أدب الطف ـ الجزء الثالث 139


يجردهـا إذا أحـرجت سخط على قـوم ويـغمدها اغتفـار
طريدك لا يـفوتك منـه ثـأر وخصــمك لا يـقال له عثار
وفيما نلـته مـن كـل بـاغ لمن ناواك ـ لو عقل ـ اعتبار
فمر يا صاح الأمـلاك فيـنا بمـا تخـتاره فـلك الـخـيار
فقـد شفـعت إلـى ما تبتغيه لـك الأقـدار والفـلك الـمدار
ولو نوت النجوم لـه خلافـاً هوت في الجو [يذروهـا] انتثار

ومنها:
عدلت وقد قسمت وكـم ملـوك أرادوا العدل في قسم فجاروا
ففي يد جـاحـد الإحسـان غل وفي يد حـامد النعمى سوار
لقد طمحت بـطرخان(1) أمان له ولـمـثله فـيها بــوار
وحاول خطـة فيـها شمـاس على أمثـالـه وبـها نـفار
هل الحسـب الفـتي بمستقـل إذا ما عزه الحسـب النضار
أتتك بحـائن قـدمـاه سعـياً كما يسـعى إلى الأسد الحمار
وشــان قرينـه لمـا أتـاه كما قد شان أسـرتـه قـدار(2)

وأنشدني بمصر ولده القاضي الأشرف أبو البركات عبد القوي لوالده الجليس من قطعة كتبها إلى ابن رزيك في مرضه يشكو طبيباً يقال له ابن السديد على سبيل المداعبة:
وأصل بليـتي مـن قـد غزاني من السقـم المـلح بعسكرين
طــبيب طبـه كـغراب بيـن يفرق بيـن عافـيتي وبيني
وأتى الـحمى وقد شاخت وباخت فـرد لسها الشباب بنسختين


(1) هو طرخان بن سليط والي الاسكندرية ثار على طلايع فجرد له جيشاً فقضى عليه.
(2) قدار بن سالف عاقر ناقة صالح.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 140


ودبرها بتدبير لـطيـف حكاه عن سنان أو حنين(1)
وكانت نوبة في كل يوم فصيرها بحذق نوبتـين

وأنشدني أيضاً لوالده في مدح طبيب:
يا وراثـاً عـن أب وجد فضيلـة الطب والسداد
وكامـلاً رد كـل نفـس همت عن الجسم بالبعاد
اقسـم ان لو طببت دهراً لعاد كونـاً بـلا فسـاد

ورأيت من كلامه في ديوان الصالح بن رزيك: هو الوزير الكافي والوزير الكافل ، والملك الذي تلقى بذكره الكتائب وتهزم باسمه الجحافل ، ومن جدد رسوم المملكة ، وقد كان يخفيها دثورها ، وعاد به اليها ضياؤها ونورها:
وقد خـفيت مـن قبله معجزاتها فأظـهرها حتى أقـر كفورها
أعدت إلى جسـم الوزارة روحه وما كان يرجى بعثها ونشورها
أقامت زماناً عـند غيرك طامثاً وهذا أوان قـرؤهـا وطهورها
من العدل ان يحـيا بها مستحقها ويخلعــها مردودة مستعيرها
إذا خطب الحسناء من ليس أهلها أشار علـيه بالطـلاق مشيرها(2)

فقد نشرت أيامه مطوىء الهم ، وأنشرت رفات الجود والكرم ، ونفقت بدولته سوق الأداب كسدت ، وهبت ريح الفضل بعد ما ركدت إذا لها الملوك بالقيان والمعازف ، كان لهوه بالعلوم والمعارف وإن عمروا أوقاتهم بالخمر والقمر ، كانت أوقاته معمورة بالنهي والأمر:
مليك إذا ألهى الملوك عن اللها خمار ، وخمر ، هاجر الدل والدنا


(1) حنين: ابن اسحاق ، معروف.
(2) من قصيدة للشاعر صردر.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 141


