أدب الطف ـ الجزء الثالث 286


جمعن الحسنيـن فمـن رياح معنبـرة وأروح خـفـاف
وما عدمت مغيراً منك يرمي رقيـق طباعها بطباع جافي
مـعان تستعـار من الدياجي وألفـاظ تــقد مـن الأثافي(1)
كـأنك قـاطـف منها ثماراً سبـقت اليـه إبـان القطاف
وشـر الشـعر مـا أداه فكر تـعثر بين كـد واعتسـاف
سأشفي الشعر منك بنظم شعر تبيت لـه علـى مثل الاشافي(2)
وأبعـد بـالمودة عنك جهدي فقف لـي بـالمودة خلف قاف

قال الثعالبي: وما أراني أروى أحسن ولا اشرف ولا أعذب ولا ألطف من قوله:
قسمـت قلبـي بيـن الهم والكمد ومقلتي بين فيض الدمــع والسهد
ورحت في الحسن أشكالا مقسمة بين الهـلال وبيـن الغصن والعقد
أريتنـي مـطراً ينـهل سـاكبه مـن الـجفون وبرقاً لأح من برد
ووجنـة لا يروي مـاؤها ظميء بخلأ وقــد لـذعت نيرانها كبدي
فكيف أبقي على ماء الشئون وما أبقى الغرام على صبري ولا جلدي؟

وقال ولا توجد في الديوان المطبوع
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج لأرتك سالفتـي غـزال أدعـج
أرعى النجوم كأنـها فـي افقها زهر الاقاحي في رياض بنفسج
والمشتـري وسط السمـاء تخاله وسناء مثل الزيبـق المتـرجرج
مسـمـار تبـر أصـفر ركبتـه فـي فـص خاتم فضة فيروزج


(1) الاثافي: حجارة توضع عليها القدور ، واحدها أثـفية بضم الهمزة وياؤها مشددة ،
(2) الاشافي: جمع إشفي ، وهو المثقب يخرز به النعال.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 287


وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى ميلان شارب قهوة لم تمزج
وتنقبت بخفيـف غيـم أبيـض هـي فيـه بين تخفر وتبرج
كتنفـس الحسنـاء في المرآة اذ كملت محاسنها ولـم تتزوج

ومما يأخذ بمجامع القلوب قوله:
بلاني الحب منك بمـا بلاني فشأني أن تفيض غروب شأني
أبيت الليـل مــرتفقاً أناجي بصـدق الـوجه كاذبة الأماني
فتشهد لـي على الأرق الثريا ويعلـم مـا أجـن الـفرقدان
إذا دنت الخيـام بـه فـأهلا بـذاك الـخيم والـخيم الدواني
فـبين سـجوفـها أقمار تم وبيـن عـمادهـا أغصان بان
ومـذهبـة الخـدود بجلنـار مفضضـة الثغـور بأقحـوان
سـقانـا الله مـن رياك رياً وحيـانا بـأوجـهك الحسـان
ستصرف طاعي عمن نهاني دموع فيـك تلـحى مـن لحاني
ولـم أجـهل نصيحته ، ولكن جنون الحب أحلى في جنـانـي
فيا ولع العـواذل خـل عني ويا كـف الغـرام خذي عناني

وقال:
قامـت وخـوط البانة المياس في أثـوابها
ويهزها سكران: سكـ ـر شرابها وشبابها
تسعى بصهباوين من الحاظها وشــرابها
فـكأن كـأس مدامها لمـا ارتدت بحبابها
تـوريـد وجـنتها إذا ما لاح تحـت نقابها
أدب الطف ـ الجزء الثالث 288


وقوله في العتاب:
لسانك السيـف لا يـخفى لـه أثـر وأنـت كـالصل لا تبـقي ولا تذر
سـري لـديك كأسرار الزجاجة لا يخفى على العين منها الصفو والكدر
فاحذر من الشعر كسراً لا انجبار له فللزجـاجـة كسـر ليــس ينجبر

وقال في مثل ذلك:
أروم منـك ثمـاراً لسـت اجنيهـا وأرتجي الحال قد حلت أواخيها
استـودع الله خـلا منـك أوسعـه وداً ويـوسعنـي غشاً وتمويها
كـأن سري فـي أحـشائـه لـهب فما تطيق لـه طياً حـواشيهـا
قـد كـان صـدرك للأسرار جندلة ضنينـة بـالذي تخفي نواحيها
فصار من بعد ما استودعت جوهرة رقيقـة تستشـف العين ما فيها

وقال من قصيدة:
لا تأنفن من العتاب وقرصه فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا
ما أحرق العود الذي أشممته خطأ ولا غـم البنفسج بـاطلاً

وقال يذكر ليلة بقطربل ويصف الشمع:
كستك الشبيبـة ريعـانهـا وأهدت لك الراح ريحانها
فدم للنديــم علـى عهـده وغـاد الـمدام وندمـانها
فـقد خلع الأفق ثوب الدجى كـما نضت البيض أجفانها
وسـاق يــواجهني وجهه فتـجعلــه العين بستانها
يتـوج بـالكأس كف النديم إذا نظـتـم الماء تيجـانها
فطوراً يـوشـح يـاقـوتها وطـوراً يرصـع عقيانها


أدب الطف ـ الجزء الثالث 289


رميت بـأفـراسها حلبـة من اللهو ترهج ميـدانها
وديـراً شـغفت بغزلانـه فكـدت أقبـل صلبـانها
فلمـا دجـى الليـل فرجته بـروح تحيـف جثمانها
بشـمع أعيـر قدود الرماح وسـرج ذراها وألـوانها
غصون من التبر قد أزهرت لـهيباً يـزين أفنـانـها
فيا حسن أرواحها في الدجى وقـد أكـلت فيـه أبدانها
سـكرت بـقطربـل ليلـة لهوت فغازلت غـزلانهـا
وأي ليـالي الهـوى أحسنت إلـي فـأنـكرت إحسانها

وقال يصف طبيباً بارعاً:
بـرز ابـراهيم فـي علمـه فــراح يدعى وارث العلم
أوضح نهج الطب في معشـر مـا زال فيهم دارس الرسم
كـأنـه مـن لطف أفـكـاره يجول بيـن الـدم واللحـم
إن غضبت روح على جسمها أصلح بين الروح والجسـم

وقال:
هل للعليل سوى ابن قرة شافي بعـد الإله؟ وهل له من كافي؟
أحيـا لنـا رسم الفلاسفة الذي أودى وأوضح رسم طب عافي
فكـأنـه عيسى بن مريم ناطقا يهـب الحياة بأيسر الأوصاف
مثلت لـه قـارورتي فرأى بها مـا اكتن بين جوانحي وشغافي
يبدو لـه الـداء الخفي كما بدا للعين رضراض الغدير الصافي

قال السيد الامين في الاعيان ج 34 ص 35.
العلم والادب يرفعان الوضيع في نفسه وصنعته ومكسبه ونسبه وفقره

أدب الطف ـ الجزء الثالث 290


وخصاصته والجهل يضع الرفيع في نسبه وعشيرته ومنصبه وغناه وثروته عند أهل العقل وان رفعه ذلك عند اهل الجهل مثله ، فأبو تمام الذي كان اول أمره غلام حائك بدمشق ويسقي الماء من الجرة في جامع مصر رقى به علمه وأدبه الى معاشرة الملوك والامراء ومدحهم وأخذ جوائزهم الوفيرة حتى صار يستقل الف دينار يجيزه بها عبدالله بن طاهر فيفرقها على من ببابه ويحتمل له ابن طاهر ذلك ويجيزه بضعفها ويؤلف ديوان الحماسة فيعطي من الحظ ما لم يعطه كتاب ، والسري الرفا ينتقل من صنعة الرفو والتطريز عند أحد الرفائين باجر زهيدة وعيش ضنك الى مدح الملوك والوزراء والامراء فيأخذ جوائزهم النفيسة ويؤلف في الأدب كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ولا شك ان للزمان والبيئة التأثير العظيم في ذلك فأبو تمام وجد في عصر راجت فيه بضاعة الشعر والادب أعظم رواج وكثر رائده وانتشر طالبوه وزهت رياضة وتفتحت اكمام زهره بما أغدقه عليها الملوك والأمراء من عطاياهم الفياضة ، والسري الرفا وجد في دولة بني حمدان وعلى رأسهم سيف الدولة الذي اجتمع ببابه من الشعراء والادباء ما لم يتفق لغيره ويتلوه امراء بني حمدان الكثيري العدد الذين مدحهم السري وأخذ جوائزهم النفيسة وفيهم يقول من قصيدة:
والحمد حلي بني حمدان نعرفه والحـق أبلـج لا يلقـى بـانـكار
قـوم اذا نزل الزوار ساحتهم تــفيؤا ظل جـنـات وأنــهـار
مـؤمرون اذا ثـارت قدومهم أفضت الى الغايـة القصوى من الثار
فـكـل أيامهم يوم الكلاب اذا عـدت وقـائعهـم أو يـوم ذي قار

وقال في اعيان الشيعة ج 34 ص 98 عن ملحق فهرست ابن النديم ص 6 كان السري الرفاء جاراً لابي الحسن علي بن عيسي الرماني بسوق العطش وكان كثيراً ما يجتاز بالرماني وهو جالس على باب داره فيستجلسه ويحادثه يستدعيه الى أن يقول بالاعتزال وكان السري يتشيع فلما طال ذلك عليه أنشد (وليست في الديوان المطبوع) .

أدب الطف ـ الجزء الثالث 291


أقـارع أعـــداء النبــي وآلـه قراعاً يفل البيض عـنـد قـراعه
وأعلـم كـل الـعلــم أن وليهـم سيجزى غداة البعث صاعاً بصاعه
فــلا زال مـن والاهـم في علوه ولا زال من عاداهم في اتضـاعه
ومـعتزلـي رام عــزل ولايتـي عـن الشرف العالي بهم وارتفاعه
فمـا طاوعتنـي النفس في أن أطيعه ولا أذن الـقـرآن لـي في اتباعه
طبـعت علـى حب الوصي ولم يكن لينـقل مطبـوع الهوى عن طباعه

وقال من قصيدة في الغزل:
أجانبهـا حـذاراً لا اجتنابـا واعتب كي تنازعني العتابا
وأبعـد خيـفة الواشين عنها لكي ازداد في الحب اقترابا
وتأبـى عبـرتي الا انسكابا وتأبـى لـوعتي إلا التهابا
مـررنا بـالعقيق فكم عقيق ترقرق فـي محاجرنا فذابا
ومن مغنى جهنا الشوق فيـه سؤالا والدموع لـه جوابـا
وفي الكلل التي غابت شموس إذا شهـدت ظلام الليل غابا
حملت لهـن أعبـاء التصابي ولم أحمـل من السلوان عابا
ولو بعدت قبابك قـاب قوس مـن الـواشين حيينا القبابا
نصـد عن العذيب وقد رأينا على ظمـأ ثنـاياك العذابـا
تثنـي البـرق يذكرني الثنايا على أثناء دجلة والشعـابـا
وأياما عهدت بهـا التصابـي وأوطانا صحبت بهـا الشبابا

قال السيد المدني في انوار الربيع ، ومن طريف ما قاله السري الرفاء
أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى وهنا فوشح روضـه بسلاسل
أذكرتنا النشوات في ظل الصبا والعيش في سنة الزمان الغافل
أيام استر صبوتي مـن كاشح عمـداً وأسرق لذتي من عاذل


أدب الطف ـ الجزء الثالث 292


وقوله:
وصاحب يقدح لـي نـار السـرور بالقدح
في روضة قد لبست مـن لؤلؤ الطل سـبح
يألفنـي حـمـامها مغتبقــا ومصطبـح
أوقظه بـالعزف أو يوقظنـي اذا صـدح
والـجو في ممسك طـرازه قـوس قزح
يبكي بلا حزن كما يضحك من غير فرح

وقوله:
يـوم خلعت بـه عذاري فـعريـت من حلل الوقار
وضحكت فيه الى الصبا والشيب يضحك في عذاري
متلــون يبــدي لنـا طرفـاً بـاطـراف النهار
فهـواؤه سـكـب الرداء وغيمـه جـافــي الازار
يبكـي فـيجمــد دمعه والبـرق يكحـله بنـــار


