أدب الطف ـ الجزء الثالث 261


أبو طالب الجعفري

قال ابو طالب محمد بن عبدالله الجعفري من شعراء القرن الثالث:
لي نفس تحـب في الله ـ والله ـ حسينا ولا تحب يزيداً
يا بن اكالة الكبود لقد أنضجت من لا بسي الكثيب الكبودا
أي هـول ركـبت عـذبك الرحمن في ناره عذاباً شديداً
لهــف نفسي على يزيد واشياع يزيد ضلوا ضلالاً بعيداً
يـا أبـا عــبدالله يا بن رسول الله يا أكرم البرية عودا
ليتنـي كـنت يوم كنت فأمسي فيك في كربلا قتيلا شهيداً

(1) عن الحدائق الوردية في مناقب ائمة الزيدية للإمام حميد الشهيد ص 137 والكتاب مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة 713.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 262


محمد بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب عليه السلام كان هو وابوه وحده كل منهم شاعر كما في معجم شعراء الطالبية ، وفي معجم الشعراء للمرزباني. ابو طالب الجعفري شاعر مقل يسكن الكوفة. فلما جرى بين الطالبيين والعباسيين بالكوفة ما جرى وطلب الطالبيون قال ابو طالب: (1)
بني عمنـا لا تذممونـا سفاهة فينهض في عصيانكم من تأخرا
وان ترفعوا عنايد الظلم تجتنوا لـطاعتكـم منا نصيبا موفـرا
وان تركبـونـا بالمذلة تبعثوا ليوثاً ترى ورد المنيـة أعـذرا

وله:
قد ساسنا الاهل عسفا وسامنا الدهر خسفا
وصـار عـدل أناس جوراً علينا وحيفـا


(1) اقول وجاء في عمدة الطالب في انساب الى ابي طالب اسم محمد هذا وعمود نسبه وقال: له ولد اسمه محمد.
هذا ما رأيته في طبعه بمبى اما الطبعة الجديدة في النجف فتقول: له ولد اسمه الحسين.
(2) عن اعيان الشيعة ج 45 ص 286.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 263


والله لـولا انتظاري برأ لـدائي أشـفى
ورقبتـي وعد وقت تكون بـالنجح أوفى
لسقـت جيشاً اليـهم ألفـا وألـفا وألـفا
حتـى تـدور عليهم رحى البلية عـطفا

وجاء في معجم شعراء الطالبية ان اباه عبدالله ـ كان ببغداد ـ وقد امتنع من لبس السواد وخرقة لما طولب بلبسه ، فحبس بسر من رأى فمات في حبسه أيام المعتصم.
اقول ويظهر من ذلك انه من شعراء القرن الثالث

أدب الطف ـ الجزء الثالث 264


داعي الدعاة

لقد زرت مثوى الطهر في أرض كربلا فدت نفسي المقتول عطشان صاديا
ففى عـشر ما نـال الحسين ابـن فاطم لمثلي مـسلاة لئـن كـنت ساليـا

البيتان من قصيدة نذكر بعضها في الصفحة الآتية:

أدب الطف ـ الجزء الثالث 265


نسيـم الصبا ألمم بفـارس غـاديا وأبلغ سـلامي أهـل ودي الازاكيا
وقل كيف أنتـم بعد عهـدي فانني بليت بأهـوال تشـيب النـواصيا
سيبكي علي الفضل والعلم إن رمت بمثلي يـد الدهر العسوف المراميا
وعطـل مني مسجـد أسـه التقى لآل رسـول الله بي كـان حـاليا
أإخـواننا صـبراً جمـيلاً فـانني غدوت بهـذا في رضى الله راضيا
وفي آل طـه إن نـفيـت فـإنني لاعـدائـهم مـا زلت والله نـافيا
فما كنت بدعاً في الاولى فيهم نفوا ألافخر أن أغدو (لجندب)(1) ثانيا
لئـن مسنى بالنـفي قـرح فانني بلغت بـه في بعض هـمي الامانيا
فقد زرت في كوفان للـمجد قـبة هي الديـن والـدنيا بحـق كما هيا
هـي القـبة البيضاء قبـة حيـدر وصي الـذي قـد أرسل الله هـاديا
وصي النبي المصطفى وابـن عمه ومن قام مـولى في الغدير ووالـيا
ومـن قال قـوم فيه قولاً منـاسباً لقول النصارى في المسيح مضاهيا
فـوا حبذا التطواف حول ضريحه أصلي عـليه فـي خـشوع تـواليا
وواحـبذا تعـفير خـدي فـوقـه ويا طـيب إكبابـي عـليه مناجـيا
أناجـي وأشـكو ظـالمي بتـحرق يثير دمـوعاً فـوق خـدي جواريا

الشاعر هبة الله بن موسى السلماني نسبة الى سلمان الفارسي فمن المؤرخين

(1) يريد جندب بن جنادة ابا ذر الغفاري الصحابي الجليل الذي نفي الى الربدة وبقي فيها يعاني ألم الوحدة وكبر السن الى أن مات في منفاء.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 266


من يقول أن المؤيد في الدين هو من نسل سلمان من ذلك ما قاله صاحب عيون المعارف: هبةالله بن موسى من ولد سلمان الفارسي وجاء في شعر المؤيد قوله موضحاً أن رتبته هي رتبة سلمان وانه قائم بما قام به إذ يقول:
لو كنت عاصرت النبي محمداً ما كنت أقصر عن مدى سلمانه
ولقال أنت من أهل بيتي معلناً(1) قولاً يكشف عـن وضوح بيانه

كان مولده بشيراز ونشأ بها ، ويرجح شارح ديوانه أن يكون مولده سنة تسعين وثلثمائة من الهجرة ، يتضح من شعره انه مرت عليه أيام بؤس وشقاء قاسى فيها ألوان الذلة والمسكنة ، واضطر أن يسافر مراراً كما حدثنا بشعره انه كان مضطهداً اكثر ايام حياته بسبب مذهبه الذي كان يخالف مذهب أهل بلدته ، وتقرأ ذلك في قصيدته السابقة المنشورة في ديوانه المطبوع بالقاهرة:
قال صاحب عيون المعارف: وكان للمؤيد تصانيف جمة في الحجج والسير والاخبار ، وله أدعية ومناجات في الاوراد مشهورة.
وقال الاستاذ ايفانوف ما ترجمته: كان المؤيد مؤلفاً بارعاً ، كتب بالعربية والفارسية ولا تزال كتبه من أمهات كتب الاسماعيلية ، ثم سرد مؤلفات المؤيد. ومنها:
المجالس المؤيدية.
المجالس المستنصرية.

(1) يشير المؤيد الى الحديث النبوي ـ سلمان منا أهل البيت ـ ونظمه غيره فقال:
أيا سلـمان يا من حاز فخراً وعـم الناس إحساناً ومـنا
ونال بخـدمة المـختار طه وعتـرته الاكارم ما تمنى
لقد فقت الورى شرفاً وفخراً بقول المصطفى سلمان منا
أدب الطف ـ الجزء الثالث 267


ديوان المؤيد .
شرح المعاد.
الايضاح والتبصير في فضل يوم الغدير.
الابتداء والانتهاء.
وللمؤيد آثار علمية وتراث ضخم ومجالس للمناظرة دلت على سعة اطلاعه على حقائق الدين ، من ذلك مناظراته مع أبي العلاء المعري في رسائله التي دارت بينهما حول أكل لحم الحيوان ، ومع علماء شيراز ، وحسبك ما كتبه الاستاذ محمد كامل حسين المصري استاذ كلية الآداب في مقدمة ديوان المؤيد.
وإنما سمي بالداعي لما كان يتحلى به من صفات العلم والتقوى والسياسة ونشر الدعوة وبث المعارف ، وعمل داعي الدعاة هو الاشراف على كل شيء يختص بالدعوة وعقد مجالسه بالقصر أو دار العلم .

أدب الطف ـ الجزء الثالث 268


ابو عبدالله الطوبي

ابو عبدالله محمد بن الحسن الطوبي ، من شعراء القرن الخامس ، قال في فص أسود غروي:
أنا غروي شديد السواد وقد كنت ابيض مثل اللجين
وما كنت أسـود لكنني صبغت سواداً لقتل الحسين

وقال في فص أحمر:
حمرتي من دم قلبي أين من يندب ، أينا؟
أنا من احجار ارض قتلـوا فيها الحسينا

قال العماد الأصفهاني:
وهو من قول الشاعر في فص أخضر:
لا تعجبوا من خضرتي فـإنها مـرارتي
تقطـرت لـمـا رأت ما صنعوا بسادتي


ذكرها العماد الاصفهاني في خريدة القصر. قسم شعراء صقلية ص 60 ـ 61.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 269


ابو عبدالله محمد بن الحسن بن الطوبي(1). قال العماد في الخريدة قسم شعراء صقلية: ذكر أنه كان صاحب ديوان الرسائل والإنشاء ومن ذوي الفضائل البلغاء ، طبيباً مترسلاً شاعراً ، وأورد من نظمه كل مليح الحوك صحيح السبك ، فمن ذلك قوله في الغزل:
يا قـاسي القـلب ألا رحـمة تنالني مـن قلبك القـاسي
جسمك من مـاء فمـالي أرى قلبك جلموداً على الـناس؟
أخـاف مـن لين ومـن نعمة عليك مـن تـرديد أنفاسي
سبحان من صاغك دون الورى بدراً على غصن من الآس

وقوله:
أي ورد يلوح من وجنتيه طار منـي الفؤاد شوقاً إليه
فإذا رمت اجتنيـه ثناني عنه وقع السيوف من مقلتيه

وقوله في العذار:
انظر الى (حسن) وحسن عذاره لترى محاسن تسحر الأبصارا
فاذا رأيـت عـذاره في خـده ابصـرت ذا ليلاً وذاك نهارا

وقوله في العذار ايضاً:
قام عذري بعذاريـ ـه فما أعظم كربي


(1) نسبة الى قصر الطوب وهو موضع بافريقية.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 270


قـلت لـما ان تبدى نبته سبحان ربي
احرقت فضة خديك لكي تحرق قلبي !

وقوله في غلام ناوله حصرماً:
اتعبت قلبي بالصدود ولست أياس من وصالك
فخذ الدليل فقد زجر ت لما أؤمـل من نوالك
ناولتني من حصرم فرجوت نقلك عن فعالك
إذ كان يحمض أولا وتـراه حـلواً بعد ذلك

وقوله:
يا سمـي وحبيبي نحن في أمر عجيب
اتفاق في الأسامى واختلاف في القلوب

وقوله:
قسم الحسن على الخلـ ـق ولـكن مـا أقـله
فهـو في الأمة تفصيـ ـل وفي وجهك جمله

وقوله:
بخـدك آس وتفـاحة وعـينك نرجسة ذابـله
وريقك من طببه قهوة فوجهك لي دعوة كامله


أدب الطف ـ الجزء الثالث 271


وقوله في ذم مغن:
ومغـن لـو تغـنى لك صـوتيـن لمـتا
سمـج الخلـقة غث ينـحت الآذان نحـتا
ويغـني مـا اشتهاه لا يغـني مـا اردتـا
كلما قال اقترح قلـ ـت اقتراحي لو سكتا

وقوله في مثله:
غنى كمن قد صاح في خابيه لا وهب الله له العافيه
ما أحـد يسمـعـه مــرة فيشتهي يسمعه ثانـية

وقوله في مثله:
ومغن قـد لقيـنا منـه كربـاً وبلاء
هو من برد غناء يجعل الصيف شتاء

وقوله في مثله:
يغني فنهوى انسداد الصماخ ونبصره فنحب العمى
دعـاه رجال الى عـرسهم فصير عرسهم مـأتما

وقوله في اعتزاله عن الناس:
يا لائمي في انتزاحى عن الورى وانقطاعي
لا أستـطيع على أن أكـون بين الافاعـي


أدب الطف ـ الجزء الثالث 272


وقوله في الخضاب:
يا خاضب الشيب دعه فليس يخفى المشيب
حـصلت منه على أن يقال شيـخ خضيب

وفي انباه الرواة للقفطي ج3 ص 107 ما يلي: محمد بن الحسن الطوبي الصقلي مقيم بصقلية يتولى الانشاء نحوي اربى في النحو على نفطويه. وفي الطب على [ابن] ماسويه. جامع للفضائل. عالم بالرسائل ، وكلامه في نهاية الفصاحة وشعره في غاية الملاحة. وله « مقامات » تزرى « بمقامات البديع » وإخوانيات كأنها زهر الربيع مع خط كالطرز المعلمة ، والبرود المئمنة. وكان الشعر طوع عنانه ، وخديم جنانه. ومدحه ابن القطاع الصقلي بقوله:
أيهـا الاستاذ في الـ ـطب وإعـراب الكلام
لك فـي النحو قياس لا يسـامـيه مـسـام
ثم فـي الطب علاج دافـع الــداء العـقام
أنت في النثر البديهـ ـي وفي النظم السلامي
فاضـل الآباء والنفـ ـس عـظامي عصامي

ومن شعر محمد بن الحسن قوله:
أخشى عليك الحسن يا من به أصبح كل الناس في كرب
ألا ترى يـوسف لما انتهـى في حسنة ألقي فـي الجب

وقال في صبي نصراني من نصارى الفرنج واسمه نسطاس:
اقول وقد مر نسطاس بي وقلبي فيه عذاب اليم


أدب الطف ـ الجزء الثالث 273


وقد ماس كالبان فوق الكثيب وأقبل يرنو بالحـاظ ريم
لئن كان في النـار هذا غداً فاني أحب دخول الجحيم

كان هذا الفاضل موجوداً في سنة خمسين واربعمائة بصقلية ، واظنه عاش بعد ذلك مدة ، انتهى.
وفي الخريدة في حاشية ص 56 قال: وأورد له السلفي البيتين الآتيين:
يا ولداً حل داخـل الكبد خالفت أمري فزدت في كمدي
والله يا قوم ما عققت أبي فليت شعري لم عقنـي ولدي


أدب الطف ـ الجزء الثالث 274


عبدالله بن ابي طالب الفتى

بلغ أميـر الـمؤمنيـن تـحيتـي واذكر له حبي وصدق توددي
وزر الحسيـن بكربلاء وقل لـه يا بن الوصي ويا سلالة أحمد
صاموك وانتهكوا حـريمك عنوة ورموك بـالامر الفظيع الانكد
ولو أنني شـاهدت نصـرك أولاً رويت منهم ذابـلي ومهنـدي
مني السلام عليك يا بن المصطفى أبـداً يروح مع الزمان ويغتدي(1)


(1) دمية القصر للباخرزي ص 385.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 275


قال الباخرزي في (دمية القصر) أنشدني ابنه الاديب سلمان له قال: وانما قاله على لسان الامير حسام الدولة فارس بن عنان وكان ينقش في فص خاتمه: أعد للبعث أبو طالب حب علي بن ابي طالب.
بــمحمـد وبـحـب آل مــحمـد علقت وسـائل فـارس بن محمد
يـا آل أحـمد يـا مـصابيح الدجى ومــنار منهاج السبيل الأقصـد
لكـم الحـطيم وزمـزم ولـكم منى وبـكـم الى سبل الهدايـة نهتدي
انـي بـكم مـتوسـل وبـحبـكـم متـمسـك لا تنثنـي عنـه يدي
وعــليكـم نـزل الكتـاب مفصلاً من ذي المعـارج بالمنير المرشد
إن ابن عنان بـكـم كبـت الـعدى وعــلا بحبكـم رقـاب الحسد
ولئـن تـأخـر جسـمـه لضرورة فالقلـب مـنـه مـخيم بالمشهد
يـا زائـراً أرض الغــرى مسدداً سلـم سلـمت على الامام السيد
وزر الحسيـن بـكربلاء وقـل لـه يا ابـن الوصي ويا سلالة أحمد
بــلـغ أمـيرالــمؤمنين تـحيتي واذكـر له حبي وصد ق توددي
صـامـوك وانتهكـوا حريمك عنوة ورمـوك بالأمـر الفظيع الأنكد
ولـو اننـي شـاهـدت نصرك أولا رويت منهـم ذابلـي ومـهندي
منـي السـلام عليك يا ابن المصطفى أبـداً يروح مـع الزمان ويغتدى
وعلى أبيـك وجـدك المـختار والثـ ـاوين منهـم فـي بـقيع الغرقد
وبأرض بـغـداد عـلى موسى وفي طـوس على ذاك الرضى المتفرد
وبسر مـن را فـالسـلام على الهدى وعلى التقى وعلى الندى والسؤدد
بـالعسكـريـين اعـتصامي من لظى وبقائم بالحق يـصدع فـي غـد
يـجلـو الـظلام بنوره ويـعيـدهـا علـويـة فـينـا بأمـر مرصد
اني سعـدت بـحبـكـم أبـداً ومـن يـحببكـــم يـا آل أحمد يسعد
مـستبصـراً والله عـون بــصيرتي مـا ذاك إلا مـن طهارة مولدي


أدب الطف ـ الجزء الثالث 276


وانشدني الشيخ ابو محمد الحمداني له: (1).
ما شك في فضل آل فاطمة إلا امـرء مـا لأمـة بـعل
نغل اذا الحـر طاب مولده وكيف يهوى ذوي الهدى نغل
خـدي لاقـدام آل فـاطمة إذا تخطوا على الثـرى نعل(2)


(1) الابيات في تلخيص مجمع الاداب الجزء الرابع ، القسم الثالث ص 47 ولما كان الباخرزي صاحب الدمية قد سمع من ابن الشاعر فهو والشاعر من عصر واحد فحق لنا ان نعده من شعراء القرن الخامس.
(2) الدمية ص 155.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 277


ابو الحسن الباخرزي

صنو الرسول وزوج فاطمة التي ملئـت ملاؤتها من العلياء
وابو الذين تجردوا ما بين مسمو م ومذبوح ـ عـن الحوباء
وأراك تنقص يا يزيد ، اذا علـت يوم القيـامة رنـة الزهراء
تغشى التظلم من مريق دم ابنهـا سحـابـة للخرقـة الحمراء
مـا بـال اولاد النبـي تـركتهم نـهبـاً لقتل شايـع وسبـاء
لو كنت ترعى جانب الأب لم تكن لتضيع الحرمـات في الابناء
ظمئوا ومـا أوردتهم ، ودماؤهـم عمت ظمـاء السمر بالارواء
وأخـس من سؤر الاناء عصابة حجروا على الظمآن سؤر إناء
بمجنحـات شـرد يسلـكـن من لهواتـهم طـرقـاً الى الاقفاء
والله امـلاهــم ليـزدادوا بـه إثماً فقل في حـكمـة الاملاء
خجلا لهـم من قوم صالح الاولى لـم يفتكـوا إلا بـذات رغاء
فتـعـاودتهـا رجفة جثمـت بها فـكأنـها لـم تغن في الاحياء

* * *
وأرى المسيحيين بعد مسيحهم ما قصروا في طاعة ووفاء


أدب الطف ـ الجزء الثالث 278


ظفروا بأرض حماره فاستبشروا فكـأنهــم ظفروا بنجم سماء
وقتـال سبـط الـهاشمي وقاحة لم تند قـط صفـاتـها بحياء
أرداه مـصـرع كـربلا فكأنها مشتقة مـن كــربــة وبلاء
لا عشت إن لم أرثـه بـقصائد يطوي الرواة بهن ذكر (الطائي)
مدحي لاصحاب النبـي ومذهبي للشـافعـي وكـلهــم شفعائي
واذا جزى الممدوح بالاموال شا عــره فـمغـفرة الآله جزائي(1)


(1) عن مخطوط الرائق الجزء الثاني ص 141 والقصيدة مطلعها
حتى م أنشر في الغرام لوائي وأعير بعض الغانيات ولائي
أدب الطف ـ الجزء الثالث 279


علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي
ترجم له في طبقات الشافعية ج 3 ص 298 فقال:
هو أبو الحسن الباخرزي الاديب ، مصنف دمية القصر ، وباخرز ناحية من نواحي نيسابور ، والدمية ذيل على يتيمة الثعالبي. تفقه على الشيخ أبي محمد الجويني ، ثم أخذ في الادب وتنقلت به الاحوال الى ان قتل بباخرز في ذي القعدة سنة سبع وستين واربعمائة. وقال ياقوت في معجم الادباء: كان واحد دهره في فنه وساحر زمانه في قريحته وذهنه ، صاحب الشعر البديع والمعنى الرفيع. وأثنى عليه. وورد الى بغداد مع الوزير الكندي. واقام بالبصرة برهة ثم شرع في الكتابة معه مدة ، واختلف الى ديوان الرسائل وتنقلت به الاحوال في المراتب والمنازل ، وله ديوان كبير فمن شعره:
يا فالق الصبـح فـي لألاء غرته وجاعل الليل من أصداغه سكنا
لاغرو إن أحرقت نار الهوى كبدي فالنار حق على من يعبـد الوثنا

وقال أيضاً:
عجبت من دمعتي وعيني من قبل بين وبعد بيـن
قد كان عيني بغير دمع فصار دمعي بغير عين


أدب الطف ـ الجزء الثالث 280


وقال أيضاً :
أصبحت عبداً لشمس ولست من عبد شمس
اني لأعشـق شيء وحق من شق خمسي

يريد اني لأعشق انسان.
اقول وذكر ياقوت له شعراً كثيراً في الجزء 13 ص 33.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 281


عبدالله البرقي

اذا جاء عاشورا تضاعف حسرتي لآل رسول الله وانـهل دمعتـي
بيـوم بـه اغبرت به الارض كلها شجـونا عليهم والسماء اقشعرت
مصائب ساءت كل من كان مسلما ولكـن عيــون الفاجرين أقرت
اذا ذكرت نـفسـي مصيبة كربلا وأشلاء سـادات بهـا قد تـفرت
أضـاقت فؤادي واستباحت تجلدي وزادت على كربي ، وعيشي أمرت
بنفسي خــدود في التراب تعفرت بنفسي جـسـوم بالعـراء تعرت
بنفسـي رؤس مشرقات على القنا الى الشام تهـدى بـارقات الاسرة (1)
بنفسي شفاه ذابــلات على الظما ولم ترو من مـاء الفـرات بقطرة
بنفسي عيـون غائرات شواخص الى الماء منها نظـرة بعـد نظرة
* * *
كأني ببنت المصطفى قد تعلقت يداها بساق العرش والدمع أذرت


(1) الاسرة: غصون الجبهة.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 282


وفي حجرها ثوب الحسين مضرجا وعنها جميع العالمين بحسرة
* * *
لأل رسول الله ودي خـالصـاً كما لمواليهم ولائي ونصرتي
وها أنا قـد أدركت حد بلاغتي أصلي عليهم في عشي وبكرة
وقول النبي: المرء مع من أحبه يقوي رجائي في إقالة عثرتي(1)


(1) عن مقتل الخوارزمي ج2 ص 137. والقصيدة طويلة انتخبنا منها هذه الابيات.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 283


ابو محمد عبدالله بن عمار البرقي:
قتل سنة 245 هـ وذلك أنه وشي به الى المتوكل العباسي وقرأت له قصيدته النونية الشهيرة التي قالها في أهل البيت عليهم السلام والتي اولها:
ليس الوقوف على الاطلال من شاني.
الى ان يقول:
فهـو الذي امتحـن الله القلوب به عما يجمـجن مـن كـفر وإيمان
وهو الذي قـد قضى الله العلـي له أن لا يكون لـه في فضلـه ثاني
وإن قومـاً رجـوا إبطال حـقكـم أمسوا من الله في سخط وعصيان
لـن يـدفـعوا حـقكـم إلا بدفعهم مـا أنـزل الله مـن آي وقرآن
فـقلـدوهـا لاهل البيت إنـهــم صنـو النبـي وانتم غير صنوان

فأمر المتوكل بقطع لسانه وإحراق ديوانه. ففعل به ذلك ، فمات بعد ايام.
ذكر الخوارزمي وابن شهراشوب وغيرهما ، وفي الطليعة: سماه في المعالم: علي بن محمد ، وكناه ابا عبدالله وليس به ، كما ذكره الخوارزمي في رسالته لاهل نيشابور والثعالبي والحموي كان شاعراً اديباً ظريفاً مدح بعض الامراء في زمن الرشيد الى أيام المتوكل ، وأكثر في مدح الائمة الاطهار حتى جمع له ديواناً أكثره فيهم وحرق.
حدث حماد بن اسحاق عن أبيه قال قلت في معنى عرض لي: (وصف الصد لمن أهوى فصد) ثم أجبلت فمكثت عدة أيام مفكراً في الاجازة فلم يتهياً لي شيء ، فدخل علي عبدالله بن عمار فاخبرته فقال مرتجلا (وبدا يمزح في الهجر فجد) انتهى عن الاعيان ج39 ص 24.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 284


مرت في الجزء الثاني ترجمة السري الرفاء الموصلي مقتضبة مختصرة وإتماماً للفائدة نضيف اليها ما يلي:
قال الثعالبي في اليتيمة ج2 ص 117:
السري وما ادراك من السري لله دره ما أعذب بحره وأصفى قطره وأعجب أمره وقد اخرجت من شعره ما يكتب على جبهة الدهر فكتبت منه محاسن كأنها أطواق الحمام.
ولما جد السري في خدمة الادب وانتقل عن تطريز الثياب الى تطريز الكتاب ، شعر بجودة شعره ونابذ الخالدين الموصليين وناصبهما العداوة وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره ، وجعل يورق وينسخ ديوان شعر أبي الفتح كشاجم ، وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد ، والسري في طريقة يذهب وعلى قالبه يضرب ، وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعرا لخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه ، وينفق سوقه ، ويغلي سمره ، ويشنع بذلك على الخالديين ، ويغض منهما ، ويظهر مصداق قوله في سرقتهما ، فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الاصول المشهورة منها ، وقد وجدتها كلها للخالديين بخط أحدهما وهو أبو عثمان سعيد بن هاشم في مجلدة أتحف بها الوراق المعروف بالطرسوسي ببغداد أبا نصر سهل بن المرزبان وأنفذها إلى نيسابور في جملة ما حصل عليه من طرائف الكتب باسمه ، ومنها وجدت الضالة المنشودة من شعر الخالدي المذكور وأخيه أبي بكر محمد بن هاشم ، ورأيت فيها أبياتاً كتبها أبوعثمان لنفسه ، وأخرى كتبها لأخيه ، وهي بأعيانها

أدب الطف ـ الجزء الثالث 285


للسري بخطه في المجلدة المذكورة لأبي نصر ، فمنها أبيات في وصف الثلج واستهداء النبيذ:
يا مـن أنامله كالعارض الساري وفـعلـه أبداً عـار من العار
أما تـرى الثلج قد خاطت أنامله ثوباً يزر عـلـى الدنيا بأزرار
نـار ولـكنهـا لـيست بمبديـة نوراً وماء ولكن ليس بالجاري
والـراح قد أعوزتنا في صبيحتنا بيعـاً ولـو وزن دينـار بدينار
فامنن بما شئت من راح يكون لنا ناراً فانـا بـلا راح ولا نـار

ومن قوله أيضاً:
ألـذ الـعيش إتيـان الصبيح وعصيان النصيحـة والنصيح
وإصغـاء إلـى وتـر وناي إذا ناحـا علـى زق جـريح
غداة دجنـة وطفـاء تبـكي إلى ضـحك من الزهر المليح
وقد حديت قلائصها الحيارى بحـاد مـن رواعدها فصيح
وبرق مثـل حـاشيتـي رداء جديـد مـذهب في يوم ريح

وقال من قصيدة هجا بها أبا العباس النامي ، ويحكى انه كان جزاراً بالمدينة:
أرى الجـزار هيجني وولى فكاشفني وأسرع في انكشافي
ورقـع شعره بعيون شعري فشاب الشـهد بالسم الذعاف
لقد شقيت بمديتك الأضاحي كمـا شقيت بـغارتك القوافي
توعر نهجها بك وهو سهل وكدر وردها بك وهو صافي
فتـكت بهـا مثقفة النواحي على فكر أشـد مـن الثقاف
لها أرج السوالف حين تجلى على الأسماع أو أرج السلاف


السابق السابق الفهرس التالي التالي