ولم تنسـه الأوتـاد فيـنـة إذا ما دعاه السيف لم يثنـه المثنـى
ولو جار بالدنيا وعاد بضعفها لظـن من استـصغـاره أنه ضنـاً
ولا عيب في إنعامه غير أنه إذا مـن لـم يـتبع مواهبـه مــنا
ولا طعن في إقدامه غير أنه لبوس إلى حاجاته الضـرب والطعنا

لا شك أن هذه الأبيات لغيره.
ومن أبياته في الغزل:
رب بيض سللن باللحظ بيضا مرهفات جفونـهن الجفون
وخـدود للدمع فـيها خـدود وعيون قد فاض منها عيون

وله:
ترى أخلست فـيه الفلا بـعض رياها ففات فتيـت المسـك نشر خزاماها
ألمـت بنمـا والـليل يزهي بـلمـة دجوجيـة لم يكتمـل بـعد فواداها
فـأشرق ضـوء الصبح وهـو جبينها وفاحـت أزاهير الربا وهي ريـاها
إذا ما اجتنب من وجهها العين روضة سفحت خلال الروض بالدمع أمواها
وإني لأستسقـي السحـاب لربعهــا وإن لم تكن إلا ضلـوعي مـأواها
إذا استعرت نـار الأسى بين أضلعـي نضحت على حر الحشا برد ذكراها
ومـا بـي أن يصلـى الفـؤاد بحرها ويضـرم لولا أن في القلب مأواها

وله في غلام تركي:
ظبي من الأتراك أجفانه تسطو على الرامح والنابل
سيان منه إن رما أو رنا ليس من السهمين من وائل
يفر منه القرن خوفاً كما يفر ظـبي القاع مـن ابل


أدب الطف ـ الجزء الثالث 142


يا ويح أعدائك ما ها لهم من غصن فوق نقاً هائل
لا تـفرقوا صولة نشابه فرب سـهم ليس بالقاتل
وحـاذروا أسهـم أجفانه فسحر ذا النابل من بابل

وله في النرجس:
وقد الربيع على العيون بنرجس يحكي العيون فـقد حباها نفـسها
علقت على استحـسانه أبصارنا شغفاً إذ الأشـياء تعشـق جنسها
يلهى ويـؤنس من جـفاه خليله كم مـنة فـي أنسـه لـم أنسـها
فارض الرياض بزورة تلهو بها وأحثث على حدق الحدائق عكسها

وله:
زار وجنح الليل محلولك داج فحـياه محيــاه
ملتثمـاً يـبديـه لألآؤه والـبدر لا يكتم مسراه
نـم عليه طيـب أنفاسه كما وشى بالمسك رياه

وله:
قد طرزت وجنـاته بعذاره فكساه روض الحسن من أزهاره
وتألقت أضـداده فالماء في خـديـه لا يطفـي تلـهب ناره
وحكيته فمدامعي تهمي على نار الحشا وتزيد في استسعـاره

ومنها:
واذا بـدا فالقلـب مشغول به وإذا انثنى فالطرف في آثاره
فمتى أعان على هواه بنصرة وجوانحي للحين من أنصاره


أدب الطف ـ الجزء الثالث 143


وله من قصيدة:
وكم طامـح الآمال هـم فقـصرت خطاه به إن العلا صـعبة المرقى
وظن بـأن البـخل أبـقى لـوفره ولو أنه يدري لكـان الـندى أبقى
ظهرت فكنت الشمس جلى ضياؤها حنادس شـرك كان قد طبق الافقا
علـوت كما تعلـو ، وأشرقت مثلما تضيء ونرجو أن ستبقى كما تبقى
وهنـئت الأعـياد مـنك بـما جد تباهت به العليا وهامت بـه عشقا
مواسـم قـد جـاءت تباعاً كـأنما تروم لفرط الشوق أن تحرز السبقا
وكان لها الأضـحى إماماً أمامـها فأرهـقه النوروز يمنـعه الرفـقا
وكم هـم أن يعـدو مراراً فـرغته فأبقى ولولا فـرق بأسك ما أبـقى
أبى الله في عـصر تكون عميـده وسـائه أن يسـبق الباطل الحـقا
فـجاءك هذا سـابق جـال بعـده مصـل موكانا للـذي تبتغي وفقا
وأعقـبه عيد الغـدير(1) فلم نخل لقـرب التداني أن بينـهما فرقـا

اقول (1) ان شراح خريدة القصر يعلقون على هذا البيت (بأن الغدير من أعياد القبط المهمة ، وكان الفاطميون يحتفلون به احتفالاً مشهوداً) أصحيح انه من أعياد القبط ولم يك من أعياد المسلمين ، اليس هو اليوم الذي أكمل الله في الدين وأتم فيه النعمة ورضي بالاسلام ديناً ، أليس هو يوم الخلافة الكبرى التي نص بها على إمامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، يوم غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في أواخر السنة العاشرة من الهجرة النبوية.
ألم يكن يوم الغدير محل عناية من الله عزوجل إذ اوحاه تبارك وتعالى الى نبيه وانزل فيه قرآناً يرتله المسلمون اناء الليل وأطراف النهار « يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ».

أدب الطف ـ الجزء الثالث 144


هل خفي أمر ذلك اليوم وأمر ذلك التبليغ وقد جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس تحت سماء غدير خم عندما رجع من الحج ونزلت عليه الآلية السابقة فجمع الناس وأمرهم ان يأتوه باحداج دوابهم وان يضعوا بعضها فوق بعض وصعد حتى صار في ذروتها ، وأقام علياً الى جنبه ثم خطب خطبة طويلة وقال: أيها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين ، وإني أولى بهم من أنفسهم. ثم أخذ بيد علي فرفعها اليه حتى بان بياض إبطيه وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.
حديث الغدير رواه الصحابة والتابعون وحتى رواه النواصب والخوارج وقد صنف ابن جرير الطبري كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، ونقل عن ابن المعالي الجويني انه كان يتعجب ويقول:
شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوب عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ، ويتلوه المجلد التاسع والعشرون.
وقد جمع اميرالمؤمنين علي عليه السلام الناس في الرحبة بالكوفة كما جاء في ـ تاريخ الخلفاء ، وتذكرة الخواص ـ وذلك أيام خلافته فقال: انشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع ، ولا يقوم إلا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ، فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً ، فشهدوا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذه بيده فقال للناس: أتعلمون أني اولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم ، قال صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.
لقد كان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام يتخذون اليوم الثامن عشر

أدب الطف ـ الجزء الثالث 145


من ذي الحجة عيداً في كل عام ، يجلسون فيه للتهنئة والسرور بكل بهجة وحبور ، ويتقربون فيه الى الله بالصوم والصلاة والابتهال والادعية ، ويبالغون فيه بالبر والاحسان ، شكراً لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين بالخلافة والعهد اليه بالامامة ، وكانوا يصلون فيه أرحامهم ويوسعون على عيالهم ويزورون إخوانهم ويحفظون جيرانهم ويأمرون أولياءهم بهذا كله.
وكان معز الدولة البويهي يأمر باظهار الزينة في بغداد وفتح الأسواق بالليل كما يفعل ليالي الأعياد ويتصافحون شكراً لله تعالى على إكمال الدين وإتمام النعمة ، هكذا كان يفعل البويهيون في العراق وإيران ، والحمدانيون في حلب وما والاها ، والفاطميون في مصر والمغرب والاقصى.
لقد كان عيد الغدير في تلك الدول والحكومات عيداً رسمياً ، تحتفل به الامة الاسلامية ويجله الجميع. واذا كان الواجب يقضي علينا ان نحتفل بالأيام التي احتفل بها أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فان الامام الخامس من الأئمة وهو محمد باقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين الشهيد ابن علي بن ابي طالب عليهم السلام قد احتفل بهذا اليوم وقام الكميت الاسدي ينشده قصيدته الشهيرة التي يقول فيها:
نفى عن عينك الأرق الهجوعاً وهم يمتري منها الدموعا

