أدب الطف ـ الجزء الثالث 63


مـن نشـرها وثغـرهـا ووجـها وقدهـا فاستـمـع اليـقـينا
يا خـائفـا علي أسـباب العـبدى أما عرفت حصنـي الحصينا
إني جعـلت في الـخطوب موئلي مـحمـداً والانـزع البـطينا
أحببت ياسـين وطـاسـين ومن يـلوم فـي ياسيـن أوطاسينا
سـر النـجاة والـمنـاجـاة لمن أوى الى الفـلك وطـور سينا
وظن بـي الاعـداء إذ مـدحتهم ما لم أكـن بمـثلـه قمـيـنا
يا ويحـهم ومـا الـذي يريـبهم مني حتى رجمـوا الـظـنونا
رفد مديـح قـدر وافـى رافـد فـلم يحنـوا ذلك الــجنـونا
وإنما أطــلب رفـداً بـاقــياً يوم يكون غيـري الـمغـبونا
يا تائهيـن فـي أضـاليل الهوى وعن سـبيل الرشـد ناكبيـنا
تـجاهـكم دار الـسلام فـابتغوا في نهجـها جبـريلـها الأمينا
لجـوامـعي الـباب وقولوا حطة تغفـر لنـا الـذنـوب أجمعينا
ذروا العـنا فـان أصحاب العبا هم النـبا إن شئـتم التبيـيـنا
ديـني الـولاء لست أبغى غيره ديناً وحسـبي بالـولاء ديـنا
هما طـريـقان فامـا شـأمـة أو فالـيميـن (فاسلكوا) اليمينا
سجنكـم سجـين إن لـم تتبعوا علـينا دلـيـل علـيــيـنا

قال العماد الاصفهاني في الخريدة: وأنشدني الفقيه عبدالوهاب الدمشقي الحنفي ببغداد سنة وخمسمائة قال: أنشدني الخطيب يحيى بن سلامة بميافارقين لنفسه من قصيدة شيعية شائعة ، رائقة رائعة ، أولها:
حنت فأذكت لوعتي حنينا أشكو من البين وتشكو البينا

ومنها في مدح أهل البيت عليهم السلام. أقول وذكر أربعة أبيات ثم أورد أكثرها في آخر الترجمة وذكر له من الشعر والنثر شيئاً كثيراً.
وكتب الى ابي محمد الحسن بن سلامة يعزيه عن أبيه أبي نصر:
لما نعى الـناعي أبـا نصر سدت علي مطالع الصبر
وجرت دموع العين ساجمة منهـلة كتتابـع القـطر


أدب الطف ـ الجزء الثالث 64


ولزمـت قلـباً كـاد يلـفـظه صدري لفرقة ذلك الصدر
ولى فأضحى العصر في عطل منه وكـان قـلادة العصر
حفروا له قـبراً ومـا علـموا ما خلفوا فـي ذلك القـبر
ما أفردوا في الترب وانصرفوا إلا فريد النـاس والـدهر
تطويه حـفرتـه فـيـنشـره في كل وقت طيب النشـر
يـبديـه لـي حـباً تـذكـره حتـى أخطـاه وما أدري
تبـاً لـدار كلـها غـصـص تأتي الوصال بنـية الهجر
تنـسي مـرارتهـا حلاوتـها وتكر بعد العـرف بالـنكر

وللخطيب المذكور الخطب المليحة والرسائل المنتقاة ولم يزل على رياسته وجلالته وإفادته إلى أن توفي سنة احدى وقيل ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وكانت ولادته في حدود سنة ستين واربعمائة رحمه الله تعالى.
قال العماد الاصبهاني في حقه: كان علامة الزمان في علمه ، ومعري العصر في نثره ونظمه ، له الترصيع البديع ، والتجنيس النفيس ، والتطبيق والتحقيق ، واللفظ الجزل الرقيق ، والمعنى السهل العميق ، والتقسيم المستقيم ، والفضل السائر المقيم.
ثم قال العماد بعد كثرة الثناء عليه وتعداد محاسنه: وكنت أحب لقاءه وأحدث نفسي عند وصولي إلى الموصل بالاتصال به ، وأنا شغف بالاستفادة كلف بمجالسة الفضلاء للاستزادة ، فعاق دون لقائه بعد الشقة وضعفي عن تحمل المشقة. ثم ذكر له عدة مقاطيع منها.
والله لو كانت الـدنيـا بأجمعها تبقي علينا ويأتي رزقها وغدا
ما كان من حق حر أن يذل لها فكيف وهي متاع يضمحل غدا

