ادب الطف ـ الجزء الثالث 81


لولاهم كنت أفري الحادثات اذا نابت بنهضة ماضي العزم مرتجل؟
وكيف أخلع ثوب الذل حيث كفـ ـيل الحر بالعز وخد الأنيق الذلل
فما تخاف الردى نفسي وكم رضيت بالعجز خوف الردى نفس فلم تبل
إني امرؤ قد قتلت الدهر معرفة فما أبيت على يأس ولا أمل
إن يرو ماء الصبا عودي فقد عجمت منى طروق الليالي عود مكتهل
تجاوزت بي مدى الأشياخ تجربتي قدماً وما جاوزت بي سن مقتبل
وأول العمر خير من أواخره وأين ضوء الضحى من ظلمة الأصل
دوني الذي ظن اني دونه فله تعاظم لينال المجد بالحيل
والبدر تعظم في الابصار صورته ظناً ويصغر في الأفهام عن زحل
ما ضر شعري أني ما سبقت الى (أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل(1) )
فإن مدحي لسيف الدين تاه به زهواً على مدح سيف الدولة البطل

وله ايضاً:
لا ترج ذا نقص ولو أصبحت من دونه في الرتبة الشمس
كيوان (2) أعلى كوكب موضعاً وهو إذا أنصفته نحس

وترجمه السيد الامين في الأعيان فقال: أورد له صاحب الطليعة أشعاراً

(1) هذ الشطر للمتنبي يقول ما ضر شعره انه لم ينظم ما نظمه المتنبي كناية عن أنه لا يقل عنه.
(2) كيوان اسم يطلقونه على زحل وهو أشهر الكواكب على الاطلاق ، وقد كان المعتقد الى اوائل القرن التاسع عشر الميلادي انه نهاية المجموعة الشمسية لبعده السحيق وطول فلكه الذي يقطعه في نحو من سنة ، وكان عند العرب مثلاً في العلو والبعد كما قال الطغرائي:
وإن علاني من دوني فلا عجب لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

كما أنهم ظلموه فجعلوه كوكب النحس.
ادب الطف ـ الجزء الثالث 82


في أمير المؤمنين عليه السلام وفي أهل البيت عليه السلام لكنه لم يذكر من أين نقلها قال ومن شعره في أمير المؤمنين عليه السلام قوله:
أمير المؤمنين وخير ملجأ يسار الى حماه وخير حامي
كأني إن جعلت اليك قصدي قصدت الركن بالبيت الحرام
وخيل لي بأني في مقامي لديه بين زمزم والمقام
أيا مولاي ذكرك في قعودي ويا مولاي ذكرك في قيامي
وأنت اذا انتبهت سمير فكري كذلك أنت أنسي في منامي
وحبك ان يكن قد حل قلبي وفي لحمي استكن وفي عظامي
فلولا أنت لم تقبل صلاتي ولولا أنت لم يقبل صيامي
عسى أسقى بكاسك يوم حشري ويروي حين أشربها أوامي
وأنعم بالجنان بخير عيش بفضل ولاك والنعم الجسام
صلاة الله لا تعدوك يوماً وتتبعها التحية بالسلام

وقوله من أخرى في أهل البيت عليهم السلام:
خيرة الله في العباد ومن يعـ ـضد ياسين فيهم طاسين
والأولى لا تقر منهم جنوب في الدياجي ولا تنام عيون
ولهم في القرآن في غسق الليـ ـل اذا طرب السفيه حنين
وبكاء ملء العيون غزير فتكاد الصخور منه تلين

ومما قاله في الوزير ابي شجاع شاور بن مجير السعدي وزير الخليفة العاضد الفاطمي ـ كما رواه الحموي في معجم الادباء.
اذا أحرقت في القلب موضع سكناها فمن ذا الذي من بعد يكرم مثواها
وإن نزفت ماء العيون بهجرها فمن أي عين تأمل العين سقياها
وما الدمع يوم البين إلا لآلىء على الرسم في رسم الديار نثرناها
وما أطلع الزهر الربيع وإنما رأى الدمع أجياد الغصون فحلاها


