها على فراش العالم العامل الكامل التقي النقي الشيخ محمد مهدي الفتوني . وهو أحد المقرضين

ادب الطف ـ الجزء الخامس332


للقصيدة الكرارية فقال فيه جامع التقاريظ : الشيخ الأجل الأكمل الأفضل بحر العلم الخضم طود الحلم الأشم قدوة أهل الفضل والعرفان ساحب ذيل الفخر على هامة الكيوان ، رئيس المحدثين خاتمة المجتهدين قدوة الفضلاء المتأخرين النحرير المحقق والحبر المدقق علامة العصر فهامة الدهر سنيّ الفخر عظيم القدر زكي النجر طويل الباع رحيب الصدر الأستاذ الماهر روض الأدب الناظر الناظم الناثر إلى آخر ما قال :
(قراءته ومشايخ اجازته) قرأ على الشيخ أبو الحسن وله الاجازة عن جماعة من الاعلام منهم الحاج محمد رضا الشيرازي والمولى محمد شفيع الجيلاني وكلاهما عن العلامة المجلسي .
(تلامذته ومن يروي عنه) قرأ عليه الشيخ جعفر الكبير والسيد بحر العلوم وغيرهما من الاعلام ويروي عنه السيد بحر العلوم والحاج ميرزا محمد مهدي الخراساني الموسوي كما صرح في اجازته للسيد دلدار علي والسيد محمد مهدي الشهرستاني كما في اجازته للشيخ أسد الله التستري صاحب المقابيس والمحقق القمي صاحب القوانين كما صرح بأجازته لأغا محمد علي الهزار جريبي والمولى ملا مهدي النراقي .
(آثاره) له الأنساب المشجر كما في الذريعة وارجوزة في تواريخ الأئمة (ع) ، ووفياتهم أولها :
أحمدك اللهم بارئ النسم مصلياً على رسولك العلم

ـ الى آخرها ـ وله نتائج الأخبار في تمام الفقه المأخوذ عن الأئمة (ع) وينقل عن السيد بحر العلوم أنه لم يؤلف مثل هذا الكتاب عالم من العلماء الذين عاصرناهم وقد أطنب في وصفه في (نجوم السماء) وله رسالة في عدم انفعال القليل انتصاراً لأبن أبي عقيل ورأيت نسخة مصححة من القاموس بقلمه الشريف مؤرخة سنة 1171 هـ ورأى الشيخ أغا بزرك مجموعة فيها

ادب الطف ـ الجزء الخامس333


زبدة الأصول وتشريح الأفلاك ورسالة الاسطرلاب كلها للشيخ البهائي بقلمه فرغ منها سنة 1041 وانتقلت إلى حفيده الشيخ عبد علي ابن الشيخ أحمد ابن محمد مهدي الفتوني .
له مراسلات مع السيد نصر الله الحائري موجودة في ديوانه المخطوط ، وله شعر كثير ، ذكر له في نشوة السلافة قصيدة مدح بها الشيخ ناصر بن محمد بن عكرش الربعي يقول في أولها :
ليهنك ما بلـغت مـن الأماني بحـكـم المـشرفـية واللـدان
زحفت إلى العدا في غيم حتف بـوارقـه الأسنـة واليـمـان
بفرسان يـرون الطعن فرضاً وحفظ النـفس من شيم الغواني
سراة لـو عـلو هـام الثـريا لكان لهـم بـه خفـض المكان
وإن لبـسوا الرياش فمن حديد لزينة عيـدهـم يـوم الطـعان
وخيل سابـقت خـيل المـنايا فحازت في الوغى سبق الرهان

إلى ان قال :
ونبل لـو رميت بها المنايا لأضحى الناس منها في أمـان
تفأل باسـمك الأحزاب يمناً فكان النصر لاسمك في قـران
وقد نعب الغراب بما دهاهم وغنّى طير سـعدك بالتـهاني
أبا الفتح المـفدّى إن شعري لجيد علاك عـقد من جـمان(1)

قال الشيخ الطهراني في الذريعة ، الجزء الأول : ارجوزة في تاريخ المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام ، للشيخ ابي صالح محمد مهدي بن بهاء الدين محمد الملقب بالصالح الافتوني العاملي الغروي ابن عم المولى ابي الحسن

(1) عن ماضي النجف وحاضره ج 3 .


السابق السابق الفهرس التالي التالي