أدب الطف ـ الجزء الخامس 180


السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني



جاء في كتاب (أعلام العرب) ج 3 ص 129 :
صدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي ابن نظام الدين أحمد بن محمد ابن معصوم بن نظام الدين أحمد بن ابراهيم بن سلام بن مسعود عماد الدين بن محمد صدر الدين بن منصور غياث الدين بن محمد صدر الدين وينتهي نسبه الشريف إلى زيد ابن الإمام علي بن الحسين بستٍ وعشرين واسطة .. وكانت أسرته من أشهر الأسر العلمية الجليلة في آفاق الحجاز والعراق وإيران ، وظهر فيها العدد الأكبر من أفذاذ المعرفة والفلسفة وأعلام العلم وقادة الكفر ومشاهير الفضل والأدب .
ولد السيد علي خان في المدينة سنة 1052 هـ واشتغل بالعلم فيها ثم جاور بمكة ثم رحل إلى حيدر آباد الهند سنة 1068 هـ وأقام بالهند ثماني وأربعين سنة قضاها جميعاً مكرماً معظماً عند أهلها وملوكها وقد ولي هناك عدة مناصب . ثم غادر الهند فتوجه لزيارة بيت الله الحرام مؤدياً فريضة الحج ، وورد بعد ذلك إيران فزار مشهد الإمام الرضا (ع) ، وأقام باصفهان مدة في عهد السلطان حسين الصفوي سنة 1117 هـ ثم ترك اصفهان إلى شيراز وفيها ألقى عصا الترحال .
والسيد علي خان من أشهر رجالات البحث والعلم والتأليف وكان لمؤلفاته الغزيرة شهرة ذائعة ، ومكانة رائعة ، وتدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه وإحاطته ، مواصلة البحث طوال حياته بالاضافة إلى قوة شاعريته وبُعد شأوه فيها .
روى عن والده وغيره من أعلام عصره كما روى عنه جملة من العلماء

ادب الطف ـ الجزء الخامس181


ومنهم المجلسي صاحب بحار الأنوار . وتوفي بشيراز سنة 11220 هـ ودفن عند جده غياث الدين المنصور صاحب المدرسة المنصورية المتوفي سنة 948 هـ وله مؤلفات كثيرة منها :
1 ـ سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر : ويشتمل هذا المؤلف على تراجم شعراء القرن الحادي عشر ، وهو ذيل لريحانة الالباء لشهاب الدين الخفاجي انتهى من تأليفه سنة 1082 هـ وجمع فيه أخبار المعاصرين ونخباً من أقوالهم وممن تقدمهم وقسمه إلى خمسة أقسام ، وهومجموعة أدبية قيمة ، طبعت في مصر بمطبعة الخانجي سنة 1324 هـ في 607 ص .
2 ـ سلوة الغريب واسرة الأريب وهي رحلته إلى حيدر آباد سنة 1068 هـ فرغ منها في جمادى الثانية سنة 1075 هـ منها نسخة في برلين وكربلاء في كتب السيد محمد باقر الحجة كتبت سنة 1204 هـ وأخرى في طهران عند السيد محمد باقر بحر العلوم وطبعت سنة 1306 هـ .
3 ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة منه نسخة في برلين ومنه نسخة في النجف في مكتبة آية كاشف الغطاء بخط علي الشيرازي الحائري فرغ من كتابتبها سنة 1326 هـ في كربلاء . والكتاب جامع كبير في التاريخ والتراجم والآداب وغيرها وهو مرتب على اثنتي عشر طبقة : الصحابة . والتابعين . والمحدثين . وعلماء الدين . والحكماء . والمتكلمين . وعلماء العربية والصفوية . والملوك والسلاطين . والأمراء . والوزراء . والشعراء . والنساء .
وقد طبع الكتاب في النجف ـ المطبعة الحيدرية سنة 1382 هـ 1962 م في 590 ص ويحتوي المطبوع على الطبقة الأولى والرابعة والحادية عشرة .
4 ـ بديعية : وهو كتاب حافل بغرائب الأدب شرع فيه بديعيته وسماها «أنوار الربيع في أنوار البديع» فرغ من الشرح سنة 1093 هـ وطبع في إيران سنة 1304 هـ(1)