ادب الطف ـ الجزء الثالث 83


ولما أبان البين سر صدورنا وأمكن فيها الأعين النجل مرماها
عددنا دموع العين لما تحدرت دروعاً من الصبر الجميل نزعناها
ولما وقفنا للوداع وترجمت لعيني عما في الضمائر عيناها
بدت صورة في هيكل فلو أننا ندين بأديان النصارى عبدناها
وما طرباً صغنا القريض وانما جلا اليوم مرآة القرائح مرآها
ليالي كانت في ظلام شبيبتي سراي وفي ليلي الذوائب مسراها
تأرج أرواح الصبا كلما سرى بأنفاس ريا آخر الليل رياها
ومهما أدرنا الكأس باتت جفونها من الراح تسقينا الذي قد سقيناها

ومنها:
ولو لم يجد يوم الندى في يمينه لسائله غير الشبيبة أعطاها
فيا ملك الدنيا وسائس أهلها سياسة من قاس الأمور وقاساها
ومن كلف الأيام ضد طباعها فعاين أهوال الخطوب فعاناها
عسى نظرة تجلو بقلبي وناظري صداه فاني دائماً أتصداها

قال العماد في الخريدة: وانشدني الشريف ادريس الحسني للمهذب بن الزبير من قصيدة في مدح ابن رزيك ايضاً أولها:
أمجلس في محل العز أم فلك هذا؟ وهل مَِلك في الدست أم مَلَك

ومنها في المدح:
أغنى عيان معانيه النواظر عن قول يلفق في قوم ويؤتفك
يا واحد الدهر لا رد على إذا ما قلت ذلك في قولى ولا درك (1)
ما كان بعد أمير المؤمنين فتى فيه الشجاعة ـ إلا أنت ـ والنسك
فالفعل منه ومنك اليوم متفق والنعت منه ومنك اليوم مشترك


(1) الدرك : التبعة
ادب الطف ـ الجزء الثالث 84


يدعى بصالح أهل الدين كلهم وأنت صالح من بالدين يمتسك
لم ترض أسماء قوم أصبحوا رمما كأن القابهم من بعدهم ترك

ومنها:
وافى فأردى رجالاً بعدما نعموا دهراً وأحيا رجالاً بعدما هلكوا

قال العماد:
ليس في هذا البيت مدح ولا ذم ، ولا له في الثناء والإطراء سهم ، أحسن بالإحياء ، أساء بالإرداء ، فكفر بهلاك اولك حياة هؤلاء ولو قال: أردى لئاماً بعدماً نعموا ، وأحيا كراماً بعد ما هلكوا ، لوفى الصنعة حق التحقيق ، وأهدى ثمرة المعنى على طبق التطبيق.
طلعت والبدر نصف الشهر في قرن فأشرقت بكما الأرضون والفلك
وأسفر الجو حتى ظن مبصره بأن لمع السنا في افقه ضحك
يقود كل مجن ضغن ذي ترة يكاد من حره الماذى ينسبك
حتى أعاد بحد السيف ملك بني الزهراء واسترجع الحق الذي تركوا
فلو يكون لهم أمثاله عضداً فيما مضى ما غدت مغصوبة فدك

وأنشدني الأمير مرهف بن أسامة بن منقذ للمهذب بن الزبير من أبيات:
بالله يا ريح الشما ل إذا اشتملت الليل بردا
وحملت من نشر الخزا مى ما اغتدى للند ندا
ونسجت في الأشجار بين غصونهن هوى وودا
هبي على بردى عساه يزيد من مسراك بردا
أحبابنا ما بالكم فينا من الأعداء أعدى
وحياة ودكم وتر بة وصلكم ما خنت عهدا


