أدب الطف ـ الجزء الخامس 288


مختلفة الألوان وأطيارها تسبّح الرحمن على الأغصان وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور وأهلها كرام أمائل ليس لهم في عصره مماثل لم تلق فيهم غير عزيز جليل ورئيس صاحب خلق وخلق جميل وعالم فاضل وماجد عادل يحبون الغريب ويصلونه من برّهم ، وبرهم بأوفر نصيب ولا تلتفت إلى قول ابن اياس في نشق الازهار بأنهم من البخلاء الأشرار فلله خرق العادة فانهم فوق ما أصف وزيادة :
هينـون لينـون أيـسار ذوو كـرم سـواس مكـرمـة أبناء أيسـار
ان يسئلوا الحـق يعطوه وان خبروا في الجهد ادرك منهم طيب أخبار
لا ينطقون عـن الفحشاء ان نطـقوا ولا يـمارون ان ماروا بـاكثـار
فيهم ومنـهم يـعـد المجـد متّـلداً ولا يـعـدّثنـا خـزي ولا عـار
من تلق منهم تـقل لاقـيت سيدهـم مثل النجوم التي يسري بها الساري

واجتمعت بالرئيس المعظم والعظيم المفخم ذي الشرف الباذج والفخر الوضاح مولانا السيد حسين الكليدار ـ يعني صاحب المفتاح ـ وبأخيه الشهم النجيب الكريم النبيل العظيم مولانا السيد مرتضى حماه الله تعالى من حوادث القضا ووبالعالم العلامة الحبر التحرير الفهامة ذي الوصف الجميل والذكر الحسن مولانا الفاضل الملا أبو الحسن فجمع بيني وبين الأمير المظفر الشجاع الغضنفر البحر الغطمطم الأسد الغشمشم بحر الاحسان ومعدن الكرم الأمير حسين اوغلي بيك ايشك اغاسي باشي حرم سلطان العجم وكان قد استأذن من السلطان في ذلك العام ان يسير إلى العراق لزيارة الأئمة أعلام الهدى ومصابيح الظلام وهذا الأمير من أكابر أمراء اصفهان وهذا الخطاب هو خطاب الرئيس الحجاب على أبواب حريم السلطان فأشار علي ذلك الأمير المنصور المعان بالمسير صحبته إلى دار السلطنة اصفهان لكي يجمعني بالشاه حسين السلطان امنه الله من طوارق الحدثان :
إذا أذن الله في حـاجة أتاك النجاح على رسله
وقرّب ما كان مستبعداً ورد الغريب إلى أهـله


ادب الطف ـ الجزء الخامس289


فأعزني وأكرمني غاية الكرامة ومشيت صحبته إلى ديار العجم بالسلامة أحسن الله مبدأه وختامه ونلت كل خير من دولة هذا الأمير الرئيس ورزقت بصيته صيتاً بذلك المكان وقدراً عزيزاً نفيس وملأت صندوقي من عطاياه الجسيمة والكيس ، لكني لم أقم لتلك النعمة باداء بعض الشكر فلهذا خلعت من ملك النعيم واعتضت عن حلاوة الاقبال ، مرار تقلّب الاحوال بالبؤس والضر :
رزقتُ ملكا فلم أحسن سياسته وكل مَن لا يسوس الملك يخلعه
ومَن غدا لابساً ثوب النعيم بلا شكر عـليه فعـنه الله يـنزعه


ادب الطف ـ الجزء الخامس290


السيد محمد بن أمير الحاج
المتوفى 1180

قال يرثي أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين (ع) من قصيدة :
بـذلتَ أيا عباس نفـساً نفـيسة لنصر حسين عـزّ بالجدّ عـن مثلِ
أبيت التـتذاذ الماء قبل التـذاذه وحسن فعال المرء فرع عن الأصل
فأنت أخو السبطين في يوم مفخر وفي يوم بذل الماء أنت أبـو الفضل(1)


(1) عن ديوانه (نفثات المصدور في تذكرة شموس الدين والبدور) يحتوي على 38 قصيدة كل قصيدة عبر عنها بنفثة ، والقصيدة الـ 34 هي في سيدنا أبي الفضل العباس التي منها هذه الابيات والتي أولها :
بروحي فتى واسا الحسين بروحه وجيش ابن سعد حل بالوعد والقتل
ادب الطف ـ الجزء الخامس291


السيد محمد بن الحسين بن محمد بن محسن بن عبد المطلب بن علي بن فاخر ابن أسعد بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد أمير الحاج الحسيني النجفي
توفي سنة ألف ومائة ونيف وثمانين في النجف الاشرف ودفن بها . كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً تلمذ على السيد نصر الله الحائري ومدحه وله (الآيات الباهرات في مدائح النبي والأئمة عليه وعليهم الصلوات) شعر جعل فيه لكل معصوم تسع منظومات ذكر في كل واحدة منها آية بالشعر او الرجز أو الموشح أو المقامة .
فمن شعره قوله من قصيدة :
شريت دنياي من جهلي بضرتها بيع الجهالة فيه يغبن الرجل
انتهى
أقول وهو شارح ميمية أبي فراس الحمداني والشرح مطبوع في ايران اسمه (شرح شافية أبي فراس في مناقب آل الرسول ومثالب بني العباس) .
وفي كتاب (شعراء من كربلاء) تأليف الأخ البحاثة سلمان هادي الطعمة ان السيد محمد بن أمير الحاج وفاته عام 1180 هـ 1766 م ووصفه بالأديب الجليل الشاعر الماهر قال : ومن آثاره (الآيات الباهرات) و(تاريخ نور الباري) وقد ذكره الشيخ محمد السماوي في أرجوزته المسماة بـ (مجالي اللطف بأرض الطف) فقال :
وكالهمـام ابن أمير الحاج محمد بدر الهدى الوهاج
تلميذه الثاني الـذي قد أمّه وصنف المصنفات الجمّة
له بسبط المصطفى زواهر فهو به قد أرخوه (ظافر)


ادب الطف ـ الجزء الخامس292


وذكر العلامة الشيخ اغا بزرك الطهراني في (الذريعة) بخصوص ديوانه : ديوان ابن أمير الحاج هو السيد محمد بن الحسين الحسيني ، من ذرية الحسين الأصغر كما سرد نسبه في الآيات الباهرات ، وله تاريخ نور الباري الذي فرغ من نظمه سنة 1177 وقد أهدى الآيات الباهرات إلى استاذه السيد نصر الله المدرس الحائري واشار فيه إلى ديوانه العربي هذا بقوله :
لو كان للشعر سلطان لكان به ديوان شعري سلطان الدواوين

قال : وقد عثرنا له على قصيدة قالها مؤرخاً عام الشروع بتذهيب القبة العلوية المنورة :
الله أكبر لاح قرص الـ ـشمس في أرض الغري
أم قبـة الـفلك الـذي فيـها أضـاء المشتري
أم طـور سـينـاء الـ ـكلـيم به كـبدر نيـّر
بل قـبة النـبأ العـظيم وصهـر طـه الأطـهر
قـد ريم فـي تـذهيبها زيـاً وحـسن المنظـر
هـي قطب دائرة الوجود وشـمس كـل الأدهـر
فـلـذا دعـا تاريخـها الشمس قبـــة حيـدر
1155

وذكر صاحب الذريعة ان نسخة من ديوانه في مكتبة الشيخ محمد السماوي قال في الذريعة ج 3 ص 292 : والنسخة التي رأيتها في مكتبة الشيخ محمد السماوي والظاهر أنها بخط الناظم .
وقال الشيخ الطهراني في (الذريعة) وللسيد أبي جعفر محمد بن أمير الحاج الحسين أرجوزة في تاريخ المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام .
أقول ورأيت في ديوانه المخطوط بمكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف ـ قسم المخطوطات رقم 745 ان بعض قصائده في أهل البيت عليهم السلام

