أدب الطف ـ الجزء الرابع 272


لئن كنت مشغوفاً بمصر فليس لي بهـا حاجـة إلا لقـاء بنـي الزهرا
أجل بين الـدنيا وأشـرف أهلها وأنـداهُـم كفـاً وأعـلاهـم قـدرا
هم القوم ان قابلت نور وجوههم رأيت وجوهاً تخـجل الشمس والبدرا
وان سمعت اذناك حسن صنيعهم وجئت حماهـم صدّق الخـبرُ الخبرا
لهـم أوجهٌ نـور النـبوة زانها بلطف سرى فيهم فسـبحان من أسرى
هم النعمة العظـمى لأمة جدهم فيا فـوز من كانوا لـه في غدٍ ذخرا
اذا فاخـرتهم عصـبة قـرشية فـجدهـم المخـتار حـسبهم فـخرا
ملوك على التحقيق ليس لغيرهم سوى الاسم وانظرهم تجدهم به أحرى(1)


(1) عن الديوان .
ادب الطف ـ الجزء الخامس273


الحاج جواد عواد البغدادي
المتوفى 1178

خليليّ ربع الانـس منـي أمـحلا فلسـت أبالـي مرّ عيشـي أم حلا
وهانت على قلبي الرزايا فصار إن دعاه البلا والخطب يـوماً يقل بلى
فبالله عـوجـا في الحمى بمطـيّكم وان رمتما خوض الفلا فـوقها فلا
فـان جزتـماه فاعمـدا لرحالـكم وحلا وحُلا واسبلا الـدمـع واسئلا
من الدمـن الادراس أيـن أنيسهـا عسى عندها ردّ على ذي صدى علا
تـناؤا فما للجفـن بالسـكب فترة ولكنّ مـنه الدمع مـازال مـرسلا
وكم لي لفقد الإلف من ألف حسرة وشـجو إذا أظـهرتـه ملاء الـملا
ولي حـَزَن يعـقوبُ حـاز أقـلّه وبـي سقم أيـوب في بعـضه ابتلا
وكـلّ بلآءٍ سـوف يبلى ادّكـاره سوى مصرع المقتول في طف كربلا
فياويـح قوم قـد رأوا في محـرم ببغيـهـم قتـل الحـسـين محـلّلا
هم استقـدموه مـن مدينة يثـرب بكتبـهم واستـمـردوا حـين أقبـلا
وشنّوا علـيه إذ أتـى كـلّ غارةٍ وشبّوا ضراماً بـات بالحقـد مشعلا
رموه بسهـم لم يـراعوا انـتسابه لمن قد دنـى من قاب قوسين واعتلا
فاصبح بعـد التِرب والأهـل شلوه عـلى التراب محزوز الوريـد مجدّلا


ادب الطف ـ الجزء الخامس274


أبانـوا لـه أضغان بـدر فغـيّبوا شموساً ببـطن الأرض أمـسين أُفـّلا
فما زال يـردي منـهم كـل مارقٍ فيـصلى جحــيماً يلتـقـيه معـجلا
فـاذكـرهـم أفعـال حيدر سالـفاً بـاسلافهم إذ جـال فيـهم وجـنـدلا
فمـذ لفظ الشهّـم الجـواد جـواده على الـرمل في قاني النجـيع مرمّلا
دعاهم دعيّ أوطـئوا الخـيل ظهره ووجهاً لـه يـبدوا اغــرّ مبـجـّلا
وشمرّ شمـرٌ ثـم حـزّ بسيـفـه وريـداً لـه ثغـرالتهـامـيّ قـبـّلا
وعلا سـنان الرأس فـوق سـنانه فـيالك رأساً ليـس ينـفك ذا اعـتلا
وسـاروا بـزين العابديـن مـذلّلا لـديهـم وقـد كان الـكريم المـدلّلا
فـاصبح مـن ذلّ الأسـار معـلّلا وفـي اسـر أبـنـاء الدعـاة مـغلّلا
فـيا لك من رزءٍ جـليـل بكت له السموات والارضون والوحش في الفلا
وشمس الضحى أضحت عليه كئيبة وبدر الـدجى والشـهب أمسـين ثكلا
فـيا عتـرة المخـتار انّ مصابكم جليل وفي الاحـشاء ان حـلّ انـحلا
مـصاب لقـد أبـكى النبي محمّداً وفـاطـمـةً والانــزع الـمتـبتـّلا
فأجرِ الـدما سفاح دمعـي كجعفر علـى مصرع الهادين الأمين أخي العلا
ويا وجـد قلبي دمت مفتاح أدمعي ولا زلت فـي تلخـيص حزني مطوّلا
فلا زال ربـي يا يـزيد ورهـطه يـزيـدكـم لعـنـاً ويحـشركـم إلى
ويصلـيكم نـاراً تلظـّى بوقدهـا علـيكم لقـد ساءت مـقامـاً ومـنزلا
بما قـد قـتلتم سـبط آل محـمّدٍ وجـرّعتـموه من أذى الـقتل حنـظلا
لقد بؤتـم في عـارها وشنـارها وخـزي مـدى الأيام لـن يتـحـولا
ففـي أي عـذر تلتـقون نبـيّكم وقـد سـؤتم قربـاه بالـغدر والقـلا
برئـت إلـى الله المهيـمن منكـُم واخلص قلبي في بني المصطفى الـولا