(1) وأخيراً طبع في النجف بتحقيق البحاثة المعاصر هادي شاكر ، يقع في سبعة أجزاء .
ادب الطف ـ الجزء الخامس182


5 ـ حديقة العلم : طبع في حيدر آباد الدكن سنة 1266 هـ .
6 ـ الطراز الأول فيما عليه من لغة العرب المعول : وهو من الكتب اللغوية النفيسة ، وفيه نبذ تأريخية وعلمية وغيرها ، جاء في المجلد الأول «ان أبلغ ما نطقت به البلغاء بادئ بدأ ، وأفصح ما بدأت الفصحاء به الكلام أبداً حمد الله الذي أنطق العرب بأعرب لسان وشرف منهم النسب بأشرف إنسان وأحل العربية من اللغات محلالغرّة من الجبين .. وجاء في مقدمته :
«ولغة العرب نوعان ، احدهما عربية حمير ، وهي التي تكلموا بها منها من عهد هود ومن قبله وبقي بعضها إلى اليوم . وثانيهما العربية المحضة التي نزل بها القرآن ، وأول من أنطق لسانه بها اسماعيل بن ابراهيم ، وهي أوسع اللغات مذهباً ، وأكثرها ألفاظا ..» .
ويبدو أنه كان مشتغلاً بتأليفه إلى يوم رحلته من الدنيا ولم يتمّه ، ومن هذا الكتاب نسخة نفيسة في مكتبة آل كاشف الغطاء المجلد الأول في 552 ص والثانية ـ أوله باب الجيم ـ فصل الهمزة يزيد على الأول قليلاً وكلاهما بخط مؤسس المكتبة الشيخ علي بن محمد رضا آل كاشف الغطاء ، فرغ من كتابة الأول في رجب 1322 هـ ومن كتابة الثاني في ربيع الآخر سنة 1330 بالقطع الكبير ، والثالث وهو بخط مؤلفه الجيد بالقطع الكبير ، وكان قبلاً في حيازة الشيخ محمد السماوي .
7 ـ الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية ، والفوائد الصمدية للشيخ البهائي الحارثي في النحو ، وهو شرحه الكبير لها وله شرحان آخران متوسط وصغير . طبع كتاب الحدائق سنة 1297 هـ ومنه نسخ كثيرة وتوجد نسخة عصر المصنف في إيران ، وكان فراغه منه سنة 1079 هـ .
8 ـ نغمة الأغاني ورنة المثاني ، أرجوزة ذكرت برمتها في كشكول الشيخ يوسف البحراني المطبوع المتداول ، ومنها نسخة بخط السماوي في

ادب الطف ـ الجزء الخامس183


مكتبة الحكيم في النجف ـ قسم المخطوطات برقم 29 .
9 ـ أغلاط الفيروز آبادي في القاموس ، نقل عنه السيد مرتضى الزبيدي في تاج العروس .
10 ـ ملحق السلافة أو ذيل السلافة وهو تراجم كثيرة ألحقها بالسلافة وكانت من مراجع السيد الأمين في أعيان الشيعة . منها نسخة في «قم» عند السيد شهاب الدين التبريزي .
11 ـ ديوان شعره ، وتوجد منه نسخ كثيرة في مكتبات النجف وغيرها(1) .
12 ـ رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين ـ الإمام علي بن الحسين بن علي عليهما السلام ، واشتهرت هذه الصحيفة باسم «الصحيفة السجادية الكاملة» وكان شروع السيد المدني في الشرح سنة 1094 هـ وفرغ منه في 1116 هـ . ورتبه على أربع وخمسين روضة ، لكل دعاء روضة ، ويعتبر هذا الشرح أطول الشروح ، وأوله : «اللهم إنا نحمدك حمداً تؤتينا به من نعمك الحسان نعمة شاملة» ألّفه للسلطان حسين الصفوي ، ومن هذا الشرح نسخ كثيرة منه في مكتبة السيد الحسن الصدر نسخة نفيسة علىحواشيها خط المؤلف ، وطبع الشرح في العجم سنة 1271 هـ .
وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في (الذريعة) عندما ذكر ديوانه المخطوط في قسم الديوان وفي الضمن ذكر أخاه السيد محمد محيى ابن السيد نظام الدين أحمد ، وان من شعره قوله :
يا راحلين وقلبي راحل معهم مهلاً فلولاكم والله ما رحلا

