أدب الطف ـ الجزء الثالث 237


ولما مات صلاح الدين وثبا عليه واغتصبا منه الملك فكتب الى الامام الناصر بهذه الأبيات وهي مشهورة رواها عامة المؤرخين مع جوابها.
مـولاي إن أبـا بـكر وصاحبـه عثمان قد غصبا بالسيف حتى علي
وهـو الـذي كان قـد ولاه والده عليهما فاستـقام الأمـر حين ولي
فخـالفـاه وحـلا عقـد بيـعـته والأمـر بينـهما والنص فـيه جلي
فانظر الى حظ هذا الاسم كيف لقي مـن الأواخر مـا لاقى مـن الاول

فأجابه الناصر يقول:
وافى كتابك يا ابن يوسف ناطقاً بالصدق يخبر أن أصلك طاهر
غصبوا علياً حقـه إذ لـم يكن بعـد النـبي لـه بيثرب ناصر
فاصـبر فإن غداً عليه حسابهم وابشـر فناصرك الإمام الناصر

وفي أعيان الشيعة أيضاً: والإمام الناصر هو الذي بنى سرداب الغيبة في سامراء وجعل فيه شباكاً من الآبنوس الفاخر أو الساج كتب على دائره اسمه وتاريخ عمله وهو باق لهذا الوقت وكأنما فرغ منه الصناع الآن وهذا صورة ما كتب عليه « بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسنا إن الله غفور شكور » هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض طاعته على جميع الانام (أبو العباس) أحمد الناصر لدين الله) الخ ونقش في خشب الساج داخل الصفة في ظهر الحائط ما صورته (بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله ، أمير المؤمنين علي ولي الله ، فاطمة ، الحسن بن علي ، الحسن بن علي ، علي بن الحسين ، محمد بن علي ، جعفر بن محمد ، موسى بن جعفر ، علي بن موسى ، محمد بن علي ، علي بن محمد ، الحسن بن علي ، القائم بالحق (عليهم السلام) هذا عمل علي ابن محمد ولي آل محمد رحمه الله ، انتهى. وهذا السرداب هو سرداب الدار

أدب الطف ـ الجزء الثالث 238


التي سكنها ثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر وهم : الامام علي بن محمد الهادي ، وولده الامام الحسن بن علي العسكري ، وولده الامام المهدي عليه السلام كما سكنوا أيضاً في ذلك السرداب وتشرف بسكناهم فيه وجرت لهم في الكرامات والمعجزات وغاب المهدي عليه السلام بعد ما سكنه ولذلك تتبرك الشيعة وغيرها به وتصلي لربها فيه وتدعوه وتطلب منه حوائجها طلباً لبركته بسكنى آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وتشريفهم له وليس في الشيعة من يعتقد أن المهدي موجود في السرداب أو غائب فيه كما يرميهم به من يريد التشنيع وينسب اليهم في ذلك أموراً لا حقيقة لها مثل انهم يجتمعون كل جمعة على باب السرداب بالسيوف والخيول وينادون: أخرج الينا يا مولانا .. فإن هذا كذب وافتراء حتى أن بعض من ذكر ذلك قال أنه بالحلة مع أن السرداب في سامراء لا في الحلة ،
وبالجملة فليس للسرداب مزية عند الشيعة إلا تشرفه بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام فيه وهذا الامر لا يختص بالشيعة في تبركهم بالامكنة الشريفة فليتق الله المرجفون انتهى.
توفي الناصر أول شوال سنة 622