ثم قال العماد الاصبهاني وانشدني له بعض الفضلاء ببغداد خمسة أبيات كالخمسة السيارات مستحسنات مطبوعات مصنوعات وهي:

أدب الطف ـ الجزء الثالث 65


اشكو الى الله مـن ناريـن: واحدة في وجنتيه ، وأخرى منه في كبدي
ومن سقامين: سـقم قـد أحل دمي من الجفون وسـقم حل في جسدي
ومن نمومين: دمـعي حـين أذكره يذيع سـري ، وواش مـنه بالرصد
ومن ضعيفين: صبري حين أذكره ووده ويراه النـاس طـوع يـدي
مهفهف رق حتـى قلت من عجب أخصره خنصري أم جلـده جلدي

ومن مليح شعره أبيات في هجو مغن رديء وهي:
ومـسـمـع غـنـاؤه يـبـدل بالفـقر الغنى
شهدتـه فـي عـصبة رضـيـتهم لي قـرنا
أبصـرتـه فـلم تخب فـراسـتي لـما دنـا
وقـلت: مـن ذا وجهه كيـف يكـون محسنا
ورمـت أن أروح للـ ـظن به ممـتـحـنا
فقـلـت مـن بـينهم هات أخى غـن لـنا
ويـوم سـلع لـم يكن يومي بسـلع هــينا
فانشـال منه حـاجب وحاجب منه انحـنى
وامـتلأ المجلـس من فيه نسيـما مـنـتنا
أوقـع إذ وقع في الأ نفـس اسبـاب العنا
وقـال لـما قال مسن يسمع في ظـل الغنا
وما اكتفى باللحنوالتـ خلـيط حتى لـحـنا
هذا وكم تكـشخن الو غد وكـم تـقـرننا
يوهـم زمـراً انـه قطعـه ودنــدنـا
وصـاح صوتاً نافراً يخرج من حـد البنا
ومـا درى محضره ماذا على القوم جنى
فـذا يسـد أنـفـه وذا يـسـد الاذنـا
ومـنهـمو جمـاعة تستر عـنه الاعينا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 66


فاغتظـت حتى كدت من غيظي أبث الشجنا
وقـلت يـا قـوم اسمعوا إما المغنـي أو أنا
أقـسـمت لا أجلـس أو يخرج هذا من هنا
جروا بـرجل الـكلب إن السقم هـذا والضنا
قـالـوا لـقـد رحـمتنا وزلت عنـا المحنا
فحزت فــي اخـراجه راحة نفسـي والثنا
وحـين ولـى شخـصه قرأت فيهـم معلنا
الحــمـد لله الــذي أذهب عنـا الحزنا

ولم اسمع مع كثرة ما قيل في هذا الباب مثل هذا المقطوع في هذا المعنى وللخطيب المذكور ايضاً في هذا المعنى وهو:
ومسمع قـوله بالكره مسموع محجب عن بيوت الناس ممنوع
غنى فبرق عينيه وحرك لحيـ ـيه فقلنا الفتى لا شك مصروع
وقطع الشـعر حتى ود اكثرنا أن اللسان الـذي في فيه مقطوع
لم يأت دعـوة أقـوام بأمرهم ولا مضى قط إلا وهو مصفوع

قال: وأنشدني بعض الاصدقاء له من أول كلمة.
هل من سبيل إلى ريق المريق دمي فليس يشفي سوى ذاك السلمي ألمي

وله من قصيدة:
جل من صور من ماء مهين صوراً تسبي قلوب العـالمين
وأرانا قضبـاً فـي كثـب تخجل الاغصان في قدٍ ولين


أدب الطف ـ الجزء الثالث 67


وله:
من كان مـرتـدياً بالـعقل متّزراً بالعـلم ملتفعـاً بالـفضل والأدب
فقد حوى شرف الدنيا وإن صفرت كفاه من فضـة فـيها ومن ذهب
هو الغني وإن لـم يـمس ذا نشب وهو النسيب وإن لم يمس ذا نسب