ادب الطف ـ الجزء الخامس293


سماها بـ (نور الباري) وقال :
سميت ما قد برقت أشعاري بلمعة تاريخ نور الباري

وله روائع في وصف الحرم الحسيني بكربلاء ومقتطفات يصف بها الزجاجيات والهدايا والتحف وقد علق ببالي قوله :
ترب الطفوف لقد حوى شرفاً على كل التراب
إذ حـل فـيه سـيـدٌ يدعى أبـوه أبو تراب

ومن البديع قوله في قبّة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
شبّهت قـبة حيدر إذ ذهّـبت ومـنارتـيـن
بالنجم ، بل بالبدر ، بل بالشمس ، بل بالفرقدين


ادب الطف ـ الجزء الخامس294


الشيخ حسن الدمستاني
المتوفى 1181


مَـن يلهه المـرديان المـلل والأمـلُ لم يدر مـا المنجيان العلـم والعملُ
مـن لي بصـيقل ألباب قـد التصقت بها الـرذائل والتاطـت بـها العلل
قـد خالطـت عقلهم أحـكام وهـمهم وخلط حكمـهما في خاطـر خطل
خذ رشد نفـسك مـن مـرأة عقلك لا بالوهم مـن قـبل ان يغتالك الاجل
مطـى الانـام هـي الايـام تحملهـم الى الحـمام وان حلّوا او ارتحـلوا
لم يولـد المـرء إلا فـوق غـاربها يحـدو بـه للمنايا سائق عـجـل
يا منفـق العـمر في عصيـان خالقه أفـق فـإنك من خـمر الهوى ثمل
تعصيه لا أن انت فـي عصيانه وجلٌ مـن العـقاب ولا من مـَنّه خجل
أنفاس نفـسك أثـمـان الجـنان فهل تشـرى بهـا لهباً في الحشر يشتعل
تشحّ بالـمال حـرصاً وهـو منـتقل وأنـت عنه برغـم عـنك منتـقل
ما عذر من بلغ العشرين ان هجـعت عيناه او عاقـه عـن طاعـة كسل
ان كنت منتهـجاً منهاج رب حجـىً فـقم بـجنـح دجـىً لله تـنتفـل
ألا تـرى أولـياء الله كيـف قـلـت طيب الكرى في الدياجي منهم المقل
يـدعـون ربهـم فـي فـك عنقهم مـن رقّ ذنبـهم والـدمع ينهـمل
نحف الجـسوم فـلا يدرى اذا ركعوا قسـى نـبل هـم أم ركّـع نـبـل
خمص البطون طوى ذبل الشفاه ظمى عـمـش العيون بكا مـا عبّها كحل


ادب الطف ـ الجزء الخامس295


يقال مرضى وما بالقـوم من مرض أو خولطوا خـبلا حاشاهـم الخـبل
تعادل الخـوف فيهم والـرجـاء فلم يفـرط بهم طـمع يـوماً ولا وجل
ان ينطقوا ذكـروا أو يسكتوا فكروا أو يغضبوا غفروا او يقطعوا وصلوا
او يُظلموا صفحوا او يوزنوا رجحوا او يسألوا سمـحوا او يحكموا عدلوا
ولا يـلـمّ بهـم مـن ذنبـهم لمـمٌ ولا يمـيل بهم عـن وردهم مـيَل
ولا يسـيل لهم دمـع عـلى بـشر إلا على معـشر في كـربلا قـتلوا
ركب برغم العـلى فوق الثرى نزلوا وقـد أعـدّ لهـم في الجـنة النزل
تنسي المـواقـف أهليـها مواقفـهم بصبرهم في الـبرايا يضرب المثل
ذاقوا الحتوف باكناف الطفوف على رغم الانوف ولـم تبرد لـهم غلل
افدى الحسين صريـعاً لا صريخ له إلا صـرير نصول فـيه تـنتصل
اليس ذا ابـن علي والبـتول ومـن بجـدّه ختـمَت في الامـة الـرسل(1)


(1) عن ديوانه المسمى بـ (نيل الاماني أو ديوان الدمستاني) .
ادب الطف ـ الجزء الخامس296