أدب الطف ـ الجزء الثالث 239


ابن المعلم الواسطي

هـذي المنازل يـا بثينة بـلقـع قـفرى تنازعها الرياح الأربع
طمسـت معالمهـا وبـان انيسها واحتل عرصتها الغراب الأبقع
لـم يبـق الا خـط نـاي دارس فيـها وأشعث مائل يتضعضع(1)
وثلاثة (2) لـم تضـمحل كانها بـرسـوم عرصتها حمام وقع
في رسـم دار يستهل بجـوهـا جـون هتون مـرجحن يهمع
واذا تضاحك في الدجى إيماضه فعيونـه في كل قـطر تدمـع
عهدي بها: يـا بين وهـي أنيقة للخرد البيض العذارى مربـع
وعلى غصون الدوح في جنباتها ورق الحمائم خاطبات تسجع
وتقول عـاذلتي حملت مـآثمـا صم الجبال لهوها تتضعضع
دع ذكـر رسـم دارس بجديده كف البلا بعـد البشاشة تولع
واذخـر لنفسك عـدة تنجو بها من هول يـوم فيه نار تلذع
فـاجبـتها كفي فلست إذا أتـى يوم المعاد أخاف منه وأجزع
قالت فمـن ينجيك مـن أهواله وعذابـه ، قلت البطين الأنزع
صـنو النبي أبـو الأئمة والذي لـولـيه يـوم القيامة يشـفع
قوم بهم غـفرت خطيـئة آدم وهـم الوسيلة والنجوم الطلع
أمـا أمير المـؤمنـين فذكـره في محـكم التنزيل ذكر أرفع


(1) الوتد الذي يتحرك
(2) هي الاثافي
أدب الطف ـ الجزء الثالث 240


سل عنه مريم في الكتاب وهل أتى إن كنـت بالذكر المنزل تقنع
مـن قال فيه محـمد أقضـاكـم بعدي وأعلمكـم علي الأروع
حفظوا عهود الغدر فيـما بينـهم وعهود أحمد يوم خم ضيعوا
قتـلوا بعـرصة كـربـلا أولاده ولهم بغفران المهيـمن مطمع
منعـوا ورود الـماء آل محـمد وغدت ذئاب البر منه تكـرع
آل الضـلال بنـو أمـية شـرع فيه وسبط الطهر أحمد يـمنع
لـو لا رجـال بعـد فقـد محمد مرقوا وفي يوم النعيلة بويعوا
مـا جـردت بالطف أسياف ولا كانت رماح بني أمية شـرع
لهـفي لـه والخـيل تعلو صدره والراس منه على الاسنة يرفع
يا زائـر المقتول بـغياً قف على جـدث يقابله هنالك مـصرع
وقـل السـلام عليك يـا مولى به يرجـو الشفاعة عبدك المتشيع
يا يـوم عاشوراء أنـت تـركتني حـلف الهموم بمقلة لا تهـجع

عن ديوان ابن المعلم الواسطي بخط وجمع الشيخ محمد هادي الاميني رأيته عنده بخطه وقد ألفه من ثلاث نسخ مخطوطة للديوان ، الاولى نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق الشام برقم 6711 الثانية نسخة مكتبة معهد الدراسات الاسلامية ، الثالثة مخطوطة مكتبة الامام الحكيم العامة ـ قسم المخطوطات برقم 893 بخط جامع الديوان المرحوم الشيخ محمد الشيخ طاهر السماوي كتبها سنة اربع وثلاثين وثلثمائة بعد الالف من الهجرة ويحتوي الديوان على 101 من الصفحات.
وهذه القصيدة ذكرها السيد الامين في اعيان الشيعة ج 7 ص 243 وقال: وجدنا هذه القصيدة في مجموعة نفسية ولم يذكر اسم ناظمها لكنه صرع في آخرها انه واسطي. وظنها السيد انها لأبي نصر بن طوطي الواسطي.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 241


أبوالغنائم نجم الدين محمد بن علي بن فارس الواسطي الشاعر المشهور ، أحد من سار شعره وانتشر ذكره ، وبينه وبين ابن التعاويذي تنافس ، حكي عنه قال: كنت ببغداد فاجتزت يوماً بموضع رأيت الخلق مزدحمين ، فسألت بعضهم عن سبب الزحام فقال هذا ابن الجوزي الواعظ جالس ، فزاحمت وتقدمت حتى شاهدته وسمعت كلامه وهو يعظ حتى قال مستشهداً على بعض إشاراته: ولقد أحسن ابن المعلم حيث يقول:
يزداد في مسمعي تكرار ذكركم طيباً ويحسن في عيني تكرره