أدب الطف ـ الجزء الثالث 293


كانت ترجمة الخالديين في الجزء السابق غير وافية بحقهما ، ونستدرك هنا ما فات:
سعيد بن هاشم هو وأخوه شاعران لهما شهرتهما في عالم الادب ، كانا ينظمان الشعر مشتركين ومنفردين ، ومدحا الملوك والامراء والكبراء ، غير أن السري الرفاء الموصلي هجاهما بأهاج كثيرة وزعم انهما سرقا شعره. ويقول الثعالبي في اليتيمة ان السري كان يدعي عليهما سرقة شعره وشعر غيره ويدس من شعرهما في ديوان كشاجم ليثبت مدعاه. وقال صاحب اليتيمة: كانا يشتركان في قرض الشعر وينفردان ولا يكادان في الحضر والسفر يفترقان ، وكانا في التساوي والتشابك والتشاكل والتشارك كما قال البحتري:
كالفرقدين اذا تأمل ناظر لم يعل موضع فرقد عن فرقد

بل كما قال ابو اسحاق الصابي فيهما:
أرى الشاعريـن الخالـديـن سيـراً قصائد يفنى الدهر وهي تخلـد
جـواهر مـن أبـكار لفظ وعـونه يقصـر عنهـا راجز ومقصد
تنـازع قـوم فيهمـا وتنـاقضـوا ومـر جـدال بينهـم يتـردد
فطائفة قــالـت: سعيـد مـقـدم وطائفة قـالت لهـم: بل محمد
وصاروا الى حكمـي فأصلح بينهم ومـا قلت إلا بـالتي هي أرشد
هما في اجتماع الفضل زوج مؤلف ومعناهما مـن حيث يثبت مفرد


أدب الطف ـ الجزء الثالث 294


كذا فرقدا الظلماء لما تشاكـلا علا أشكلا ، هل ذاك أم ذاك أمجد
فزوجهمـا مـا مثله في اتفاقه وفردهمـا بيـن الكـواكب أوحد
فقاموا على صلح وقال جميعهم رضينا وساوى فرقد الارض فرقد

وقال يصف غلامه (رشا) :
ما هـو عبـد لـكنـه ولـد خـولنيـه المهيمن الصمــد
وشـد أزري بـحسن خدمته فــهو يدي والذراع والعضد
صـغير سـن كبير منفعـة نماذج الضعف فيه والجــلد
في سن بدر الدجى وصورته فمثله يصطفــى ويـعتمـد
معشـق الـطرف كلـه كحل مغـزل الجيـد حليـه الجيد
وورد خــديـه والشقـائق والتفـاح والجلنـار منتضـد
رياض حـسن زواهـر أبداً فيهـن مـاء النعيـم يطـرد
وغصن بـان اذا بــدا واذا شدا فقمري بـانـــة غرد
أنسي ولهوي وكـل مـأدبتي مجتمـع فيــه وهو منفرد
ظرـيف مـزح مـليح نادرة جـوهر حسن شـرارة تقـد
ومـنفــق اذا أنـا أسـرفـ ـت وبــذرت فهو مقتصد
مـبارك الـوجه مذحظيت به حالـي رخي وعيشتي رغـد
مـسامـري ان دجا الظلام فلي منـه حـديث كأنـه الشهـد
خـازن ما في يدي وحافظــه فلـيس شيء لـدي يـفتقـد
يصـون كتبـي فـكلها حسـن يطـوي ثيـابي فـكلها جـدد
وأبصر الناس بالطبيخ فكالمسـ ـك القلايـا والـعنبر الثـرد
وهـو يــدير الـمدام ان جليت عـروس دني نـقابهـا الزبد


أدب الطف ـ الجزء الثالث 295


تـمنح كـأسي يـد أنـاملهـا تنـحل مـن لينهـا وتنعقد
مثقــف كــيس فـلا عوج فـي بعض أخلاقه ولا أود
وصير في القريض وزان دينا ر المـعاني الـجياد مـنتقد
ويعرف الشعـر مـثل معرفتي وهـو علـى أن يزيد مجتهد
وكـاتب تـوجـد البلاغة في ألفاظـه والصـواب والرشد
وواجـد بي مـن المحبة والرأ فة أضعاف ما بـه أجــد
اذا تبسمـت فـهو مبتــهـج وإن تنمرت فهـو مـرتعـد
ذا بـعض أوصافـه وقد بقيت لـه صـفات لم يحوها أحد

وقال ، وهو مما ينسب الى الوزير المهلبي ـ كما روى الثعالبي
فديتك مـا شبت مـن كبرة وهذي سني وهذا الحسـاب
ولكـن هجرت فحل المشيب ولو قد وصلت لعاد الشباب

وقوله:
ظالم لي وليته الدهر يبقى ويظلم وصله جنة ولكن جفاه جهنم

ومن شعره ـ كما في اليتيمة:
أما ترى الطل كيف يلمـع في عيون نور تدعو الى الطرب
فـي كـل عيـن للطل لؤلؤة كدمعـة في جـفون منتحب
والصبح قـد جردت صوارمه والليل قد هم منه بالــهرب
والجو فـي حلـة ممسكــة قد كتبتهــا البروق بالذهب


أدب الطف ـ الجزء الثالث 296


وقال:
يا حسن دير سعيـد إذ حللت بـه والارض والروض في وشي وديباج
فما تــرى غصنـا إلا زهرتـه تــجلوه في جبـة منـهـا ودواج
وللحمــائم ألحـان تـذكرنــا أحـبابنا بيـن أرمــال وأهـزاج
وللنسيم علــى الغـدران رفرفة يــزورهـا فتلقــاه بــامـواج
وكلنـا مــن أكاليل البهار على رؤوســنا كـأنو فــي التــاج
ونحـن فـي فلك المحيــط بنا كأننا فــي سمــاء ذات أبــراج
ولـست أنـسى ندامى وسط هيكله حتى الصبـاح غـزالا طرفه ساجي
أهز عطفـي قضيـب البان معتنقاً منـه والثـم عـينـي لــعبة العاج
وقـولتي والتفـاتي عند منصرفي والشوق يزعـج قلبـي أي إزعـاج
يا دير ياليـت داري في فـنائك أو يـا لـيـت لـي فــي درب دراج

وقال:
بنفسي حبيب بان صبري لبينه وأودعني الاشجان ساعة ودعا
وانحلني بالهجـر حتى لو أنني قذى بين جفني أرمد ما توجعا

وقال:
وليلة ليلاء في اللون كلون المفرق
كأنما نجومها في مغرب ومشرق
دراهم منثورة على بسـاط أزرق


أدب الطف ـ الجزء الثالث 297


وقال:
صـغير صرفت اليه الهوى وهل خاتم في سوى خنصر
فإن شئت فاعذر ولا تلحني وإن شئـت فالـح ولا تعذر

وقال:
ريـقته خـمر وأنـفاسه مسك وذاك الثغر كافور
أخرجه رضوان من داره مخـافة تفتتـن الـحور
يلومـه الناس على تيهـه والبــدر إن تاه فمعذور

وقال:
قل لمن يشتهي المديح ولكن دون مـعروفــه مــطال ولي
سوف اهجـرك بعـد مـد ح وتحريك وعتب وآخر الداء كي

وقال:
شعر عبـدالسلام فيـه ردي ومحـال وساقط وبديع
فهو مثل الزمان فيه مصيف وخريف وشتوة وربيع

وقال كما في أعيان الشيعة:
قمر بدير الموصل الأعلـى أنا عبده وهواه لي مـولى
لثم الصليب فقلت من حسد قبل الحبيب فمي بها اولى
جد لـي باحداهن تحيي بها قلبــي فحبته على المقلى
فاحمر من خجل وكم قطفت عينـي شقائق وجنة خجلي
وثكلت صبـري عند فرقته فعرفت كيف مصيبة الثكلى