ادب الطف ـ الجزء الخامس275


فيا صاح قف وابك الحسين بن فاطم ولا تبك من ذكرى حبيب ترحلا
فان قلـيلاً فـي عظـيم مـصابـه بكاؤك فامطر وابل الدمع مسبلا
سابكيـكم ما إن بـد البرق في الدجا وما سـحّ ودقٌ في الربى وتهللا
اليك سلـيل المرتضى مـن عبيدكم بديع نـظام بالمعـاني مجـمّلا
قـريض لـه يعنو جـرير وطرفة ويغدر لديه أمرؤ القيس أخـطلا
وما قدر نظمي عند وصـف علاكم وقد جاء في الذكر الحكيم منزّلا
عليكم سـلام الله ما انقـضّ كوكب وما انفض يـوماً موكب وتزيّلا(1)


(1) عن الديوان المخطوط في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف برقم 30 قسم المخطوطات .
ادب الطف ـ الجزء الخامس276


هو الحاج جواد بن الحاج عبد الرضا بن عواد البغدادي من معاصري السيد نصر الله الحائري ومن الشعراء المرموقين في عصره ينحدر من أسرة عربية من قبيلة شمر هبطت بغداد قبل أربعة قرون وعميد هذه الاسرة قبل قرنين في بغداد كان الحاج محمد علي عواد من الأعيان وأرباب الخير .
احتفظت اسرة الشاعر بتأريخ مجيد سجل لها المكارم والمآثر ولو لم يكن إلا هذا الشاعر لكان وحدة أمة وتأريخاً ، اتصل باكابر الشعراء وساجلهم فكان من الأقران السباقين في كافة الحلبات وقد اعتزّ به كافة أصدقائه فاعربوا عن حبهم له وتقديرهم اياه واليك ما قاله فيه صديقه السيد حسين بن مير رشيد الرضوي الحائري وقد أثبتت هذه القصيدة في ديوانه :
أشـهى سلام كنـسيم الصباح قد صافح الـزهـر قبيل الصباح
ونشوة الراح وعـصر الصبا وغفلة الواشي ووصـل الصباح
يهدى إلى حضرة مـولى سما على الـبرايا بـالنـدى والسماح
من اسـمه للـوفد فـالاً أتى فكم لـهم بالـجـود يـسراً أتاح
أعني الجواد الندب كهف النجا دام حليـفاً للـهـنا والـنـجاح
وبعد فالبعـد لعظـمي بـرى فمالـه عن فرط ظلـمي بـراح
ومن عوادي الدهر يا ما جدي من نـوب أثخـن قـلبي جراح
فهل محيّا القرب منكم يَـرى والقنّ من جـور الليالي يُـراح
وقاكـم الله صـروف الردى ما خطرت في الوشي غيد رداح
وما انـتحاكم مـن محبٍ صبا أشهى سـلام كنسيـم الصـباح


ادب الطف ـ الجزء الخامس277


ذكره الشيخ محمد علي بشارة الخاقاني في كتابه (نشوة السلافة) فقال : أديب أحلّه الأدب صدر المجالس ونجيب طابت منه الفروع والمغارس فهو الجواد الذي لا يكبو والصارم الذي لا ينبو نشره يزري بمنثور الحدائق ونظمه يفوق العقد الرائق .
وذكره المحقق الطهراني في الكرام البررة ص 87 فقال : الشاعر الأديب والكامل الأريب رأيت ديوان شعره اللطيف الصغير في خزانة كتب آل السيد عيسى العطار ببغداد وفيه قصائد ومقاطيع وتواريخ إلى سنة 1142 هـ وأدركه السيد حسين مير رشيد تلميذ السيد نصر الله الشهيد في حدود 1168 هـ ، وأورد له السيد حسين المذكور في ديوانه (ذخائر المآل) بعض قصائده في مدحه ومنها قوله :
اهدي لحضرتكم سلامه بالسعد خصت والسلامه

إلى قوله مورّيا :
في ظل مولانا الجواد المقتدى السامي مقامه

وذكره السماوي في الطليعة ص 67 فقال : كان فاضلاً سرياً أديباً شاعراً وكان ذا يسر ممدّحاً تقصده الشعراء وللسيد حسين مير رشيد فيه مدايح جيدة ضمنها ديوانه وكان المترجم قوي العارضة ويعرف أحياناً باسم الحاج محمد جواد .
وذكره السيد الأمين في أعيانه ج 17 ص 155 فقال : كان حياً سنة 1128 هـ وهو شاعر أديب له ديوان شعر صغير جمعه في حياته رأينا منه نسخة في العراق سنة 1352 هـ وهو معاصر للسيد نصر الله الحائري وبينهما مراسلات ، وابن عواد من بارزي شعراء عصره وممن مرّ عليه الثناء من أعلام المترجمين والشعراء وهو كما يبدو من شعره أديب له ديباجة طيبة شأن

ادب الطف ـ الجزء الخامس278


شعراء عصره الذين كافحوا في سبيل المحافظة على لغة الضاد واليك نماذج من قوله يقرظ كتاب (نشوة السلافة) :
قـم نزّه الطـرف بهـذا الكتاب فحسنه قـد جاز حـدّ النصاب
هـذا كـتاب أم رضـاب حـلا أم نفث سـحرٍ أم نضارٌ مذاب
أم خـمرة صـهبـاء عـاديـة قلّـدها المـزج بـدر الحبـاب
أم روضـة بـكـرّها عـارض فازهرت بطحاؤها والهـضاب
ما شاهدت مـرآة شمس الضحى الا توارت خجلاً فـي الحجاب
ولا رأتـه عــذبـات النـقـا إلا اغتدت من حسـد في عذاب
والبـدر لـو عـاينـه لاختـفى من الحيا تحت سجوف السحاب
والغيـد لـو تبـصره لاستـحت وأصبـحت في نكـدٍ واكـتئاب
فاسـتغن عـن كـل كـتاب به فغـيره القــشر وهـذا اللباب
واقطـف من الـروض أزاهيره واملأ من الـدر النظـيم الحقاب
ورد شـراب الانس مـن حوضه ودع طماع العين نحـو السراب
واحسوا الحميا منـه صرفـاً ولا تكن كمـن يمزج شهـداً بصاب
فطـلـعة الـبدر بـاشـراقـها تغني الورى عن لمـعان الشهاب
والـقـرم إذ أنـكـر آيــاتـه فـاتل عليـه : ان شر الـدواب
فــأيــد الله بـتـوفـيـقـه مؤلـفاً أوضـح نهـج الصواب
فهو الذي أشعـاره تخـجل الـ ـدر بـالـفاظ رشـاق عـذاب
كنـغمة الـعـود إذا انـشـدت وما سـواهـا كطنـين الـذباب
مولى عـلا هـام العلى رفـعة فهو عليّ الاسـم عالي الجـناب
مـدحته نظـماً ونـثراً عـسى يمنـحني فضلاً بـرد الجـواب


ادب الطف ـ الجزء الخامس279


لا زال رحب الصدر رحب الذرا منوّه القدر خصيـب الرحاب
يحصد مـن مـدحي لـه المنتقى حسـن ثناء ودعـاء مجاب
مـا هطـلت بارقـة في الـرُبى وزمزم الحادي لسوق الركاب

فأجابه صاحب النشوة بقوله :
يا فـارس النـظم ومغـواره وصاحب النـثر الذي لا يعاب
أنت الجـواد المـرتجى نيله وكم ملأنا مـن عطاك العباب
كم أمّك الراجـون في سيرهم حتى أناخوا في حماك الركاب
اثنى عليك الـوفد مع أنهـم لو سكتوا أثـنت عليك الحقاب
ومن غـدا في العلم بـرهانه والعلم الهادي لطـرق الصواب
تقريظكم مـن ذهـب صغته بـل فاق للـدر وتبر مـذاب
كأنـما النشرة مـن طـرزه وللـثريا شـبـهٌ وانـتسـاب
أسكـرتني من خمر ألفاظكم ما لم يـنله عارف من شراب
حتى عـرتني نشـوة نـلتها وباسمـها سميت هـذا الكتاب
سألتـني ردّ جـواب لـكـم وفي الذي قلت أتـاك الجواب
لو رمت أن احصي أوصافكم في مِدَحي يوما لطال الخطاب
لا زلت يا بحر الندى وافـرا ما طـلع النجم بليل وغـاب(1)
وقوله متوسلاً بالنبي (ص) :
ألا يا رسول الله ان مدنف شكا إلى الناس هماً حلّ من نوب الدهر


(1) عن شعراء بغداد للخاقاني .
ادب الطف ـ الجزء الخامس280


فـاني امـرؤ أشكـو إليك نوازلا ألمت فضاق اليوم عن وسعها صدري
وأنت المـرجى يا مـلاذي لدفعها فاني لديها قد وهت بي عرى صبري
فكم مبتلى مـذ حط عـندي رحله ترحلّ عنـه قاطـن البـؤس والضر
ولما رأيت الركب شـدوا رحالهم وقد أخـذت عيس المطي بهم تسري
تجاذبنـي شـوقي إليـك لـو أنّه بذا الصبح لم يـشرق وبالليل لم يسر
فكن لي شفيعاً في معادي فليس لي سواك شفيع فـي معادي وفي حشري

وقال يصف نارجيلة :
ان عاب قليوننا المائي ذو حمقٍ فليس يلحقـنا من ذمه عـار
أنى يعاب وفي تـركيبه جمعت عناصر كم بها للحسن اسرار
نار وماء وصلصال كذاك هوى ترتاح منهن عند الشرب سمار
تـأتم شرابـه مستأنسـين به (كـأنه علم فـي رأسـه نار)

وكتب للشاعر الحاج محمد العطار عندما أهدى اليه (يتيمة الدهر) للثعالبي :
اليك أخا العـلياء مني يتيمة بديعة حسن أشرقت في بزوغها
إذا بلغت يوماً حماك تحققت يقيناً بـأن لا يـتم بعـد بلوغها

ودخل يوما دار صديق له فلم يجده ووجد عبداً أسوداً يقلي حبّ البن على النار فلما رآه ارتجل قائلاً :
قَلَوا للبن فوق النار حباً فمال القلـب منعطفاً عليه
اليه لحبّة القلب انجذاب (وشبه الشيء منجذب اليه)


ادب الطف ـ الجزء الخامس281


وله معاتباً صديقه الحاج صالح بن لطف الله بقوله :
أخي صالح اني عهـدتك صالحاً لديّ وعوني في الـورى ومناصحي
وسيفي الذي فيه أصـول وجنتي إذا فـوقت نحـوي سهـام الفوادح
فـمالك أبديـت التغـيّـر والقلى لصبٍ إلى نحو الـقلى غيـر جانح
ومالي ذنـب استـحق بـه الجفا ولا العذر في الهجران منك بواضح
فان اقترف ذنباً فـكن خير غافرٍ وان اجترح جرمـاً فكن خير صافح
صدود وإعراض وهـجرٌ وجفوة اتقـوى على ذا مهجـتي وجوارحي
أسـرك اني مـن ودادك انثـني بصفقة حـر خـاسر غيـر رابـح
وان يرجف الحسـاد عنا بريـبة تكـون حـديثاً بيـن غـادٍ ورائـح
عهدتك طوداً لا تمليك في الهوى نمـيمة واش أو سعـايـة كـاشـح
وخلتك لا تلوي عـلى طـعـن مريـب ولا تـصغي إلى نبـح نابح
اعيذك أن تـدعى خلـيلاً مماذقاً يـرى أنـه فـي ودّه شبـه مـازح
كما نسـبوا قدمـاً جميل بثـينة إلـى انـه في وده غيـر نـاصـح
فقالوا وقـد جاءوا عليـها بتهمة وما كاتـم سرّ الهـدى مـثل بائـح
(رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغـرّ مـن أنيابـها بالفـوادح)
فقد عابه أهـل الغرام جـميعهم فمـن طاعن يـزري عـليه وقادح
ولا عـجب أنـا بلـينا بحاسـد نمـوم بالـقـاء الـعـداوة كـادح
ففي ترك ابلـيس السجـود لآدم أدل دلـيـل للتـحـاسـد واضـح
وفي قتل قابـيل أخاه بصـيرة لـمن كان عـنه العقل ليس بـنازح
ودع كـل ودٍ غير ودي فانمـا سواي الصدى الحاكي لترجيع صائح
فما كل من يدعى جواداً بجـائدٍ ولا كل مـن يسمى جـواداً بقـارح
ولا كل سعدٍ في النجوم بـذابح ولا كلـما يـدعى سـماكا برامـح


ادب الطف ـ الجزء الخامس282


ولا كـل بـرق إذ يشـام بماطـر ولا كـل زنـد بالأكـف بقادح
ولا كل طير في الغـصون بساجع ولا كل زهر في الرياض بنافح
ولا كل من يـبدي الـولاء بصادق ولا كل خـلٍ للـوداد بصالـح
فكم ضاحك بالـوجه والصدر منطوٍ على وجـه قلب بالعـداوة كالح
فان تبد هجراً فأجن وصلاً وكن إذاً كمـثل إناء بالـذي فيه ناضـح


اقول : اختصرنا الترجمة عن (شعراء بغداد) للخاقاني ج 2 ص 377 .
وهناك مَن يعده من شعراء كربلاء ولقّبه بالحائري ، ومدفنه كان بكربلاء ، وقد توفي ولا عقب له .

ادب الطف ـ الجزء الخامس283


السيد عباس المكي

المتوفى حدود سنة 1180

هو من أعلام القرن الثاني عشر قدم إلى كربلاء في عام 1131 هـ وكان نادرة عصره وألمعي دهره ممن صاغ النظم والنثر أحسن صياغة ويعرف بالرحالة عباس بن علي بن حيدر بن نور الدين المكي الموسوي الحسيني صاحب التصانيف القيمة ومنها (نزهة الجليس ومنية الأدب الأنيس) كان جوالاً في الآفاق في طلب العلم ، أخذ الرواية عن أستاذه أبي الفتح السيد نصر الله الحائري أثناء أدائه فريضة الحج بصحبة والده عام 1130 هـ .
وجاء في سلسلة نسبه : فهو السيد عباس ابن السيد علي بن نور الدين علي ابن علي بن نور الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن العاملي الموسوي بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن حمزة ابن سعد الله بن حمزة بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن محمد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن ابراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام .
ولد السيد المكي بمكة سنة 1110 هـ ونشأ بها ونال حظوة في العلم والكمال ودرجة قصوى بالأدب وها هو كتابه (نزهة الجليس) يعطي صورة عنه .

