تربية الطفل دينيا واخلاقيا 190

اهتمام الطفل على مثل هذه المواضيع يبدو مبكراً ، ولكننا لانعتقد بصحة هذا التصًور ؛ لأن تحقيق التقوى ممكن في أية مرحلة من مراحل السن وبما يتناسب ومدى نضج الطفل وسعة فهمه . ويمكن العثور على مظاهر ذلك في عدم التفوه بأي كلام كان ، وعدم مد يده على أي طعام كان ، وأن لا يتصرف كما يحلو له ... الخ ، ويتيسر تطبيق هذا الأمر منذ سن الثالثة فصاعداً .
2ـ في ما يتعلق بالآخرين :


يتعلق قسم من الأخلاق ورعاية الأصول والقواعد الأخلاقية بالآخرين ، وعلى الطفل تقبل بعض الضوابط في هذا الجانب ، وأهمها :
أ ـ الاهتمام بنمط التعاون مع الآخرين: يجب تربية الطفل بالشكل الذي يجعله يهتم بإرادة الآخرين . فحين تمنح الحرية للطفل يجب أن يعلم بأن ليس من حقه الإساءة الى راحة وحرية الآخرين ـ وأنه لن يلقى الإحترام إلا اذا احترم الآخرين . واذا صعب تحقيق هذا في فترة الحضانة ( السنوات الثلاث الأولى من العمر)، فإنه ممكن التحقيق في سن الرابعة من عمره ، إذا اتيح في مثل هذه السن طرح موضوع حقوق الآخرين عليه ، وبسبب رغبته في رعاية حق الآخرين ـ حتى وإن كان محور حياته يدور حول رغباته وإرادته الشخصية .
ب ـ التعايش والتعاون والتأزر : يرى علماء النفس أن روح التأزر تظهر عند الطفل في حوالي السنة التاسعة من عمره ، ولا يعني هذا انعدامها قبل هذه السن . وهذا يتطلب تفهيمه أن الحياة الصحيحة تفرض عليه التخلي

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 191

عن روح المشاكسة ، وإعانة الآخرين وتقديم الخدمات لهم جهد المستطاع ؛ وهذا ما يستدعي اطلاعه على حقيقة الروابط والعلاقات وجدوى التعاون والتعايش ويتيسر تحقيق هذا في المرحلة المحصورة بين سن ( 6 ـ 12 ) من عمره ، وذلك عن طريق الألعاب والمشاركة في النشاطات الجماعية و ... الخ .
جـ ـ الجود والكرم : علينا أن نعود أطفالنا ونشجعهم منذ الصغر على خصلة الكرم ؛ كإعطاء بعض ألعابه لأصدقائه ، وتقسيم ما عنده من الطعام والحلوى بينه وبين الآخرين مثلاً ؛ وإن بادر الطفل الى تقديم شيء بيديه الصغيرتين لوالديه ، ويجدر بهما تقبل ذلك بانشراح وتشجيعه عليه .
ان لعطفكم وتشجيعكم إياه دوراً في بلورة روح الجود والعطاء في نفسه منذ الصغر ، فتظهر لديه ـ تدريجياً ـ روح التضحية والتسامح .
د ـ التعامل مع الآخرين بوجه طلق :
إن أدنى ما يمكن أن يقدمه الإنسان للآخرين هو أن يقابلهم بوجه بشوش وثغر باسم ، ويكون تعامله مظهراً للسلام والمحبة . وعلينا أن نعلم الطفل منذ الصغر بأن يكون تعامله وكل طلباته وأمانيه مقرونة بالبشاشة وطلاقة المحيا ، وإذا جاءنا باكياً عابساً وطلب شيئاً فلا نعطيه ، بل نأمره أن يكفكف دموعه ، ويطلب ما يشاء بوجه طلق .
هـ ـ الحياء والتواضع : لا خلاف في ضرورة اختلاط الطفل مع الآخرين لكن المخالطة الإجتماعية تختلف عن الوقاحة . والحذر كل الحذر من كل الإيحاءات التي تشعر الطفل بأفضليته وأفضلية عائلته على بقية الأطفال والعوائل ، أو تدفعه الى احتقار سائر الأطفال . لتكن الاسس التربوية

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 192

قائمة على إخفاء الفرد لفضائله أو أن يدعها تظهر بشكل طبيعي ؛ ولهذا الأمر شأن بالغ في الحياة الإجتماعية لكل شعب من الشعوب .
3ـ في ما يتعلق بالفضائل :