الشيخ حسن بن محمد بن علي بن خلف بن ابراهيم بن ضيف الله بن حسن ابن صدقة البحراني الدمستاني (1)


توفي في بلدة القطيف يوم الاربعاء 23 ربيع الاول سنة 1181 والمدفون في المقبرة الغربية من مقبرتي الحباكة جنوب مسجد العابدات . كان عالماً فاضلاً فقيهاً محدثاً رجالياً محققاً مدققاً ماهراً في علمي الحديث والرجال . قال صاحب أنوار البدرين : كان مع ما هو عليه من العلم والفضل يعمل بيده ويشتغل لمعيشته وعياله . له مؤلفات جليلة ذكرها صاحب أعيان الشيعة منها : منظومة في نفي الجبر والتفويض ، ارجوزة في اثبات الامامة والوصية ، ارجوزة في التوحيد . أما شعره فهو كثير بعدد حروف الهجاء ، ومن أشهرها ملحمة الطف ، وقد جاء في ديوانه المطبوع في النجف الاشرف والمسمى بـ (نيل الاماني) أربع وأربعون قصيدة .
جمع شعره ابنه الشيخ احمد في مجلد مشتمل على 109 صفحات ، كتبه بخطه وانتهى من تدوينه في اواخر ذي الحجة عام (1190) هـ كذا ذكر الشيخ الطهراني في (الذريعة) .
أقول وقبل ثلاثين سنة من هذا التاريخ استعرتُ ديوان الشيخ دمستاني ودوّنت منه 22 قصيدة فهي اليوم في احد أجزاء (سوانح الافكار في منتخب الاشعار) بخطي ، وسبق وان نشرت مختصر مقتل الحسين واسميته

(1) الدمستاني نسبة الى دمستان بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة بعدها مثناة فوقية والف ونون : قرية من قرى البحرين أصله منها ثم جاء الى القطيف وتوفي فيها .
ادب الطف ـ الجزء الخامس297


(عبرة المؤمنين) طبع بمطبعة النعمان بالنجف الاشرف وذكرت فيه ملحمة الشيخ الدمستاني ، وهي مشهورة لدى خطباء المنبر الحسيني وكثيراً ما تكون موضع الشاهد في مواقفهم الخطابية .
ومن شعره في رثاء الحسين (ع) :
اتغـتر مـن أهـل الثـناء بتمجيد وانك مـن عقد العلى عاطـل الجيد
فقم لاقتـحام الهول في طلب العلى بسمر القـنا والبيض والقـطع للبيد
ألم تـر أن السبط جاهـد صابـرا بانصـاره الصيد الـكرام الـمذاويد
فثابتوا الى نيل الـثواب وقصـدوا صدور العوالي في صدور الصناديد
وجادوا بأسنى مـا يجود به الورى وليس وراء الجـود بالنفس من جود
فأوردهـم مـولاهم مـورد الرضا هنـيئاً لهم فـازوا بأعظـم مورود
وظلّ وحـيداً واحـد العـصر ماله نصير سوى مـاض وأسـمر أملود
على سابق لم يحضر الحرب مدبرا ومـا زال فيها طـارداً غير مطرود
يميـناً بيـمناه التي لـم يـزل بها شـواظ حـتوف او منابـع للـجود
لقد شـاد في شأن الشـجاعة رفعة وشـاد عـلاً أركـانهـا أيّ تشـييد
أيا علـة الايجـاد أنـتم وسـيلتي إلى الله في إنـجاح سؤلي ومقصودي
عرفت هـداكم بالـدليـل أفـاضة من المبـدع الفـياض مـن غير تقليد
فأخرجت من قامـوس تيار فضلكم جـواهر أخـبار صحـاح الاسانـيد
وأرسيت آمـالي بجـودي جـودكم فانجح بها حيث استقرت على الجودي
فها حسنٌ ضـيف لكم يسأل القرى وما الضيف عن باب الكرام بمصدود
فمنّوا بـإدخالي غـداً في جـواركم وأصلي وفـرعي والـديّ ومـولودي


