الأسرة ومتطلبات الأطفال 551

حدب وصوب. غافلين عن ان صغيرنا مضى عليه وقت طويل وقد ساءت اخلاقه وتطبع على سلوكيات مرفوضة وغير مأنوسة بسبب تهاوننا في أمر تربيته. وقد أصبح طفلنا فرداً كاذباً، وحسوداً، ولجوجاً، ومتمرداً، وسارقاً ومخزياً ونريد الآن ان نجعله يسير في المسار المستقيم.
ان هذا العمل مستحيل ولا يمكن تحقيقه إلا اذا قمنا اولاً باستخدام الاساليب المخطط لها وعن طريق النصيحة والتذكير وحمله على التعلق والتأمل واكتشاف نفسه بايجاد عملية اعادة بناء في شخصيته، وثانياً ان نراعي التدريج بشأنه. وبخصوص المورد الاول من الضروري ان نقوم باكتشاف وتحديد التناقضات وحالات التضاد الموجودة في حياته أو التي كان يمتلكها ونعمل على ازالتها، ونوقظ ضميره ووجدانه، ونسدي له النصائح والارشادات بلطف وبشاشة، ونذكره باخطائه وانحرافاته بنية حسنة وحياً في طلب الاصلاح، ونوقظ وجدانه لكي يسيطر ويشرف على تصرفاته واخيراً نوصله الى مرحلة ينأى بها عن التكبر، والحسد، والعناد، والخصومة والشعور بالرقابة الشديدة. ونقلع منه العادات السلبية ونبعده عن كل ما يحول دون بلوغ شخصيته الى مرحلة الرشد والكمال.
وبخصوص المورد الثاني لابد من القول ان الطفل الذي ألف ولسنين مديدة وضعاً ونمطاً خاصاً من الممارسات الحياتية وان كانت غير مرضية لن يكف عنها بسهولة وعليه يجب ان تقترن عمليتنا في اعادة البناء بميزة التدريج. ونبذل ما بوسعنا وعلى مدى عدة اشهر لنوقف مسيرته المنحرفة ونسد عليه الطريق.
واخيراً يجب ان نذكركم بهذه الملاحظة وهي ان الانحراف يظهر دائماً في طريق الطفل ويجب ان نبذل ما بوسعنا لابعاد الطفل ومنعه من السير في هذا

الأسرة ومتطلبات الأطفال 552

الطريق.
امارات الرشد والكمال:


لكي يصبح معلوماً لدينا الى أي مدى نحن ماضون في طريق رشد اطفالنا وكمالهم سنستعرض بعض الامارات الدالة على ذلك التي لو شاهدناها باديةً على ابنائنا في سن 10 ـ 12 سنة تقريباً يمكننا ان نتفائل باسلوبنا في التربية لحدود معينة وان نشعر بالرضا والارتيا من عملنا ومنهجنا بهذا الخصوص. وتلك الامارات عبارة عن:
1 ـ النقد الذاتي، بحيث يكون قادراً وراغباً في ان ينتقد عمله واسلوبه ويدفع نفسه الى المحاكمة ويشكل هذا الامر اساس الوجدان.
2 ـ تقبل نقد الآخرين له، إذ لو أنه نظر الى هذا الامر على اساس منفعته ومصلحته قبله، ويهتدي بالتالي على اساس ذلك نحو الجهة المطلوبة.
3 ـ تحمل المسؤولية والايفاء بها مقابل ما قطعه على نفسه، وتعهد به أو اعطى القول بادائه.
4 ـ اداء التعهدات والوظائف المرتبطة بالخالق، وكذلك ما يتعلق منها بنفسه والآخرين.
5 ـ القضاء على الميول والاهواء والاستفادة منها في طريق الخير والمصلحة.
6 ـ القدرة على الاعراض عن احدى اللذات والمقاومة امام اهواء النفس.
7 ـ تحمل الآلام والمصائب وكضمها لدرجة لا يضطر معها الى الافصاح