فعجبت من اتفاق حضوري واستشهاده بشعري ولم يعلم بحضوري لا هو ولا غيره من الحاضرين. توفي بالهرث سنة 592 . والهرث ـ بضم الهاء وسكون الراء ـ قرية بينها وبين واسط نحو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه الى ان توفي بها. انتهى عن الكنى للشيخ القمي.
وقال ابن خلكان ج 2 ص 29:
أبو الغنائم محمد بن علي بن فارس بن علي بن عبدالله بن الحسين بن القاسم المعروف بابن المعلم والواسطي الهرثي الملقب نجم الدين الشاعر المشهور ، وكان شاعراً رقيق الشعر لطيف حاشية الطبع يكاد شعره يذوب من رقته ، وهو أحد من سار شعره ، واشتهر ذكر ونبه بالشعر قدره ، وحسن به حاله وأمره ، وطال في نظم القريض عمره ، وساعده على قوله زمانه ودهره ، وأكثر القول في الغزل والمدح وفنون المقاصد ، وكان سهل الألفاظ صحيح المعاني يغلب على شعره وصف الشوق والحب وذكر الصبابة والغرام ، فعلق بالقلوب

أدب الطف ـ الجزء الثالث 242


ولطف مكانه عند اكثر الناس ومالوا اليه وحفظوه وتداولوه بينهم واستشهد به الوعاظ واستحلاه السامعون. سمعت من جماعة من مشايخ البطائح يقولون ما سبب لطافة شعر ابن المعلم إلا أنه كان اذا نظم قصيدة حفظها الفقراء المنتسبون الى الشيخ أحمد بن الرفاعي وغنوا بها في سماعهم وطابوا عليها فعادت عليه بركة أنفاسهم ورأيتهم يعتقدون ذلك اعتقاداً لا شك عندهم فيه. وبالجملة فشعره يشبه النوح ولا يسمعه من عنده أدنى هوى إلا افتتن وهاج غرامه ، وكان بين ابن المعلم المذكور وبين ابن التعاويذي المذكور قبله تنافس ، وهجاه ابن التعاويذي بأبيات جيمية لا حاجة الى ذكرها ، ولابن المعلم قصيدة طويلة أولها:
ردوا عـلي شـوارد الاظعان ما الدار إن لم تغن من أوطاني
ولكم بذاك الجـذع من متمـنع هزأت مـعاطـفه بغصن البان
أبـدى تلونه بـاول مـوعـد فمن الـوفي لنا بـوعد ثـاني
فمتى اللقاء ودونـه مـن قومه أبنـاء مـعركة وأسد طـعان
نقلوا الـرماح وما أظـن أكفهم خلقـت لغـير ذوابـل المران
وتقلدوا بيض السيوف فما ترى في الحي غيـر مـهند وسنان
ولئن صددت فمن مراقبة العدا ما الصد عـن ملل ولا سلوان
يا ساكـني نعمان أيـن زماننا بطـويلع ، يـا ساكني نعـمان

وله من أخرى:
أجـيراننا إن الـدموع التي جرت رخاصا على أيدي النوى لغوالى
اقيموا على الوادي ولو عمر ساعة كـلوث أزار أو كـحل عـقال
فكـم ثم لي مـن وقفة لو شريتها بنفسي لم أغـبن فكيف بـمالي


أدب الطف ـ الجزء الثالث 243


وله من أخرى:
قسما بـما ضمنت عليه شفاهـهم من قرقف فـي لؤلؤ مكنون
ان شارف الحادي العذيب لأقضين نحبي ومن لى أن تبر يميني
لـو لم يكن آثـار ليلى والـهوى بتلاعه ما رحـت كالمجنون

قال: وكان سبب عمل هذه القصيدة ان ابن المعلم المذكور والابله وابن التعاويذي المذكورين قببله لما وقفوا على قصيدة صر در المقدم ذكره في حرف العين التي اولها:
اكذا يجازى ود كل قرين أم هذه شيم الظباء العين

