عبقرية مبكرة لأطفالنا 77



الباب الأول

الفصل الثالث


عبقرية مبكرة لأطفالنا 78



عبقرية مبكرة لأطفالنا 79


عند الولادة

بعد أن يرزق الله الأم الولد سليماً ويخرج حياً يكون الطفل قد انتقل من دار إلى دار ومن حال إلى حال؛ فيكون اتصاله بعالم الدنيا بالمباشرة والواسطة أيضاً وإن اختلفت درجتها وأثرها عما قبل. ويكون دور الأب بشكل أكبر مما سبق ومن هذه الأمور التي يجب أن يلاحظها الأب ويقوم بعملها خصوصاً في اليوم الأول من الولادة ما يلي:

الأمر الأول: السؤال عن استواء الخلقة:


عندما يسمع الأب صياح الطفل فأول ما يسأل عنه هو سلامته من التشوهات الخلقية سواء كانت بزيادة أو نقيصة؛ فإن جاء الولد معافى صحيحاً من كل سوء حمد الله وشكره على فضله ومنه، وإن جاء مشوهاً بزيادة أو نقص ولم يمكن التدارك والمعالجة ـ لا سمح الله ـ صبر واحتسب ذلك عند الله عز وجل ومع ذلك لا ييأس من رحمة الله، وليكثر التوسل بالله وليدعوه بأحب خلقه إليه محمد وآله الطيبين عليهم السلام أجمعين.
ومن الطريف ما ينقل أن رجلاً رزقه الله ولداً غير واضح المعالم أي ممسوح الخلقه، فجاءه الأطباء وقالوا له: إن من مصلحة الطفل أن يموت الآن خير له من البقاء فيتعذب في هذه الدنيا. لذا نريد أن نعطيه حقنة تميته فماذا تقول؟
أجابهم بالنفي وقال: هذا عطاء الله وأنا راض به.
أخذ طفله مصطحباً معه زوجته الباكية،وفي طريق عودته بقدرة قادر ظهرت على الطفل الملامح وأصبح ولداً جميلاً.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 80

أقول: وليس هذا بغريب ولا مستبعد فلا محذور عقلي ولا شرعي ولا شيء آخر، ولكن هو امتحان امتحن الله عبده فوجده صابراً محتسباً فكافأه على صبره وثباته والله العالم.
وكان علي بن الحسين عليه السلام إذا بشر بولد لم يسأل ذكر أم أنثى حتى يقول: أسوي؟ فإن كان سوياً قال: الحمد لله الذي لم يخلق شيئاً مشوهاً.

الأمر الثاني: لا يفرق بين الذكر والأنثى:


إذا بلغه أن المولود كان أنثى يجب عليه أن لا يغتم ولا يظل وجهه مسوداً وهو كظيم لما بشر به؛ فإن هذه عادة الكفار وأهل الجاهلية. بل ليفرح وليشكر الله على العطية والهبة، وليعلم أن الفتاة قد تكون خيراً له من ألف ولد ذكر. ويكفيك فخراً أنه من يمن المرأة أن يكون أول مولود لها بنتاً. ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمى أبو البنات.
فلا موجب لأن يحزن الرجل عندما يجد أن زوجته ولدت بنتاً أو لا تلد إلا بناتاً. فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «خير أولادكم البنات».
عن الحسين بن سعيد اللخمي قال: «ولد لرجل من أصحابنا جارية فدخل على أبي عبدالله عليه السلام فرآه متسخطاً فقال له: أرأيت لو أن الله أوحى إليك أن اختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول؟
قال: كنت أقول: يا رب تختار لي.
قال : فإن الله عزوجل قد اختار لك.
ثم قال: إن الغلام الذي قتل العالم الذي كان مع موسى عليه السلام وهو قول الله عزوجل: « فاردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً» أبدلهما الله عزوجل به جارية ولدت سبعين نبياً». (1)

(1) الوسائل: 21 ، ص 264.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 81

فالوالدان لا يريدان من أبنائهما إلا أن يبروهما. ومن غير المعلوم أن يكون الذكر هو الأقرب لذلك. بل عبر الله سبحانه وتعالى عن المبدل أنه خير من البدل وهي البنت.
وما يصوره البعض أن البنت لا تحمل اسم أباها فقد ثبت خلاف ذلك؛ فمن أصدق وأوضح الصور السيدة فاطمة الزهراء حيث كان منها الامتداد لنسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي ملأ الخافقين وهي من بنت واحدة رضوان الله عليها.
فلا ضير حينئذ من أن لا يكون عندك إلا البنات؛ لأنهن موجبات لدخول الجنة، والمغفرة كما جاءت به كثير من الروايات .

الأمر الثالث: أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في اليسرى ويقرأ بعض السور:


من الأمور المؤكدة في الإسلام تأكيداً كبيراً عند ولادة الطفل أن يؤذن في أذنه اليمنى، ويقام في أذنه اليسرى وذلك لكي يعصم من الشيطان الرجيم. فإذا كان أول ما يطرق مسامع الطفل نداء الحق، وذكر الله يكون أثرها على الطفل أثراً واضحاً وجلياً.
عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى وليقيم في اليسرى، فإن ذلك عصمة من الشيطان، وإنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن يفعل ذلك بالحسن والحسين وأن يقرأ مع الأذان في آذانهما فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص والمعوذتان».
فقد ثبت علمياً أن الأصوات تؤثر على الجنين في بطن أمه فضلاً عن كونه خارج بطن أمه، ينقل التاريخ: أن رسول الله صلى الله عليه وآله عندما كان يدخل على

عبقرية مبكرة لأطفالنا 82

خديجة رضوان الله عليها وهي حامل بالسيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام يجدها تتحدث مع شخص. فيقول لها: مع من كنت تتحدثين؟ فتقول مع ابنتي.
وهناك قصة يتداولها الناس بينهم من شخص مسيحي اعتنق الإسلام وكان سر اعتناقه هو الأذان والإقامة والقصة هي كالتالي:
في وسط أوربا تقطن عائلة ثرية محافظة على تعاليم الدين المسيحي رزقهم الله ولداً في ظروف كانت أفراد العائلة في حالة من الاشتغال الشديد، مما أدى إلى أن يسلموا ولدهم إلى الخادم المسلم الذي يعمل في بيتهم من أجل أن يأخذه إلى الكنيسة ليقوم البابا بالصلوات والدعاء للطفل.
أخذ الخادم الطفل وخرج من البيت وما هي إلا سويعة حتى عاد به إلى أمه، وظل حتى أصبح شاباً، وهو ينفر من الطقوس الدينية ويحس بصدى في الداخل يناديه من غير أن يعرف ما هو هذا الصدى . . كان يشعر بشعور غريب اتجاه الحياة التي يحياها، وهكذا استمر به الحال حتى شاهد مصادفة أحد المسلمين وتعرف عليه وجرت بينهما الأحاديث وتبادل الأفكار . . فتعمقت علاقتهما حتى اصطحبه إلى المسجد وهناك أحس بشعور يجذبه إلى هذه التعاليم تشابه ذلك الإحساس الغريب الذي ينتابه بين الحين والآخر .. اشتاق إلى هذا الدين فأسلم . . سبب إسلامه ضجة كبيرة في أسرتهم مما حدا بوالديه الاستنجاد بالكنيسة علهم يردوا ولدهم عن هذا الدين . . .
سأل البابا أفراد العائلة هل يحيط بكم مسلمون؟
أجابوا بالنفي.
هل يتردد عليكم مسلمون في البيت؟
كذلك كانت الإجابة بالسلب.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 83

وكلما سألهم عن ارتباط بالمسلمين لا يجدون رابطة . . نعم، تذكرنا لدينا خادم مسلم يعمل في البيت ولكن لا خوف منه.
البابا : هل تركتم الولد بمفرده؟
الجواب كان لا . .
وبعد التحقيق تبين أن ذلك الخادم الذي يعمل عندهم بدل أن يأخذ الولد إلى الكنيسة . . ذهب به بعيداً وأقام المراسيم الدينية للمسلمين من آذان في اليمنى وإقامة في اليسرى. وكان هذا السر في إسلام الشاب والله العالم .
وكيفما كان فلا شك أن للأذان وللإقامة للطفل في ساعته الأولى من الولادة أنه حرز من الشيطان ، وأنه أمن من مرض يعتري الأطفال يعرف قديماً بأم الصبيان.
عن يحيى الرازي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إذا ولد لكم المولود أي شيء تصنعون به؟ قلت: لا أدري ما يصنع به. قال: خذ عدسة جا وشير فديفه بماء، ثم قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة وأذن في أذنه اليمنى، وأقم في اليسرى يفعل ذلك به قبل أن تقطع سرته؛ فإنه لا يفزع أبداً ولا تصيبه أم الصبيان».
قوله: (عدسة) أي مقدار عدسة واحدة فديفه أي بللها بالماء واستخدام الماء للقطر في أنف الطفل. نعم، في مثل هذه الأيام التي قد لا يستطيع أن يقام له هذه المراسيم في أول دقائق حياته لكون المرأة تلد في المستشفى، فلا يبعد في أقرب وقت بعد التمكن كأن يخرج الطفل إلى الحضانة، أو أن تقوم الأم بنفسها بإجراء هذا الأمر لأنها الوحيدة التي توجد مع الطفل في مكان الولادة. وأيضاً يمكن أن يستفاد من بعض الروايات أنه في الساعات الأولى.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 84

الأمر الرابع: التحنيك:


التحنيك بماء الفرات، أو بماء السماء مع تربة الحسين، أو بالتمر.
أصل التحنيك هو (الحنك) من الإنسان والدابة باطن أعلى الفم من الداخل وقيل الأسفل. والتحنيك بالتمر أن تمضغ التمر ثم تدلكه بحنك الصبي داخل فمه.
والتحنيك من الأمور المستحبة أيضاً والمؤكد عليها وكان الرسول يحنك بريقه وبالتمر.
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «فقال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : حنكوا أولادكم بالتمر هكذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين عليهما السلام».
وفي رواية أخرى: «حنكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين عليه السلام وإن لم يكن فبماء السماء».
وأما التحنيك بماء الفرات أو غيره فيأخذ قليلاً من الماء ويسقى به الطفل.
وفي رواية أخرى عن الحسين بن أبي العلا، قال: «سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول حنكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام فإنه أمان».

الأمر الخامس: لف الطفل في خرقة بيضاء:


ومن الثابت علمياً أن للألوان تأثيراً على سلوك ونفسية الإنسان حتى إنه وجد مؤخراً معاهد ومدارس تسمى (Colour Therapy) تختص بتدريس تأثير اللون وقدرته على العلاج فقد استخدمت بعض الدراسات الألوان كوسيلة فعالة للعلاج ، وبالخصوص على النساء اللواتي يعانين من الأرق، ومشاكل الدورة الشهرية، وما شابه ذلك. ولا يقتصر معرفة أن للألوان أثراً على نفسية للباحثين فقط، بل حتى الناس العاديين فتراهم يردون لك ـ مثلاً ـ

عبقرية مبكرة لأطفالنا 85

ثلاثة يذهبن الحزن الخضرة والماء والوجه الحسن. فتجدهم يشيرون عليك بالطرق التي تؤثر على نفسيتك فيعدون منها الخضرة التي تحمل اللون الأخضر.
وحقيقة اللون ـ كما عليه العلماء ـ أنه ينتج طاقات مختلفة؛ فاللون مكون من ترددات من الضوء وكل تردد يجعل الهواء يهتز عند سرعات معينة؛ فمثلاً اللون الاحمر يبعث ترددات بشكل سريع بحيث يولد في النفسية الغضب والانفعال نحو هذا اللون. بخلاف اللون الأزرق الذي يرسل ترددات أقل مما يؤثر على هدوء الأعصاب إلى غير ذلك. ومن الثابت علمياً أنه يوجد تفاوت في التعامل مع اللون من مرحلة إلى أخرى ومن الطفولة إلى الكبر؛ فلكل مرحلة ألوان خاصة يؤثر فيها سلباً أو إيجاباً، ومن المؤكد في الروايات ذلك أيضاً فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حين يأمر بأن يلف الطفل بالخرقة البيضاء، وينهى عن اللون الأصفر، لا بد من خصوصية لهذا الأمر والنهي. أما اللون الأبيض فله أثر الصفاء على النفس البشرية، وهو أقرب الألوان له فيؤثر في نفسية الطفل ويفيض عليها هذا الإحساس مع الأثر الذي يولده من الترددات الصادرة منه على عيني الطفل الذي ستظل محاطة به ليلاً ونهاراً لمدة أشهر فضلاً عن أيام. بخلاف اللون الأصفر الذي قد يسبب الخوف في نفسية الطفل ويبعث فيها الرعب ويؤثر على العينين على ما جاءت به بعض الدراسات العلمية. ولذلك تجد أن روضات الأطفال والأماكن المخصصة لهم يعتنى بها بشكل كبير، من حيث تلوين الجدران وصباغتها وملئها بالرسوم المختلفة التي تدعو الطفل إلى اكتشافها وفهمها والتعامل معها.
وليزداد القارىء اطلاعاً، ففي السجون والتي يراد منها التأثير على نفسية السجين يصبغ السجن باللون الأسود أو الرمادي ويوضع انفرادياً فيؤثر هذا الوضع على نفسية السجين.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 86

عن زيد بن علي عليه السلام عن أبيه قال: «لما ولدت فاطمة الحسن عليه السلام أخرج إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خرقة صفراء فقال: ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء؟ ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفه فيها» (1).

الأمر السادس: إطعام المرأة في نفاسها بالتمر:


ويستحب استحباباً مؤكداً أن تتناول المرأة في شهرها الذي تلد فيه وبعد الولادة التمر؛ لما فيه من الفوائد الجمة التي تضاهي بقية الأطعمة من الفواكه والبقولات والخضروات. فكان التمر يعد أنه (منجم) أي غني بالمعادن والفيتامينات.
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «إذا ولدت امرأة فليكن أول ما تأكل الرطب والتمر؛ فإنه لو كان شيء أفضل منه لأطعمه الله تعالى مريم حين ولدت عيسى».
فالتمر يشتمل على كثير من الفيتامين(آ) وهذا الفيتامين يساعد على زيادة وزن الأطفال، ولذلك يطلق عليه الأطباء (عامل النمو) كما أن التمر غني بالفوسفور بنسبة عالية. الفوسفور يدخل في تركيب العظام والأسنان.
ويقول الدكتور صبري القباني في كتابه (الغذاء لا الدواء) في أن من يأكل بعض التمر كـ (ان من شراب الحديد او زرقة إبرة كالسيوم . . ) ص 125.
لأن الغذاء الذي تتغذى منه الأم يتحول إلى غذاء الطفل من خلال الحليب الذي يشربه من ثدي أمه .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :«ليكن أول ما تأكله النفساء الرطب فإن الله قال لمريم « وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا».
قيل : يا رسول الله وإن لم يكن أيام الرطب؟

(1) البحار: ج 104 ، ص 109.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 87

قال: سبع تمرات من تمر المدينة فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم فإن الله عزوجل يقول: وعزتي وجلالي وعظمتي وارتفاع مكاني لا تأكل نفساء يوم تلد الرطب فيكون غلاماً إلا كان حليماً (حكيماً) وإن كانت جارية كانت حليمة».
وهذا الذي يثبته العلم الحديث ويؤكد عليه أن من خصائص التمر أن يفيض عليه الحلم ويهدىء أعصابه. يقول الدكتور صبري القباني: «هناك صفة نفسية هامة للتمر قل من ينتبه إليها وهو أنه يضفي السكينة والدعة على النفوس القلقة المضطربة . . ويرد الطب الحديث المزاج العصبي إلى نشاط الغدة الدرقية الرابضة في مقدم العنق وإلى مفرزاتها.
وقد عرف أخيراً بأن بعض النباتات والثمار لها خاصية (ضد الدرقية) تحد نشاطها وتلجم مفرزاتها وفي طليعة هذه النباتات التمر . . . ويعلل الطب الحديث هذه الأغذية باحتوائها على الفيتامين (آ) الذي يلعب دوراً هاماً مضاداً للدرق».
فانظر عزيزي القارىء إلى أي مدى كانت الإرشادات النبوية وأهل البيت صلوات الله عليهم تطابق الواقع والحقيقة. وكيف لا تكون كذلك وهي من العلم صلوات الله عليهم تطابق الواقع والحقيقة. وكيف لا تكون كذلك وهي من العلم الإلهي؟! رزقنا الله وإياكم من هذا العلم الصافي بصفاء نياتنا إن شاء الله.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 88



عبقرية مبكرة لأطفالنا 89



الباب الأول

الفصل الرابع


عبقرية مبكرة لأطفالنا 90



عبقرية مبكرة لأطفالنا 91

الرضاعة

إن تناول الطفل الحليب يعد من المراحل الأولية التي يقوم بها في بداية حياته. وهذه المرحلة لا تقل خطورة عما قبل الولادة؛ فالتأثر الذي يظهر على الطفل من أثر الحليب تأثر واضح جداً لذا أولى الإسلام أهمية كبرى لهذه المرحلة فنظر إليها من عدة زوايا.

الزاوية الأولى:


لا يوجد أفضل من حليب الأم لطفلها وذلك لأن الطفل قبل الولادة كان بعد جزءاً من أجزاء الأم فتركيبته قريبة من تركيبتها وعند استقلاله عنها سوف يبقى ذلك الأثر فيه؛ فإنه يلقف ثدي أمه ويحس بالاطمئنان الذي لا يحصل عليه إلا عندها، فمن خلال لحظات الرضاعة يتغذى الطفل بأشياء كثيرة لا يجدها ذلك الطفل الذي تناول الحليب المجفف، وأهمها الحب والحنان والاطمئنان إلى غير ذلك.
يقول ابن سينا في (القانون) : «أما كيفية إرضاعه وتغذيته فيحب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه فإنه يشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم، أعني طمث أمه فإنه هو بعينه هو المستحيل لبناً وهو أقبل لذلك وآلف له، حتى إنه صح بالتجربة أن إقامة حلمة أمه عظيمة النفع جداً في رفع ما يؤذيه». (1)
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ليس للصبي لبن خير من لبن أمه».

(1) ص 151 ـ 120.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 92

وعن أميرالمؤمنين علي عليه السلام قال: «ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه» (1).
وهذا الذي أثبته العلم مؤخراً حيث علت الصيحات من كل جانب تطالب الأم بعدم إهمال الطفل، أو الاتكال على الحليب المجفف؛ فقد جاء في (موسوعة صحة العائلة) ما هذا نصه: «علماً أن الأبحاث الطبية قد أظهرت أن للإرضاع مزايا عدة لا شك أن الحليب الاصطناعي يشبه في تركيبه حليب الأم، وإذا أعطي الطفل بالكميات الصحيحة فإنه يكفي لتغذيته ومع ذلك يفتقر الحليب الاصطناعي إلى مكونات معينة قصيرة لطفلك توجد في حليب الأم فعلى سبيل المثال: يستطيع حليب الأم وقاية طفلك من أية التهابات يملك جسمك مناعة ضدها، كما أن تركيب حليب الثدي يتغير مع تغير حاجات الطفل في حين يظل تركيب الحليب الإصطناعي ثابتاً لا يتغير ... بالإضافة إلى ذلك يعزز الإرضاع الرباط العاطفي بين الأم والطفل) (2).
وكيفما كان فقد ثبت أن ارضاع الطفل بالحليب من خلال الروايات ونظر الوجدان وحث العلماء والأطباء على إرضاع الطفل بواسطة أمه، لما له من ديمومية الإشراف الروحية والبدنية على الطفل ولا يترك هذا الأمر إلا لعارض يمنع عن إرضاعه من أمه لمرض، أو إخلال في مزاجها، أو اضطراب في فؤادها إلى غير ذلك من الأمور الموجبة لعدم إرضاع الطفل من أمه .

الزاوية الثانية: المرضعة:


إن الحليب الذي يشب عليه الطفل ويتغدى حتى ينمو فيه خصائص تفوق مسألة النمو الظاهري، ومسألة الشكل الخارجي؛ إذ إن أثره على

(1) الوسائل: ج 21.
(2) ص 664.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 93

الطفل ينساب إلى شخصيته، وتكوين سلوكه وهذه المسألة لم يدركها العلم الحديث بعد وذلك لقصور نظره على الجانب المادي، وإن تحدث عنها الأطباء والحكماء القدماء من المسلمين متبعين الأثر مشاهدين ذلك بالتجربة.
فإن اللبن الذي يتغذى عليه الطفل يساوي أثره تأثير الأم في حالة الحمل على جنينها وقت الحمل. لذلك يقول الإمام علي عليه السلام : «تخيروا للرضاع كما تتخيرون للنكاح؛ فإن الرضاع يغير الطباع».
ولا يخفى الأثر الذي يخلفه الرضاع للطفل حيث إنه قورن بالنكاح الذي فيه ديمومة البقاء، ونصف الدين بما يشعر أن له نفس الأهمية في خلق نسل طاهر متكامل. ومنه أوجب الله على العبد أن يشكر الله ثم والديه الصلبيين أو المستحدثين بعملية الرضاعة إذا وقع وجوب الشكر بعد الحمل والإرضاع.
قال تعالى: « ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير» (1).
وقد جاء من الناحية المقدسة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكثير من الروايات التي تشير إلى هذه الحقبة الزمنية وإلى هذه المسألة بالخصوص فتعاملوا معها على نحوين:
النحو الأول: الحث على تخير المرضعة وأن تكون من الكريمات الأصل الحسان الوجوه الوضاءة المؤمنة.
عن الباقر عليه السلام قال: «استرضع لولدك بلبن الحسان وإياك القباح فإن اللبن يعدي».

(1) لقمان : 14.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 94

ومنه نستفيد أنه تخير المرضعة يكون في أصل النكاح إذ لابد أن تكون المرأة وضاءة وحسنة الشكل مؤمنة من أصل كريم حتى يوافق أن تكون أمه هي التي تقوم بإرضاعه، وأما إذا كانت أمه في غاية الجمال لكنها حمقاء أو قبيحة المنظر ـ لا سمح الله ـ يجب أن يعطى غيرها في إرضاع ولدها وإن شق عليها ذلك؛ حتى لا يخرج الولد صفر اليدين من ناحية الحمل والرضاعة؛ فإن الثاني قد يخفف أثر الأول.
النحو الثاني: التحذير من بعض المرضعات اللاتي يتصفن بالحماقة، أو الكفر ، أو الزنا إلى غير ذلك والعلة واحدة في النحوين وهي التأثير على شخصية الطفل وسلوكه.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء؛ فإن اللبن يعدي».
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام : «توقوا على أولادكم لبن البغي من النساء والمجنونة؛ فإن اللبن يعدي».
عن الباقر عليه السلام: «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلي من لبن الزانية».
وذلك أن اليهودية والنصرانية والمجوسية وإن يضر إرضاعهن الطفل، لكن الحليب الذي سيتناول الطفل هو من نتاج وطء شرعي صحيح في دينهم ومذهبهم. بخلاف لبن الزنا؛ فإن منشأ هذا الحليب كان من نطفة قذرة تكونت من حرام. فكل ما كان أساسه حرام ولا يوجد به شبهة الحلال كا أثره أشد. لذا لو كانت المرضعة يهودية أو نصرانية أو مجوسية وكان حليبهم ناشىء من الزنا ـ والعياذ بالله ـ تضاعف المنع، وإن انحصر فيهن وفي المرأة المسلمة الزانية قدمت عليهن، وإن فضل إعطاء الطفل من حليب البقرة، أو المجفف على إعطائهن إياه لإرضاعه.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 95

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن تمنع الزانية من إرضاع ولدها من الزنا سواء كان الولد منشأه الزنا ـ العياذ بالله ـ أو الحلال ثم زنت وذلك حتى لا يجتمع عليه شقاءان.
فعن الإمام الكاظم عليه السلام لما سأله أخوه علي بن جعفر عن أمراة ولدت من الزنا هل يصلح أن سترضع بلبنها؟ قال: «لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا».
إجابة الإمام أشارت إلى أن أثر الحرام باق في صلب ابنتها التي تغذت على لبن الزنا، أو نشأت من رحم زنا. وفي رواية : «أن ملعقة من الخمر تؤثر في أربعين جيلاً». ومنه نرى في الزيارة الجامعة «وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض خلقكم الله أنواراً»، وفي زيارة وارث «وأشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها . . .».
فهذه إشارة إلى أن طهر الرحم لا ينحصر في الرحم المباشر بل ما قبله حتى آدم عليه السلام ونحن لسنا بصدد شرح مفاهيم ومعاني الزيارة.
وعن الصادق عليه السلام: «رضاع اليهودية والنصرانية خير من رضاع الناصبة». وذلك لأن اليهودية والنصرانية لم يحصل لهم الإيمان بالإسلام إما لضعف الدليل القائم عندهم على صحة الإسلام، وإما لعدم قيامه أصلاً. بخلاف الناصبية ـ عليها لعنة الله ـ فقد قام عندها الدليل على صحة المعتقد والدين الإسلامي ولكنها كابرت وعاندت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الولاية؛ فأبغضت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بغض إبليس للسجود لآدم فاستحقت اللعن والطرد، وإبليس يقول: (إني أخاف الله رب العالمين)؛ فهو أقر بالربوبية ولكنه عاند وكابر فلم ينفعه ذلك الإيمان غير التام، هذا أولا.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 96

وثانياً: أن الناصبة تحمل في طياتها وفي صميم فؤادها الأسود الحقد والكراهية لخيرة البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الحالة ـ أعني الكراهية والحقد ـ لها الأثر الكبير والسلبي على نفسية الطفل؛ فإنها علاوة على كونها مرضاً يجب أن لا ترضع المرأة الطفل وهي في مثل هذه الحالة (الكراهية والحقد) لأي إنسان، فما بالك إذا كان ذلك البغض موجه لخيرة الناس محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. وما ينقل في ذلك أن آية الله الشيخ فضل الله نوري في زمان المشروطة في إيران حكم عليه إقامة جبرية في بيته وسعت الدولة أن تعدمه، وفعلاً أخذته إلى السجن لهذا الغرض وابن الشيخ فضل الله كان من المساهمين بشكل جدي في أن يحكم على والده بالإعدام ... أحد العلماء الكبار لما رأى أن ابن الشيخ التقي يسعى لقتل والده تعجب واستحكمت عليه الحيرة والدهشة! فذهب هذا العالم إلى الشيخ في السجن وقال له : إن ولدك يجب أن يكون من حيث الوراثة في مرتبة عالية ويجب أن تكون لديه مقامات عالية . . . كيف صار ولدك لا يبالي بل يسعى من أجل إعدامك؟
أجاب الشيخ : نعم، الشيء الذي كنت أخاف وقع . . هذا الولد عندما ولد في النجف الأشرف كانت أمه مريضة، ولم تستطع إرضاعه لذا اضطررنا إلى البحث عن مرضعة له ووجدنا مرضعة، ولكن لم نكن نعرفها فأرضعت ولدي مدة من الزمان، ثم توجهت إلى أن هذه المرأة غير متقية وأيضاً ناصبية ومن هنا دق جرس الخطر وهذا الذي كنت أخافه وقع.
وإذا تأملنا هذا الشيخ التقي الورع الذي لاشك في أن نطفته كانت طاهرة، ولكن كما قال الإمام علي عليه السلام : «الرضاع يغير الطباع».
حتى لا يقع لك مثل هذا يا عزيزي عليك أن تراعي هذه الجوانب وأن لا تهملها فالسعيد من اتعظ بغيره.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 97

الزاوية الثالثة: غذاء المرضعة:


لاشك أن الغذاء الذي تتناوله المرضعة لا يقل أهمية عن المرحلتين السابقتين، وذلك لأن الطفل سيكون غذاؤه وشرابه من هذه المرضعة فالأكل الحلال الخالي من الشبهة هو المصدر الأساسي الذي يجب أن تتغذى عليه المرضع، وإلا نشأ الولد على الحرام والعياذ بالله.
عن الحلبي قال: «سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها؟ قال: ترضعه لك اليهودية والنصرانية في بيتك وتمنعها من شرب الخمر وما لا يحل مثل لحم الخنزير ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن. والزانية لا ترضع ولدك فإنه لا يحل لك. والمجوسية لا ترضع لك إلا أن تضطر إليها» (1).
لقد ذكرنا آثار الخمر وكيف أنه يولد إضعاف البنية وشرخ الخلايا في المخ إلى غير ذلك من الآثار. وأما لحم الخنزير فقد ثبت علمياً أنه يميت الغيرة عند الإنسان ومن لا غيرة له لا يساوي روث البهائم أجلكم الله. ونحن لسنا بصدد إثبات العلل لتحريم هذا أو ذاك . . ولكن كل ما لا يحل يجب على المرضعة أن لا تتناول منه شيئاً، ولا توجد خصوصية لليهودية والنصرانية والمجوسية في ذلك بل كل امرأة مرضعة. وأما لم يذكر الإمام المسلمة أيضاً؛ لأنه من المفروض أنها قد انتهت عن هذه الأمور المحرمة بإسلامها.
وأما اشتراطه أن يرضعن في بيتك من أجل أن يكن تحت نظرك لا يحدثن شيئاً للولد سواء في مأكلهن، أو الطفل. فألا يأمن منهن على الولد

(1) الوسائل: 21.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 98

بل يجب أن يتوقفن عن شرب الخمر مدة الرضاعة، ومدة الرضاعة سنتان لا يتخللها شرب الخمر، أو أكل المحرم لان ذلك يؤثر ـ كما أسلفنا ـ ومقدمة الواجب واجبة. أي قبل أن تسلمهن من أجل الرضاعة يجب أن يمتنعن عن المحرمات حتى يطهرن من الدنس.
وذكره أن لا يذهبن بولدك إلى بيوتهن خوفاً من أن يطعمنه، أو يسقينه الحرام أو غير ذلك من مكرهن. ولقد أخبرني ممن أثق به حينما كنت في كندا أنه قد تزوج امرأة كندية مسلمة وأبواها ما زالا على كفرهما، وكان عنده ولد وكانت جدته الكافرة تصطحب الولد إلى منزلها لتطعمه لحم الخنزير، أو كل ما هو محرم في الإسلام حتى وقع الزوجان على معرفة الأمر مصادفة. فلهذا وأمثاله يمنعن.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يجب الحذر من الخادمات اللاتي يأتين إلى البيوتات لا يعرف ديانتهن، ولا يؤمن منهن، ولا يسلم الأطفال لهن، ولا يتركن بمفردهن مع الأطفال، وكذا المعاهد والروضات غير الموثوقة، وكل ما يخشى على الولد، أو في دور الحضانة؛ فإن ذلك لا يحل للوالدين أن يضعا ولدهما فيه. فالولد أمانة أخذت على الفطرة ويجب أن ترجع على الفطرة وإلا خانا الأمانة والعياذ بالله.
ولن يقبل الله عذر الوالدين إذا خرجا إلى العمل من أجل تحصيل الرزق وتركا فلذة كبدهما عند من لا دين له؛ فإن تربية الولد أوجب وأهم من السعي إلى تحسين المعاش؛ فالزوج هو الذي يجب أن يصرف على العائلة والمرأة تحفظ نفسها وعيالها فقط.
جاء في أحد الكتب هذه القصة: «أصيب طفل من مدينة (لوزا) باختلاجات في أحد الأيام وكان اليوم هو الخميس ثم زالت هذه الاختلاجات، وإذا بها تعود

عبقرية مبكرة لأطفالنا 99

للظهور في يوم الاثنين التالي وزالت مساء، ولكن لوحظ فيما بعد أن الطفل أصيب بهذه الاختلاجات في نفسها وأجريت الاعتناءات اللازمة والتفتيش عن الأسباب المؤدية لهذه الاختلاجات، وإذا بالأمر أن المرضع تخرج يومي الأحد والأربعاء ساعتين تتناول خلالها كمية لا بأس بها من الكحول، فأمرت بالامتناع عن هذ المواد وإذا بالإضطرابات والاختلاجات تزول وتعود صحة الرضيع جيدة حسنة» (1).

الزاوية الرابعة: كيفية الرضاعة:


قد يتصور البعض أن الله خلق الثديين لزينة المرأة ولكي يتناول الطفل الحليب من أيهما كان، ولكن الحق أن لكل ثدي وظيفته الخاصة التي تختلف عن الآخر، وإن اشتركا في غاية واحدة وهي تغذية الطفل؛ فإن أحد الثديين يكون غذاء والآخر شراباً لذا لا يكفي أن يعطى من أحدهما دون الآخر، بل يجب من كليهما وينوع له في الرضاعة من هذا تارة ومن ذاك تارة أخرى.
عن محمد بن العباس بن الوليد عن أمه أم إسحاق بنت سليمان قالت: «نظر إلي أبو عبدالله وأنا أرضع أحد ابني محمد وإسحاق، فقال: يا أم إسحاق لا ترضعيه من واحد، وارضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً» (2).
قال ابن سينا في صدد الرضاعة وكيفيتها ما هذا نصه: «ويجب في كل إرضاعه وخصوصاً في الإرضاع الأول أن يحلب شيء من اللبن ويسيل، وأن يعان بالغمز لئلا تضطره شدة المص إلى إيلام آلات به الحلق والمريء فيجن

(1) تربية الطفل العناية بالحامل والوليد.
(2) الوسائل: ج 21.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 100

به، وإن لعق قبل الإرضاع كل مرة ملعقة عسل فهو نافع، وإن مزج بقليل شراب كان صواباً»؟
كما يلزم ملاحظة أمر مهم وهو الحالة النفسية للمرأة في اثناء الإرضاع؛ فإن كانت حادة المزاج عصبية أو داهمها الهم والغم، أو أصابها مرض يجب أن تترك إرضاع الطفل؛ وذلك لأن كل ما سبق هو عبارة عن تغير المزاج مما يؤثر على نفس صحة البدن والنتيجة على الولد.
يقول الدكتور صبيح الجزار: «ثم إن تعرض المرضع للصدمات النفسية والأحزان والمتاعب الفكرية قد يفضي إلى توقف إفراز الحليب عندها، كما حدث عند كثيرات من اللواتي أصابتهن صدمـة نفسيـة فـي رعـب أو حـزن أو بـأس في طـور الإرضـاع . . » (1).
وأما مدة الرضاعة ، فإنها لا تتجاوز سنتين يتخللها إعطاء الطفل بعض الأغذية المقوية له.
العياشي في تفسيره عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «نهى أن يضار بالصبي أو يضار بأمه في رضاعه، وليس لها أن تأخذ في إرضاعه حولين كاملين ، فإن أرادوا الفصل قبل ذلك عن تراض بينهما كان حسناً والفصل الفطام». (2)

الزاوية الخامسة: حالة المرضع الروحية:


ما زال هذا الولد الجديد يتغذى من ثدي أمه الغذاء المادي والروحي أيضاً للاتصال بها، وعدم استقلاله عنها؛ فكل الآثار التي تظهر على الأم

(1) ص 161.
(2) مستدرك الوسائل: 2.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 101

تتجلى في الولد. لذلك تقول في زيارتك للإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة: «غذتك يد الرحمة ورضعت من ثدي الإيمان وربيت في حجر الإسلام . . . ».
حيث إن السيدة الزهراء عليها السلام تمثل الإيمان حقيقة فقد رضع الحسين عليه السلام هذا الإيمان من أمه الزهراء عليها السلام، وهكذا نكتشف أن الحالة الإيمانية التقوائية تؤثر في الرضيع، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز:
« وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعلمون بصير» (1).
فعندما يأمر الله في أثناء الإرضاع بالتقوى والتي هي عبارة عن الابتعاد عن كل محذور وحرام والإتيان بكل واجب إشارة قوية إلى المطلوب.
ينقل أن أحد العلماء الأبرار ـ رضوان الله عليه ـ ذهب إلى الخباز لكي يشتري خبزاً فرأى صاحب الخباز في حالة استماع إلى الغناء، فتركه وانصرف، ولاحظ الخباز ذلك فأوقف العالم، وسأله عن سر إعراضه عنه.
فقام ذلك العالم: رأيت أو القوة التي تعطيك الطاقة في العمل هي استماعك للغناء. فهذه الحالة غير مرضية لله، وهذا الخبز يكون قد وصل إلينا في أثناء غضب الله فعندها لا نرى للطعام خيراً.
فكذلك حالة المولود إذا كان يتناول الغذاء ، وأمه في حالة الإشراق الإلهي سيكون لهذا الحليب لذة. بخلاف هذا لو كانت أمه في حالة معصية ـ والعياذ بالله ـ كأن ترضع ولدها وهي تغتاب، فإن الحليب سيكون منشأ أكل لحم أخيه ميتاً أي محرماً فيؤثر على مزاج الطفل وروحيته المعنوية، وهكذا باقي حالات المعاصي حيث لها أثر على نفسية الإنسان.

(1) البقرة: 233.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 102

ومن اللطيف أنه لما وصلت زمام الأمور للشيخ الانصاري ذهب بعض الناس ليبارك لأمه على هذا المولود الذي أصبح من كبار العلماء. أم الشيخ أجابتهم قائلة: كنت أتوقع من هذا الولد أكبر من ذلك؛ لأني خلال سنتين كنت لا أرضعه إلا على الوضوء. حتى في نصف الليل إذا أفاق وأخذ بالبكاء قمت ـ أولا ـ بالوضوء ثم أرجع لكي أرضعه.
الشيخ مظاهري أحد الأساتذة الكبار رجل إلهي يوصي الأم في حالة رضاع ابنها بقوله: «إن حق الولد أن يشرب حليباً سالماً. لذا أثناء ما تعطي الأم الحليب للولد يجب عليها أن تكون في حالة ارتباط مع الله، ولا تكون في صلة مع الشيطان أصلاً، ولتقل : باسم الله أولاً، وأن لا تتخيل الأمور السيئة الوساوس الشيطانية، وإذا كانت الأم تستطيع أن تعطي ولدها الحليب في حالة الوضوء والطهارة فلتفعل، وقبلاً التوبة من المعاصي أولاً عن أن تقول: (استغفر الله من كل قلبها بعد هذا كله تعطي الولد الحليب) ولك هذه الآداب التي لوحظ فيها الوضع والحال الإيمانية للوالدين حتى يخرج ولداً صالحاً طاهراً يكون قرة للعين، وكمثل شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء يقول تعالى: « ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار» (1).

(1) إبراهيم : 24 ـ 26.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 103

البكاء وأثره الإيجابي

إن البكاء هو أول عمل يقوم به الطفل عند خروجه من رحم أمه، وبه يستدل على كونه حياً. وهو في مثل هذه المرحلة التي لم يحصل فيها على ملكة التحدث والتخاطب يعوضه الله عنها بطريقة البكاء؛ فهي وسيلته للتفاهم مع من حوله وبالخصوص أمه، فكل أم دققت في نغمات بكاء ابنها تعرف حاجته. ولقد رأيت أماً قد صرخ ابنها بالبكاء فقالت: إنه يريد أن أغير له (الحفاظ) وكان كما قالت.
وللبكاء أثر كبير على صحة الوليد؛ فمن خلاله يتخلص الطفل من الرطوبة التي في جسده والمتجمعة في رأسه والتي لها أثر على منع الطفل من العمى. يقول الإمام الصادق عليه السلام في كلامه لتلميذه المفضل رضوان الله عليه : «اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة، واعلم أن في أدمغة الأطفال رطوبة، إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثاً جليلة، وعللاً عظيمة من ذهاب البصر وغيره. فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم والسلامة في أبصارهم. أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك، فهما دائبان ليسكتانه ويتوخيان في الأمور ومرضاته لئلا يبكي وهمها لا يعلمان أن البكاء أصلح له وأجمل عاقبة؟!».
ويمكن أن يقال: إن هذه الرطوبة والتي يسبب بقاؤها في الأدمغة كثيراً من المرض هو ذلك المرض الذي يقال عنه (التهاب السحايا) وهو يحيط بالدماغ والحبل الشوكي سائل شوكي دماغي يوجد بين الغشاء العنكبوتي

عبقرية مبكرة لأطفالنا 104

وغشاء الأم الحنون، اللذين يشكلان طبقين من الطبقات البقية الثلاث المسماة بالسحايا.
أما مخاطره قلة قليلة من المرضى يصابون بعطل دائم في أجسامهم كالصمم والعي أو التدهور العقلي، ويتعرض صغار السن والكهول أكثر من غيرهم لخطر عدم الشفاء من هذا الداء.
وفي مورد آخر من الموسوعة نفسها تحت عنوان التهاب السحايا عند الرضع والأطفال ـ بعد ذكر أعراض المرض ـ ما هذا نصه: «ينتأ اليافوخ عند الأطفال الرضع الحديثي الولادة بدلاً من أن يكون غائراً قليلاً بفعل الالتهاب الذي يسببه الضغط المتزايد للسائل الدماغي الشوكي في داخله» (1).
وبتقرير آخر نقول: حيث إن الطفل في رحم أمه غارق في السائل الأمينوسي فهو عند خروجه يكون رطب الأعظاء لين الجوانب، وحيث إن الدماغ خلق جسماً سنجابياً رخواً رطباً فهو بالضرورة يكون مليئاً بالرطوبة، ويصعب تجفيف تلك الرطوبة لما للدماغ من تركيبة خاصة ومعقدة؛ فلا طريق لذلك إلا بترشح الرطوبة إلى الخارج ولا يكون ذلك إلا عبر البكاء بواسطة العينين عبر الغدد الدمعية الجاذبة لتلك الرطوبة إليها. فمع استمرار البكاء يكون جفاف الدماغ إلى المطلوب، وأيضاً إذا كان الدماغ مليئاً بالرطوبات سبب ارتخاؤه ارتخاء كل الأعضاء والأعصاب، ولا سيما أعصاب العين الرقيقات والقريبات من نفس جرم الدماغ، وإذا ارتخت هذه الأعضاء فمعناه أنها لا تبصر.
وجاء في كتاب (الموسوعة الشاملة) تحت عنوان (البكاء) : «ويعتبر البعض أنه يقوي عضلات الرئتين إذا ما تراوحت مدته بين 15 ـ 20 دقيقة» (2).

(1) موسوعة صحة العائلة: ص 275.
(2) ج 12 ، ص 30.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 105

وما زال البعض يتصور أن البكاء محصور بحاجة معينة من لوازم الطفل، ولم يتوجه إلى هذه المعارف التي تفرد بها الشيعة على سائر الأمم، لذلك تجدهم يقولون: يجب إسكات الطفل فما بكاؤه إلا من شيء ألم به.
فالكل يلاحظ وجود ظاهرة غريبة في الطفل أو لحضورة عنده. عن المفضل بن عمر قال: سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن الطفل يضحك من غير عجيب ويبكي من غير ألم؟ فقال: «يا مفضل ما من طفل إلا وهو يرى الإمام ويناجيه؛ فبكاؤه لغيبة الإمام عنه، وضحكه إذا أقبل إليه حتى إذا أطلق لسانه أغلق ذلك الباب عنه وضرب على قلبه بالنسيان». (1)
يقول صاحب البحار تعليقاً على هذه الرواية: يحتمل أن يكون المراد برؤية الإمام مناجاته توجهه وشمول شفاعته ولطفه ودعائه له، فإنه لهم تصرفاً في العوالم يقصر العقل عن إدراكه.
أقول : ولا شك أن هذه العناية سواء كانت بالرؤية المباشرة « فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» (2) أو كانت بالعناية الإلهية من اللطف أو شموله بالدعاء إلى غير ذلك تكون إذا كان الطفل في محيط إيماني، أو على أقل تقدير خلو المكان الذي فيه الطفل عن المعاصي، وغضب الرحمن، وكلما كان لطف الإمام بهذا الطفل أكثر كان حظه من التوفيق أوفر، وهو مسلوب الإرادة قصير القدر فيعود الأمر إلى الوالدين بأن يهيئا جواً ومكاناً تنزل فيه الرحمات أن طبتم وطابت الأرض التي أنتم فيها.

(1) البحار : ج 60 ، ص 281.
(2) ق : 22.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 106

وقد ثبت علمياً أنه لحالة الأم أثر في بكاء الطفل زيادة ونقصاً، ولذلك يلاحظ أن الولد البكر يكون بدرجة أكبر من البكاء بين إخوته وأخواته؛ وذلك لأن الأم تكون غير مجربة لتربية الأطفال فتقلق ولقلقها يبكي وليدها. بخلاف إذا كانت هادئة الأعصاب مرتاحة المزاج، فإنه يهدأ. « وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً».
نعم ، إن البكاء ـ كما قلنا ـ حالة إيجابية، أما إن أخذت منحى آخر يجب أن يلاحظ الطفل ويسعى لكشف سر بكائه ورفعه، وقد تتحدث الأم عن سر بكاء ولدها فلا تعرف للبكاء سراً عندها فتلتجىء إلى الله وتطلب منه أن يسكت ابنها ويرتاح، ولذلك روي عن أميرالمؤمنين أنه إذا كثر بكاء الطفل ولمن يفزع بالليل وللمرأة إذا سهرت من وجع حرارة الأنين أن تقرأ « فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا * ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً» (1).

(1) الكهف: 11 ـ 12.

السابق السابق الفهرس التالي التالي