وله:
غريق الذنـوب أسير الخطايا تنبه فـدنـيـاك أم الـدنـايا
تـغـر وتسـعطي ولكنـها مكدرة تــستـرد الـعـطايا
وفـي كـل يوم تسري اليك داء فجـسمـك نهـب الرزايا
أما وعظـتـك بـأحـدثها وما فعلت بـجـمـيع الـبرايا
ترى الـمرء في أسر آفاتها حبيساً على الهم نصب الرزايا
وإطلاقه حيـن تـرثـي له وحسبك ذا أن تـلاقـي المنايا
ويا راحلاً وهو ينوي المقام تـزود فـان الليـالي مطـايا

ومن شعره ما كتبه الى كمال الدين الشهرزوري بالموصل مشتملة على معاني أهل التصوف ـ كما في الخريدة:
أداروا الهوى صرفاً فغادرهم صرعى فلما صحوا من سكرهم شربوا الدمعا
وما عـلـموا أن ألهـوى لـو تكلفوا محبة أهليـه لصـار لـهم طبـعـا
ولمـا اسـتلذوا مـوتـهم بـعذابـه وعيشهم في عدمـه سـألوا الرجعى
إذا فـقدوا بـعض الـغرام تـولهوا كأن الهوى سن الغـرام لـهم شرعا
وقد دفعوا عن وجـدهـم كل سـلوة ولو وجدته ما أطـاقـت لـه دفـعا
وطاب لهم وقـع السـهام فـما جلوا لصائبها بيـضاً ولا نسجـوا درعـا
فكيف يـعد الـلوم نصـحاً لديـهم إذ كان ضـر الحـب عنـدهـم نفعا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 68


ومنها:
خلا الربـع مـن أحبابهـم وقلـوبهم ملاء بهم فالربـع مـن سأل الربعا
سل الـورق عـن يـوم الفراق فإنه بأيسر خطب منه علـمهـا السجعا
إذا صدحـت فـاعـلم بأن كـبودها مؤرثة غــماً تكـابـده صـدعى
وذاك بـأن اليــن بـان بـإلفـها وكيف ينال الوصل من وجد القطعا
وأهل الهوى إن صافحتهم يـد النوى رأوا نهيـها أمـراً وتفريـقها جمعا
رعى وسقى الله القلوب التـي رعت فأسقت بما ألقت وأخرجت المرعى
وحياً وأحيا أنفساً أحيـت الـنهــى وحيت فاحيتنـا منـاقبـها سـمعاً
سحائب إن شيمت عن الموصل التي بها حلت الانـواء أحسنـت الصنعا
أوائلها من شـهر زور إذا اعتـزت جزى الله بالخير الأراكـة والفرعا
وجدت الحيا عـنها بنـجـعة غيره فأعقـبـنا ريـا وأحسـبنا شـبعا
ونلنا به وتـر الـعطـاء وشـفعه كأنا أقمنا نـحوه الوتـر والشـفعا

وللحصكفي من قصيدة:
أتـرى علـموا لمـا رحلوا ماذا فعـلوا أم مـن قتلوا
خدعـوا بالمين قتيـل البـ ـين فدمـع العين لهم ذلل
وبسمعي ثـور حـاديهـم وبعيني قـربـت الـبزل
فمتى وصلوا حتـى قطعوا ومتى سمـحوا حتى بخلوا
قد زاد جنون النفـس بمن للعـقل محاسنـه عـقل
إن قـام أقـام قـيامـتها أو جال فجولتـه الأجـل
كقضيب البان وفي الاجفا ن مـن الغـزلان له مثل
أشكوا زمنـاً أولـى محناً وجنى حزناً فعفـت سبل
العلم يهان وليـس يصـا ن فاي لسان يـرتـجل

وفي سير النبلاء قال: العلامة الامام الخطيب ذو الفنون معين الدين ابوالفضل

أدب الطف ـ الجزء الثالث 69


يحيى بن سلامه بن حسين بن أبي محمد عبدالله الديار بكري قال العماد الاصبهاني وله من قصيدة قصد فيها التجنيس الظريف:
ألب داعـي الهـوى وهنا فلباها قلب أتاها ولـولا ذكـرها تـاها
تلت علينا ثنايـاها سطور هوى لم ننسـها مـذ وعيناها وعيناها
وعرفتنا معانيـها الـتي بهرت سبل الـغرام فهـمنا إذ فهمناها
عفت الأثام وما تحت اللثام لها وما استبحت حمـاهابل حمياها
يا طالب الحب مهلا إن مطلبه ينسي بأكثـره اللاهـي بـه الله
ولا تمن أموراً غبـها عطـب فـرب نـفس مناها في مناياها
فأنفع العدد التقـوى وأرفعـها لأنفس إن وضعـناها أضعناها

