تربية الطفل دينيا واخلاقيا 209

  • عوامل التربية الاخلاقية

  • تدخل في تربية الأطفال عوامل إنسانية عديدة ؛ وأهمها : العائلة ، والمدرسة ، والأصدقاء ، والأتراب، والمجتمع ، والشخص ذاته . نشير في ما يلي الى بعض تأثيراتها مع التزام جانب الإختصار .
    أـ الأسرة :


    نبدأ حديثنا في هذا الموضوع بالعائلة ، وذلك لعظم دورها في بناء وإنضاج الشخصية الأخلاقية ، وتكمن أهمية العائلة في هذا المجال في كونها تؤدي دورين مهمين :
    الأول : هو دور الأسوة والقدوة .
    الثاني : هو الدور العاطفي .
    ولهذين الدورين أثرهما في ترك ملامحهما البارزة على سلوك الشخص .
    لقد اعتبر علماء النفس الأسرة من أهم المؤشرات في تكوين طبيعة وشخصية الإنسان ، ويعود لها الفضل الكبير في نضوجه وتنمية القيم في شخصيته.
    ان دراسة وضع الإنسان ونمط شخصيته تقتضي إخضاع السوابق الأخلاقية لعائلته للتحقيق والدراسة ،فإنها مصدر الكثير من المقومات الأصلية أو الزائفة . ومرد هذا هو أن الطفل يقضي في أحضان العائلة الوقت الأكثر من طفولته وهو الوقت الذي يكون فيه مستعداً لتقبل ما يلقى إليه والتأثر بما يسمع وبما يرى ، كالنبات الذي يستمد الضوء من نور الشمس

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 210

    ويعكس طبيعة الارض التي ينبت فيها .
    ويعد الوالدان من الوجهة التربوية من أعظم المؤثرات التي تجتذب الطفل في مطلع حياته حتى أن التشبه بهما يعد من أكبر أمانيه في تلك الحقبة الزمنية ، وإن سلوك الطفل يخضع لتوجيههما او رهبة الى أن يكتسب الطفل الوعي اللازم حيث يبدأ حينها باستقطاب العادات التي يراها شخصياً .

  • الأسرة وانتقال الصفات الأخلاقية

  • ولكن ماهي الخصائص والصفات التي تنقلها العائلة الى أبنائها ؟ والجواب هوأن الطفل كجهاز التسجيل الصوتي ، يقوم بتسجيل كل الكلام والسلوك وطريقة التعامل التي تصدر من الوالدين وسائر الأشخاص المحيطين به ، ثم يعيد بثها حين تقضي الضرورة ، ويتعلم الطفل من والديه وبقية المحيطين ، كل أنواع الكذب ، أو الرحمة والصبر وعزة النفس والقسوة والتعامل المرن أو الحدي والخشونة والحقد أو المحبة والغضب وتقلب المزاج أو ثباته ، والتكامل أو المثابرة ، والإستبداد أو التفاهم ، والكرم أو سوء الخلق وغير ذلك .
    فإذا كان الوالدان يتصفان بالإتزان والنظام والترتيب ، فأطفالهما ايضاً يحملان نفس تلك المواصفات ، فالأبوان اللذان يبذلان مالديهما من ذكاء لخدمة المجتمع غالباً ما يتصف أبناؤهم بنفس تلك الصفة ؛ لأنهم يعتبرون أبويهم نموذجاً يقتدي به ويستمدون منهما كل أنماطهم السلوكية .
    لاشك ان لاسلوب التعامل العاطفي أو الخشن دوره في ذلك التأثير ؛

