أدب الطف ـ الجزء الثالث 178


وله في جارية سوداء وهو معنى حسن:
علقتها سـوداء مصـقولة سواد قلبي صفة فيها
ما انكسف البدر على تمه ونـوره إلا ليحكيها
لأجلها الأزمـان أوقاتـها مـؤرخات بلياليـها

وقال يمدح أبا القاسم بن رضوان:
انا منكـم اذا انتهيـنا الى الـعر ق التفـفنا التـفاف بان برند
نسـب لـيس بيننا فيـه فـرق غيـر عيشي حضارة وتـبد(1)
لكم الـرمـح والسنان وعـندي ما تحـبون مـن بيان ومجد
خلصوني مـن ظبـيكم أو أنادي بالذي ينقـذ الأسـارى ويفدى
فـي يـديـه غمامتـان لـظل ولقطر من غير بـرق ورعد
فـرق مـا بينه وبـين سـواه فرق ما بين لـج بحر وثمـد(2)
كـم عــدو أمـاته بـوعيـد وولي أحيـاه مــنه بـوعد
لست تدري أمن زخارف روض صاغـه الله أم لآلىء عقـد
مطـلع فـي دحى الخطوب إذا أظلمن من رأيه كواكب سعد
زادك الله مـا تشـاء مـزيـداً سـيله غير واقف عند حـد
فـي ربـيع نظير جنات عـدن وديـار جميـعها دار خـلد(3)


(1) التبدي: الاقامة بالبادية وهو ضد الحضارة.
(2) لج البحر معظمه ، والثمد: الماء القليل.
(3) عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج4 ص 97.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 179


وقال يمدح ابن فضلان ويهنئه بخلاصه من السجن:
إن الشـدائد مـذ عنين به قارعن جلموداً من الصخر
حمل النوائب فـوق عاتقه حتى رجعن إليـه بالعـذر
لا تنـكروا حبسـاً ألم به إن الحسان تصـان بالخدر
أو ليس يوسف بعد محنته نقلوه من سجـن الى قصر
أنا مـن يغالي في محبته وولائه في السـر والجـهر
ما ذاق طعم النوم ناظـره حتى البشير أتـاه بالبـشر

وقال يرثي أبا منصور بن يوسف ويعزي عنه صهره أبا القاسم بن رضوان:
لا قبـلنا في ذي المصـاب عزاء أحسن الدهر بعده أو الماء
حسـرات يا نفـس تفتك بالصـ ـبر وحزن يقلقل الأحشاء
كيف يسلو من فارق المجد والسؤ دد والحزم والندى والعلاء
والسـجايا التي إذا افـتخر الـد ر ادعاها ملاسة وصـفاء
خـرسـت ألـن النـعاة وودت كل أذن لو غودرت صماء
جهـلوا أنهـم نعوا مهـجة المجد المصفى والـعزة القعـساء
لـو أرادت عـرس المكارم بعلا عـدمت بعد فقده الأكفـاء
مـا درى حـاملوه أنهـم عنـهم أزالـوا الأظـلال والأفياء
يـودعون الثـرى كـما حكم الله بـكره غمـامـة غـراء
ولـو أن الخيار أضحـى اليـهم ما أحلو الغمـام إلا السماء
يـا لها مـن مصيبة عمـت العا لم طراً وخـصت العظماء


أدب الطف ـ الجزء الثالث 180


أنت من معشر أبى طيب الـ ـذكر عليهم أن يشمت الأعداء
فهـم كالأنام يـبلون أجـسا مـاً ولكن يخـلـدون ثـنـاء
وإذا كانت الحـياة هـي الدا ء المعـنى فقد عـدمنا الشفاء
إنما هـذه الأمـاني في النفـ ـس سـراب ما ينقع الأظماء
جلداً أيها الأجـل أبـو الـقا سم والعـود(1) يحمل الأعباء
خلق فيك أن تنـجي من الكر ب نفـوساً وتكـشف الغمـاء
ما كرهت الأقدار قط ولو جا ءت ببؤسي ولا ذممت القضاء
ولك العـزمة التي دونها الـ ـسيف نفـاذاً وجرأة ومضاء(2)