ادب الطف ـ الجزء الثالث 85


وأنشدني له من قصيدة أولها:
ربع الفؤاد خلال تلك الأربع فكأنها أولى بها من أضلعي

منها في المديح في ابن رزيك الصالح وكان يغري الشعراء بعضهم بالبعض:
يا أيها الملك الذي أوصافه غرر تجلت للزمان الأسفع
لا تطمع الشعراء في فإنني لو شئت لم أجبن ولم أتخشع
إن لم أكن ملء العيون فإنني في القول يا ابن الصيد ملء المسمع
فليمسكوا عني فلولا أنني أبقي على عرضي إذن لم أجزع
وأهم من هجوي لهم مدح الذي رفع القريض إلى الحل الأرفع
ولو أنه ناجى ضميري في الكرى طيف الخيال بريبة لم أهجع
وإذا بدا لي الهجر لم أر شخصه وإذا يقال لي الخنا لم أسمع
والناس قد علموا بأني ليس لي مذ كنت في أعراضهم من مطمع

ومنها في صفة الشعر:
فلأكسونَّ علاك كل غريبة ولجت بلطف سمع من لم يسمع
ختمت بما ابتدئت به فتقابلت أطرافها بموشح ومرصع
والشعر ما إن جاء فيه مطلع حسن أضيف إليه حسن المقطع
كالورد: أوله بزهر مونق يأتي ، وآخره بماء ممتع

وأنشدني له القاضي الأشرف أبو القاسم حمزة بن القاضي السعيد بن عثمان قال أنشدني والدي علي بن عثمان المخزومي ، قال أنشدني المهذب بن الزبير لنفسه في ابن شاور المعروف بالكامل:
وخاصمني بدر السما فخصمته بقولي فاسمع ما الذي أنا قائل
أتى في انتصاف الشهر يحكيك في البها وفي النور لكن أين منك الشمائل
فقلت له يا بدر إنك ناقص سوى ليلة والكامل الدهر كامل


ادب الطف ـ الجزء الثالث 86


وأنشدني بعض المصريين له من قصيدة أولها:
أغارت علينا باللحاظ عيون لها الحسن من خلف النقاب كمين
وسلت علينا من غمود جفونها كذلك أسماء الغمود جفون

ومنها:
أعر نظم شعري منك عيناً بصيرة ففي طيه للكيمياء كمين
فقد شاركتنا فيه كفك إذ غدت عليه لنا عند العطاء تعين

وأنشدني له أيضاً:
لقد جرد الإسلام منك مهنداً حديداً شباه لا يداوي له جرح
إقامة حد الله في الخلق حده إذا سله والصفح عنهم له صفح

وله:
وذى هيف يدعى بموسى بطرفه بقية سحر تأخذ العين والسمعا
وحياته أصداغه وعذاره يخيل لي في وجهه أنها تسعى

وله في غلام له خال بين عينيه:
ومهفهف أسياف مقلته أبداً تريق من الجفون دما
عيناه في قلبي تنازعتا فسواده قد ظل بينهما

وله في غلام تغرغرت عيناه عند الوداع:
ومرنح الأعطاف تحسب أنه رمح ولكن قد قلبي قده
إن قلت إن الوجه منه جنة أضحى يكذبني هنا لك خده
ولئن ترقرق دمعه يوم النوى في الطرف منه وما تناثر عقده
فالسيف أقطع ما يكون إذا غدا متحيراً في صفحتيه فرنده(1)


(1) فرند السيف: جوهره.
ادب الطف ـ الجزء الثالث 87


وله :
هم نصب عيني: أنجدوا أو غاروا ومنى فؤادي: أنصفوا أو جاروا
وهم مكان السر من قلبي وإن بعدت نوى بهم وشط مزار
فارقتهم وكأنهم في ناظري مما تمثلهم لي الأفكار
تركوا المنازل والديار فما لهم إلا القلوب منازل وديار
واستوطنوا البيد القفار فأصبحت منهم ديار الإنس وهي قفار
فلئن غدت مصر فلاة بعدهم فلهم بأجواز الفلا أمصار
أو جاوروا نجداً فلي من بعدهم جاران: فيض الدمع والتذكار
ألفوا مواصلة الفلا والبيد مذ هجرتهم الأوطان والأوطار
بقلائص مثل الأهلة عندما تبدو ولكن فوقها أقمار
وكانما الآفاق طراً أقسمت ألا يقر لهم عليه قرار
والدهر ليل مذ تناءت دارهم عني وهل بعد النهار نهار
لي فيهم جار يمت بحرمتي إن كان يحفظ للقلوب جوار
لا بل أسير في وثاق وفائه لهم فقد قتل الوفاء إسار

ومنها:
أمنازل الأحباب غيرك البلى فلنا اعتبار فيك واستعبار
سقياً لدهر كان منك تشابهت أوقاته فجميعه أسحار
قصرت لي الأعوام فيه فمذ نأوا طالت بي الأيام وهي قصار
يا دهر لا يغررك ضعف تجلدي إني على غير الهوى صبار

وله:
كأن قدودهم أنبتت على كثب الرمل قضبانها
حججنا بها كعبة للسرور ترانا نمسح أركانها
فطوراً أعانق أغضانها وطوراً أنادم غزلانها


ادب الطف ـ الجزء الثالث 88


على عاتق إن خبت شمسنا فضضنا عن الشمس أدنانها
وإن ظهرت لك محجوبة قرأت بأنفك عنوانها
كميت من الراح لكنما جعلنا من الروح فرسانها
إذا وجدت حلبة للسرور وكان مدى السكر ميدانها
يطوف بها بابلي الجفون تفضح خداه ألوانها
إذا ما ادعت سقماً مقلتاه أقمت بجسمي برهانها
بكأس إذا ما علاها المزاج أحال الى التبر مرجانها
كأن الحباب وقد قلد ته در يفصل عقيانها
ومسمعة (1) مثل شمس الضحى أضافت إلى الحسن إحسانها
وراقصة رقصها للحون عروض تقيد أوزانها
ولما طوى الليل ثوب النهار وجرت دياجيه أردانها
جلونا عرائس مثل اللجين ضنعنا من النار تيجانها
وصاغت مدامعها حلية عليها توشح جثمانها
رماحاً من الشمع تفري الدجى إذا صقل الليل خراصانها
بها ما بأفئدة العاشقين فليست تفارق نيرانها
وقد أشبهت رقباء الحبيب فما يدخل الغمض أجفانها
وفيها دليل بأن النفو س تبقى وتذهب أبدانها

ومن شعره ما أورده أخوه في (الجنان) وهو قوله:
لم تنل بالسيوف في الحرب إلا مثلما نلت باللواحظ منا
وعيون الظبا ظبا وبهذا سمي الجفن للتشابه جفنا

وقوله:
وقد أنكروا قتلي بسيف لحاظه ولو أنصفوني ما استطاعوا له جحدا
وقالوا دع الدعوى فما صح شاهد عليها ولسنا نقبل الكف والخدا


(1) المسمعة ، المغنية.
ادب الطف ـ الجزء الثالث 89


ولو كان حقاً ما تقول وتدعي على مقلتيه عاد نرجسها وردا
وما علموا أن الحسام بسفكه دم القرن يوماً عد أمضى الظبا حدا

وقوله:
لقد طال الليل بعد فراقه وعهدي به لولا الفراق قصير
وكيف أرجي الصبح بعدهم وقد تولت شموس منهم وبدور

وقوله:
ليت شعري كيف أنتم بعدنا أترى عندكم ما عندنا
بنتم والشوق عنا لم يبن وظعنتم والأسى ما ظعنا

ومنها:
قل لمسرورين بالبين ـ وقد شفنا من أجلهم ما شفنا ـ
لم يهن قط علينا بعدكم مثلما هان عليكم بعدنا
ولقد كنا نعزي النفس لو كنتم قبل التنائي مثلنا
لم تبالوا إذ رحلتم غدوة أي شيء صنع الدهر بنا
سهرت أجفاننا بعدكم فكأنا ما عرفنا الوسنا
لا رأت عين رأت من بعدكم غير فيض الدمع شيئاً حسنا

ومنها:
واخدعوا العين بطيف مثلما تخدع القلب أحاديث المنى

وقوله:
ويا عجباً متى النسيم يخونني ويضرم نيران الأسى بهبوبه
تحمله سلمى إلينا سلامها فيكتمه ألا يضوع بطيبه


ادب الطف ـ الجزء الثالث 90


وقوله من قصيدة:
أترى بأي وسيلة أتوسل لم تجملوا بي في الهوى فتجملوا(1)
أشكو وجوركم يزيد وما الذي يغنى المتيم أن يقول وتفعلوا
إن أصبحت عيني لدمعي منهلاً فالعين في كل اللغات المنهل

وقوله في المديح من قصيدة:
عضدت الندى بالبأس تقضي على العدا سيوفك أو نقضي عليك المكارم
سحائب جود في يديك تضمنت صواعق ظنوا أنهن صوارم
إذا ما عصت أمراً لهن قلوبهم ضلالاً أطاعت أمرهن الجماجم

ومنها:
وغر على غر جياد كأنما قوائمها يوم الطراد قوادم
إذا ابتدروا في مأقط(2) فرحت بهم صدور المذاكي والقنا والصوارم

ومنها في صفة السيوف:
تريك يروقاً في الأكف تدلنا على ان هاتيك الأكف غمائم

وقوله في الوزير رضوان بن ولخشى:
إذا قابلته ملوك البلا دخرت على الأرض تيجانها
ولله في أرضه جنة بمصر ورضوان رضوانها

وقوله من قصيدة في المدح:
وقبل كفك ـ لا زالت مقبلة ـ ما إن رأينا سحاباً قطره بدر


(1) تجمل بتشديد اللام تكلف الجميل ، ولم تجملوا: أي لم تصنعوا الجميل.
(2) المأقط ، ميدان القتال.
ادب الطف ـ الجزء الثالث 91


حيت وأردت فمن أنوائها أبداً صوب الندى والردى في الناس منهمر
أعيت صفاتك فكري وهي واضحة فالشمس يعجر عن إدراكها البصر

وقوله من قصيدة:
جمع الفضائل كلها فكأنما أضحى لشخص المكرمات مثالاً
ما كان يبقي عدله متظلماً لو كان ينصف جوده الأموالا
لا يرتضي في الجود سبق سؤال من يرجوه حتى يسبق الآمالا

وقوله من المراثي في كبير ، عقب موته نزول مطر كثير:
بنفسي من أبكى السموات موته بغيث ظنناه نوال يمينه
فما استعبرت إلا أسى وتأسفاً وإلا فماذا القطر في غير حينه؟

وقوله:
فن تك قد غاضت بجود أكفكم عيون وفاضت بالدموع عيون
وخانتكم ـ والدهر يرجى ويتقى حوادث أيام تفي وتخون
فلا تيأسوا إن الزمان صروفه وأحداثه مثل الحديث شجون

وقوله من قصيدة:
هو الدهر ، فانظر أي قرن تحاربه وقد دهمتنا دهمه وأشاهبه(2)
ليال وأيام يغر بها الورى وما هي إلا جنده وكتائبه

ومنها:
وما سمه غير الكرام كأنما مناقبهم ـ عند الفخار ـ مثالبه

ومنها:
لقد غاب عن أفق العلا كل ماجد له حاضر المجد التليد وغائبه


(1) يريد الليالي والأيام على التشبيه بالخيل.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 95