لأخلاق الإنسان وأدبه علاقة وثيقة بالامانة والإخلاص وسائر الفضائل الأخرى ؛ وانطلاقاً من هذه الرؤية فإن الكثير من التعاليم الأخلاقية لابد لها من الإهتمام بتنمية الفضائل والعادات الخيرة عند الإنسان . وأهم المسائل المتعلقة بهذا الموضوع هي ما يلي : ـ
أ ـ مناصرة الحق: الشجاعة والشهامة من مستلزمات الأخلاق ؛ ومن معالم الشجاعة محبة الحق واحترامه ، الى حد جعل البعض يعتبرون محبته تفوق محبة الأب والأم والمعلم . وقد أكد الإسلام أيضاً على وجوب عدم تأثير علاقات القربى على سيادة العدل أو وقوفها دون تنفيذه . علموا الطفل منذ مطلع حياته على اتباع الحق ومحبته والتعلق بالحقيقة واتباعها .
ب ـ مراعاة حقوق الآخرين : لكل مذهب دستور يحدد فيه الحقوق والضوابط التي يتوجب على اتباعه رعايتها والإلتزام بها . وفي الإسلام يتسع نطاق الحقوق ليشمل جميع الناس ومالهم من قيمة واحترام ، اي كل من يعيش في هذه الكرة الأرضية ؛ إبتداء من الأب والأم والأجداد ، والأخ والأخت وحتى الأقرباء والمعلم والمربي والجار ، والمسلم والكافر والمحارب ، ومن أهل الكتاب والملحدين وغيرهم له احترامه وقيمته . ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال :

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 193

( يمكن مراجعة الكتب الفقهية لاستحصال المزيد من المعلومات ) .
جـ ـ محاربة الآثام : ومن الفضائل الاخلاقية الاخرى محاربة الاثام ، وهي مطلق الاثام ، إذ يجب ان توجد مثل هذه الخصلة في نفس كل إنسان ، فيعتبر كل ذنب رذيلة ويجهد لإستئصاله . ونفوس الأطفال مهيأة عادة لأن نغرس فيها روح الكراهية للآثام والذنوب . بل إن أساس المحبة والكراهية تتبلور في النفوس في سن الطفولة ، والى درجة يستعصي استئصالها في ما بعد ، حتى أن النجاح في إزالتها من النفوس يعد انجازاً هائلاً وفي حد إعجاز.
فعلى الآباء والأمهات والمعلمين والمربين ، تربية الناشئة على كراهية الظلم والتمييز والمنكرات بحيث يكون في مواجهة دائمة مع كل انواع الرذائل .
د ـ رعاية القيم : إن لتربية افراد المجتمع وتوجيههم نحو القيم الأصيلة دوراً مهماً في تطوير وتقدم ذلك المجتمع وتلك الأمة . ومن الضروري في هذا المجال أجراء نوع من الفصل ـ أولاً ـ بين القيم ونقيضها ومعرفة ما هي المصادر والمعايير المعتبرة في تشخيض القيم الأصيلة عن سواها . ثم تبذل المساعي لمزج تلك القيم بالآمال الشخصية والأفكار والتجارب الفردية ليطبع حياة الفرد بطابع مزيج من تلك القيم والأفكار . وتنبع ضرورة تربية الأفراد على أحترام القيم من كونها ذات أهمية بالغة له ولمجتمعه.
هـ الإهتمام بمبادئ العدل والقسط : علينا تربية الطفل بالشكل الذي

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 194

يجعل منه شخصاً عادلاً ، وهو أمر يتطلب الشروع به منذ فترة الطفولة ، حينما تعطيه الأم قطعة الحلوى فيقتسمها مع إخوته . كما ينبت جذور العدالة من ذلك الوقت الذي تشتري فيه الأم لأطفالها الثياب والدمى ، أو عندما تلاطفهم . فقد ورد في الحديث أن رسول الله ( ص) رأى رجلاً قبل احد ابنيه ولم يقبل الآخر فقال له : « ألا عدلت بينهما ؟ » .
يشتد الميل الى العدالة في المراحل الابتدائية من الحياة فتشير في نفس الطفل كرها شديداً لكل انواع التمييز والظلم وعدم المساواة .
و ـ الإيثار : قد لا يكون من المناسب التحدث عن شيء اسمه الإيثار عند الطفل لكننا نتوقع أن يقتبس الطفل مايراه من إيثار والديه فتنمو تلك البذرة في قلبه .
إن امثال هذه المشاهد تجبل الطفل على العواطف والمحبة وتنشيء نوعاً من الارتباط بينه وبين الأهداف التي سيسعى في المستقبل لتحقيقها . إننا لا نتملك أي اسلوب أو وسيلة نفهم بها الأشخاص بحاجة المجتمع الى الإيثار ، فإن كان الحال كذلك فلنبادر على الأقل ـ الى إرادتهم مثل هذه المشاهد العملية منذ الصغر .
4ـ في ما يتعلق بالأحداث والوقائع :


ولابد أن ينصب جزء من التربية الأخلاقية على إنشاء الشخصية القادرة على اتخاذ المواقف الصحيحة والمدروسة في مواجهة أحداث الحياة . فلا يليق بالإنسان أن يكون كالريشة في مهب الريح يميل أينما مالت . ويصدق

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 195

بكل ما يمليه عليه الآخرون . بل من الضروري التزام الموقف الصحيح والواضح . وأهم النقاط التي تيسر لنا طرحها في هذا المجال هي :
أ ـ الحكم العادل على الأمور: تنمو لدى الأطفال بين سن (6 ـ 12 ) القدرة على إصدار الأحكام الأخلاقية ، وهي أول ما تبدأ بابداء الرأي في الجوانب الشخصية . فهو يعتبر كل ما يجلب له اللذة والمنفعة صحيحاً ، وكل ما يضره غير صحيح . ومن المؤسف أن بعض الأسس الخاطئة التي توضع ركائزها في هذا الصدد قد ترافق الإنسان أحيانا حتى آخر عمره ، ولكنه يخرج عن نطاق مصالحة الخاصة بمرور الزمن ومع اتساع مداركه واستدلاله المنطقي ، ويجعل للآخرين موضعاً في حساباته الخاصة . ولا يخلو سلوك الوالدين والمربين ومواقفهما من الفائدة في تسديده نحو الصواب .
ب ـ مراعاة الحق : إن الضرورة تقضي بتعويد الطفل ـ مع نضجه واتساع مداركه ـ على إتباع الحق والركون إليه بدل إتباع المصالح الشخصية وآراء الأصدقاء والأقارب ـ وبناء آرائه وأحكامه على الأمور المنبثقة من الضوابط الصحيحة ، وإقامة سلوكه على الحق ، وأن لا يكون البغض والمحبة والعلاقات الشخصية والعائلية مدعاة لمجانبة الحق .
جـ ـ السعي نحو تغيير الواقع الفاسد : يجب أن يكون الكمال الأخلاقي سبباً يدفع الإنسان الى اتخاذ المواقف السليمة تجاه الأحداث والوقائع المختلفة فلا يستسلم للواقع ، ولايخضع لكل ماهو قائم . بل يتفحص ويرى هل إن هذا الواقع صحيح أم لا ؟ فإن لم يكن صحيحاً يسعى لتغييره .

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 196

إن إشاعة مثل هذه الأخلاق تصون المجتمع من شيوع واستقرار القيم الباطلة . ومما لايخفى أن تشجيع الطفل على أمثال هذه المواقف ، وإن كان مضراً بالأبوين والمربين فهو ضروري بل ومصيري بالنسبة لمستقبله .
5ـ في مايتعلق بالحياة والاصول المتعارفة فيها :


نواجه في حياتنا اليومية عشرات القضايا والمسائل التي يستلزم أداء كل واحدة منها قبول أو رفض عاملها من قبل المجتمع . والقبول أو الطرد الإجتماعي ليس مهماً طبعاً ، بل المهم أن لا يتخذ ذلك الموقف اعتباطاً . فقد يواجه الإنسان أحياناً الرفض من قبل المجتمع بسبب موقف صحيح وقفه أو اسلوب قويم سار على هديه ، من غير أن يعلم الناس بصحة موقفه فيعاجلوه بالإدانة إستجابة لتأثيرات معينة .
فالتربية يجب أن تهتم بتربية الفرد بشكل يجعل منه شخصا عزيز النفس لا يخشى مثل هذه الإدانة ، وفي نفس الوقت يجب أن لا يتخذ الشخص موقفاً يستحق عليه الإدانة بسبب استخفافه بالآداب والتقاليد الإجتماعية الصحيحة .
تتولى التربية عدة مهام في هذا المضمار ؛ وأكثرها فاعلية هي مايلي :
أ ـ رعاية ضوابط الحياة الشخصية : يختص قسم من التعاليم في النظام التربوي الإسلامي بالشخص نفسه ، بحيث تدفعه الى تبني المواقف النبيلة في الحياة . فيبادر شخصياً الى توفير موجبات نضجه وتكامله ، ويتجنب العوامل التي تؤدي به الى الميوعة والتفسخ . فينظم أوقاته

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 197

بتخصيص وقت مناسب للعمل وآخر للنوم والإستراحة والطعام وغيرها ، كذلك بحيث يؤدي كل عمل في وقته وظرفه المناسب كالإستراحة والترفيه ، والمحافظة على سلامة البدن ونموه والإهتمام بالصحة الجسمية والنفسية . ويجب أن يتعود المرء على تحمل الصعوبات والمصائب بشكل أو آخر ، وذلك لأن الحياة مقرونة دوماً باللذة والألم ، والسقوط والنهوض .
ب ـ تنظيم العلاقات : توجه التربية الإسلامية بعض أهتمامها أيضاً لتنظيم علاقات الفرد مع الآخرين ؛ فعلى سبيل المثال يجب أن يكون تعامل الابن مع أبويه انسانياً ومقروناً بالأدب ، فلا يتطاول عليهما ، ويحترم الكبار ، ويكون عطوفاً مع الصغار ، ويتعامل من أترابه كتعامله مع إخوته وأخواته ، ويراعي الأدب والوقار في علاقاته مع جيرانه ومعلميه ، وعلماء الدين ، والكسبة ، المسلم والكافر ،... الخ . ويتبع أسلوباً خاصاً في التعامل مع كل واحد منهم .
جـ ـ حسن التعامل والبشاشة : الإنسان مضطر الى انتهاج مسلك العلاقات الاجتماعية العادية ، وهذا ما يفرض عليه التعامل بشكل يجعله مقبولاً في المجتمع . واذا أراد الفرد أن يحظى بالقبول الأجتماعي فلا بد له من رعاية آداب المعاشرة ، والمواقف السليمة الخالية من نزعة التجاوز والعدوانية وطبيعة الحياة تفرض علينا تعليم أبنائنا ـ ومنذ نعومة أظفارهم ـ على طرح مطاليبهم وحاجاتهم بوجه طلق بشوش ، فلا يصرخ امام الآخرين ولا يسبب لهم الإزعاج . وعليه أن يراعي من المجاملات ما لا يتعارض والتعاليم الإسلامية ، ولا يؤدي به الى الخضوع والذلة .

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 198

دـ رعاية الآداب والأصول : لكل مجتمع وثقافة أصولها وآدابها التي يرى أفراد ذلك المجتمع أنفسهم ملزمين برعايتها . ويرى الدين الإسلامي ضرورة تطابق تلك الآداب مع الرؤى الدينية ؛ ومعنى ذلك ضرورة احترام كل سنة جارية بين الناس إذا كانت لاتتعارض والأحكام الشرعية . فإن كانت هناك بعض التناقضات بينها وبين القيم الدينية ، يمكن إحداث بعض التغيير في محتوى وهدف تلك السنن لكي تنسجم وما يؤمن به الشرع ، كاستغلال فرصة أعياد النوروز ـ على سبيل المثال ـ لزيارة الأقارب وصلة الرحم ، وهذا مما أمر به الدين الحنيف ، وارتداء الثياب الجديدة لإيجاد حالة من التجديد في نمط الحياة وسياقها المتكرر .
هـ ـ الاهتمام بالمفاهيم العملية للأخلاق الاجتماعية : يتعرف الطفل طوال حياته على جملة من المفاهيم الأخلاقية كالجمال والقبح ، والطاعة والمعصية ، والشرف ، والغضب ، والخصام ، والسلم والتعاون ، وغيرها الكثير ، وفي أطر مختلفة من الأنماط والأساليب المتباينة . ولكن المهم هو أن يتلقى المصاديق الصحيحة لكل هذه المفاهيم المجردة ، ويتعرف على تطابق هذا المصداق على ذلك المفهوم ، وما هو العمل الصواب؟ وما هو التصرف الخاطئ ؟ وعلى المربي أيضاً الاستفادة من عوامل الردع والتوجيه لغرض دفع الطفل نحو القيام بالفضائل واجتناب الرذائل.
6ـ في ما يتعلق بالحساب والجزاء :


من الأمور المهمة في التوعية التربوية لفت انتباه الشخص الى موضوع

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 199

الحساب والكتاب ونتائج الأعمال . وأن يفهم الطفل منذ الصغر ، ما هي النتائج المترتبة على العصيان . وما هي حصيلة سوء الأدب والمشاكسة الخلقية ؟ وماهي العواقب المتوخاة من الصدق أو الكذب ؟ وغير ذلك من الرذائل والفضائل .
ويتضمن مبدأ الحساب أيضاً تركيز هذه التعاليم تدريجياً في ذهن الطفل مع معرفة نتائجها مسبقاً لكي يوقن بعدم وجود فعل بغير رد فعل سواء كان الفعل جميلاً أم قبيحاً ، مع وجود فارق واحد وهو أن بعض الأعمال تفرز نتائجها فوراً وبعضها الآخر تظهر نتائجه غدا أو بعد غد . فالطفل حينما يتلوى من ألم أصابه في بطنه يجب أن يقال له أثناء العناية به بأن هذا الألم ناتج عن عدم الإصغاء لكلام الأب أو الأم حينما نصحوه بعدم تناول الطعام الفلاني ، أو بعدم الخروج عارياً في الجو البارد ... الخ . ويجب أن ينبه الطفل الذي تلقى العقوبة من المعلم بأن هذا ناتج عن التمرد على أوامر الأب الذي كان قد أمرك بعدم التكاسل الخ .
وحين يقترب الطفل من مرحلة التمييز ، أو يدخل في عامه الثامن او التاسع ويبدأ يتفهم بالتدريج معنى كلمة ( الله) او (الدين ) ، يجب أن تطرح له مسألة الجنة والنار ، وليفهم أن الجنة جزاء فعل الخير والإحسان وإن النار عقاب الشر والإساءة ومن الطبيعي أن مثل هذه الإرشادات ستأخذ مداها في التأثير اذا كان المخاطب يفهم عملياً معنى الحساب والجزاء .
ويجب أن تدخل كل انواع التشجيع والتقدير ، او اللوم والغضب والعقوبة التي يتلقاها الطفل من الابوين ،في إطار نتائج العمل ، وذلك لكي ترسخ في

تربية الطفل دينيا واخلاقيا 200

ذهن الطفل هذه الفكرة ، وهي عدم امكانية بقاء العمل الصالح بلا ثواب أو إفلات الإنسان المسيء من العقاب ، وإن خفي أمر عن أنظار الوالدين فهو لايخفى عن علم الله ، ومن الأفضل أن يتم تشييد هذه الأسس في السنوات المتقدمة نسبياً من العمر ، وخاصة في السبع الثانية .

  • الاخلاق والعادة

  • من الأمور المهمة في التربية الأخلاقية ، للأطفال هي أن يتجذر السلوك الأخلاقي في نفوسهم حتى يصبح كالعادة . وليس المراد من كلمة العادة هنا هو التكرار الأعمى من غير معرفة الهدف أو المضمون . بل المقصود من ذلك هو غرس حب الخير في نفسه لكي يبادر هو شخصياً في كل مرة لأداء العمل الصالح عن وعي ورغبة .
    فعلى سبيل المثال ؛ لو قدم له أحد شيئاً يشكره عن وعي ، واذا قدم لاحد شيئاً يقول له وبكل أدب : تفضل . واذا صدرمنه أي اذى غير متعمد لأي شخص يعتذر اليه ... والى غير ذلك من أنواع السلوك ، ومن الثمار المؤملة لمثل هذه العادة هي أن المربي لايضطر الى ملاحقته دوماً بالإرشاد و النصيحة اما السن المناسبة للإهتمام بهذه العادة فهي تبدأ من بعد الثالثة من عمر الطفل .
    ويمكن تجسيد العادات الأخلاقية الفاضلة على هيئة العلاقات الإجتماعية والتحدث بالكلام الطيب ، ومساعدة الآخرين ، وإعانة الفقراء والمساكين ، والأخذ بيد المنكوبين ، ورعاية النظام والأعراف المتداولة في الحياة اليومية ، وأمثال ذلك من المسائل .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 201

  • العادات الخاطئة

  • ولابد لنا من الإشارة هنا الى وجوب الحذر من تنامي العادات الخاطئة لدى الطفل في سنوات عمره الأولى ، وخاصة في السنوات الست الأولى .فلا يجب تعويد الطفل على تلبية احتياجاته ورغباته عن طريق العناد او الالحاح او الحصول على ما يشاء عن طريق البكاء وإحراج الوالدين أو التضييق عليهما .
    فقد تؤدي مثل هذه العادة القبيحة الى التطاول ، وإساءة الأدب في الكلام وإهانة الوالدين والاعتداء عليهما ، وعدم تناول الطعام بشكل صحيح ، وعدم النوم بالصورة الصحيحة ، وإطالة البقاء في المرافق الصحية ، ومداعبة أعضائه التناسلية والتلفظ بالكلمات القبيحة و ... الخ . وتنبع مثل هذه السلوكية عادة من التصورات الخاطئة التي يحملها الابوان والنظر اليه كطفل لايفهم ، فيتركان له الحبل ليتصرف كما يشاء ويفعل مايحلوله غير مبالين لتصرفاته السيئة ، جهلاً منهما بأن هذه السلوكية المنحرفة ستحكم قبضتها عليه ولن يتيسر له التخلص منها في سنوات المراهقة او البلوغ .

  • ملكة الاخلاق

  • إن الغرض من بذر العادات الأخلاقية الحميدة في النفوس ، والتي تتحقق على الغالب من خلال تقديم القدوات والنماذج الصالحة ، والطلب المتكرر بالإحتذاء بها ، هو أن تتحول الأخلاق الى ملكة في النفس ، والغاية المرجوة

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 202

    من كل ذلك هي تمهيد الأرضية الخصبة الصالحة لبذر الفضائل حتى تنمو وتضرب بأطنابها في أعماق الطفل . ليكون قياده في ذاته ، وليكون هو الآمر والقائد نحو مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال .
    فالسجايا الأخلاقية يجب أن تتحول لديه الى ملكة ، بمعنى ان يهيمن على نفسه ويمتلك زمام قيادها ، وان تكون هذه الصفة مثالا وهدفا يسعى اليه الطفل ، لكي تقوم حياته على ذلك الأساس . واذا تصرف يوماً بشكل يتعارض وذلك الهدف ، صعب عليه الأمر واستثقله ، ولا يتهاون به في أي موضع آخر .
    أما المنطلق الذين يجعلنا نتحدث عن إمكانية تحقيق مثل هذا الهدف ، فهو استنتاجات علماء النفس الذي يرون أن الأخلاق والقيم الأخلاقية تتحول الى باطن الإنسان في حوالى السنة الثامنة من عمره ، فيخضع حينئذ لهيمنة الوازع الداخلي .

  • الصفة الإختيارية في الأخلاق

  • يبدو من الضروري أيضاً التنبيه الى نقطة أخرى وهي أن الطفل اذا اندفع الى تطبيق الأمر الأخلاقي أو كف تصرفاته السيئة تحت سطوة الخوف فلا أهمية لمثل هذا التطبيق ، ولا يجدي في بنائه الأخلاقي شيئاً ،لأن الخوف والعقاب اذا نقل الى الغابة لأمكن بواسطته ترويض الوحوش الكاسرة .
    فالمطلوب من الأبوين كما هو الحال بالنسبة للمربين ان يجعلوا من السلوك الأخلاقي أمرا مستساغاً ومقبولاً بالنسبة للطفل ، كي يختار هو بنفسه النمط المناسب في حياته اليومية والذي يدخل في إطار التعاليم الأخلاقية

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 203

    ولايشذ عنها ، علماً بأن قابيلته على تمييز الشر من الخير تبدأ عند حوالى السنة السادسة من عمره . ويعتقد علماء التحليل النفسي أن فكرة « هل أنا أفضل أم الذات المثلى » تبدأ بالنمو لديه في هذه السن فتخلق لديه وبالتدريج نوعاً من الرقابة الذاتية.
    كثيراً ما نلاحظ في البيت أو في المدرسة اطفالاً في سن ( 6ـ 12 ) عاماً يحاولون معرفة قدر انفسهم ، سعياً لتوفير شروط التطابق بينها وبين شخصيات الآخرين ، ولا تمثل هذه المساعي سوى جزء من نضوجهم وتكاملهم .
    وعلى كل حال فإن المهم بالنسبة لنا هو أن الطفل يصبح ، وأبتداء من منتصف السبعة الثانية من عمره ، في وضع يمكنه من إتخاذ قراراته بنفسه ، وتتحول حياته الأخلاقية عندئذ الى حياة اختيارية وذات قيمة عالية ، إلا أن ذلك لايحول دون إشراف الأبوين والمربين على سلوكه اليومي .

  • الأولويات في التربية الأخلاقية

  • هنالك نوعان من الأولويات التي تستحق الإهتمام في التربية الأخلاقية للأطفال وهما :
    1ـ الأولويات المتعلقة بحياته الفردية والإجتماعية : وهذا ما يفرض على المربين الإهتمام أولاً بانماط حياته الشخصية وبالتالى حياته الاجتماعية . فعلى الطفل بين سن 3 ـ 5 سنوات أن يفهم ، مثلاً ـ عدم إمكانية الحصول على شي بواسطة البكاء ، وحتى اذا كان جائعاً فلا بد له من تحمل الجوع لمدة ساعة على أقل تقدير . يجب أن يكون لأمر الوالدين ونهيهما

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 204

    أثر في نفسه ، وعليه أن لا يسبب أي احراج أو ازعاج أمام الآخرين ، وأن يعرف الحد الفاصل بين ألعابه وألعاب غيره من الأطفال ، وأن لا يخطف ألعاب الآخرين من ايديهم .
    2ـ الأولويات المتعلقة بالفضائل الأخلاقية : يجب على الطفل ـ على سبيل المثال ـ أن يجعل الصدق والإخلاص والأمانة والشرف محوراً لأخلاقه . وينبغي له أن يكون عادلاً أيضاً . فإذا قدمت له أمه الطعام ليقتسمه مع أخيه ، فعليه مراعاة جانب العدالة في قسمته . ولا تفوتنا الإشارة هنا الى القابلية العالية التي يتمتع بها الأطفال في ملاحظة وتقليد أفعال الآخرين ولا سيما القدوات الإجتماعية والزعامات السياسية ، ولهذا فهم يقتفون نفس السبيل الذي يسلكه الأبوان والمربون .

  • الاخلاق لكلا الجنسين

  • تهتم جميع المواضيع والبحوث المتعلقة بالمحتوى التربوي ، في النظام التربوي الإسلامى ، لكلا الجنسين . فنحن في الوقت الذي نسعى فيه لتربية أبنائنا وبناتنا تربية إنسانية واسلامية ، لا نتغاضى عن عالميهما المتباينين سواء في سنوات النضوج ام في السنوات الاحقة . وهاتان الرؤيتان منبثقتان من نمط الفكر الإسلامي بخصوص الحياة المختلفة لكل من الرجل والمرأة ، والواجبات والآداب المتعلقة بها . والغرض من كل ذلك هو أن يبقى الرجل رجلاً ، وتبقى المرأة من غير ايجاد أي تمييز في المقومات الأساسية لنضوج وتكامل أي منهما . ومعنى ذلك أن بعض الصفات الأخلاقية يعد وجودها لدى الذكور ضرورياً ، بل ومصدراً للكمال أيضاً ، بينما لو اتصفت

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 205

    بها المرأة لكانت نقصاً ، ويمكننا الاستشهاد على ذلك بمثال بسيط وهو سماحة الرجل وكرمه في الشؤون الاقتصادية العائلية ، ورقة المرأة وعاطفتها وحنان الأمومة لديها ، فلو أستبدلت هاتان الخصلتان واتصف الرجل برقة المرأة ، والمرأة بسماحة الرجل ، لكانت الأضرار المترتبة عن ذلك وخيمة .

  • في التربية الأخلاقية لكل من الذكر والأنثى

  • يجب علينا الإهتمام في هذا الصدد بالأبعاد الفطرية والغريزية لكل من هذين الجنسين ، والتركيز بالخصوص على الجوانب المتعلقة بالكمال الأخلاقي لكل منهما ؛ ومن جملة ذلك .
    تأخذ التربية الأخلاقية للذكور بعين الإعتبار مدى الحرية التي يتمتع بها الذكر مقارنة بالأنثى ، وقدرته على تجاهل الضوابط والحدود وعن تمرده بكل بساطه ، بينما القضية معكوسة بالنسبة للاناث بسبب المحدودية التي يشعرن بها على مستوى الحياة العائلية من جهة ، وبسبب كثرة الحجب التي تلازمهن من جهة أخرى .
    ومن الفوارق الأخرى الموجودة بين الجنسين ، كثرة تعرض الذكور للتغيير السلوكي والفكري الناجم عن احتكاكهم وتأثرهم بالظروف والوقائع المحيطة ، وحتى من المحتمل ان يكتسبوا بعض المعتقدات الخاطئة فتحصل لديهم تغييرات شديدة قد تمسخ شخصيتهم ؛ بينما يندر حصول مثل هذه بالنسبة للاناث ، بل و يبدو أنهن اكثر قدرة على الثبات والمقاومة ، الا اذا وقعن فريسة للتحايل ، أو أصبحت عواطفهن عرضة للتلاعب والإستغلال .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 206

    اما في مجال الأخلاق الإجتماعية ، والآداب ، ونمط ارتداء الثياب ، وتزيين الشعر والوجه والحاجب ، فالمتعارف أن الاناث يقلدن الممثلات ، وغالباً ما يحاولن التشبه بالدمى ، بينما يستمد الذكور أنماطهم السلوكية وصيغهم الأخلاقية من الأبطال ونجوم الرياضة والسياسة والدين . وهذا ما يحتم على التربية أخذ هذه التأثيرات الذهنية بنظر الإعتبار .
    ولابد من الإشارة أخيراً الى نقطة أخرى تطيب لها نفس المربي وهي تفوق البنات على الأولاد في مجال النضوج الأخلاقي وقبول القيم والقواعد الأخلاقية ، والرغبة في الالتزام بها والتطابق معها ، وان استعدادهن للانقياد لأراء الأبوين والمربي أكثر وأسرع من استعداد الذكور ، وكذلك هو الحال في حقل التطبيق العملي . وهذه من نقاط القوة التي يركن إليها المجتمع لتربية البنت التي تتولى فيما بعد دور الأمومة .

  • الظروف الإيجابية والأخلاق

  • إن العين والأذن وغيرها من الأعضاء الأخرى هي المنافذ التي تربط البدن بالعالم الخارجي . ومن الصحيح جداً أن كل ما تراه العين يراه القلب . وانطلاقاً من هذه الحقيقة فلابد من تطهير الاجواء التربوية من المفاسد والإنعكاسات التربوية السيئة . ومرادنا من كلمة الأجواء هو مجموعة الضروف والعوامل التي يعيشها الفرد ومن ضمنها الأخلاق والتربية الأخلاقية ، كالأشياء التي يراها أو يسمعها أو يقرأها أو يتعامل معها مباشرة فيتأثر بها ، وكل ما يمكن أن يكون له دور في بناء أوهدم الشخصية .
    يستمد الطفل أسسه الأخلاقية من الأجواء المحيطة به وخاصة من أولئك

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 207

    الذين يحبهم من صميم قلبه ، أو أولئك الذين يشعر نحوهم بنوع من الانشداد ، أو بنوع من المنفعة منهم وعلى هذا الأساس يجب تحديد العوامل الهدامة ، واخضاع القول والفعل للمعايير المنطقية ، وإعادة النظر في معرفة مقومات الصلاح والفساد . فكثير من المشاهد التي يراها الطفل تعتبر دروساً أخلاقية سيئة بالنسبة له ، من أمثال القصص الجنائية ، واللقطات الجنسية المثيرة للشهوة ، والمشاهد الفكاهية السمجة ، والتصرفات السقيمة للوالدين ، وألوان الصراع والمشاحنات . وتقف على النقيض من ذلك اجواء الإيمان والتقوى ، والصلاح والوقار ، فهي أرض خصبة كنمو الفضائل الخلقية .

  • الموانع الحائلة دون النمو والتكامل

  • وعلى هذا الأساس، فهناك الكثير من الموانع التي تعترض طريقنا ولا تسمح لنا بالتقدم كما ينبغي لنا ، وما أتعس اولئك الأطفال الذين ينشأون في تلك الأجواء الموبوءة . فهم مضطرون وبعد عمر طويل يقضونه في اكتساب الرذائل لإعادة النظر في ما اكتسبوه ، وتناسي أوترك المعلومات السيئة والتصرفات القبيحة التي كانوا عليها .
    فالطفل الذي ينشأ في بيئة يحكمها النزاع بين الوالدين او يكثر فيها التحلل والفساد والقمار والخمور ، يواجه مصاعب جمة تحول دون تكامل ونمو شخصيته .
    وما أكثر المصاعب التي ستواجه الطفل في مستقبله لو أنه ترعرع في ظروف يسودها النفاق والازدواجية والفسق وغيرها من مظاهر الانانية

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 208

    والجهل والفساد! فهل بالإمكان أن نتوقع منه الصلاح والسلامة الفكرية ؟ لا شك أن هذه الظروف وما شاكلها تمثل قتلاً لكل مالدى الطفل من شرف واخلاق وفضيلة .



    السابق السابق الفهرس التالي التالي