وقال يرثي ابا نصر بن جميلة صاحب الديوان:
هـذه الأرض أمـنـا وأبـونـا حمـلتنا بـالكره ظهـراً وبـطنا
لـو رجـعنا إلى اليقـين علـمنا أننا فـي الـدني نشــيد سجـنا
إنـما العـيش مـنزل فـيه بابا ن دخـلنا مـن ذا ومن ذا خرجنا
وضروب الأطيار لو طرن ما طر ن فـلا بد أن يـراجـعن وكنـا
يحسـب الهـم عمـره كل حول فـاذا استـكثر الحـساب تمـنى(3)
خـدعات مـن الزمـان إذا أبـ ـكين عينـاً منهن أضـحكن سناً
لـو درت هـذه الحمائم مـا ند ري لما رجعت على الغصن لحنا
مـورد غـص بالزحـام فـلولا سـبق مـن جاء قبـلنا لـوردنا
وأرى الدهر مفرداً وهـو في حا ل يشـن الغـارات هنـا وهـنا
مـا عليـهن لو أنـه كان أبـقى مـن أبي نصـر المهـذب ركنا
والـداً للصغـير بـراً وللــتر ب أخـاً مشفـقاً وللأكـبر ابـنا


(1) العود في الأصل المسن من الابل ويريد به هنا الشيخ الكامل.
(2) عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج4 ص 172.
(3) الهم: الشيخ الفاني.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 181


من ذيـول السحاب أطهر ذيلاً وقمـيص النسيـم اطيـب ردنـا
ما مشت في فؤاده قـدم الغـ ـش ولا أسكـن لجوانح ضغـنا
إن يكن للحياء مـاء فـما كا ن لـه غير ذلك الـوجه مـزنـا
لهف نفسي على حسام صقيل كـيف أضحت لـه الجنادل جفنا
وعـتيق أثـار بالسبـق نقعاً فـغـدا فوقـه يـهـال ويـبنى(1)
ونفيس مـن الـذخائر لم يـؤ من عليه فأسـتودع الارض خزنا
أغمـض العيـن بعده فغريب أن تـرى مـثلـه وأيـن وأنـى
فالقـصـور المشيدات تعزى والقـبـور المـبعثـرات تهـنى

ومن رائع نظمه قوله في الوزير فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير الموصلي ، انفذها اليه من واسط عندما تقلد الوزارة:
لجـاجة قلب ما يفـيق غرورها وحاجة نفـس لـيس يقضى يسيرها
وقفنـا صفوفاً في الديـار كأنها صحـائف ملقاة ونحـن سطـورها
يقول خليـلي والـظباء سـوانح أهذا الـذي تهـوى فقـلت نظيرها
لئـن شابهت أجيادهـا وعيونها لقد خـالـفت أعجازها وصـدورها
فيـا عجباً منهـا يصـيد أنيسها ويدنو علـى ذعـر اليـنا ففـورها
ومـا ذاك إلا أن غـزلان عامر تيـقن أن الزائـريـن صـقورهـا
ألـم يكفها ما قـد جنته شموسها علـى القـلب حتى ساعدتها بدورها
نكصنا على الاعقاب خوف اناثها فـما بالـهـا تـدعو نزال ذكورهـا
ووالله مـا أدري غـداة نظرتها أتلـك سـهام أم كـؤوس تديـرهـا
فإن كـن من نبل فـأين حفيفها وإن كـن من خمـر فـأين سرورها
أيا صاحبي استأذنا لـي خمارها فقد أذنت لي في الـوصـول خدورها


(1) الفرس العتيق الرائع الذي يعجب الناس بحسنه.
جواهر الأدب جمع سليم صادر ، ج4 ص 174.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 182


هـباها تجتافت عـن خليل يروعها فهل أنـا إلا كـالخيـال يزورها
وقد قلتما لي ليس فـي الارض جنة أما هذه فوق الركائـب حورهـ
فلا تحـسـبا قلـبي طليـقاً فإنـما لها الصدر سجن وهو فيه أسيرها
يعـز على الهيم الخوائض وردهـا إذا كان مـا بين الشـفاء غديرها
أراك الحمـى قل لـي بأي وسيـلة توسلـت حتى قـبلتك ثغـورها

