أدب الطف ـ الجزء الثالث 43


فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ان لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

فقال له والدي يا بني هذا شيء من علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الادب فانصرف الشاب من غير حصول فائدة واستحيا والدي من أن يسأل ما ليس عنده منه علم وقام وآلى على نفسه ان لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر فنظر في ذلك وحصل معرفته ثم جلس. ومعنى البيت المسؤول عنه: ان الشمس اذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف ، واذا كانت في آخر الجوزاء كان الليل في غاية القصر لانه آخر فصل الربيع: ولبعض شعراء عصره وهو الحيص بيص كما في مختصر الخريدة للحافظ:
كل الذنوب ببلدتي مغفورة إلا اللـذين تعاظما ان يغـفرا
كون الجواليقي فيها مـلقيا أدبـا وكون المغربي معبـرا
فاسير لكنته تمل فصاحـة وغفول فطنته تعبر عن كرى

وقال ابن الانباري في النزهة: كان يختار في بعض مسائل النحو مذاهب غريبة وكان يذهب الى ان الاسم بعد لولا يرتفع بها على ما يذهب اليه الكوفيون وكان يذهب الى أن الألف واللام في نعم الرجل ، للعهد على خلاف ما ذهب اليه الجماعة من انها للجنس لا للعهد ، وحضرت حلقته يوماً وهو يقرأ عليه كتاب الجمهرة لابن دريد وقد حكى عن بعض النحويين انه قال اصل ليس (لا ايس) فقلت هذا الكلام كأنه من كلام الصوفية فكأن الشيخ أنكر علي ذلك ولم يقل في تلك الحال شيئاً فلما كان يعد ذلك بإيام وقد حضرنا على العادة قال اين ذلك الذي انكر ان يكون اصل ليس لا ايس ، اليس (لا) تكون بمعنى ليس فقلت للشيخ ولم اذا كان لا بمعنى ليس يكون اصل ليس لا آيس فلم يذكر شيئاً وكان الشيخ رحمه الله في اللغة أمثل منه في النحو وقال ابن الانباري في ترجمة الحريري القاسم بن علي:

أدب الطف ـ الجزء الثالث 44


يحكى انه لما قدم بغداد شيخنا ابو منصور موهوب بن احمد الجواليقي والحريري يقرأ عليه كتاب المقامات فلما بلغ في المقامة 21 الى قوله:
وليحشرن اذل من فقع الفلا ويحاسبن على النقيصة والشغا

قال الشيخ ابو منصور ما الشغا قال الزيادة ، فقال له الشيخ ابو منصور إنما الشغا اختلاف منابت الأسنان ولا معنى له ها هنا وقال ابن الانصاري أيضاً حكى شيخنا أبو منصور عن الشيخ ابي زكريا يحيى بن علي التبريزي عن ابي الجوائز الحسين بن علي الكاتب الواسطي قال رأيت سنة 414 وأنا جالس في مسجد قبا من نواحي المدينة امرأة عربية حسنة الشارة رائقة الاشارة ساحبة من أذيالها رامية القلوب بسهام جمالها فصلت هناك ركعتين احسنتهما ثم رفعت يديها ودعت بدعاء جمعت فيه بين الفصاحة والخشوع وسمحت عيناها بدمع غير مستدعى ولا ممنوع وأنشأت تقول وهي متمثلة:
يا منزل القطر بعدما قنطوا ويا ولي النعماء والمنـن
يكون ما شئت ان يكون وما قدرت أن لا يكون لم يكن

وسألتني عن البئر التي حفرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده وكان أميرالمؤمنين يتناول ترابها منه بيده فأريتها اياها وذكرت لها شيئاً من فضلها ثم قلت لها لمن هذا الشعر الذي انشدتيه منذ الساعة فقالت بصوت شج ولسان منكسر انشدناه حضري لاحق لبدوي سابق وصلت له منا علايق ثم رحلته الخطوب وقد رقت عليه القلوب وان الزمان ليشح بما يشح ويسلس ثم يشرس ولو لا ان المعدوم لا يحسن لقلت ما اسعد من لم يخلق فتركت مفاوضتها وقد صبت الى الحديث نفسها خوفاً ان يغلبني النظر في ذلك المكان وان يظهر من صبوتي ما لا يخفى على من كان في صحبتي ومضت والنوازع تتبعها وهواجس النفس تشيعها (اهـ).

أدب الطف ـ الجزء الثالث 45


تشيعه:
عن صاحب رياض العلماء انه قال فيه: ابن الجواليقي من الامامية واليه اسند الشهيد الثاني رحمه الله في اجازته للحسين بن عبد الصمد والد البهائي واليه ينسب بعض نسخ دعاء السماء ، وقد يطلق على بعض العامة وهو ـ اي ابن الجواليقي الامامي ـ الشيخ موهوب بن احمد بن محمد بن الخضر الجواليقي انتهى .
ولعل المراد بالجواليقي هو هذا فيستأنس به لكونه من شرط كتابنا وأما ما قاله صاحب الرياض من أن الشهيد الثاني اسند إليه في اجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد: فهو اشارة الى قوله في الاجازة المذكورة: واروي كتاب الجمهرة مع باقي مصنفات محمد بن دريد ورواياته واجازاته بالاسناد المقدم الى السيد فخار الموسوي عن ابي الفتح محمد بن الميداني عن ابن الجواليقي عن الخطيب ابي زكريا التبريزي عن ابي محمد الحسن بن علي الجوهري عن ابي بكر بن الجراح عن ابن دريد المصنف الى أن قال وعن السيد فخار جميع مصنفات الهروي صاحب كتاب الغريين عن ابي الفرج بن الجوزي عن ابن الحواليقي عن ابي زكريا الخطيب التبريزي عن الوزير ابي القاسم المغربي عن الهروي المصنف. وعن ابن الجواليقي عن ابي الصقر الواسطي عن الجشي عن التنيسي عن الانطاكي عن ابي تمام حبيب بن اوس الطائي صاحب الحماسة لها ولجميع تصانيفه ورواياته بالاسناد الى السيد فخار عن ابي الفتح الميداني عن ابن الجواليقي جميع كتبه (اهـ) وينبغي أن يكون مستند صاحب الرياض في كونه إمامياً غير اسناد الشهيد الثاني في اجازته له كرواية بعض نسخ دعاء السمات أو غير ذلك فإن اسانيده الى كتب اللغة والادب قد اشتملت على غير الامامية وروايته في تلك الاجازة عن الخطيب التبريزي تعين ان مراد صاحب الرياض به هو المترجم لا غيره من العامة ممن يطلق عليه ابن الجواليقي فان الخطيب التبريزي شيخه وقد مر عن السيوطي انه من أهل

أدب الطف ـ الجزء الثالث 46


السنة ولعله لم يطلع على حاله ، وصاحب الرياض لا يشك في سعة اطلاعه والله اعلم.
مشايخه:

قد علم مما مر انه أخذ عن جماعة كثيرين دراسة ورواية (1) الخطيب التبريزي يحيي بن علي (2) القاضي ابو الفرج البصري(3) علي بن احمد بن التستري (4) محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري (5) طراد بن محمد الزينبى(6) ابو الصقر الواسطي.
تلاميذه:

(1)ابن الانباري عبدالرحمن بن محمد .(2)السمعاني عبدالكريم بن محمد صاحب الانساب.(3) الكندي .(4)ابو الفرج ابن الجوزي.(5)ولده اسماعيل.(6) ابو الفتح محمد بن الميداني.
مؤلفاته:

(1)شرح ادب الكاتب(2) ما تلحن فيه العامة(3) المقرب وهو ما عرب من كلام المعجم ومر عن ابن خلكان انه لم يعمل في جنسه اكثر منه(4)تتمة درة الغواص سماه التكملة فيما يلحن فيه العامة وذلك ان درة الغواص في أوهام الخواص فهو قد جعل لها تتمة في اوهام العوام فيكون ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص واحداً وقد عد السيوطي في مؤلفاته ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص فجعلها اثنين فيكون درة الغواص في اوهام الخواص وما تلحن فيه العامة في اوهام العوام (5) كتاب في علم العروض. انتهى.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 47


وفي روضات الجنات ترجم له وذكر له من الشعر قوله ـ كما رواه الدميري في حياة الحيوان: .
ورد الورى سلسال جودك فارتووا ووقفت حول الورد وقفة حائم
حيـران أطـلب غفلة مـن وارد والورد لا يزداد غير تـزاحم

وترجم لولده اسماعيل بن موهوب.
وفي التاج المكلل للسيد صديق حسن خان: موهوب بن احمد شيخ اهل اللغة في عصره ، سمع الحديث الكثير وقرأ الادب ودرس. قال ابن الجوزي: كان غزير العقل طويل الصمت لا يقول الشيء الا بعد التحقيق والفكر الطويل وكان كثيراً ما يقول: لا ادري.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 48


ابو الغمر الإسناوي

قال ابو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي المتوفى سنة 547 هـ في غلام لبس في يوم عاشوراء ثوب صوف.
أيا شـادنا قد لاح فـي زي ناسك فباح بمكنـون الهوى كـل ماسك
رويدك قد أعجزت ما يعجر الضبا واضرمت نيران الجوى المتدارك
أنحـن فتكنـا بابن بنـت محـمد فتثـأر مـنا بالحفـون الفـواتك(1)


(1) عن خريدة القصر للعماد الاصبهاني.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 49


قال العماد الاصفهاني في (خريدة القصر) ج2 ص 158 ـ قسم شعراء مصر أبو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي.
كان أشعر أهل زمانه وأفضل أقرانه. ذكره لي بعض الكتبيين من مصر وأثنى عليه ، وقال: توفي سنة سبع وأربعون؛ وانشدني من شعره قوله:
ألحاظكم تجرحنا في الحشا ولحظنا يجرحكم في الخـدود
جرح بجرح فاجلعوا ذا بذا فما الذي أوجب جرح الصدود

وله:
يا أهل قوص غزالكم قد صاد قلبي واقتنص
نض الحديث فشفـني يا ويح قلبي وقت نص

وأورده ابن الزبير في كتاب الجنان ، وذكر من شعره قوله:
طـرقتني تلوم لمـا رأت في طلب الرزق للتذلل زهدي
هبك أني أرضى لنفسي بالكد ية يا هـذه فمـن أكـدي

وقوله في الخمر:
عذراء تفتر عن در على ذهب إذا صببت بها ماء عـلى لهـب
وافى اليها سنان الماء يطـعنها فاستلأمت زرداً من فضة الحبب

وقوله:
أيا ليلة زار فيها الحبيب ولم يك ذا موعد ينتظر


أدب الطف ـ الجزء الثالث 50


وخـاض الـي سواد الدجى فيا ليـت كان سواد البـصر
وطابت ولكـن ذمـمنا بـها على طـيب رياه نشر الشجر
وبتنا من الوصـل فـي حلة مطرزة بالتـقـى والـخـفر
وعقلي بها نهـب سكر المدام وسكر الرضاب وسكر الحور
وقد أخجل البـدر بدر الجبين وتاه على الليـل لـيل الشعر
وأعدى نحولـي جسم الهواء واعـداه مـنه نسـيم عطـر
فـمنـي معتـبر العاشقيـن ومن حسن معناه إحـدى العبر
ومن سقـمي وسـنا وجهـه اريه السـها ويـريني القـمر

وقوله:
ايها اللائم في الحـ ـب لحاك الله حسبي
لست أعصى ابداً في طاعة العذال قـلـبي

وقوله في العذرا:
وغزال خلعت قلبـي عليه فهو باد لأعيـن النظـار
قد ارانا بنفسج الثـغر بدرا طالعاً من منابت الجـلنار
وقدت نار خده فسوادالشـ ـعر فيه دخان تلك النار

وله:
يـفتر ذاك الثـغر عـن رقه در حباب فوق جريال
ونون مسك الصدغ قد أعجمت بنقطة من عنبر الخال


أدب الطف ـ الجزء الثالث 51


الشروطي البغدادي

سعى طرفي بلا سبب لقتلى كما لدم الحسين سعى زياد

يريد ابنه عبيد الله بن زياد

أدب الطف ـ الجزء الثالث 52


محمود بن محمد بن مسلم الشروطي البغدادي

كان شاباً رائق الشعر ، بديع النظم والنثر ، قال العماد الاصفهاني في خريدة القصر وجريدة العصر: كان ينشدني من شعره كثيراً ، ولم أثبته ، وآخر عهدي به سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة ، وتوفي بعد ذلك ، وانا بواسط ، وله ديوان ، وكان معظم مدحه في نقيب النقباء ابن الاتقى الزينبي قال من قصيدة في مدحه ، أولها:
في حد رأيـك ما يغني عن القضب وفي سخائك ما يربي على السحب
وفـي اعتزامـك ما لو شئت تنفذه أباد بالخوف أهل الـدهر والرعب
دانت لهيبتـك الأيام خـاضـعـة وفل عزمك حد الموكـب اللجـب
وقال عـنك لسان الدهر ما نـطقت به على كل عـود ألسن الخطـب
يا (طلـحة بن علـي) ما لرائـدنا الى الغنى غيـر ما توليه من سبب
جابت بنا البيد عيس طالما غنيـت براحتيـك عن الأمـواه والعشـب
حتى وصلـنا الى مـلك ، مواهبـة مقسومة بالندى فـي العجم والعرب
محجـب بـرواق من مـهابـتـه يلقى الـوفود بـمال غير محتجب

ومنها:
فجده في صـعود لـم يـزل أبداً وماله بالنـدى المنهـل فـي صبب
ردت مكارمه الانـواء جـامـدة وقـال نائـله للعسـجد: انـسكـب
يا منفذ الـرأي في أجساد حسـده ولـو غـدا الدهر منها موضع اليلب
ومن يغار الضحى من نور طلعته وإن يقـل وجهه للبدر « غيب » يغب

محمود بن محمد بن مسلم الشروطي البغدادي
أدب الطف ـ الجزء الثالث 53

محمود بن محمد بن مسلم الشروطي البغدادي
أبن لنا عنك ، قد حارت خـواطرنا في كنه وصفك بين الـعجب والعجب
ذا الزهد في ملك نلقـاه او مـلك وذا عفـاف نقيـب او عفاف نـبي
وذا الذكاء الذي لـم يـؤته بـشر في واحد المجد أم في السبعـة الشهب
وذا الندى الجـم من كفيك منسكب أم من سحاب بوبـل الغيث منـسكب
وذا الكمال لـبـدر الـتم ، ام لكما ل الدولة الماجـد ابن السادة النجـب
وهذه خلــع بالفـخـر مشرقـة ام ضوء نور بنـور منك ملـتهـب
حاكت عليك يـد التوفيـق حلتهـا وطـرزتـهــا يـد الآراء والأرب
يستن بالذهب الابـريـز رونقهـا وربمـا بك تسـتغنـي عـن الذهب
كـأنها لقب يـسمـو عـلاك بـه وفي جلالك ما يسمو علـى الـلقـب
حتى لو انك لا تنمى الى نـسـب لدلنا بـشرك الـبادي على النـسـب
فافخر ، فمن(هاشم)حزت الفخار ومن نجار (زينب) يا ابن المجد والحسب
جـلال قدر أب تسمو ومـنقـبة للأم فـافــخر بأم لـلـعلـى وأب
هذي المناقب قد وافـتك باسـمة تهـز عندك عطفيـها مـن الـطرب
وقد سعى نحوها قـوم فما ظفروا مـما رجوه بغير الجـهد والـتعـب

ومنها:
[إن ساجلوك وجـاؤوا بانـتسابهم ففي السماء مقـر الـرأس والـذنـب]
أو شابهـوا عاطفات منك طـيبة فالعود والعود معـدودان فـي الـخشب
وكله خشب في الأرض مـنبـته لـكن شتان بيــن النـبع والـغـرب
أو كان أصلك يا ابن المجد أصلهم فالنخل ـ لاشك ـ أصل الليف والرطب
لبيك من منعـم قـال الزمان لـه أنت المعد لصــرف الدهر والنـوب

ومنها:
وكيف لا ترتضي الآمال رأي فتى مذ كان في المهد أعطي الحكم وهو صبي


أدب الطف ـ الجزء الثالث 54


وأجـدر النـاس بالعلياء من شهدت له العـلى وعلـى حـب الامـام
يا من علت درجات الفضل بي وبه شعري وجودك رأس المجد والأدب
لما غدوت مـن الأجـواد منتخبـاً أتاك شعري بمدح فيـك منـتخب
فـلا مـددت يداً إلا إلـى ظـفـر ولا وطئت ثـرى إلا علـى أرب

وله من قصيدة في مدحه:
جربت أبنـاء هـذا الـدهر كلهم ولم أجد صاحبـاً يـصفو به الرنق
إن حدثوا عن جميل من خلائقهم مانوا ، (وان حدثوا)عن مينهم صدقوا(1)
هـم العدو فكن منهم عـلى حذر لا يخـدعنك لـهم خلق ولا خلـق
تغيـر الـدهر ، والاخوان كـلهم مالوا علي فـلا أدري بمـن أثـق

وله من قصيدة:
أعن (العقيق) سألت برقا أو مضا أأقام حـاد بـالركائب أو مضى
إن جاوز العلمين من (سقط اللوى) بالعيس لا أفضى إلى ذاك الفضا

وله:
حي جيـرانـاً لنـا رحلوا فعلوا بالقـلب ما فعلـوا
رحلوا عنا ، فكـم أسـروا بالنوى صـبا وكـم قتلوا
من لصـب ذاب مـن كمد طرفـه بالدمـع منهـمل
فهو من شدو النوى طـرب وهو من خمر الهوى ثمل
واقـف بالدار يسـألـهـا سـفهاً لو ينطـق الطلـل
لـو تجيـب الـدار مخبرة أيـن حل القوم وارتحـلوا
لتشاكينا عـلـى مـضض نحـن والاوطان والإبـل


(1) مان يمين ميناً كذب.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 55


يـا صبا نجد أثـرت لنـا حرقاً في الـقلب تشـتعل
غـرد الجـادي ببـيـنهم فله ـ يوم النوى ـ زجل
يا شموساً في القباب ضحى حجـبتـها دوننـا الكـلل
عجن بالـصب المشوق فقد شفه ـ يوم النوى ـ الملل

وله من قصيدة:
أسير هـوى المـحبة ليـس يفدى ومقتـول التـجنـي لايقـاد
ومن قـد أمرضتـه وأتلفتـه الـ ـعـيون فلا يفـاد ولا يعـاد
فقدت الصبر حـين وجدت وجدي وجـاد الدمع إذ بخلت (سعاد)
فـكنت أخـاف بـعدي يوم قربي فكـيف أكون إن قـرب البعاد
ديـارهـم كسـاك الــزهر ثوباً وجـاد عـلى معاهـدك العهاد
ألا هل لـي إلـى (نـجد) سبـيل وأيامي بـ (رامـة) هـل تعاد
أقول ـ وقد تطاول عمــر ليلـي ـ : أما لليل ـ ويحـكـم ـ نـفاد
كـأن الليل دهـر ليـس يقضـى وضوء الصبـح مـوعده المعاد
أعـيدوا لي الرقـاد عسـى خيال يزور الصـب إن عـاد الـرقاد
وبيعوني بوصـل مــن حبيـبي وفي سـوق الهـوان علي نادوا
فــلو أن الـذي بـي من غـرام يلاقي الصخر لا نـفطر الجماد
وثــقت الى التصـيـر ثم بانـوا فخان الـصبر وانعكـس المراد
وكـان القلـب يسـكن فـي فؤادي فضاع الـقلب واخـتلس الفؤاد
وقالوا: قـد ضللت بـحب (سعدى) ألا ، هذا الضـلال هـو الرشاد
وهل يـسلـو ودادهـم مـحـب لـه فـي كـل جـارحـة وداد
وآنف من صلاحـي فـي بعادي ويعـجبـني مـع القرب الفساد
وبيـن الـرمــل والأثلات ظبي يصيد العاشقــين ولا يـصـاد


أدب الطف ـ الجزء الثالث 56


أحـم المقلتين غضيض جفن تكل لـطرفه الـبيض الحـداد
أراك بمقلـتي وبعين قـلبي لأنك مـن جمـعيـها السـواد
لمن وأنا الـملوم ألوم فيـما على نفـسي جنـيت أنا المفاد
سعى طرفي بلا سبب لقتلي كما لدم (الحسين) سعى (زياد)

وله:
عتـاب منـك مقـبول على العينين محمول
ترفـق أيـهـا الجاني فعـقلي فيـك معقول
ويكفيني مـن الهجـرا ن تـعريض وتهويل
ألا يـا عـاذل المشـتا ق ، إني عنك مشغول
وفي العشـاق معـذور وفي العشاق مـعذول
أسـلوان ولـي قـلب لـه في الحب تـأويل
بمـن فـي خـده ورد وفـي عينيه تكـحيل
وجيش الـوجد منصور وجيش الصبر مخذول

وله:
جـفـن عيني شفـه الارق وفــؤادي حشوة الحـرق
من لمشتـاق حليـف ضنى دمعــه في الكرب منطلق
أنـا في ضدين نـار هوى ودمــوع سحبـها دفـق
لي حـريق في الفؤاد ولي مقـلـة انـسانهـاغـرق
وحبيب غـاب عن نظري فـدمـوعي فـيه تستبـق
غاب عـن عيـني فأرقني فجفـوني ليـس تنطـبق
قـلت إذ لام الـعواذل وا صطلحوا في اللوم واتفقوا
مـن نأت عني مـنازلـة لـيس لي خلـق بـه أثق


أدب الطف ـ الجزء الثالث 57


يحيى الحصكفي

أفـوت مغانيهم فأقـوى الجلـد ربعان بـعد الساكنـين فـدفد(1)
صـاح الغـراب فكما تحـملوا مشـى بهـا كـأنـه مـقـيد
تقاسمـوا يـوم الـوداع كـبدي فـليس لي منـذ تولوا كبــد
ليـت المطايا للنوى ما ضلـعت ولا حـدا مـن الحـداة أحـد
على الجفون رحلوا وفي الحشى تقـيلوا ومـاء عينـي وردوا
وأدمـعي مسفـوحـة وكبـدي مقـروحة وغلتي مـا تـبرد
وصـبوتي دائـمـة ومقـلتي داميـة ونـومـهـا مشـرد
تيـمني منهـم غـزال أغيـد يا حـبذا ذاك الـغزال الأغيد
حسـامـه مجـرد وصـرحه مـمـرد وخــده مــورد
كــأنمـا نكهـتـه وريـقـه مسـك وخمر والثنـايا بـرد
يقـعـده عـن القـيام ردفـه وفي الحشى منه المقيم المقعد
أيقنت لما أن حـدا الحادي بهم ولـم أمت أن فؤادي جامـد
كنـت على القرب كئيباً مغرماً صباً فـما ظنك بي إذ بعدوا
هـم الحياة أعـرقوا أم أشأموا أم أيمنوا أم أتهموا أم أنجدوا
ليـهنهم طـيب الكـرى فانه من حظهم وحظ عيني السهد


(1) ذكرها ابن الجوزي في المنتظم ج 3 ص 183 ، والعماد الاصفهاني في خريدة القصر.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 58


هـم تـولوا بالفـؤاد والكـرى فأين صـبري بعدهم والجلد
لولا الضنا جحـدت وجدي بهم لكـن نحولي بالغرام يشهـد
لله ما أجـور أحكـام الهـوى ليس لمن يظـلم فيه مسعـد
ليس على المتلف غرم عـندهم ولا على الـقاتل عمداً قـود
هل انصفوا اذ حكموا أم اسعفوا من تيموا أم عطفوا فاقتصدوا
بـل اسرفوا وظلـموا وأتلـفوا من هيموا وأخلفوا ما وعـدوا
* * *
وسائل عن حب أهل البيت هل أقر إعـلاناً بـه أم أجـحـد
هيهات ممزوج بلحمـي ودمي حبهـم وهـو الـهدى والرشد
حيــدرة والحسنـان بـعـده ثـم عـلي وابـنـه مـحـمد
وجعفـر الصادق وابن جـعفر مـوسى ويتـلوه عـلي السيد
أعـني الرضـا ثم ابنه محمـد ثم عـلي وابـنـه الـمسـدد
والحسـن التالي ويتـلو تلـوه محمـد بـن الحسـن المفـتقد
فـانهـم ائمـتي وسـادتـي وان لحـاني معشـر وفنـدوا
ائـمـة اكـرم بـهـم ائمـة اسماؤهـم مســرودة تطـرد
هـم حجج الله عـلى عبـاده بهـم اليه منهــج ومقـصـد
هـم النهار صـوم لـربـهم وفي الدياجــي ركـع وسجد
قوم أتى في هل أتـى مدحهم وهــل يشـك فيـه إلا ملحد
قـوم لهم فـضل ومجد باذخ يعـرفـه المشـرك والمـوحد
قوم لهم في كل أرض مـشهد لا بل لهم فـي كل قلب مشهد
قـوم منى والمشـعران لهـم والمروتـان لـهـم والمسجـد
قوم لهـم مكة والابـطح والـ ـخيف وجمع والبقيـع الغرقد
ما صـدق الناس ولا تصدقوا ونسكـوا وأفطـروا وعيـدوا
ولا غزوا وأوجـبوا حجاً ولا صلـوا ولا صاموا ولا تعبدوا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 59


لو لا رسـول الله وهـو جدهم يا حـبذا الـوالد ثم الـولد
ومصـرع الطف فـلا اذكـره ففي الحشى منه لهيب يـقد
يرى الفرات ابن الرسول ظامياً يلقى الردى وابن الدعي يرد
حسبك يا هذا وحسب مـن بغى عليـهم يوم المعاد الصـمد
يا أهل بيت المصطفى وعـدتي ومـن على حبهـم اعتـمد
انتـم الى الله غـدا وسيـلتـي وكيف أخشى وبكم اعـتضد
وليكـم في الخلـد حي خـالـد والضد في نار لظى مخلـد
ولست أهـواكم لبغض غيركـم اني اذاً أشقـى بكم لا اسعد
فـلا يظـن رافـضـي أنـني وافقتـه أو خارجـي مفسد
محـمد والخـلفـاء بـعــده أفـضل خلق الله فيما أجـد
هـم أسسوا قـواعد الـدين لنا وهم بـنوا أركانه وشـيدوا
ومـن يخن أحمد في أصحابـه فخصـمه يوم المعاد احمـد
هـذا اعتقادي فالـزموه تفلحوا هذا طـريقي فاسلكوه تهتدوا
والشـافعي مـذهبي مـذهـبه لأنـه في قـولـه مـؤيـد

وله:
انظر الى البدر الذي قد اقبلا وأراك فـوق الصـبح ليلاً مسبـلا
ما بلبل الاصداغ في وجناته إلا ليـتـرك مــن رآه مـبلـبلا
يا أيها الريان من ماء الصبا بي في الهوى عطش الحسين بكربلا


أدب الطف ـ الجزء الثالث 60


ابوالفضل أو ابو الوفاء معين الدين يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الخطيب الحصكفي الكاتب الاديب.
ولد في حدود سنة 460 بطنزه (1) وتوفي سنة 553 وقبل سنة 551 بميافارقين بعد ان نشأ بحصن كيفا.
والحصكفي بحاء مهملة مفتوحة وصاد مهملة وكاف مفتوحة وفاء وياء نسبة الى حصن كيفا. قال ابن خلكان هي قلعة حصينة شاهقة بين جزيرة ابن عمرو وميافارقين من مدائن ديار بكر وفي انساب السمعاني: ابو الفضل يحيى ابن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي الخطيب بميافارقين أحد أفاضل الدنيا ، وكان اماماً بارعاً اشتهر ذكره في الافاق بالنظم والنثر والخطب. وكان يتشيع كما يقول ابن الاثير في الكامل.
اقول ورأيت في كتاب (ينابيع المودة) للشيخ سليمان الحنفي القندوزي بعض هذه الابيات وينسبها لبعض الشافعية وأظنه يقصد الشاعر نفسه.
وعن ابن كثير الشامي في تاريخه ان الخطيب الحصكفي هذا كان إمام زمانه في كثير من العلوم كالفقه والادب والنظم والنثر ولكن كان غالياً في التشيع.
قال ابن الخلكان: هو صاحب الديوان الشعر والخطب والرسائل ، قدم بغداد واشتغل بالادب على الخطيب ابي زكريا التبريزي المقدم ذكره وأتقنه حتى مهر فيه وقرأ الفقه على مذهب الشافعي واجاد فيه ثم رحل عن بغداد راجعاً الى بلاده ونزل (ميافارقين) واستوطنها وتولى بها الخطابة وكان اليه

(1) هي بلدة من الجزيرة من ديار بكر
أدب الطف ـ الجزء الثالث 61


أمر الفتوى بها وذكره العماد الاصفهاني في كتاب الخريدة. اقول ثم ذكر له قطعاً شعرية مستملحة.
قال الشيخ القمي في الكني: وقد يطلق الحصكفي على علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصكفي الدمشقي العالم المحدث النحوي كان يدرس ويفتي بدمشق وله شرح على المنار للنسفي وشرح على ملتقى الابحر في الفروع الخفية لابراهيم الحلبي المتوفي سنة 956 وغير ذلك توفي سنة 1088 انتهى.
وقال ابن الجوزي في المتظم: هو إمام فاضل في علوم شتى وكان يفتي ويقول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب الى الغلو في التشيع ومن لطيف قوله:
جد ففي جدك الكمال والهزل مثل اسمه هزال
فما تنال المراد حتى يكون معكوس مـا تنال
أي لا تنام

وقوله:
اذا قل ما لي لم تجدني ضارعا كثير الاسى مغرى بعض الانامل
ولا بطـراً إن جـدد الله نعمة ولو أن ما آوى جمـيع الانام لي

قال السمعاني في الانساب ص 184:
الحصكفي بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف وفي آخرها الفاء ، هذه النسبة إلى (حصن كيفا) وهي مدينة من ديار بكر ويقال لها بالعجمية حصن كيبا ، والمشهور بالنسبة إليها أبوالفضل يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي الخطيب بميافارقين أحد أفاضل الدنيا ، وكان إماماً بارعاً في قول الشعر جواد الطبع رقيق القول ، اشتهر ذكره في الآفاق بالنظم والنثر والخطب ، وعَمر العمر الطويل ، وكان غالياً في التشيع ويظهر ذلك في شعره ، كتب إلى الإجازة بجميع مسموعاته بخطه في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، وروى لى عنه أبو عبد الرحمن عسكر بن أسامة النصيبي ببغداد وأبو الحسن علي بن مسعود الإسعردي بالرقة ، وأبو الخير سلامة بن قيصر الضرير بقلعة جعبر ، والخضر بن ثروان الضرير الأديب ببلخ ، وساعد بن

أدب الطف ـ الجزء الثالث 62


فضائل المنبجي بنيسابور وغيرهم ، وكانت ولادته في حدود الستين والاربعمائة وتوفي بعد سنة 551 بميافارقين.
فمن شعره ، كما في المنتظم لابن الجوزي ج 10 ص 187 وفي خريدة القصر ص 490.
حنـت فـاذكـت لوعتـي حنـينا أشـكو من البـين وتشكـو البينا
قد عاث في أشخاصها طول السرى بقدر مـا عـاث الـفـراق فينا
فخلها تمشـي الـهويـنا طـالمـا أضحت تبارى الريـح في البرينا
وكيف لا نـأوي لهـا وهـي التي بها قطـعنـا السهـل والحزونا
ها قد وجدنـا الـبر بحـراً زاخراً فهل وجـدنـا غيـرهـا سفينا
إن كن لا يفـصحن بالشـكوى لنا فـهـن بـالإرزام يـشتـكيـنا
قد عذبت لـها دمـوعـي لم تبت هيماً عطاشا وتـرى الـمعـينا
وقد تيـاسـرت بـهن جـائـرا عن الحـمى فاعـدل بـها يمينا
تحن اطـلالا عـفـا آيـاتـهـا تـعـاقـب الايـام والسـنـينا
يقول صحبـي أتـرى آثـارهـم نعم ولكـن لا تـرى القـطـينا
لو لم تجـد ربـوعهـم كـو جدنا للبيـن لـم تـبل كـما بـليـنا
ما قدر الحـي علـى سفـك دمي لو لم تكـن أسـيافـهم عـيونا
أكـلـمـا لاح لعيـنـي بـارق بكت فابـدت سـري الـمصونا
لا تأخـذوا قـلـبي بـذنب مقلتي وعـاقـبوا الخـائن لا الأمـينا
ما استترت بـالورق الورقاء كي تصـدق لـما علـت الغصـونا
قد وكلت بـكـل بـاك شجـوه تعـيـنه إذ عـدم الـمعــيـنا
هذا بكاهـا والـقـرين حاضـر فكـيف مـن قد فـارق القـرينا
أقسمت ما الـروض اذا ما بعثت أرجاؤه الخـيري والـنـسـرينا
وأدركت ثـمـاره وعـذبــت أنـهـاره وأبـدت الـمكـنـونا
وقابلته الشمـس لـما أشـرقت وانقـطـعت أفـنـانه فـنـونا
أذكى ولا أحـلى ولا أشهى ولا أبهى ولا أوفـى بعيـنـي لـينا


السابق السابق الفهرس التالي التالي