أدب الطف ـ الجزء الثالث 298


قال السيد الامين وفي معجم البلدان: دير الاعلى بالموصل يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرف ، والى جانبه مشهد عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي ، أنتهى. اقول والحمق بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة والقاف: كان خفيف اللحية ، وبه سمي الرجل. وهو من حواري أميرالمؤمنين علي وأصفيائه. ذكر المجلسي في البحار باسناده قال: قال عمرو بن الحمق لأمير المؤمنين : والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطنيها ، ولا لالتماس سلطان يرفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين ، وابوالذرية التي هي بقية رسول الله ، وأعظم سهماً للاسلام من المهاجرين والانصار ، والله لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي(1) أبداً حتى يأتي علي يومي وفي يدي سيفي أهر به عدوك وأقوي به وليك ، ويعلي به الله كعبك ، ما ظننت اني أديت من حقك كل الحق الذي يجب لك علي. فقال اميرالمؤمنين عليه السلام: اللهم نور قلبه واهده الصراط المستقيم. ليت أن في شيعتي مائة مثلك.
وجاء في اسد الغابة ان عمرو بن الحمق الخزاعي سقى النبي (ع) فقال صلى الله عليه وآله: اللهم أمتعه بشبابه: فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء.
وقال عمرو بن الحمق يوم صفين:
تقول عرسي لما أن رأت أرقـى ماذا يهيجك من اصحاب صفينا
ألست في عصبة يهدي الآله بهم أهل الكتاب ولا بغياً يريدونـا


(1) هي الممتلئة ، يقال طمى البحر اذا امتلأ ماء.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 299


فقلت إني على ما كان من رشد أخشى عواقب أمر سوف يأتينا
إدالة القـوم في أمــر يراد بنا فاقنـي حـياء وكفي ما يقولونا

ولما رفعت المصاحف يوم صفين قال عمرو بن الحمق: يا اميرالمؤمنين انا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أحببنا إلا الله عزوجل ولا طلبنا إلا الحق ولو دعانا غيرك الى ما دعوت إليه لكان فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي (اهـ) ولما قتل علي بن ابي طالب بعث معاوية في طلب أنصاره فكان فيمن طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراغ منه فارسل الى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم أن عبدالرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه الى معاوية ، فكان اول رأس حمل في الاسلام واهدي من بلد الى بلد ، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به الى آمنة في السجن وقال للحرسي إحفظ ما تتكلم به حتى تؤديه الي واطرح الرأس في حجرها ، ففعل فارتاعت له ساعة ثم وضعت يدها على رأسها وقالت: نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه الي قتيلا فاهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وانا له اليوم غير ناسية. الى آخر القصة التي ذكرت مفصلا في ترجمة آمنة. وبعد قتل عمرو كتب الحسين بن علي الى معاوية: اولست القاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح بعد ما أمنته واعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائراً نزل اليك من رأس جبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد.
قال ابن الاثير في اسد الغابة قبر عمرو بن الحمق الخزاعي مشهور بظاهر الموصل يزار وعليه مشهد كبير ، ابتدأ بعمارته أبوعبدالله سعيد بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابن حمدان في شعبان سنة ست وثلاثين وثملثمائة

أدب الطف ـ الجزء الثالث 300


وجاء في اليتيمة من شعر ابي بكر محمد بن هاشم الخالدي ، قال: وهو في نهاية الحسن.
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج لأرتك سالفتي غزال أدعج

اقول وقد مرت عليك هذه القطعة في ترجمة السري الرفاء وعلمت ما كان بينهما من المنافسة والله اعلم انها لهذا او لذاك.
وقال:
قـلت لمـا بدا الهـلال لعين منعتها مـن الكـرى عينا كا
يا هلال السماء لولا هلال الا رض ما بت ساهراً أرعا كا

وقال وقد أمر الامير بجمع المتكلمين ليتناظروا بحضرته في يوم دجن:
هـو يوم كـما ترا ه مليح الشــمائل
هـاج نوح الـحمام فيـه غنـاء البلابل
ولركب السحاب في الجـو حـق كباطل
مثلمـا فـاه في الـ ـهند بعض الصياقل
جـليت شــمسه لر قته فــي غـلائل
وعمــود الـزمان مـعتـدل غير مائل
حين ساوى حر الهوا جـر بـرد الأصائل
وغدا الروض في ملا ئــده والخلاخــل


أدب الطف ـ الجزء الثالث 301


فمن العجز ان تـرى فيــه طـوع العواذل
يــا لهذا ابي الهذيل وتـوصيـل واصــل
ومـلاحــاة عـاقل ومقـاساة جــاهــل
وخـصـوم يكابـرو ن وضــوح الـدلائل
انف كيد الجدال عنك بـصـيــد الأجـادل(1)
كـل صـلب العظام واللحم رطب المفاصل
وهو أهدى من الردى فـي طريــق المقاتل
كــم غدونـا بــه لـطير التلاع السوابـل
فانـبرى أخرس الجنا ح صخـوب الجـلاجل
وتعامـى عـن الشوى واهـتـدى للشـواكـل
بســكاكينـه التــي ثبتـت فـي الانـامـل
عقفت ثم أرهـفــت فهـي مثـل الـمناجـل(2)
صاعد خلف صـاعـد نـازل خلـف نــازل
فتــردى رداء لـهـو إلى الليـل شــامــل
ثــم انثنـى جـذلان بــين الــقنا والقنابل
نحو ربع مــن المـكا رم والـمجــد آهــل
فنــرى الأنـس فـي عبيدك عـذب المنــاهل
مـن عـقــول قــد بلبلتهن صـفراء بـابـل
فـإذا الليل كــف كـل رقــيــب وعـــاذل
صـرت الفرش تحت قو م صريـر الـمـحـامـل


(1) الاجادل جمع اجدل وهو الصقر
(2) عقف السكين ، لواها.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 302


وقال:
راح كضوء الشهاب سـلافــة الاعناب
والـمزج ماء غدير صاف كمـاء الشباب
لو لم يكن ماء مزن لكـان لمـع سـراب
كأنـه جـسـم در عـليــه درع حباب
يجري خلال حصى أبيض كقطر السحاب
كأنه الريق يـجري على الثنايـا العـذاب

وقال:
وكـم من عدو صار بعد عداوة صديـقاً مجـلا في المجالس معظما
ولا غرو فالعنقود في عود كرمه يـرى عنبا من بعد ما كان حصر ما

وقال في هجاء شاعر:
لو أن في فمه جمراً وانشدنا شعراً لما ضره من برد إنشاده


أدب الطف ـ الجزء الثالث 303


استدراك واعتذار

جاء في الجزء الثاني من أدب الطف ص 319 ذكر القصيدة الرائية المعروفة بالبسامة وأولها:
الدهر يفجع بعد العين بالاثر فما البكاء على الاشباح والصور

ونسبناها الى ابن زيدون ، والحقيقة أنها لابن عبدون ، وأوقعنا بهذا الخطأ زميلنا المعاصر الخطيب السيد علي الهاشمي إذ نسبها لابن زيدون كما جاء في كتابه (المطالب المهمة) ص 344 والمطبوع في النجف الاشرف 1388 هـ.
وزيادة في الايضاح تذكر ترجمة للشاعرين: اما ابن زيدون فهو: ذو الوزارتين احمد بن عبدالله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الاندلسي. ولد بقرطبة سنة 394 ، شاعر مقدم وكاتب بليغ ، علق بحب ولادة بنت المستكفي بالله ، فألهمه حبها أروع ما صاغه في حياته من نظم ونثر ، حتى كتب على لسانها رسالة شرحها ابن نباتة المصري وسماها (سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون) . قال السيد صدر الدين المعدني في (أنوار الربيع في انواع البديع): وما أحسن قول ابو زيدون يحكي اول اجتماعه بمعشوقته ولادة ، قال:
كنت في ايام الشباب هائماً بغادة أرى الحياة متعلقة بقربها ، ولا يزيدني

أدب الطف ـ الجزء الثالث 304


امتناعها إلا اغتباطاً ، فلما ساعد القضاء وآن اللقاء كتبت إلي:
تـرقـب اذا جـن الظـلام زيارتي فانـي رأيـت الليل أكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر

ثم لما طوى النهار كافوره ، ونشر الليل عبيره ، أقبلت بقد كالقضيب في ردف كالكثيب ، وقد أطبقت نرجس المقل على ورد الخجل ، فملنا الى روض مدبج ، وظل سجسج ، قد قامت رايات أشجاره ، وامتدت سلاسل أنهاره ، ودر الطل منثور ، وجيب الراح مزرور ، فلما شببنا نارها ، وأدركت منا ثارها ، باح كل منا بحبه ، وشكا ما بقلبه ، وبتنا بليلة نجتني أقحوان الثغور ، ونقطف رمان الصدور فلما نثر الصباح لواءه ، وطوى الليل ظلماءه ، وادعتها وأنشأت:
وادع الصبـر محب ودعك ذائع من ســره ما أودعك
يقرع السن على ان لـم يكن زاد في تلك الخطا اذ شيعك
يا أخا البـدر سنـاء وسنـاً حـفظ الله زمـاناً أطلعـك
ان يـطل بـعـدك ليلي فلكم بت أشكو قـصر الليل معك

ومن بديع النثر في هذا النوع قول أبي القاسم عبدالصمد بن علي الطبري يصف متنزهاً: لله متنزهنا والسماء زرقاء اللباس ، والشمال ندية الانفاس ، والروض مخضل الازار ، والغيم منحل الازرار.
وكأن السماء تجلو عروساً وكأنا من قطره في نثار

والربى رابية الارجاء ، شاكرة صنيع الانواء
ذهب حيثما ذهبنا ودر حيث درنا وفضة بالفضاء

أدب الطف ـ الجزء الثالث 305

والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً ، والصحارى قد لبست من نسج الربيع برداً قشيبا. ولا ربع إلا وفيه للانس مربع ، ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع. والكؤوس تدور بيننا بالرحيق ، والاباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخد الشقيق. والجيوب تستغيث من أكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالاغصان عبث الدل بالغصون الرشاق ، والدن يجرح بالمبزال فتل الصائغ طرف الخلخال.
اذا فض عنه الختم فاح بنفسجا وأشرق مصباحاً ونور عصفرا

ومن شعره ما قاله من قصيدة يخاطب بها ابن جهور أيام سجنه:
ما جـاك بـعدك لحظي في سنا القمر إلا ذكــرتــك ذكر العين بالاثر
ولا استطلـت زمـام الليـل من أسف إلا على ليلـة مرت مع الـقصـر
يـا ليـت ذاك السـواد الجون متصل قـد استعـار سـواد القلب والبصر
جمعت معنى الهوى في لحظ طرفك لي ان الحوار لمفهــوم مـن الحـور
لأيهنأ الشامت الـمـرتـاح نـاظـره أنـي معنى الامـانـي ضائع الخطر
هـل الريـاح بتـخم الارض عاصفة أم الكسـوف لـغير الشـمس والقمر
ان طال فـي السجن ايداعي فلا عجب قد يودع الجفـن حـد الصارم الذكر
وان يثبـط أبـا الـحزم الـرضا قدر عن كشف ضري فلا عتب على القدر
من لـم أزل مـن تدانيـه علـى ثقة ولـم أبت مـن تجنيـه علـى حذر(1)

اما ابن عبدون صاحب القصيدة فهو الوزير ابو محمد عبدالمجيد بن عبدون والقصيدة هي المعروفة بالبسامة ، جاء في فوات الوفيات: عبدالمجيد بن عبدون بن محمد الفهري توفي سنة خمسمائة وعشرين ، كان أديباً شاعراً له مصنف

(1) عن رسالة ابن زيدون.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 306

في الانتصار لابي عبيد علي بن قتيبة ، ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى فيها ملوك بني الافطس وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان وهي:
الدهر يفجع بعد العين بالاثر فما البكاء على الاشباح والصور

وقد شرحها جماعة من ارباب الذوق والكمال ومنهم العلامة ابو القاسم عبدالملك بن عبدالله بن بدرون الحضرمي البستي ، . وفي آخر الشرح روى عن ابن الأثير انه قال: وقد اشتملت هذه القصيدة على نيف وخمسين بيتا.
وقال الشيخ القمي في الكنى. ابن عبدون من علماء العامة. ابو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري ، وزير بني الافطس ، كان أديباً شاعراً فاضلاً ، أخذ الناس عنه ، واستوزره المتوكل ابو محمد عمر بن الافطس وشهد ابن عبدون نكبته سنة 478 فرثاه بقصيدته الرائية وهي من أمهات القصائد وأولها:
الدهر يفجع بعد العين بالاثر فما البكاء على الاشباح والصور

هذ آخر ما توصلنا اليه من الالمام بشعراء القرن السادس الهجري الذين نظموا في الامام أبي عبدالله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام ، والى شعراء القرن السابع في الجزء الرابع ان شاء الله.

السابق السابق الفهرس التالي التالي