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 211

    ولهذا فمن الضروري قيام أسس التربية على المحبة لأنها تجعل من تأثير الأسرة على الأطفال أعظم وأشد . ويجب أن يقترن طيب الوالدين وحسن تعاملهما مع الطفل بالذكاء والنباهة اللازمة حتى لايستغل الطفل تلك الطيبة لأغراض منحرفة ، وهذا ما يتطلب اتصاف الأبوين باليقظة في هذا الصدد .
    تنفيذ الأدوار : لو أمعناً النظر في التصرف الأخلاقي لكل من الأب والأم وقارنّا بينهما لكان لزاماً علينا الإعتراف بأن دور الأم أكثر تأثيراً من دور الأب بأضعاف مضاعفة . فالأم ـ وخاصة في السنوات الأولى من سن الطفل ، هي النموذج المثالي بالنسبة له . وقد أظهرت الدراسات العلمية بأن القسم الأعظم من نفسية الطفل مستمد منها .
    ومن الطبيعي جداً ان تكون الإناث أشد تأثراً من الذكور الى درجة يمكن القول معها أن فساد أو صلاح البنت متعلق بأمها . فالبنت أكثر تعلقاً بأمها لأسباب جنسية وعاطفية ، فهي تقبل سلوكها الخلقي بلا أدنى معارضة ، ونادراً ما تضفي عليه بعض التغيرات . فالبنات أكثر تأثراً من الأولاد في التعبير عن أوضاعها وطباعها ، وفي احترام الآداب والتقاليد ، وفي اسلوب الإستدلال وفهم الحياة ، وفي نمط التعامل ، وكيفية التعبير عن التقدير والإحترام .
    واستناداً الى جميع الأسباب السالفة الذكر ، نرى بأننا بحاجة الى أمهات صالحات لغرض إصلاح المجتمع . والمجتمع اليتيم في رأينا هو ذلك المجتمع الخالى من الأم الصالحة ، لذا يترتب تنفيذ المساعي الإصلاحية بشأن الأمهات .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 212

  • العلاقات العائلية والأخلاق

  • للعلاقات القائمة على الأخلاق والآداب دور فاعل في توجيه الطفل أو حرفه عن المسار السليم ، فطريقة التعامل المتداولة بين الأبوين تعكس مدىحرمة وقدسية هذا الأمر او ذاك لديهما ، وكيفية التعامل والعيش مع بعضهما . ومن المعروف أن المحيط العائلي له تأثير في مدى انسجام الطفل مع المحيط الاجتماعي . فمن الامور العائلية التي تؤثر في تكوين ذهنية الطفل ونظرته الى الآخرين هو أسلوب تعامل أفراد العائلة الواحدة ، والعلاقة بين الزوج والزوجة ، وعلاقتهما ببقية أفراد العائلة ، ومواقف كل واحد منهما تجاه الاخر ، ومدى تفاؤلهم أو تشأؤمهم ، وهل يمارسون أي نوع من التفرقة في محبة بعضهم ؟ وهل هناك التزام في مجال مخاطبة بعضهم لبعض ، وطريقة تصفية الحسابات بين أعضاء العائلة الواحدة ؛ وخلاصة القول إن جميع صور الأمر والنهي ، وأساليب استعراض القوة ، والجوانب الإنسانية والأخلاقية ، والنشاط والمرح ، وغير ذلك من الأمور الدقيقة التي لا تيسر الإحاطة بها ، تؤثر في بلورة الأخلاق عند الطفل ؛ ولهذا فعلى المربين الإلتفات إليها وأخذها بنظر الإعتبار .
    ب ـ المدرسة والمعلم :


    يدخل الطفل في بداية السنوات السبع الثانية من عمره الى المدرسة فيتعرف في هذا العالم الجديد على قدوات جديدة ، ويفتح بصره على

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 213

    آداب وطبائع وتقاليد متباينة ، وتؤدي هذه الظروف المستجدة الى وقوع بعض الأطفال تحت تأثير شخصية المعلم حتى أنهم يتشبهون به ويتمنون أن يصبحوا مثله ، وأظهرت إحدى الدراسات العلمية في هذا الصدد أن مايقارب 35 % من الأطفال في السنوات السبع الثانية من أعمارهم ـ يرغبون أن يكونوا كمعلميهم . وعلى هذا يجب القول : ما أسعد هذا الطفل الذي يسعى في تلك المرحلة المبكرة من نموه الى مسايرة المعلم والمربي حتى يوصله الى درجة رفيعة من النضوج والتسامي .
    تتطلب التربية الأخلاقية للأطفال وعياً متزايداً من قبل المعلم ، وهذا يعد في الحقيقة فناً ينبغي أني يتقنه المربي بحيث يماشي درجة نضوج وتطور الطفل خطوة فخطوة من أجل توفير مستلزمات تكامله .و لا شك هنا في ضرورة تعاون المدير والمعاون والمسؤولين الآخرين القائمين على أمر الطفل .
    ويجب عدم إغفال العوامل الأخرى كالمنهج الدراسي وما يحمله من مضامين وأساليب ، والتعليمات الإنضباطية السائدة في المدرسة ؛ لأنها تترك آثاراً بناءة أو سلبية في أحيان كثيرة .
    ج ـ الأصدقاء :


    والمراد بهم أتراب الطفل وأقرانه الذين يلعب معهم ويستأنس بهم ، ويبادلهم الأسرار ، ولايقل دور هؤلاء عن دور الآخرين حتى أن دورهم أحياناً يفوق دور الأب والأم ، وخاصة في سنوات البلوغ وأثناء

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 214

    وقوع الاختلافات والشجار بين الوالدين .
    ومن المعروف أن الأطفال يقلدون أقرانهم؛ وتدفعهم مشاعر التعلق بهم إلى محاولة مشاكلتهم والتشبه بهم ، وقد تقود هذه الرغبة في المحاكاة الى بعض الإنزلاقات . إن عملية الحفاظ على سلامة الطفل تستدعي مراقبة علاقاته مع الآخرين كي لا تكون الغفلة عنه سبباً لوقوعه فريسة لأطماع الآخرين غير المشروعة ، وتؤدي بالنتيجة الى تشويه شخصيته وسمعة عائلته. وعلى الوالدين بذل الرقابة الكافية على أمثال هذه العلاقات .
    د ـ المجتمع:


    تتكون الكثير من جوانب الحياة الإجتماعية في السوق والشارع والأماكن العامة ، فيتلقاها الطفل ويجعلها منطلقاً لسلوكه ، فتكون سبباً لدفعه نحو الفساد والشقاء . وتوجد الى جانبها أيضاً عوامل تثير خيال الفرد وتؤجج فيه روح حب المغامرة ، وإذا لم يواجه بالردع الكافي فسيجد نفسه عرضة للكثير من المخاطر .
    يؤثر السلوك الإجتماعي على الطفل بشكل مباشر أو غير مباشر ، عن وعي أوبدون وعي . فمظاهر الإنسجام والمحبة أو ما يناقضها من الحقد والتنافر تعد بالنسبة له درساً يطبقه في حاضره ومستقبله . ولهذا يلزم خلو البيئة الإجتماعية التي يترعرع فيها الصغار من الأوبئة والمفاسد . فمشاهد العنف والسطو والنزاع والتحلل التي تشاهد في دور السينما والأفلام لا تعلم الناس سوى الفساد ، ثم تفتح أمامهم الطريق لممارسة ما تعلموه منها .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 215

    هـ ـ الشخص ذاته :


    لا يمكن تجاهل دور إرادة الإنسان وعزمه في تشييد أو هدم البناء الأخلاقي ، فالإنسان ، وابتداء من مرحلة التمييز ، ومنذ أن يبدأ بتأمين احتياجاته عن طريق الضحكة والبكاء ، يدأب على إقامة صرح أخلاقه وطبائعه ، وذلك ما يستلزم متابعة سلوكه منذ البداية .
    فالطفل الذي يكره والديه على تلبية رغباته بالعناد والبكاء ، يكون بذلك قد رسم طريقه وسيبني عليه كل سلوكه في الحياة ، وبذلك يكون الوالدان قد فشلا في أمر تربيته ؛ بينما كان الحال يستلزم مواجهته بالصبر والتحمل وتعليمه أن لا فائدة من البكاء والدموع ، وأن امثال هذه المحاولات لن تجديه نفعاً .
    والغاية المرجوة من وراء ذلك هو أن يكون للمنطق والإستدلال أثرهما في صياغة طباعه وسلوكه ابتداء من سنوات الإدراك أي منذ المرحلة التي ينمو فيها عقله ويصبح قادراً على التمييز ، فالطفل اذا سرق لا يقام عليه الحد ، ولكنه إذا عرف ان السرقة تصرف خاطئ وأقدم عليها يجب تعزيره شرعاً ، لأنه مسؤول عن إدراكه وتمييزه .