ادب الطف ـ الجزء الخامس298


الشيخ أحمد النحوي
المتوفى 1183

لو كنت حين سلبت طيب رقادي عوّضت غيـر مدامـع وسهادِ
أو كنت حين أردت لي هذا الضنا أبقيت لي جسـداً مع الأجـسادِ
أعلمـت يا بيـن الأحبـة أنـهم قبل التـفرق أعنفـوا بفـؤادي
أم ما علمت بأنـني من بعـدهم جسد يشـف ضـناً عن العواد
يا صاحبـي وأنا المكـتّم لوعتي فتظن زادك فـي الصبابة زادي
قف ناشداً عني الطلول متى حدا بظعائن الأحباب عنـها الحادي
أو لا فـدعني والبـكاء ولا تسل ما للـدموع تسـيل سيل الوادي
دعنـي أروي بالدموع عراصهم لو كان يروي الدمع غلة صادي
من ناشد لي فـي الركائب وقفة تقضي مرادي من أهيـل ودادي
هي لفتة لذوي الظعون وإن نأوا يحـيا بنفـحتـها قتـيل بـعادِ
هيهات خاب السعي ممن يرتجي في موقف التوديع مثل مـرادي
رحلوا فلا طيف الخيال مواصل جفني ولا جفـتِ الهموم وسادي
أنّى يزور الطيـف أجفـاني وقد سدت سيول الدمـع طرق رقادي
بانـوا فعاودني الغـرام وعادني طـول السقـام وملّنـي عـوّادي


ادب الطف ـ الجزء الخامس299


ويـلاه مـا للـدهر فـوّق سهمه نحـوي وهـزّ عليّ كـل حدادِ
أترى درى أن كنـت من أضـداده حتى استثار فكان مـن أضدادي
صـبراً على مضض الزمان فإنما شيم الزمان قطـيعة الأمـجـاد
نصـبت حبـائـلـه لآل محـمد فاغـتالهم صـرعى بكل بـلاد
صـبراً على مضض الزمان فإنما شيم الزمان قطـيعة الأمـجـاد
نصـبت حبـائـلـه لآل محـمد فاغتالهـم صرعى بـكل بـلاد
وأبـاد كـل سمـيـدع منـها ولا مثل الحسين أخي الفـخار البادي
الـعالم العلـم التـقي الـزاهد الـ ـورع النقي الـراكـع السـجّادِ
خـوّاض ملحـمة وليـث كريهـة وسحاب مـكرمة وغـيث إيادي
لم أنسَ وهو يخوض أمواج الردى ما بين بيض ظبى وسـمر صعاد
يلقى العدى عطلا ببـيض صوارم هـي حـلية الاطـواق للاجـياد
بيض صقـال غيـر أن حـدودها أبداً الى حمـر الـدماء صـوادي
ويهزّ أسمرَ في اضـطراب كعوبه خفقان كـل فـؤاد أرعـن عادي
فترى جسـوم الـدارعين حواسراً والـحاسرين لـديـه كـالـزرّاد
حتـى شفـى غلل الصوارم والقنا منـهم وأرقـدهـم بغـير رقـاد
فدنا لـه القدَر الـمتاح وحان مـا خـط القضاء لعاكـف او بـادي
غشيته من حزب ابن حرب عصبة مـلـتفـة الأجـناد بـالأجـنـاد
جيش يغـص لـه الفـضا بعديده ويضـيق محـصيه عـن التعداد
بأبـي أبـيّ الضيم لا يعطي العدى حذر المنـية مـنه فـضل قيـاد
بأبـي فـريداً أسلـمته يد الـردى فـي دار غـربـته لجمع أعادي
حتى ثوى ثبت الجنـان على الثرى من فوق مفـتول الـذراع جـواد
لـم أدرِ حـتى خـرّ عنـه بأنهـا تهـوى الشواهـق من متون جياد
الله أكـبر يـا لـهـا مـن نـكبة ذرّت عـلى الأفـاق شبه رمـاد
رزءٌ يقـلّ لـوقعه حـطم الـكلى والـعـط للأكـبـاد لا الأبـراد
يا للرجـال لسهـم ذي حنـق بـه أودى وسـيف قطــيعة وعـناد