ومن مديحها:
أعدت الى جسم الوزارة روحها وما كان يـرجى بعثها ونشورها
أقامت زمـاناً عند غيرك طامثاً وهذا زمـان قـرؤها وطهورها
من الحق أن تحيى بها مستحقها ويسترعها مـردودة مستـعيرها
إذا ملك الحسناء من ليس كفؤها أشار عليها بالطـلاق مشيـرها


أدب الطف ـ الجزء الثالث 183


وأنشده ايضاً لما عاد الى الوزارة في صفر سنة احدى وستين وأربعمائة بعد العزل ، وكان المقتدي بالله قد أعاده إلى الوزارة بعد العزل وقبل الخروج الى السلطان ملكشاه فعمل فيه صردر هذه القصيدة:
قد رجع الحـق إلـى نصـابـه وأنت مـن كـل الورى أولى به
ما كـنت إلا السـيف سلـته يد ثـم أعـادتـه الــى قـرابـه
هزته حتى أبصـرتـه صـارماً رونقه يغنـيـه عـن ضـرابـه
أكـرم بهـا وزارة مـا سلـمت ما اسـتودعـت إلا إلى أصحابه
مشـوقة الـيك مـذ فارقتـهـا شوق أخـي الشيب الـى شـبابه
مثلك محـسود ولـكن معـجـز أن يدرك الـبارق فـي سحـابه
حاولها قـوم ومـن هـذا الـذي يخـرج ليثاً خـادراً مـن غابه
يدمي أبو الأشـبال مـن زاحمـه في جـيـشـه بظـفره ونـابه
وهل رأيـت او سمعــت لابساً ما خلـع الأرقـم مـن إهـابه
تيقـنوا لـما رأوهــا ضيــعة أن ليس للـجو سـوى عـقابه
إن الـهلال يـرتـجـى طلـوعه بعد السـرار ليـلة احتـجابه
والشمس لا يؤنس مـن طلوعهـا وان طواهـا الـليل في جنابه
مـا أطيب الاوطـان الا أنــهـا للمـرء أحـلى أثر اغتـرابه
كــم عـودة دلـت عـلى مآبها والخلد للانسـان فـي مـآبه
لــو قرب الدر علـى جـالـبه ما نجح الغائص فـي طـلابه
ولـو أقـام لازمـاً أصـــدافه لم تكن التيجان فـي حـسابه
ما لؤلؤ البـحر ولا مـن صـانه إلا وراء الهـول من عبابـه

وهي قصيدة طويلة وقد اقتصرنا منها على هذا القدر.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 184


وله:
جلسة في الجحيم أحرى وأولى من نعيم يفضي الى تدنيس
ففـرارا مـن المـذلة فـي آ دم كان العصيان من إبليس

وله:
قد زان مخبره باجـمل منظر وأعن منـظره بـأحسن مخبر
ما من يتوج أو يمنطق عسجدا كمطـوق بالمـكرمـات مسور
لا تبعدن همم لـه لـو أودعت عند الكواكب لادعاها المشتري

وله:
لك المـثل الأعلـى بـكل فضـيلة اذا ملأ الـراوي بها الغور أتهما
لئالىء مـن بحـر الفضائل إن بدت لغائصـها صلى علـيها وسلـما
وما المـدح مستوف عـلاك وإنـما حقيق عـلى المنطيـق أن يتكلما

وله:
ما افتخار الفتى بثوب جديد وهو من تحته بعرض لبيس

وله:
غـدرانـه بالفضـل مملوءة متى يردهـا هـائم ينقـع
يكـشف منه الفرع عن قارح قد أحرز السـبق ولم يجذع
يشير إيمـاء الـيه الـورى إن قيل من يعرف بالاروع
يريك ما ضـمت جـلابيـبه أحـاس للـعلم في موضع
ليس جمال الـمرء في برده جماله فـي الحسب الارفع