ادب الطف ـ الجزء الخامس284


وكان يحسن عدة لغات كالتركية والفارسية والهندية وهي التي أجادها بحكم أسفاره ، ولم يكن يقتصر في نظمه على اللغة العربية بل كان ينظم باللغة الدارجة ، فقد روى السيد الامين في الاعيان وقبله الشرواني في الحديقة بيتاً على طريقة (المواليا) العراقي :
دموع عيني بـما تخفي الجوانح وشن وعلي غار الهوى من كل جانب وشن
وأنت يا من شحذ أسياف لحظه وسن تـروم قتـلي بهـا بـالله بيـّن إلـي
من جوّز القتل في شرع المحبة وسن

ترجم له السيد الامين في الاعيان وذكر جملة من أشعاره وقال : توفي في جبشيت من جبل عامل في حدود سنة 1179 وقد قارب السبعين ، وكان جده نور الدين هاجر إلى مكة فولد أبوه فيها وولد هو فيها أيضا . ذكره صاحب حديقة الأفراح فقال : فصيح ألبسه الله حلّة الكمال وبليغ نسج القريض على أبدع منوال .
وقال السيد عباس المكي في كتابه (نزهة الجليس) يصف رحلته :
فلما أسفر الصباح عن وجه الهنا والانشراح رابع ربيع الأول عام ألف ومائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي المرسل ، توكلنا على الرب العلي ورحلنا من مشهد علي ، قاصدين زيارة الشهيد المبتلى المدفون بكربلا ، الحسين بن علي ومن معه من الشهداء الصابرين رضوان الله عليهم أجمعين ، ففي خامس الشهر المذكور أتينا على الموضع الذي يسمى بالخان الأخير ، ومررنا في طريقنا بقبر النبي ذي الكفل عليه السلام فزرنا وبلغنا المرام ، وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر مشهد الحسين الطاهر سلام الله عليه وعلى أخيه وعلى جده وأبيه وأمه وبنيه وسائر مواليه ومحبيه .
لله أيـام مضـت بـكـربـلا محروسة مـن كل كرب وبلا
بمشهد الطهر الحسين ذي العلا ونسل خير الخلق في كل الملا
فحفـّني بـجـوده تفـضّـلا ونلتُ مـا كنـتُ لـه مـؤملا


ادب الطف ـ الجزء الخامس285


مـن زاره بالـصدق فيه والـولا يعـود محـبوراً بـلا شك ولا
فاسمع لما قد قال ذو الفعل الحسن محمد الحر الأصيل ابن الحسن
قـد أرخ المـولـد فـي رجيـزه مفـيـدة جـلـيلـة وجـيـزه
فقـال في ذكـر الحسين بن علي نظماً بديع القول كالصبح الجلي
وكيف لا وهـو الامـام الرحـله نجـل ثـقـات قـادة أجـلـّه
خادم شرع المصطـفى والمذهب الطيب من الطـيب بـن الطيب
من ذكره في العرب سار والعجم والشام والـروم إلى أقصى إرم
بالفضل والتـقوى مـع العـفاف والبر والاحـسـان والالطـاف
عـليه مـن رب العبـاد الرحمه تعـمّـه ولـجـمـيـع الأمـه
فـاسمـع فـهذا قـوله المفـيد قد قال وهـو الفاضل المجـيد
واسمع وقيت صولـة الحـوادث نظمـي تاريـخ الإمام الثالـث
روحي الفـداء للحسـين بن علي ذي المجد والسؤدد والقدر العلي
مـولده في عـام أربعٍ مضـت في شهر شعبان لخمس انقضت
يـوم الخميس سيـدي قـد ولدا قـيل بـل السابـع كان المولدا
وقـيل في عـام ثلاث فاعـقل آخـر يـوم مـن ربيـع الأول
يكنـى بعـبد الله وهـو السـبط لـم يك مثـلـه كـريـم قـط
نسـبه مـن أشـرف الأنسـاب حَسَـبُه مـن أكـرم الاحـساب
نـصّ علـيه بـالامـامة النبي فياله من فـضل مجـد عجـب
وبــعــده أبــوه وأخــوه ونـال ذاك بـعــده بـنـوه
خير الـورى في العـلم والزهاده والفضل والحلم وفي الـعبـادة
كـرمـه وجـوده قـد بـلـغا ما لم يحـط بـه مقـام الـبلغا
ولـذّة الـكـرام في الاطــعام ولـذّة اللـئـام فـي الطـعـام
فاق الورى في الجـود والسماحة والمجد والكـمال والفـصاحـه


ادب الطف ـ الجزء الخامس286


أولاده سـت وقـيـل عـشر وقيل تـسع فانقـدوه وادروا
منهم علي بـن الحسين الأكبر ثم علي بن الحسيـن الأصغر
فالأول ابن بنت كسرى الملك ولم يكن في ديـنه بالمشرك
والثاني من ليلى الفتاة فاعرف بنت أبي مـرّة أعنـي الثقفي
وجعفر والأمُ مـن قضاعـه كانت على مـا نقل الجماعه
سكيـنة أخـت لـعـبـد الله فاحفظ وفكر لا تكن كاللاهي
من الربـاب الـحرة الأبـيّة بنت امرئ القيس الفتى الكلبية
وفـاطم وأمـها فـي القـوم بنتٌ لطلـحة الشهير التـيمي
قيل ومـن اخـوتهم محـمد علي الاوسـط وهـو الاسعد
وذاك زيـن العابـدين الاشهر وزينـب بنت الحسـين تذكر
وقتلـه بـكربـلاء اشـتهرا مضـى شهيداً وبها قـد قبرا
أمـر يـزيـد وعبـيـد الله ابن زيـاد الخبـيث اللاهـي
قاتـله سـنان وابـن سـعد تعـوضوا بنحـسهم عن سعد
احدى وستون بها حـلّ البلا بقـتلـه مع شـهداء كربـلا
في عاشر المحرم المـنحوس في يوم سبتٍ ما خلا من بؤس
أو يوم الاثنين وقيل الجمـعة حـلّ البلا بـه بتـلك البقعة
وعمره سبع وخمـسون سنه وبعدها مضى وحـلّ مـدفنه
عشر سنين اخـتص بالامامه بعد أخـيه إذ مـضى أمـامه
صلى علـيه الله ثـم سلـّما وزاده مـن فضله وكـرّمـا
والـنص فيه جـاء بالامامه كما أتى لـمن مضى أمامـه
مـن ربـه وجـده والـوالد ومن أخيـه ويـل كل جاحد
ومعـجزاته نصـوص منها سبح الحصاة قـد رووه عنها
ذلّت له الاسد وكـم قد أخبرا بما يكون فـجرى ما قد جرى


ادب الطف ـ الجزء الخامس287


وفي اجـابـة الـدعاء مـنه غـرائب قد نقلوهـا عـنه
وما جري في قتله من عجب من البراهين ففكر واعجـب
وعند نبش قبره كـم ظـهرا من معجز لـه عجـيب بَهَرا
أحيا له الإلـه مـيتاً إذ دعـا في خبرٍ صحّ وعاه مَن وعى
ورأسه إذ سـار يتلو الكهـفا مـن فوق رمـح أسفاً ولهفا
حدث شخصاً ذا شباب وصبا فابيض شعـره وصار أشيبا
أرى الـورى أبـاه بعد موته مخاطـباً لهـم عقـيب فوته
وابيض شعر امـرأة وشابت فذهبت محـاسـن وغـابت
ثم دعا فـرجع الشـباب من بعد اليها فتعـجـّب واستبن
دعـا لنـخل يابـس فاخضرا واكل الأصحاب مـنه تـمرا
وكم وكـم من معـجز رووه والـحاضـرون كلهـم رأوه

فتشرفت والحمد لله بالزيارة ولاح لي من جنابه الشريف اشارة فاني قصدته لحال ، وما كل ما يعلم يقال وقرت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر بن مولانا الحسين الشهيد الأكبر وزيارة سيدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأما ضريح سيدي الحسين فبه جملة قناديل من الورق المرصع والعين ما يبهت العين ومن أنواع الجواهر الثمينة ما يساوي خراج مدينة ، وأغلب ذلك من ملوك العجم وعلى رأسه الشريف قنديل من الذهب الاحمر يبلغ وزنه منين بل أكثر وقد عقدت عليه قبة رفيعة السماك متصلة بالأفلاك وبناؤها عجيب ، صنعة حكيم لبيب .
وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين بلدة من كل المكاره جنة كأنها من رياض الجنة ، نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات وأقمارها مبدرة ، وأنوارها مسفرة ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغرف من الجنان مصنوعة فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة وفواكهها

السابق السابق الفهرس التالي التالي