الأسرة ومتطلبات الأطفال 571


الفصل الأول



احتياجات الاطفال الاستثنائيين
(العموميات)

المقدمة


المراد بالاطفال الاستثنائيين أولئك الذين يعيشون ولأسباب خاصة جسمية وعقلية أو عاطفية ونفسية في وضع معين يتميزون فيه عن غيرهم من الافراد العاديين وان مستوى رشدهم وتطورهم يختلف عما هو عليه أقرانهم في السن والحالة. ان صفاتهم وخصائصهم هي بالشكل الذي يقود الى تصنيفهم في خانة أخرى من حيث التقسيم.
وانطلاقاً من هذا الوضع فان الضرورة سوف تستوجب ان تكون البرامج المنظورة بشأن تربيتهم، والمواقف المتخذة خلال التعامل معهم مختلفة مع ما هو منظور لغيرهم من الاطفال العاديين بل وحتى يجب ان يصار الى تربية آبائهم ومربيهم بنحو خاص وان يمتلكوا الاستعدادات اللازمة لتربية هؤلاء الاطفال.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 572


تصنيفهم:


لقد عمدوا الى تصنيف الاطفال الاستثنائيين بصورة متعددة، وسنشير فقط الى موردين منها:
أ ـ المورد الاول:


1 ـ الاطفال ذوي المحدوديات العقلية.
2 ـ الاطفال ذوي الذكاء الحاد.
3 ـ الاطفال ذوي الاختلال في التعلم.
4 ـ الاطفال ذوي المشاكل السلوكية.
5 ـ الاطفال ذوي المشاكل النطقية.
6 ـ الاطفال ذوي المشاكل العاطفية.
7 ـ الاطفال ذوي النقص البصري.
8 ـ الاطفال ذوي النقص السمعي.
9 ـ الاطفال ذوي النقص الجسمي.
10 ـ الاطفال ذوي النقص العصبي.
11 ـ الاطفال الشاذين.
ب ـ المورد الثاني:


في هذا التصنيف يمكن تقسيم الاطفال الاستثنائيين الى 8 مجاميع:
1 ـ الاطفال ذوي المحدوديات العقلية : ويشمل المتخلف عقلياً والقابل

الأسرة ومتطلبات الأطفال 573

للتعليم، والمتخلف عقلياً والقابل للتربية، والمتخلف تخلفاً عقلياً شديداً وحاداً (خفيف، متوسط، حاد).
2 ـ الاطفال الاذكياء ذوي الاسعداد.
3 ـ الاطفال الذين يعانون خللاً في قابلية التعلم ولديهم خلل في قابلياتهم.
4 ـ الاطفال الذين يعانون من مشاكل سلوكية، وعدم الانسجام أو من مشاكل عاطفية.
5 ـ الاطفال الذين يعانون من مشاكل في النطق بشكل خرس والتلعثم الحاد، و... الخ.
6 ـ الاطفال الصم أو نصف الصم، إذ انهم على عدة درجات.
7 ـ الاطفال العمي أو نصف العمي، ذوي عيون مفتوحة أو مغلقة.
8 ـ الاطفال المبتلون بنقص عصبي، وجسمي، وغير جسمي، ذوي العاهات، والامراض المزمنة.

ج ـ المورد الثالث:


ان كل المواضيع التي سنتناولها بالبحث والتحقيق لا تخرج عن اطار هذا التصنيف إلا اننا لم نعقد العزم على تخصيص بحيث منفصل عن كل منها.
ومراعاةً للاختصار، وبعد ذكر العمومات في هذا الفصل سنشير فقط الى أربعة مجاميع منها وهم الأيتام، والمعلولين، والمتخلفين عقلياً، والاطفال الاذكياء وفيما يتعلق باحتياجاتهم فقط.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 574


اعدادهم:


يتواجد الاطفال الاستثنائيون في كل بقعة من بقاع العالم بما في ذلك مجتمعنا ايضاً ويمارسون حياتهم. وتخصص لهم في الكثير من المجتمعات خدمات خاصة وهي قليلة في مجتمعنا وفي بعض المجتمعات تصل هذه الخدمات الى درجة الصفر. واعدادهم من حيث النسبة المئوية متفاوتة.
وبشكل عام تبلغ نسبتهم في سائر المجتمعات من 10 ـ 15% من مجموع الاطفال المدرسيين وتأرجح هذه النسبة في المجتمعات التي تعاني من الادمان على المخدرات، والمشروبات الكحولية، ومخلفات الحرب الناجمة عن أعمال القصف الكيميائي يختلف من مجتمع لآخر.
وطباً للاحصاءات المختلفة الموجودة يمكن الاشارة الى الارقام التالية:
  • المتخلفون عقلياً بحدود 3/2%
  • الذين يعانون من خلل في النطق 5/3%
  • الذين يعانون من اختلالات عاطفية 2%
  • المبتلون بخلل في البصر 1%
  • الذين يعانون من خلل في السمع 575/0%
  • المعلولين 60/0%
  • الاذكياء والافراد الجيدين 3%

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 575

  • وهناك احصاءات اخرى ايضاً من هذا القبيل يمكن الاشارة لها مع قليل من الاختلافات.
    مشاكلهم:


    هؤلاء الافراد وكما يتضح لنا من تسميتهم لهم مشاكلهم ومعاناتهم الخاصة بهم. فالضرير لا يبصر شيئاً، والاطرش لا يسمع، والمعلول يعاني من مرض معين أو نقص بدني و... ولكن الطفل الاطرش، لا يستطيع تعلم النطق والكلام إلا من خلال فنون وأساليب خاصة، وعندما يكون أعمى فانه يجهل الالوان وعاجز عن تصور الاحجام إلا اذا لجأ الى الاستعانة بحاسة اللمس، وعندما يعاني من نقص في القدرة على التكلم فانه يعاني من صعوبة بيان مسألته وتصبح مسألة الدفاع عن نفسه مسألة عسيرة، وهذا يؤدي بحد ذاته الى ايجاد آثار سلوكية وعصبية متعددة.
    والاطفال المعلولين ليسوا دائماً في هذا الحد من العوق كأن يكون مثلاً اصبع زائد أو ناقص، إذ ان بعضهم يعاني من امراض وراثية من الولادة كالامراض القلبية،والصرع، والروماتيزم وأمراض اخرى من هذا القبيل وهم من النوع الذي يجعلون عمل المربي بشأن تربية الاولاد ورعايتهم يواجه المشاكل والمعضلات. وتصوروا طفلاً مشلولاً وهو بحاجة دائماً الى نقله من مكان الى آخر، وحتى لو كان ذلك لغرض الذهاب الى التواليت أو الى باحة الدار. ومن الطبيعي في حالة وقوع حادثة معينة فانهم سيتسببون في ايجاد مشاكل كثيرة لآبائهم لا تعد ولا تحصى.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 576


    وهناك مشكلة اخرى تواجه المتخلفين عقلياً وهي انهم لا يملكون القدرة على ادراك الامور ومن الممكن ان يصبحوا سبباً لظهور الجريمة والانحراف أو الاذكياء الذين يسخرون ذكائهم في مسير الانحراف فيخلقون المشاكل لانفهسم وللمجتمع.
    ضرورة الاهتمام بهؤلاء:


    وبسبب مجمل هذه الامور نقول انهم بحاجة الى اهتمام خاص وتربية خاصة، إذ أن مسألة تربيتهم ضرورية ومرد ذلك يعود إلى: أولاً انه من غير الممكن عدم الاكتراث بعدد يصل الى 500 مليون طفل استثنائي بما يشكل نسبة 10% من مجموع سكان العالم. وثانياً ان هؤلاء بحاجة الى ان يعتمدوا على أنفسهم ويتحملوا عبء حياتهم بأنفسهم وحسب طاقتهم واستعدادهم، وثالثاً ان بعض هؤلاء الاطفال ان لم يتلقوا التربية اللازمة فان وجودهم من الممكن ان يكل خطراً على المجتمع.
    ومن ناحية اخرى فان تربيتهم فضلاً عن كونها امراً ضرورياً فانها تعد من احدى المسؤوليات ايضاً. حتى لو تعلق الامر بأكثرهم بلاهةً وتخلفاً، بسبب واحد وهو أنهم بشر أيضاً ولهم حقوق بذمة آبائهم والمجتمع.
    انهم أمانة الله تعالى بأيديهم ولا يمكن النظر الى هذه الامانة نظرة لا مبالاة وعدم اهتمام.
    واحتياجاتهم من نوع احتياجات باقي الاطفال، ولابد من تأمينها ولكن مع قليل من الاختلاف وفي بعض الوارد يجب أن نؤمن بدقة واهتمام خاصين.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 577

    ويجب على الآباء والمربين ان يتعرفوا عليهم جيداً ويخططوا لهم بما يتناسب وصفتهم الاستثنائية. ويجب طبعاً على آبائهم ومعلميهم ومربيهم أيضاً ان يستفيدوا من الاساليب الخاصة في هذا المجال ويشملونهم برعايتهم واهتمامهم.

    برنامج تربيتهم:


    برنامج تربيتهم مختص بهم أيضاً. وينبغي لهم الاستفادة من بعض الاساليب الخاصة، أما الخدمات التي يمكن تقديمها لهم تختلف هي الاخرى أيضاً. والاساس في ذلك هو أن نفلح في ايصالهم الى مرحلة الرشد ومن ثم نراعي قابليتهم ونوليها اهتمامنا.
    ويجب ان يخضع هؤلاء لاشراف افراد مقتدرين واكفاء ويعيشون احياناً في أماكن خاصة أيضاً وتتوفر لهم وسائل وادوات تعليمية خاصة. ويجب ان تنظم لهم أضابير خاصة لكي تصبح الاعمال والخدمات المقدمة لهم قابلة للبحث والتحقيق والتقييم.
    ويجب ان يكون الشعور بالمسؤولية تجاههم بدرجة أعلى من غيرهم. خاصة وان حاجتهم تتمثل بان تخضع جميع أوقات حياتهم ولحظاتهم للرقابة لكي لا يتعرضون للخطر والاذى.
    ويجب وضع البرامج المختلفة حسب اختلاف حالات هؤلاء الاطفال لكي تشمل جميع افراد هذه الشريحة بجميع الخصائص التي يملكونها، مع الأخذ بنظر الاعتبار قابلياتهم وقدراتهم الروحية واستعداداتهم المختلفة.
    كما ان مسألة المرونة تعد ركنا اساسياً في برنامجهم حتى اذا تغذر علينا النجاح من احدى القنوات نواصل مسيرتنا من قناة اخرى.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 578


    محيطهم التربوي:


    الاساس الذي يجب ان نستند عليه في هذه المسألة ان هؤلاء الافراد يجب ان يواصلوا حياتهم ودراستهم مع باقي الافراد ومرافقتهم كلما أمكن ذلك، وهو أسلوب تم العمل به وتطبيقه في موارد عديدة وكانت له نتائج ايجابيه ومثمرة. ولكن متى ما تعسر علينا المضي في تطبيق هذا الاسلوب بامكاننا بل ويجب فصل محيطهم التربوي في المدرسة. ولهذا الامر ضرورة اخرى ينطوي عليها وهي:
    انهم يحتاجون احياناً الى اسلوب خاص في التعليم، ولا يمكن تقديم هذا الاسلوب إلا في محيط تربوي خاص، وعلى ايدي مربين مختصين بهذا النوع من التدريس، ومثال ذلك الطفل الاطرش. وأحياناً يكون محيط حياتهم بشكل يجعلهم عرضة للاستهزاء والتوبيخ والحيرة. وفي مثل هذه الحالة أيضاً من الافضل ان نقوم بتجميعهم في محيط تربوي آخر.
    وبشكل عام فان هؤلاء بحاجة الى محيط تربوي اكثر ملائمة لكي يسهل تأمين احتياجاتهم الاساسية ويتيسر تطبيق البرنامج التربوي بشأنهم بالاساليب والطرق الخاصة التي يتطلبها، وكذلك نعمل على اقامة عالم خاص بهم يمكنهم في طله اعطاء المعنى المناسب لحياتهم، وهذا امر ممكن، وقد اثبتت ذلك تجارب العالم في يومنا هذا.
    اسس تربيتهم:


    ان اساس تربية هؤلاء الافراد مبني على عدة اصول لابد من اخذها بعين

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 579

    الاعتبار:
    1 ـ مسألة اكتشاف عالمهم والتعرف عليه، ومعرفة الوضع الذي هم عليه، وأين تكمن النقاط الايجابية والسلبية في حياتهم، وما هي النواقص التي يعانون منها، وما هي درجة هذه النواقص.
    2 ـ معرفة طرق الحؤول دون انتشار تلك الاختلالات، واتخاذ التدابير اللازمة لايقاف سريان وتفاقم تلك النواقص وعلاجها واصلاحها.
    3 ـ استخدام الفنون والاصول التربوية الخاصة بهم، والمستندة الى الواقع العلمي والعملي.
    4 ـ الشعور بالمسؤولية تجاههم، بحيث نقبل بهم ونشملهم برعايتنا ومحبتنا.
    5 ـ مراقبتهم لئلا يتعرضون للاذى، ولئلا يصبح وضعهم الاستثنائي سبباً لالحاق الاذى بهم وبالمجتمع.
    6 ـ الحذر من ان يؤدي جهلهم أو ذكائهم الى الحاق الاذى والضرر بالمجتمع.
    7 ـ الاقرار بانهم ليسوا افراداً عاديين وانهم بحاجة الى تربية خاصة.

    مسؤولية الابوين:


    تواجه آباء هؤلاء الاطفال مشاكل وصعوبات كثيرة بشأن تربيتهم وفي نفس الوقت يتحملون مسؤوليات جسيمة ينبغي لهم الايفاء بها

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 580

    تجاههم. ويمتاز هذا الامر بصعوبة اكبر خاصة فيما يرتبط بالمعلولين منهم، والمتخلفين عقلياً. ومرد ذلك ان الآباء ليس لهم أمل في اصلاحهم وبنائهم وليسوا متفائلين بشأن مستقبلهم. على العكس من آباء الاطفال الاذكياء أو العاديين.إذ انهم تحملوا مشقةً أو عناءً تجاه ابنائهم، ويحدوهم الامل بأن جهودهم ستثمر في يوم ما وتعود عليهم بالخير أو على الاقل تعود بالخير على الطفل نفسه.
    ويجب على آباء هؤلاء الاطفال ان يعلموا بأن هؤلاء الاطفال لم يخلقوا عبثاً، إذ لابد وان يكون لخلقهم اهدافاً وغايات معينة أيضاً، ولا ان تؤاخذ بنظر الاعتبار. إذ يجب ان يحكموا علاقتهم بهؤلاء الاطفال ويعملوا على تقوية ارتباطهم بهم اكثر فاكثر، ذلك ان لهذا الامر اثر بالغ في تأمين شروط حياتهم وسلامتهم.
    وعليهم ان يفكروا دائماً بشؤونهم وشؤون هؤلاء الاطفال ليتمكنوا من اداء مسؤوليتهم تجاههم بنحو أفضل من جهة وليأخذوا بأيديهم نحو الهدف المراد بشكل أفضل من جهة أخرى.
    ومن الضروري لهم في هذا السياق الاستفادة من تجارب الافراد المجربين، حتى انهم في حالة عثورهم على طفل استثنائي عليهم أن يدخلوا دورةً معينة ليتسنى لهم الانسجام مع الخصوصيات الجديدة لهذا الطفل بشكل أفضل وأكمل.
    وفي جميع الاحوال فان نوعية مواقف الوالدين، ونمط تعاملهم مع الطفل، بشاشتهم أو سطحيتهم حين التعامل مع الطفل، له تأثير بالغ جداً وان طبيعة تلك المواقف هي التي تعمل على محو آثار الألم و تزيد

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 581

    من حدته.

    مسؤولية المجتمع:


    الطفل وديعة من الله تعالى بأيدي الوالدين، والناس، والدولة ونفس الفرد أيضاً. إذ لا يقتصر الأمر على ان الوالدين هم المسؤولون عنه فقط. نعم، يتحمل الوالدين المسؤولية الاولى والأهم تجاه الاطفال. ولكن هذا الكلام لا يعني بأن المجتمع لا يتحمل اية مسؤولية تجاههم. فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
    وتتسم هذه المسؤولية تجاه هؤلاء الاطفال بالجسامة البالغة،والسبب في ذلك يعود الى أن القلة القلية من الآباء يفلحون في الاهتمام بالوضع الخاص لهؤلاء الاطفال بوجه أكمل، ويقومون بأنجاز جميع الاعمال المتعلقة بهم. ويجب على كل فرد منا الاهتمام بجانب من شؤونهم، ومساعدة اوليائهم في هذا المجال.
    ومن ناحية اخرى يتحمل المجتمع مسؤولية الاهتمام بهؤلاء الاطفال. ورعايتهم لئلا تتولد في المجتمع الموجبات والمسببات التي تؤدي الى اهانتهم ومؤاخذتهم.وان لا يعاملون من قبل الآخرين بعنف واستعلاء، ولا يعتدي أحد على حقوقهم، ولا يتسببون في مضاعفة موجبات شعورهم باليأس، والاضطراب، والاهانة بل العكس من ذلك يجب ان يساعدوهم ويأخذوا بأيديهم، ويهيئوا لهم موجبات سلامتهم ورعايتهم ونموهم.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 582


    وفي سبيل تأمين هذه الاحتياجات يجب ان يساهم في ذلك العوائل والاطفال أيضاً، وكذلك الاطباء، والممرضات، والنفسانيون، ومتخصصوا العلاج الطبيعي، والروحانيون، وبقية شرائح المجتمع، وكل من بوسعه ان يكون مفيداً للاطفال بنحو أو آخر.
    ومجمل القول يجب ان لا ننسى هذه الملاحظة وهي ان الطفل اليوم وبهذا الوضع الذي هو عليه يعد احد اعضاء المجتمع وسيعود صالحه وطالحه وخيره وشره غداً على جميع افراد المجتمع.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 583



    الفصل الثاني


    احتياجات الايتام

    المقدمة


    اليتيم هو ذلك الفرد الذي فقد من يحميه ويتولاه في سن الطفولة وبقي وحيداً، سواء أكان قد فقد أباه، أو والدته أو الاثنين معاً. ومسألةاليتم تواجه بعض الاطفال بشكل أو آخر، سواء بسبب الموت الطبيعي للوالدين، أو بسبب الاستشهاد أو أي سبب آخر.
    ولا يتسم هذا الأمر بطابع جدي بالنسبة للطفل ولغاية السنة الثانية من عمره، خاصة وان الطفل في هذه المرحلة سرعان ما يتآلف مع المحيطين به حتى الذي فقد والده أو والدته ويعوض النقص الحاصل من جراء ذلك، وتكمن الصعوبة للطفل من السنة الثالثة من العمر فما فوق خاصة في السنوات 3 من العمر ولغاية مرحلة الابتدائية، إذ تؤثر عليه تاثيراً حاداً وتتسبب في انهمار دموعه، إذ لا يتمكن الطفل البالغ 3 ـ 4 سنة من العمر ان ينسى بسهولة موت

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 584

    والده أو والدته وخاصة والدته، لأن الام أنيسته ومحط همه وغمه، ورفيقته، والطفل يستأنس بها، واعتاد على حمايتها ومحبتها له، وهو يتملق لها، ويحتمي بها في الشدائد، والام هي التي تمسح دموعه، وتسلي عليه همومه. ان صعوبة تحمل موت الأب أو الام تصل الى الدرجة التي تسبب له احياناً حالة من الدوار، والبهت، والاغتمام، والاضطراب والدهشة حتى انها تصده عن الاكل والشرب والنوم والفرح والنشاط. وتزداد حدة هذه المشكلة عندما يملأ مكان الأب أو الام فرد غريب،وثقيل وشديد، ففي تلك تتضاعف حدة المشكلة اضعافاً مضاعفة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 585


    آثار الموت وعواقبه:


    ان موت الأب والام للطفل الذي يفهم معنى الموت وكان مستأنساً مع عزيزه المفقود ينطوي على آثار وعواقب متعددة مختلفة، سواء في الجانب الفردي أو الاجتماعي، وكذلك في بعد نمو الشخصية وأيضاً في بعد النمو والرشد النفسي والعاطفي، حيث اننا سنحيل البحث التفصيلي في هذا الموضوع الى مجلد آخر. ومن الممكن ان يبتلى الطفل على اثر وفاة والده أو والدته ببعض الآثار، ومنها قلة المحبة، والتمييز، الآمال الضائعة، الخسران، الفراغ العاطفي، عدم الثقة بالفنس، الشعور بخواء الحياة و... الخ. وتظهر له بعض المشاكل منها مشكلة وقوعه لعبة بين التضاد النفسي ودغدغة مشاعره.
    ان مشكلة اليتيم لا تقتصر فقط على مشكلة فقده لوالده أو والدته بل انه يعاني من مشاكل نفسية، وهموم كثيرة، والنكبة بفقدهم أيضاً. وعلى اثر الشعور بالضغط الناجم عن الحرمان يتعرض نموه العقلي والعاطفي احياناً الى الخطر ويعاني من اختلالات عصبية. واحياناً يتعرض لمشاكل معينة من حيث السلوك أو يتعرض الى الركود الذهني.
    ويتعرض الايتام بعد وفاة آبائهم أو امهاتهم الى مشاكل كثيرة و من الممكن احياناً انهم لا يطيقون تحمل فقدانهم فتظهر على شخصيتهم القدرة والاستعداد على ارتكاب الجريمة، إذ لا يبصرون عواقب الامور فيصبح ذلك سبباً في مضيهم دون اكتراث ويتسببون بالتالي بوقوع الكارثة لهم واللآخرين خاصة إذا استحوذ عليهم الشعور بعدم جدوى الحياة وخوائها أيضاً.
    حالاتهم وسلوكياتهم:


    ان ما يذكر بشأن حالات الايتام وسلوكياتهم ليس من المعلوم ان كان ينطبق على جميعهم أم لا، ولكن هناك بعض الامور التي يتوقع حصولها لهؤلاء

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 586

    الاطفال بشكل طبيعي خاصة اذا ظهرت لهم بعض الظروف الغير مساعدة.
    حالت الهيجان تعتبر أمراً طبيعياً بالنسبة لهم، وكذا الكوابيس المرعبة غالباً ما تزعجهم ويعد هذا الامر بحد ذاته سبباً لبروز الاختلافات العصبية لديهم. اذ ان نومهم غير منتظم، الفزع من النوم بسبب الاضطراب، ارتجاف العضلات، ارتجاف البدن المفاجيء، واحياناً يعانون من تلعثم اللسان.
    ومن الممكن ان تترك وفاة الأب أو الام أثراً سلبياً على نفسيتهم وسلوكهم وتؤدي الى اصابتهم بالاختلال في سلوكهم، وقد تؤدي احياناً الى بروز الفساد لديهم. كما انهم يمتلكون الارضية المناسبة لتنمية الجريمة لديهم، ولهذا السبب من الممكن ان يصبحوا مرتعاً جيداً لاستغلال المنحرفين والمجرمين.
    ومن الممكن ان يعاني اليتيم نقصاً عاطفياً، ولهذا السبب يبدو عليه الانفعال حتى انه يغض الطرف احياناً عن أبسط متطلباته مستخدماً في هذا المجال اسلوب المبالغة. ومما يسبب له الألم فقدان التوازن العاطفي وكذلك الشعور بالحقارة واحياناً الشعور بالذنب أيضاً.
    وعلى أثر الغصص والألم الذي يتعرض له الاطفال الاذكياء عادة من الممكن ان يعرض اليتيم عن ممارسة اللعب والحركة والنشاط، ويستغرق في التفكير وينطوي على نفسه، وينزوي، حتى انه لا يأكل، ويضعف ويصبح نحيفاً ويؤلمه الجوع بشكل خفي وهذا بحد ذاته يصبح سبباً لنشوء الكثير من المشاكل الاخرى.
    احتياجات الايتام:


    ما هي احتياجات الأيتام؟ والجواب هو: نفس احتياجات الافراد العاديين ولكن بدرجة أشد.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 587

    ولماذا أشد? لان الطفل وبسبب فقدانه لوالده أو والدته يرى نفسه فرداً خاسراً ولغرض ملأ ذلك الفراغ، يختلق الاعذار. وتزداد توقعاته.
    ومن الممكن ان يكون والده حيا يرزق ولم يكن يمتلك القدرة على شراء حذاء له أو لم يكن قادراً على توفير مأكله وملبسه. ولكن الآن إذ الاب غير موجود ليستظل بظله، فانه سيتألم اكثر إذا كان لا يملك حذاء أو مأكلاً وملبساً وسيتذكر أباه وينزعج. إذ انه يتصور ان اباه لو كان موجوداً لفعل له كذا وكذا.
    وفي نفس الوقت ليس بوسعنا ان ننكر هذه الحقيقة، وهي ان جزءً من احتياجات الطفل اليتيم تتعرض للخطر بشكل جدي فعلاً. إذ من الممكن على سبيل المثال ان يتكفل الآخرون ملأ الفراغ الناجم عن فقدان الام ويغمرو الطفل بمحبتهم، إلا ان تلك المحبة لن تحمل حلاوة محبة الام النابعة من أعماقها اطلاقاً والتي تتسم بالواقعية والاصالة وبدون ان تنتظر مقابلاً لذلك، وكان الطفل يتلمس ذلك ويتذوق طعمها. وكان يتعرض للضرب من قبل أبيه أيضاً إلا انه في الحقيقة لم يكن ذلك الضرب يؤلمه. انه الآن يتلقى ضربات فقدانه لوالده فتنفذ آلامه الى اعماق نفسه وروحه، وهي المسألة التي يعبر عنها الطفل بألم اليتم، والاحساس بالتعاسة وفقدان الملاذ. ففي السابق كان أبوه يضربه فيلجأ الى حضن امه، وأما الآن لا يحلو له أن يلوذ بأحضان غير والدته. ولو كانت له اخت كبرى أو خالة لكان يفضل ان يلوذ بهن.
    المتطلبات الاساسية للايتام:


    ولا نجد ضيراً ان نشير هنا الى طائفة من المتطلبات الاساسية لهذه المجموعة من الاطفال لكي تتضح لمربيهم المسائل التي يجب عليهم الاهتمام بها اكثر في أمر تربيتهم.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 588


    1 ـ الحاجة الى المحبة والحنان:


    لقد فقد الطفل اليتيم والده أو والدته، أي أنه فقد منبع العطف الحقيقي والمحبة الصادقة، ويجب علينا تلبية حاجته هذه. بأن نعامل الطفل بكل لطف، ونداعبه، إذ ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عندما يرى الايتام يجلسهم الى جانبه أو على فخذه، ويمسح على رؤوسهم ويقول ان الله تعالى يؤجر الفرد بعدد ما يمسح من الشعر بيده.
    2 ـ الحاجة الى التعلق والتبعية:


    ومعنى ذلك ان الطفل لوالدته بحاجة الى من يناديها بكلمة أماه، وخاصة عندما يكون مريضاً ويحتاج الى مراقبة وعناية أكبر، أو اثناء النوم ويبدأ بالبحث عن والدته أو لغرض قضاء احدى حوائجه، إذ يجب ان يمتلك من يختاره أباً أو أماً له لكي يتأكد من توفير الحماية له من قبلهم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك اليتيم الذي وجده مهموماً ومغموماً لهذا السبب (لا تغتم فأني بمنزلة أبوك، وابنتي فاطمة اختك، وزوجتي امك).
    3 ـ الحاجة الى المواساة:


    الطفل بحاجة الى من يستمع لآلامه ويهتم بشكواه ومعاناته التي تواجهه في مختلف الاحيان. فلو أفصح عن احدى همومه ان يقروا له بذلك لو طلب منهم الاستماع الى مسألة ما يجب ان يستجيبوا له. ان اللجوء الى هذا الاسلوب والعمل بهذه المسؤولية تجاهه سيؤدي الى اضفاء حالة من الهدوء والسكينة عليه.
    4 الحاجة الى الضبط والسيطرة:


    صحيح انه يتيم، ولكن يجب ان لا تصبح معاملتنا اياه بالعطف والحنان سبباً لأن يشعر بأنه قادرا على الاقدام على أي عمل يريده هو وان احداً لا يرقبه

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 589

    او يمانعه في ذلك، اذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ادبوا الأيتام كتأديبكم لابنائكم). وبعبارة اخرى فالاساس في ذلك راعوا الله فيهم واعتبروا انفسكم آبائهم ففي هذه سوف لن تخدش عواطفهم ومشاعرهم.
    5 ـ الحاجة الى التأكيد:


    ان الايتام وبسبب المعضلة الخاصة التي يعانون منها من المحتمل لهم ان يفقدوا العزة والثقة بأنفسهم. وضرورة التربية تستوجب بأن يصار الى تهيئة مناخ اعادة بناء شخصيتهم، لكي يستعيدوا الثقة بأنفسهم مرة اخرى، ويرون لأنفسهم أهمية ومكانة تليق بهم، حتى لا يكونوا عرضة للانحراف والخطر.
    6 ـ الحاجة الى المداراة:


    يجب مداراة اليتيم، كما يجب عدم جرح مشاعره اثناء تربيته كما هو حالنا عادة مع اطفالنا الآخرين. ويجب ان نأخذ في حسباننا قلبه الكسير ونعلم بأنه سريع البكاء. إذ أن بكاءه يهز العرش كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اذا بكى اليتيم اهتز العرش).
    بكاء اليتيم:


    من الممكن ان يكون اليتيم هادىء في ظاهره. ولكن لو تأملتم جيداً بشأنه لوجدتموه انه يفكر بصدد ان تسنح الفرصة لكي يخفف عن نفسه. فالاطفال الاذكياء نسبياً متحفظون وهادئون ولكنهم يشرعون بالبكاء مع ابسط ذريعة تلوح لهم ويحرقون القلب الماً.
    ان منظر بكائهم يدمي القلب احياناً. ونقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اجابته عن السؤال التالي: هل ان ملائكة الله يبكون ويضحكون؟
    فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، انهم يبكون في ثلاثة مواطن

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 590

    ويضحكون في ثلاثة مواطن ... واحدى المواطن التي يبكي فيها الملائكة هو الموطن الذي يكون فيه يتيماً نائماً، ويرى أباه وأمه في المنام وهو فرح معه أو معها، ولكن يستيقظ فجأة فلا يراه أو يراها الى جواره. فيتذرع بأبيه أو امه ويبكي، بل انه ولكي لا يعلم الآخرين ببكائه تراه يبكي بصمت ويتحرق ... وعندها تبكي الملائكة.
    نريد ان نقول لا بد لنا ان نشفق على امثال هؤلاء الاطفال المنكوبين والمليئة عيونهم بالدموع، ولا ينبغي لنا ان نزيد من موجبات ألمه ومعاناته اكثر مما هو عليه، وهذه المسألة يوصي بها المعصومون عليهم السلام ويطالبوننا بمداراة اليتيم، وان لا نجري دموعهم.

    اهمية مسألة اليتيم:


    جميع الاطفال اعزاء ولهم حقوق علينا واليتيم أعز ويجب مراعاة حرمته وحقوقه اكثر من غيره. والتوصيات الموجودة بشأن الايتام لم تحدث بشأن الاطفال العاديين. ولعل السبب في ذلك يعود الى ان الاطفال العاديين ليسوا بحاجة الى المزيد من التوصيات، إذ ان آبائهم وامهاتهم الى جوارهم ويظلونهم بظلهم ويستجيبون لطلباتهم ويشعرون بآلامهم ويرون ان سلامة وسعادة ابنائهم هي جزء من سلامتهم وسعادتهم.
    والقرآن الكريم يوصي بالاحسان الى الايتام، والانفاق عليهم (البقرة 177)، وان عدم اكرام اليتيم يستحق اللوم والتوبيخ (الفجر 17) وان طردهم يعد نوعاً من انواع تكذيب دين الله وآياته. كما ان الامام علي عليه السلام اوصى بهم في آخر وصية له وهو على فراش الموت وقال: (الله الله في الايتام لا تغبوا أفواههم ولا يضيع حقهم في حضرتكم). ان تربيتهم مسألة ضرورية لأنهم يمثلون الثروة البشرية للبلد، ان وضع

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 591

    الخطط والبرامج بشانهم ومراقبتهم ورعايتهم يمكن ان يؤدي الى ما فيه مصلحتهم وسعادتهم والمجتمع كذلك. كما يجب ان نبذل ما في وسعنا بشأن تربيتهم ورعايتهم لأن هذه الثروات والطاقات البشرية للبلد معرضة للخطر والاستغلال. اذ ان اعمدة الدخان المتصاعدة من سوء تربيتهم من الممكن ان تدخل في عيون الآخرين أيضاً. ان اعالتهم ورعايتهم، واحترام حقوقهم تحظى بعناية الله تعالى وتستنزل رحمته ولطفه.

    الاخطار المحدقة بالايتام:


    ما اعظم الاخطار والانحرافات التي تتهدد الايتام وان عدم اهتمام الوالدين ومراقبتهم لهم هو السبب في سقوطهم في المهالك الشديدة والخطرة. وبدورنا سنذكر الآخرين بتلك الاخطار والعوامل التي تنجم عنها الاخطار لتكون تذكرة وتحذيراً لذوي اليتيم واسرته والمربين.
    1 ـ خطر المحبة:


    تتسبب المحبة بايجاد الاخطار للايتام سواء من حيث الافراط أو التفريط بها وانهم معرضون لهذه المسألة، إذ ان قلة المحبة تتسبب في ان يمنح محبته لأفراد مجهولين ومن الممكن ان يجر نفسه الى مرحلة الفساد من خلال اظهار محبته وتملقه هذا.
    كما ان الافراط في المحبة يتسبب هو الآخر في ان يتطبع الطفل بالميوعة والدلال ويصبح فرداً مبالغاً في توقعاته وكثير الطلبات وهذين الأمرين يشكلان خسارة كبيرة له.
    2 ـ خطر فقدان السند:


    يفقد اليتيم بموت أبيه أو امه نقطة استناده واتكائه وتعلقه ويبدو في ظاهر

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 592

    الحال بأنه غير متعلق بأحد ويريد الاسلام ان يكون تابعاً لفرد ما من خلال عيشه في بيته أو في بيوت المؤمنين. لأن عدم التبعية وفقدان المراقبة والاهتمام باليتيم يؤديان في النتيجة الى ان يصبح اليتيم كالثمرة المعلقة على الشجرة ليس لها صاحب وكل من يراها يلقمها حجراً ويصبح مرتعاً يستهدفه الآخرون ويستغلونه اسوء استغلال. لذا كونوا له بمنزلة الاب أو الام جدياً بحيث يتعلق الطفل بكم ويشعر برعايتكم له.
    3 ـ خطر التحلل والانفلات :


    احياناً يشعر اليتيم بأنه أصبح حراً ومنفلتاً بعد موت أبيه ولا يقبل بتبعيته لوالدته. أو بعد فقده لوالدته تلك الخيمة التي كانت تظلله برعايتها اياه خطوة بخطوة أو لم يعد يرها الآن معه فانه سيشعر بالنتيجة بأنه أصبح حراً ولا يوجد من يسيطر عليه ويراقبه. أن استحواذ هذا التصور على الاطفال بل وحتى اليافعين يعد امراً خطيراً. ان التفسخ وانعدام الضبط يبدأ من هذه النقطة ويؤدي به الى الفساد وارتكاب الجريمة.
    4 ـ خطر عدم الاتزان:


    لدينا من الايتام من لم يسأل أحد عن احوالهم لحد الآن شيئاً. ولم يضمد أحد قلوبهم المجروحة، حتى ان هناك من الايتام من لم يحظوا برعاية واهتمام اقرب الناس إليهم كالعم، والخال، والعمة والخالة ولاسباب متعددة. وبالنتيجة وفان هؤلاء الافراد سيفتقدون في المستقبل للتوازن الروحي والنفسي. ويتحولون إلى افراد خياليين، ويتحدثون مع انفسهم، وينزوون، ويتسمون بحساسية مفرطة، ويتهربون من الاحتكاك بالآخرين...
    5 ـ خطر العصيان والجريمة:


    واخيراً لدينا من الأيتام الذين تحولوا الى افراد متمردين، غير مطيعين،

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 593

    عصاة، غير منضبطين، بعيدين عن مراعاة الحقوق الانسانية وحرمة الناس وذلك بسبب عدم تمتعهم بالتربية والرعاية السليمة. حتى ان بعض هؤلاء اتصفوا بالجريمة والعصيان وانظموا الى مجموعة المجرمين.
    ولدينا نماذج كثيرة من هؤلاء الافراد ويؤيد ذلك عدد المجرمين في العالم. وكما يقول البعض من علماء النفس، فان أرضية الجريمة في الأيتام كالدمل المحملة بالقيح، ويجب مراقبتها والحؤول دون بروزها وطغيانها.
    ومعلوم لدينا طبعاً في ان السبب في تلبس بعض الايتام بالجريمة يعود الى وجود جرح عاطفي لديهم لم يلتئم بعد، ويعاني الطفل على اثر ذلك بالبطيء في النمو في مشاعره. ولو قمنا بمعالجة هذه المسألة فنكون قد أوجدنا حلا لهذه الحالة.

    وظيفة الام عند فقدان الأب:


    بعد موت الأب فان مسؤولية الام تصبح ثقيلة واكثر صعوبة. وعليها ان تفي بكلا الدورين للطفل وفي آن واحد، إذ أن الايفاء بذلك يعتبر امراً في غاية الصعوبة ونوعاً من الفن، إذ انها من جانب تعد أماً ويجب عليها ان تفي بدور الامومة المتضمن لدور الرقابة ورعاية الطفل بالجنان والعاطفة، ومن جهة اخرى يجب عليها ان تملأ الفراغ الناجم عن فقدان الأب وعليها ان تفي بدور الأب المتمثل باستخدام القوة والضبط، وهذا العمل لا يمكن اعتباره عملاً بسيطاً. والخطر هنا يكمن في ان الام احياناً وبسبب وفاة الأب تستحوذ عليها حالة انفعالية.
    وبالنتيجة فان الاطفال يستغلون هذه الفرصة استغلالاً سيئاً ويتصفون بالتحرر المطلق وعدم الالتزام بالضوابط الاسرية ويصبحون افراداً يتسمون بالحسد، وعدم الرحمة أي القسوة ولا يرغبون في مواصلة دراستهم وتحصيلهم

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 594

    بسبب انخراطهم مع الافراد السيئين والفاسدين ولا يكترثون بمستقبلهم ومصيرهم وحياتهم.
    ولو كانت النية متجهة لانشاء اسرة جديدة فمن مصلحة الام والطفل ان يصار الى الاقدام على هذه العمل في سني الطفولة. لأن الطفل عندما يبلغ مرحلة بداية الشباب فيما بعد فان تحمل هذا الأمر يصبح أمراً عسيراً عليه ومن الممكن ان تتسبب الام بخلق التاعب له. والجدير ذكره ان الطفل يألف حالة فقدان الابوة سريعاً، وسرعان ما ينظم خلقه وطباعه مع الوضع الجديد ويتطابع مع الوضع القائم فعلاً. ومن واجب الام طبعاً ان تتزوج الرجل الذي يكون مستعداً للقبول بوجود طفلها وان يكون له بمنزلة الأب الحنون حقاً.

    وظيفة الأب عند فقدان الام:


    في حالة وفاة الام، فان هذا الامر يمثل خسارة كبيرة جداً للطفل بل ان فقدان الام اكثر ايلاما واشد وطئاً عليه. وانه لمن العبث ان ندعي القول بان الرجل يجب ان لا يتزوج مرة اخرى حفاظاً على مكانة زوجته المتوفاة، وان يتحمل هو بنفسه مسألة رعاية الاطفال، إذ ان هذا العمل غير ممكن التحقيق وغير معقول أيضاً.
    ان الاطفال الصغار بحاجة ماسة للام، وأهم مسالة في هذا الأمر هو أن ينتخب الام لهم اما وزوجة لنفسه. كما إن فاطمة سلام الله عليها المحت في وصيتها للامام علي عليه السلام ان يتزوج فوراً بعد وفاتها، ولكن طلبت منه ان يتزوج اختها لانها اكثر ألفة مع ابنائها.
    وبعبارة اخرى يجب التأكيد على ان تكون المرأة التي تحل مكان الام من اللاتي سبق للابناء وقد ألفوها مثل الخالة، أو احدى القريبات من العائلة. والاولوية هنا للاطفال ويجب على الرجل ان يفكر بمصلحة الاطفال قبل كل

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 595

    شيء وليس لمصلحته الشخصية. ويجب ان يختار المرأة التي تنقد الاطفال من الغصص المرة، وان تكون لهم بمنزلة الام التي تأخذهم باحضانها الدافئة وتملأعليهم حياتهم وتسليهم.

    مسألة اليتم واليسر:


    ان لفظة اليتم واليسر وبسبب سوابقها المرة التي أوجدتها في الاذهان تكفي لوحدها بان تدخل الرعب في نفوس الافراد. ان الضغوط الناجمة عن مشاعر الاهانة، وعدم الاعتناء، والتوبيخ، والعقاب، وحالات الايذاء تعد من العوامل التي تدفع الطفل نحو التعاسة، والانزواء والتهرب.
    ولا يمكن لأي رجل أن يكون للطفل بمنزلة الأب وأية امرأة لا يمكنها ان تحل محل الام. ولكن لو اعتمدنا على الاصول الانسانية والاخلاق الاسلامية بهذا الشأن بوسعنا ان نتقائل بامكانية الحصول على رجال بدلاء عن الاب ونساء شبيهات بالام. ان السلوكيات الظالمة التي يقوم بها أزواج الامهات أو نساء الآباء والتي نسمع بها دائماً، وهذه التصرفات القاسية والجرائم المرعبة التي تصدر عنهم احياناً، لا تصدر عن البشر، بل من الوحوش المفترسة التي تبدو لنا في صورة انسان وتمارس حياتها تحت اسم زوج الام أو زوجة الاب.
    نعم أن لدينا نساء يتسمن بمزيد من العطف والحنان ولكن عندما يصطدمن بطفل آخر لا ينتسب لهن يصبحن بدرجة عالية من الخطورة والوقاحة وتنقلب احداهن الى غول قاس وشقي ويعذبن هذا الطفل البري الذي ليس له أي ذنب في وفاة والده أو والدته. فهل ان تلك النسوة لا يفكرن بالله والحساب والقيامة يا ترى؟ ألا يفكرن بأن أمامهن يوم آخر؟ أما يكفي الطفل ألم فقدانه لوالدته ويتمه حتى تضاعف من جرح مشاعره؟ لقد قال رسول الله صلى الله

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 596

    عليه وآله وسلم: ارحموا عزيز قوم ذل وغنياً افتقر.

    وظيفة الناس ازاء اليتيم:


    لافراد المجتمع واجبات تجاه الايتام لابد لهم الايفاء بها، إذ انهم مسؤولون عن تأمين وتحمل تكاليف حياتهم، وعليهم ان يحتظنوهم في بيوتهم ويرعوهم ان كان ذلك ممكناً لهم، ويظهرون مواساتهم لهم في تحمل الآلام والمعاناة ولا يفارقوهم وان يقدموا لهم محبتهم الخاصة تجاههم في أقل تقدير.
    فالنظام الاسلامي يقضي بان يقوم الناس بتربية الايتام في بيوتهم كتربيتهم لأبنائهم، وان يكبروا كما يكبر أولئك الاطفال، وان يتمتعوا بنفس المزايا التربوية التي يتمتع بها الآخرون. وقد أثبتت التجارب بأن الاطفال الذي يكبرون ضمن محيط الاسرة يمتلكون في المستقبل توازناً جيداً بالمقارنة مع غيرهم، وعدم الانسجام والانحراف لديهم أقل ما يمكن، ولا يعانون من الحرمان في العطف أو المحبة المفرطة بحيث يقودهم الى الانحراف.
    وان لم نكن نمتلك القابلية على ايواء اطفال الناس في بيوتنا، فينبغي علينا ان نعودهم ونسأل عنهم على الاقل، ونمسح على رؤوسهم بأيدي عطفنا وحناننا، وان ندخل عليهم السرور والفرح بين الحين الآخر ونشجع اطفالنا على ملاعبتهم ومعاشرتهم ... وخير ما نختتم به بحثنا هذا عبارة شريفة للامام علي عليه السلام بشأن الايتام في آخر وصاياه، إذ قال عليه السلام: (الله الله في الايتام فلا تغبوا افواههم ولا يضيعوا بحضرتكم...) نهج البلاغة.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي