أدب الطف ـ الجزء الثالث 197


قتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جماعة نسب اليهم التدبير على صلاح الدين ومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم اليه حتى يجلسوا ولداً للعاضد وكانوا ادخلوا معهم رجلاً من الأجناد ليس من اهل مصر ، فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جرى ، فأحضرهم فلم ينكروا الآمر ولم يروه منكراً ، فأمر بصلبهم ، وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وستين وخمسمائة بالقاهرة ، وقد قبض عليهم يوم الأحد الثالث والعشرين من شعبان ، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة ابو القاسم هبة الله بن عبدالله بن الكامل: وابن عبد القوي داعي الدعاة كان يعلم بدفائن القصر فعوقب ليدل عليها فأمتنع من ذلك فمات واندرست ، والعويرس ناظر الديوان ، وشبريا كاتب السر ، وعبدالصمد الكاتب احد أمراء مصر ، ونجاح الحمامي ، ومنجم نصراني كان بشرهم بأن هذا الامر يتم لهم.
قال الصفدي في (الغيث المنسجم): انه لا يبعد ان يكون القاضي الفاضل سعى في هلاكه وحرض عليه لأن صلاح الدين لما استشاره في أمره قال: ينفى. قال: يرجى رجوعه. قال: يؤدب. قال: الكلب يسكت ثم ينبح. قال: يقتل. قال: الملوك إذا أرادوا فعلوا. وقام من فوره ، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس ، وجماعة معه من شيعتهم. ولما أخذ ليشنق قال: مروا بي على باب القاضي الفاضل. لحسن ظنه فيه. فلما رآه قام واغلق بابه ، فقال عمارة:
عبد العزيز قد احتجب إن الخلاص من العجب


أدب الطف ـ الجزء الثالث 198


محمد بن عبدالله قاضي القضاة

كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله ، قال يخاطب الحسين عليه السلام: ويعرض بنقيب العلويين رواها العماد في الخريدة:
يا راكبـا يطـوي الـفلا بشـملة حــرف وخـود
عـرج بمشـهد كـربلا وأنخ وعـفر في الصـعيد
واقـر التحـية وادع يـا ذا المـجد والبـيت المشيد
اولادك الانـجـاب فـي أرض الجـزيرة كالعـبيد
أوقـافهـم وقـف عـلى دف ومــزمـار وعـود
ومـدامة خـضبت بـها أيدي السقـاة الـى الزنود
ودعـي بيـتك لا يـفـ ـكر في الجحيم ولا الخلود
هو وابن عصرون الطويل ويـوسف النـذل اليهودي
إن كـان هـذا يـنتـمى حقـاً الى البـيت المـشيد
فـالى يـزيد الى يزيـد الـى يـزيد الـى يـزيد


أدب الطف ـ الجزء الثالث 199


قاضي القضاة بالشام كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله
قال العماد في الخريدة ـ قسم الشام ـ الجزء الثاني ص 323
هو ابن القاسم الشهر زوري ، سبق ذكر والده وشعره ، وجل امر هذا وكبر قدره ، وأقام في آخر عمره بدمشق قاضياً ووالياً ، ومتحكماً ومتصرفاً وهو ذو فضائل كثيرة ، وفواضل خطيرة وله نوادر مطبوعة ، ومآثر مجموعة ومفاخر مأثورة ، ومقامات مشكورة مشهورة ، وله نظم قليل على سبيل التظرف والتطرف فمها أنشدني لنفسه في المعلم الشاتاني وقد وصل الى دمشق في البرد:
ولما رأيت البرد ألقى جرانه وخيم في أرض الشآم وطنبا
تبينـت منـه قفلة علميـة ترد شباب الدهر بالبرد أشيبا

وقوله:
وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا بجسمي مـن داء الصبابة ألـوان
فقالوا وكل معظم بعض ما أرى أصابتك عين؟ قلت: عين واجفان

وقوله وانشدنيه لنفسه بدمشق في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمسمائة:
قلت له إذ رآه حياً ولامه واعتدى جدالا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 200


خفي نحولاً عـن المنايا اعرض عن حجتي وقالا
الطيف كيف اهتدى اليه قلت: خيال أتـى خيـالا

ولي في كمال الدين قصائد ، فانني لما وصلت الى دمشق في سنة اثنتين وستين سعى لي بكل نجح وفتح علي باب كل منح ، وهو ينشدني كثيراً من منظوماته ومقطوعاته فمما اثبته من شعره قوله:
قد كنت عـدتي التي أسطو بها يومـاً إذا ضاقت علي مذاهبي
والآن قد لـويت عني معرضاً هذا الصدود نقيض صد العاتب
وأرى الليالي قد عبثن بصعدتي فحنـينها وألـن مني جـانبي
وتـركت شلوي لليدين فريسة لا يستطيع يـرد كف الكاسب

وقوله:
ولي كـتائب أنفـاس أجهـزها الى جنابك الا انها كتب
ولي أحاديث من نفسي أسر بها إذا ذكرتك إلا أنها كذب

ولكمال الدين الشهر زوري أيضاً:
أنيـخا جـمالي بابـوابـها وحطابها بين خطابها
وقـولاً لخـمارها لا تـبع سواي فاني أولى بها
وساوم وخذ فوق ما تشتهي وبـادر إلي بأكوابها
فـإنا أنـاس نسـوم المدا م بـأموالها وبألبابها

وقوله:
ولـو سلمت ليلى غداة لقيتها بسفح اللوى كادت لها النفس تخشع
ولكن حزمي ما علمت ولوثة البـداوة تـأبى أن أليـن وتـمنع


أدب الطف ـ الجزء الثالث 201


ولست أمـرءاً يشكـو اليك صبابة ولا مقلة إنسانها الدهر يدمع
ولكنني أطوي الضلوع على الجوى ولـو أنها مـما بها تتـقطع

وقوله:
سنـنا الجاشرية للبـرايا وعلمناهم الرطل الكبيرا
وأكببنا نعب على البواطي وعطلنا الإدارة والمديرا

وقوله:
رأى الصمصمام منصلتاً فطاشاً فلما أن فرى ودجيه عاشا
وآنس مـن جناب الطـور ناراً فلابسها وصار لها فراشا

وانشدني كمال الدين لنفسه بدمشق في ثالث ربيع الاول سنة إحدى وسبعين:
ولقد اتيتك والنجوم رواصد والفجر وهم في ضمير المشرق
وركبت للأهوال كل عظيمة شـوقاً إلـيك لعلنـا أن نلـتقي

قوله: والفجر وهم في ضمير المشرق في غاية الحسن مما سمح به الخاطر اتفاقاً ، وفاق الكمال إشرافاً وإشراقاً ، وتذكرت قول أبي يعلى بن الهبارية الشريف في معنى الصبح وابطائه:
كم ليلة بـت مطـوياً على حـرق أشكو الى النجم حتى كاد يشكوني
والصبح قد مطل الشرق العيون به كـأنه حاجـة في كـف مسكين

يقع لي أنه لو قال: كأنه حاجة تقضى لمسكين ، لكان أحسن فإنها تمطل بقضائها. وشبهه كمال الدين بالوهم في ضمير المشرق وكلاهما أحسن وأجاد.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 202


وترجم له ابن خلكان في الوفيات ج1 ص 597 ترجمة وافية وقال في آخرها: وكانت ولادته سنة اثنتين وتسعين واربعمائة بالموصل ، وتوفي يوم الخميس سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بدمشق ودفن في الغد بجبل قاسيون ، وكان عمره حين توفي ثمانين سنة وأشهراً ، ورثاه ولده محي الدين محمد.
وأورد الصفدي في الوافي ج 3 ص 331 له ترجمة وطائفة من الاشعار ، وترجمه ابن الجوزي في المنتظم ج 10 ص 268 ترجمة مختصرة.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 203