الأسرة ومتطلبات الأطفال 553

عنها للآخرين أو ان يتأوه من وضعه.
8 ـ ترك العادات الصبيانية والطفولية والتحفظ عن صيد العيوب، وسوء الظن، والتوسلات، واظهار العجز.
9 ـ التواضع بدون ان ينجر عمله الى التملق أو قبوله بالباطل.
10 ـ احترام الآخرين والنظر الى ايجابياتهم بدون ان يشعر بأي نوع من الألم في داخله.
11 ـ اتباع التقوى في جميع الاحوال والامور وعلى قول أمير المؤمنين عليه السلام انها مفتاح كل خير وسداد وسبب النجاة من كل هلكة.
12 ـ مراعاة الضوابط الاجتماعيةالمدروسة واطاعة المقررات التي تصب في خير وصلاح الفرج والمجتمع.
13 ـ مراعاته لاستقلاله واعتماده على نفسه في الامور التي يكون فيها قادراً على الفهم والادراك واتخاذ المواقف بشأنها.
14 ـ امتلاك الجرأة في مواجهة المشاكل والمعضلات التي لا يمكن تحاشيها وتحصل في حياة كل فرد بشكل من الاشكال.
15 ـ امتلاك المرونة اللازمة في المباشرة والمعاشرة وعدم الاصرار على اثبات وجوده وأحقيته.
16 ـ القبول بالضوابط والقيود التي تطرأ للفرد في المناسبات الجديدة والتي تحظى ضرورة القبول بها بموافقة العقل والدين.
17 ـ امتلاك الثقة بالنفس وقدرة الاعتماد على النفس بدون خوف أو وجل وبدون الاعراب عن طلب المساعدة من الغير.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 554


18 ـ الابتعاد والاجتناب عن العادات الصبيانية الجاهلية، وسوء الظن، وملاحقة الجزئيات، والتسرع في اصدار الاحكام ونظائرها والتي تعد حجر عثرة في طريق الرشد والكمال.
19 ـ امتلاك روحية التعاون بدلاً عن المحابة والتنافس ومساعدة الآخرين بدون مقابل.
20 ـ الابتعاد عن قبول المدح والثناء المبالغ به وتملقات الآخرين والتي تتسبب بتعاسة الانسان.
وهناك موارد اخرى كالحركة الدائمة والمتواصلة لتحصيل العلم، واداء الواجب، وترتيب وضع عقلائي، والتعود على التفكير قبل النطق والعمل، وقد أعرضنا عن ذكرها مراعاةً للاختصار.

* * *



الأسرة ومتطلبات الأطفال 555


الفصل التاسع



الحاجة الى الدفاع

المقدمة


لو كان المجتمع الانساني أو الحيواني مجتمعاً لا أبالياً والموجودات فيه غير مكترثة ببعضها البعض وغير متربصة لم تكن هناك أي حاجة للحرب والنزاع والدفاع عن النفس، وان لم يتخذ العناد واللجاجة في الانسان طابعاً غريزياً لم تكن هناك حاجة لتعليم الانسان على الدفاع عن نفسه أيضاً. ولكن مما يؤسف له ان القضية تكمن في ان المجتمع الانساني يعيش دائماً حالة الحرب والنزاع، وتروج فيه مسألة الغالب والمغلوب والافراد الاقوى في صدد الثورة والهجوم على بعضهم البعض والفرد الذي يملك قوة اكبر يتغلب على الاضعف ويخضعه لسلطته ونفوذه واستخدامه.
ولا يتمكن الانسان في هذا العالم الشرور والمليء بالمخاطر حسب رأي بعض الفلاسفة ان يكون غير آبها تجاه ما يجري ويدور حوله ولا يعير أهمية لمصيره. ويجب عليه ان يخير فنون الدفاع لا محالة لكي يصبح بوسعه ان يتخذ موقفاً صارماً وثابتاً في حالة بروز كارثة معينة أمامه.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 556