  • أساليب صياغة الأخلاق

  • هنالك نقطة جديرة بالإشارة في مسألة البناء الأخلاقي وهي عدم امكانية تحققه ذاتياً ، بل إنه يقام ، وإذا اقيم فلابد أن يهضم لكي لا يفقد . وهنالك عوامل مهمة تؤثر في إقامته كما تؤثر في الحفاظ عليه وصيانته من الإنهيار ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 216

    ويمكن تلخيصها في مايلي :
    1ـ الترغيب: بحيث يرغب الطفل في أن يكون صالحاً ومهذباً . ومن حُسْن الحظ أن مثل هذه الأرضية موجودة لدى كل انسان منذ ولادته ، وأن الله تعالى قد أودعها في فطرة كل انسان فذات الإنسان وفطرته تدعوه الى الصلاح والإخلاص . وعلينا الإنتباه الى ضرورة أن تتجلى فيه مصاديق الإخلاص والصلاح على أفضل وجه ممكن .
    2ـ القدوة الصالحة : تتحقق لدى الطفل مثل هذه الرغبة فيما لو شاهد القدوة الصالحة التي تجذب اهتمامه. وعلى الأبوين والمربين تجسيد الأخلاق الصالحة التي يرتضونها في انفسهم لإثارة حافز التقليد عند الطفل ليسير على خطاهم ، ومن البديهي أنه كلما كانت درجة إعجابه واستحسانه أشد ازداد حرصه على اقتفاء آثارهم . فصغار السن لا يمتلكون مفاهيم مجردة عن الأخلاق ، بل إنه يكرر ما يسمع وما يرى. وهذا التكرار هو الذي يطبع فطرته بلونه .
    3ـ التكرار : حينما يكون الطفل متعطشاً للسلوك الصالح سوف يسعى الى تكراره ، وسيظل يبحث عن الأرضية التي يمارس فيها رغباته عملياً . وفي مثل هذا الظرف يبدو من المناسب ان يأمره الابوان بالقيام ببعض الأعمال الجيدة التي ترتاح لها نفسه وخاصة اذا كان أمرهما مقروناً بالتشجيع

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 217

    والاستحسان ومن البديهي أن مثل هذا التصرف يحمل بين طياته فوائد متعددة من جملتها أن الطفل يشعر فيه بالمتعة ، وتتولد لديه رغبة خاصة في القيام بمثل ذلك العمل .

  • أساليب الإيحاء الأخلاقي

  • لا بد من تعليم الطفل بعض الضوابط والاخلاق والأصول عن طريق الإيحاء الأخلاقي ليصبح قادراً على تمييز الجميل من القبيح ثم يتمكن بعد ذلك من تطبيقها على نفسه . ولا يتيسر القيام بهذه الإيحاءات بشكل رسمي ومبرمج سوى في المدرسة . أما في البيت فيتطلب ذلك انتهاز الفرص المناسبة للإيحاء الى الطفل بمسألة واحدة . أما الموارد التي تتحقق فيها فرص الإيحاء فهي كثيرة ؛ ومن جملتها :
    1ـ اللعب : من الطبائع المعروفة لدى الطفل أنه كثير اللعب والحركة ويقضي الكثير من اوقاته في اللعب والتسلية ليلاً ونهاراً. ويمكن اثناء اللعب الإيحاء اليه بكثير من الأصول والضوابط الأخلاقية التي تؤدي به الى الكمال . كأن يقال له مثلاً إن هذه الطريقة في اللعب غير صحيحة ، وإنه لم يراع الدور ، أو لم يلتزم بالقواعد المتعارفة لهذه اللعبة ، وأنه قد غش فيها ، والغش فعل غير محبذ و ... الخ .
    أما اذا كان اللعب جماعياً ، فيصبح تعليم الأصول أيسر لأن الطفل يجد نفسه ملزماً عملياً بالتقييد ببعض الحدود لكي لايحرم من اللعب . ويسعى الطفل في أثناء اللعب ايضاً الى مقارنة سلوكه مع سلوك الآخرين ويندفع

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 218

    تلقائياً الى مطابقة سلوكه مع الجماعة . واذا تكرر الفعل اصبحت الحالة أكثر ثباتاً في نفسه .
    2 ـ سرد القصص : يرغب الأطفال كثيراً ـ بل وحتى الكبار ـ في سماع القصص . وكثيراً ما يكون سرد القصة مدعاة للنعاس والنوم . وتلعب القصص دوراً فاعلاً في تكوين القواعد السلوكية عند الأطفال عن غير وعي منهم ، بشرط أن يجري إعدادها بشكل مدروس وهادف . وقد تؤدي القصة اذا كانت سيئة المضامين الى بروز انحرافات خلقية لدى الطفل ، أما اذا كانت مضامينها نبيلة فتغرس في نفس الإنسان الطباع الإيجابية والسجايا الحميدة .
    يمتاز الطفل بالرغبة في مشاكلة الآخرين والتشبه بهم . فإذا ما أثار أيطال القصة او مضامينها إعجابه ، يجد في نفسه رغبة تدفعه للانسياق وراءها والتطابق مع ما فيها . وعلى هذا فإن كان لدى الأبوين أو المربي أية نقاط وملاحظات يريدون الإيحاء بها الى الطفل ، فمن الأفضل بالنسبة لهم صياغتها في قالب القصة وسردها عليه . ومن المؤكد أن تأثيرها أشد بكثير من الإيحاء المباشر ، بالإضافة الى ما فيها من ميزة أخرى وهي عدم إيذاء الطفل فيما اذا اشتملت القصة على تقبيح عيب موجود عنده ايضاً .
    3 ـ التعامل العاطفي : قد يصدر من الطفل خلال الحياة اليومية فعل جدير بالتقدير والثناء وقد يبادر الأب أو الأم الى تقبيله من باب التشجيع

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 219

    والاستحسان . ويمكن استثمار فرصة التعبير عن مشاعر المحبة لطرح نقطة أخلاقية أخرى ، والحصول على وعد منه بتقويم سلوكه أو ترك المشاكسة والعناد .
    وقد أظهرت الدراسات أن الطفل أكثر استعداداً في مثل هذه الحالة لتقبل ما يطرح عليه ، والالتزام بما وعد به حينما كان يستشعر لذة القبلة من والديه ، أو أنه سيبقى متمسكاً بذلك الى فترة ما على أقل تقدير . ويمكن ايضاً طرح بعض النقاط الأخرى عليه أثناء الغضب والزجر أو العقوبة ، كأن يقال له مثلاً إن تصرفك الفلاني لايعجبني ، واذا فعلت كذا وكذا فإني احبك اكثر . وحين يشار الى أحد الجوانب يفترض أيضاً عدم نسيان الجوانب الأخرى .
    4 ـ تلبية احتياجاته : يتكل الطفل على أبويه في كل شؤونه ، ولا يمكنه الإكتفاء ذاتياً ، والوقوف على قدميه . فهو كائن محتاج دوماً ومضطر الإستعانة بالوالدين لتلبية احتياجاته . ونحن لا نقول بأن تلبية احتياجاته يكون مقروناً دوماً بالمنة وفرض الشروط ، لكننا نرى أن بعض الموارد تتيح لنا فرصة الإرشاد والتوجيه أثناء تلبية حاجاته .
    فعندما نذهب الى السوق لشراء الثياب ، أو عند تقديم أية هدية له أو حين اعطائه مصرفه اليومي أو الأسبوعي ، يمكن استتثمار مثل هذه الفرصة ، وتأكيد بعض المسائل الأخلاقية عليه ـ فنطلب منه الطاعة والإنقياد في أمر معين . وتوجد لدى الطفل خصلة طيبة وهي رغبته في إرضاء والديه ومربية بشكل أو آخر ، حتى وإن كان في ذلك عمل شاق او عسير .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 220

    5 ـ الأحاديث العائلية : من الطبيعي أن تدور الأحاديث دوماً بين الزوج والزوجة والطفل الى جانبهما منصت لما يقولان ، أو مشغول باللعب في احد زوايا الغرفة ، الا أنه منتبه لما يدور بينهما من غير التدخل المباشر في ذلك . ومثل هذه الفرصة تتيح لهما طرح بعض المسائل الأخلاقية المستهدفة بشكل غير مباشر وتطبيقاً للمثل القائل « إياك أعني واسمعي ياجارة » . فيقول الأب مثلاً أني استاء كثيراً من التصرف الفلاني ، أو أن الشخص الفلاني قام بعمل أزعجني كثيراً او إنني شعرت بكثير من الارتياح للعمل الفلاني الذي قام به أحد الأشخاص و ... الخ .
    وانطلاقاً من مشاعر التعلق بالوالدين والمربين ، يحاول الطفل الإصغاء الى حديثهما وايجاد صيغة من التطابق بينه وبين الصورة المثالية التي يطرحونها في احاديثهم ، وترتيب حركاته وسكناته بالشكل الذي يرضيهم . وهذا من السبل الناجحة في الإيحاء الأخلاقي .
    6 ـ تعليم المسائل الدينية : تتمثل بعض مهام الأبوين في تعليم المسائل الدينية للطفل الذي تنضج لديه قوة الإدراك الديني في تعليم المسائل الدينية للطفل الذي تنضج لديه قوة الإدراك الديني في السنة التاسعة من عمره ، اذ يقوم وابتداء من تلك السن بأداء بعض العبادات ، وحيث تكون الفرصة سانحة للتربية الأخلاقية بسبب قوة التأثير الديني الذي يمكن الإستعانة به لبلوغ هذه الغاية إن التصور السائد عند الطفل بوجود قوة تشرف على كل اعماله يدفعه الى الوقوف امام هواجسه . وغالباً ما تتسم مثل

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 221

    هذه المشاعر بالضعف قبل سن العاشرة ، ولكنها تأخذ طابعاً اكثر جدية من بعد السنة الثانية عشرة من عمره حتى أن علاقاته الإنسانية والأخلاقية تتكون بما ينسجم وهذا الإطار ، وحينها يصبح إلقاء الافكار الأخلاقية وتقبله لها سهلاً .
    7 ـ استخدام المنطق والاستدلال : وأخيراً إذا نشب أي نقاش أو جدال او بحث في موضوع ما ، فلا مفر لنا من استخدام منطق يفهمه الطفل لبيان حسن العمل وقبحه ، والسبب الداعي لأن يكون الطفل على هذه الشاكلة أو تلك . وواضح أن من الخصائص الواضحة للطفل أنه شخصية بسيطة وسريعة التأثر ، فهو ليس بحاجة الا استدلال أومنطق معقد ، بل يكفي أن يقال له انك اذا فعلت كذا فأنت طفل جيد وسيكون أبوك راضياً عنك ، وسيرضى عنك ربك أيضاً .



    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 222




    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 223

  • مراحل التربية الأخلاقية

  • يجب أن تتناسب التربية مع مستوى سن الإنسان وفهمه ونضوجه . وسيتضح من خلال ذلك مدى الامال المروجة منه ، يجب النظر في نوعية التعليم الواجب تقديمه للطفل في كل مرحلة فليست جميع الأصول والقواعد ممكنة التطبيق في جميع المراحل . ومن المفيد لنا حتى في مرحلة الطفولة معرفة ان المسائل التي يمكن طرحها في السنوات الثلاث الأولى تختلف عن المسائل التي يجب تعليمها في السنوات الأربعة الثانية من العمر . ونشير في ما يلي الى بعض النقاط المهمة في هذا الصدد مع مراعاة الإختصار .
    1ـ بداية الأخلاق : ما هي المرحلة التي تبدأ فيها الأخلاق والتربية الآخلاقية ؟ والجواب هوأنها تبدأ في الأشهر الأولى حين يبدأ الطفل بإيجاد نوع من الصلة مع أبويه بالابتسامة التي ترتسم على محياه . وقد يتصور البعض ان الحديث عن شي اسمه الأخلاق في مثل هذه المرحلة يبدو امراً غريباً ، بينما أثبتت الدراسات حقائق تنافي هذا التصور .
    فهنالك أصول أخلاقية يجب تعليمها للطفل ابتداء من تلك الفترة ، وحتى ان الواجب يحتم علينا السعي لتعليمه بعض العادات المتناسبة مع ذلك السن . يرى علماء نفس الطفل أن خصال الطفل وطباعه تتبلور منذ أيام رضاعته وطفولته ، وعلى هذا الأساس فلابد من بدء التربية الأخلاقية منذ

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 224

    ذلك الوقت المبكر . لان تأخيرها سيؤدي الى مصاعب مستقبلية عويصة .
    تتجلى في الطفل مفاهيم الصلاح ، ومعرفة الواجبات ، واحترام الآخرين عند حوالى السنة الثالثة من عمره ، وفي هذه المرحلة الأساسية يتبلور وجدانه الأخلاقي ، أي القدرة على تشخيص الأمر القبيح من الجميل . وفي ميسورنا تعليمه المفاهيم النبيلة من أمثال الرأفة ، وعلو الهمة والنشاط والتحمل ، لتتكون منها قاعدة صلبة لتقوية شخصيته .
    2 ـ الاسس الأولية : من الضروري الاشارة هنا الى وجوب كون التعليم ـ وفي أية مرحلة كان ـ مكملاً للدورة السابقة وممهداً للدورة اللاحقة . أن قلة الوقت ، وقصر فترة العمر لايسمح لنا بتعليم الطفل اشياء نضطر في ما بعد الى محوها من ذهنه لاسيما وأنه بعد رسوخ المواضيع في ذهنه وغرس العادات الأخلاقية في النفس يكون اقتلاعها من الأمور الصعبة جداً .
    كما لابد من الانتباه الى أن الأسس الأولية في الأخلاق لها أهمية بالغة . فشخصية الانسان تنمو في مابين 4 ـ 7 سنوات ويبرز فيها الطابع الفردي ويصبح الطفل عندها بحاجة الى المزيد من المثابرة والاهتمام . وتبقى هذه الحاجة قائمة الى ان يثبت السلوك الأخلاقي في الشخصية وليعلم المربون والوالدان أن السنوات الخمس الأولى من العمر أهم سنوات الحياة ، ويصطلح عليها المربون باسم السنوات الحية لأن اسس الخصال وأصولها تبنى فيها . عليكم أن تعلموه حسن الأدب منذ نعومة اظفاره ، واحترام الآخرين ، والاتصاف بالشجاعة والسخاء والشفقة ، وان لايمتنع عن اعارة

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 225

    اشيائه الخاصة للآخرين ... الخ .
    3ـ السنوات السبع الثانية : يقع قسم من مرحلة الطفولة في نطاق السنوات السبع الثانية من العمر ، وفي هذه المرحلة تأخذ التربية طابعاً جدياً ورسمياً ويكون فيها الطفل مسؤولاً عما يصدر منه من تصرفات منافية للآداب والأصول . ولا تفوتنا الإشارة الى أن الطفل في المرحلة الإبتدائية ليس ملاكاً طاهراً وزاهداً في الدنيا لتتوقعوا إن أمره طوع إرادتكم ؛ بل انه يعيش في الأجواء المدرسية المشحونة بالضوضاء والصخب وتسودها أجواء قلقة من التنافس المحتدم ، اذن فهي ـ والحال هذه ـ تتطلب فرض شيء من الرقابة على بعضها .
    تحضى مسألة القدوة في هذه المرحلة بشيء من الأهمية ؛ لأن اخلاق الطفل تنساق وراء مايسمع وما يرى ، أو كما يقال إن لآرائه التي يصدرها بهذا الصدد صورة واقعية . ولا بد من السعي طبعاً لكي تكون لهذا الأمر صورة منطقية استدلالية قائمة على أسس دينية . وعند اجراء الضوابط لابد لنا من ملاحظة عوامل السن والفهم والإدراك والنضوج الجنسي .
    تظهر على الطفل في حدود السنوات ( 9 ـ 12 ) مواصفات أخلاقية خاصة تبقى ملازمة له عادة حتى فترة البلوغ ، ويصبح للاصدقاء دور في حياته اثناء هذه المرحلة ، وتؤثر فيه ايضاً توجيهات الوالدين ، والتشجيع والتثبيط الذي يلقاه من الكبار ، وعلى المربي ان يسعى لتكوين رقابة داخلية عند الطفل حتى تكون الأرضية معدة بين سن 6 ـ 10 سنوات .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 226

  • الضمانة التنفيذية للأخلاق

  • هنالك ضمانات تنفيذية متعددة بخصوص التربية الأخلاقية من جملتها :
    1 ـ فطرة الطفل المجبولة على مبادئ الصدق والاخلاص والأمانة والوفاء والإمتناع عن الكذب والنفاق و ... الخ .
    2 ـ حسن استعداده لتقبل ما يلقى إليه ، فنفسه كالأرض الخصبة المعدة لاستقبال البذور وتنميتها .
    3 ـ حاجته الى وجود ومساعدة الأبوين والمربي ، واستعداده لتقبل أوامرهم ونواهيهم ، من أجل حثهم على تلبية إحتياجاته .
    4 ـ التشجيع والتكريم المتواصل حافز يدفع الطفل نحو الفعل والحركة .
    5 ـ العقوبة والتوبيخ الذي يلقاه من الوالدين والمربي فيما اذا ارتكب أية مخالفة ، وخشيته من سطوة الكبار .
    6 ـ رغبته الفائقة في نيل رضا الآخرين وخاصة الكبار والشخصيات التي يستأنس لها .
    7 ـ تنامي وعيه ومداركه ، وهو ما يعد تمهيداً لقبوله بالخضوع لسلطان

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 227

    الرقابة الذاتية .
    وعلى كل حال يجب ان تكون تصرفاتنا التي هي في الواقع انعكاس لذواتنا الباطنية نموذجاً مؤثراً ودرساً بليغاً يحتذي به ويحفزه للتشبه بنا .

  • إعادة البناء الأخلاقي

  • قد تضطرنا الحاجة أحياناً الى اعادة صياغة أخلاق الطفل بسبب غفلة المربي أو خطئه ، او بسبب تهاونه ، أو قد يكمن سبب ذلك في انحراف الطفل وخروجه عن المسار المرسوم له . من المحتمل أن يتعرض الطفل لبعض المنزلقات متأثراً برفقاء السوء أو الأجواء الفاسدة فيتعود على بعض الطباع السقيمة . وفي مثل هذه الحالة يتحتم على المربي المبادرة الى ازالة النواقص وتطهير ذهن الطفل من الشوائب وإعادة صياغة أخلاقه وسلوكيته من جديد .
    يعيش أطفالنا في ظروف وأوضاع تقضي ببناء طباعهم وشخصيتهم والمبادئ الأخلاقية فيهم ، واذا حصل تأخير في انجاز هذا الواجب فسيسبب حدوث معضله تعقد مهمة المربي في المراحل اللاحقة . ولا لوم على المربي لو تعرض الطفل الذي تحت رعايته لأي خلل تربوي ، فالاختلالات السلوكية لابد من ظهورها بشكل أو آخر بسبب الهواجس النفسية والعلاقات السيئة رغم جميع انواع الرقابة المفروضة على اعمال الطفل . فمن غير المعقول أن نتوقع عدم حصول اي سهو أو غفلة منا أو من جانب الطفل . ولا بد لهذه الحالة من البروز شئنا ذلك أم ابينا . أما دورنا فهو الحذر

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 228

    أولاً من عدم تغلغلها وتجذرها في الأعماق والإسراع ثانياً الى إزالتها ومحو آثارها . ومن الضروري الالتفات الى نقطتين في موضوع إعادة البناء الأخلاقي ، وهما :
    1 ـ التقويم : تظهر لدى الأطفال أحياناً بعض التصرفات التي لانرى ضرورة في الإجهاز عليها واقتلاعها من الجذور ، بل يجب السعي لاصلاحها وتقويمها ووضعها في المسار الصحيح ، سواء كانت تلك التصرفات سلبية أم ايجابية .
    وكمثال على الجانب الإيجابي الكرم باعتباره خصلة نبيلة ؛ إلا أنه يجب أن لا يخرج الى حد التبذير فيكون وبالاً عليه وصدمة تمنعه من مواصلة الكرم ، والهدوء صفة جميلة لدى الطفل ولكن ينبغي أن لا يعوقه عن الحركة واللعب . ومن البديهي أن حب الظهور يعد أمراً طبيعياً ولكن ليس بالشكل الذي يلغي وجود الآخرين . والغضب لحفظ كيانه لايعتبر تصرفاً مستهجناً ولكن بشرط أن لا يقوده الى التجاوز أو العدوان على الآخرين .
    2 ـ التغيير : وهنالك تصرفات أخرى يجب إزالتها ، وذلك لقبحها من الوجهة الأخلاقية والدينية ، مثل السرقة فهي تستوجب القضاء المبرم عليها . وكذلك التجاسر باليد أو باللسان على الوالدين والآخرين ، فهو عمل غير مؤدب ، وعلينا استئصاله من الطفل ، وأمثال ذلك الكثير من التصرفات الأخرى كالغطرسة ، واستخدام القوة ، والطغيان والعربدة .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي