أدب الطف ـ الجزء الثالث 24


لا أحـب الفج الثقيل ولـو جا د ببــذل المئـين والآلاف
وأحب الفتى يهش الى الضيـ ـف بأخلاقه العذاب اللطاف
أريحياً طـلـق المحيـا حيياً ماء أخلاقه من الكبير صاف
ولو اني لو أحظ منه بغير الـ ـشم شيئاً ، لكان فوق الكافي

ومن قوله:
ومـدلل دقـت محاسن وجهـه عن أن تـكيف
تـرك التصنع للجمـا ل ، فكان أظرف للتظرف
لو أن وجه البدر يشـ ـبه وجهه ما كان يكسف
الصـدغ مسـك والثنا يـا لؤلؤ ، والـريق قرقف(1)
والـورد من وجـناته بـأنامـل الألحـاظ يقطف

وله في نوح الحمامة
بي مثـل ما بـك يا حمام البان أنا بالقدود وأنـت بالإصان
أعد الترنـم كيـف شئت ، فإننا فيما نجن مـن الهوى سيان
لي ما رويت من النسيب ، وإنما لك فيه حق الشدو والألحان

قال: وحكي لي: ان ابا الغنائم ابن دارست حمل ابن الهبارية على هجو نظام الملك فأبى ، وقال: هو منعم في حقي فكيف أهجوه؟ فحمله على أن سأل (نظام الملك) شيئاً ، صعبت عليه أجابته الى ذلك ، فقال ابن الهبارية:
لا غرو إن ملك (إبن إسـ ـحاق ، وساعده الـقدر
وصـفت له الدنيا ، وخص (أبو الغنـائـم) بالكـدر
فالـدهـر كالـدولاب ليـ ـس يدور إلا بـالـبقر

فلما سمع (نظام الملك) هذه الأبيات ، قال: هذه إشارة الى أنني من


(1) القرقف: الخمر
أدب الطف ـ الجزء الثالث 25


(طوس) فإنه يقال لأهل (طوس) « البقر » واستدعاه ، وخلع عليه وأعطاه خمسمائة دينار فقال ابن الهبارية لـ (تاج الملك) : ألم أقل لك؟ كيف أهجموه ، وإنعامه بلغ هذا الحد الذي رأيته؟
وقال:
يا أيها الصـاحب الأجل إن لـم يكن وابـل فطـل(1)
المال فان ، والـذكر باق والوفر فرع ، والعرض أصل
فاجعله دون العيال ستراً فالصـون في أن يكون بذل
لا تحقـرن شاعراً تراه فعـقـدة الشعـر لا تـحل

ومن معانيه الغريبة قوله في الرد على من يقول: ان السفر به يبلغ الوطر:
قالوا أقمت وما رزقت وإنما بالسير يكتسـب اللبيب ويـرزق
فاجـبتهم مـا كل سير نافعاً الحظ ينفـع لا الرحـيل المقـلق
كم سفرة نفعت وأخرى مثلها ضرت ويكتسب الحريص ويخفق
كالبدر يكتسب الكمال بسيره وبـه اذا حـرم السعـادة يمحـق

وله:
ما صغت فيك المدح لكنني من غر أوصافك أستملي
تملي سجاياك على خاطري فهـا أنـا أكتب ما تملي

وله في ابن جهير لما استوزر ثانية بسبب مصاهرة نظام الملك:
قل للـوزير ، ولا تفـزعك هيبته وإن تـعاظـم واستولـى لمـنصبه:
لولا ابنة الشيخ ما استوزرت ثانية فاشكر حراً ، صرت مولانا الوزير به

وقوله:
ما منح الانسان من دهره موهبة أسنى من العقل


(1) الوابل ، المطر الشديد الضخم القطر ، والطل ، المطر الخفيف يكون له اثر قليل ، وفي التنزيل قوله تعالى « فان لم يصبها وابل فطل »
أدب الطف ـ الجزء الثالث 26


يؤنسـه إن مله صاحب فهو على الوحدة في أهل
ما ضره عندي ولا عابه إن غلبتــه دولة الجهل

أقول وذكر له العماد في الخريدة كثيراً من الشعر في الهزل والخمر والمجون ورتبة على الحروف وقد اكتفينا بهذه الباقة من الوان شعره ، قال ابن خلكان: ومحاسن شعره كثيرة وله كتاب نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة ، وديوان شعره كبير يدخل في اربع مجلدات ، ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة ، وهو أراجيز وعدد بيوته الفا بيت ، نظمها في عشر سنين ، ولقد أجاد فيه كل الاجادة ، وسير الكتاب على يد ولده الى الامير ابي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الاسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الابيات.
هـذا كتاب حسن تحار فيـه الفطـن
أنفقـت فيه مـده عشر سنـين عـده
منذ سمعت باسمكا وضـعته برسمكـا
بيـوتـه ألـفـان جـميـعها مـعـان
لو ظل كل شـاعر ونـاظـم ونـاثـر
كعمر نوح التـالد في نـظم بيت واحد
مـن مثله لما قدر ما كل من قال شعر
أنفذته مع ولـدي بل مهجتـي وكبدي
وأنت عند ظنـي أهـل لـكـل مـن
وقـد طوى اليكا تـوكـلاً عـليـكا
مشـقة شـديـدة وشـقــة بعـيدة
ولو تركت جيت سعـياً وما ونـيت
إن الفخار والعلا إرثك من دون الملا

قال: فاجزل عطيته وأسنى جائزته.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 27


الحسين الطغرائي

ومبسم ابن رسول الله قد عبثت بنو زياد بثغر منه منكوت


(1) قال ابن خلكان ، والطغرائي بضم الطاء المهملة ، وسكون الغين المعجمة وفتح الراء بعدها ألف مقصورة ـ هذه النسبة الى من يكتب الطغرى ، وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه ، وهي لفظة أعجمية.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 28


مؤيد الدين الحسين بن علي الاصفهاني المنشىء المعروف بالطغرائي.
قال الحر العاملي في أمل الآمل: فاضل عالم صحيح المذهب ، شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة ، وشعره في غاية الحسن ، ومن جملته لامية العجم المشتملة على الآداب والحكم ، وهي أشهر من أن تذكر ، وله ديوان شعر جيد. ثم ذكر بعض اشعاره وذكره ابن خلكان وأثنى عليه وقال: انه كان غزير الفضل لطيف الطبع فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ، وقال السيد الامين في الاعيان: مؤيد الدين ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الاصبهاني الوزير المنشىء المعروف بالطغرائي من ذرية ابي الاسود الدؤلي. ولد سنة 453 وقتل سنة 514 بأربل عن عمر تجاوز الستين وفي شعره ما يدل على أنه بلغ 57 سنة لأنه قال وقد جاءه مولود.
هذا الصغير الذي وافى على كبر أقر عيني ولكن زاد في فكري
سبع وخمسون لو مرت على حجر لبان تـأثيرها في ذلك الحجر

وهو شاعر مجيد وله ديوان شعر مطبوع بمطبعة الجوائب يشتمل على روائع ومبتكرات في المعاني وهو يحتوي على مائتين وسبعة وخمسين قصيدة ومقطوعة تتكون من ألفين وثمانمائة وخمسة وسبعين بيتاً ، وفيها الشيء الكثير من الحكم والوصف والمديح والعتاب والشكوى والحماسة ، ومن ذلك مقطوعتان في ذكر ولائه لأهل البيت عليهم السلام ونقمته على ظالميهم بقوله:
حب اليهود لآل موسى ظاهر وولاؤهم لبني أخيه بادي


أدب الطف ـ الجزء الثالث 29


وإمامهم من نسل هارون الأولى بهم اهتدوا ، ولكل قـوم هادي
وأرى النصارى يكرمون محبة لنبيهم نجـراً مـن الأعـواد
وإذا تـوالـى آل أحمـد مسلم قتلوه أو وسمـوه بـالإلحـاد
هذا هـو الداء العيـاء بمثلـه ضلت حلوم حواضر وبوادي
لم يحفظوا حــق النبي محمد في آله ، والله بـالمـرصـاد

وكأن هذه القطعة كانت لسان حاله ، فقد رمي بالإلحاد في آخر حياته وقتل بهذه التهمة ومضى شهيداً محتسباً.
وأما القطعةالثانية فهي:
توعدني فـي حب آل محـمد وحب ابن فضل الله قوم فأكثروا
فقلت لهم لا تكثروا ودعوا دمي يراق على حبي لهـم وهو يهدر
فهذا نجاح حـاضـر لمعيشتي وهذا نجاة ارتجي يـوم أحشـر

وأورد له ابن شهراشوب في المناقب قوله في أهل البيت:
نجوم العلى فيكم تطلع وغائبها نحوكم يرجع
علي يستقل فلا يستقر به لهما دونكم مضجع

ومن مشهور شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم لأن ناظمها عجمي أصبهاني ، نظمها ببغداد سنة 505 وأولها:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل وحلية الفضل زانتني لدى العطل

وذلك في مقابلة لامية العرب للشنفري العربي التي أولها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميل

وقد شرح لامية العجم صلاح الدين بن أبيك الصفدي بشرح مطول يشتمل على جزئين ضخمين ، وقد أوردها ياقوت الحموي في معجم الأدباء بتمامها إعجاباً بها

أدب الطف ـ الجزء الثالث 30


وكذلك ابن خلكان أوردها بتمامها ، وترجمها بعض المستشرفين الى اللاتينية(1)وشطرها وخمسها كثيرون ، وأعجبني من ذلك تخميس جرجي افندي نخلة سعد ، من أدباء لبنان ، نشرته مجلة العرفان اللبنانية وأوله:
تركت صحبي بين الكأس والغزل يداعبون ذوات الأعـين النجـل
أما أنا ولسـان الحـق يشهـد لي أصالة الرأي صانتني عن الخطل
وحلية الفضل زانتني لدى العطل

وكل التخميس جاء مجارياً لمتانة القصيدة منسجماً معهما ، واذا كنا لم نذكره هنا فلا تفوتنا القصيدة فهي حاوية لجملة من الحكم والنصائح وها هي:
أصالة الرأي صانـتنـي عن الخطل وحلية الفضـل زانـتني لـدى العـطل
مجـدي أخيراً ومـجدي أولاً شـرع والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل
فـيـم الإقامة بالـزوراء لا سكـني بهـا ولا ناقـتـي فـيـها ولا جـملي
ناء عن الأهل صفر الـكف منـفرد كالسيـف عـري متنـاه مـن الـخلل
فلا صـديـق إليه مشـتكـى حزني ولا أنـيس إلـيـه مـنتـهـى جـذلي
طال اغـتـرابي حتى حن راحـلتي ورحلـها وقـرى العسـالـة الـذبـل
وضج من لغب نضـوي وعـج لما يلقى ركـابـي ولج الركـب في عذلي
أريـد بسطة كـف أستـعـين بـها علـى قضاء حقوق لـلعلـى قـبلـي
والـدهر يعكس آمـالي ويقـنعـني مـن الـغنـيمة بعـد الـكد بالقــفل
حـب السلامة يثني هــم صـاحبه عن المـعالـي ويغـري المرء بالكسل
فإن جنحـت إليه فاتخــذ نـفـقـاً في الارض أو سلماً في الـجو فاعتزل
ودع غمـار العلـى للـمقدمين علـى ركـوبهـا واقــتـنع منـهن بـالبلل
يرضى الذليل بخفـض العيش يخفضه والعز بيـن رسـيم الأيـنـق الـذلـل
فادرأ بهـا في نحـور البـيد حافلـة معارضات مثاني التـجــم بـالجـدل


(1) خريدة القصر.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 31


إن العلـى حدثتنـي وهي صادقـة فيما تحدث أن العـز فـي النقـل
لو أن في شرف المـأوى بلوغ منى لم تبرح الشمس يـوماً دارة الحمل
أهبت بالحظ لـو ناديـت مسـتمعا والحـظ عنـي بالجهـال في شغل
لعلـه إن بدا فضـلي ونـقصهـم لعـينه نـام عنهـم أو تـنـبه لي
أعـلـل النفـس بـالآمـال أرقبها ما أضيق العيش لو لا فسـحة الأمل
لم أرتـض العـيـش والأيام مقبلة فكـيف أرضى وقد ولت على عجل
غالى بـنفسـي عـرفـاني بقيمتها فصنتها عن رخيـص الـقدر مبتذل
وعـادة النـصل أن يزهو بجوهره ولـيس يعمـل إلا في يـدي بطـل
ما كـنت أؤثر أن يمـتد بي زمني حتى أرى دولـة الأوغـاد والسـفل
تقـدمتني أنـاس كـان شـوطهم وراء خطوي إذا أمشـي علـى مهل
هذا جزاء أمـرىء أقرانـه درجوا من قبلـه فتمـنى فـسـحة الأجـل
وإن علاني من دونـي فـلا عجب لي أسوة بانحـطاط الشمس عن زجل
فاصبر لها غير محـتال ولا ضجر في حادث الدهر ما يغـني عن الحيل
أعدى عدوك أدنـى مـن وثقت به فحاذر الناس واصحبهـم عـلى دخل
وإنمـا رجـل الـدنـيا وواحـدها من لا يعول في الـدنيا علـى رجـل
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت مسافة الخـلف بـين القول والـعمل
وحـسن ظـنك بـالأيام مـعـجزة فظـن شـراً وكـن منـها على وجل
وشان صدقـك عـند الـناس كذبهم وهـل يطـابـق مـعـوج بمـعتدل
إن كان ينجـع شيء فـي ثـباتهم على العهود فـسبق السـيف للـعذل
يا وارداً سـؤر عيـش كـله كـدر أنفقت عـمرك فـي أيـامـك الأول
فيم اعتراضك لـج الـبحـر تركبه وأنت يكفـيك مـنه مصـة الـوشل
ملك القنـاعة لا يخشى علـيه ولا تحتاج فيه إلـى الأنـصار والـخول
ترجو البقـاء بـدار لا ثـبات لها فهل سـمعـت بـظل غـير منـتقل
ويا خبيراً علـى الأسرار مطلـعاً أنصت ففي الصمـت منجاة من الزلل
قد رشحوك لأمـر إن فـطنت له فأرباً بـنفسك أن تـرعى مع الهمـل


أدب الطف ـ الجزء الثالث 32


كان وزيراً للسلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل.
وفي معجم الادباء: كان آية في الكتابة والشعر خبيراً بصناعة الكيمياء له فيها تصانيف أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى وخدم السلطان ملكشاه بن ألب ارسلان وكان منشىء السلطان محمد مدة ملكه متولي ديوان الطغراء وصاحب ديوان الانشاء تشرفت به الدولة السلجوقية وتشوفت اليه المملكة الايوبية وتنقل في المناصب والمراتب وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة ولم يكن في الدولتين السلجوقية والايوبية من يماثله في الانشاء سوى أمين الملك ابي نصر العتبي وله في العربية والعلوم قدم راسخ وله في البلاغة المعجزة في النظم والنثر قال الامام محمد بن الهيثم الاصفهاني : كشف الاستاذ أبو اسماعيل بذكائه سر الكيمياء وفك رموزها واستخرج كنوزها وله فيها تصانيف وذكرها وقوله كان خبيراً بصناعة الكيميا لم يظهر المراد من أهو العلم بصناعتها فقط أم أنه كان يعلم كيفية صنعها وصحت معه فحول المعادن الى ذهب وفضة ربما ظهر من قوله: أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى الاول ولا صحت معه لاشتهر ذلك وكان ذا ثروة عظيمة وقال ابن خلكان في تاريخه: الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الاصبهاني الطغرئي غزير الفضل لطيف الطبع فاق بصنعة النظم والنثر ، توفي سنة 515 وفي انساب السمعاني.
في المنشي ، هذه النسبة الى انشاء الكتب الديوانية والرسائل والمشهور بهذه النسبة الاستاذ ابو اسماعيل الحسين بن علي بن عبد الصمد المنشي الاصبهاني صدر العراق وشهرة الآفاق وذكر معه رجلا آخر. وفي مرآة الجنان في حوادث سنة 514 فيها توفي الوزير مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني كاتب ديوان الانشاء للسلطان محمد بن ملكشاه كان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لامية العجم ، وفي أمل الآمل: مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي فاضل عالم صحيح المذهب

أدب الطف ـ الجزء الثالث 33


شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة وشعره في غاية الحسن ومن جملته لامية العجم المشتملة على الآداب والحكم وهي أشهر من أن تذكر وله ديوان شعر جيد اهـ وفي الرياض: الشيخ العميد الوزير مؤيد الدين فخر الكتاب ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي الامامي الشهيد المقتول ظلماً الشاعر الفاضل الجليل المشهور صاحب لامية العجم التي شرحها الصفدي بشرح كبير معروف وكان مشهوراً بمعرفة علم الكيمياء ويعتقد صحة ذلك وله فيه تأليف اهـ و لاشتهاره بعلم الكيمياء قبل عن لاميته المعروفة بلامية العجم انها رمز الى علم الكيمياء وهو خيال فاسد كما قيل عن كتاب كليلة ودمنة مثل ذلك. وفي تاريخ السلجوقية لعماد الدين محمد بن محمد الاصفهاني بعد ما ذكر مرض السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ما لفظه: وأما الاستاذ ابو اسماعيل الطغرائي فانهم لما لم يروا في فضله مطعنا ولا على علمه من القدح مكمناً أشاعوا بينهم انه ساحر وانه في السحر عن ساعد الحذق وحاسر وأن مرض السلطان ربما كان بسحره وأنه ان لم يصرف عن تصرفه فلا أمن من أمره فبطلوه عطلوه واعتزلوه وعزلوه اهـ.
وقال الصفدي في شرح لامية العجم: أخبرني العلامة شمس الدين محمد ابن ابراهيم بن مساعد الانصاري بالقاهرة المحروسة ان الطغرائي لما عزم أخو مخدومه على قتله أمر أن يشد إلى شجرة وأن يوقف تجاه جماعة ليرموه بالسهام ، ففعل ذلك به وأوقف إنساناً خلف الشجرة من غير أن يشعر به الطغرائي وأمره أن يسمع ما يقول: وقال لأرباب السهام: لا ترموه بالسهام إلا إذا أشرت إليكم. فوقفوا والسهام في أيديهم مفوقة لرميه. فأنشد الطغرائي في تلك الحال هذه الابيات:
ولقـد أقول لمـن يسدد سهـمه نحوي وأطراف المنيئة شرع
والموت في لحظات أحور طرفه دوني وقلبي دونـه يتـقطع


أدب الطف ـ الجزء الثالث 34


بالله فتش في فؤادي هل يرى فيه لغير هوى الأحبة موضع
أهون به لو لم يكن في طيه عهد الحبيب وسره المستودع

فلما سمع ذلك رق له وأمر بإطلاقه ذلك الوقت ، ثم أن الوزير عمل على قتله فيما بعد وقتل اهـ.
فمن شعره ما أورده الحر العاملي في أمل الآمل قوله:
إذا ما لم تكن ملـكاً مطاعاً فكن عبداً لـخالـقـه مطيعاً
وإن لم تملك الدنـيا جميعاً كان تهواه فـاتـركها جميعا
هما نهجان من نسك وفتك يحـلأن الفتى الشرف الرفيعا

وقوله:
يا قلب مالك والهوى من بعد ما طاب السلؤ وأقصر العشاق
أو ما بدا لك في الافاقة والأولى نازعتهم كأس النـدام أفاقوا
مرض النسيم وصح والداء الذي أشكوه لا يرجـى له إفراق
وهدا خفوق النجـم والقلب الذي ضمت عليه جوانحي خفاق

وفي خريدة القصر للعماد الكاتب انه كتب اليه أبو شجاع ابن أبي الوفاء وكان من معاصريه بأصفهان وهو تائب من شرب الخمر يستهديه شراباً:
يا مـن سـما بجـلاله فخـراً عـلى كـل الأنام
وغدت مـكارم كـفـه تغني العـفاة عـن الغمام
إن كنت قد نزهت نفـ ـسك عن مساورة المدام
فأسير جودك نحـو ما نزهـت نفسـك عنه ظام
فامنن علـيه بالشـرا ب وعش سعيداً ألف عام
فالعمر يركض كالسحا ب وكـل عيش كـالمنام
واجل ما أدخـر الفتى شكر يـبوح علـى الدوام


أدب الطف ـ الجزء الثالث 35


فأجابه الاستاذ الطغرائي بقوله:
من تاب من شرب المدام ومن مقـارفـة الـحرام
وسمت به النفس العزوب عن التورط فـي الاثـام
فاستحي ان تلـقاه مـنـ ـتجعـاً لأهـداء المـدام
وابني أحق بــما سالـ ـت لديـه من بلل الأوام
فاستسقـه فـلـديه مـا يغنيك عن سـقي الـغمام
واسرق من الأيام حظـ ـك من حـلال أو حرام
فالدهر ليس يـنام عنـ ـك وأنت عنه في مـنام

ومن شعره قوله:
جامل عدوك ما استطعـت فانه بالرفق يطمع في صلاح الفاسد
واحذر حسودك ما استطعت فانه إن نـمت عنه فليس عنك براقد
ان الـحسـود وان أراد تـودداً منه أضـر مـن العـدو الحاقد
ولربما رضـي الـعدو اذا رأى منك الجـميل فصار غير معاند
ورضا الحسود زوال نعمتك التي أوتيتـها من طـارف أو تالـد
فاصبر على غيـظ الحسود فناره ترمي حشـاه بـالعذاب الخالـد
أو ما رأيت النار تـأكل نفسهـا حتى تعود الى الـرمـاد الهامد
تضفر على المحسـود نعمة ربه ويذوب من كمد فؤاد الـحاسـد

وقوله في مدح العلم
من قاس بالعلم الثـراء فانه في حكمه أعمى البصيرة كاذب
العلم تخدمه بنفسـك دائـماً والمال يخدم عـنك فيه نـائب
والمال يسلب أو مبيد لحادث والعلم لا يخشـى علـيه سالب
والعلم نقش في فؤادك راسخ والمال ظـل عن فنائـك ذاهب
هذا على الانفاق يغزر فيضه أبداً وذلك حـين تـنفق ناضب


أدب الطف ـ الجزء الثالث 36


ومن شعره قوله:
أما العلوم فقـد ظفـرت ببغيتي منهـا فمـا احـتـاج ان أتعلمـا
وعرفت أسرار الحقيـقه كـلها علمـاً أنار لـي الـبهيم المظـلما
وورثت هرمس سر حكمته الذي ما زال ظناً في الغيـوب مـرجما
وملكت مفتاح الكنـوز بحكـمة كشفت لي السـر الخفـي المـبهما
لولا التقية كنت أظـهر معجزاً من حكمتي تشفي القلوب من العمى
أهوى التكرم والتظاهر بـالذي علـمته والـعقـل يـنهى عنهـما
وأريد لا ألقـى غـبياً مؤسراً في العالمـيـن ولا لبـيباً مـعدما
والناس إما جـاهـل أو ظالم فمـتى أطـيـق تـكرما وتكلمـا

وقوله يصف طلوع الشمس وغروب البدر:
وكأنما الشمس المنيرة أذ بدت والبدر يجنح للغروب وما غرب
متحاربان لذا مـجن صـاغه من فضة ولـذا مـجن من ذهب

وقوله:
أيكية صدحت شجـوا على فنن فاشعلـت ما خبا من نار أشجاني
فاحت وما فقدت إلفا ولا فجعت فذكرتـني أوطـاري وأوطانـي
طليقة مـن أسار الهـم نـاعمة أضحت تجدد وجد الموثف العاني
تشبهت بي في وجد وفي طرب هيهات ما نحن في الحالين سيان
ما في حشاها ولا في جفنها أثر من نار قلبي ولا من ماء أجفاني
يا ربة الـبانة الغناء تـحضنها خضراء تلتف أغصاناً باغصان
ان كان نوحك إسعـاداً لمغترب ناء عن الاهل مـمني بهـجران
فقارضيني اذا ما اعتادني طرب وجــداً بوجد وسلواناً بسلـوان
ما أنت مني ولا يعنيك ما أخذت مني الليالي ولا تـدرين ما شاني


أدب الطف ـ الجزء الثالث 37


وقوله:
اقول لنضـوي وهـي من شجني خلو حنانيك قـد أدميت كلمي يا نضو
تعالى اقاسـمـك الهــموم لتعـلمي بأنك مـما تشتكي كبـدي خـلو
تريـدين مرعى الريف والبـدو ابتغي وما يستوي الريف العراقي والبدو
هوى ليس يسلي القرب عنه ولا النوى وشـو قـديم ليس يشـبه شـجو
فـاسـر ولا فـك ووجـد ولا أسـى وسنقم ولا برء وسكر ولا صحو
عـناء معـن وهـو عـندي راحـة وسم ذعاف طعمه فـي فمي حلو

وقوله:
انظر ترى الجنة في وجهه لا ريب في ذاك ولا شك
أما ترى في الرحيق الذي ختامه مـن خاله مسـك

وقال يعزى معين الملك عن نكبته:
تصبـر معين المـلك إن عن حادث فعـاقبه الصبر الجميل جميل
ولا تيأسن من صـنع ربـك إنـني ضمـين بأن الله سوف يديل
فـإن الليـالي إذ يـزول نـعيمهـا تبشـر أن النـائبات تـزول
ألـم تـر أن الليـل بعـد ظلامـه عليه لإسفار الصـباح دلـيل
وأن الهـلال النضو يقـمر بعـدما بدا وهو شخت الجانبين ضئيل(1)
فـلا تحسبـن الدوح يقلـع كـلما يمـر به نفـح الصبا فيمـيل
ولا تحسـبن السيف يقصف كلمـا تعـاوده بعد المـضاء كـلول
فـقد يعطف الـدهر الأبي عنانـه فيشـفى عليل أو يبل غـليل
ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما تساقط ريـش واستطار نسيل(2)
ويسـتأنف الغصن السليب نضارة فيـورق ما لم يعـتوره ذبول


(1) النضو: المهزول ، والشخت الضامر عن غير هزال.
(2) النسيل: ما يسقط من الريش.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 38


وللنجم من يعد الذبـول استقامـه وللحظ من بعد الذهاب قفول
وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها عليك وأحداث الزمان شكول
ولا غـرو أن أخنت علـيك فإنما يصادم بالخطب الجليل جليل
وأي قـناة لـم تـرنح كعـوبهـا وأي حسـام لـم تصبه فلول
أسـأت إلى الأيام حتى وتـرتهـا فعنـدك أضغـان لها وتبول(1)
ومـا أنت إلا الـسيف يسكن غمده ليشقى به يوم النزال قتـيل
أمـا لك بالصـديق يوسـف أسوة فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل
وما غض منك الحبس والذكر سائر طليق له في الخافقيـن ذميل(2)
فـلا تذعنن للخطـب آدك (3) ثقله فمثلك للأمـر العظيـم حمول
ولا تـجزعـن للكبل مسـك وقعه فإن خلاخـيل الـرجال كبول
وإن امرء تعـدو الحوادث عرضه ويـأسى لما يـأخذنه لبخـيل

ومن شعر الطغرائي في الفخر ما ذكره الزيات في تاريخ الادب العربي
أبى الله أن اسمو بغيـر فـضائلي إذا مـا سما بالـمال كل مسـود
وإن كـرمت قبلي أوائـل أسرتي فـإني بحـمد الله مبدأ سـؤددي
ومـا المال إلا عـارة مستـردة فهلا بفضلي كاثروني ومـحتدى
إذا لم يكن لي فـي الولاية بسطة يطول بها باعي وتسطو بها يدي
ولا كان لي حكـم مطاع أجـيزه فـأرغم اعدائـي وأكبت حسدي
فاعذر إن قصرت في حق مجتد وآمـن أن يعـتادني كـيد معتد
أأكفى ولا أكفي؟ وتلك غضاضة أرى دونها وقع الحسـام المهند
من الحزم ألا يضجرالمرء بالذي يعـانيه مـن مكروهة فكأن قد
إذا جلدي في الأمر خان ولم يعن مريرة عـزمي ناب عنه تجلدي
ومـن يستعن بالصبر نال مراده ولـو بعد حين إنـه خير مسعد


(1) التبول جمع التبل: هو الثأر.
(2) الذميل: السير اللين.
(3) آدك: اثقلك وأجهدك.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 39


ابو منصور الجواليقي

ابو منصور الجواليقي
قال ابن شهراشوب في المناقب: قال الجواليقي في ذم يزيد حين ضرب ثنايا الحسين عليه السلام بالقضيب الخيزران.
واخـتال بالكبرعلى ربه يقرع بالعود ثناياه
بحيث قد كان نبي الهدى يلثـم في قبلته فاه


أدب الطف ـ الجزء الثالث 40


جاء في أعيان الشيعة ج 49 ص 52:
أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي البغدادي.
ولد سنة 466 وتوفي يوم الأحد منتصف المحرم سنة 539 ببغداد ودفن بباب حرب وصلى عليه قاضي القضاة الزينبي بجامع القصر.
و(الجواليقي) نسبه الى عمل الجوالق أو بيعها. والجواليق جمع جوالق وهو وعاء معروف. وهو معرب جوال بالجيم الفارسية ، لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة عربية البتة. قال ابن خلكان: وهي نسبة شاذة لأن الجموع لا ينسب اليها بل إلى آحادها ، إلا في كلمات شاذة محفوظة كأنصاري في النسبة الى الأنصار. والجواليق في جمع جوالق شاذ أيضاً لأن الياء لم تكن في المفرد والمسموع فيه جوالق بضم الجيم وجمعه جوالق بفتحها وهو باب مطرد كرجل حلاحل بضم الحاء أي وقور جمعه حلاحل بفتح الحاء ، وشجر عدامل أي قديم ، جمعه عدامل ، ورجل عراعر أي سيد ، جمعه عراعر ، ورجل علاكد أي شديد ، جمعة علاكد ، وله نظائر كثيرة اهـ .
(أقوال العلماء فيه)
ذكره ابن الانباري في نزهة الألباء في طبقات الأدباء فقال:
وأما أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي اللغوي فإنه كان من كبار أهل اللغة ، وكان ثقة صدوقاً ، وأخذ عن الشيخ ابي زكريا

أدب الطف ـ الجزء الثالث 41


يحيى الخطيب التبريزي ، وألف كتباً حسنة وقرأت عليه ، وكان منتفعاً به لديانته وحسن سيرته اهـ .
وذكره ابن خلكان فقال: أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد ابن الجواليقي البغدادي الأديب اللغوي كان إماماً في فنون الأدب وهو من مفاخر بغداد ، قرأ الأدب على الخطيب ابي زكريا التبريزي يحيى بن علي ولازمه وتلمذ له حتى برع في فنه ، وهو متدين ثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط صنف التصانيف المفيدة وانتشرت منه مثل شرح أدب الكاتب والمعرب ، ولم يعمل في جنسه اكثر منه ، وتتمة درة الغواص للحريري سماء التكملة فيما يلحن فيه العامة الى غير ذلك ، وكان يختار في مسائل النحو مذاهب غريبة ، وكان في اللغة أمثل منه في النحو ، وخطه مرغوب فيه يتنافس الناس في تحصيله والمغالاة فيه ، وسمع ابن الجواليقي من شيوخ زمانه واكثر ، وأخذ الناس عنه علما جماً ، وينسب اليه من الشعر شيء قليل « اه » . وذكره وأباه أحمد السمعاني في الانساب فقال: الجواليقي ابو طاهر احمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي والد شيخنا ابي منصور كان شيخنا صالحا سديدا ًوابنه الامام ابو منصور موهوب بن ابي طاهر الجواليقي من اهل بغداد كان من مفاخر بغداد بل العراق وكان متدينا ًثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط قرأ الادب على ابي زكريا التبريزي والقاضي وابن الفرج البصري وتلمذ لهما وبرع في الفقه وصنف التصانيف وانتشر ذكره وشاع في الآفاق وقرأ عليه اكثر فضلاء بغداد وسمع ابا القاسم علي بن احمد ابن التستري وابا طاهر محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري وابا الفوارس طراد بن محمد الزينبي ومن بعدهم ، سمعت منه الكثير وقرأت عليه الكتب مثل غريب الحديث لابي عبد وامالي الصولي وغيرها من الأخبار المشهورة « اهـ » .
وذكره السيوطي في بغية الوعاة فقال: موهوب بن احمد بن محمد ابن

أدب الطف ـ الجزء الثالث 42


الحسن بن الخضر ابو منصور الجواليقي النحوي اللغوي كان اماماً في فنون الادب صحب الخطيب التبريزي وسمع الحديث من ابي القاسم ابن التستري (البستري) وابي طاهر بن ابي الصقر وروى عنه الكندي وابن الجوزي وكان ثقة ديناً غزير الفضل وافر العقل مليح الخط والضبط درس الادب في النظامية بعد التبريزي واختص بامامة المقتفي وكان في اللغة أمثل منه في النحو وكان متواضعاً طويل الصمت من أهل السنة لا يقول الشيء الا بعد التحقيق يكثر من قول لا ادري « اهـ » .
(اخباره)

قال ابن خلكان: جرت له مع الطبيب هبة الله بن صاعد المعروف بابن التلميذ واقعة عنده وهي انه لما حضر اليه للصلاة به ودخل عليه اول دخله فما زاده على ان قال السلام على اميرالمؤمنين ورحمة الله تعالى فقال له ابن التلميذ وكان حاضراً قائماً بين يدي المقتفي وله ادلال الخاصة والصحبة: ما هكذا يسلم على اميرالمؤمنين يا شيخ فلم يلتفت ابن الجواليقي اليه وقال للمقتفي يا اميرالمؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية وروى له خبراً في صورة السلام ثم قال: يا اميرالمؤمنين لو حلف حالف ان كافراً لم يصل الى قلبه نوع من انواع العلم على الوجه المرضي لما حنث لأن الله تعالى ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلا بالايمان فقال له صدقت وأحسنت فيما فعلت وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة ادبه وحكى ولده ابو محمد اسماعيل وكان أنجب اولاده قال كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر والناس يقرؤن عليه فوقف عليه شاب وقال يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم افهم معناهما واريد ان تعرفني معناها فقال قل فانشده:
وصل الحبيب جنان الخلد اسكنها وهجره النار يصليني به النارا


السابق السابق الفهرس التالي التالي