وفي اعيان الشيعة قال:
وكان بمدينة آمد شابان بينهما مودة أكيدة ومعاشرة كثيرة ، فركب أحدهما ظاهر البلد وطرد فتقنطر فمات وقعد الآخر يستعمل الشراب فشرق فمات في ذلك النهار فعمل فيهما بعض الادباء:
تقاسما العيش صفوا والردى كدراً وما عهدنا المنايا قط تقتسم
وحافظا الود حتـى فـي حمامها وقلما في المنايا تحفظ الذمم

فقال المترجم له:
بنفسي أخـيان من آمـد أصيـبا بيوم شـديد الاذاة
فهذا كميت من الصافنات وهاذا كميت من الصافيات

ومما نسب اليه ويقال انها للمرزوقي قال ابن شهراشوب في المناقب: المرزوقي ويقال للحصكفي:
يا رب القدم التي أوطأتها من قاب قوسين المحل الاعظما


أدب الطف ـ الجزء الثالث 70


وبحرمة القدم التي جعلت لها كتف المؤيد بالرسـالة سـلما
اجعلهما ربي الـيك وسيلتي في يوم حشر أن ازور جهنما

اقول وانا أروي هذا الشعر وبعد البيتين الأولين:
ثبت على متن الصراط تكرما قدمي وكن لي محسنا ومكرما
واجعلهما ذخري فمن كانا له أمن العذاب ولا يخاف جهنما

وقوله ملغزاً في نعش:
أتعرف شيئاً فـي السمـاء نظيره اذا سار صاح الناس حيث يسير
فتلقاه مركـوباً وتـلـقاه راكـباً وكـل أميـر يعتليـه أسـيـر
يحض على التقـوى ويكره قربه وتنفر منه النفس وهـو نذيـر
ولم يستزر عن رغبة فـي زيارة ولكن على رغـم المزور يزور

وله:
يا بن ياسين وطاسين وحميـم ونـونـا
يا بن من أنزل فـيه السابقون السابقونا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 71


الحسن بن علي الزبير

أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير يرثي الحسين عليه السلام ويمدح الملك الصالح بن رزيك سنة 553.
أعلمـت حــين تـجاور الحيـان أن القـلوب مـواقـد النـيران
وعرفت أن صدور ناقـد أصبحت في القوم وهي مرابض الغزلان
وعيوننـا عـوض العيـون أمدها ما غـادروا فيهـا من الغدران
ما الوخـد هـز قبابـهم بل هزها قلبي لما فيـه مـن الـخفقـان
وتراه يكره أن يـرى أضـعانـهم فكأنما أضحـت مـن الاضغان
وبمهـجـتي قمـر إذا ما لاح للـ ـساري تضاءل دونه القمـران
قد ابان للـعـشـاق أن قـوامـه سرقت شمائلـه غصـون البان
وأراك غصناً في النعيـم يميـل إذ غصن الأراك يميل فـي نعمان(1)
للرمح نـصـل واحـد ولـقـده من ناظريه إذا رنـا نـصـلان
والسيف ليـس له سوى جفن وقد اضحى لصارم طرفـه جفـنان
والسيف ليـس له سوى جفن وقد اضحـى لـصارم للحظه قوسان
ولرب ليل خلت خـاطـف برقه نـاراً تلـفـع للدجـى بدخـان
كالمايل الوسنان من طول السرى جـوزاؤه والراقـص السـكران


(1) نعمان: واد وراء عرفة.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 72


ما بان فـيه مـن ثـريـاه سـوى إعـجامها والـدال فـي الدبران(1)
وترى المـجرة فـي النـجوم كأنما تسقي الـريـاض بجـدول ملآن
لو لم تـكن نـهراً لـما عـامت به أبداً نجـوم الحـوت والسـرطان
نادمت فـيه الـفرقـديـن كأنـني ـ دون الورى ـ وجذيمة أخوان(2)
وترفعت هممي فما أرضـى سوى شهب الدجـى عوضاً من الخلان
وأنفت حين فجـعت بالأحبـاب أن ألهـو عـن الإخـوان بالـخوان
وهجرت قوماً مـا استجاز سواهم قدماً قـرى الضيفـان بالـذيفان
إلا الأولى نـزل الحسيـن بدارهم واختـار أرضهـم علـى البلدان
فجنـوا عـلى الإسلام والإيمان إذ أجنوه مـر جنـاً مـن الـمران
جعـلوا الجـفان المترعات لغيره وقروه مـا سلـوا مـن الاجفان
وسقوه إذ منـعوا الشـريعة بعدما رفضوا الشريعة مـاء كان يمان
حتى لقد ورد الحـمام على الظما أكـرم بـه مـن وارد ظـمآن
لا الديـن راعـوه ولا فعـلوا به ما يفـعل الجـيران بـالجيران
تالله مـا نقـضوا هـناك بقـتله الايمان بل نقضوا عرى الإيمان
فثوى وآل المصـطفى من حوله يكبون لـلجـبـهات والأذغـان
نزلوا على حكم السيوف وقد أبوا في الله حكـم بـني أبـي سفيان
وتخيروا عز المـمـات وفارقوا فـيـه حـياة مـذلـة وهـوان
يا لهفتي لمصرعيـن قـبورهـم ـ في كربلاء ـ حواصل العقبان
بزت سوابـغ عنـهم وتمزقـت أشلاؤهـم بسـواغـب الـذؤبان
وأنيخ في تـلك الـقفار حمامهم فأتيح لحـم اللـيث للسـرحـان
إن لم تجن جسومهم فـي تربها فلأنها اعتاضـت بخـير جـنان
كم روح ثاو منهم قد أصـبحت تختال فـي روح وفـي ريـحان

(1) الدبران: منزل للقمر.
(2) كان جذيمة الابرش ملك الحيرة لا ينادم الا الفرقدين تكبراً عن منادمة الناس.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 73


ما ضرهم والخـلد مـن أوطـانـهم أذ أزعجـوا كـرهـا عن الاوطان
ولقد دنـا بهم الـتقى مـن ربـهـم ونـأت رؤسـهـم عـن الابـدان
وأتى الـيهم قـومهـم مـا لـم يكن يأتيـه اهـل الــكفر والطـغيان
لم يـتركـوا لـهـم قتيـلاً واحـداً إلا له رأس بـــرأس ســنـان
حتـى غـدت لمـسامـع الاطفال فو ق السمر اخـراص من الخرصان
عجباً لـهم نقـلـوا رؤسـهم وقـد نقلوا فـضائلهـم عـن الـقـرآن
وتفرقوا في بـغضهـم فـرقاً وهـم يروون معجزهـم عـن الـفرقان
الجـاهليـة قبـلـهم لـم يـغـدروا بهم وكـانـوا عابـدي أوثــان
أيخـاف آل محـمـد فـي أمــة شهدت له بالـصدق والـبرهـان
ومحمـد فـي قـومـه مـع كفرهم لما يـزل فـي مـنعـة وأمـان
فالمـشركـون أخف جرمـاً منـهم وأشف يوم الحشـر فـي الميزان
ومـن العـجائـب انـه عدوا الذي فـعلوه قربـانـاً من الـقربـان
ورجوا به الزلفى كما زعموا ونــ ـيل ألمن عند الـواحـد الـمنان
واحـق مـن خـابـت مطامع جهله من يرتجي الغفـران بـالـكفران
أبـني أمـية خـاب مـؤتـم بـكم فيما مضى من سـالـف الازمان
سقطـت غـداة وليـتـموها جهزة بالغصب هـاء خلافـة الـرحمان
وغدت أمـارتـكم دمـاراً يـستعاذ الله إن ذكــرت مـن الـشيطان
لو كـان فـي عصـر ملكتم أمره وقضيتـم بالـجــور والعـدوان
الصالح المردى الجـبابـرة الأولى قدماً عشـوا في الـبغى والعصيان
ومبيد أحـزاب النـفاق بـصارم هو في الحروب وعـزمـه سـيان
لأذال أهل الحـق مـن طلـقائكم بـشـبا سنـان قـاطع ولـسـان
ولأصبح المخـتار مـعدودا لـه في جملـة الاتــبـاع والاعـوان
ما مالك النـخعـى فـي أفـعاله أبداً كذا الملـك الـعـظـيم الـشان
كـلا ولا قيـس يـقاس بـه إذا ما عـد فـي الحـلمـاء والـشجان


أدب الطف ـ الجزء الثالث 74


ان فـاتـه بالـطف يـوم أول فلـه بنـصر القـصر يوم ثان
لو لاه اذ بـسـط العدى أيديهم لم يـثـنهـا عـن أهله يد ثان
والخيل تعلم فـي الكريهة أنـه إن شاء أثكلـها عـلى الفرسان
عجباً لجود يديـه إذ يبني العلى والسيل يهدم شـامـخ البنيـان
ولنار فطنته تريـك لشـعـره عذباً يـروي غلـة العطشـان
وعقود در لو تـجسـم لـفظها ما رصعت إلا عـلى الـتيجان
وتنزهت عـن أن ترى أفرادها بمواضـع الاقراط فـي الآذان
من كل رائقة الجمال زهت بها بين القـصائد غـرة السـلطان
سيارة فـي الأرض لا تعـتاقها في سيرها قـيـد مـن الاوزان
يا منعماً مـا للثنـاء ولـو غلا يوماً بما تـولــي يـداه يدان
فلدت أعـناق الـبريـة كـلها مننا تـحمل ثقلـهـا الـثقلان
حق تساوى الناس فيك واصبح القاصي بمنزلة القـريب الداني
ورحمت أهل العجز منهم مثلما أصبحـت تغفر للمسيء الجاني

ومنها يحثه على قصد شام الفرنج
يا كاسر الأصنام قم فانهض بنا حتى تصير مكسـر الصـلبان
فالشام ملكك قـد ورثـت تراثه عن قومك الماضين مـن غسان
فإذا شـككت بأنـها أوطانـهم قدماً فسل عن حادث الجـولان(1)
أورمت أن تتلو محاسن ذكرهم فاسنـد روايـتها إلـى حسـان

ومنها في وصف الزلزلة
ما زلزلت ارض العدا بل ذاك ما بقلـوب أهلـيها من الخفقان
وأقـول إن حصونهم سجدت لما أوتيت من ملك ومن سلطان


(1) اسم اقليم في شمال شرقي الاردن.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 75


والناس أجـدر بالـسجـود إذا غدا لعـلاك يـسجـد شامـخ البنيان
ولقد بعـثت الـى الفـرنـج كتائباً كالاسد حين تصـول فـي خفان
لبسوا الـدروع ولـم نخل من قبلهم أن البـحار تـحل فـي غـدران
وتـيمـموا أرض الـعدو بقـفرة جـرداء خـاليـة مـن السـكان
عشرين يوماً فـي الـمغار وليـلة يسيرون تحت كواكـب الخرصان
حتـى إذا قطعوا الـجفـار بجحفل هو في الـعديـد ورمـله سـيان
أغـريتهم بحـمى الـعدا فجـعلته بسطاك بعـد الـعز دار هـوان
عجـلت في تلـك الـعجول قراهم ـ وهم لك الضـيفان ـ بالذيفان
عجلـت في تـلك العـجول قراهم بصوارم سلت مـن الأجـفـان
وثللـت في يـوم العريش عروشهم بشبا ضراب صـادق وطـعان
ألـجأتهـم للبحـر لمـا أن جرى منه ومن دمهـم مـعاً بـحران
مدح الورى بالبأس إذ خضبوا الظبا في يوم حربهـم مـن الأقـران
ولأنـت تخـضب كـل بحر زاخر ممن تحـارب بالنجيـع القانـي
حتى تـرى دمـهم وخضـرة مائة كشقائق نـثرت عـلى الريحان

ومنها في وصف الإسطول ونصرته في البحر على الروم:
وكأن بـحـر الـروم حـلق وجهه وطفـت علـيه منابت المرجان
ولقد أتـى الأسـطول حين غزابما لم يأت في حـين مـن الأحيان
أحبب إلـي بهـا شـواني أصبحت من فتكها ولـها العـداة شواني
شبهن بالغـربـان فـي ألـوانـها وفعلن فعل كـواسـر العقـبان
أوقرتها عـدد القـتال فقـد غدت فيها القنا عوضاً من الأشطـان
فأتـتـك مــوقـرة بسـي بينه أسراهـم مـغـلـولة الأذقـان
حرب عـوان حكمـتك مـن العدا في كـل بكـر عنـدهم وعوان
وأعـدت رسل ابن القسيم اليه في شعـبان كي يـتلاءم الشـعبان
والفال يشهد باسمه أن سوف يغـ ـدوا الشام وهو عليكما قسمان