الى قوله:
لدى الرحمن يشفع بالمثاني فكان له أبو حسن شفيعاً
ويوم الدوح دوح غدير خـم أبان له الولاية لو أطيعا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 146


ولكن الرجال تدافعوها فلم أر مثلها خطراً منيعاً(1)

واحتفل فيه الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وأنشده السيد الحميري قصائده المعروفة ، ومنها:
يـا بـائـع الديـن بدنـياه لـيس بـهذا أمـر الله
من أين ابغضت علي الرضا وأحـمد قد كان يرضاه
من الـذي أحمـد من بينهم يـوم غدير خـم وصاه
أقـامه مـن بين أصـحابه وهـم حـواليه فسـماه
هـذا علي بـن ابي طالـب مولى لمن قد كنت مولاه
فوال مـن والاه ياذا الـعلى وعاد مـن قد كان عاداه(2)

واحتفل فيه الإمام علي بن موسى الرضا يوم كان ينشده دعبل بن علي الخزاعي قصيدته الشهيرة التي تناقلتها المئات من الكتب ومنها:
ولو قلدوا المـوصى اليه أمـورهم لزمت بمأمـون من العثـرات
اخي خاتم الرسل المصفى من القذا ومفترس الابطال في الغمرات
فإن جـحدوا كان الغـدير شهـيده وبدر وأحد شامـخ الهـضبات

واحتفل بعيد الغدير في عهد الإمامين محمد الجواد ونجله علي الهادي عليهما السلام يوم أنشد الشاعر الفحل أبو تمام الطائي قصيدته التي يقول فيها:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله بفيحاء ما فيهم حجاب ولا ستر
أقام رسـول الله يدعوهـم بهـا ليقـربهم عرف ويـنأهم نـكر
يمـد بضبعيـه ويعـلـم أنـه ولي ومـولاكم فهل لكم خبـر


(1) الهاشميات.
(2) تذكرة سبط ابن الجوزي.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 147


ومنها:
فعلتـم بأبـناء النبي ورهطـه أفاعيل أدنـاها الخيانة والغدر
ومن قبـله أخلـفتـموا لوصيه بداهية دهـياء ليس لها قـدر
أخوه إذا يـمد الفـخار وصهره فـلا مثله أخ ولا مثله صـهر
وشـد بـه أزر النـبي محـمد كما شد من موسى بهارونه أزر
وما زال كشافاً دياجـير غمرة يمزقها عن وجهه الفتح والنصر

واحتفل فيه بعهد الإمام العسكري سلام الله عليه يوم ينشد الشاعر ابن الرومي ـ شاعر الإمام العسكري ـ إحدى روائعه:
يا هند لم أعشق ومثلي لا يرى عشـق النساء ديـانة وتحـرجا
لكـن حـبي للوصـي محـتم في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا
فهو السـراج المستنير ومن به سبب النجاة مـن العذاب لمن نجا
وإذا تركـت له المـحبة لم أجد يوم القيـامة من ذنوبي مخـرجا
قل لي أأتـرك مسـتقيم طريقة جهـلاً وأتـبع الطريق الأعـوجا
وأراه كالتبـر المصفى جوهراً وأرى ســواه لناقـديه مهـرجاً
ومحله من كـل فضـل بيـن عال محل الشمس او بـدر الدجى
قال النبي لـه مقـالاً لـم يكن (يوم الـغدير) لسامعيـه مجـمجا
من كنت مـولاه فذا مـولى له مـثلي ، وأصبـح بالفخار متـوجا
وكذاك إذ مـنع البتول جماعة خطبـوا وأكرمـه بها إذ زوجـا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 148


وعوداً على شعر القاضي الجليس ، قال:
خذها إليك بماء الطبع قد شرقت لو مازج الـبحر منـها لفظه عذبا
جوالة بنواحـي الأرض ممعنة في السير لا تشتكي أينـا ولا نصبا
ألفاظها الدر تحقيقاً ومن عجب تملى على البـحر در البحر مجتلبا

وقوله في قصيدة أولها:
دع البين تحـدونا حـثاث ركـابه فغيري من يشجوه صوت غرابه
سأركب ظهر العزم أو أرجع المنى برجعـة مـوفور الرجاء مثـابه
فإما حـياة يسـحب الـمرء فوقها ذيول الغـنـى والغز بين صحابه
وإما ممـات في العلا يتـرك الفتى يـقـال ألا لله در مـصـابــه

ومنها:
وأروع يشـكو الجـود طـول ثوائه لديه ، ويشكوا المال طول اغترابه
تصد الملوك الصيد عن قصد أرضه فـيرجعـها محـروبة بحـرابه
ويعطـفها مـيل الرقـاب مـهابـة ولـم تكـتحل أجـفانه بـترابه
وأغـزو بـأبـكار القصائـد وفـره فـأرجع قد فـازت يدي بنهـابه

وقوله:
أما وجيادك الجرد العوادي لقد شقيت بعزمتك الأعادي


أدب الطف ـ الجزء الثالث 149


رأوا أن الصـعـيد لهم ملاذ فلم يحـم الصعيد مـن الصعاد
وراموا من يديك قرى عثيداً فأهديت الحتوف على الهـوادي

وقوله وقد جمع ثمان تشبيهات في بيت واحد:
بدا وأرانـا منـظراً جامعاً لـنا تفرق من حسن عـلى الخلق مونقا
أقاحاً وراحاً تحت ورد ونرجس وليلاً وصبحاً فوق غصن على نقا

وقوله يصف الخمر:
معقة قد طال في الدن حبسها ولم يدعها شرابها بنت عامها
وقد أشبهت نار الخليل لأنها حكتها لنا في بردها وسلامها

وذكر ابن الزبير في كتابه أنه كتب اليه مع طيب أهداه:
بعثت عشاء الـى سيدي بما هو مـن خلـقه مقتبـس
هدية كل صحيح الإخاء جرى منه ودك مجرى النفس
فجد بالقبول وأيـقن بأن لفرط الحياء أتـت في الغلس

وله يصف خليلاً:
جنائب: إن قيدت فأسد ، وإن عدت بأبطـالها فهي الصـبا والجنائب
أثارت باكنـاف المصلى عجـاجة دجت وبدت للبيض منها كواكب


أدب الطف ـ الجزء الثالث 150


وله يهجو:
وكم في زبـيد مـن فقيه مصدر وفي صدره بحر من الجهل مزبد
إذا ذاب جسمي من حرور بلادكم علقت على أشـعـاركـم ابـترد

وله يصف معركة:
تكاد من النقع المـثار كـماتـها تناكر أحيانـا وإن قـرب النحـر
عجاج يظل الملتقى منه في دجى وإن لمعت أسـيافـه طـلع الفجر
وخيل يلف النشر بالترب عدوها وقتلى يعاف الأكل من هامها النسر

ومن شعره يرثى بعض أهله:
ما كان مثلك من تغتاله الغير لو كان ينفع من ضرب الردى الحذر

ومنها:
قد أعلن الدهر ، لكن غالنا صمم عنه ، وأنذرنا ، لو أغنـت النذر
يغرنا أمـل الـدنيا ويخـدعنا إن الغرور بأطماع المنى غرر

ومنها:
قد كان أنفس ما ضنت يداه به لو كان يعلم ما يأتي وما يذر
أغالب القوم مجهوداً وأيسر ما لقيتـه من أذاه العي والحصر

وقال يرثي اباه ، وقد مات غريقا في البحر بريح عصفت.
وكنت أهدي مع الريح السلام له ما هبت الريح في صبح وإمساء


