الأسرة ومتطلبات الأطفال 597


الفصل الثالث


متطلبات المعلولين

المقدمة


يجب ان نطلق كلمة المعلول على الطفل الذي يعاني نقصاً أو عيباً في بنيته البدنية أو يمتلك عضواً زائداً في بدنه يحول دون اداء أعماله او سلوكه في الحياة بصورة طبيعية.
وقد يبدو بعضهم في ظاهر الحال بأن اعضاء بدنه كاملة ولا يوجد لديه أي نقص الا ان احد اعضاءه لا يؤدي وظائفه كما ينبغي وبالنتيجة يعجز الطفل عن اداء نشاطه الاعتيادي كيفية الاطفال.
والعوق لدى الاطفال يتسم بصور مختلفة، اذ من الممكن ان يكون كلياً أو جزئياً. ويتجلى بشكل صمم، أو عمى، وعمى الالوان وشلل الدماغ، والصدمة الدماغية، الكساح والاضطراب في النطق، والشلل العضوي و... اذ ان لكل منها درجات ومقاييس

الأسرة ومتطلبات الأطفال 598

معينة وبشكل عام فانها تؤثر سلباً على السلوك.
وعدد هؤلاء ليس قليلاً في المجتمع البشري، وبشكل عام فان طفلاً من كل عشرة اطفال يعاني من النقص بشكل أو آخر أو وفقاً للاحصاءات الموجودة على مستوى العالم فان فرداً من كل 18 فرداً يعاني من مرض مزمن، او نقص بدني دائمي. فضلاً عن وجود نفس النسبة من المرضى ولكن دون ان يعانوا من نقص عضوي.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 599


فيما يتعلق بأسباب النقص:


من المعروف ان الطفل المعاق عندما يضع اقدامه على اعتاب عالم الوجود في احدى البيوت فأن أول من يصدم به ويصاب بالدوار والدهشة هما أبواه. وتشغل بالهم لوحة مظلمة حالكة السواد شديدة الوطئة عن مستقبل الطفل وكيف يتصرفون مع هذا الطفل وبهذا الوضع الذي هو عليه، وكيف يربونه ويجعلون منه فرداً ناضجاً صالحاً. حتى ان بعضهم يمتنع عن القبول بهذا الطفل.
بعض الازواج يذهبون الى البحث عن جذور وأسباب هذه العيوب والنواقص ويتهمون بعضهم البعض على ان احدهم هو السبب في هذا النقص وهذا الامر بحد ذاته يصبح سبباً للكثير من القيل والقال والمنازعات والمشاجرات فيما بينهم. واحياناً يتجهون نحو البحث في اصلابهم السابقة لكي يتوصلوا الى معرفة السبب في هذا النقص واياً من اجدادهم كان يتصف بمثل هذا النقص لكي يقوم باتهام زوجه بالسبب.
والملاحظة الجديرة بالذكر هنا ان هذه القضية لا يمكن ان تحل بالنزاع والمشاجرة وليس من الضروري ان تتهموا بعضكم بالتقصير، إذ ان العلم الحديث لم يكشف بعد النقاب عن السر في هذه المسألة وبصراحة لا يمكن الادعاء بوجهة نظر معينة في هذا المجال.
نعم، لو كان الأب أو الام مدمن على الكحول أو يعاني من حالة كهذه يمكن ان نلصق به هذا النقص لحدود معينة، إلا ان المسببات المجهولة في هذا المجال كثيرة ومنها مسألة الجينات، والعوامل الوراثية، وعوامل اخرى ليست من اختياركم.
ومن الضروري فعلاً ان تجلسوا وتفكروا بشكل متعلق لتتوصلوا الى ما

الأسرة ومتطلبات الأطفال 600

ينبغي القيام به بشأن هذا الطفل وكيف تعزمون على ذلك، إذ ان النزعات والمشاجرات تغير المسألة من سيء الى أسوأ. ولا يستلزم مطلقاً ان تشعروا بالخجل أو الذنب ولا تعتبروا انفسكم وحيدون في هذا الأمر أيضاً، حيث ان هناك آلاف العوائل على وجه المعمورة يملكون اطفالاً معاقين ولديهم نقص أو عاهة بشكل أو آخر ويحاولون بطرق متعددة أن يقبلوا بالوضع الموجود ويقومون بإداء مهامهم ومسؤولياتهم الجديدة تجاههم.
التعرف على مشاعرهم ومشاكلهم:


والواجب الآن يحتم علينا ان نتعرف على هؤلاء الاطفال، ونحدد درجة عوقهم ونقصهم ونحاول التوصل الى وضع حل لمشاكلهم. ويجدر بنا ان نذكر هذه الملاحظة اولاً، وهي ان الطفل نفسه لا يدرك في بداية حياته مغزى هذا النقص الموجود لديه ولا يشعر بالتشاؤم أو أي شعور بالنقص تجاه ذلك اطلاقاً. بل انه وبسبب مواقفكم الخاصة ومواقف المحيطين به، يصبح حساساً تجاه الوضع الذي هو فيه أو يتملكه شعور بالتعاسة.
ومهما كان سبب العوق فانه يعني الوحدة دائماً إلا أنه بامكانكم كآباء وامهات ازالة هذا الشعور والقضاء عليه وان تدخلونهم الى ميدان الحياة الاجتماعية كأفراد طبيعيين. كما بامكانكم ومن خلال مواقفكم السليمة والمدروسة اخراج هؤلاء الاطفال من مشاعر العجز وعدم الصلاحية التي يشعرون بها تجاه أنفسهم.
ان المشكلة التي يعانون منها في حياتهم هو افتقادهم القدرة على الانسجام والتطابق مع المجتمع بسبب النقص البدني الذي يعانون منه، حيث انهم بحاجة الى من يساعدهم في ارتداء الملابس، والأكل، والذهاب

الأسرة ومتطلبات الأطفال 601

والاياب، ودفع الغائط والنظافة والاستحمام وغيرها، وبسبب عدم امتلاك البعض منهم لنوع من المهارة الحركية مما يؤدي الى تحديد نشاطهم فانهم يشعرون بانكسار نفسي حاد ومن هذا المنطق من الضروري مساعدتهم في هذا المجال ليتمكنوا من تعويض هذا النقص.
حالتهم وسلوكياتهم:


في بداية حياتهم يمتلكون وضعاً طبيعياً. وتبدأ مشكلتهم منذ أن يتوجب عليهم الانسجام والتطابق مع المحيط. خاصة وان ردود الفعل الغير مناسبة للآخرين تجاه هؤلاء الاطفال، ووجود المحيط المحدود والضيق، وقلة دخولهم وزجهم في المجتمع، وعدم قدرتهم على تأمين متطلباتهم بشكل مستقل و... كلها تساعد على عدم اتزان سلوكهم.
وبسبب ما ذكر اعلاه فان الكثير من الاطفال يصبحون ذوي مزاج عصبي أو يبدو عليهم اليأس ويسحبون انفسهم خارج حلبة الحياة ويتسمون بالانزواء. ان قدرتهم المحدودة تدفعهم الى التوقع وهذا التوقع يدفهم في موارد كثيرة إلى الطلب، والذي يؤدي بحد ذاته الى ايجاد المشاكل لهم.
كما ان الاهتمام المفرط بطلباتهم قد يؤدي بهم أحياناً الى الدلال والتملق او الكسل والبطالة، والذي يعد بحد ذاته مشكلة اخرى في هذا السياق. كما ان الاهانات، والمؤاخذات، والطعن تتسبب عادة في اضافة الآم اخرى على الآمه وتجعل الطفل اكثر اضطراباً. وفي حالة استمرار هذا الوضع بهذه الوتيرة ولم نبادر الى اغاثتهم ونجدتهم من الممكن ان يفقدوا ثقتهم واعتزازهم فيما بعد بانفسهم تدريجياً والذي يشكل بحد ذاته خطراً جدياً عليهم.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 602


احتياجات الاطفال المعاقين:


ان احتياجاتهم من جهة تشبه احتياجات غيرهم من الاطفال الطبيعيين في الابعاد الاساسية للحياة ويجب طبعاً ان نهتم بها ونأخذها بعين الاعتبار. ومن جهة اخرى لهم احتياجاتهم الخاصة بهم دون سواهم والتي سنتناولها بعد قليل في الوضع التالي. وما يمكن الاشارة إليه هنا كامور عامة عبارة عن:
الحاجة الى معرفة انفسهم وعالمهم، نقاط القوة والضعف، الموقف الذي ينبغي لهم اتخاذه في المستقبل، الحاجة الى اعالة ورقابة اوليائهم لتربيتهم تربية صالحة، الحاجة الى اكتساب القوة والمهارة للوصول الى مرحلة الاستقلال، الحاجة الى راحة الفكر والذهن من التصرفات المهنية، والطعن والمؤاخذات، الحاجة الى دروس تعليمية خاصة لغرض التطابق الافضل والانسب مع محيط الحياة الطبيعي والاجتماعي، الحاجة الى الكتب والمقالات الخاصة والملائمة لخصائهم، الحاجة الى امتلاك الامكانيات والتسهيلات التي تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم ويحتلون موقعهم المناسب في المجتمع.
هذه الاحتياجات وغيرها التي سنتناولها بالبحث والدراسة يجب ان يصار الى تأمينها بنحو مطلوب. ويتعلق هذا الأمر بحقوقهم التي تجعل الوالدين مذنبين امامهم.
انهم افراد أحياء ويملكون حق الحياة واداء حقوقهم، وهم بحاجة الى الوعي والاهتمام المستمر، ومن الطبيعي ان يتسبب ايمان والديهم واعتقادهم بحملهم على اداء هذه المسؤوليات بأحسن وجه.

احتياجاتهم العاطفية:


وعلى أي حال فانهم ابنائنا وجزء من كياننا ووجودنا، وبالقدر الذي

الأسرة ومتطلبات الأطفال 603

نكن فيه العطف والمحبة بشأن بقية الاطفال يجب ان نراعي ذلك ايضاً تجاه هؤلاء وطبعاً بدقة اكثر ولطافة أجمل. وسوف نشير في بحثنا هذا الى عدة موارد الاحتياجات وبشكل مختصر:

1 ـ القبول :


ومرد التطرق الى هذا الموضوع ان بعض الأولياء عندما يواجهون الحقيقة الاستثنائية للطفل فانهم يبقون لمدة طويلة يتحفظون من الاقرار بهذه الحقيقة وغير مستعدين للقبول بهم. في حين لو نظرنا الى الطفل على انه وديعة الله تعالى بكل صفاته وخصائصه فأن المسألة ستكون محلولة بالنسبة لنا.
ويجب القبول بالطفل وهذا الاقرار بالحق لا يحتمل تساؤلا. ان عدم القبول الكامل بالطفل يعتبر عاملاً يهدد استقراره ومضاعفة وخامة حالة الطفل ويفهم الطفل عدم قبولكم به ويجد في ذلك مانعاً يحول دون آماله واهدافه.
2 ـ الحماية الخاصة:


انهم بحاجة الى حماية خاصة، وتختلف هذه الحماية باختلاف نوع النقص والعيوب لديهم. ولكنها بشكل عام اكثر من حاجة الافراد العاديين اليها بعدة مرات. واحدى ابعاد هذه الحماية تختص بالمحافظة عليهم من خطر التوبيخ والاهانة والطعن. إذ يجب على آبائهم ان لا يسمحوا لأي فرد بأن يعيرهم بعيوبهم ولا يؤاخذهم أو يوبخهم.
3 ـ المحبة وليس العطف:


انهم بحاجة الى المحبة وليس العطف والترحم، إذ يجب على آبائهم ومربيهم ان يحبوهم وان تكون محبتهم هذه بسبب كونهم ابناءً لهم، وليس من منطلق كونهم ضعفاء ومعاقين. ويجب ان تسود بينهم وشائج المحبة وليس

الأسرة ومتطلبات الأطفال 604

الترحم، طبعاً الآباء يودون ان يكونوا حريصون عليهم في نفس الوقت الذي يشملون ابنائهم بالمحبة والحنان إلا انهم يحاولون اخفاء مشاعرهم هذه عن انظار الطفل وادراكه.
4 ـ المراقبة الخاصة:


الطفل حساس تجاه وضعه وحالته ومن الممكن مثلاً ان يكون بحاجة الى الدفع إلا أنه يستحي ان يفصح عن ذلك لابويه ويخلق متاعب اضافية. ولهذا السبب يجب ان ينتبه الاولياء والمربون الى أطفالهم دائماً، ويضعوا احتياجاتهم نصب أعينهم، ويلاحظوا طبيعة احتياجاتهم وفي أي الاوقات يحتاجون لها لكي لا يستحوذ على الطفل شعور بالحياء والخجل.
5 ـ المداراة والتحمل:


المداراة مهمة بشأن رعاية هؤلاء الاطفال وحمايتهم. ولابد من تحمل مشاكلهم ومعاناتهم. ان عدم تحمل الابناء فضلاً عما هم عليه من وضع صعب وطبيعة روحيتهم المتعبة من الممكن ان يقود حالتهم من سيء الى اسوأ ويعرض هدوئهم الى الاضطراب والقلق. وقد لوحظ ان هذه الحالة أدت ببعض الاطفال الاذكياء الذين يعانون من حالات عوق معينة الى حافة الموت.

مسؤولية الوالدين في مسألة التربية:


للابوين مسؤوليات معينة تجاه اطفالهم اكثر من غيرهم وجزء منها يجب ان ترتبط بمسألة تربية هذه المجموعة من الاطفال. وعدم الشعور بالمسؤولية تجاههم يصبح السبب في ان يعرض هؤلاء بالبطالة والاستجداء ويضطرون للاعتماد على الآخرين طيلة حياتهم.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 605


ويجب ان يتم الشروع بتربية هؤلاء باسرع ما يمكن وبأفضل وجه، لأن الدراسات أوضحت بأنه كلما سارعنا الى تربيتهم واصلاحهم بشكل مبكر فانهم سينعمون فيما بعد بمزيد من الراحة والاستقرار والامن. كما تنطوي هذه الجهود على فائدة اخرى للطفل، وهي امتلاكه الاستعداد الكامل لمواجهة المشاكل والمعضلات اكثر من شعوره بالالم والمؤاخذة.
وينبغي لهولاء ان يدركوا مدى تأثير هذه النواقص على الاطفال ويعملوا على تقليل آثار هذه النواقض الى ادنى حد ممكن. وان التهاون في هذا المجال يؤخر نجاحهم وتحسن احوالهم، ويتوجب على الأبوين في تلك الحالة ان ينهمكوا ولسنين طويلة بشؤون الطفل والاهتمام به.
البرامج الخاصة:


ولكي يفلح الاطفال في التغلب على مشاكلهم الخاصة فهم بحاجة الى وضع برامج خاصة بشأنهم. وهناك تدريبات وتمرينات مختلفة بشأنهم يمكن العمل بها واخذها بعين الاعتبار، إذ ان نوعية دروسهم، والعابهم ونشاطاتهم وسيرهم، ومشاركتهم في الامور الاجتماعية تختلف تماماً مع الآخرين ولابد للآباء والمربين من معرفة هذه البرامج.
ان علائم الاتفاق فيما بين أولئك الاطفال ومربيهم تعد بحد ذاتها من اهم وسائل التفاهم والتفهيم وجعلهم اجتماعيين وهذا العمل طبعاً يعد عملاً اختصاصياً وجدير بتطبيقه على المستوى الدولي. كما أن الامكانيات التي يملكونها القضاء اوقات فراغهم جديرة هي الاخرى لأية برامج مدروسة.
والهدف الاساسي من هذه البرامج هو تطبيعهم مع الحياة الاجتماعية

الأسرة ومتطلبات الأطفال 606

بحيث يصبح بامكانهم الاعتماد على انفسهم ولا يرتبطون كثيراً بغيرهم لمواصلة الحياة. كما تهدف هذه البرامج أيضاً الى خلق الاجواء المناسبة لتذليل مسألة العوق والحؤول دون انتشار واتساع أبعادها.
وتجدر الاشارة طبعاً الى ضرورة ايجاد هذه الحال في المجتمع بأن يعتقد الناس بحقوق معينة لهؤلاء المعاقين ويعاملونهم كأعضاء من هذا المجتمع ويقدمون لهم العون على طريق تطوير هذه البرامج. ويرشدون آبائهم ويمدون لهم يد العون أيضاً وهذا العمل ينظر إليه في التعبيرات الاسلامية كما ينظر للاحسان والصدقة.

اسلوب التعامل مع هؤلاء الاطفال:


ومن المسائل المهمة الاخرى نمط التعامل معهم. وابتداءً نجد من الضرورة تنبيه الآباء والمربين وبقية افراد المجتمع أيضاً للملاحظة التالية، فالعيوب والنواقص لا تعد من المسائل التي يمكن ان تنتقل الى الآخرين وتسري إليهم.
ومن هذا المنطلق يجب ان لا يتخوفوا من معاشرة المعاق والتعامل معه، بل ينبغي التردد عليهم ومحاورتهم والاستماع اليهم. ويدعونهم الى موائجهم وان يعاملوهم كأي فرد آخر. فضلاً عن اقرارهم بان لهم ميزة عن غيرهم.
ان التعامل مع المعاق من ألطف الامور. ويجب ان نكون حذرين بشكل أكل وعلى سبيل المثال لدينا رواية عن رسول الله صلى الله عليى وآله وسلم انه قال: (لا تطيلوا النظر الى ذوي العاهات)، أو لا ينبغي اشعارهم بالخجل بسبب

الأسرة ومتطلبات الأطفال 607

اطالة النظر اليهم.
كما ان الترحم المفرط، والتأوه والتألم عليهم عند رؤيتهم له آثار نفسية سلبية عليهم ويضاعف من حدة آلامهم ومعاناتهم. ويجب ان يعملوا ما بوسعهم لكي لا يشعروا بالضجر تجاههم أو لا يرون في حضورهم معهم سبباً للحط من مكانتهم.
كما يجب ان لا ننسى بأن نتوقع من المريض بمقدار ما تسمح به حالته وان نقيم مع العلاقات وحتك به بما يليق به ويناسبه.
بعث الروحية والامل لديهم:


من الممكن ان يفقد هؤلاء معنوياتهم بسبب نوع التصرفات الموهنة أو ملاحظة حالات الترحم المفرطة بشأنهم. والعمل على اعادة بناء روحيتهم في هذه الحالة يعد ركناً اساسياً ينبغي الاهتمام به. ويمكن تحقيق هذا الأمر بثلاثة طرق:
1 ـ عن طريق التوديهات والنصائح المتوالية بأن النقص الذي تعاني منه ليس سديداً وهناك الكثير من الافراد الذين يعانون من هذه الحالة إلا انهم موفقون في الامر الفلاني أيضاً.
وبعبارة اخرى يجب ان نسعى الى ان نصور له مسألة النقص والعوق على انها مسألة بسيطة وليست ذات أهمية تذكر.
2 ـ عن طريق طبيعة تصرفاتنا وتعاملنا معه، إذ يجب ان يكون طبيعياً جداً وبعيداً عن أي اثر يدل على الترحم والحرص الناجم عن الشعور بالضعف والنقص. وتجدر الاشرة الى ان التعامل الطبيعي والعادي هو القادر على

الأسرة ومتطلبات الأطفال 608

حملهم للقبول بالنقص الموجود فيهم وان يستخدموا قابلياتهم الاخرى للتعويض عن ذلك.
3 ـ السعي لمعالجتهم واصلاح نقائصهم ورفع العيوب بصورة مستمرة لكي يشعر بأنكم تفكرون باصلاحه وتطمحون الى معالجته. ومن الضروري طبعاً في هذا السياق ان نقوم ببعض البرامج الهادفة إذ ان هذا الامر له بالغ الاثر في تهدئته وتسليته دون شك.
وعلى أي حال فان قدرة الطفل في الاعتماد على نفسه ويصبح بامكانه الاستفادة من قدراته الفردية يعد امراً في غاية الاهمية إلا ان هذا الامر يتوقف على وضعه الروحي، إذ يجب ان يتحلى بروحية عالية ويكون على درجة عالية من الفرح والسرور. وفي هذه الحالة فانه سيغير سلوكه ومواقفه تلقائياً وعليكم الاقدام على هذا العمل منذ طفولته المبكرة.
قابليتهم على الاشتغال:


مهما كان الطفل يعاني من النقص والعوق والعجز إلا ان بامكانه اكتساب المهارة اللازمة لانجاز بعض الاعمال. وتجدر الاشارة الى ان لدى هؤلاء الافراد اعمالاً نموذجية وقابليات جديرة بالثناء عليها يفتقر لها غيرهم من الاطفال. حيث من الممكن ان يكون ناقصاً بدنياً إلا أنه نفسياً وذهنياً يعد في عداد النوابغ. والمراد بذلك ان النقص العضوي لا يعني دائماً النقص في المستوى الذهني. ولو توفرت لهم الظروف المساعدة في المدرسة فانهم سيفصحون عن نبوغهم بشكل كامل.
وبناء على هذا الاساس من الضروري ان نراقبهم ونرعاهم ليتمكنوا من

الأسرة ومتطلبات الأطفال 609

اكتساب الخبرة الفنية والمهارة اللازمة ليصلوا الى مرحلة الاستقلال الاقتصادي. ولا شك في أن قدرتهم على التعليم المهني بمستوى الامور التي لهم الاستعداد والقابلية على ادائها. ويجب ان يشرع بهذه المسألة منذ مرحلة الطفولة لكي يمتلكوا في السنين اللاحقة امكانيات وقابليات معينة.
الضروريات والممنوعات:


من الضروري الاهتمام ببعض الامور بشأن المعاقين من جهة ومن جهة اخرى لابد من اجتناب بعض الامور السلبية لكي تتوفر الارضية الصالحة لاصلاحهم وليس مضاعفة الاضرار والمخاطر واتساع ابعادها. وهذه الضروريات والممنوعات واسعة الابعاد وبعضها كما يلي:
1 ـ كما ذكرنا سابقاً ان تحبوهم دون ان تسترحموهم أو تعبرون عن أسفكم وحزنكم عند رؤيتهم، إذ ان هذا الامر يؤدي بهم من سيء الى أسوأ. وما عليكم إلا أن تؤدوا تكليفكم الحقوقي تجاههم، ولا شأن لكم بشؤونهم.
2 ـ احذروا اهانتهم وتحقيرهم وتعبيرهم بعيونهم. ولو حكمت الضرورة بمعاقبتهم يوماً ما، فلا توقعوا على العضو المعاق فيهم حيث يؤدي ذلك الى تهديد أمنهم ومشاعرهم للخطر. حتى من الممكن ان يضطروا الى الهجوم والتعرض احياناً.
3 ـ امتنعوا عن اللامبالاة بمصيرهم، فان اعظم امتياز لهم هو مودة الابوين ومحبتهم لهم. ونحن نعلم بأن وجودهم احياناً يصيب حياتكم بالشلل ولكن ما هي مسؤوليتنا تجاههم سوى المحبة والحماية.
4 ـ اجتنبوا الاعراب عن مللكم تجاه الاطفال المعاقين لان بعضهم

الأسرة ومتطلبات الأطفال 610

وخاصة الاطفال الذين يتمتعون بمستوى افضل من الذكاء عندما يشاهدون هذا المنظر ويلاحظون ان أبويهم يتحملون المتاعب بسببهم يشعرون باليأس من الحياة.
كنت اعرف شاباً مشلولاً يقول أحياناً أتمنى الموت لكي يتخلص أبواي مني ومن مشاكلي، وطبعاً كان شاباً حاد الذكاء ومتعبداً و... وقد مات في نهاية الأمر.
5 ـ اجتنبوا ايداع الاطفال في دور الحضانة والمراكز الخاصة إلى في حالة وصول السكين الى العظم كما يقال. ذلك ان افضل الخدمات تتيسر في البيت فقط ولا يوجد من يملأ مكان الأب أو الام في دور الحضانة ومن الممكن ان يتحول وضعه من سيء الى اسوأ.
6 ـ احذروا لئلا يسيء استغلال نقصه البدني ووضعه الذي هو فيه، وان لا يسخر ذلك كذريعة للوصول الى تحقيق بعض مآربه أو ان يتملص من واجباته.

* * *



الأسرة ومتطلبات الأطفال 611


الفصل الرابع



متطلبات المتخلفين عقلياً

المقدمة


المتخلفون عقلياً هم أولئك الذين تبلغ درجة ذكائهم نسبة 60% ـ 75% وفقاً لمقياس استانفورد الخاص لقياس مستوى الذكاء، وكما يلاحظ من هذه النسبة فان مستوى ذكائهم متدني جداً. انهم يتسمون بقدرات ذهنية محدودة للغاية ويفهمون مسائل الحياة العادية بصعوبة بالغة ويتطورون ببطيء شديد.
وان بعضهم يعاني من اختلالات نفسية أيضاً بسبب صعوبات الولادة والالتهابات الناجمة عن ذلك أو تعرضهم للاصابة بالصدمات الدماغية والذي يشكل بحد ذاته مشكلة اخرى لهم. انهم بحاجة عادة الى اهتمام خاص بهم. وتعليمهم أمر عسير للغاية. ويلحقون الاذى بانفسهم قبل ايذائهم الآخرين في المجتمع.
ان ضعف ذهنيتهم وفهمهم هي بدرجة متدنية بحيث لو درسوا

الأسرة ومتطلبات الأطفال 612

عدة سنوات في المدرسة لا يجدون في أنفسهم القابلية على مواصلة دراستهم لمستوى نهاية المرحلة المتوسطة. وفي الصفوف الابتدائية لا ينجحون من صف الى آخر إلا بعد مضي سنتين اوثلاث سنين وبدرجات متدنية جداً وبمستوى ضعيف جداً.
وعددهم ليس قليلاً في العالم. وتصل نسبتهم في الكثير من مناطق العالم الى حوالي 5/2 ـ 3% ولو اخذنا هذه النسبة المئوية بنظر الاعتبار على مستوى العالم لوجدنا انها تصل الى رقم يتجاوز عدة عشرات الملايين من الافراد، وبناء على هذا الاساس فانهم يمثلون طاقات كبيرة جديرة بالعناية والاهتمام.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 613


عالمهم:


ان عالم المتخلفين عقلياً ليس عالماً سيئاً. انه يعيش في حالة بعيدة الهموم، واللامبالاة، وعدم الشعور بالاحداث والوقائع التي تدور حولهم، إذ ان الغم والاضطراب الناجمين عن التخلف العقلي والسقوط لا ينطوي على معنى هام بالنسبة لهم ولا يساورهم القلق والاضطراب بشان بطئهم في الفهم والتطور.
حتى اهم على الاغلب لا يعرفون شيئاً عن وضعهم أيضاً وهم مرتاحون من هذا الجانب أيضاً. والعقوبة والتوبيخ بالنسبة لهم كالتشجيع والثناء لا يؤثران فيهم إلا قليلاً. ولو تعرضوا للابتلاء ببلية أو مصيبة فلا يتألمون إلا قليلاً ولو تخلفوا عن اقراهم في الدراسة والمناقشة فلا يشكل ذلك شيئاً لهم.
وبناء على هذا الاساس فان عالمهم يختلف عن عالم الافراد العاديين. وهم راضون عما موجود بين أيديهم. وان كانت لاحدهم مشكلة معينة يعاني منها فانما هي متعلقة بالمحيطين به بأن كيف يقوم بتطبيع علاقاته معه وكيف يقوم بايجاد موجبات التطبيع مع العالم الجديد لان الطريق الى التطبيع معهم أصعب من غيرهم بعدة أضعاف.

حالاتهم وسلوكياتهم:


الحالات التي يتسمون بها هي حالات ناجمة عن الجهل، والسلوك الذي يتحلون به هو سلوك هاديء ولكن من الممكن ان يكون مؤذياً في نفس الوقت أيضاً وهذا الايذاء لا يعود الى قصدهم ونيتهم بهذا الشأن، بل أنهم وبسب جهلهم يقومون بعمل معين تجاه الآخرين يؤدي بنا الى ان نحكم عليهم بأنهم يقومون بأعمال مؤذية ويلحقون الضرر والاذى بالآخرين.
نعم، من الممكن ان يكون سلوك الذين يعانون من اختلالات نفسية

الأسرة ومتطلبات الأطفال 614

سلوكاً غير عادي، إذ انه في هذه الحالة يشكل هذا السلوك نقصاً لديهم.
وللمتخلفين عقلياً الكثير من الحركات والسلوكيات الطائشة والغير مبررة حسب رأينا. فمن الممكن مثلاً ان يدور حول نفسه، وينشغل باللعب والدعى ويستأنس بها بشكل عجيب وغريب، وطريقة العابهم وحركاته مدهشة. واغلب العابهم ذات طابع فردي تقتصر عليهم وفي اطار عالمهم الخاص. ويتهربون كثيراً من الجماعة والحياة الجمعية ويبدو عليهم وكأنهم لا يرغبون بالتآلف مع الجمع والمجتمع. كما ان السكون والهدوء، والانبهات، والاندهاش، والتحملق والنظر الثابت تعد من الحالات التي تلاحظ عليهم كثيراً لدرجة قد يحكم عليهم من لا يعرفهم بأنهم افراد مؤدبون هادئون.
حقوق الطفل واستعداد الابوين:


انه لخطأ عظيم ان يشعر بعض الآباء بالحياء من امتلاكهم لهؤلاء الاطفال أو ان يعمدون الى اخفائهم أو يشعرون بالتقصير تجاههم وينظرون الى انفسهم وكأنهم مذنبون. وبناء على هذا النوع من التفكير يطردون أبنائهم عن انفسهم أو يرسلونهم الى بيت هذا الشخص أو ذاك أو الى دور الحضانة والنقاهة.
وقبل كل شيء يجب الانتباه الى هذه الملاحظة وهي ان هؤلاء الاطفال كغيرهم ودائع الله وأماناته وآبائهم هم المؤتمنون عليهم. وعدم الاهتمام بهذه الامانات نوع من الخروج على الله تعالى ومخالفته. ان ابراز عدم الحرص والتنفر والاشمئزاز والبغض تجاه هؤلاء الاطفال يعد ظلماً صارخاً بحقهم ذلك ان الطفل ليس مقصراً في هذا المجال.
ولهؤلاء الاطفال حقوق معينة كغيرهم من الاطفال واحترامهم واجب دينياً وتربوياً وانسانياً. ويجب على الآباء اعداد أنفسهم لقبولهم وتحمل مصاعب تربيتهم. إذ ان عدم قبولهم أو الشعور بالاضطراب والتطير من رعايتهم

الأسرة ومتطلبات الأطفال 615

والاحتفاظ بهم ليس فقط لا يمثل حلاً للمشكلة، بل انه يزيد من حدة مشاكلكم ويضاعفها. انهم بحاجة الى رعايتكم وحمايتكم لهم اكثر من غيرهم ومن الضروري لكم القبول بهم كما هم عليه وتوفروا لهم الحماية اللازمة.

ضرورة التربية وصعوباتها:


ان مسألة تربيتهم تعد مسألة ضرورية بناء على حاجتهم للحياة الفردية والاجتماعية خاصة وان بامكان الكثير منهم ان يتمتعوا في ظل التربية السليمة بوضع أفضل بل وحتى بامكان البعض منهم معالجة ما يعانون منه. خاصة اذا شملناهم برعايتنا واهتمامنا منذ السنين الاولى للعمر. ان القاء حبلهم على غاربهم، يؤدي الى المزيد من عدم جدارتهم ويصبح السبب في مضاعفة تبعيتهم للآخرين وزيادة حدة مشاكلهم. لذا يجب الاهتمام بأمر تربيتهم قدر المستطاع لكي يصبح بامكانهم الاعتماد على أنفسهم وينظمون حياتهم نسبياً ويطبعون انفسهم مع حالتهم.
ويعاني اولياء الاطفال طبعاً من مشاكل كثيرة فيما يتعلق بأمر تربيتهم، إذ ان رعاية احد المتخلفين عقلياً ومتابعته لا يعد عملاً بسيطاً. ولكن ما الحيلة. انها المحافظة على امانة الله واداء الواجب. وانه لمن صلب التزامنا الانساني والابوي ان نرعى هؤلاء الاطفال ونهيىء لهم اسباب الحياة قدر المستطاع. ولا تقتصر الصعوبات على ماذكرناه، فمن المسلم به ان الاولياء يعانون من مشاكل اخرى كثيرة تتعلق بأمر تربيتهم وتوجيههم ولابد من تحملها والقبول بها.
الحاجة الى برنامج خاص:


بشكل المتخلفون عقلياً شريحة خاصة في الحياة الاجتماعية. ومن الطبيعي ان يكون لهم برنامج خاص واستثنائي بشأن تربيتهم. ويصار الى

الأسرة ومتطلبات الأطفال 616

وضع البرامج التربوية والتعليمية لهم بما يتناسب وحاجاتهم وقدراتهم وامكانياتهم. والاساس في ذلك ان نأخذ بنظر الاعتبار الجوانب المتعلقة بنموهم الذهني، والفكري وما يتعلق بها من جهة وان نفكر بمستقبلهم من جهة اخرى.
وعلينا ان نعمل على بنائهم وتربيتهم بشكل يمتلكون معه القدرة على تطبيع انفسهم مع المجتمع. وطبعاً الخدمات التي تؤخذ بنظر الاعتبار بشأنهم تختلف باختلاف السن ودرجة تخلفهم العقلي بشكل كامل. إذ يؤخذ بنظر الاعتبار برنامج معين لكل مجموعة منهم يمكن من خلاله ان يصار الى نقل الطفل من المرحلة التي هو عليها الى مرحلة اعلى مع مراعاة مستوى فهمهم واستعدادهم.
ويرافق هذا التخطيط عادة توضيح اساليب وفنون التعليم. إذ ان تعلم المسائل والفنون المعقدة للاستدلال، والفصل، والمنطق من قبل هؤلاء الاطفال غير ممكن اطلاقاً. الشيء المهم لهؤلاء اختيار النماذج والاستفادة من التكنولوجيا، والمشاهدة، والاستماع، وللمس.
ان عالم التكنولوجيا عالم مفيد يمكنه الاسراع في تعليمهم واغنائه اكثر فأكثر. كما يمكن للقصص، والاشعار، والكتب المصورة، والمتون المكتوبة بخط واضح وبسيط ان تغني معلوماتهم وتقوي تعليمهم اكثر.
التعليم المهني:


من اهم البرامج التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار لهؤلاء الاطفال هو التعليم المهني. اذ باستطاعتنا ومن خلال اتباع برامج وخطط خاصة في هذا المجال ان نربي الاطفال بشكل لا يصبحون معه في المستقبل مجرد افراد مستهلكين بل يصبح بمقدورهم الاعتماد على انفسهم من خلال المحافظة على
الأسرة ومتطلبات الأطفال 617

استقلال الاقتصادي ويديرون حياتهم بشكل أو آخر.
وما اكثر التعليمات المهنية الخاصة المعدة لهذه المجموعة من الافراد والقابلة للعمل بها وتطبيقها في المعامل. فمن الممكن لهم تعلم الحرف والمهارات البسيطة مثل قطع الاخشاب. واستخدام المنشار، وقياس طول الاقمشة، والعمل في حدود الاعمال نصف الفنية.
مرنوا ايديهم وابصارهم وآذانهم منذ مرحلة الطفولة لكي تترسخ لديهم عادات معينة في نهاية مرحلة الطفولة ولا يشعرون بالسأم والارهاق جراء عملهم وتعاملهم مع ادوات العمل المختلفة. ويجب ان لا نؤكد على توجههم للاهتمام بالاعمال المعقدة والهامة والتي ليس لهم فيها حظ كبير. إذ من الصعب جداً عليهم ادراك مسألة العلة والمعلول وكيفية التعامل مع الازرار المتعددة ومن العسير عليهم جداً التنسيق بين استخدام العين والاذن والدماغ.
محيطهم التربوي:


يجب ان يكون محيطهم التربوي محيطاً بناءً ومفيداً. ويجب ان تفوح رائحة التعليم من كل حدب وصوب منه. وكلما تضاعف الاهتمام بمحيطهم التربوي فقد ازدادت فرصة نجاحهم في مسألة التعليم المهني تبعاً لذلك وكلما كانت نتيجة التعليم اكثر نفوذاً وتأثيراً فيهم.
وفيما يتعلق بشأن المكان الذي ينبغي جمعهم وتعليهم فيه؟ وهل يجب ان نشرع بتربيتهم في مكان منفصل وبين من هم على شاكلتهم أم مع الافراد العاديين؟
الاجوبة متفاوتة بهذا الشأن، إذ يقول البعض بوجوب تربيتهم في مكان منفصل، وطائفة اخرى تقول بضرورة تربيتهم مع الاطفال العاديين.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 618

ونرى عدم وجود الضرورة اللازمة لفصل صفوفهم الدراسية عن الآخرين إلا إذا كانت درجة تخلفهم العقلي حادة جداً، ويصبح حضور احدهم في صفوف الافراد العاديين ظلماً مرتكباً بحقه وبحق الآخرين. وبشكل عام فانهم بحاجة الى اجواء تؤمن متطلبات تكاملهم ورشدهم بأفضل ما يمكن. إذ يجب ان يمارسون حياتهم بين افراد المجتمع بشكل طبيعي وان لوحظ وجود نقص في عملهم ووضعهم العام أو لم يكن بمقدورهم مسايرة الآخرين في المضي قدماً نحو الامام فلا ينبغي توبيخهم ومؤاخذتهم على ذلك.
الاهتمامات اللازمة بشأنهم:


وفيما يتعلق بشأن هؤلاء الاطفال، ينبغي على الأولياء والمربين أن يأخذوا بنظر الاعتبارات متابعة مجموعة من الاهتمامات والامور، وسنشير الى موارد منها فيما يلي:
1 ـ في الصحة والتغذية:


من المحافظة على صحتهم وسلامتهم. حتى انهم غير قادرين على الاهتمام بمسألة تغذيتهم وما اكثر الذين يعانون الجوع ولا يجدون حلاً لمعضلتهم. وبشكل عام فانهم بحاجة الى الاهتمام بهم في هذه الامور ولابد من وجود من يتابع شؤونهم ويخدمهم دائماً.
2 ـ في اسلوب التعامل:


انه لمن الخطأ الفاحش ان يشعر بعض الآباء بالقلق من مواجهات الطفل المتخلف عقلياً. إذ يجب ان يتسم اسلوب التعامل مع هؤلاء الاطفال بشكل يشعر معه هؤلاء بالحماية والحنان وليس امام الاباء والمربين من سبيل في هذا

الأسرة ومتطلبات الأطفال 619

السياق سوى توسيع آفاق المحبة والحنان تجاه هؤلاء التعامل مع شؤونهم بوجه يطفح بالمحبة والمودة:
3 ـ في المحافظة على ارواحهم وسلامتهم:


انهم عرضة للعديد من الاخطار. اذ هناك احتمال كبير في سقوط احدهم من الشباك الى الارض داخل البيت، وان يكونوا عرضة للدهش والحوادث في الشارع، وتتعرض ارواحهم للخطر خلال لمس الكهرباء أو تداول الآلات الجارحة أو يضطرون الى الاشتباك في حادثة معينة ولايوجد من يدافع عنهم وغيرها، وكل هذه الامور محتملة الوقوع ويجب على الآباء الاهتمام بهم من هذا الجانب.
4 ـ في الاستماع الى كلامهم:


نعم، من الممكن ان لا تجد لهم كلاماً نافعاً ومفيداً ولكن يجب ان لا ننسى بانهم يستحقون الاحسان، ويريدون ان يفصحوا عما بداخلهم. ويتحدثون، ويعبرون عن انفسهم امام أبويهم ويبرزون وجودهم وكيانهم، ويقرأون لهم الشعر، وبعض الترنيمات و... ومن الضروري لنا ان نستمع الى هذه الامور ونقبلها منهم حفاظاً على سلامتهم وتربيتهم.
5 ـ احترام شخصيتهم:


من الممكن ان لا تستصحبونهم معكم في دعوات الضيافة حفظاً على ماء وجوهكم واعتباركم، وهذا تصور خاطيء. أو من الممكن ان لا تزجونهم في المجتمع اولا او لا تعيرون اهمية لهم. وهذا خطأ آخر أيضاً اذ يجب عليكم احترامهم لكي يرتقون بأنفسهم ويتخلصوا من الحدود التي يعيشون فيها. وعلينا مراعاة الحق والعدالة بشأنهم وبأنهم بشر مثلنا اذ ان شعورهم بالسعادة يكمن في هذا المجال.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 620


المحاذير:


من الضروري أيضاً ان يجتنب الآباء الكثير من السلوكيات والمواقف بشأن رشدهم وتربيتهم، لانها تشكل مخاطر محدقة بهم. ومن هذه الموارد:
1 ـ الجفاء وعدم المحبة:


يعاني الطفل المتخلف نقصاً وعيباً في عقله. ولا يمكن لهذا الامر ان يكون سبباً في ان تبخلوا عليهم بمحبتكم وحنانكم أو ان لا تعيروا أهمية لشخصيتهم. ان الجفاء وعدم المحبة وعدم الاعتناء بل وحتى عدم مراعاة اصول العدالة بحقهم سيكون السبب في استيلاء الكدورة والامتعاض عليهم.
2 ـ حالات اللوم والمؤاخذة:


من الممكن لهؤلاء الاطفال وكغيرهم من أقرانهم ان يرتكبوا خطأ معيناً. وفي هذه الحالة لا ينبغي ان نؤاخذهم بحدة، وخاصة في الامور التي تعرفون بانها ناجمة عن ضعفهم الذهني وعدم ادراكهم. واعلموا بأن لومكم اياهم لن يصلحهم بل على العكس من ذلك فانه يؤدي بهم من سيء الى أسوأ.
3 ـ العقوبة البدنية:


بسبب استحواذ الذهنية الجاهلية على تفكير بعض الآباء فانهم يقومون بضرب الاطفال المتخلفين. وقد يظنون بحلول الشيطان في أجسامهم ويريدون طرده من أبدانهم!! وهل يعقل زوال التخلف العقلي بالضرب؟ وماذا سنجيب الله تعالى أمام ظلامة هؤلاء الاطفال؟ أما نخشى الله تعالى؟
4 ـ التوقعات المفرطة:


توقعو من هؤلاء الاطفال الشيء الذي يليق بشأنهم، فلا يصح تكليفهم فوق طاقتهم وتوقع الشيء الذي يفوق قابليتهم وشأنهم. ويجب ان تبعدوا عن اذهانكم أي توقع بشن قدرتهم على ان يقوموا بالشيء الذي يقوم به غيرهم من

الأسرة ومتطلبات الأطفال 621

الاطفال في المضيء قدماً الى الامام او مسايرة أقرانهم في قدراتهم، فهذا التوقع ليس في محلة ابداً.
5 ـ اطلاق الالقاب القبيحة:


انه لأمر قبيح ان يخاطب بعض الآباء والامهات الطفل بالقاب قبيحة كالمجنون، والاحمق، والأبله، والغبي وغيرها لغرض تفريغ عقدهم وتحقير الطفل. والله اعلم مبلغ الجروح التي تحدثونها في قلب الطفل ونفسيتة وحجم تسببكم في تأخير واعاقة نموه رشده من خلال هذه الالقاب القبيحة التي تطلقونها عليه.
6 ـ الاهمال:


لا توجهوا حياته كيفما اتفق وتلقوا حبله على غاربه، ذلك ان هذا العمل يعد نوعاً من التملص والتهرب من عبء المسؤولية ونوعاً من قصر النظر. إذ انكم مكلفون كأب أو ام مسلمين بالاهتمام بشؤونهم بكل ما تملكون. وتغلقون عليه المنافذ التي من الممكن ان تلحق به المزيد من الضرر.
انه أمانة الله بأيديكم وانتم المؤتمنون عليه.
التخطيط لمعالجتهم:


في سياق تربية هؤلاء الاطفال من الضروري لكم الاستفادة من تجارب الافراد الذين لهم اطفال متخلفون عقلياً والاستعانة بهم في هذا المجال. وبشكل عام فان ارتباطكم الصحيح والمسؤول مع هؤلاء الاطفال يهيىء بحد ذاته الارضية المناسبة لتنفيذ بعض الاصلاحات ويصبح السبب في معالجتهم ورشدهم.
ونبشر الكثير من الآباء والامهات الذين لهم اطفال متخلفون عقلياً بأن الكثير من هؤلاء الاطفال وفي ظل اهتمام الابوين ورعايتهم تحت معالجتهم

الأسرة ومتطلبات الأطفال 622


وتحقق شفاؤهم أو ان الكثير من مشكلاتهم عولجت بشكل مناسب، حيث ان المتابعات الطبية، مضافاً إليها متابعاتكم واهتمامكم بشكل حلاً للكثير من المشاكل. ومن خلال مضاعفة مراقبتكم ومتابعتكم لشؤونهم بإمكانكم القيام بالاسراع في الاعتماد على أنفسكم وبشكل أفضل وان لا يضطروا في المستقبل الى الاستجداء ومد يد العوز والحاجة الى الخرين. وفي هذا السياق من الضروري طبعاً تحديد حالتهم بشكل مبكر وان تقدموا على وضع الخطط اللازمة بشأنهم منذ مرحلة الطفولة ذلك ان علاقة العمر بامكانية الاصلاح علاقة عكسية. إذ كلما كان العمر أقل. ازدادت امكانية الاصلاح وهذا الأمر صحيح تماماً فيما يتعلق بشأن ذهنيتهم وتفكيرهم ومستوى تحصيلهم تخلفهم العقلي.
ضرورة التقييم المستمر:


الاستمرار في مواصلة التعليم يعتبر أمراً ينبغي على الآباء والمربين الاهتمام به دائماً، ويجب ان يستمر هذا الامر لغاية بلوغ الطفل مرحلة الرشد ويصبح قادراً على الوصول الى مرحلة الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي. وتقع مسؤولية هذا الامر على الابوين وهم ملمون بذلك.
ومن جهة اخرى من الضروري لنا الاهتمام بالتقييم المستمر للطفل وشؤونه لنرى الحالة التي بلغها، وما هي نسبة نجاح خططنا بشأنه وكم عادت علينا وعليه بالنفس وما هي الخطوات الواجب اتخاذها لاحقاً. إذ تساعد تلك الرقابة والمتابعة وهذا التقييم على خلق الاجواء المناسبة لرشدهم والحؤول دون استمرار تدهورهم. ومن الممكن ان يتم هذا التقييم من قبل الابوين، والمربين، والمتخصصين النفسانيين أيضاً. ويجب ان يكون كذلك أيضاً.

* * *




السابق السابق الفهرس التالي التالي