حاجة الطفل الى الدفاع:


الحاجة الى الدفاع موجودة لدى جميع افراد البشر إلا انها اكثر وضوحاً لدى الاطفال. فالطفل بحاجة الى ان يخرج نفسه من الحالة الانفعالية ويصل الى مرحلة الموقف واتخاذ القرار. ويستعين بعقله ويتخذ موقفاً ضد الاشخاص، والاشياء، والحوادث التي يشكل وجودها خطراً عليه، إذ يجب ان يكون قادراً على المضي في طريقه دون ان يظهر أمامه مانع يحول دون ذلك. وما أكثر الاخطار والموانع الانسانية وغير الانسانية التي تنتصب في طريقه وتهدد كيانه وفكره وشرفه وما أكثر المشاكل والمعضلات التي يواجهها الانسان بنحو أو آخر.
وفي هذه الحالات فان الازمات النفسية تواجه الذين لم يتمرنوا على عملية الدفاع ولا يخبرون اسلوب المواجهة، ولا يتملكون الاستعداد اللازم وعاجزون الدفاع عن أنفسهم وعندها يقع الانسان أسير ضعفه وعجزه وسيفقد القدرة عل مواصلة الحياة. ولكي لا يتعرض طفلنا الحالي في الغد لهذه الحالة وكذلك بسبب ابعاده وجوانبه الفطرية فانه بحاجة الى الدفاع.
جذوره ومنشأه:


هناك وجهات نظر مختلفة بشأن منشأ هذه الحاجة، إذ ان اكثرية علماء النفس يقولون ان وجوده في الانسان يعد امراً طبيعياً ويمتلك جذوراً واسساً فطرية لديه. وتوجد في فطرتنا الرغبة في الخلود والبقاء، والرغبة بصيانة النفس، وحب الذات ومشاعر الاحترام، وعزة النفس و... وهذه الموارد هي التي تدفعنا الى الدفاع عن انفسنا لكي نصون كياننا من الاخطار المتعددة.
أو ان الرغبة بالخلود تصبح السبب في أن لا يرغب الانسان بالموت

الأسرة ومتطلبات الأطفال 557

المبكر. وهناك الكثير من الاخطار التي تشكل له عوامل الموت والفناء فتراه يقف بوجهها ويدافع عن نفسه لكي يحذر خلوده ويدحر عوامل الموت. ونماذج هذه التبريرات الدفاعية كثيرة لدى الافراد.
ومن جهة اخرى يمكن اعتبار الدافع الدفاعي دافعاً اكتسابياً ايضاً وذلك لأن الطفل سيدرك طوال مدة حياته مع أبويه والآخرين وخلال معاشراته وتقلباته انه لا يمكن ان يقف على قدميه ويحافظ على منافعه ومصالحه بدون مسألة الدفاع. وهذا الامر بحد ذاته يعد سبباً للدفاع عن النفس.
الآليات الدفاعية:


عادة ما يقوم الافراد ومنذ مرحلة الطفولة بابراز اساليب ومواقف معينة عندما يواجهون الحوادث والموانع والتي يمكن ان نجمعها بمجملها تحت عنوان آلية الدفاع، إذ اننا نلاحظ ذلك لدى الاطفال والكبار بصورة متعددة ومجموع تلك الاعمال يمكن ان تمثل في الواقع نظاماً دفاعياً للانسان وعلى سبيل المثال فانه ازاء امر سلبي يقوم:
  • احياناً باختيار اسلوب المواجهة والثبات، خاصة انه يهجم فيما لو رأى ان لديه القوة والقدرة على ذل.
  • واحياناً ينكر الوقائع والحقائق لدرجة يبدو معها وكأنه لم يقع ذلك الامر اطلاقاً.
  • في بعض الاوقات يختار اسلوب الفرار والهروب وينأى بنفسه عن كل ما هو مضر له.
  • وفي بعض الاوقات يلجأ الى اسلوب الاستتار والاختفاء خلف مانع

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 558

    معين وبهذا الاسلوب يحافظ على نفسه.
  • وفي بعض الموارد يتمارض لكي يفلح في كسب انظار الآخرين ورعايتهم له، وهكذا فانه يلجأ الى استخدام اساليب اخرى مثل تغيير الآمال والطموحات، ونسيانها، تغيير مواقفه، والاستسلام، التعلل، و... لكي يتمكن في ظل هذه الاساليب المحافظة على كيانه من الاخطار والحوادث ويصون نفسه تجاهها وهي بمجموعها تمثل اساليب مختلفة للدفاع عن النفس.
    فوائد ذلك واهميته للطفل:


    ان امتلاك القدرة الدفاعية والاطلاع على الاصول المتعلقة بالحفاظ والدفاع عن النفس يعد امراً ضرورياً ولازماً لغرض الحفاظ على كيان الانسان وبقاء النوع، إذ ان الانسان ليس بوسعه ان يبقى سالماً حتى ولو ليوم واحد في خضم الحياة الفردية والاجتماعية بدون أمر الدفاع لان الاخطار تحيط به من كل حدب وصوب وهي في صدد الايقاع به وتركيعه.
    وعلى الطفل ان يكون قادراً على ان يدافع عن نفسه ويحافظ على كيانه ويبعد نفسه عن الاخطار المختلفة المحدقة به. ويكون قادراً على الاعتماد على نفسه وسط الاشياء، والحوادث والاشخاص ويمضي بكل ثقة واطمئنان نحو هدفه ومقصده المعين.
    كما ان الطفل مضطر الى ان يخبر اساليب الدفاع وفنونه فيتعلم منها ما هو ضروري لسد حاجته. حتى انه من الضروري ان يقوم الآباء بعليم الطفل اصول الدفاع واساليبه بل ويطالبون منه احياناً ان يتمرن على ذلك لكي تختمر قابليته ضمن هذا التمرين ويمضي في حياته بوعي متضح ونظرة سليمة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 559


    اضرار عدم القدرة على الدفاع:


    يمكننا الوقوف على قيمة وأهمية القدرة الدفاعية عندما نضع نصب أعيننا فرداً مجسماً عارياً عن القدرة الدفاعية، إذ ان الانسان عندما يفتقد القدرة على الدفاع:
  • تتغلب عليه المشاكل والمعضلات، وتسلبه القدرة على المضي والحركة، وتجعله فرداً منزوياً وتسلبه امكانية مواصلته الحياة الاجتماعية.
  • لا يملك الاستعداد اللازم امام المشاكل والمعضلات التي تلوح امامه ويكون عاجزاً على العزم والاقدام بجرأة.
  • واحيانا تعرض حياتهم وسلامتهم للخطر وينظرون الى المسائل بخوف واضطراب وتظهر عليهم روحية التملق عند اقامة العلاقات.
  • ويصبحون افراداً يتسمون بالخجل، ويبتلون بالحياء المفرط، والرياء، والترديد، وفي صدد العثور على منفذ للهروب وهي بمجموعها تمثل موانعاً في طريق الرشد الطبيعي والاجتماعي للافراد.
  • ان حالات التمارض، والصراخ، ودموع الاطفال واختلالاتهم النفسية وتقبلات سلوكياتهم يمكن تبرير اغلبها في هذا المجال ولن تتوفر لهم امكانية ممارسة الحياة الطبيعية والاعتيادية.
  • واخيراً فان الذين لا يملكون القدرة على الدفاع أو حتى الذين لديهم قدرةً دفاعية ضعيفة يلجأون الى اخفاء أنفسهم عندما يواجهون المشاكل خوفاً منها أو يعمدون الى اسلوب التظاهر بالبكاء.
    ضرورة التعليم الدفاعي:


    من اجل تأمين حاجة الطفل الى الدفاع من الضروري تعليمه طرق واساليب الدفاع، لغرض تأمين المصالح التي فيما بعد في حياة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 560

    الطفل. ونسعى في هذا التعليم الذي يتم عادة عن طريق ملاعبة الطفل والالقاء والتلقين، وذكر القصص والاساطير، وتمكين الطفل من مشاهدة الافلام المتعلقة بهذا الشأن، وزجه في مواجهة المسائل المتعلقة بعمليات الدفاع العملية في ميدان الحياة الاجتماعية وحتى عن طريق التعليم الرسمي نسعى الى تعليمه الاسرار والفنون الازمة وننقل له التجارب الجديدة في هذا المجال. لكي نمتلك الاستعداد اللازم في ميدان الحياة الحاضرة والمستقبلية.
    والمعلوم لدينا ان الطفل قابل للتقلقين ويمتلك الرغبة في التقليد ومشابهة الآخرين ومن الممكن ايجاد قوة الدفاع لديه من خلال الاستفادة من هذه المؤهلات لكي لا يستسلم امام اي فكر أو وجهة نظر أو أي أمر يصوره له الآخرين. وعلى أي حال لو أردنا ان نجعل من الطفل فرداً حياً ذو شخصية واعتبار يجب علينا أن نهيء له مقدمات ذلك وموجباته منذ هذه اللحظة. وفيما يتعلق بزمن الشروع بهذا التعليم لابد من القول انه يجب الشروع بذلك منذ ان يقوم الطفل بالاصرار امام والده ووالدته ويبدأ بالعناد واللجاجة من أجل ان ينفذ ما يريده.
    ومنذ أن يكتشف الطفل شخصيته يجب ان تحقق له القدرة على المواجهة لكي يصبح بوسعه حل المسائل والمشكلات التي تواجهه في حياته ويكافح الاخطار والمعضلات. وبداية ذلك يكون في الاربعة اشهر الاولى، إذ يبدأ الطفل بمحاولة معرفة بعض الاشياء تدريجياً ويطلع على نمط واسلوب الحياة. ولو بكى الطفل احياناً أو لج في أمر ما يجب ان نقبل ذلك منه لكي يتأكد من ان هذا الاسلوب يمثل احدى طرق الدفاع عن النفس والبقاء على قيد الحياة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 561


    ابعاد القدرة على الدفاع:


    المراد بهذا الحديث ما هو المقدار الذي يحتاجه الطفل من القدرة الدفاعية والى اي مدى هو بحاجة الى ذلك. والجواب هو انه بحاجة الى الدفاع عن البدن، والدفاع عن الفكر والعقيدة، والدفاع عن الشرف والشخصية والاصالة، وبشكل عام الدفاع عن كل ما هو عائد اليه وله ضرورة لحياته.
    احياناً يتمثل الامر بالدفاع عن البدن اذ يقوم فيه بمصارعة غريمه، واحياناً يكون الدفاع عن الفكر والعقيدة اذ يقوم فيه بالدفاع عن كل ما يعتقد به واحياناً يكون الدفاع عن الفكر والعقيدة اذ يقوم فيه بالدفاع عن كل ما يعتقد به واحياناً طالبونه بأور لا تنسجم مع شرفه وأصالته وعليه ان يكون قادراً في تلك الحالة أيضاً ان يدافع عن نفسه.
    كما ينبغي للطفل الصغير ان يعلم بأن احداً لا يملك الحق في ان يجعله مرتعاً للاستغلال. والطفل الذي يبلغ الخامسة من عمره يجب ان يعلم بأن احداً لا يملك الحق في ان يلمس بدنه، أو ان يتطاول ويمد يده الى سرواله، والطفل الذي يبلغ السادسة أو السابعة من العمر يجب ان يكون قادراً في الدفاع عن نفسه وان لا تقبله المرأة الاجنبية، والبنت كذلك في هذه السن يجب ان تعلم بان الرجل الاجنبي لا يملك الحق في ان يقبلها، وعليها في هذه الحالة ان تدافع عن نفسها. وفيما يتعلق بحدود هذه القدرة الدفاعية لابد من القول بانها يجب ان تكون بالمقدار الكافي لابراز وجوده في ميدان الحياة وعلاقاته في الجتمع وبأنه يواجه المجتمع والمشاكل والمعضلات.
    ابعاد الدفاع:


    لكي يكون الطفل قادراً على الدفاع عن نفسه يجب ان يمتلك بعض الخصائص في جوانب حياته الفردية ويدافع عن نفسه في الابعاد المختلفة التي

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 562

    سنشير لها فيما يلي:
    1 ـ الدفاع عن البدن:


    إذ يجب ان يمنح بقدرة بدنيه كافية لكي يتمكن الدفاع عن جسمه ونفسه. وبناء على هذا الاساس من الضروري الاهتمام بتقوية بدن الطفل ونجعله فرداً قوياً من الناحية البدنية. ونقوم بتقوية اعضائه ونضاعف من قدرته على المقاومة. ونحافظ عليه من الاصابة بالامراض ونبعده عن العوامل المضرة والمسببات المرضية. والمعلوم ان الابدان القوية تبعث على ان يمتلك المرء المزيد من الجرأة والقلب الجلد ويشعر بالقوة والمقدرة وفي هذه الحالة لن يستسلم للرذائل والدناءة.
    2 ـ الدفاع النفسي:


    ليس المراد بالدفاع النفسي في كل الاوقات الدفاع عن البعد النفسي، بل المراد بذلك أن يكون على درجة عالية من القوة والاستقامة الروحية بحيث لا يكون طعمة للتملق والرياء، وان لا يخسر نفسه امام مظاهر التملق ولا يخدع نفسه. أو ان لا يكون في البعد العاطفي أسير القهر والغضب بل يفرض سيطرته على هذه الانفعالات ويكون مديراً لذاته وشؤونه.
    اننا لا نرمي الى القضاء على قوة الغضب لدى الطفل، بل نريد ان نرشد ذلك في الطفل ونوجهها لكي يكون موفقاً أكثر في البعد الدفاعي. والمراد بكلامنا هذا ان قدرة الدفاع النفسية ضرورية للحفاظ على شخصية وكيان الطفل وانسجامه الفكري مع المجتمع.
    3 ـ الدفاع اللفظي:


    لابد من تقوية قدرة البيان لدى الطفل وتنميتها اكثر فأكثر وتعريفه

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 563

    بالمنطق والاسلوب المنطقي ليكون قادراً للدفاع عن حقوقه في المحاكم وبين الناس. حتى انه من الضروري ان يكون الطفل في بعض الموارد قادراً على اثبات احقيته في البيت بدلاً من اظهار الندم على عمله الناجم عن عدم قدرته على الدفاع. وعلى هذا الاساس من الضروري ان نمرنه ونعلمه على الكلام لكي يكون قادراً على انقاذ نفسه من الخطر. ولا يختلف اثنان في ان الفرد الاوفر حظاً في قاعة المحكمة هو الذي يكون قادراً على الدفاع عن نفسه بشكل أفضل وبيان أقوى وأبلغ. كما أن الاكثر توفيقاً ونجاحاً هو الاقدر على الدفاع عن نفسه باسلوب منطقي أغنى من غيره.
    الضروريات في هذا السبيل:


    في سبيل القيام بالتعليم الدفاعي وتمكين الفرد من الدفاع عن نفسه من الضروري ان يمتلك الفرد منا تصوراً صحيحاً عن نفسه وشخصيته ويعلم لأي مدى يمكنه العمل والمضي قدماً في مسيرته.
    كما انه من الضروري له أن يمتلك اطلاعاً كافياً عن الاساليب الجديدة اللازمة لمسألة الدفاع. وان يختبر استعداده وقدرته الروحية في الدفاع. ويمتلك الجرأة والشجاعة وحتى يجب ان تبقى قوته الغضبية موجوة وبحدود متزنة. لان الانسان ان لم يغضب لن يكون قادراً في الدفاع عن نفسه. كما انه من الضروري ان تكون أعصابه سليمة وقوية، ويمتلك المهارة الكافية في المجالات التي يحتاج اليها. وان تكون معلوماته في المجالات المختلفة، وكيفية ايجاد الحلول لها كافية، وان تكون مسألة اختيار الافضل والاحسن نصب عينيه. وان يخبر الفنون اللازمة في الحياة الفردية وسباقاً في حل وازالة المشاكل. ويعرف موقعه ومطلعاً على مكانته في الحياة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 564


    التمرينات الدفاعية:


    في سياق التعليمات والتدريبات الدفاعية واعداد الطفل للدفاع عن نفسه والقيام بالتمهيدات اللازمة لذلك من الضروري في هذا السياق دفع الطفل في بعض الموارد للقيام باداء التمرينات الدفاعية. والمطلوب حقاً في هذا السياق ان يستعد الطفل في البيت استعداداً كافياً لدرجة يصبح معها قادراً على الدفاع عن نفسه وشؤونه في المجتمع.
    ومن اللازم في هذا السياق ان تقوموا باجراء الالعاب الدفاعية والاشتباك مع الطفل في البيت، وان تعطوه الفرصة للدفاع عن نفسه، وتناقشوا معه ونمو قدرته البيانية، وجادلوه وانتقدوا نمط تفكيره ليتمكن من الدفاع عن نفسه، حتى انه من الضروري قيامكم بترشيد روح العناد والمواجهة لديه.
    هذه التمرينات يجب ان تكون ذات طابع تدريجي ويشرع بها منذ سني العمر الاولى. ويجب ان نعرضه لمواجهة المشاكل والمعضلات شيئاً فشيئاً لكي نهيء الارضية المناسبة لصياغة وتوجيهه ويجدر بنا طبعاً ان نسعى دائماً الى مراقبة حالاته وسلوكياته وحركاته وسكناته.
    الاعداد لامتلاكه القدرة:


    من المهم في سياق تأمين المتطلبات الدفاعية للطفل ان نذكر الملاحظة التالية، إذ يجب ان نقوي الطفل من حيث قدرته على البيان، وقدرته الروحية، والبدنية ونجعله بدرجة من التجهيز بهذه الامور لدرجة لا يتمكن معها أي فرد ان يخضعه لسلطته أو يعتدي عليه. ويجب ان تكون قدرة الطفل الدفاعية بمقدار لا يجرأ معه أي فرد ان يفرض عليه شروطه بالقوة أو ينوي الاعتداء وهتك حرمته وكرامته.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 565


    ويجب ان يكون وضع الطفل من حيث القدرة والجرأة وامتلاك الحماية بشكل لا يدع معه مجالاً امام أي فرد في أن ينمي فكره التجاوز والاعتداء عليه في رأسه، وان يكون قادراً على الدفاع عن نفسه ولا ينسى دابه ومواجهته للاخطار، إذ يجب ان يدافع عن نفسه، ويعتمد على نفسه. وأنه لمن الخطأ ان نجعل الطفل فرداً خجولاً لدرجة يكون معها عاجزاً في الدفاع عن نفسه أو يخجل فلا يفصح عما يريد.
    فيما يتعلق بشأن نزاع الاطفال:


    وهذا كلام جدير بالذكر ايضاً، اذ يشتبك الاطفال احياناً في نزاع أو شجار فيما بينهم في البيت أو خارجة أو ما نصطلح عليه بتنعيم قبضاتهم في بعض الاحيان. هذا الامر يصبح السبب في ان يظهر الآباء حساسية فائقة تجاه هذه الحالة ويحولوا دون وقوع النزاع بينهم. طبعاً هذا الامر جيد ويجب ان يحظى باهتمامنا ورعايتنا ايضاً. خاصة عندما يتضح لنا انه من الممكن ان يتعرض الطفل للخطر والاذى من خلال ذلك. أو قد ينجر الأمر الى جرحه واصابته بالنقص جراء ذلك.
    ولكن نريد ان نؤكد هذه الملاحظة وهي ضرورة عدم اسحواذ القلق علينا اثناء نزاع الطفال بالرغم من كل التدابير والرقابة التي نفرضها على هذه الاشتباكات وذلك لأن هذه المسألة تمثل احدى طرق اجراء التمرينات الدفاعية للطفل ان الاطفال من خلال هذه النزعات يختبرون انفسهم ويقفون على حقيقة قدرتهم في واقع الامر. ويتعلمون اسلوب وطريقة الدفع ويحصلون على الاستعداد اللازم في هذا المجال. ومن هذا المنطق راقبوا سلوكهم ولكن لا تكونوا جديين اكثر مما ينبغي.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 566


    الاخلاق والدفاع:


    يجب ان تسود الاخلاق وتتحكم بجميع السلوكيات وامور الحياة الاخرى، حتى في جهادنا، ودفاعنا وقتالنا، إذ ان الاصول الانسانية لا يمكن نسيانها في أي مرحلة من المراحل على الاطلاق، حتى في قتل الخصم واسره، وبامكانكم مشاهدة اسمى صور التجلي في هذا الأمر في مبارزة الامام علي بن أبي طالب عليه السلام مع عمرو بن عبدود.
    الطفل له الحق في الدفاع عن نفسه ولكن لا يملك الحق في التجني والعدوان لان الله لا يجب المعتدين، اننا ندافع والاساس هو طرد الخصم وليس سحقه وابادته، والامر الثاني يتقرر حسب الضرورة. كما اننا نمضي قدماً في سعيناً طالما هناك مجال لاستخدام المنطق وقدرة البيان والاستدلال ونرى له تأثير بناء ومتى ما حصل خلاف ذلك أو يتعذر علينا النجاح عن طريق هذا الاسلوب فان ابواب المبارزة والقتال ستفتح على مصراعيها.
    واخيراً فان الخطوط الدفاعية التي اقمناها للطفل انما هي خطوط اسلامية وعلى اساس رؤية ونهج الاسلام، لذا علينا السعي في ان لا يتخطى الطفل هذه الثوابت.

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 567

    الباب السابع

    متطلبات خواص الاطفال

    الاستثنائيون



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 568



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 569

    سنستعرض هذا القسم في خمسة فصول:
  • فصل بشأن العموميات المرتبطة بالاطفال الاسثنائيين ويشمل تعريفهم وتصنيفهم، والاهتمام بتربيتهم...
  • والفصل الثاني منها بشأن احتياجات الايتام، وأهمية مسألة اليتيم، والاخطار التي تهددهم، وواجب الأب أو الام في حالة فقد أحدهما...
  • والفصل الثالث منها بشأن احتياجات المعلولين وبيان حالاتهم وسلوكياتهم ومسؤولية الأبوين تجاههم، والعمل على تأهيلهم على الاشتغال.
  • والفصل الرابع منها بشأن المتخلفين عقلياً، وحقوقهم وواجبات الآباء والمربين تجاههم.
  • والفصل الخامس منها بشأن الاطفال الاذكياء وأهميتهم وأهمية وضرورة التخيطيط بشأنهم والتعويل عليهم. وطبقاً لمنهجنا في البحث سنسعى الى تناول هذه المباحث بشكل مختصر ايضاً.


  • السابق السابق الفهرس التالي التالي