أدب الطف ـ الجزء الثالث 151


إحدى ثقاتي عليه كنت أحسبها ولم أخل أنها من بعض أعدائي

ومن شعره في العتاب والاستبطاء والشكوى قوله:
كم من غريبة حكمة زارتك من فكري فما أحسنت قط ثـوابها
جاءتك ما طرقت وفود جمالها الأسماع إلا فـتحت أبـوابها
فتنتك إعجابـاً فحين هممت أن تحبو سويداء الفؤاد صـوابها
وافتك من حسد وساوس حكمة جعلت لعينك كالمشيب شبابها
فثنيت طرفك خـاشياً لا زاهداً وردتها تشكـو إلـي مآبـها
وأراك كالعنـين هـم بكاعب بكر وأعجزه النكـاح فعابها

وله في الغزل:
أشجع النفس على حربكم تقاضياً والسلم يزويها
أسومها الصبر وألحاظكم قد جعلتها من مراميها
وكيف بالصبر على أسهم نصلها بالجمر راميها

انتهى عن خريدة القصر للعماد الاصفهاني الجزء الاول ـ قسم شعراء مصر ص 189.
وفي فوات الوفيات ان القاضي الجليس كان كبير الانف ، وكان الخطيب ابو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصياد مولعاً بأنفه وهجائه وذكر أنفه في اكثر من ألف مقطوع ، فانتصر له ابو الفتح بن قادوس الشاعر فقال:
يا من يعيب أنوفنا الـ ـشم التي ليست تعاب
الأنـف خلقـة ربنـا وقرونك الشم اكتساب


أدب الطف ـ الجزء الثالث 152


وجاء في المجموع الرائق مخطوط للسيد احمد العطار رحمه الله قال:
أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحباب الاغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس المتوفي سنة 561 هجرية:
قال في مدح الملك الصالح ورثاء أهل البيت عليهم السلام.
لولا مجـانـبـة المـلول الـشـانـي ما تم شاني فـي الـغرام بشـاني
ولما دعـانـي للـهـوى فـأجـبـته طرفـي وقـلت لـعاذلي دعانـي
أغـرى الملام بـي الـغرام وانـمـا الجاني علي هـو الـذي الحانـي
وجفى الكرى الاجفان فهي لدى الدجى ترعى السها مذ بان غصـن البان
وزعمـت أن الحسن ليس بـموقـف يغتال فيه شـجـاعة الشـجـعان
هذي الحداق الـسود جـردت الظباة البيض والاجـفان كـالاجـفـان
إن قلت من القـاك فـي لجج الهوى فخضابك القـانـي الـذي القـاني
هذا الفؤاد أسيـر حبـك يـرتـجي فرجاً فهل عـان بـهـذا الـعاني
هذا الفؤاد أسيـر حـبك يـرتجـي فرجاً فهل عان شأو المزاح عناني
وتعـودنـى لمصـاب آل محـمد فكـر تعـرج بي علـى الاشجان
أأكف حربي عن بـني حـرب وقد أودى بقـبح صنيعـها الحـسنان
طلبت اميـة ثـار بـدر فـاغتدى يسقي دعاف سمامهـا السـبطان
جسد بأعـلى الـطف ظـل درية لـسـهام كل حنـية مـرنــان
ها ان قاتلـهم وتـارك نصـرهم في سـوء فعلـهما مـعاً سـيان
أسر هم سـر الـنفـاق ودوحـة مخصوصة باللـعن في الـقرآن
نبذوا كتاب الله خـلف ظـهورهم وتتابعوا في طـاعـة الشـيطان
وهفوا الى داعي الضـلال وانـما عكفوا على وثـن مـن الأوثـان


أدب الطف ـ الجزء الثالث 153


لو كـان كاشـف كـرب آل محمد فــي الـطف عاجلهم بحـتف آن
الصـالح الـملـك الـذي لـجلاله خــرت ملـوك الأرض للاذقـان
إلا تـكن فـي كـربلاء نصـرتهم بـيد فـكـم لـك نـصرة بـلسان
هذا وكم أعملت فـي يـوم الوغى رأياً صليـبـاً فـي ذوي الـصلبان
عودت بيـض الـند ألا تـنـثـني مـركـوزة بـمكامن الأضـغـان
وجمعت اشلاء الحسين وقـد غدت بـدداً فـاضـحـت في أعز مكان
وعرفت للعضو الـشريف محـله وجلـيل موضـعه مـن الـرحمن
أكرمت مثـواه لـديـك وقبل في آل الـطريـد غـدا بـدار هـوان
نقلته أيدي الـظـالمـين تطيـفه أعـوانـهـا فـي نـازح البـلدان(1)
وقضيت حق المصطفى في حمله وحظيت من ذي العرش بالرضوان
ونـصبتـه للمؤمنـيـن تـزوره مهـج الـيه شـديـدة الهـيـجان
أسكنتـه فـي خـير مأوى خطه أبنـاؤه فـي سـالـف الأزمـان
حرم يلوذ بـه الجنـاة فتـنـثنى محــبوة بـالعـفو والغـفـران
قد كان مغترباً زمـانـاً قبـل ذا فـالآن عـدت بـه الى الأوطـان
ولو استطعت جعلـت قلبك لحده في موضع التوحـيـد والايـمـان
* * *
فاق الملـوك بهـمة لـورامهـا كيوان لا ستعلت على كيوان
ومناقب تحصى الحصا وعديدها موف على التعداد والحسبان
ومجـالس تـزهى بـها أيامـه معمورة بالعرف والـعرفان


(1) يشير الى رأس الحسين عليه السلام حينما نقله الملك الصالح بن رزيك.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 154


هو سابق لهم فهل مـن لاحق هو أول فيهم فـهل مـن ثان
فأبت مدى علياك شأو بلاغتي سبقاً وقصر عنك طول لساني
مع أنني قد صغت فيك مدائحاً ما صاغها حسـان في غسان

وخرج أمر الملك الصالح بأن يعمل كل من يقرظ الشعر بحضرته على وزن القصيدة النونية ورويها التي تقدم ذكرها فيما ورد منسوباً الى ما قاله وهي:
لو لا قوامك يا قضيب البان لم يحسن القضبان في الكثبان

فقال شاعرنا:
أغرى الغري الطـرف بالهملان وأطاف يـوم الطف بي أحزاني
يا دمع ما وفيت حـق مصابهم إن أنـت لـم تمزج بأحمر قان
تبكي المحبين الصـبابة والهوى وسوى الصـبابة والهوى أبكاني
هيهات فيما قد عـانـي شاغل عن أن أجر الحب فضل عناني
لم يبق دمع العين فيـها مطمحاً لعيون عين الـرمل والـغزلان
لـمـصاب أبـناء النـبي وآله ولرزئـهم فلـتذرف العـينـان
إيهـا قريش لقـد ركبتم جهرة في آل طـه غـارب الطغيان
بشعارهم وفخارهم خضعت لكم مضر ودان لـكم بنـو قحطان
بهم أطاع عصـيها وقـصيها وانقاد جامحـها بـلا أرسـان
إن اسكتت عن أن يفوه بحقهم أمم لـخـوف مهـند وسـنان
فغداً تجـادل خصمهم وتجيبه في الحشر عنهم السنن النيران
أما الوصـي فحقه عالي السنا وضـح الصباح لمن له عينان
فاسأل ، الـفرقان تعلم فضـله إن كـنت تفهم معجز الفرقان


أدب الطف ـ الجزء الثالث 155


من كر في أصحاب بدر مبادراً وثنى بخيبر عابدي الأوثان
وأقر ديـن الله فـي أوطـانـه وأقر منهم ناظـر الايـمان
هل كان في أحد وقد دلف الردى أحد سـواه مجدل الشجعان
واسئل بخيبر عنـه تـخبر إنـه إذ ذاك كان مزلزل الأركان

وقال:
من جفـن غض الدمع أو وآله ما الدمع كفوء بجـوى الواله
لا لوم للـصب وقـد أزمعوا أن يظهر المكـتوم مـن حاله
شجاه حـاديهـم باعـجالـه وطـائـر البـان بإعــواله
آه على ريـق فـم جـاد لي بالـدر مـن حصـباء سلساله
وليت صوب الدمع لما جرى خفـف عـنه بعـض أثقـاله
وحبـذا منـه حبـاب طـفا أسكرني من قـبـل جـرياله
صير جـسمي في الهوى بالياً مبلـبل الـصـدغ بـبلـباله
مسطتـون قلـبي بلا مزعج ولا أرى أخطر فـي بـساله
وود لـو أغـفى ليحـظى به فلم يســامـحه باغـفـاله
ما ضـر مـن يـظلم أحبابه لو نـقــل الظـلم لـعذاله
لو لا الهوى ما كان ريم النقا مع ضـعفـه يسطو بريباله
ولم يكن ما أكـد الـمصطفى يـسعى المراؤون لابـطاله
أجل ولا احتالوا لكي ينقضوا دينــاً قـضى الله بأكماله
أحيـن أوصـى لأخيـه بما أوصـى تراضـيتم بادغاله
أولـى لكم قد كان أولى لكم إسعاده فـي كـل أحـواله
واستفرضـوهـا فلتة خلسة بمـاكـر للـدين خـتالـه
أهوى لها من لم يكن موقناً بمـوقـف الحشر وأهواله
وقاطعوا الرحمن واستنجدوا بعصـب الشـرك وضلاله
فان يكـن غـروا بـامهاله فما تغــرون بـاهـماله


أدب الطف ـ الجزء الثالث 156


أعيـاهـم كيـد نبـي الـهدى فانتـهزوا الـفرصة فـي آله
اودى الحسين بن الوصي الرضا بفاتـك بـالـديـن مـغـتاله
دم النبي الـطهر مـن سبـطه سـال عـلى أسـياف أقتـاله
أفـتـى أعـاديـه بـاحـلاله ولـم يـلاقـوه بـإجـلالـه
يرتع عانى الطـير في جسـمه وتلـعب الـريـح بـاوصاله
يا يـوم عـاشـوراء أنت الذي صيرت دمـعي طـوع إسباله
فاعجب لذاك الجـو لم يتخسف ولم تـصدع صـم أجبـالـه
ومـن كـلاب الكـفر إذ مكنت من اسـد الـديـن وأشبـاله
فـقـتـلوا بـالسـيـف أولاده وأوقعـوا الأسـر باطـفـاله
أنـى ارتـقت همة كف الردى لأفضل الـخلق ومفـضـاله
لـقـائـل للـحـق فـعـالـه وعـالـم بالـديـن عـماله
إن شئـت ان تصلى لظى عاده أو شئـت قـربـى جده وآله
وكـل عبـد عابـد مـؤمـن ولا كـم ســيد أعـمـالـه
فليت ان الـصالـح المرتجـى يـبلغ فـيـكم كـنه آمـالـه
اذاً فدا كـم مـن جـميع الأذى بنـفسـه الـطـهر وأمـواله
سير فيكـم مـدحـاً أصـبحت أنجـع مـن جـيش بابـطاله
كم شائـم سـحب نـدى كـفه قد اذهـب الا محال من حاله
ملك عـدا كـل مـلوك الـورى يفوقـهـم أصـغـر آمـاله
لا زال والنـصــر لـه خـادم مؤيداً فـي كـل افـعـالـه


أدب الطف ـ الجزء الثالث 157


القاضي الرشيد

القاضي الرشيد أحمد بن علي الغساني

ما للغصون تميل سكراً هل سقيت بالمزن خمرا

ومنها في المدح:
جـارى الملوك إلى العـلى لكنهم نامـوا وأسـرى
سائل بهـا عصـب النفا ق غداة كان الأمر إمراً(1)
أيام أضحى النـكر معرو فاً وأمسى العرف نكرا

الى ان وصل الى قوله:
أفكربـلاء بالعـرا ق وكربلاء بمصر اخرى ؟!(2)


(1) إمرا ، شديداً او عصيباً ، وفي القرآن الكريم « لقد جئت شيئاً إمراً » .
(2) خريدة القصر 201 شعراء مصر ، ومعجم الأدباء للحموي.

السابق السابق الفهرس التالي التالي