قطب الدين الراوندي


لآل المصطفى شرف محيط تضايق عن مراميه البسيط
إذا كــثــر الـبـلايـا فكل منهــم جـاش ربيط
إذا ما قــام قائمهم بوعظ فــإن كــلامه در لقيط
أو امتلأت بـعـدلهم ديـار تقاعس دونه الدهر القسوط
هم العلماء إن جهل البـرايا هم الموفون إن خان الخليط
بنو أعمامهم جاروا عليـهم ومال الدهر إذ مـال الغبيط
لـهمـم في كل يوم مستجد لــدى أعـدائهم دم عبيط
تناسوا ما مضى بغدير خم فـأدركـهم لشقوتهم هبوط
ألا لعنت أمـية قد أضاعوا (الحسين) كـأنه فرخ سميط
على آل الرسول صلاة ربي طوال الدهر ما طلع الشميط(1)

عن مستدرك الوسائل ج3 ص 489.

الشميط : الصبح
أدب الطف ـ الجزء الثالث 204


قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573
ابو الحسين سعد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي. امام من ائمة المذهب وعين من عيون الطائفة وعبقري من رجالات العلم والادب ، له مصنفات جليلة في مختلف العلوم الاسلامية ، لا يلحق شأوه في مآثره الجمة ولا يشق له غبار. توفي ضحوة يوم الاربعاء الرابع عشر من شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة كما في إجازات البحار نقلا عن خط شيخنا الشهيد الأول قدس الله سره. وقبره في الصحن الجديد من الحضرة الفاطمية بقم المشرفة مزار معروف ترجمه شيخنا الاميني في (الغدير) وذكر مشائخه وعدد الراوين عنه وذكر له من المؤلفات:
1 ـ سلوة الحزين.
2 ـ المغنى في شرح النهاية ، عشر مجلدات.
3 ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.
4 ـ رسالة في الناسخ والمنسوخ من القرآن.
5 ـ جنا الجنتين في ذكر ولد العسكريين.
6 ـ شرح الذريعة للشريف المرتضى 3 مجلدات.
7 ـ الخرائج والجرائح.
8 ـ الايات المشكلة.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 205


اقول ذكر له الشيخ رحمه الله 49 مؤلفاً وعدد اولاده وما كانوا عليه من المكانة العلمية والمواهب العرفانية.
وقال الشيخ القمي في الكنى والالقاب: قطب الدين الراوندي ابو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن ، العالم المتبحر الفقيه المحدث المفسر المحقق الثقة الجليل صاحب الخرائج والجرائح ، وقصص الانبياء ولب اللباب وشرح النهج وغيره ، كان من أعاظم محدثي الشيعة ، قال شيخنا في المستدرك: فضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بانواع المؤلفات المتعلقة به أظهر وأشهر من أن يذكر ، وكان له أيضاً طبع لطيف ، ولكن أغفل عن ذكر بعض أشعاره المترجمون له انتهى.
وهو أحد مشايخ ابن شهراشوب ، يروي عن جماعة كثيرة من المشائخ كأمين الاسلام والسيد المرتضى والرازي واخيه السيد مجتبى وعماد الدين الطبري وابن الشجري والآمدي ووالد المحقق الطوسي وغيرهم رضوان الله عليهم.
ولا يخفى انه غير سعيد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الفاضل المشتهر في العلوم الحكمية فانه كان من الاطباء المتميزين في صناعة الطب ، خدم المقتدى بأمر الله والمستظهر بالله بصناعة الطب ، وكان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي ، له كتاب المغنى في الطب ، صنفه للمقتدي وكتاب خلق الانسان ، توفي سنة 495.
ومن شعره كما روى السيد الامين في الاعيان قال: وللقطب الراوندي قوله:
بنو الزهراء آباء اليتـامى إذا ما خوطبوا قالوا: سلاما
هم حجج الإله على البرايا فمــن ناواهم يلق الأثـاما
فكان نهارهم أبداً صيـاما وليلهم كمـا تدري قيامــا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 206


ألم يجعل رسول الله يوم الـ ـغدير علياً الأعلى إمامــاً؟
ألـم يـك حيدر قرماً هماماً ألم يك حيدر خـيراً مقامـا؟
هم الراعون في الدنيا الذماما هم الحفاظ في الاخرى الاناما

وله:
محمد وعلي ثـم فــاطمــة مع الشهيدين زيـن العـابدين علــي
والصادقان وقد فاضت علومهما والكاظم الغيظ والراضى الرضاء علي
ثـم التقـى النقي الاصل طاهره مــحمد ثـم مـولانـا النـقي علي
ثم الزكي ومـن يرضى بنهضته أن يظـهر العـدل بين السهل والجبل
إني بـحبهم يـا رب معتصـم فاغفر بحرمتهم يوم القيامــة لــي

قال السيد في الاعيان: وفي مجموعة الجبعي عن الكفعمي انه قال: ومن شعر المترجم له في أهل البيت:
إمــامي علي كالهزبر لـدى العشا وكالبـدر وهاجاً اذا اللـيل اغطشا
إمــامي علــي خيرة الله لا الذي تخيرتم والله يخـتار مـن يــشا
أخو المصطفى زوج البتول هو الذي الى كل حسن في البرية قـد عشا
بــمولـده البيت العتيق لمـا روى رواه وفي حـجر النبوة قـد نـشا
مـوالوه قوامـون بالقسط في الورى معـادوه أكالون للسحـت والـرشا
لـه أوصـياء قـائمـون مقـامـه أرى حبهم في حبـة القلب والحـشا
هـم حجج الرحمـن عتـرة احـمد ائمة حـق لا كـمن جـار وارتشى
مـودتهم تهــدي الى جنـة العـلى ولكنـما سبـابـهم يـورث العـشا
وإنـي بـريء مـن فعـيل فـإنـه لا كفر مـن فـوق البسيطه قد مشى
فــلولاه ما تـمـت لفـعل إمـارة ولا شاع فـي الدنيا الضلال ولا فشا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 207


ومن شعره:
قسيم النـار ذو خيـر وخير يخلصني الغـداة مـن السعير
فكان محمد في الناس شـمساً وحـيدر كان كالبـدر المـنير
هما فرعان مـن عليا قـريش مصاص الخلق بالنـص الشهير
وقال له للنـبي لأنـت منـي كهارون وأنت معـي وزيري
ومن بعـدي الخليفة في البرايا وفي دار السرور على سريري
وأنت غيـاثهم والغـوث فيهم لـدى الظلماء والصبح السفور
مصيري آل احمد يوم حشري ويوم النـصر قائمهم مصيري


أدب الطف ـ الجزء الثالث 208


إبن الصيفي

ملكـنا فكان العفو منا سجية فلما ملكـتم سال بالـدم أبطـح
وحللتم قتل الاسارى وطالما غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فحسبكم هـذا التفاوت بيننا وكـل إناء بالـذي فـيه ينضح

قال ابن خلكان قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقاة أهل السنة:
رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له يا اميرالمؤمنين تفتحون مكة فتقولون: من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، ثم يتم على ولدك الحسين في يوم الطف ما تم ، فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا ، فقلت لا فقال اسمعها منه ثم استيقظت فبادرت الى دار (حيص بيص) فخرج الي فذكرت له الرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله بان كانت خرجت من فمي أو خطى الى أحد وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم انشدني الأبيات:
قال الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفي سنة 1375 هـ مطشراً هذه الأبيات:
ملكنا فـكان العفو منا سجيـة بيوم بـه بطـحاء مـكة تفـتح
فسالت بفيض العفو منا بطاحكم ولما ملـكتم سال بالـدم أبـطح
وحللتم قـتل الأسارى وطـالما فكـكنا أسيراً منـكم كاد يـذبح
وفي يوم بدر مذ أسرنا رجالكم غدونا عن الاسرى نعف ونصفح
فحسـبكم هـذا التفاوت بيـننا فـأي قبيل فقيه أربـى وأربـح
ولا غرو اذ كنا صفحنا وجرتم فكـل إناء بالـذي فيه ينـضح


أدب الطف ـ الجزء الثالث 209


شهـاب الديـن أبـو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ويقال له (حيص بيص(1)) أيضاً ، كان فقيها شاعراً أديباً له رسائل فصيحة بليغة ، وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، وهو من ولد اكثم بن الصيفي.
كانت وفاته 6 شعبان سنة 574 ببغداد ودفن في مقابر قريش ، وكان لا يخاطب أحداً إلا بكلام معرب ولم يترك عقباً.
وقال ابن خلكان: كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالري على القاضي محمد بن عبدالكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الادب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً.
وقال اليافعي في مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث سنة اربع وسبعين وخمس مائة توفي حيص بيص أبوالفوارس سعد بن محمد التميمي الشاعر وله ديوان معروف ، وكان وافر الأدب متضلعاً في اللغة بصيراً بالفقه والمناظرة ، وقال الشيخ نصر الله بن علي قال ابن خلكان وكان من ثقات أهل السنة رأيت في المنام علي بن ابي طالب (القصة) وذكره الحافظ ابو سعيد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه وحدث بشيء من مسموعاته

(1) انما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد ، فقال: ما للناس في حيص بيص ، فبقي عليه هذا اللقب ، ومعنى هاتين الكلمتين: الشدة والاختلاط.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 210


وقرأ عليه ديوانه ومسائله. وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، ويقال انه كان فيه تعاظم وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زي العرب ويتقلد سيفاً فعمل فيه ابو القاسم بن الفضل.
كم تباري و كـم تطول طرطورك مـا فيك شعرة مـن تميم
فكل الضب واقرظ الحنظل اليابس واشرب ما شئت بول الظليم
ليس ذا وجه من يضيف ولا يقري ولا يدفع الاذى عـن حريم

فلما بلغت الابيات ابا الفوارس قال:
لا تضع من عـظيم قدر وإن كنت مشـاراً إليه بالتعظيم
فالشريف الكريم ينقص قدراً بالتعدي على الشريف الكريم
ولع الخمر بالـعقول رمـى الخمر بتنـجيسها وبالتحريم

قال السيد الامين في الاعيان ج 45 ص 232 : وللسيد محمد بن السيد صادق الفحام النجفي تخميس لابيات الحيص بيص وهي:
نعم جـدنا المختار ليس أمية وجدتنا الزهراء ليست سمية
ونحن ولاة الأمر لسنا رعية ملكنا فـكان العفو منا سجية
ولما ملكتم سال بالدم أبطح
أما نحن يا اهل الضلالة والعمى عفونا بيوم الفتح عنكم تكرما
عـلام أبحتم بالطـفوف لنا دما وحللتم قتل الاسـارى وطالما
غدونا عن الأسرى نمن ونصفح
ونحن أناس لم يك الغدر شأننا ولا الاخذ بالثأر الذي كان ديننا
ولكنما نعفـو ونكظـم غيضنا فحسبكـم هـذا التفـاوت بيننا
وكل إناء بالذي فيه ينضح


أدب الطف ـ الجزء الثالث 211


وقوله في مدح أميرالمؤمنين علي عليه السلام. (1)
صـنـو النبي رأيـت قـافيـتي أوصاف ما أوتيت لا تسع(2)
فجعلت مدحي الصمت عن شرف كـل المـدائح دونـه يقع
مـاذا أقـول وكــل مـقـتـم بين الأفاضل فيـك مجتمع

ومن شعره قوله في الافتخار:
خذوا من ذمامي عـدة للـعواقـب فيا قرب ما بيني وبين المطـالـب
لواني زمامي بالـمرام ، وربـمــا نقاضيته بالمرهفـــات لقواضب
على حين ما ددت الصبا عن صبابة ذياد المطايــا عن عذاب المشارب
ورضت بأخـلاق المشيـب شبيبـة معـــاصيـة لا تستكـين لجاذب
عـقـائل عـزم لا تـباح لضارع وأســرار حـزم لاتذاع للاعـب
ولله مقذوف بـــكــل تنــوفة رأى العز أحلى من وصال الكواعب
أغـر الأعـادى انني بــت مقتراً ورب خلـو كــان عـوناً لوائب
رويدكــم إنـي مـن المجد موسر وإن صـفرت عـما أفدتم حقائبي
هـل لنــال إلا خادم شـهوة الفتى وهــل شـهوة إلا لجلب المعاطب
فلا تطلبن منــه ســوى سد خلة فـإن زاد شـيئـاً فليـكم للمواهب
سرهت(3) بادماني سرى كل حادث ولا كحـل إلا مـن غبـار المواكب
فلا تصطلوهـا ، انــها دار ميــة مواقدها هـام الملوك الأغــالـب


(1) رواها العماد الاصفهاني في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر) مطبعة المجمع العلمي العراقي.
(2) الصنو: الأخ الشقيق.
(3) مرهت عينه. خلت من الكحل.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 212


سأضرمها حمراء ينزو شرارها على جنبات القاع نزو الجنادب (1)
بكـل تميمي كـأن قميــصه يلاث بغصن الـبانة المتعاقب(2)

ومنها:
إذا كـذب الـبرق اللموع لشائم فبرق ظباها صادق غير كاذب
فوارس باتوا مجمعين فأصبحوا وآثـار عقد الرأي عقد السبائب(3)
إذا شرعوا الأرماح للطعن خلتهم بدوراً تجارى في طلاب كواكب
أسود إذا شـب الخميس ضرامه أسالوا نفوس الأسد فوق الثعالب(4)

ومنها:
وركب كأن العيس ايان ثوروا تسـاوق أعناق الصبا والجنائب(5)
خفاف على أكوارها ، فكأنهم من الوبر المأنوس عند الغوارب(6)

[هذه مبالغة في خفة الرجال على الرحال] كأنهم بعض أوبار الاباعر
إذا أضمرتهم ليلة أظهرتهم صبيحتهـا بيـن المنى والمــآرب

ومنها:
وبي ظمأ لم أرض ناقع حره سواك فهل في الكأس فضل لشارب؟


(1) الحنادب. جمع جندب ، حيوان صغير يشبه الجراد كثير القفز والوثوب.
(2) يلاث. يدار ويعصب.
(3) السبائب: جمع سبيبة ، وهي الخصلة من الشعر.
(4) الخميس: الجيش الجرار ، والضرام: لهب النار ، والثعالب: جمع ثعلب ، وهو طرف الرمح الداخل في جبة السنان
(5) الجنائب. جمع جنوب ، وهي ريح تخالف الشمال.
(6) الغوارب ، جمع غار ، وهو من البعير بين السنام والعنق.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 213


وقوله في الافتخار:
يا رواة الشعر ، لا ترووه لي فبغير الشعر شيدت رتــبي
[ودعوه لـضعاف عيـهم مانع عنهم (زهير) المـكسب](1)
وردوا الفضل ، وما بلوا به مسمعاً والشرب غير المشرب

ومنها:
لست بالقاعد عن مكرمة وأبو رغوان (2) ذو المجد أبي
عفروا للسلم من أوجهكم إنها خـيل حـكيم العــرب
قبل يوم هامه في صعد حيث مـا أبــدانه في صبب
يعسل الذئب الى معركة شائم الأرزاق عنـد الثـعلب(3)

وقوله:
اذا شوركت فــي أمر بدون فلا يغشاك عار او نفـور
تشارك فـي الحياة بغير خلف أرسطاليس والكلب العقور

وقوله:
وجوه لا يحمرها عاب جدير أن تصفر بالصغار
فما دان اللئام لغير بأس ولا لان الحديد لغير نار


(1) وزهير ، يريد به زهير بن ابي سلمى احد اصحاب المعلقات من شعراء الجاهلية.
(2) رغوان ، لقب مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، لقب به لفصاحته وجهارة صوته.
(3) عسل الذئب. اضطرم في عدوه فخفق برأسه ، شائم الأرزاق ، ناظرها وفعل شام خاص بالبرق ، يقال ، شام البرق اذا نظر الى سحابته اين تمطر.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 214


وقوله:
يلين في القول ويحنو على سامعـه وهو له يقصم
كشوكة العقرب في شكلها لها حنو وهي لا ترحم

وقوله:
لا تلطفن بذي لؤم فتطغيه واغلظ له يأت مطواعا ومذعا
إن الحديد نلين النار شدته ولو صببت عليه الماء ما لانا

ومن قوله:
هنا رجب الشهور وما يليه بقاؤك انت يا رجب الرجال
له البركات لكن كل حول وانت مبـارك في كل حال

وله من قصيدة في مدح الوزير محمود بن أبي توبة المروزي ، قلده السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي الوزارة سنة 521.
كفي مقـالك عن لومـي وتفنيدي صبابتي بالعلى لا الخرد الغيد
أطلت حتى حسبت المجد منقصة كلا ولو أنـه حتف المهاجيد
لمـا رأيت غرامـاً جل عن عذل حسبته بهوى الحسـانة الرود
لا والرواقص في الأنسـاع يبعثها رجر الحداة بإنشـاد وتغريد(1)
اذا ونين من الإرقال ، واضطرمت من اللغوب خلطن البيد بالبيد(2)
يحملن شعثاً على الأكوار تحسبهم أرمـة العيس من هم وتسهيد
ما حن قلبي الى الحسناء من علق لكنني بالمعالي جيد معمـود(3)


(1) الرواقص ، الابل المسرعة في سيرها. والانساع ، حبال من ادم عريض تشد به الرحال ، واحدها نسع بكسر النون.
(2) الارقال ، الاسراع ، والاضطمار ، الضمور ، وهو الهزال. وللغوب ، التعب والاعياء الشديد.
(3) المعمود ، هو الذي هده العشق.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 215


صبـابتي دون عـقد زانه عنــق الى لـواء أمـام الجيـش معقود
أميس تيهـاً عــلى الأحياء كلـبهم علمـاً بـأن نظيري غير موجود
كــيف الاجـادة في نظم وقافيـة عن خاطر بصروف الدهر مكدود؟
كــم قـد قـريت هني العزم نازلة والخطب يجلب في ساحات رعديد
تبصـروهــا مراحاً فـي أعنتهـا يجفـن ما بيـن مقتـول مطـرود(1)
تكــر فـي ليـلة ليلاء من رهـج على نـجيع لـخيل الله مــورود(2)
تنزو بحمس هـفت أضغــانهم بهم فـحطموا فـي التـراقي كل أملود(3)
كان فرط تـوالـي الــطعن بينهم ولغ العـواسـل أو معروف محمود(4)
الواهب الحتف والعيش الخصيب معاً فالموت بالبأس ، والإحيــاء بالجود

ومنها:
إن أمسك الغيث لم يحبس مكارمه طول المطال ولا خـلف المواعيد
مال مـذال وعـرض دون بذلته خـوض الأسنـة في ماء اللغاديد(5)
أرق مـن خلق الصهبـاء شيمته فإن يهج فـهو كـاس خلق جلمود

وقوله:
إلى م أمني النفس كل عظيمة ودهري عنها دافع لي وذائد


(1) وجف البعير والفرس يجف ، عدواً وسار العنق.
(2) الهج ، ما اثير من الغبار. والنجيع ، دم الجوف خاصة.
(3) تنزو ، تشب. والحمس ، الشجعان والاضغان ، الاحقاد الشديدة. والتراقي جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. والاملود ، هنا وصف للرمح المهتز.
(4) العواسل ، الرماح التي تهتز لينا ، وولغها ، مجاز في دخولها في الاجسام.
(5) مذال: مبتذل بالانفاق. واللغاديد: جمع لغدود: لحمة في الحلق او كالزوائد من اللحم في باطن الاذن.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 216


وأستوكف المعروف أيدي معشر تموت الأماني عندهم والمحامد
اذا أنـا بالغـر القوافي مدحتهم لغذر ، هجتني بالمديح القصائد!