أدب الطف ـ الجزء الثالث 185


اخطب خوارزم

ألاهـل مـن فتـى كأبي تراب إمام طـاهـر فـوق التـراب؟!
إذا ما مـقلـتي رمـدت فكحلي تراب مـس نـعل أبـي تراب
محمد الـنبي كمـصـر علـم أميـر المـؤمنيـن لـه كـباب
هو البكاء فـي المحـراب لكن هو الضحاك فـي يـوم الحراب
وعن حمراء بـيت المال أمسى وعتن صفـرائه صفر الـوطاب
شياطين الوغى دحـروا دحوراً به إذ سـل سـيـفاً كالشـهاب
علـي بالـهداية قـد تـجـلى ولمـا يـدرع بـرد الشـبـاب
علي كاسـر الأصــنام لـما علا كتف النبـي بلا احـتجاب
حـديـث بـراءة وغدير خـم وراية خيبر فـصل الخـطـاب
هما مـثلاً كهـارون ومـوسـى بتمثـيل النـبي بلا ارتـيـاب
بنى في المسجد المخصوص باباً له إذ سـد أبـواب الـصـحاب
كأن النـاس كلـهـم قـشـور ومـولانـا عـلـي كالـلبـاب
ولايتـه بـلا ريـب كطـوق على رغم المعاطـس في الرقاب
إذا عمر تـخبط فـي جـواب ينـبهـه علـي بـالـصـواب
يقـول بعـدله : لـولا علـي هلكت هلـكت فـي ذاك الجواب


أدب الطف ـ الجزء الثالث 186


ففـاطمـة ومـولانـا عـلي ونجلاه سـروري فـي الكتاب
ومن يـك دأبه تشييـد بـيت فها أنا مـدح أهل البـيت دابي
وإن يك حبهـم هيـهات عاباً فها أنا مذ عقلـت قـرين عاب
لقد قتلوا علـياً مـذ تـجـلى لأهل الحق فحلاً فـي الضراب
لقد قتلوا الرضا الحسن المرجى جواد العـرب بالسـم الـمذاب
وقد منعوا الحسين الماء ظـلماً وجدل بـالطعـان وبـالضراب
وقد صلبوا إمام الـحق زيـداً فيـا لله مـن ظـلـم عجـاب
بنات محمد في الشمس عطشى وآل يـزيـد فـي ظـل القباب
لآل يـزيـد مـن ادم خـيام واصـحاب الكسـاء بـلا ثياب


أدب الطف ـ الجزء الثالث 187


الحافظ ابو المؤيد موفق بن احمد بن ابي سعيد اسحاق بن المؤيد المكي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم كان فقيها غزير العلم ، حافظاً طايل الشهرة خطيباً طاير الصيت ، خبيراً على السيرة والتاريخ ، أديباً شاعراً ، له خطب وشعر مدون وهو صاحب (المقتل) ذكره القمي في الكنى والالقاب وقال: له كتاب في مناقب أهل البيت عليهم السلام قال في آخره:
هل أبصرت عينـاك في المحراب كأبي تراب مـن فتى محراب
لله در أبــي تـــراب إنــه أسد الحراب وزينـة المحراب
هو ضـارب وسيـوفه كـثواقب هو مطعم وجفـانه كـجـواب
هو قاصـم الاصلاب غير مدافع يـوم الهياج وقاسـم الاسلاب
ان الـنـبي مـديـنـة لعـلومه وعـلي الهـادي لـها كالباب
لولا علي ما اهتـدى فـي مشكل عمر الاصابة والهدى لصواب

كتب المرحوم الشيخ محمد السماوي له ترجمة في مقدمة كتابه (مقتل الحسين) جاء فيها قوله: وله من المصنفات كتاب الاربعين في أحوال سيد المرسلين وغيره من الكتب ثم ذكر نموذجاً من شعره ومنه قوله من قصيدة طويلة:
لقد تجمع في الـهادي أبـي حسن ما قد تفرق في الاصـحاب مـن حسن
ولم يكن في جميع الناس من حسن ما كان في المرتضى الهادي ابي الحسن
هل سابق مثله فـي السـابقين لقد جلـى إمـاماً ومـا صـلى إلى وثـن

وذكر له الشيخ الأميني قدس سره ترجمة وافية وعدد فيها مشائخه ثم

أدب الطف ـ الجزء الثالث 188


الرواة عنه كما عدد مؤلفاته وقال: ان تضلع الرجل في الفقه والحديث والتأريخ والادب الى علوم متنوعة أخرى وكثرة شهرته في عصره ومكاتبته مع اساتذة الفنون تستدعي له تآليف كثيرة وأحسب أن الأمر كان كذلك لكن ما اشتهر منها إلا كتبه السبعة التي قضت على اكثرها الايام. اقول ثم ذكرها الشيخ ومنها:
1 ـ كتاب رد الشمس لاميرالمؤمنين علي عليه السلام ، ذكره له معاصره والراوي عنه ابو جعفر ابن شهراشوب في المناقب ج 1 ص 484
2 ـ كتاب الاربعين في مناقب النبي الامين ووصيه اميرالمؤمنين ، كما في مقتله يرويه عنه ابو جعفر بن شهراشوب وقال: كاتبني به مؤلفه الخوارزمي.
3 ـ كتاب قضايا اميرالمؤمنين ذكره له ابن شهراشوب في مناقبه ج1ص484.
4 ـ ديوان شعره ، قال الحلبي في كشف الظنون ج 1 ص 524: ديوانه جيد وكان في الشعر في طبقة معاصريه.
5 ـ كتاب فضائل اميرالمؤمنين المعروف بالمناقب المطبوع سنة 1224.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 189


الفقيه عمارة اليماني

قال الفقيه عمارة اليماني يرثي اهل البيت ـ
شـأن الغـرام اجـل ان يلحـاني فيه وان كـنت الشـفيق الحاني
انا ذلك الـصب الـذي قطفـت به صلة الغـرام مطامـع السلوان
ملئت زجاجـة صـدره بضـميره فبدت خـفيـة شـأنه للشـاني
غدرت بموثقـها الدموع فـغادرت سري أسـيراً فـي يد الأعلان
عنفت اجفانـي فقـام بـعـذرهـا وجد يبيـح ودائع الأجـفـان
يا صاحبي وفي بجـانبـة الهـوى رأي الرشـاد فـما الذي تريان
بي ما يـذود عن الـتشـبب اوله ويزيل ايسره جـنون جنـاني
قبضت عـلى كف الصبابـة سلوة تنهى النهى عن طاعة العصيان
امسي وقـلبي بـين صبـر خاذل وتـجــلد قـاص وهـم دان
قد سهلت حـزن الـكلام لـنادب آل الرسـول نواعب الأحـزان
فابذل مشايعـة اللسـان ونصـره ان فـات نصـر مـهند وسنان
واجعل حديث بني الوصي وظلمهم تشبيب شكوى الـدهر والخذلان
غصبـت امـية ارث آل محـمد سفهاً وشنـت غارة الـشنـان
وغدت تخالف في الخلافة اهـلها وتقابـل الـبرهـان بالبهمـان
لم تـقتـنع احلامـها بـركوبـها ظهر النفاق وغـارب العـدوان


أدب الطف ـ الجزء الثالث 190


وقعـودهـم في رتـبة نبويـة لم يـبنها لـهـم ابـو سفيان
حتـى أضـافوا بـعد ذلك انهم اخذوا بثأر الكفر فـي الأيمان
(فاتـى زيـاد في القـبيح زيادة تركت يزيد يزيد في النقصان)
حـرب بنو حرب اقاموا سوقها وتشبهت بـهم بـنو مـروان
لهفي على الـنفر الـذين اكفهم غيث الورى ومعونة الـلهفان
اشلاؤهـم مـزق بـكل ثـنية وجسومهم صرعى بكل مكان
مالـت عليهم بـالتمـالىء امة باعت جزيل الربح بالخسران
دفعوا عن الحق الذي شهدت لهم بالنص فيه شـواهد الـقرآن(1)

وله في ذكر الخمسة صلوات الله عليهم:
حاسب ضميرك لا تأمن بواثقه وازجره من خطرات العين والأذن
وقم اذا رنقت فـي مقـلة سنة قيـام منتبـه مـن غفـلة الـوسن
مستشفعاً برسـول الـله وابنته وبعلها والحـسين الـطهر والحسن


(1) وهي في الجزء الاول من ديوانه المطبوع في مدينة شالون على شهر سون بمطبعة (موسو) سنة 1897 م .
أدب الطف ـ الجزء الثالث 191


نجم الدين ابو محمد عمارة بن ابي الحسن علي بن زيدان بن احمد الحكمي اليمني ، من فقهاء الشيعة الإمامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء أعلامهم على التشيع ، وقد زان علمه الكامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق ، وإنك لا تدري إذا نظم شعراً هل هو ينضد دراً ، أو يفرغ في بوتقة القريض تبراً ، فقد ضم شعره إلى الجزالة قوة ، وإلى السلوك رونقاً ، وفوق كل ذلك مودته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم عليهم السلام ، حتى لفظ نفسه الأخير ضحية ذلك المذهب الفاضل ، وقد أبقت تآليفه القيمة وآثاره العلمية والأدبية له ذكراً خالداً مع الأبد ، منها: النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية. وتاريخ اليمن ، وكتاب في الفرايض. وديـوان شعره. وقصيدة كتبها إلى صلاح الدين سماها: [شكاية المتكلم ونكاية المتألم](1)
قال في النكت العصرية(2): خرجت الى مكة سنة تسع واربعين وخمسمائة وفي موسم هذه السنة مات أميرالحرمين هاشم بن فليته وولي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فالزمني السفارة عنه والرسالة المصرية ، فقدمتها في شهر ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الإمام الفائز بن الظافر ، والوزير له الملك الصالح طلايع بن رزيك ، فلما أحضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتها قصيدة أولها:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم حمداً يقوم بما أولت من النعم


(1) كتاب « الغدير » للشيخ الأميني
. (2) طبع مع مختار ديوانه بـ 377 صفحة في شالون من نهر « سون » .
أدب الطف ـ الجزء الثالث 192


لا أجحد الحـق عندي للركاب يد تمنـت اللجـم فيـها رتبـة الخـطم
قربن بعد مـزار العز من نظري حتى رأيت إمام العصـر مـن أمـم
ورحن من كعبة البطحاء والحرم وفداً الى كعـبة المـعروف والكـرم
فهل درى البيـت إني بعد فرقته ما سرت من حـرم إلا إلـى حـرم
حيث الخلافة مـضروب سرادقها بين النقـيضيـن من عفـو ومن نقم
وللإمـامـة أنـوار مـقـدسـة تجلو البـغيضين مـن ظلم ومن ظلم
وللـنـبوة أبـيات ينـص لـنا على الحفيييـن من حكم ومـن حكم
وللمـكارم أعــلام تعـلـمنـا مدح الجزيليـن مـن بأس ومن كرم
وللعـلى ألسـن تـثنى محامدها على الحميدين من فعـل ومن شـيم
ورايـة الـشرف البـذاخ ترفعها يد الرفيعين مـن مـجد ومن همـم
أقسمت بالفائز المعصوم معتقـداً فوز النجـاة وأجـر الـبر في القسم
لقد حمى الديـن والدنيا وأهلهـما وزيـره الـصالح الفـارج للـغمـم
أللابس الفـخر لم تنسـج غلائله إلا يـداً لصـنيع الســيف والقلـم
وجوده أوجد الأيام مـا اقـترحت وجـوده أعـدم الشـاكـين للعـدم
قد ملكـته الـعوالي رق ممـلكة تعيـر أنـف الـثريـا عـزة الشمم
أرى مقـاماً عظيم الشأن أو همني في يقظتي انهـا مـن جمـلة الحلم
يوم من العمر لم يخطر على أملي ولا تــرقـت إليـه رغـبة الهمم
ليت الكواكب تدنـو لـي فأنظمها عقـود مدح فما أرضـى لكم كلمي
ترى الوزارة فيـه وهـي بـاذلة عنـد الخـلافة نصحاً غيـر متهم
عواطـف علـمتنا أن بـيـنهما قرابة من جميل الـرأي لا الرحـم
خليـفة ووزيـر مـد عـدلهـما ظلا على مفـرق الإسلام والامـم
زيادة النيل نقص عـند فـيضهما فما عسى يتعاطى مـنـة الـديـم


أدب الطف ـ الجزء الثالث 193


وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مراراً والاستاذون وأعيان الامراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب ، ثم أفيضت علي خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار وإذا بعض الاستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار أخرى وحمل المال معي الى منزلي ، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي وتهادتني امراء الدولة الى منازلهم للولائم واستحضرني الصالح للمجالسة ونظمني في سلك أهل المؤانسة ، وانثالت علي صلاته وغمرني بره ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحباب والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء وأباً الفتح محمود بن قادوس والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير ، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.
قال الشيخ الاميني: وله مواقف مشكورة تنم عن انه ذو حفاظ وذو محافظة ، حضر يوماً هو والرضي ابو سالم يحيى الاحدب بن ابي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين ايوب بن شادي فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين فقال:
يا مالك الأرض لا أرضى له طرفا منها وما كان منها لم يكـن طرفا
قد عجـل الله هـذي الدار تسكنها وقـد أعـد لك الجنات والغـرفا
تشرفت بك عمن كـان يسكنهــا فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا
كانوا بها صدفــاً والــدار لؤلؤة وأنت لؤلؤة صارت لها صدفــا

فقال الفقيه عمارة يرد عليه:
أئمت يا من هجا السادات والخلفا وقلت ما قلتــه في ثلبهم سخفــا
جعلتهم صدفــاً حلوا بــلؤلؤة والعرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا
وانمــا هـي دار حل جوهرهم فيها وشف فأسنـاهـا الـذي وصفا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 194


فقــال: لؤلــؤة عجبــاً ببهـجتها وكونـها حوت الأشراف والشرفا
فهم بسكنـاهم الآيــات اذ ســكنوا فيها ومن قبلها قد اسكنوا الصحفا
والجـوهر الفـرد نور ليـس يعـرفه من البرية إلا كل مـن عـرفـا
لولا تجسمهــم فيـه لكــان علـى ضعف البصائر للابصار مختطفا
فالكلب ـ يا كلب ـ أسنى منك مكرمة لأن فيه حفاظاً دائمــاً ووفــا

كان للمترجم له مكانة عالية عند بني رزيك وله فيهم شعر كثير يوجد في ديوانه وكتابه [النكت العصرية] وفي الثاني: ان الملك الصالح طلايع بعث اليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أكياس وكتب فيها بخطه:
قل للفقيـه عـمارة: يـا خير من قـد حاز فهماً ثاقباً وخطابا
اقبل نصيحة من دعـاك إلى الهدى قل: حطة وادخل إلينا البابا
تـجد الأئـمة شـافعين ولا تـجد إلا لدينا سنة وكتــابــا
وعلي أن أعلي محـلك في الورى وإذا شفعت إلي كنت مجابا
وتعــجل الآلاف وهي ثلاثــة ذهباً وقل لك النضار مذابا

فراجعه عمارة بقوله:
حاشاك من هذا الخطاب خطابا يا خير أملاك الزمان نصابا
لكـن إذا مـا أفسدت علماؤكم معمور معتقدي وصار خرابا
ودعوتم فكري إلى أقـوالـكم من بعد ذاك أطـاعكم وأجابا
فاشدد يديك على صفاء محبتي وامنن علي وسد هذا البـابـا

وقال يمدح الخليفة الفائز بن الظافر:
ولاؤك مفروض على كــل مسلــم وحبك مفروط وأفضل مغنــم
إذا المــرء لـم يكرم بحبك نفســه غدا وهو عند الله غيـر مـكرم
ورثت الهدى عن نص عيسى بن حيدر وفاطمة لا نص عيسى بن مريم


أدب الطف ـ الجزء الثالث


وقال: أطيعوا لإبـن عمي فإنـه أميني على سـر الإله المكتـم
كذلك وصي المصطفى وابن عمه إلى منجد يوم « الغدير » ومتهم
على مستوى فيه قديـم وحـادث وان كان فضل السبق للمتقـدم
ملكت قـلوب المسلمين ببيعــة أمدت بعقد من ولائـك مبـرم
وأوتيت ميراث البسيطة عـن اب وجد مضى عنـها ولـم يتقسم
لك الحق فيـها دون كـل منازع ولو انه نال السمـاك بسلــم
ولو حفظوا فيك الوصية لـم يكن لغيرك في أقطارها دون درهم

وله قصائد يرثي الملوك الفاطميين بعد انقراض دولتهم منها قصيدته:
رميت يا دهر كــف المـجد بالشلل وجيده بعد حسن الحلي بالعطــل
سعيت فـي منهج الرأي العثـور فإن قدرت من عثرات الـدهر فاستقل
جـدعت مارنـك الأقنى فأنــفك لا ينفك ما بين قرع السن والـخجل
هدمت قاعدة المعروف عـن عـجل سعيت مهلاً أما تمشي على مهل؟!
لهفي ولهف بني الآمـال قـاطبــة على فجيـعتها في أكــرم الدول
قدمــت مصـر فأولتني خـلائفها مـن المكارم ما أربى على الأمـل
قوم عرفت بهم كسب الالوف ومـن كمالها أنها جــاءت ولـم أسـل
وكنت من وزراء الدست حين سـما رأس الحصان يهـاديه على الكفل
ونلت مـن عظماء الجيش مـكرمة وخلة حرست من عـارض الخلل
يا عـاذلي في هوى أبنـاء فاطمـة لك الملامة إن قصـرت في عذلي
بالله در ساحة القصرين وابك معـي عليهما لا على صـفين والجمــل
وقل لأهليهمـا والله مـا التـحمـت فيكم جراحي ولا قرحـي بمندمـل
ماذا عسـى كانت الإفرنج فاعلــة في نسل آل أميرالمؤمنيـن علــي؟!
هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما ملكتم بين حكــم النبي والنـقــل
وقد حصلتم عليها واســم جـدكـم محمــد وأبــوكـم غيـر منتقل
مـررت بـالقصـر والأركان خالية مـن الـوفود وكانـت قبلة القبـل


أدب الطف ـ الجزء الثالث 196


فملت عنها بوجهـي خــوف منتقد من الأعادي ووجه الود لم يمـل
أسلت من أسفي دمعي غــداة خلت رحابكم وغدت مهجــورة السبل
أبكي على ما تراءت من مكارمـكم حـال الزمان عليها وهي لم تحل
دار الضيـافة كـانت أنس وافدكـم واليوم اوحش من رسم ومن طلل
وفـطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم تشكو من الدهر حيفاً غير محتمل
وكسوة الناس في الفصلين قد درست ورث منــها جديد عـندهم وبلي
وموسم كــان فـي يوم الخليج لكم يأتي تجملكم فيــه على الجمـل
وأول الـعام والعيـدين كــم لـكم فيهن من وبل جود ليس بالوشـل
والارض تهتز فـي يوم الغديـر كما يهتز مـا بين قصريكم من الأسل
والخيل تـعرض في وشي وفي شية مثل العرائس في حلي وفـي حلل
ولا حملتم قرى الأضياف من سـعة الأطباق إلا على الأكتـاف والعجل
ومــا خـصصتم ببر أهل ملتكـم حتى عممتم به الأقصى من الـملل
كــانت رواتبكــم للذمتيـن وللـ ـضيف المقيم وللطاري من الرسل
ثــم الطراز بتنيس الذي عــظمت منه الصلات لأهل الارض والدول
وللجوامــع مــن إحسانكم نعــم لـمن تصدر في علـم وفي عمـل
وربمــا عـادت الدنيـا فمعـقلـها منكم واضحت بكم محلولـة العـقل
والله لا فاز يـوم الحشر مبـغضكـم ولا نجا من عـذاب الله غـير ولي
ولا سقى الماء من حر ومـن ظمـأ من كف خير البرايا خاتـم الرسـل
ولا رأى جنـة الله التي خـلقــت من خان عهد الإمام العاضد بن علي
أئمتي وهداتــي والذخيـرة لــي إذا ارتهنت بمـا قدمـت مـن عملي
فـالله لـم أوفهــم في المدح حقهم لأن فضــلهم كـالوابــل الهطل
ولو تضـاعـفت الأقـوال واتسعت ما كنـت فيـهم بحمد الله بـالخجل
بــاب النجــاة هــم دنيا وآخرة وحبـهم فـهو أصـل الدين والعمل
نـور الهـدى ومـصابيح الدجـى و محل الغيث إن ربت الأنواءفي المحل
أئـمـة خلـقوا نـوراً فنـورهــم من مـحض خالص نـور الله لم يفل
والله مـا زلت عن حـبي لهـم أبداً ما أخـر الله لي فـي مـدة الأجـل


السابق السابق الفهرس التالي التالي