ادب الطف ـ الجزء الخامس300


فلقـد أصاب الـدين قـبل فـؤاده ورمى الهدى من قبل ذاك الهادي
يا رأس مفترس الضياغم في الوغى كـيف انثنيت قـريسة الأوغـاد
يا مخمداً لهب العدى كيـف انتحت نوب الخـطوب إلـيك بـالإخماد
حاشاك يا غيظ الحـواسد أن ترى فـي النائـبات شمـاتة الحـساد
مـا خلـت قبلك أن عـاريّ الظبا يـأوي الـثرى بدلاً مـن الأغماد
أو تحجب الأقمار تحت صفائح الـ ـلحاد شـرّ عصائـب الإلحـاد
ما إن بقيت من الهـوان على الثرى ملقـى ثلاثاً فـي ربـى ووهـاد
لكن لكـي تقضي علـيك صـلاتها زمر الـملائك فـوق سبع شـداد
لهفي لـرأسك وهو يـرفع مـشرقاً كالبـدر فـوق الـذابل الـميـاد
يتـلو الكتاب ومـا سمـعت بواعظ تخِذ القـنا بـدلاً عـن الأعـواد
لهفي على الصدر المعـظم يشـتكي من بـعد رشّ النـبل رضّ جياد
يا ضيف بـيت الجـود أقفر ربـعه فاشـدد رحالك واحتـفظ بالـزاد
والهفـتاه على خـزانة علمك السـ ـجّاد وهـو يقـاد فـي الأصفاد
بادي الضنا يشكو على عاري المطى عـضّ القـيود ونهـسة الأقـتاد
فمـنِ المعزّي للـرسـول بعـصبة نـادى بشملهـم الـزمـان بـداد
ومَـن المـعزي للـوصيّ بـفـادح أوهى القلوب وفتّ فـي الأعضاد
إن الـحسـين رمـيـّة تنــتاشـه أيـدي الضـغون بأسـهم الأحقاد
وكـرائم الـسـادات سـبي للـعدى تعـدو عليـها للـزمان عـوادي
حسـرى تقاذفهـا السهول الى الربى مـا بيـن إغـوار إلـى إنـجاد
هذي تصيـح أبي وتهـتف ذي أخي وتـعـجّ تلك بـأكـرم الأجـداد
أعلمت يا جـداه سبـطك قـد غـدا للخـيل مـركضـة بيـوم طراد
أعـلـمـت يـا جـداه أن أمـيـة عدّت مصابك أشـرف الاعـياد
وتعـجّ تـنـدب نـدبهـا بمـدامـع منهلّـة الأجـفان شـبه غـوادي


ادب الطف ـ الجزء الخامس301


أحشاشة الـزهراء بل يا مهجة الـ ـكرار يـا روح النبـي الهادي
أأخـي هـل لك أوبـة تعـتادنـا فيـها بفـاضل بـرّك المعـتاد
أتـرى يعود لنا الـزمان بـقربكم هيـهات ما للقـرب مـن ميعاد
أأخـيّ كيـف تركتني حلف الأسى مشـبوبـة الأحـشاء بالإيقـاد
رهـن الحوادث لا تـزال تصيبني بسهامهـنّ روائـحاً وغـوادي
تنـتاب قاصـمة الرزايا مهجتي ويبيت زاد الهـمّ ملء مـزادي
قـلب يقلـّب بـالأسى وجـوانح ما بين جمر غضى وشوك قتاد
يا دهر كيف اقتاد صرفـك للردى من كـان ممـتنعاً على المقتاد
عجباً لأرضك لا تميد وقـد هوى عن منكـبيها أعـظم الأطـواد
عجباً بحارك لا تغور وقـد مضى مَن راحتـاه لها مـن الامـداد
عجباً لصبحك لا يحول وقد مضى مَن في محياه استضاء النـادي
عجباً لشمس ضحاك لم لا كوّرت وتبرقعت مـن خفـرها بسواد
عجباً لـبدر دجـاك لـم لا يدّرع ثوب السـواد الى مـدى الآباد
عجباً جـبالك لا تـزول ألم تكن قامـت قيامـة مصرع الأمجاد
عجباً لذي الافلاك لم لا عـطلت والشهب لم تبـرز بثوب حداد
عجباً يقوم بها الوجـود وقد ثوى في الترب منـها عـلة الإيجاد
عجباً لـمال الله أصبـح مكـسباً في رائـح للظالمـين وغـادي
عـجـباً لآل الله صاروا مغـنماً لنبي يـزيـد هـديـّة وزيـاد
عجـباً لحـلم الله جـل جلالـه هتكوا حجابك وهـو بالمرصاد
عجباً لهذا الـخلق لـم لا أقبـلوا كل إليـك بـروحه لك فـادي
لكـنهم مـا وازنـوك نفـاسـةً أنى يـقـاس الـذرّ بالأطـواد
اليـوم أمحـلت الـبلاد وأقلـعت ديم القطـار وجفّ زرع الوادي
اليـوم برقعت الهـدى ظلم الردى وخبا ضـياء الكوكـب الـوقاد