وله في الحكمة:
لا تلبس الدهر على غرة فمـا لموت الحي من بد
ولا يخادعك طويل البقا فتحسب الطول من الخلد
ينفـد مـا كـان له آخر ما أقرب المهد من اللحد!

وله من قصيدة:
بنـي دارم إن لــم تغيروا فبدلوا عمـائمـكـم يــوم الكـريهة بالخمر(1)
فإن القرى والمـدن حيزت لأعبـد وما سلـمـت أفـحوصـة لفتى حـر(2)
ربطتـم بـأطناب البيوت جياد كم وخـيـل العـدى في كل ملحمة تجري
اذا ما شببتم نار حــرب وقودها صدور المواضي البيض والأسل السمر
ضـمنت لكم أن ترجمعوها حميدة تـواجـف غــب الروع بالنعم الحمر(3)
أنا المرء لا أوفي المنى عن ضراعة ولا أستفـيـد الأمن إلا مــن الذعـر
ولا أطـرق الحي اللئام بمدحة ولو عــرقتـنـي شــدة الأزم الغبــر(4)
تغـنيت عـن مـال البـخيل لأنني رأيت الـغنى بـالذل ضـرباً من الفقر


(1) الخمر ، جمع خمار ـ بكسر الخاء ـ وهو ما تغطي به المرأة رأسها ،
(2) الافحوص ، مجثم القطاة ،
(3) تواجف تتواجف ، أي تعدو وتسير العنق ، وغب كل شيء عاقبته ،
(4) الطروق. المجيء ليلاً ، وعرق العظم ، اذا أخذ عنه معظم اللحم وهبره وبقي عليه لحوم رقيقة والازم الغبر ، سنوات القحط الشداد.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 217


وله في المدح:
مسمهر البـاس مـن مضر يقشعر الموت من حـذره(1)
تـطرب الألباب مصـغية لحديث المجـد من سيـره
كلمـا أوسعــت مبتليـاً خبـره أربى على خبـره
تهـــزم الأحداث كالحة بارتجــال الرأي لا فكره
واذا مـا أجـــدبت سنة كـان سقيا الحي من مطره
هــو بحر مـن فضائله ومديحـي فيـه من درره
شرف الدين الذي وضحت ظلـم الأحداث من غرره(2)

وله من قصيدة نظمها بمرو:
اقـول لـقب هــاجه لاعج الهوى(3) بصحراء مرو واستشاطت بلابلـه
وضاقت خراسان على معرق الهوى كمـا أحرزت صيد الفلاة حبـائله
أعني على فـعل التــصبر ، إنني رأيـت جميل الصبر يـحمد فاعله
فلمـا أبى إلا غرامـاً وصبــوة أطعت هواكـم ، واستمرت شواغله
وأجـريت دمـعاً لو أصاب بسحه ربا المحل يوماً أنبت العشب هاطله
هبوني أمــرت القلب كتمان حبكم فكيـف بجسم بـاح بالوجد ناحله؟
وكنت أمرت العزم أن يخذل الهوى وكيف اعتزام المرء والقلب خاذله؟
فكيـف التسلـي بعد عشر وأربع؟ أبي لي وفاء لا تذب جـحــافله

وقوله:
أداري المرء ذا خلق نكير وأعرض صافحاً عن ذنب خلي


(1) اسمهر الرجل في القتال فهو مسمهر ، اشتد.
(2) الغرر. جمع الغرة ، وهي من كل شيء اوله واكرمه.
(3) هوى لاعج ، أي محرق والبلابل ، الهموم والوساوس.

السابق السابق الفهرس التالي التالي