وهي من نخب القصائد أعجبتهم فعمل ابن المعلم من وزنها هذه القصيدة وعمل ابن التعاويذي من وزنها قصيدة أبدع منها وأرسلها الى السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وهو بالشام يمدحه بها وأولها:
ان كان دينك في الصبابة ديني فقف المطي برملتي يبرين

وعمل الابله قصيدة اخرى ، وأحسن الكل قصيدة ابن التعاويذي. وفي وقعة الجمل على البصرة قبل مباشرة الحرب ارسل علي بن ابي طالب رضي الله عنه ابن عمه عبدالله بنا لعباس رضى الله عنهما الى طلحة والزبير برسالة يكفهما عن الشروع في القتال ، ثم قال له : لا تلقين طلحة فانك إن تلقه تجده كالثور عاقصا أنفه يركب الصعب ويقول هو الذلول ولكن القى الزبير فانه ألين عريكة منه وقل له يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وانكرتني بالعراق فما عدا مما بدأ. وعلي رضى الله عنه أول من نطق بهذه الكلمة فأخذ ابن المعلم المذكور هذا الكلام وقال:
منحوه بالجذع السلام وأعرضوا بالغور عنه فما عدا مما بدا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 244


وهذا البيت من جملة قصيدة طويلة ورسالة نقلها في كتاب نهج البلاغة ولابن المعلم في أثناء قصيدة أيضاً.
يوهي قوى جلدي من لا ابوح به ويستبيح دمـي من لا اسمـيه
قسما فمـا في لساني مـا يعاتبه ضعفا بلى في فؤادي ما يقاسيه

ولا حاجة الى الاطالة بذكر فرائده مع شهرة ديوانه وكثرة وجوده بايدي الناس ، وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادي الاخرة سنة احدى وخمسمائة وتوفي رابع رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بالهرث رحمه الله تعالى والهرث بضم الهاء وسكون الراء بعدها ثاء مثلثة وهي قرية من أعمال نهر جعفر بينهما وبين واسط نحو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه الى ان توفي بها رحمه الله.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 245


أحمد بن عيسى الهاشمي

قال أحمد بن عيسى الهاشمي ـ والد الواثق ـ يعتذر من الكحل في يوم عاشوراء.
لم أكتحل في صباح يوم أريـق فيه دم الحسيـن
إلا لحـزني وذاك أنـي سودت حى بياض عيني


أدب الطف ـ الجزء الثالث 246


عن كتاب:
تراجم رجال القرنين السادس والسابع والمعروف بالذيل على الروضتين للحافظ المؤرخ شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بأبي شامة المقدسي الدمشقي. المطبوع بالقاهرة ـ ص 11.
قال: وفي سنة 593 هـ توفي أحمد بن عيسى الهاشمي والد الواثق بالله ويعرف بابن الغريق من أهل الحريم الظاهري ، وكان شاعراً فاضلاً فمن شعره ما اعتذر به عن الاكتحال يوم عاشوراء.
لم أكتحل في صباح يوم أريق فـيه دم الحسيـن
إلا لحـزني وذاك أنـي سودت حتى بياض عيني

وكانت وفاته في ذي القعدة عن ثمانين سنة ودفن بباب حرب.
قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ، وأنشدنا ابو عبدالله النحوي بمصر قال: كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء فعوقب على ذلك فقال:
وقائل لم كحلت عينا يوم استباحوا دم الحسين
فقلت كفوا أحق شيء تلبس فيه السـواد عيني

ولقد نظم الشعراء بهذا المعنى كثيراً من بكاء السماء والأرض والأحجار

أدب الطف ـ الجزء الثالث 247


والأشجار على شهيد كربلاء عليه السلام ، ومما تقدم تستشعر أن العناية بيوم مقتل الحسين والحزن يوم عاشوراء كان ولم يزل منذ أكثر من ألف عام بل من يوم مقتل الحسين وحتى يومنا هذا ، هكذا حدثنا أبو الفداء في تاريخه والمقريزي في خططه قال:
وفي يوم عاشوراء من سنة ست وتسعين وثلثمائة جرى الامر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الاسواق وخروج المنشدين الى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد ثم جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز بن النعمان سائر المنشدين الذين يتكسبون بالنوح والنشيد ، وقال لهم لا تلزموا الناس أخذ شيء منهم اذا وقفتم على حوانيتهم ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء.
وقال المقريزي في الخطط: كانوا ـ يعني الفاطميين ـ ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر ، الابل والغنم والبقر ويكثرون النوح والبكاء ويسبون من قتل الحسين ولم يزالوا على ذلك حتى آخر دولتهم وحتى زالت.

عاشوراء في دولة بني بويه



وفي تاريخ المؤيد أبي الفداء في حوادث سنة 352 في عاشر المحرم أمر معز الدولة الناس أن يغلقو دكاكينهم وأن يظهروا النياحة وأن يخرج النساء منشرات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ويلطمن وجوهن على الحسين بن علي ففعل الناس ذلك ولم يقدر السنية على منع ذلك لكثرة الشيعة والسلطان معهم.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية كان في عصر آل بويه في حدود الاربعمائة وما حولها تضرب الدرادل ببغداد ونحوها من البلاد ، في يوم

أدب الطف ـ الجزء الثالث 248


عاشوراء ويذرى الرماد والتبن في الطرقات وتعلق المسوح على الدكاكين ويظهر الناس البكاء والحزن ، وكثير منهم من لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين عليه السلام حيث قتل عطشانا ، حتى قال السوسي محمد بن عبد العزيز(1).
أأذوق طعم الماء وابن محمد لم يرو حتى للمنون أذيـقا
لا عذر للشيعي يرقى دمعه ودم الحسين بكربلاء أريقا

ويقول السيد حيدر الحلي (2) من قصيدة طويلة:
أللهاشمي الماء يحلو ودونه ثوت آله حرى القلوب على الثرى
وتهدأ عين الطالبي وحوله جفون بني مروان ريا من الكرى

اقول ويذكر المؤرخان الشهيران ياقوت الحموي في معجمه وابن خلكان في وفياته قضية الناشي الاصغر علي الشاعر المشهور.

(1) هو من شعراء القرن الرابع وقد تقدمت ترجمته.
(2) من شعراء القرن الرابع عشر ، وتأتي ترجمته بعون الله.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 249


صفوان بن ادريس المرسي

أمـرنــة ســجعت بعود أراك قـولي مـولهة علام بكـاك
أجفـاك إلـفك أم بليـت بفـرقة أم لاح برق بالحمـى فشجاك
لو كان حقاً مـا ادعيت من الجوى يوماً لمـا طرق الجفون كراك
أو كـان روعك الفـراق اذا لـما صنـت بماء جفونهـا عيناك
ولما ألـفت الروض يأرج عرفـه وجـعلت بين فروعـه مغناك
ولما اتخذت من الغصـون منصة ولمـا بـدت مخضـوبة كفاك
ولما ارتدي الريش بـرداً معلمـاً ونظمت من قرح سلوك طلاك
لـو كنـت مثلي ما أنفت من البكا لا تحسبي شكـواي من شكواك
إيـه حـمامـة خـبريني ، إننـي أبكـي الحسين ، وأنت ما أبكاك
أبـكي قتيـل الـطف فـرغ نبينا أكـرم بـفـرغ للنبـوة زاكي
ويـل لـقـوم غـادروه مضرجاً بدمائـه نـضواً صريح شكاك
متعفراً قـد مــزقـت أشـلاءه فـريـاً بـكـل مـهند فتـاك
أيزيد لـو راعيت حـرمة جــده لـم تقتنص ليث العرين الشاكي
إذ كنت تـصغي إذ نـقرت بثغره قرعت صماخك أنـه الـمسواك
أتروم ويك شفـاعـة مـن جـده هيهـات ، لا ومـدبر الأفـلاك
ولسـوف تنبـذ في جهنـم خالداً ما الله شاء ولات حـين فكـاك


أدب الطف ـ الجزء الثالث 250


وقوله معارضاً قول الحريري (خل ادكار الاربع)
أومض ببرق الاضلع واسكب غمام الادمع
واحزن طويلا واجزع فهـو مكان الجـزع
وانثر دمـاء المـقلتين تـألمأ على الحسـين
وابك بدمـع دون عين إن قـل فيض الادمع
قـضى لهيفا فقـضى من بعده فصل القضا
ريحـانة الهادي الرضا وابـن الوصي الانزع


أدب الطف ـ الجزء الثالث 251


أبو بحر صفوان بن ادريس بن عبدالرحمن بن عيسى بن ادريس التجيبي المرسي.
ولد سنة 560 وتوفي سنة 598
كان كاتباً بليغاً وشاعراً بارعاً من أعيان أهل المغرب كما في الطليعة.
قال لسان الدين بن الخطيب انفرد برثاء الحسين وقال ابن الأبار له قصائد جليلة خصوصاً في الحسين. رحل الى مراكش فقصد دار الخلافة مادحاً فما تيسر له شيء فقال: لو مدحت آل البيت لبلغت أملي فمدح ، وبينما هو عازم على الرجوع طلبه الخليفة مأربه فعكف على مدح آل البيت عليهم السلام ورثائهم.
ومن شعره:
قلنا وقد شام الحسام مخـوفاً رشاً بعادية الضراغم عابث
هل سيفه من طرفه أم طرفه من سيفه أم ذاك طرف ثالث

وقوله:
يا قمـراً مطلعـه أضلعي له سواد القـلب فيها غسق
وربما استوقـد نـار الهوى فناب فيها لـونها عن شفق
عندي من حبك ما لو سرت في البحر منه شعلة لاحترق


أدب الطف ـ الجزء الثالث 252


وفي فوات الوفيات ج 1 ص 392.
صفوان بن ادريس ، ابو بحر ، الكاتب البليغ:
كان من جله الادباء ، وأعيان الرؤساء ، فصيحاً جليل القدر ، له رسائل بليغة ، وكان من الفضل والدين بمكان ، توفي وله سبع وثلاثون سنة.
ومن شعره:
يا حسنة والحسن بعض صفاته والسحر مقصور على حـركاته
بدر لو أن البدر قيل لـه اقترح أمـلأ لقال أكون مـن هـالاته
والخال ينقط في صحيفة خـده ما خط حبر الصدغ من نونـاته
وإذا هلال الافق قابل وجـهه أبصرتـه كالشكل فـي مـرآته
عبـثت بقلب محـبه لحـظاته يتـارب لا تعبـث على لحظاته
ركب المآثم في انتهاب نفوسنا فـالله يجعلـهن مـن حسنـاته
ما زلت أخطب للزمان وصاله حتى دنا والبعـد مـن عاداتـه
فغـفرت ذنب الدهر منه بليلة غطت على ما كان مـن زلاته
غفل الرقيب فـنلت منه نظرة يا ليته لـو دام فـي غـفـلاته
ضاجعـته والليل يـذكى تحته نارين من نفـسي ومـن جناته
بتنا نشـعشع والعفاف نـديمنا خمرين : من غزلي ومن كلماته
حـق إذا ولع الكرى يجفونـه وامتد في عـضدي طوع سناته
أوثـقتـه في ساعـدى لأنـه ظـبي خشيت عليه مـن فلتاته
فضمـمته ضـم البخيل لماله يحنو عليه مــن جميع جهاتـه
عـزم الغرام علي فـي تقبيله فنقضت أيدي الطوع من عزماته
وأبى عـفافي أن أقـبل ثغره والقـلب مطـوي على جمـراته
فاعجب لملتهب الجوانـح غلة يشكـو الظما والمـاء في لهواته


أدب الطف ـ الجزء الثالث 253


وقال رحمه الله من قصيدة:
حكمتم زمناً لـولا اعــتـدالـكـم في حكمكم لم يكن للحكم يعتدل
فـإنـمـا أنتــم في أنـفـه شمم وإنما أنتم في طـرفه كـحـل
يرى اعتناق العوالي في الوغى غزلا لان خرصانها من فوقها مقـل

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
أحمى الهوى خـده وأوقد فهو على أن يـموت أوقد
وقال عنه العـذول سال قلـده الله مـا تـقـلـد
وباللوى شــادن عليـه جيـد غزال ووجـه فرقد
علله ريقــه بـخمــر حتى انثنى طرفـه وعربد
لا تعجبوا لا نهزام صبري فجيش أجفـانـه مــؤيد
أنــالـه كـالذي تـمنى عبـد ، نعـم عبـده وأزيد
لــه علـي امتثـال أمر ولي عليه الجفاء والصـد
إن سلـمت عـينه لـقتلي صلى فـؤادي على محمد

وعارضها شيخ الشيوخ شرف الدين عبدالعزيز الأنصاري بقصيدة بديعة ، وهي:
ويلاه من غمضـي المشرد فيك ومـن دمعى المردد
يا كامل الحسن ليس يطفي ناري سوى ريقك المبرد
يـا بـدر تـم ، إذا تـجلى لم يبق عذرا لمن تـجلد
أبديت من حالي الـمورى لما بـدا خـدك المورد
رفـقـا بـولهان مستهـام أقـامـه وجـده وأقعـد


أدب الطف ـ الجزء الثالث 254


مجتهداً في رضـاك عنه وأنـت فـي إئـمـه المقلد
ليس له منـزل بـأرض عنك ولا في السماء مصعد
قيدته في الـهـوى فتمم واكتـب علـى قـيده مخلد
بان الصبا عنه فالتصابي أنـأ أطـرابـه فــأنـشد
من لي بطفل حديث سحر بابل عن نـاظريـه مسنـد
شتت عنـي نـظام عقلي تشتيـت ثـغـر له منقصد
لــو اهتدى لائمي عليه نـاح علـى نـفسـه وعدد
ألبسني نشـوة بـطـرف سـكـرت من خمرة فعربد
لا سهم لي في سديد رأي يـحرس مـن سهمه المسدد
غصن نقاحل عقد صبري بليـن خـصر يـكاد يـعقد
فمن رأى ذلك الوشاح الـ ـصائم صلى علـى محمـد
خـير نبي نبيــه قـدر عودي إلى المـدح فيه أحمد

ومن ههنا خلص إلى مدح رسول الله صلى الله عليه وآله:
ومن شعر صفوان:
والسرحة الغناء قد قبضت بها كـف النسيم على لـواء أخضر
وكأن شكل الغيم منجل فضة يرمي على الأفاق رطب الجوهر

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
وكـأنمـا أغصانهـا أجيادها قد قلـدت بلآلىء الأنوار
ما جاءها نفس الصبا مستجدياً إلا رمت بدراهم الأزهار


أدب الطف ـ الجزء الثالث 255


وقال في مليح يرمى نارنجا في بركة:
وشـادان ذي غنـج دله يروقنا طوراً وطوراً يروع
يقذف بالنارنج في بركة كلاطخ بالدم سرد الدروع
كأنـها اكبـاد عشاقـه يقذفها في لج بحر الدموع

وقال أيضاً رحمه الله:
أولع من طرفه بحتفى هل يعجب السيف للقتيل
تهيبوا بالحسام قتلـى فاخترعوا دعوة الرحيل

وقال ابن سعيد في كتابه (المغرب) : هو أنبه الاندلس في عصره ، له كتاب زاد المسافر. قصر إمداحه على أهل البيت عليهم السلام واكثر من تأبين الحسين عليه السلام.
وفي معجم الأدباء: صفوان بن ادريس بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عيسى التجيبي أبو بحر ، كان أديباً كاتباً شاعراً سريع الخاطر ، أخذ عن أبيه والقاضي ابن ادريس وابن غلبون وأبي الوليد ، وهو أحد أفاضل الأدباء المعاصرين بالاندلس. ولد سنة ستين وخمسمائة ، وتوفي بمرسية سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ولم يبلغ الاربعين. وله تصانيف منها: كتاب زاد المسافر وراحلته وكتاب العجالة ، مجلدان يتضمنان طرفاً من نثره ونظمه ، وديوان شعر ، ومن شعره:
قد كان لي قلباً فلمـا فـارقوا سوى جناحاً للـغرام وطارا
وجرت سحاب للدموع فأوقدت بين الجوانج لوعـة وأوارا
ومن العجائب ان فيض مدامعي ماء يمر وفي ضلوعي نارا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 256


وقال في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
تحيـة الله وطيـب السـلام على رسـول الله خـير الانام
على الذي فتـح باب الهدى وقـال للنـاس ادخلوها بسلام
بدر الهدى سحب الندو الجدا ومـا عسى أن يتنـاهى الكلام
تحيـة تهـزأ أنـفـاسهـا بالمسك لا أرضى بمسك الختام
تخصه مـنـي ولا تنثنـي عـن آلـه الصيد السراة الكرام
وقـدرهـم أرفـع لكننـي لم ألف أعلى لفظة مـن كـرام

وقوله ـ رواه الحموي في معجم الأدباء:
يقـولون لي لمـا ركبت بطالتي ركوب فتى جم الغواية معتدي
أعندك ما ترجو الخلاص به غداً فقلت نعم عندي شفـاعة أحمد


أدب الطف ـ الجزء الثالث 257


استدراك
على الجزئين: الاول والثاني


أدب الطف ـ الجزء الثالث 258




أدب الطف ـ الجزء الثالث 259


مسعود بن عبدالله القايني

لا بد ان ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ(1)

قال الشيخ الطريحي في المنتخب: ذكر أهل التاريخ أن سبط ابن الجوزي كان يعظ على الكرسي بجامع دمشق فطلب منه أهل المجلس أن يذكر شيئاً في مصرع الحسين بن علي عليه السالم فانشد يقول: لا بد ان ترد القيامة فاطم. ثم انه وضع المنديل على رأسه واستعبر طويلاً ونزل عن الكرسي وبذلك ختم مجلسه.
اقول ويظهر أن هذا الشعر قد قيل في القرون المتقدمة الثاني أو الثالث ، إذ أن أبا فراس الحمداني المتوفي سنة 357 هـ يستشهد به متضمناً فيقول:
أهوى الذي يهوى النبي وآله أبـداً وأشنأ كـل من يشناه
مذ قال قبلي في قريض قائل (ويل لمن شفعاؤه خصماه)

أما قائلهما مسعود كما يقول ابن شهراشوب فلا تعرف عنه شيئاً.

(1) قال السيد المقرم في (مقتل الحسين) ص 132 نقلا عن مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 91 انهما لمسعود بن عبدالله القايني.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 260


وفي كتاب (سيرتنا وسنتنا) للشيخ الاميني نقلا عن كتاب الصراط السوي للسيد محمود الشيخاني المدني ان سليمان بن يسار الهلالي (1) يقول: وجد حجر مكتوب عليه:
لا بد أن ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ

اخرج الفقيه ابن المغازلي في المناقب ، والحافظ الجنابذي الحنبلي ابن الاخضر المتوفي سنة 611 في كتابه (معالم العترة) مرفوعاً من طريق اميرالمؤمنين علي عليه السلام: تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدم ، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش ، وتقول: يا جبار أحكم بيني وبين قاتل ولدي ، فيحكم لابنتي ورب الكعبة.
وروى الشيخ المجلسي في بحار الانوار ج 43 من الطبعة الجديدة ص 220 عن عيون أخبار الرضا عن احمد بن ابي جعفر البيهقي ، عن احمد بن علي الجرجاني عن اسماعيل بن ابي عبدالله القطان ، عن احمد بن عبدالله بن عامر الطائي عن ابي احمد بن سليمان الطائي عن علي بن موسى الرضا عن ابائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء ، تتعلق بقائمة من قوائم العرش وتقول: يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي.
قال رسول الله : فيحكم الله لأبنتي ورب الكعبة. وان الله عز وجل يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.

(1) سليمان بن يسار المدني تابعي عظيم من رجال الصحاح الست ، متفق على ثقته وعلمه وفقهه وامانته توفي سنة 107 عن (73) سنة. راجع تاريخ البخاري الكبير ج 2 ص 42 وطبقات ابن سعد ج5 ص 130.

السابق السابق الفهرس التالي التالي