طلايع بن رزيك

يا تربـة بالــطف جادت فـوقـك الديـم الهـموعـه
وغـدا الربــيع مـقـيدا فـي ربـعك الـعافي ربيعه
حتى يرى الـدمن المروعة منـك مخصبـة ضـريعـه
ولئـن أخيف حيا السحائب فـيـك أن يــذري دموعه
وحمـتك بـارقـة الـعدى عن كـل بـارقـة لـموعه
فلقد سقـيت مـن الروابي الطهـر عـن ظـمأ نجيـعه
اذ ضيع الـقوم الشـريعة فيـه لـحفظهم الشـريعــه
منعـت لذيذ المـاء منـه كــتائـب مـنـهم مـنيعه
قد أشـرعت صـم القـنا فحمتــه مـن ورد شروعه
غدرت هنـاك ومـا وفت مضـر العـراق ولا ربيعـه
لـمـا دعـته أجـابـها ودعـا فمـا كـانت سـميعه
شـاع النفـاق بـكـربلا فيهم وقالـوا: نحــن شـيعه
هيهات سـاء صـنيعـهم فيهـا وما عـرفـوا الصنيعه
يا فـعـلة جـاؤا بـهـا فـي الغدر فاضـحة شنـيعه
خاب الذي أضحى الحسين لطول شـقـوتــه صريـعه
أفـذاك يـرجـو ان يكون مــحـمد أبـداً شفيــعـه
عجباً لمغـروريـن ضيع قومــهم بهــم الـوديـعة


أدب الطف ـ الجزء الثالث 96


ولأمـة كـانـت الـى ما شاء خـالقـها سـريعه
وغدت بحـق نـبيهـا في حفظ عتـرته مضـيعه
جـار الـظلال بهـا و نور الحق قد أبدى سطوعه
عصت النبي وأصبحت لسـواه سـامعـة مطـيعه
باعـت هناك الـديـن بالدنيا وخـسران كبـيـعه
ما كان فيما قـد مضى اسلامهـا إلا خـديـعــه
تحت السقيفة أضـمرت ما بالطـفوف غـدت مذيعه
فلذاك طاوعت الـدعي وكثـرت منـه جمـوعـه
بجيوش كفر قـد غـدا ذاك الـنفاق لهـا طـليـعه
أبني أميـة ان فعـلكم بـهـم بـئس الذريـعــة
وأبو بـنيه وصهـره وأخـوه ذو الحـكـم البديعه
ووصـيـه وأمـيـنه بعد الوفـاة عـلى الـشريعه
ما حل مـسـجده ولا بـيـت البـتول ولا بقـيعه
صبراً أميرالمؤمنين فأ نـت ذو الـدرج الـرفيـعه
صلة البني اليك كانت منـهم سبـب الـقطيـعـه


أدب الطف ـ الجزء الثالث 97


الملك الصالح فارس المسلمين طلايع بن رزيك المولود سنة خمس وتسعين وأربعمائة بأرمينية ، مدينة بأذربيجان ونشأ وتربى على الفضل والأدب والكمال وكبر النفس وسمو الغاية وبعد المقصد وقوة العقيدة ، قال المقريزي في خططه: وكان محافظاً على الصلاة ، فرائها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع. قال ابن العماد: وكان يجمع الفقهاء ، ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر.
تولى الوزارة للخليفة الفائز سنة 549 ويسمى: الملك الصالح ولم يلقب أحد من الوزراء قبله بالملك. وعلا نجمه وارتفع شأنه وعظمت هيبته لما أبداه من بطولة وسياسة وحنكة وفراسة مضافاً إلى سماحة كفه وفيض نائلة وبره بالعلماء والأدباء وإكرامه وتقديره للشعراء والفضلاء ، وكان كما قيل فيه :حاز الملك الصالح طلايع من العلوم والاداب ما لم يدانه فيه احد من الامراء والملوك في زمانه وسمع من الشعرفاكثر ، وكان متكلماً شاعراً أديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا مع مسؤوليته السياسية والتفكير في شؤون الجيش وإعداده وتأميم حياتهم الفردية والاجتماعية وما يفتقرون اليه من العتاد والأسلحة والذخائر الحربية ، كيف لا وفي نفسيته الكبيرة ذلك الأمل والطموح في غزو الصليبين وقتلهم وشن الحملات والغارات عليهم. وقد أجمع المؤرخون على فضله وعلمه وعظيم مواهبه.
قال علي بن أحمد السخاوي الحنفي: جمع له بين السلطنة والوزارة وكان

أدب الطف ـ الجزء الثالث 98


مجاهداً في سبيل الله ، وهو الذي أنشأ الجامع تجاه باب زويلة المعروف الآن يجامع الصالح. وهو بظاهر القاهرة.
وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب: الملك الصالح فارس المسلمين كان وزير مصر للخليفة العاضد يعد وزارته للفائز ، وتزوج العاضد بابنته ، وكان فاضلاً سمحاً في العطاء محباً لأهل الأدب.
ويقول المقريزي: كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب جيد الشعر ، رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله ، عظيماً في سطوته ، ولم يترك مدة أيامه غزو الفرنج وتسيير الجيوش لقتالهم في البر والبحر ، وكان يخرج البعوث في كل سنة مراراً ، وكان يحمل في كل عام الى اهل الحرمين بمكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون اليه من الكسوة وغيرها حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها ، والأقلام والمداد.
وفي سنة 559 كانت المؤامرة على اغتياله وقتله ، وبكاه الناس وندبته المحافل ورثته الشعراء منهم الفقيه عمارة اليمني رثاه بقصائدة كثيرة منها قوله:
أفي اهل ذا النادي عليهم أسائلـه فإنـي لـما بي ذاهـب اللب ذاهلـه
سمعـت حديثاً أحسد الصم عنده ويذهل داعـيه ويـخـرس قـائـله
فهل من جواب يستغيب به المنى ويعلـو على حـق المصيبة بـاطـله
وقد رابني من شاهد الحال أنني أرى الدسـت منصـوبا وما فيه كافله

ورثاه أبو الندى حسان بن نمير بقصيدة مستهلها:
جل ما أحدثت صروف الليالي عند مستقطم العلى والجلال
ملك بعد قبضه بسـط الخطـ ـب يديه إلى بنـي الآمال


أدب الطف ـ الجزء الثالث 99


جادت العين بعـد بخل عليه بيواقيت دمـعهـا والــلآلي
وغدا كـل ناطـق بـلسان موجعاً في قائلاً: مـا احتيالي
والذي كـف كفه أيدي الفقر بما بث مـن جزيـل النـوال
حل في الـترب منه من كان يرجوه ويخمشاه كل حي حلال

دفن بالقاهرة ثم نقل ولده العادل سنة 557 رفات أبيه من القاهرة الى مشهد بني له في القرافة.
وقال الشيخ القمي في الكني: الملك الصالح ابو الغارات طلايع بن رزيك بضم الراء وتشديد الزاي المكسورة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها كاف ، فارس المسلمين كان وزير مصر للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز ، وتزوج العاضد بأبنته ، وكان فاضلاً سمحا في العطاء محبا لأهل الأدب ، حكي انه ارسلت له عمة العاضد الخليفة من قتله بالسكاكين ولم يمت من ساعته وحمل الى بيته وارسل يعتب على العاضد فاعتذر وحلف وارسل عمته اليه فقتلها ، ثم مات وكان ذلك في 19 شهر رمضان سنة 556 واستقر ابنه رزيك في الوزارة ولقب الملك العادل ، وكان لطلايع المذكور شعر حسن فمنه قوله:
ابـى الله إلا أن يدين لنا الدهر ويـخدمنا في ملكنا العز والنصر
علمنا بـأن الـمال تفنى ألوفه ويبـقى لنا من بعده الذكر والاجر
خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا سحاب لديه الرعد والبرق والقطر

وله رحمه الله:
بحب علي أرتقي منكب العلى وأسحب ذيلي فوق هام السحائب
إمامـي الذي لما تلفظت باسه غلبـت به من كان بالكثر غالبي

وله:
وفي الطائر المشوي أوفى دلالة لو استيقظوا من غفلة وسبات

وفي نسمة السحر طلايع بن رزيك وزير مصر الملك الصالح فارس المسلمين

أدب الطف ـ الجزء الثالث 100


الذي قتل في 19 رمضان سنة 559 كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب شديد المغالات في التشيع له كتاب الاعتماد في الرد على اهل العناد وناظرهم عليه وهو يتضمن امامة اميرالمؤمنين عليه السلام وهو ممن أظهر مذهب الامامية ومن شعره:
يا امــة سلـكت ضلالا بينا حتى استوى اقرارها وجـحودها
قلتم الا إن المعاصي لـم تكن إلا بتـقديـر الالــه وجودهـا
لو صح ذا كان الاله بزعمكم منع الشريعة أن تـقام حـدودها
حاشـا وكـلا ان يكون إلهنا ينهى عن الفحشاء ثـم يـريدها

قال المقريزي في الخطط ج4 ص 8 زار الملك الصالح مشهد الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه في جماعة من الفقراء وإمام مشهد علي رضي الله عنه يومئذ السيد إبن معصوم (1) فزار طلايع وأصحابه وباتوا هناك فرأى السيد في منامه الإمام صلوات الله عليه يقول له: قد ورد عليك الليلة أربعون فقيراً من جملتهم رجل يقال له: طلايع بن رزيك بن اكبر محبينا فقل له: إذهب فإنا قد وليناك مصر. فلما أصبح أمر من ينادي: من فيكم اسمه طلايع بن رزيك؟ فليقم الى السيد ابن معصوم فجاء طلايع الى السيد وسلم عليه فقص عليه رؤياه ، فرحل الى مصر وأخذ امره في الرقي ، فلما قتل نصر بن عباس الخليفة الظافر إسماعيل إستثارت نساء القصر لأخذ ثاراته بكتاب في طيه شعورهن ، فحشد طلايع الناس يريد النكبة بالوزير القاتل ، فلما قرب من القاهرة فر الرجل ودخل طلايع المدينة بطمأنينة وسلام ،

(1) قال السيد ابن شدقم في (تحفة الازهار) كان ابو الحسن ابن معصوم ابن ابي الطيب احمد سيداً شريفاً جليلاً عظيم الشأن رفيع المنزلة ، كان في المشهد المغروي كبيراً عظيماً ذا جاه وحشمة ورفعة وعز واحترام عليه سكينة ووقار انتهى
قال الشيخ الاميني رحمه الله في (الغدير) وهو جد الاسرة الكريمة النجفية المعروفة اليوم ببيت الخرسان.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 101


فخلعت عليه خلايع الوزارة ولقب بالملك الصالح ، فارس المسلمين نصير الدين فنشر الأمن وأحسن السيرة (ثم ذكر حديث قتله) وقال: كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب جيد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله عظيماً في سطوته ، وجمع أموالاً عظيمة ، وكان محافظاً على الصلوات فرايضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع صنف كتاباً سماه (الاعتماد في الرد على أهل العناد) جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمن إمامة علي بن ابي طالب. عليه السلام وله شعر كثير يشتمل على مجلدين في كل فن فمنه في إعتقاده ومنه قوله:
(يا امة سلكت ضلالاً بيناً) الأبيات:
وله قصيدة سماها [الجوهرية في الرد على القدرية ].ثم قال:
ويروى : أنه لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قال: هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام وأمر بقراءة مقتله واغتسل وصلى مائة وعشرين ركعة أحيى بها ليله وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته واضطرب لذلك وجلس في دهليز دار الوزارة فأحضر ابن الصيف ـ وكان معروفاً بلف عمايم الخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل ـ ليصلح عمامته ، فقال له رجل: إن هذا الذي جرى يتطير منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل. فقال: ألطيرة من الشيطان وليس الى التأخير سبيل. ثم ركب فكان من أمره ما كان . وقال في ج 2 ص 284: قال إبن عبدالظاهر: في مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا أن طلايع ابن رزيك المنعوت بالصالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا: لا يكون ذلك إلا عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافه الفائز

السابق السابق الفهرس التالي التالي