أدب الطف ـ الجزء الثالث 76


منها في مدح نور الدين:
وأراك مـن بعـد الشـهيد أباً له وجعلته من أقرب الإخوان
وهو الذي ما زال يفعل في العدا ما لم يكن ليعد في الإمكان

ومنها في وصف قتله البرنس ويصف رأسه على الرمح بمعنى بديع:
قتل البـرنس ومـن عسـاه أعانه لما عتـا فـي البغي والعدوان
وأرى الـبريـة حيـن عاد برأسه مر الجنى يبدو علـى الـمران
وتعجبوا من زرقـة فـي طـرفه وكأن فوق الرمح نصلاً ثـاني
فليـهـنه أن فـاز مـنك بسيـد أوفى برتـبته عـلى كيـوان
قد صاغ من أرماحه لمسامع الـ أملاك أقراطـاً من الخرصان


أدب الطف ـ الجزء الثالث 77


الحسن بن علي بن ابراهيم بن الزبير.
جاء في معجم الادباء: ابو محمد المصري اخو الرشيد احمد بن علي ، من أهل اسوان من غسان ، وكان يلقب بالقاضي المهذب ، مات في ربيع الآخر سنة احدى وستين وخمسمائة بمصر ، وكان كاتباً مليح الخط فصيحاً جيد العبارة ، وكان أشعر من أخيه الرشيد ، وكان قد اختص بالصالح بن رزيك(1) وزير المصريين وحصل له من الصالح مال جم.
وصنف المهذب كتاب الانساب وهو كتاب كبير اكثر من عشرين مجلداً كل مجلد عشرون كراساً ، رأيت بعضه فوجدته مع تحققي هذا العلم وبحثي عن كتبه غاية في معناه لا مزيد عليه ، يدل على جودة قريحة مؤلفه وكثرة اطلاعه.
وقال العماد الاصبهاني ،
المهذب ابو محمد الحسن بن علي بن الزبير.
هو أخو الرشيد محكم الشعر كالبناء المشيد ، وهو أشعر من أخيه وأعرف بصناعته وإحكام معانيه. توفي قبل أخيه بسنة ، لم يكن في زمانه أشعر منه أحد وله شعر كثير ، ومحل في الفضل أثير. انشدني له نجم الدين

(1) تأتي ترجمة الصالح وزير مصر في ايام الفائز الفاطمي والعاضد من بعده والذي استقل في مصر بالامور وتدبير أحوال الدولة ، وكانت ولايته سنة 49 هـ.
ادب الطف ـ الجزء الثالث 78


ابن مصال ببعلبك في رمضان سنة سبعين من قصيدة في الصالح بن رزيك يعرض بشاعره المعروف بالمفيد(1):
لقد شك طرفي والركائب جنح أأنت أم الشمس المنيرة أملح

ومنها في الغزل:
يظل جنى العناب في صحن خده عن الورد ماء النرجس الغض يمس

ومنها:
فيا شاعراً قد قال ألف قصيدة ولكنها من بيته ليس تبرح
ليهنك ـ لاهنئت ـ أن قصائدي مع النجم تسرى أو مع الريح تسرح

أنشدني زين الحاج أبو القاسم قال: أرسلني نور الدين إلى مصر في زمان الصالح بن رزيك فلقيت المهذب بن الزبير فانشدني لنفسه:
وشادن ما مثله في الجنان قد فاق في الحسن جميع الحسان
لم أر إلا عينه جعبة للسيف والنصل وحد السنان

ووجدت في بعض الكتب له من قصيدة في مدح الصالح طلائع ابن رزيك بمصر:
وتلقى الدهر منه بليث غاب غدت سمر الرماح له عرينا
تخال سيوفه إما انتضاها جداول والرماح لها غصونا
وتحسب خيله عقبان دجن يرحن من الظلام ويغتدينا
إذا قدحت بجنح الليل أورت سناً يعشى عيون الناظرينا
وإن جنحت مع الإصبان عدواً أثارت للعجاج به دجونا
كأن الشمس حين تثير نقعاً تحاذر من سطاه أن تبينا


(1) المفيد هو ابن الصياد احد شعراء طلايع.
ادب الطف ـ الجزء الثالث 79


وماكسف بدور الأفق إلا أسى إذ أبصرت منه الجبينا
وما اضطربت رماح الخط إلا مخافة أن يحطمها مبينا
وما تندق يوم الروع حتى يدق بها الكواهل والمتونا
عجبت لها تصافح من يديه ـ وتوصف بالظما ـ بحراً معينا
ويوردها ولا يحظى برأي نطافاً من دروع الدار عينا
وهل يشفى لها أبداً غليل وقد شربت دماء الكافرينا
إذ لقيت عيون الرووم زرقاً حسبت نصالها تلك العيونا
وقائع في العداء له تبارى صنائع في العفاة المجتدينا
وإرغام به أبكى عيوناً وإنعام أقر به عيونا

وله فيه قصيدة:
أقصر ـ فديتك ـ عن لومي وعن عذلي أو لا فخذ لي أماناً من يد المقل
من كل طرف مريض الجفن تنشدنا ألحاظه « رب رام من بني ثعل »
إن كان فيه لنا وهو السقيم شفاً فربما صحت الأجسام بالعلل
إن الذي في جفون البيض إذ نظرت نظير ما في جفون البيض والخلل(2)
كذاك لم يشتبه في القول لفظهما إلا كما اشتبها في الفعل والعمل
وقد وقفت على الأطلال أحسبها جسمي الذي بعد بعد الظاعنين بلى
أبكي على الرسم في رسم الديار فهل عجبت من طلل يبكي على طلل
وكل بيضاء لو مست أناملها قميص يوسف يوماً قد من قبل
يغني عن الدر والياقوت مبسمها لحسنها فلها حلى من العطل
بالخد مني آثار الدموع كما لها على الخد آثار من القبل


(1) في الفوات والطالع السعيد : ظبا.
(2) الخلل جمع خلة وهي جفن السيف ، أو بطانة مطرزة بالذهب.
ادب الطف ـ الجزء الثالث 80


كأن في سيف سيف الدين من خجل من عزمه ما به من حمرة الخجل
هو الحسام الذي يسمو بحامله زهواً فيفتك بالأسياف والدول
إذا بدا عارياً من غمده خلعت غمد الدماء عليه هامة البطل
وإن تقلد بحراً من أنامله رأيت كيف اقتران الرزق بالأجل
من السيوف التي لاحت بوارقها في أنمل هي سحب العارض الهطل
فجاءنا لبني رزيك معجزها بآية لم تكن في الأعصر الأول
تبدو شموساً هم أقمارها وترى شهب القنا في سماء النقع لم تفل(1)
قد غايرت فيهم السمر الرقاق رقا ق البيض خلف سجوف النقع في الكلل
إن عانقوا هذه في يوم معركة لاحت لهم بتلظي تلك كالشعل
وقد لقوا كل من غاروا بمشبهه حتى لقوا النجل عند العرض بالنجل(2)
وضارب الروم روم من سيوفهم وطاعن العرب أعراب من الأسل
وهزهم لصهيل الخيل تحت صهيل البيض ما هز أعطاف القنا الخطل (3)
فالدم خمر وأصوات الجياد لهم أصوات معبد في الأهزاج والرمل
والخيل قد أطربتها ـ مثلما طربوا ـ أفعالهم فهي تمشي مشية الثمل
من كل أجرد مختال بفارسه إلى الطعان جريح الصدر والكفل
وكل سلهبة(4) للريح نسبتها لكنها لو بغتها الريح لم تنل
أفارس المسلمين أسمع فلا سميت عداك غير صليل البيض في القلل
مقال ناء غريب الدار قد عدم الأنصار لو لاك لم ينطق ولم يقل
يشكوا مصائب أيام قد اتسعت فضاق منها عليه أوسع السبل
يرجوك في دفعها بعد الإله وقد يرجى الجليل لدفع الحادث الجلل
وكيف ألقى من الأيام مرزئة جلت ولي من بني رزيك كل ولى


(1) تغل : تأفل.
(2) النجل الاولى: العيون. والثانية ، الطعنات.
(3) الخطل: من الخطل ، وهو الاضطراب والتحرك.
(4) السلهبة من الخيل ، ما عظم وطال عظامه.

السابق السابق الفهرس التالي التالي