وان للسيد علي خان مع أخيه هذا مراجعات سنة 1078 .

(1) أقول : لم نعثر على نسخة تامة وكل ما رأيناه هو بعض الديوان .
ادب الطف ـ الجزء الخامس184


ومن غرر شعر شاعرنا المدني قوله يمدح أمير المؤمنين عليه السلام لما ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بيت الله : اخذناها من ديوانه المخطوط :
يا صاح ! هذا المشهد الأقدسُ قرّت بـه الأعيـن والأنفـسُ
والنجف الأشـرف بانت لـنا أعلامـه والمـعهـد الانـفسُ
والقـبة البيضاء قد أشـرقت ينجاب عـن لألائـها الحندس
حضـرة قدسٍ لم ينل فضلها لا المسجد الأقصى ولا المقدس
حلّـت بمن حلّ بـها رتـبة يقصـر عنها الـفلك الأطلس
تود لو كـانت حصا أرضها شهـب الدجى والكنّس الخنس
وتحـسد الأقـدام مـنّا على السعي إلـى أعتابـها الأرؤس
فقف بها والثم ثـرى تـربها فهـي المقام الأطهـر الأقدس
وقل : صـلاةٌ وسـلامٌ على من طاب منه الأصل والمغرس
خليفـة الله العـظيـم الـذي من ضوئه نـور الهدى يقتبس
نفس النبي المصطـفى أحمد وصـنـوه والـسـيد الأرؤس
المعـلم العـيلم بـحر الـنّدا وبــرّه والـعالـم النـقـرس(1)
فليـلنا مـن نـوره مقـمر ويـومنا مـن ضوءه مشـمس
أقـسـم بـالله وآيـاتــه أليّـة تـنجـي ولا تـغـمس
إن عـليّ بـن أبي طـالب مـنـار ديـن الله لا يطـمس
ومـن حباه الله أبنـاء مـا فـي كتـبه فهـو لها فهرس
أحاط بالعـلم الذي لم يحـط بمثلـه بـليـا ولا هـرمـس(2)


(1) النقرس : الطبيب الماهر .
(2) الهرامسة ثلاثة : هرمس الأول وهو عند العرب ادريس . وعند العبرانيين اخنوخ وهو أول من درس الكتب ونظر في العلوم وانزل الله عليه صحائف . هرمس الثاني : كان بعد الطوفان وهو بارع في علم الطب والفلسفة . هرمس الثالث : سكن مصر وكان بعد الطوفان مشهور بالطب والفلسفة .
ادب الطف ـ الجزء الخامس185


لولاه لـم تخـلق سـماء ولا أرض ولا نعمى ولا ابـؤس
ولا عـفى الرحمن عـن آدم ولا نجا مـن حوتـه يونس
هذا أمـير المـؤمنين الـذي شـرايـع الله بـه تحـرس
وحجـّة الله الـتي نـورهـا كالصـبح لا يخفى ولا يبلس
تالله لا يـجـحدهـا جاحـد إلا امـرء في غيـّه مركس
المعلن الحـق بـلا خـشـية حيث خطـيب القوم لا ينبس
والمقحم الخيل وطيس الوغى وإذا تناهى البـطل الأحرس
جلبابه يـوم الفـخار التـقى لا الطيلسان الخـزّ والبرنس
يرفـل من تـقواه فـي حلّة يحسدهـا الديبـاج والسندس
يا خيـرة الله الـذي خـيره يشـكره الناطـق والأخرس
عبـدك قد أمـّك مستوحشاً مـن ذنبه للعفـو ويستأنس
يطوي إليك البحر والبـر لا يـوحشه شيء ولا يـونس
طـوراً على فلك به سابـح وتـارة تسـري به عرمس(1)
فـي كل هيماء يـرى شوكها كأنه الريحـان والنـرجس
حتـى أتى بـابك مستـبشراً ومـن أتى بابك لا ييـأس
أدعوك يا مولى الورى موقناً انّ دعـائي عنك لا يحبس
فنجـني من خطب دهرٍ غـدا للجسـم منّي أبـداً ينـهس
هـذا ولـولا أملي فـيك لـم يقرّ بي مثوى ولا مجـلس
صـلّى عليك الله مـن سيـد مولاه في الدارين لا يوكس
ما غرّدت ورقاء في روضـة وما زهت أغصانها المـيّس


(1) العرمس : الناقة الصلبة .
ادب الطف ـ الجزء الخامس186


وقال في كتابه (أنوار الربيع في أنواع البديع) : طبعة النجف ج 1 ص 64 . ومن براعاتي في الرثاء قولي في مرثية الحسين بن علي عليهما السلام .
كل نجـم سيعتريه أفولُ وقصارى سفر البقاء القفول
لا حق إثر سابق والليالي بالمقاديـر راحـلات نزول

وقال أيضاً : وقولي من قصيدة مرثية في الحسين بن علي عليهما السلام :
يا مصاباً قدجرّع القلب صابا كل صبر إلا عليك جميل
ان الديوان المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف ـ قسم المخطوطات ـ والذي هو بخط البحاثة الشيخ محمد السماوي رحمه الله قد جمع الكثير من شعر السيد علي خان وجاء مرتباً على حسب حروف الهجاء لكن هاتين القصيدتين لم نعثر عليهما لا في الديوان ولا في غيره بالرغم من مواصلة البحث ، وتوجد نسخة تحتوي على قسم من شعره في الغزل والفخر والمديح والمراسلات في مكتبة كاشف الغطاء العامة بالنجف الأشرف ـ قسم المخطوطات ـ تسلسل 930 .
وهذه احدى روائعه وهي في روضة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم :
يا عين هذا المصـطفى أحـمدُ خير الورى والسـيد الأمجدُ
وهـذه القـبة قـد أشـرقـت دون عـلاها الشمس والفرقد
وهـذه الـروضة قد أزهـرت فيها المنى والسئول والمقصد
وهـذه طـيبة فـاحـت لـنا أرجـاؤها والسـفح والفرقد
وعينها الـزرقاء راقـت فـلم يحلّـها الاثـمـد والـمرود
فـما لاحـزانـي لا تنـجلـي ومـا لنـيرانـي لا تخـمد
هذا المصـلّى والبقـيع الـذي طاب بـه المنـهل والمورد
أرض زكـت فخراً وفاقت علىً فالأنجم الـزهر لـها حُـسّد


ادب الطف ـ الجزء الخامس187


حصباؤها الـدر وأحجارها وتـربها الجـوهر والعـسجد
تمنّت الأقـمار والشهبُ لو كانـت نـواصيها بـها تعقد
فـما على من كحلـت عينه بـتربها لـو عـافها الاثـمد
بها مزايا الفضل قد جمعت وفـضلها في وصفـه مفـرد
يغـبطها البـيت وأركـانه وزمـزم والحـجر والمـسجد
مشهد سعـدٍ فـضله باهـرٌ مـلائـك الله بـه سـجـّـد
وكيف لا وهـو مـقام لمن لـه عـلى هـام العلا مقـعد
وموطن الصفوة مـن هاشم يا حـبذا المـوطن والمـشهد
خير قريش نسباً في الورى زكا بـه العنـصر والمحـتد
وخـيرة الله الذي قـد علا بـه العلى والمجـد والسودد
غرّتـه تجلو ظـلام الدجى وهو الاعـزّ الاشرف الاسعد
الفاتـح الخاتم بـحر الندى وبـرّه والمـنهج الاقـصـد
فـضّلـه الله على رسلـه وسائـر الرسل بـه تشهـد
آيـاته كالشمس في نـورها أبـصرهـا الاكمـه والأرمد
حنّ اليه الجـذع مـن فرقه وفـي يـديـه سبّح الجـلمد
والـماء مـن بين أصابيعه فاض إلـى أن رُوي الـورّد
والقـمر انشـق لـه طائعاً وراح بالطـاعـة يستسعـد
والشمس عـادت بعد ليل له وعـودها طـوعاً لـه أحمد
وكم له مـن آية في الورى دان لـها الأبيض والأسـود
حـديثها مـا كان بالمفترى والصبح لا يخـفى ولا يجحد
فيا رسـول الله يـا خر مَن يقـصده المتهــم والمنجـد
سمعاً فدتك النفس من سامع دعـوة داعٍ قـلـبـه مكـمد
دعاك والـوجد بـه محـدق لعـل رحـماك لـه تـنجـد


ادب الطف ـ الجزء الخامس188


طال بي الاسـر وطال الاسى ومـا على ذلك لي مسـعد
قدنـفـذ الصبر لمـا نالنـي وكيـف لا يفـنى ولا ينفد
فالغـارة الغـارة يا سيـدي فـانك الملـجأ والمقـصد
حبك ذخـري يـوم لا والـد يغـني ولا والـدة تـسعد
وأنت في الدارين لـي موئل إذا جفـى الأقرب والأبعد
فاكشف بـلائي سيدي عاجلاً عـلّ حرارات الاسى تبرد
وأدنـني منك جـواراً فقـد ضاق بي المضجع والمرقد
وبـوّأنـي طيـبةً مـوطـناً فـانهـا لي سـابق مولـد
وهي لعمري مقصدي والمنى لا الا بلق الفـرد ولا الاثمد
ثـم سـلام الله سـبحـانـه عليك صـب دائم سـرمـد
وآلك الغـر الكـرام الاولـى لهم احاديـث الـعلى تسنـد
ما غـردت في الروض ايكية وما زكت أغصانهـا الميـّد
ومـا غــدا ينـشدنا منـشد يا عين هذا المصطفى أحمد

وله في أبي طالب عمّ النبي ، ومؤمن قريش . عن ديوانه المخطوط في مكتبة المدرسة ا لشبرية بالنجف الأشرف :
أبـو طالب عـم النـبي محـمد بـه قام أزر الـدين واشـتد كاهـله
كفـاه فخاراً في المـناقب انـه مــوازره دون الانـام وكـافـلـه
لئـن جهلت قـوم عظيـم مقامه فما ضرّ ضوء الصبح من هو جاهله
فلـولاه ماقامت لاحمـد دعـوة ولا انجاب ليل الغـيّ وانزاح باطـله
أقـرّ بـدين الله سـراً لحـكمةٍ فقـال عـدوّ الحق مـا هـو قائـله
وماذا عليه وهو في الدين هضبةٌ اذا عصـفت مـن ذي العناد أباطـله
وكيـف يحلّ الـذم ساحة ماجد أواخــره مـحـمـودة وأوائـلـه
عـليه سلام الله مـا ذرّ شـارق ومـا تليـت أحـسـابـه وفضائلـه