ادب الطف ـ الجزء الخامس302


اليوم أعـولت المـلائك في الـسما وتـبـدّل التسبـيح بـالتعـداد
بحر تـدفّـق ثـم غـاض عبابـه مـن بـعـده واخيـبة الـورّاد
روض ذوى بعـد النـضارة والبها مـن بعـده واخـيبـة الـوراد
بـدر هـوى بعـد التمـام وطالما بـالأمس كـان دليلنا والهـادي
سيـف تعـاوره الفلـول وطالـما كان القضاء على الزمان العادي
جبل تصـدّع وهـو كان لنا حمى من مصعبات في الامـور شداد
مولاي يا ابن الطهر رزؤك جاعلي دمـعي شرابي والتحـسر زادي
يا مهـجة المخـتار يا مـَن حـبّة أعـددتـه زادي لـيوم معـادي
مولاي خذ بيـد الضعيف غـداً إذا وافـى بأعبـاء الـذنوب ينادي
واشفـع لأحـمد في الورود بشِربة يطـفي بسلـسلها غلـيل فـؤادِ
لا أختشـي ضيماً ومثـلك ناصري لا أتـقي غيّاً وأنـت رشـادي
صلى الإلـه على جنابـك ما حدا بجميل ذكرك في البـرية حادي


ادب الطف ـ الجزء الخامس303


الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الحلي النجفي المعروف بالنحوي وبالشاعر هو أبو الرضا


توفي سنة 1183 بالحلة ونقل الى النجف ودفن بها
ورثاه السيد محمد زيني بقصيدة مؤرخاً فيها عام وفاته مطلعها :
أرأيت شمل الدين كيف يبدد ومصائب الآداب كيف تجدد
ويقول في التاريخ :
أظهرت أحزاني وقلت مؤرخاً الفضل بعدك أحمد لا يحمد
(وآل النحوي) بيت من بيوت العلم والأدب نبغ منهم في أوائل القرن الثالث عشر في النجف غير واحد . وتعرف بقيتهم وأحفادهم الى اليوم في النجف ببيت الشاعر وكانوا يترددون بين النجف والحلة .
كان الشيخ النحوي من كبار العلماء وأئمة الأدب في عصر الشهيد السيد نصر الله الحائري معروفاً عند العامة والخاصة بالفضل والتوغل في العلوم العربية وآدابها ، ويظهر من بعض أشعاره انه كان معدوداً من شعراء السيد مهدي بحر العلوم ومحسوباً من ندمائه(1)
وفي نشوة السلافة ومحل الإضافة للشيخ محمد علي بشارة من آل موحي الخيقاني النجفي كما في نسخة مخطوطة رأيناها في مكتبة الشيخ محمد السماوي النجفي : اطلع من الادب على الخفايا وقال لسان حاله (أنا ابن جلا

(1) أخذنا الترجمة عن أعيان الشيعة ج 3 ص 15 .


السابق السابق الفهرس التالي التالي