ادب الطف ـ الجزء الخامس189


وقال واصفاً حاله في خروجه من الهند وسفره إلى الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
اذا ما امـتطيت الفلك مقتحم الـبحر ووليت ظهري الهند منشرح الصدر
فما لملـيك الهنـد إن ضاق صدره عليّ يـدٌ تقضـي بنهي ولا أمـر
ألم يصغ للأعـداء سمعاً وقد غدت عقاربهـم نحـوي بكيـدهم تسري
فأوتر قوس الظلم لي وهـو ساخط وسدّد لي سهم التغـطرس والكـبر
وسدّ عليّ الطـرق مـن كل جانب وهـمّ بما ضاقت به ساحـة الصبر
إلـى أن أراد الله إنــفـاذ أمـره على الرغم منه في مشيـئته أمـري
فردّ عـليه سهـمـه نحـو نحـره وقلّد بالنـعماء مـن فضله نحـري
واركبني فلك النـجاة فـاصـبحت على ثبـج الـدامآء سابحة تجـري
فـامسيت مـن تلك المخاوف آمـناً وعادت امـوري بعد عسر إلى يسر
وكم كاشـح قد راش لي سهم كـيده هناك فاضـحى لا يريش ولا يبري
وما زال صنع الله مـا زال واثـقاً به عبـده ينجيه من حـيث لا يدري
كأني بفـلكي حيـن مـدت جـناحها وطارت مـطار النسر حلّق عن وكر
أسفت على المرسى بشـاطئ جـدّة فجـددت الافـراح لي طلعة الــبر
وهـبّ نسيم الـقرب من نحـو مكّةٍ ولاح سـنا الـبيت المحرّم والحـجر
وسارت ركابي لا تملّ مـن السرى غلى مـوطن التقـوى ومنـتجع البر
إلى الكعبة البـيت الحـرام الذي علا على كل عالِ مـن بناء ومـن قصر
فطـفت به سبـعاً وقبّـلت ركنـه واقبلت نحـو الحجر آوي إلـى حجر
ولو ساغ لي من مـاء زمزم شـربة نقعت بها بـعد الصدى غلـة الصدر
هـنالك الفيـت المسـرة والهــنا وفـزت بمـا أملت في سـالف الدهر
وقمت بفرض الحج طوعاً لمن قضى علـى الناس حـج البيت مغـتنم الاجر


ادب الطف ـ الجزء الخامس190


وسـرت إلـى تلك المشاعر راجـياً مـن الله غفـران المآثم والـوزر
وجئت منى والقلـب قد فـاز بالمنى وما راعني بالخيف خوف من النفر
وبـاكـرتُ رمـياً للجـمار وإنـّما رميت بـها قلب التـباعد بالجـمر
أقمـنا ثلاثاً ليـتها الـدهـر كـلـه إلى أن نفرنا مـن منى رابع العشر
فأبـتُ إلى البـيت العتـيق مـودعاً له ناوياً عـودي الـيه مـدى العمر
ووجهت وجـه ينحو طيبة قاصـداً إلى خـير مقصود مـن البر والبحر
إلى السـيد البر الـذي فاض بـره فوافيت مـن بحر اسـير إلى بـر
إلى خـيرة الله الذي شهـد الـورى له أنه الـمختار مـن عالـم الـذر
فـقبلت مـن مثـواه أعتـابه التـي أنافـت على هـام السماك بل النسر
وعفـّرتُ وجهي في ثـراه لوجـهه وطاب لـي التعفير اذ جئت عن عفر
فقـلت لقلبـي قد برئت مـن الهوى وقلت لنفـسي قـد نجوت من العسر
وقلت لعيـني شاهدي نـور حضرة اضائت بـها الأنوار في عالما الأمر
اتدرين مـا هذا الـمقام الـذي سما على قمـم الافلاك أم أنت لـم تـدر
مقام النبي المصطفى خـر من وفى محمد المـحمود في مـنزل الـذكـر
رسول الهدى بحر الندى منبع الجدى مبيد العدى مروي الصدا كاشف الضر
هو المجـتبى المختار مـن آل هاشم فـيالك مـن فـرع زكي ومن نـجر
به حـازت العلـيا لوي بـن غالب وفاز بـه سهـما كـنانـة والنـضر
قضى الله ان لا يجمـع الفضل غيره فكـان الـيه منتـهى الفـضل والفخر
وأرسـه الرحـمن للخـلق رحـمة فانقـذهـم بالنـور من ظلمـة الكـفر
وأودعـه الـعـلام أسـرار علـمه فـكـان علـيها نعـم مستودع الـسر
واسـرى بـه في لـيلة لسـمائـه فعاد وجيـب الليل مـا انشق عن فجر
وأوحى الـيه الذكر بـالحق ناطـقاً بما قد جرى فــي علمه وبما يـجري


ادب الطف ـ الجزء الخامس191


فانـزله في ليـلة الـقـدر جـملة بعـلم ومـا أدراك مـا ليلة الـقـدر
ولقّــنه أيـاه بـعـدُ منجـّـمـاً نجوماً تضيء الأفق كـالانجم الـزهر
مفـصّل آيـات حـوت كل حكمة ومحكم أحكـام تجـلّ عـن الحـصر
وأنهــضه بالسيف للحـيف ماحياً وأيـده بـالفـتـح مـنه وبـالنـصر
فضائت بـه شمس الهداية وانجلت عـن الدين والـدنيا دجى الغي في بدر
له خلق لـو لامس الصخر لاغتدى أرق من الخـنساء تبكي علـى صخر
وجودٌ لـو أن البحر اعطي مـعينه جـرى ماؤه عـذباً بـمد بـلا جـزر
إذا عبس الـدهر الضـنين لبـائس تـلقاه مـنـه بالطـلاقـة والبــشر
وان ضنّ بـالغيث السحاب تهلهلت سـحائـب عشر مـن أنامـله العـشر
ففاضـت على العافين كـفّ نواله فكم كفّ من عـسر وكم فـك من اسر
وكـم للـنبي الهاشـمي عـوارفٌ يضـيق نطاق الحـمد عنـهن بالشـكر
اليك رسـول الله أصـبحت خائضاً بحـاراً يفيض الصبـر في لجـها الغمر
على ما بـراني من ضناً صحّ برؤه وليس سـوى رحمـاك من رائـد بري
فانعم سـريعاً بـالشفـاء لمـسقـم تقلـّبه الاسـقـام بطـنـاً إلـى ظـهر
وخـذ بنـجاتي يـا فديتك عاجـلاً مـن الضر والبلوى ومـن خطر البـحر
عليك صلاة الله ما اخـضرت الربا وماست غصون الروض في حلل خضر
وآلك أربـاب الطــهارة والنقـى وصـحبك أصـحاب النـزاهة والطـهر

وهذا لون من غزله ، أخذناه من ديوانه المخطوط :
بنفسي من قد جاز لون الدجى فرعا ولـم يكفـه حـتى تقمـصه درعـا
بدي فـكأن الـبدر فـي جنـح ليلة أو الشمس وافت في ظلام الدجى تسعى
نمته لنـا عشـر المـحرم جـهرة تطـارح أتـرباً تـكنفـه سـبـعـا


ادب الطف ـ الجزء الخامس192


تبـدى على رزء الحسين مسوّدا ومـا زال يـولي في الهوى كربلا منعا
وقد سلّ من جفنيه عضبا مهنداً كـان له فـي كـل جـاريـة وقـعـا
هناك رأيت الموت تندى صفاحه وناعي الهوى ينعى وأهل الهوى صرعى

أقول : وهذه الأبيات من السيد جواب على أبيات جاءت من عفيف الدين بن عبد الله بن حسين الثقفي المتوفى بشيراز سنة تسع عشرة ومائة وألف وهي :
بروحي مجبـولاً عـلى الحب طبعه وقلبي مـجـبول علـى حـبّه طـبـعا
يراقبُ أيـام الـمحـرّم جـاهـداً فيطلع بـدراً والمـحب له لـه يرعـى
كلُـفت بـه أيـام دهري منصـف ووجه الصبا طلق وروض الهوى مرعى
جنينا ثمار الوصل من دوحة المنى ليـالـي لا واشٍ ولا كـاشح يسـعـى
فـلـله أيام تـقضت ولـم تـعـد يحق لـعـيني ان تـسحّ لهـا دمـعا(1)

أقول ومن هذا نعرف ان الحداد على الحسين عليه السلام ولبس السواد قديماً يرجع إلى القرون المتقدمة .

(1) عن نفحة الريحانة للمحبي ج 4 ص 141 .
ادب الطف ـ الجزء الخامس193


ابن خليفة المقري الكاظمي

المتوفى حدود 1120

أيفـرح بالحـياة شـجٍ حزين وتطمع بـالـرقاد له جـفونُ
تحـرك قلبه أيـدي الـرزايا وللحزن الطـويـل به سكون
يميناً بالـذي بـرء الـمـنايا وتلـك يـمـين برٍّ لا يمـين
إذا ما هـلّ عاشـور استهلت عيون مـن دم منـي العـيون
لك الويلات من شهر مشـوم وان طالـت بمدتـها السـنين
أيمسي فيك مغصوباً حـسين وقد أودى بـه الـداء الـدفين
وأسرته الأكارم مـن طريح ذبيح منه قـد قطـع الـوتين
بنفسي وهو خـلوٌ من مُعين عليـه حـرّم المـاء المعـين
بنفسي صحبة الاطهار دارت عليـهم للمنـون رحىً طحون
بأشفار الضبى هـذا جـريح وأطـراف الـقنا هذا طعـين
بنفسي السبط مجروحاً ومنه بحرّ الترب قـد عفر الجـبين
ومنه الخيل تعلو فـوق صدر يهزّ سريـره الـروح الامـين
وزينـب حـوله ولهـا عليه عيون قـد جرت منها عيون(1)


(1) المجموع الرائق مخطوط السيد أحمد العطار ج 2 ص 289 .
ادب الطف ـ الجزء الخامس194


هو عبد الرضا بن أحمد بن خليفة أبو الحسن المقري الكاظمي من أفذاذ القرن الثاني عشر وعلمائه وأفاضله الجامعين لفضيلتي العلم والأدب ترجمه سيدنا أبو محمد الحسن في (تكملة الامل) وأطراه بالعلم والفضل ، وقال : توفي حدود سنة ألف وماية وعشرين ، وعزى إليه ديوانه المرتب علىالحروف في مدح الأئمة عليهم السلام ، قال الاميني وقد وقفنا عليه ونقلنا عنه ما أثبتناه وهو يربو على الثلاثة آلاف والخمسمائة بيتاً(1) . أقول قد وقفت على ديوانه الموجود في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف ـ قسم المخطوطات برقم 278 وأكثره في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومدح أمير المؤمنين علي عليه السلام وقصائد كثيرة في الامام الحسين والأئمة الاثني عشر مرتباً على الحروف بخط المرحوم الشيخ محمد السماوي وكل ما نقلناه فهو عنه .
اما السيد الامين في الاعيان فقد ترجم له في مكانين من موسوعته (الاعيان) الأول في الجزء 30 وأسماه خلف بن خليفة المقري وقال : وجدنا له قصيدة في بعض المجاميع العراقية التي فيها شعر لجملة من شعراء الشيعة ولم يذكر اسمه غير انه في آخرها ذكر نفسه وأباه ونسبته . انتهى أقول انه لم يذكر اسمه وإنما أراد أنه خلف عمن سلف فتخيّل السيد ان اسمه (خلفاً) والقصيدة التي ذكرها السيد في الاعيان أولها :
لمصاب الحسين لا تعذلوني وعلى رزئه الجليل اعذروني

وفي آخرها يخاطب أهل البيت عليهم السلام :
أنتم أنتم دليلي دليلي أنتم أنتم أصول لديني


(1) الغدير ج 11 ص 361 .


السابق السابق الفهرس التالي التالي